هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري] المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«انا الله و انّا اليه راجعون »

فوجئنا ببالغ الأسى والأسف - و الكتاب قيد الطبع - بالمصاب الجلل و الكارثة العظمى، و ذلك بإرتحال فقيه الطائفة، السيد المؤلف قدس سره ، ففجعت أسرة آل الجزائري العريقة في العلم و التدين بفقد عميدها في العصر الحاضر، بل و فجعت الحوزات العلمية بفقدها أحد أساطين العلم و التقوى، فصدق قوله علیه السلام :

«إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء»

ففي السحر من ليلة السبت 25 ذي القعدة الحرام 1419 أفل هذا الكوكب الساطع عن سماء الفقاهة وافداً على ربّه الكريم، فسكن ذلك القلب العطوف، و سكنت تلك اليراعة التي خلدت لسالكي طريق الإجتهاد و روّاد الفضيلة تراثاً علمياً و معنوياً ضخماً. بعد أن قضى زهاء أربعين عاماً من عمره الشريف بجوار باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم متعلّماً ثم مدرساً و مؤلفاً، وكان أمله أن يثوى في تلك الارض المقدسة، لكن قدر له الخروج منها و أن ينتقل إلى «دار السلام» في حرم

أهل البيت علیهم السلام فيكون مضجعه و مثواه الأخير بجوار سيدتنا فاطمة الصغرى علیها السلام . و بهذا الفادح الأليم نعزّي حامي الشريعة الغراء سيّدنا الإمام المنتظر «صلوات الله و سلامه عليه و عجل فرجه الشريف»، كما نعزي أسرته الكريمة، سائلين منه تعالى لهم الصبر و الأجر.

و إنّنا و إن فقدنا شخص المؤلف، لكنّا لم نفقد منتهى هدايته في علمه و تقواه، و تواضعه و زهده و عزوفه عن الدنيا و زخارفها، و إعراضه عنها، فقد جسّد قدس سره الاسلام علماً و عملاً، عاش سعيداً و مات حميداً، و جزاه الله عن الاسلام و أهله خيراً. و نستمد منه تعالى التوفيق لمواصلة منهاجه و نشر ما بقي من أجزاء هذه الموسوعة الفقهية الخالدة «هدى الطالب بل و إعداد سائر مؤلفاته الثمينة التي هي حصيلة جهاده العلمي الدؤوب للطبع لتكون خدمة أخرى لفقه أهل البيت علیهم السلام ، إنه ولي التوفيق.

ص: 3

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 4

الجزء الرابع

[تتمة كتاب البيع]

[شرائط المتعاقدين]

اشارة

الكلام في شروط المتعاقدين (1)

______________________________

شرائط المتعاقدين

(1) و هي أمور، و المذكور منها في الكتاب البلوغ و القصد و الاختيار و ملك أمر البيع إمّا بملك العوضين- مع انتفاء الحجر- و إمّا بولاية التصرّف. و لا بأس بالإشارة إلى بعض الأمور قبل الشروع في توضيح العبارة.

الأمر الأوّل: أنّ شرائط البيع على قسمين:

أحدهما: ما يكون دخيلا في البيع عرفا، كمالية العوضين، و القصد إلى إنشائه.

و الآخر: ما يكون دخيلا فيه شرعا، من دون دخل له في البيع العرفي، كاعتبار البلوغ في المتعاقدين، فإنّه قيد زائد على ما اعتبره العرف في البيع، فاشتراطه فيه منوط بقيام دليل شرعي عليه. فإن نهض دليل عليه فهو المتّبع، و إلّا فإطلاق دليل إمضاء المعاملة واف بإثبات نفوذ معاملات الصبي المميّز المتمشّي منه قصد العنوان المعاملي، و لا يبقى مجال للتمسك بأصالة الفساد.

الأمر الثاني: أنّ الظاهر من الروايات كون البلوغ شرطا، لا كون الصبا مانعا.

و تظهر الثمرة في الشك في بلوغ العاقد. فعلى الأوّل يحكم بفساد العقد، لكونه مقتضى استصحاب عدم البلوغ، فيبطل الإنشاء. و على الثاني يصح، لاندفاع المانع بالأصل.

ثمّ إنّ ظاهر تعبير الفقهاء ب «شروط المتعاقدين» دخل الأمور المذكورة بنحو

ص: 5

..........

______________________________

الشرط الذي يتمّ به تأثير العقد، لا كون أضدادها موانع الصحة، فمثل البلوغ و الاختيار متمّم تأثير الإنشاء في النقل و الانتقال، لا كون الصبا و الإكراه مانعين عن نفوذه. و يشهد له تعبيرهم «باشتراط الكمال بالبلوغ و العقل» و تفريعهم بطلان عقد الصبي عليه، من جهة فقد الشرط.

نعم تعبير المصنف قدّس سرّه ب «بطلان عقد الصبي» قد يوهم مانعية الصبا عن الصحة.

لكن يندفع بأنّه متفرّع على اشتراط الكمال كما سيأتي في كلام الشهيد قدّس سرّه.

مضافا إلى تداول إطلاق الشرط على الأمر الوجودي و عدم المانع، و الأمر سهل.

الأمر الثالث: أنّ الشرائط المذكورة معتبرة في البيع، سواء أنشئ بالقول أم بالفعل، بناء على ما تقرّر في باب المعاطاة من المكابرة في منع صدق البيع العرفي- الموجب للملك- عليها. و كذا الحال لو قيل بعدم الملك، و أنّها تفيد الإباحة تعبدا، و ذلك لما تقرّر في أوّل تنبيهات المعاطاة من أن المتيقن من المعاملة الفعليّة هي الجامعة لشرائط البيع القولي.

إذا عرفت ما ذكرناه من الأمور فلنشرع في توضيح المتن.

ص: 6

[الشرط الأوّل: البلوغ]
اشارة

مسألة المشهور- كما عن (1) الدروس و الكفاية- بطلان عقد الصبي،

______________________________

الشرط الأوّل: البلوغ

(1) الحاكي هو السيّد المجاهد قدّس سرّه «1». و نسبة الشهرة إلى الفاضل السبزواري قدّس سرّه و إن كانت في محلها، إلّا أنّ نسبتها إلى الشهيد مسامحة، لقوله في الدروس: «و نعني بكمال المتعاقدين بلوغهما و عقلهما. فعقد الصبي باطل و إن أذن له الولي، أو أجازه، أو بلغ عشرا، على الأشهر» و تعبيره بالأشهر لتعدد الأقوال في المسألة كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة «2»، و قد أنهاها الفقيه المامقاني قدّس سرّه «3» إلى سبعة أقوال، و يتجه التعبير بالأشهر بالنسبة إلى القول الثامن- و هو البطلان مطلقا- سواء أذن له الولي قبل العقد أم لا، و سواء أجاز عقده بعده أم لا، و سواء بلغ عشر سنين أم لا، و سواء أ كان مميّزا أم لا.

و هذا بخلاف ما لو عبّر الشهيد بالمشهور، فإنّه موهم بل ظاهر في ندرة القول بالصحة و شذوذه، مع أنّه ليس كذلك، كما سيظهر في مطاوي الأبحاث الآتية

______________________________

(1) المناهل، ص 286، الدروس الشرعية، ج 3، ص 192، كفاية الأحكام، ص 89.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170.

(3) غاية الآمال، ص 321 و 322.

ص: 7

[الوجوه المستدل بها على اعتبار البلوغ]
[أ: الإجماع]

بل (1) عن الغنية الإجماع عليه و إن (2) أجاز الولي.

و في كنز العرفان «نسبة عدم صحة عقد الصبي إلى أصحابنا» (3).

______________________________

إن شاء اللّه تعالى، لوجود المفصّل تارة بين عقد المميّز و غيره، و اخرى بين إذن الولي له و استقلاله فانتظر.

و كيف كان فغرض المصنف قدّس سرّه من حكاية الشهرة عن الدروس و الكفاية توهين القول بصحة معاملة الصبي، و ذلك لمخالفته للشهرة الفتوائية على البطلان.

و قد استدلّ على فساد عقده بالإجماع المتضافر نقله و بالنصوص، و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

الوجوه المستدل بها على اعتبار البلوغ أ: الإجماع

(1) غرضه الترقي عن مجرد اشتهار الفتوى بالبطلان إلى كون الحكم مجمعا عليه. قال السيد أبو المكارم قدّس سرّه: «و يخرج عن ذلك أيضا- يعني كخروج بيع العبد الجاني عن دليل حلّ البيع- بيع من ليس بكامل العقل، و شراؤه، فإنّه لا ينعقد و إن أجازه الولي، بدليل ما قدّمناه من الإجماع، و نفي الدليل الشرعي على انعقاده.

و يحتج على المخالف بما رووه من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ ..» «1».

(2) وصلية، و غرض السيّد قدّس سرّه تعميم البطلان لصورة إذن الوليّ له في البيع و الشراء، و أمّا بطلانه في صورة عدم الإذن فكأنّه من الواضحات.

(3) قال الفاضل المقداد قدّس سرّه في الأحكام المستفادة من آية وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ ما لفظه: «اختلف في معنى ابتلائهم، فقال أبو حنيفة: هو أن يدفع إليه ما يتصرف

______________________________

(1) غنية النزوع، ص 523، س 34، و الحاكي لكلامه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170.

ص: 8

و ظاهره (1) إرادة التعميم لصورة إذن الولي (2).

و عن التذكرة: «أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ و الإجماع، سواء كان مميّزا أو لا، في جميع التصرّفات، إلّا ما استثني، كعباداته (3)

______________________________

فيه. و قال أصحابنا و الشافعي و مالك: هو تتبّع أحواله في ضبط أمواله، و حسن تصرفه، بأن يكل إليه مقدمات البيع، لكن العقد لو وقع منه كان باطلا، و يلزم على قول أبي حنيفة أن يكون العقد صحيحا» «1».

و الشاهد في نسبة بطلان عقد الصبي المميّز إلى أصحابنا.

(1) منشؤه إطلاق محجورية الصبي عن التصرف، بلا فرق بين استقلاله فيه و بين إذن الولي له.

(2) يعني: فيكون الصبي مسلوب العبارة كالبهائم، فلا عبرة بعبارته و إن اقترنت بإذن الولي أو إجازته. ففي المسألة أقوال، أهمّها اثنان:

أحدهما: اعتبار البلوغ في المتعاقدين، و عدم العبرة بعبارة الصبي و إن كانت مع إذن الولي أو إجازته. و هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل المدّعى عليه الإجماع.

ثانيهما: اعتباره في نفوذ عقده من دون حاجة إلى مراجعة الولي.

و بعبارة أخرى: ما يثبت في البالغ- من استقلاله في أموره من عقوده و إيقاعاته- ينفى في الصبي، فليس الصبي مستقلّا في تصرفاته بحيث تنفذ عقوده و إيقاعاته بلا مراجعة الولي. فلا مانع من شمول إطلاق الأدلة الإمضائية لعقد الصبي مع إذن وليّه.

(3) لما ثبت في محلّه من شرعية عباداته، و إن كان محلّ الخلاف، و ظاهر كلام العلّامة التسالم على استثناء عبادات الصبي من أفعاله التي هو محجور عليها. و لكنه غير ظاهر.

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 102.

ص: 9

و إسلامه (1) و إحرامه و تدبيره و وصيّته و إيصال الهدية و إذنه في الدخول على خلاف في ذلك (2)» «1» انتهى.

و استثناء إيصال الهدية (3) و إذنه الهدية و اذنه في دخول الدار يكشف

______________________________

ثم إنّ الظاهر أنّ مورد البحث هو الصبي المميز الذي له قصد و إرادة. و أمّا غير المميّز الذي لا يميّز الصلاح عن الفساد و لا قصد له ففعله كعدمه، و لا يصلح أن يكون موردا للبحث و النزاع، لفقدان القصد المقوّم للأفعال القصدية الّتي منها البيع.

و من المعلوم أنّ الفعل الصادر بعنوانه المتقوّم بالقصد إذا صدر عن الصبي ينبغي أن يقع فيه البحث، و أنّه هل يكون موضوعا للآثار؟ أم لا بد في ترتيب الأثر عليه من صدوره عن البالغ، و أنّ الصادر عن الصبي ليس موضوعا للأثر. فدعوى «الإجماع على كون فعل الصبي كالعدم سواء أ كان مميزا أم لا» غير مسموعة، إذ لا مقتضي لصحة فعل غير المميّز، لعدم القصد إليه.

و بالجملة: فلا بدّ من جعل مورد البحث خصوص الصبي المميز القاصد للفعل، لتوقف العناوين القصدية على القصد.

(1) المراد بنفوذ إسلام الصبي هو خروجه به عن تبعية أبويه الكافرين، و هذا المورد منصوص، كصحة إحرامه و تدبيره و وصيته، و سيأتي في التعليقة التعرّض لها إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: في اعتبار إذن الصبي في الدخول، فقد يقال بجواز الدخول في الدار بمجرد إذن الصبي، و قد يقال بمنعه.

(3) غرض المصنف قدّس سرّه من هذه العبارة تقريب دلالة كلام العلّامة على ما نحن فيه، و هو حجر الصبي عن العقد و الإيقاع و عدم العبرة بإنشائه، و توضيحه: أنّه قد يتخيّل أجنبية عبارة التذكرة عن المقام، لظهور قوله: «الصغير محجور عليه في

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 73، س 25، و الحاكي عنه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170.

ص: 10

..........

______________________________

جميع التصرفات» في اختصاص الحجر بتصرّفه في ماله كبيعه و شرائه و صلحه و هبته و إجارته و نحوها من التصرف الاعتباري في أمواله الشخصية. و أمّا إذا لم يتصرّف الصبي في مال نفسه بل توكّل عن الغير في مجرّد الإنشاء فقد يشكل استظهار بطلانه من قول العلّامة: «جميع التصرفات» لعدم كون إجراء العقد و الإيقاع- بالوكالة عن الغير- تصرفا في مال الصبي حتى يكون محجورا عنه. و من المعلوم أخصيّة المنع- من التصرف في مال نفسه- من المدّعى، و هو عدم العبرة بأفعاله و أقواله مطلقا سواء تعلقت بماله أم بمال وليّه بإذنه، أم بمال الغير وكالة.

و قد زيّف المصنف قدّس سرّه هذا الوهم، لدلالة فحوى كلام العلامة على أنّ المراد من التصرف مطلق أقواله و أفعاله، و ذلك لأمرين مسلّمين:

أحدهما: أصالة الاتصال في الاستثناء، و عدم حمله على الانقطاع إلّا بقرينة.

ثانيهما: أولوية حجر الصبي عن تصرفه- الموضوع لحكم شرعيّ- من حجره عن تصرفه الذي لا يترتب عليه الأثر.

و توضيحه: أنّ العلّامة استثنى- من عموم حكمه بحجر الصغير عن التصرف- أمورا، منها: ما يترتب عليه الأثر كإسلامه و إحرامه و عتقه و نحوها ممّا حكم الشارع عليه بالصحة و النفوذ.

و منها: ما ليس موضوعا لحكم كإيصال الهدية و الإذن في الدخول. و الوجه في عدم موضوعيّتهما لحكم هو أنّ جواز تصرف المهدي إليه منوط بوصول الهدية إليه عن إذن المالك، و لا دخل لإيصال الصبي فيه أصلا، و إنّما هو آلة، كما لو حملها المهدي على حيوان أو أرسلها بالبريد.

و كذلك الحال في جواز الدخول في دار الغير، فإنّه مترتّب على إحراز رضا المالك، سواء أ كان الكاشف عنه إذن الصغير أم البالغ، فالعبرة بالمكشوف و هو الرضا المالكي، لا بالكاشف، فلو لم يحرز رضاه بإذن الكبير لم يجز للأجنبي الدخول.

ص: 11

بفحواه عن شمول المستثنى منه (1) لمطلق (2) أفعاله، لأنّ (3) الإيصال و الإذن ليسا من التصرفات (4) القولية و الفعلية. و إنّما الأوّل (5) آلة في إيصال الملك، كما لو حملها على حيوان و أرسلها (6).

______________________________

و على هذا فحيث إنّ العلّامة قدّس سرّه استثنى من موارد الحجر هذين الموردين اللّذين لا يترتب عليهما أثر شرعي كان مقتضى اتصال الاستثناء دخولهما في المستثنى منه- أعني به جميع التصرفات- لو لا الاستثناء. و لمّا كان المستثنى منه شاملا لهما اقتضت الأولوية القطعيّة اندراج فعل الصبي و قوله- الموضوعين للأثر الشرعي- فيه، كما إذا صار الصغير المميّز وكيلا عن غيره في إنشاء عقد أو إيقاع، فإنّ مقتضى عموم قوله: «جميع التصرفات» حجر الصبي عنه و عدم العبرة بعبارته، و لا يختص المنع بالتصرف في مال نفسه حتى يكون معقد الإجماع مختصا بتصرف الصبي في أمواله، كي يصير الدليل أخصّ من المدّعى، و هو عموم حجر الصبي و إلغاء إنشائه مطلقا سواء تعلق بماله أم بمال الغير.

(1) المراد بالمستثنى منه قول العلّامة: «جميع التصرّفات» و الوجه في الفحوى ما عرفته من أن إيصال الهدية ممّا ليس موضوعا لحكم شرعي لو توقّف تمشّيه من الصبي على الاستثناء كشف ذلك بالأولوية عن توقف الفعل و القول الموضوعين للحكم على الاستثناء.

(2) متعلق ب «شمول».

(3) هذا تقريب الفحوى، و قد عرفته.

(4) المراد من التصرف هنا معناه الأخص، و هو القول و الفعل الموضوعان للأثر، كالإسلام و الإحرام و التدبير و الوصية، فإنّها موضوعات لأحكام. بخلاف إيصال الهدية.

(5) لو قال: «و إنّما الصبي في الأوّل آلة .. إلخ» كان أنسب، حتى يكون المراد بالأوّل مثال إيصال الهدية، و تتّجه آليّة الصغير فيه.

(6) أو أرسلها بالبريد أو بوسيلة أخرى، حيث إنّ المهمّ وصول الهدية عن إذن مالكها.

ص: 12

و الثاني (1) كاشف عن موضوع تعلّق عليه إباحة الدخول، و هو رضا المالك [1].

______________________________

(1) بالرفع معطوف على «الأوّل» و المراد بالثاني أذن الصغير في دخول الضيف في الدار، حيث إنّ العبرة بالمكشوف و هو إباحة الدخول من قبل المالك، لا إعلام الصبي و إذنه.

هذا كله في الدليل الأوّل على بطلان عقد الصبي، و هو الإجماع المنقول.

______________________________

[1] تعميم معقد الإجماع للصبي المميّز غير ظاهر. قال في الكفاية مفرّعا على ما ذكره بقوله: «يشترط أن يكون المتعاقدان عاقلين بالغين على المشهور» ما لفظه:

«فلا يصح بيع المجنون و لا الصبي، و كذا الشراء، و في المميّز إشكال».

و كذا يشكل شمول إجماع الغنية للصبي المميّز، لأنّ عبارتها المحكيّة هي هذه:

«لا ينفذ بيع من ليس بكامل العقل و شراؤه، فإنّه لا ينعقد و إن أجازه الولي، بدليل ما قدمناه من الإجماع، و نفي الدليل الشرعي». إذ الظاهر ممّن ليس بكامل العقل هو غير المميّز، لا مطلق الصبي، لأنّ من الواضح كون بعض أفراد غير البالغ كامل العقل بالوجدان، فلا يصدق عليه العنوان المزبور- و هو غير كامل العقل- فلا يشمل معقد الإجماع الصبي المميّز. و على تقدير الشمول لم يحرز كون الإجماع تعبديا، لاحتمال مدركيته، بأن يستند المجمعون إلى بعض الوجوه المحتج بها على مذهب المشهور.

و الحاصل: أنّه لا إجماع أوّلا، لكون المسألة خلافية، و أنّ معقده بعد تسليمه لا يشمل المميّز ثانيا، و أنّ احتمال مدركيته يسقطه عن الاعتبار ثالثا. فالإجماع لا يصلح لإثبات مدّعى المشهور.

و كذا دليلهم الثاني و هو حديث «رفع القلم عن الصبي» لما سيأتي في توضيح المتن.

و كذا دليلهم الثالث، و هو الروايات المتضمنة منطوقا و مفهوما لعدم جواز أمر الصبي، لما ذكره المصنف بقوله: «لكن الإنصاف أنّ جواز الأمر .. إلخ» فتلك الأخبار أيضا لا تفي بإثبات مذهب المشهور. و على تقدير دلالتها على نفي مطلق الجواز عن عقد الصبي لا ينافي النفوذ بعنوان كونه عقدا للولي، حيث إنّ إذنه تصحح نسبته إليه كعقد الفضولي المضاف إلى من بيده اعتباره بعد إجازته.

ص: 13

[ب: حديث رفع القلم عن ثلاثة]

و احتج (1) على الحكم في الغنية بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ».

______________________________

ب: حديث رفع القلم عن ثلاثة

(1) هذا شروع في النصوص المستدل بها على المدّعى، و لا يخفى أن السيّد لم يستدل بحديث رفع القلم، و إنما قال: «و يحتج على المخالف ..» فلاحظ كلامه في (ص 8).

و كيف كان فالاستدلال بحديث رفع القلم عن الصبي يقع في مقامين، أحدهما في السند، و الآخر في الدلالة.

أمّا الأوّل فقد روى في الوسائل عن الخصال عن الحسن بن محمّد السكوني عن الحضرمي عن إبراهيم بن أبي معاوية عن أبيه عن الأعمش، عن ابن ظبيان، قال:

«اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت، فأمر برجمها. فقال علي عليه السّلام: أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ» «1».

و هذا الطريق لا يخلو من ضعف بالأعمش و غيره، إلّا أن أصل الحادثة و قضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين ممّا يطمأن بصدوره. فالشيخ المفيد قدّس سرّه صدّر الفصل- الذي عقده لذكر قضائه عليه السّلام في عهد إمرة الثاني- بقوله:

«فمن ذلك ما جاءت به العامة و الخاصة» «2» ثم ذكر هذه القصّة بعنوان: «و رووا [روي] أنّ مجنونة .. إلخ» و لعلّه يستفاد من تعبيره قدّس سرّه تسالمهم على روايته، و لا أقلّ من تضافر نقله، هذا.

مضافا إلى تلقّي الفقهاء لجملة «رفع القلم عن الثلاثة» بالقبول، و إسناده إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 1، ص 32، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، ح 10.

(2) الإرشاد، ج 1، ص 203 و 204، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، و رواه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار عن العامة، في ج 30، ص 680، و إن شئت الوقوف على مصادر القصّة عندهم فراجع هامش الإرشاد و البحار.

ص: 14

..........

______________________________

الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حتى من لا يعمل منهم بالخبر الواحد العاري عن قرينة القطع كابن إدريس، فقال في باب الوصية: «و أيضا قوله عليه السّلام: رفع القلم عن ثلاث، عن الصبي حتى يحتلم» «1». و قال في الحدود: «لقوله عليه السّلام المجمع عليه رفع القلم عن ثلاثة» «2». و هذا المقدار كاف في حصول الوثوق بالصدور لو لم يوجب القطع به.

و أمّا المقام الثاني- و هو في الدلالة- فنقول: إنّ القلم المرفوع محتمل لأمرين قد شملت كلّا منهما عناية الجعل.

أحدهما: قلم التكليف، سواء أ كانت إلزامية أم غير إلزامية، بل قلم مطلق الأحكام حتى الوضعية بناء على تأصلها في الجعل. و أمّا بناء على الانتزاع يختصّ بالمجعول و هو التكليف. و هذا القلم مساوق لمثل قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ «3» و قَدْ عَلِمْنٰا مٰا فَرَضْنٰا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوٰاجِهِمْ وَ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ «4» فالحكم المتعلق بفعل المكلف قلم مجعول شرعا في حقّه.

ثانيهما: قلم المؤاخذة، و هو قلم كتابة السيئات المترتب على عصيان الخطاب الإلزامي المنجّز، في قبال قلم الحسنات و المثوبات المترتّبة على فعل الطاعات.

و لا فرق في كتابة المؤاخذة و العقوبة شرعا بين كونها دنيوية أعم من كونها بدنيّة في النفس و الطرف كالحدود و القصاص و التعزيرات أم مالية كالديات، و بين كونها أخروية و هو كلّ ما توعّد به تعالى العصاة في تلك النشأة. و هذا القلم أي: المؤاخذة الفعلية- الّتي هي فعل الشارع أيضا- قابل لكلّ من الوضع و الرفع التشريعيّين و لو باعتبار منشئهما، و هو الحكم الإلزامي و نحوه.

إذا اتضح إطلاق «القلم» على كلّ من التكليف و ما يلحقه من العقوبة، فيقال في تقريب استدلال المشهور بحديث «رفع القلم»: إنّ المراد بالقلم المرفوع هو كافة

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 207.

(2) السرائر، ج 3، ص 324.

(3) البقرة، الآية 183.

(4) الأحزاب، الآية 50.

ص: 15

و قد سبقه في ذلك (1) الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار، و قال: «إنّ مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم (2)» «1». و نحوه الحلّي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا. و تبعهم في الاستدلال به جماعة كالعلامة «2» و غيره «3».

[ج: عدم جواز أمر الصبي]

و استدلّوا أيضا بخبر (3) حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه السّلام: «ان الجارية

______________________________

الأحكام المجعولة على الكبار، تكليفية كانت أم وضعيّة، فكما لا يتصف فعل الصبي بالوجوب و الحرمة، فكذا لا تثبت في حقّه الأحكام الوضعية كسببيّة عقده و إنشائه للبيع- مثلا- لحصول النقل و المبادلة في إضافة الملكية، فإنّ سببيّته له اعتبار وضعي إمضائي مرفوع عن الصغير، إمّا برفعها و إمّا برفع منشأ انتزاعها كوجوب الوفاء كرفعها عن إنشاء المجنون و النائم. و عليه فالحديث واف بالمدّعى و هو إلغاء أقوال الصبي و أفعاله عن الاعتبار و عدم موضوعيتها للآثار المترتّبة على ما إذا صدرت من الكبير. هذا تقريب الاستدلال، و سيأتي مناقشة المصنف فيه بوجوه ثلاثة.

(1) أي: في الاستدلال بحديث «رفع القلم» على عدم نفوذ إقرار الصبي.

(2) يعني: الحكم المترتب على كلام البالغ، و هو التأثير في النقل و الانتقال و وجوب الوفاء به، و غير ذلك من أحكام الإنشاء الممضى شرعا.

ج: عدم جواز أمر الصبي

(3) هذا دليل ثالث للمشهور، و هو جملة من الروايات الدالة منطوقا أو مفهوما على عدم جواز أمر الصبي في البيع و الشراء. بتقريب: أن إطلاق نفي الجواز يقتضي نفي الأثر عن عقده مطلقا، سواء استقل به أم أذن له الولي. و المستدل جماعة، منهم

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 3.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 200، س 36 و ج 2، ص 145، س 39 و ص 146، س 17.

(3) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 50، و المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 83 و غيره، و المحقق الشوشتري في مقابس الأنوار، ص 3، كتاب البيع.

ص: 16

إذا زوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء. و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء، و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمسة عشر سنة» الحديث «1».

و في رواية ابن سنان: «متى يجوز أمر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ أشدّه. قال:

ما أشدّه؟ قال: احتلامه (1)» «2».

______________________________

أصحاب مفتاح الكرامة و الرياض و المستند و الجواهر و الحدائق قدّس سرّهم. قال السيد العاملي: «و المراد بجواز أمره تصرفه بالبيع و الشراء و نحوهما، فالقول بأنّه لا منافاة بين صحة عقده و بين عدم دفع المال إليه- كما يظهر من مجمع البرهان- لا وجه له، فإنّ الخبر المذكور قد دلّ على عدم جواز أمره يعني تصرفه بجميع أنواع التصرفات.

و العقد الواقع منه إن كان صحيحا موجبا لنقل الملك فهو التصرف الذي دلّ الخبر على المنع منه، و إلّا فهو لغو» «3».

(1) الظاهر أنّ مراده ما رواه الصدوق في الخصال عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللّؤلؤ عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: حتى يبلغ أشدّه. قال: و ما أشدّه؟ قال احتلامه. قال: قلت:

قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقلّ أو أكثر و لم يحتلم؟ قال: إذا بلغ و كتب عليه الشي ء [و نبت عليه الشعر] جاز عليه أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

و نقله صاحب الوسائل- في كتاب الحجر- عن الخصال، عن بيّاع اللؤلؤ، لا عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 1، ص 3، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، ح 2، و ج 13، ص 142 الباب 2 من أبواب الحجر، ح 1.

(2) الخصال، ج 2، ص 268، عنه في البحار، ج 103، ص 162، ح 5، وسائل الشيعة، ج 13، ص 143، الباب 2 من أحكام الحجر، ح 5.

(3) راجع مفتاح الكرامة، ج 4، ص 171، رياض المسائل، ج 1، ص 511، مستند الشيعة (الطبعة الحديثة) ج 14، ص 263، جواهر الكلام، ج 22، ص 261، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 369، مقابس الأنوار، ص 3، كتاب البيع.

ص: 17

و في معناها (1) روايات أخر.

لكن الإنصاف (2) أنّ جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في

______________________________

ابن سنان، و الظاهر وقوع السهو فيه.

و روى في وصيّة الوسائل عن التهذيب رواية أخرى عن ابن سنان تتضمن سؤاله عن مدلول الآية المباركة و تفسير الأشدّ بالاحتلام، إلّا أن ذيله يختلف عما نقلناه، لتضمنه تحديد البلوغ- بالسنين- بثلاثة عشرة سنة، فراجع «1».

و كيف كان فالشاهد في عدم جواز أمر الصبي و سلب عبارته، و صدر الرواية دالّ عليه.

(1) ممّا يتضمّن الحجر قبل البلوغ، و توقف نفوذ المعاملة عليه، كما في معتبرة هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، و هو أشدّه، و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله» «2».

و كمرسلة الصدوق: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، و جاز أمرها في مالها، و أقيمت الحدود التامة لها و عليها» «3».

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في دلالة كلتا الطائفتين من الأخبار- و هما أحاديث رفع القلم و عدم جواز أمر الصبي- على مدّعى المشهور من سلب العبارة و عدم العبرة بإنشائه.

أمّا المناقشة في الطائفة الثانية المشتملة على عدم جواز أمر الصبي فتوضيحها:

أنّ عدم نفوذ الأمر يفترق عن سقوط عبارته بالكليّة، و ذلك لأنّ المثبت في البالغ منفيّ في الصبي، و من المعلوم أنّ المثبت في البالغ هو الاستقلال و النفوذ، من دون حاجة إلى إذن أحد، فلا بدّ أن يكون المنفي في الصبي هو ذاك المعنى المثبت في البالغ، لأنّه مقتضى قرينة المقابلة بين القضيتين الإيجابية و السلبية مع وحدة المحمول كالنفوذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 8.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 9.

(3) وسائل الشيعة، ج 13، ص 143، الباب 2 من أحكام الحجر، ح 3.

ص: 18

التصرف لأنّ (1) الجواز مرادف للمضي، فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة. كما يقال: بيع الفضولي غير ماض (2)، بل موقوف.

و يشهد له (3) الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله: «إلّا ان يكون سفيها». فلا (4) دلالة لها حينئذ على سلب عبارته، و أنّه (5)

______________________________

و عدمه. و عليه يكون إنشاء الصبي نظير عقد الفضول في عدم سقوطه عن قابلية الإمضاء بلحوق إجازة مالك الأمر.

و الشاهد على إرادة عدم الاستقلال من قوله عليه السّلام: «لا يجوز أمره» و عدم إرادة سلب العبارة كما يدعيه المشهور هو الاستثناء الوارد في رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة: «إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» حيث إنّ السفيه ليس مسلوب العبارة، و إنّما هو محجور عن الاستقلال في تصرفاته المالية، فيظهر من هذا الاستثناء نفي التصرف المستقل، إذ المراد بالجواز في البالغ هو النفوذ بالاستقلال، و هذا منفي في غير البالغ.

و بهذا ظهر أجنبية هذه الطائفة عن مدّعى المشهور.

و أما المناقشة في الطائفة المتضمنة لرفع القلم عن الصبي فبوجوه ثلاثة ستأتي قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا تقريب ظهور «عدم جواز الأمر» في عدم الاستقلال، لا في مدّعى المشهور من سلب العبارة.

(2) يعني: أنّ عدم المضي لا ينافي صحة عقد الصبي معلّقا على إجازة وليّه، نظير توقف نفوذ عقد الفضول على إجازة وليّ العقد.

(3) يعني: و يشهد لظهور الروايات في نفي الاستقلال: الاستثناء الوارد في بعضها، على ما عرفته آنفا.

(4) هذا متفرع على ظهور الروايات في نفي الاستقلال، لا في سلب العبارة كلّيّة.

(5) معطوف على «سلب عبارته» و مفسّر له، يعني: إذا تصدّى الولي لمقدمة المعاملة من تعيين العوضين ثم أمر الصبي المميّز بإنشاء العقد، لم تدل الروايات

ص: 19

إذا ساوم (1) وليّه متاعا و عيّن له قيمته، و أمر الصبي بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا. و كذا (2) لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن (3) وليّه.

و أمّا حديث (4) رفع القلم ففيه أولا: أنّ الظاهر منه قلم المؤاخذة [1]

______________________________

- المتضمنة لعدم جواز أمر الصبي- على بطلانه رأسا، هذا.

(1) المساومة هي المجاذبة بين البائع و المشتري على السلعة و فصل ثمنها.

(2) معطوف على «أنّه» يعني: لا دلالة لمثل خبر حمزة بن حمران على بطلان إنشاء إيجاب النكاح أو قبوله إذا كان بإذن وليّه. وجه عدم الدلالة ما تقدم آنفا من ظهور الرواية في نفي استقلال الصبي في التصرف، لا في سلب عبارته حتى يكون إنشاؤه لغوا كإنشاء الهازل و اللّاغي.

(3) متعلق ب «أوقع» يعني: لو أذن الولي للطفل في أن يزوّج هندا من زيد، أو يقبل ذلك الإيجاب، لم تدل رواية حمزة بن حمران على بطلانه.

و الظاهر أنه لا فرق في صحة إنشاء الصبي بإذن وليّه بين كون التزويج لنفسه أو لغيره، و لم يظهر وجه تقييد الصحة بكون النكاح لغيره.

(4) أشرنا إلى أنّ المصنف قدّس سرّه ناقش في دلالة «رفع القلم عن الصبي» على سلب عبارته- و كون إنشائه كالعدم- بوجوه ثلاثة:

توضيح الوجه الأوّل: أنّ الاستدلال به منوط بكون المرفوع عن الصغير هو الأحكام المجعولة في حقّ البالغين، سواء أ كانت إلزامية أم غيرها، و سواء أ كانت تكليفية أم وضعية، فيقال حينئذ بخلوّ صفحة التشريع- بالنسبة إلى الصبيان- عن كلّ قلم مجعول في حق الكبار، كما تقدم في تقريب الاستظهار.

______________________________

[1] سيأتي في التعليقة ضعفه، و أنّ المراد قلم جعل الأحكام الإلزامية، يعني: أنّ قلم جعلها مرفوع عن الصبي، فالرواية أجنبية عن عقد الصبي، و غير شاملة له.

ص: 20

..........

______________________________

و لكن الظاهر من «رفع القلم» هو رفع المؤاخذة التي هي من خواص التكاليف الإلزامية. و الوجه في هذا الظهور تسالم المشهور على أمرين:

أحدهما: شرعية عبادات الصبي لا تمرينيتها، لوضوح إناطة التقرّب بوجود أمر مولوي استحبابي في حق الصغير المميّز ليتقرّب به إليه جلّ و علا. و من المعلوم توقف هذا الأمر الندبي على شمول إطلاق أدلة العبادات لكلّ من الصبي و البالغ، و إنّما يرتفع عن الصبي ما وضعه الشارع على البالغ، و هو خصوص المؤاخذة و العقوبة المترتبة على عصيان الحكم الإلزامي، فيكشف عن ارتفاع خصوص الإيجاب و التحريم امتنانا عن غير البالغ. و أمّا سائر الأحكام التكليفية من الاستحباب و الإباحة و الكراهة، و كذا الأحكام الوضعية، فإطلاق أدلتها شامل لكل من الصغير و الكبير على السواء، لعدم امتنان رافع لها.

ثانيهما: اشتراك الأحكام الوضعية بين الصبي و البالغ، فلو دلّ حديث «رفع القلم» على إلغاء سببية إنشاء الصبي و كونه بحكم العدم لكان منافيا لتسالمهم على الاشتراك المزبور. و لا مناص من جعل المرفوع قلم المؤاخذة المترتبة على عصيان الأحكام التكليفية الإلزامية- من الإيجاب و التحريم- خاصة، حتى يبقى قلم الأحكام الوضعية شاملا للصغار، فسببية الإنشاء للملكية و الضمان و الوصاية و نحوها حكم وضعي مشترك.

و بناء على هذين الأمرين يتعيّن جعل المرفوع المؤاخذة المخصوصة بالأحكام الإلزامية، دون غيرها، لكون الحديث في مقام الامتنان على الأمّة، فيختص المرفوع بما فيه ثقل عليهم، و لا ثقل في غير الإيجاب و التحريم حتى يرتفع بالحديث، فالأحكام التكليفية غير الإلزامية و كذا الاعتبارات الوضعية- الّتي منها سببية الإنشاء للأثر المترتب عليه- جارية في حق الصبي، و لا وجه لما التزم به المشهور من سلب عبارته اعتمادا على حديث رفع القلم عنه.

ص: 21

لا قلم جعل الاحكام، و لذا (1) بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبي.

و ثانيا (2): أنّ المشهور على الألسنة أنّ الأحكام الوضعية ليست مختصة

______________________________

(1) يعني: و لكون المراد برفع القلم رفع المؤاخذة قلنا بشرعية عبادات الصبي.

(2) هذا ثاني وجوه المناقشة، و توضيحه: أنّه لو سلّمنا ظهور «رفع القلم» في نفي كافة الأحكام المجعولة على الكبار قلنا: لا بدّ من جعل المرفوع خصوص الأحكام التكليفية، حتى تكون الاعتبارات الوضعية جارية في حق الصغار، و ذلك لما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الخطاب الوضعي بالبالغين، لحكمهم بضمان الصبي بالإتلاف، و بصحة عتقه و تدبيره و وصيّته و نحوها.

و على هذا فلا تلازم بين التكليف و الوضع، فيمكن تأثير عقد الصبي في النقل و الانتقال، و اتصاف إنشائه بالسببية فعلا و التأثير الفعلي، لكنه لا يخاطب بوجوب الوفاء بإنشائه إلّا بعد البلوغ، لكون وجوب الوفاء حكما إلزاميا معلّقا على البلوغ و كما العقل.

أو يقال: بأنّ إنشاء الصبي سبب لتوجه خطاب «ف بعقد الصبي المولّى عليه» إلى الولي الآذن له، فيجب فعلا عليه ترتيب الأثر على عقد الصبي المأذون له، و كذا لو أجاز عقده. و بهذا يتصف إنشاؤه بالسببية أيضا.

فإن قلت: كيف يتصف إنشاؤه بالسببية، مع عدم مخاطبته بوجوب الوفاء فعلا؟

و كيف يصير إنشاؤه سببا لتوجه الخطاب إلى الوليّ؟ مع دوران وجوب الوفاء مدار العقد، و لا عقد للوليّ حتى يجب وفاؤه به.

قلت: لا استيحاش في سببيّة إنشاء الصغير لخطاب غير فعليّ في حق نفسه، أو لخطاب فعلي في حق وليّه، و ذلك لوجود نظيره، و هو أنّه لو أجنب الصغير بمباشرة زوجته مثلا أثّرت جنابته في توجّه أحكام تكليفية، بعضها غير فعلية و هو ما يتعلق بنفسه، و بعضها فعلية خوطب به البالغون، فغير الفعلي وجوب الغسل عليه بمجرّد بلوغه. و الفعلي أنّه يحرم على الغير تمكين الصغير المجنب من مسّ المصحف الشريف،

ص: 22

بالبالغين، فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء (1) بعد البلوغ، أو على الولي إذا وقع بإذنه أو إجازته. كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ، و حرمة (2) تمكينه من مسّ المصحف.

و ثالثا (3): لو سلّمنا اختصاص الأحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين، فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ.

______________________________

و من دخوله في المسجد، و نحوهما من المحظورات على المحدث بالحدث الأكبر.

و الحاصل: أنّ مقتضى تسالمهم على شمول الأحكام الوضعية للصغار هو الالتزام بسببية عقده و إنشائه في ترتب الأثر عليه كالنقل و الانتقال في البيع، و الزوجية في النكاح، و البينونة في الطلاق، و بهذا يسقط استدلال المشهور بحديث «رفع القلم» على بطلان إنشاء الصبي.

(1) الأولى زيادة كلمة «عليه» ليرجع ضميره إلى الصبي، و ليتّجه عطف «أو على الولي» عليه.

(2) بالجرّ معطوف على «وجوب» يعني: يحرم فعلا على البالغين تمكين الصبيّ من مسّ المصحف. و حرمة التمكين مسبّبة عن جنابة الصغير.

(3) هذا ثالث وجوه المناقشة، و محصّله: منع استدلال المشهور بحديث «رفع القلم» على سلب عبارة الصبي و بطلان عقده حتّى مع تسليم اختصاص الخطاب الوضعي بالبالغين، و توضيحه: أنّ رفع قلم التكليف و الوضع عن الصغير يقتضي عدم ترتب أثر على عقده بالنسبة إلى نفسه، فلو باع شيئا من ماله لم يتملّك الثمن ما دام صبيّا، فإذا بلغ أثّر ذلك العقد أثره و وجب عليه الوفاء به. و أمّا الكبير الذي عقد مع الصبي فيجب عليه ترتيب الأثر و يحرم عليه نقض العقد و نكثه. و من المعلوم أنّ رفع قلم التكليف و الوضع عن الصبي أجنبي عن الأحكام الموضوعة على الكبير الذي عقد معه.

ص: 23

..........

______________________________

و الفارق بين هذا الاشكال و الاشكال الثاني: أنّ المصنف قدّس سرّه التزم هناك بسببية إنشاء الصبي للنقل و لوجوب الوفاء معلّقا على البلوغ، لما اشتهر من اشتراك الوضع بين البالغ و الصغير. و في الاشكال الثالث التزم باختصاص مطلق الأحكام بالبالغين، و لكنه فكّك بين طرفي العقد في موضوعيّته للآثار. هذا ما يناسب ذكره في التوضيح، و إن شئت تفصيل الفرق فلاحظ التعليقة [1].

______________________________

[1] قد يفرّق بين وجهي الإشكال تارة بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: أنّ الثاني ناظر إلى سببيّة عقد الصبي فعلا لوجوب الوفاء به معلّقا على البلوغ، و الثالث ناظر إلى سببية عقده لوجوب الوفاء به بعد البلوغ بلا سببية فعلية للوجوب التعليقي. و لكن مع ذلك ليس للطرف الآخر نقض العقد، لأنّ العقد موضوع تام لوجوب الوفاء و إن لم يؤثر فعلا في الملكية، كما في العقد بين الفضول و الأصيل، فإنه يحرم عليه النقض مع عدم وجوب شي ء على الفضول «1».

و الحاصل انه يفكّك بين الحكم الوضعي و هو الملكية، و بين التكليفي و هو وجوب الوفاء، فعقد الصبي بالنسبة إلى نفسه لا يتصف بالسببية للملكية و لا لوجوب الوفاء، و بالنسبة إلى الكبير يتصف بالسببية لوجوب الوفاء خاصة لا للملكية، هذا.

و اخرى بما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه من: أنّ الثاني متمحّض في سببيّة إنشاء الصبي بالاستقلال في حصول جميع آثار المعاملة، و الثالث ينفي استقلال تأثيره مع الالتزام بالتأثير الضمني، بأن يكون إنشاء الصبي جزء المؤثر، و الجزء الآخر بلوغه، أو بلوغ أرباب الأموال من الموكّلين للصبي. و هذا نظير عقد الوصية في كونه جزء المؤثر، و كون جزئه الآخر موت الموصى. و نظير عقد الصرف و السّلم في كونه جزء المؤثر، و كون جزئه الآخر هو القبض.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 114.

ص: 24

______________________________

ثم اعترض هذا المحقق على المصنف قدّس سرّهما بالتناقض، لابتناء الوجه الثالث على نفي الوضع عن الصغير، فإثباته له و لو بعنوان جزء السبب يقتضي عموم الوضع للكبير و الصغير، إذ لا فرق في الشمول بين تمام السبب و جزئه «1».

و ثالثة بما يظهر من بعض من: أنّ الاشكال الثاني ناظر إلى جريان الحكم الوضعي بالنسبة إلى نفس الصبي، بخلاف الاشكال الثالث، لتمحضه في موضوعية إنشاء الصبي لحكم البالغ، كما إذا عقد على مال الولي بإذنه، أو توكّل عن الأجنبي في مجرّد إجراء العقد، فإنّ مقتضى صحّته ترتيب الأثر عليه من قبل الولي أو الموكّل، و هذا المقدار أجنبي عن رفع القلم عن الآثار المختصّة بالصبي، هذا.

أقول: ما أفاده المصنف في الاشكال الثاني واضح لا إجمال فيه و إن تطرّق إليه المنع بما سيأتي. و إنّما الكلام في الاشكال الثالث، فإنّه قدّس سرّه جمع فيه بين أمرين:

أحدهما: موضوعية عقد الصبي للآثار التي يجب على البالغين ترتيبها عليه، من دون توجّه خطاب إلى نفس الصبي.

ثانيهما: صيرورة الصبي مخاطبا بترتيب آثار المعاملة بمجرّد بلوغه، و هذا يستفاد من تحديد رفع الأحكام ببلوغه، لاقتضاء عدم لغويّة التحديد لزوم العمل بمقتضى العقد و وجوب الوفاء به بمجرد البلوغ، و من المعلوم توقف فعلية الآثار بالبلوغ على الالتزام بالصحة التأهّليّة في عقد الصبي في حقّ نفسه، حتى تتوقف سببيته الفعلية لكلّ من الوضع و التكليف- أعني بهما الملكية و وجوب الوفاء به- على بلوغه، و إلّا فلو قلنا باختصاص الأحكام الوضعية بالكبار و أسقطنا أقوال الصبي و أفعاله عن اقتضاء التأثير امتنع فعلية الحكم بالبلوغ.

و بهذا قد يشكل ما أفادوه من الفروق بين الإشكال الثاني و الثالث.

أمّا ما تقدم من المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فلأنّ الاشكال الثالث ليس ناظرا إلى سببية عقد الصبي لخصوص وجوب الوفاء، و ذلك لما في ذيل كلام المصنف قدّس سرّه من صيرورة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106.

ص: 25

______________________________

الصبي مخاطبا حال البلوغ بترتيب الآثار، و من المعلوم توقف ترتيبها على اقتضاء عقد الصبي لتأثيره في كلّ من الملكية و وجوب الوفاء، لا في خصوص التكليف، إذ لو لم يلتزم بسببية ناقصة في إنشائه للنقل و الانتقال امتنعت سببيّته التامة بعد البلوغ الذي هو ليس ظرف الإنشاء، و كيف يجب الوفاء بعقد لم يؤثّر في الملكية أصلا؟

بل في الحقيقة يلغو مثل هذا الأمر الذي لا موضوع له «1».

و عليه فالتفكيك بين الوضع و التكليف هنا من الغوامض التي تقصر أفهامنا عن اكتناهها.

و أمّا تنظيره للمقام بعقد الفضول من حيث عدم مخاطبته بوجوب الوفاء، بخلاف الأصيل، فهو و إن كان صحيحا، لكنّ الوجه في حرمة النقض على الأصيل هو صحة عقده مع الفضول تأهّلا، و قابليته لفعلية التأثير بإجازة المالك، فالسببية الناقصة للمبادلة متحققة بذلك العهد، فلو أنكرنا هذا التأثير الناقص لم يجب على الأصيل الوفاء كما يلتزم به القائل ببطلان عقد الفضول رأسا، و عليه فلم يتحقق تفكيك بين الوضع و التكليف.

و الانصاف أن إشكال الميرزا النائيني على المصنف «من امتناع تفكيك الآثار بين البالغ و غيره فيما كان ذات الفعل موضوعا للأثر» «2» لا يندفع عنه بما أتعب به المحقق الأصفهاني نفسه الشريفة لتثبيته.

و أما ما أفيد «من كون الاشكال الثالث ناظرا إلى موضوعية إنشاء الصغير للبالغ كما في الوكيل» فيدفعه صراحة كلام المصنف من صيرورة الصغير مخاطبا بالوفاء بالبلوغ، و هذه قرينة على أنّ مراد المصنف من الموضوعية غير الوكالة، فالصبي يعقد على مال نفسه مع الكبير، فيكون هذا العقد موضوعا لوجوب الوفاء فعلا على الكبير، و معلّقا على البلوغ بالنسبة إلى الصغير.

و عليه فلعلّ الأقرب إلى مقصود المصنف قدّس سرّه من الفرق بين الإشكالين ما أفاده

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106.

(2) منية الطالب، ج 1، ص 173.

ص: 26

______________________________

المحقق الايرواني قدّس سرّه من تمام المؤثر و جزء المؤثر. و يرد حينئذ على الماتن ما تقدم منه من التناقض.

و كيف كان فإشكالات المصنف الثلاثة على استدلال المشهور بحديث رفع القلم لا تخلو من مناقشة.

أمّا الأوّل- و هو تعلق الرفع بالمؤاخذة الكاشف عن نفي خصوص التكليف الإلزامي عن الصبي، و صحة العقد حكم وضعي لا ترفع بالحديث- فغير ظاهر، لوجوه:

أوّلها: أنّ الداعي إلى تقدير المؤاخذة أمران:

أحدهما: اقتضاء مادة الرفع لكون المرفوع ثقيلا، فلا يصدق عرفا على رفع ورقة و ان صدق عليها لغة.

و الآخر ورود الحديث مورد الامتنان.

و لكن الظاهر عدم اقتضائهما رفع المؤاخذة المترتبة على فعل البالغ، فيمكن تعلق الرفع بنفس الأحكام الإلزامية، و كذا الوضعية التي فيها ثقل و كلفة و مشقة كالقصاص. و لو دار الأمر بين أحد الأمرين لم يكن مرجح لتقدير المؤاخذة.

و دعوى «امتناع الحكم بشرعية عبادات الصبي لو كان المرفوع بالحديث نفس الأحكام الإلزاميّة، إذ بناء على المبنى المنصور من بساطة الأوامر و النواهي لا يبقى للفعل رجحان بعد رفع الإلزام، بخلاف ما لو تعلّق الرفع بالمؤاخذة المختصة بالتكاليف الإلزامية» ممنوعة، إذ لا فرق في هذا الاشكال بين رفع التكليف و المؤاخذة، لسقوط الإلزام على كلّ منهما، و به يسقط أصل الطلب.

لكن يندفع الإشكال بأنّ الدليل المقيّد محفوف بقرينة الامتنان الموجبة لرفع خصوص ما فيه الثقل و المشقة و هو الإلزام، بل رفع ما عدا الإلزام خلاف المنّة على الصغير، لحرمانه عن الحسنات التي يتفضل بها سبحانه و تعالى على فعل الخيرات.

ثانيها: أنّ تقدير المؤاخذة ممتنع في نفسه، لظهور رفع العقوبة في نفي فعليتها، و من المعلوم أنّها مترتبة على استحقاقها حتى يتعلّق به العفو، و المقطوع به عدم استحقاق الصبي للعقوبة حتى يتعقبه العفو. هذا في المميّز القابل للخطاب،

ص: 27

______________________________

فإنّ الضرورة الفقهية على نفي استحقاقه للمؤاخذة على أفعاله إلّا ما استثني كالتعزير في السرقة المتكررة. و أمّا غير المميّز فلقضاء العقل القطعي كالنائم و المجنون بقبح مؤاخذته.

هذا مضافا إلى أن نفي فعلية العقاب لا يستلزم نفي التكاليف الإلزامية عن الصغير، لأعميتها منه، فالظهار حرام معفوّ عنه كما قيل، و عليه فليس للمصنف قدّس سرّه استكشاف سقوط التكاليف الإلزامية من رفع المؤاخذة الفعلية.

هذا بناء على ظاهر المتن من رفع فعلية المؤاخذة. و إن أريد من رفع المؤاخذة رفع استحقاقها- كما قد يقال و إن كان خلاف الظاهر- ففيه: أنّ الاستحقاق حكم عقلي، فلا يكون موضوعا لرفع القلم التشريعي، و إن صحّ جعله بلحاظ منشئه و هو الحكم الشرعي موضوعا للرفع، كما في حديث رفع التسعة. و ذلك للفرق بينهما، حيث إنّ القلم يختص بما يكون شرعيا، فرفع القلم لا يتعلق بما ليس شرعيا و إن ترتب على حكم شرعي.

ثالثها: ما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه- في جملة ما أورده على رفع المؤاخذة- بما لفظه: «و رابعا: انّا لو سلّمنا عموم الحديث و شموله لرفع كل حكم تكليفي أو وضعي لا يجدي ذلك في صحة الاستدلال بالحديث لرفع التأثير عن إنشاء الصغير، و ذلك أنّ تأثير الإنشاء في حصول عنوان المنشأ- كعنوان النكاح و البيع و الهبة- تأثير تكويني في أمر اعتباري، فيكون كتأثير سيفه في القطع، و قلمه في الكتابة و هذا لا يرفعه حديث الرفع. و أمّا رفع الآثار المترتبة شرعا على العناوين المتولدة من إنشائه، على أن لا يكون البيع الحاصل بإنشائه محكوما بأحكام البيع، فذلك في البشاعة يساوق القول بعدم ترتيب أحكام الأموات على من مات بسيفه، أو أحكام المصحف على ما كتب بقلمه، و هكذا. و معلوم بالقطع أن حديث الرفع لا يرفع إلّا أحكاما مترتبة بلا واسطة على فعل الصغير، لا أحكاما مترتبة حتى مع الواسطة» «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106.

ص: 28

______________________________

و لكن يمكن أن يقال: بأنّ تنظير إنشاء الصبي بكتابة المصحف و القتل بالسيف غير ظاهر، فإنّ عقده و إيقاعه و إن فرض تأثيره في الأمر الاعتباري بنظر العقلاء، إلّا أنّ المهم إحراز إمضائه شرعا بمعنى أنه هل للشارع اعتبار مماثل لما أنشأه الصبي و اعتبره العقلاء أم لا، فلو لا حديث رفع القلم و نحوه كان مقتضى إطلاق أدلة الإمضاء تنفيذ ما أنشأه الصبي. و أمّا لو تمّت دلالة الحديث على سلب عبارة الصغير كان مفاده عدم ترتيب آثار المعاملة- التي يرتّبها العقلاء- على عقد الصبي.

و لأجله يتسامح في إطلاق السبب على الإنشاء، و المراد به هو الموضوع و الحكم، لا العلية و المعلولية التكوينيّتان. و هذا بخلاف كتابة المصحف، فإنّ الموضوع لحكم الشارع بحرمة المسّ هو النقوش الخاصة القرآنية سواء كتبها الكبير أم الصغير.

و الحاصل: أنّ جعل الإنشاء مؤثرا تكوينيا في أمر تكويني اعتباري- كما تكرّر في كلامه- لا يخلو من غموض. هذا بعض ما يتعلق بالإشكال الأوّل.

و أمّا الإشكال الثاني- و هو الالتزام بتأثير إنشاء الصبي، لاشتراك الحكم الوضعي بينه و بين البالغ- ففيه ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه أوّلا: منع أصل النسبة، فإنّ المشهور و إن التزموا بثبوت الحكم الوضعي- في الجملة- في حقّ الصغير كما في نفوذ وصيّته و تدبيره و عتقه و صدقته، إلّا أنّ المشهور أيضا على فساد عقوده و معاملاته كما تقدم في عبارة الدروس و الكفاية، بل ادّعي عليه الإجماع. و من المعلوم أنّ تلك الموجبة الجزئية لا تفي بإثبات محل البحث و هو صحة بيعه مطلقا حتى في صورة إذن الولي.

و ثانيا: لو سلّمنا صحة النسبة قلنا بمخالفته لمبنى المصنف في الأصول من انتزاع الحكم الوضعي من التكليف، و المفروض عدم كتابة التكليف عليه فعلا، و لا يعقل فعلية الأمر الانتزاعي و تعليقية منشئه، هذا «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 114.

ص: 29

و بالجملة (1): فالتمسك بالرواية ينافي [1] ما اشتهر بينهم من شرعية عبادة الصبي، و ما (2) اشتهر بينهم من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين [2].

______________________________

(1) هذه نتيجة المناقشة الثانية و الثالثة، و محصلها: أن التمسك بحديث «رفع القلم» لإلغاء أقوال الصبي و أفعاله ينافي ما اشتهر بينهم من أمرين، أحدهما: شرعية عبادات الصبي، لا تمرينيتها. و الآخر: عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين.

و عليه فيلزم إرادة رفع المؤاخذة المترتبة على أفعال البالغين و أقوالهم، و هذا لا ينافي موضوعية إنشاء الصبي المميّز- القاصد للأمر الاعتباري- للأثر.

(2) منصوب محلّا عطفا على «ما اشتهر بينهم».

______________________________

و الظاهر ورود الإشكالين على المصنف قدّس سرّه. و تقدم توضيح الثاني منهما في رسالة الحق، فراجع «1».

و أمّا الإشكال الثالث فقد تقدم بعض ما يتعلق به عند بيان الفارق بينه و بين الإشكال الثاني.

[1] لا منافاة أصلا بعد كون المراد من رفع القلم رفع التكاليف الإلزامية، الذي لا ينافي شرعية عبادات الصبي.

[2] قد عرفت في التعليقة أجنبيّة الرواية عن عقد الصبي، لاختصاصها بالأحكام الإلزامية الموجبة للعقوبة، و مجرّد إجراء الصبي الصيغة ليس من الأحكام الإلزامية و لا موضوعا لها حتى يرتفع بحديث الرفع. فالاستدلال بها لسلب عبارة الصبي- و لو مع إرادة نفي قلم الأحكام كما هو ظاهر كلام المصنّف- في غير محله.

و عليه فمقتضى العمومات صحة عقد الصبي، غايته مع إذن الولي أو إجازته،

______________________________

(1) راجع الجزء الأول من هذا الشرح، ص 125- 126.

ص: 30

فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة، و إلّا (1) فالمسألة محلّ إشكال. و لذا (2) تردّد المحقق في الشرائع في إجارة المميّز بإذن الولي بعد ما جزم بالصحة في العارية (3)، و استشكل (4) فيها في

______________________________

(1) يعني: و لو لا الإجماع المتضافر نقله- و المعتضد بالشهرة الفتوائية على سلب عبارة الصبي- يشكل الحكم ببطلان عقد الصبي.

(2) يعني: و لكون المسألة محل الاشكال تردّد المحقق .. إلخ.

(3) قال قدّس سرّه في كتاب العارية: «فلا يصح إعارة الصبي و لا المجنون. و لو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة» «1». و قال في كتاب الإجارة: «فلو آجر المجنون لم ينعقد إجارته، و كذا الصبي غير المميّز، و كذا المميّز إلّا بإذن وليّه. و فيه تردد» «2».

و الغرض أنّ تردد المحقق قدّس سرّه في صحة إجارة الصبي، و جزمه بالصحة في عاريته- مع كونهما بإذن الولي- كاشف عن عدم وضوح بطلان عقد الصبي كلّيّة، فلو كان سلب عبارته مجمعا عليه متّضحا وجهه لكانت عاريته و إجارته فاسدتين.

(4) يعني: و استشكل العلّامة في إجارة الصبي في كتابي القواعد و التحرير «3».

لكنه جزم بالبطلان في التذكرة، فقال: «فلا تنعقد إجارة الصبي إيجابا و لا قبولا،

______________________________

للنصوص الدالة على «عدم نفوذ عقد الصبي حتى يبلغ» الظاهرة في نفي استقلاله في تصرفاته، المقيّدة للإطلاقات الحاكمة بنفوذ العقود، بما إذا لم يكن المتعاقدان بالغين. فما أفاده من كون المسألة محل إشكال غير ظاهر. و العجب منه قدّس سرّه أنّه تمسّك بالإجماع، مع عدم إجماع في المسألة، و كونه على تقديره إجماعا منقولا. مضافا إلى: أنّ في إطلاق معقده للصبي المميّز الذي هو مورد البحث تأملا، بل منعا كما تقدم في التعليقة، فلاحظ.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 171.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 180.

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 281، تحرير الأحكام، ج 1، ص 244.

ص: 31

القواعد و التحرير، و قال في القواعد: «و في صحة بيع المميّز بإذن الوليّ نظر» (1).

بل (2) عن الفخر في شرحه: «أنّ الأقوى الصحة» مستدلّا بأنّ العقد إذا وقع بإذن الولي كان كما لو صدر عنه. و لكن لم أجده فيه.

و قوّاه (3) المحقق الأردبيلي- على ما حكي عنه-

______________________________

سواء كان مميزا أو لا، و سواء أذن له الولي أم لا، إذ لا عبرة بعبارة الصبي» «1».

(1) يعني: أنّ العلّامة تنظّر في كتاب القواعد في صحة بيع الصبي كما استشكل في صحّة إجارته، و لم يجزم ببطلانهما.

(2) الوجه في الإتيان بحرف الإضراب واضح، فإنّ فخر المحققين رجّح الصحة- بناء على صحة النسبة- لكن الموجود في الإيضاح و حكاه عنه في مفتاح الكرامة «2» هو تقوية عدم صحة إجارة الصبي، قال في الإيضاح في بيان وجهي الإشكال: «أقول:

ينشأ من أنّ البلوغ شرط إجماعا قيل في اعتبار الصيغة و صلاحيّتها، لترتب الحكم عليها، لمساواته النائم و المجنون في رفع القلم، كما في الحديث، و هو نفي نكرة، فيعمّ.

و من وقوعها بإذن الولي، فصار كما لو صدر منه. و الأقوى عدم الصحة» فالحقّ مع المصنف في قوله: «و لكن لم أجده فيه» و لعلّ الناسب لم يلاحظ عبارة الإيضاح بكاملها.

(3) يعني: أنّ المحقق الأردبيلي قوّى صحة عقد الصبي، حيث قال: «و بالجملة:

إذا جوّز عتقه و وصيّته و صدقته بالمعروف و غيرها من القربات- كما هو ظاهر الروايات الكثيرة- لا يبعد جواز بيعه و شرائه و سائر معاملاته إذا كان بصيرا مميّزا رشيدا .. خصوصا مع إذن الولي ..» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 290، س 24.

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 55، مفتاح الكرامة، ج 7، ص 73.

(3) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 152 و 153، و الحاكي عنه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 7، ص 73.

ص: 32

و يظهر (1) من التذكرة عدم ثبوت الإجماع عنده، حيث قال: «و هل يصح بيع المميّز و شراؤه؟ الوجه عندي أنّه لا يصح» «1».

و اختار (2) في التحرير صحة بيع الصبي في مقام اختبار رشده «2».

و ذكر المحقق الثاني: «أنّه لا يبعد بناء المسألة على أنّ أفعال الصبي و أقواله شرعية أم لا؟» ثم حكم بأنّها غير شرعية و أنّ الأصح (3) بطلان العقد «3».

و عن المختلف: «أنّه حكى في باب المزارعة عن القاضي كلاما يدلّ على صحة بيع الصبي» (4).

______________________________

(1) لعلّ وجه الظهور تعبيره بقوله: «عندي» المشعر بالخلاف، و لو كان البطلان إجماعيا لقال: «عندنا».

(2) و هذا الاختيار شاهد على عدم تحقق الاتفاق على سلب عبارة الصبي مطلقا.

(3) و من المعلوم أنّ التعبير بالأصح- بعد تفريع المسألة على الشرعية و التمرينية المختلف فيها- شاهد على عدم كون بطلان عقد الصبي من واضحات الفقه.

(4) يعني: مع إذن أبيه لا مطلقا. و الظاهر أنّ عبارة المختلف الحاكية لكلام القاضي هي قوله: «مسألة: مزارعة الصبي باطلة على الأشهر. و قال ابن البرّاج: إذا اشترى الصبي التاجر أرضا، و حجر أبوه عليه، فدفعها مزارعة بالنصف إلى غيره يزرعها ببذره و عمله فعمل على ذلك .. و الوجه أنّ شراءه باطل. فإن سوّغناه مع الإذن بطلت المزارعة .. و لو كان البذر من الدافع- و هو الصبي- كان الحاصل له» «4»

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 80، س 16.

(2) تحرير الأحكام، ج 1، ص 218، س 29.

(3) جامع المقاصد، ج 5، ص 194.

(4) مختلف الشيعة، ج 6، ص 188، المهذب للقاضي ابن البرّاج، ج 2، ص 20.

ص: 33

و بالجملة: فالمسألة (1) لا تخلو عن إشكال، و إن أطنب بعض المعاصرين (2) في توضيحه حتى ألحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه.

فالإنصاف (3) [1] أنّ الحجة في المسألة هي الشهرة المحقّقة و الإجماع

______________________________

و عبارة المهذّب صدرا و ذيلا ظاهرة في صحة شراء الصبي للأرض و دفعها مزارعة للغير، و إن قيّده بصورة إذن الولي و بكونه تاجرا، الدال على رشده. فالمهم عدم إلغاء إنشاء الصبي و معاملته شرعا.

(1) و هي بطلان عقد الصبي مطلقا حتى المميّز و لو بإذن وليه.

(2) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، حيث قال- بعد كون بطلان عقد الصبي أشهر بل مشهورا، بل عدم وجدان الخلاف فيه- ما لفظه: «بل صحّ له دعوى تحصيل الإجماع على ذلك كما وقع من بعضهم، بل ربّما كان كالضروري، و خصوصا بعد ملاحظة كلام الأصحاب، و إرسالهم لذلك إرسال المسلّمات، حتّى ترك جماعة منهم الاستدلال عليه اتّكالا على معلوميته» «1».

(3) بعد قصور النصوص عن إثبات سلب عبارة الصبي و تنزيل إنشائه منزلة العدم- حتى مع إذن وليّه في المعاملة- ينحصر دليل بطلان عقده في الإجماع و الشهرة الفتوائية. لكن الإجماع قد يتوهّم اختصاص معقده باستقلال الصبي في المعاملة و عدم إذن وليّه فيها، فيكون أخصّ من المدّعى، و هو عدم العبرة بإنشائه مطلقا حتى مع إذن الولي أو إجازته.

و توضيح التوهم: أنّه يمكن أن يكون نظر السيد أبي المكارم و العلامة قدّس سرّهما في دعوى الإجماع على حجر الصبي إلى صورة استقلاله في التصرف، فلا دليل حينئذ على شمول معقد الإجماع لصورة إذن وليه في المعاملة، فلا بدّ من

______________________________

[1] كيف يقتضي الانصاف ذلك مع بناء المصنف في الأصول على عدم حجية الإجماع المنقول و الشهرة. فالإنصاف أنه لا حجة على سلب عبارة الصبي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 260 و 261.

ص: 34

المحكي عن التذكرة بناء (1) على أنّ استثناء الإحرام الذي لا يجوز إلّا بإذن الولي شاهد على أنّ مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة، لا نفي الاستقلال في

______________________________

اختصاص البطلان بصورة استقلاله في التصرف.

و قد دفع المصنف قدّس سرّه هذا التوهم بوجود قرينة الإطلاق في كلامي السيد و العلّامة. أمّا في عبارة التذكرة فلاستثناء الإحرام من موارد الحجر عن التصرف، و حيث إنّ صحة إحرام الصبي منوطة بإذن وليه، فإمّا أن يكون مراده من «التصرف» ما هو أعم من صورة الاستقلال و الإذن. و إمّا أن يكون خصوص صورة الاستقلال- كما يدّعيه المتوهم- فيكون استثناء الإحرام حينئذ عن التصرف المحجور عنه منقطعا، لا متصلا، لما عرفت من عدم العبرة بإحرام الصبي مستقلّا، و لكن لمّا كان الأصل في الاستثناء هو الاتصال تعيّن إرادة مطلق التصرف في المستثنى منه، يعني سواء أ كان مستقلا أم مأذونا من قبل وليّه. و بهذا ينعقد الإطلاق في إجماع التذكرة على بطلان عقده و إيقاعه، أي سلب العبارة.

و أمّا في عبارة الغنية فلأنّه قدّس سرّه و إن قال: «و إن أجاز الولي» و لكن منعه من صحة عقد الصبي مع إجازة وليه ليس من جهة عدم نفوذ تصرفه بإذن الولي، بل من جهة بطلان عقد الفضول، فربّما يصح عقده بإذنه السابق، هذا.

لكن مراد السيد عدم الصحة مطلقا حتى مع الإذن، بشهادة استدلاله بحديث رفع القلم، و هو كاشف عن إرادة التعميم، إذ المرفوع عن الصبي مطلق الحكم، سواء التكليفي و الوضعي، و سواء أ كان مستقلا في التصرف أم مأذونا أم مجازا، و هذا الإطلاق يساوق سلب العبارة، و هو المدّعى.

(1) هذا البناء مبني على أصالة الاتصال في الاستثناء، و توقف الانقطاع على قرينة، لظهور الإخراج في دخول الخارج في المخرج عنه. و حيث إنّ الإحرام لا يجوز إلّا بإذن الولي فلا بدّ من شمول المستثنى منه- و هو التصرف المحجور عنه- لمطلق أفعال الصبي و أقواله، حتى لو وقعت بإذن وليّه.

ص: 35

التصرف (1).

و كذا (2) إجماع الغنية بناء على أنّ استدلاله بعد الإجماع بحديث رفع القلم دليل على شمول معقده للبيع بإذن الولي.

و ليس المراد (3) نفي صحة البيع المتعقب بالإجازة حتى يقال: إنّ الإجازة عند السيد غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقلّ، و لو كان غير مسلوب العبارة كالبائع الفضولي.

و يؤيّد الإجماعين (4) ما تقدّم عن كنز العرفان.

______________________________

(1) كما يدّعيه المتوهم.

(2) معطوف على «الإجماع المحكي عن التذكرة».

(3) يعني: لو اقتصر السيّد قدّس سرّه في إثبات بطلان بيع الصبي على الإجماع لكان قوله: «و إن أجاز الولي» موهما لكون وجه البطلان عدم استقلاله في التصرف، بناء على ما ذهب إليه السيد من بطلان عقد من ليس مستقلا في التصرف، سواء أ كان كبيرا غير مالك لأمر العقد، أم صبيّا مسلوب العبارة، فالمهمّ قصور الإجازة اللاحقة عن تصحيح عقد غير المستقل، و هذا بخلاف ما لو أذن له الولي قبل العقد، فيصحّ حينئذ، لعدم افتقاره إلى الإجازة اللاحقة كي يبطل.

و لكن الدافع لهذا الوهم استدلال السيد بحديث رفع القلم، و هو ظاهر في سلب العبارة، و عدم ترتب الأثر على إنشاء الصبي مطلقا، سواء أ كان باذن وليه أم لا.

(4) أي: إجماعي الغنية و التذكرة. و غرضه بقوله: «ما تقدم عن كنز العرفان» ما أفاده في صدر المسألة بقوله قدّس سرّه: «و في كنز العرفان نسبة عدم صحة عقد الصبي إلى أصحابنا».

و لعلّ التعبير بالتأييد دون الدلالة لأجل احتمال اعتماده في دعوى الإجماع على عبارة التذكرة و عدم تحصيل اتفاق الفتاوى بنفسه.

ص: 36

نعم (1) لقائل أن يقول: إنّ ما عرفت (2) من المحقق و العلّامة و ولده و القاضي و غيرهم- خصوصا (3) المحقق الثاني الذي بنى المسألة على شرعية أفعال الصبي- يدلّ على عدم تحقق الإجماع.

و كيف كان (4) فالعمل على المشهور.

[د: حديث «عمد الصبي خطأ»]

و يمكن أن يستأنس له (5)

______________________________

(1) غرضه التشكيك في ثبوت الإجماع- على بطلان عقد الصبي- بنحو يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام أو عن حجة معتبرة.

(2) من تردّد المحقق في إجارة المميّز بإذن الولي، و استشكال العلّامة فيها.

(3) وجه الخصوصية: أنّ تردّد المحقق و العلّامة و إن كان موهنا للإجماع التعبدي، إلّا أنّ ابتناء المسألة- عند المحقق الثاني- على شرعية عباداته و تمرينيتها أقوى دليل على عدم انعقاد الإجماع الكاشف عن رأى المعصوم عليه السّلام- مع وجود القائل بكلّ منهما- و معه لا وجه لدعوى الاتفاق على سلب العبارة عن الصبي.

(4) يعني: سواء تحقّق الإجماع التعبدي على بطلان عقد الصبي أم لم يتحقق، فالمتّبع فتوى المشهور بالبطلان.

د: حديث «عمد الصبي خطأ»

(5) أي: للمشهور، و هذا وجه رابع لإثبات عدم موضوعية أقوال الصبي و أفعاله لأثر شرعي. و التعبير بالاستيناس- دون الدلالة التي عبّر عنها المصنف في حديث رفع القلم و عدم جواز الأمر- لأجل أنّ استظهار سلب الاعتبار عن عبارة الصبي من هذه الطائفة لا يخلو من شي ء، لتطرق احتمال ظهورها في رفع خصوص الأحكام المترتبة على عنوان العمد، و ذلك بقرينة مقابلته للخطإ، يعني: أنّ الأحكام المترتبة على عنوان العمد ترفع عن عمد الصبي، و أنّ عمده موضوع لحكم الخطأ المترتب على الفعل الصادر خطأ من البالغ.

ص: 37

أيضا (1) بما ورد في الأخبار المستفيضة من «أن عمد الصبي و خطأه واحد» «1»

______________________________

و عليه ففرق بين أن يقال: «قصد الصبي كلا قصد» و بين «عمد الصبي محكوم بحكم خطأ البالغ» و المجدي في المقام هو المفاد الأوّل، مع أنه يحتمل إرادة الثاني.

و كيف كان فتقريب دلالة هذه الأخبار المستفيضة- التي سيأتي التعرض لها في التعليقة إن شاء اللّه تعالى- أنّ قوله عليه السّلام: «عمد الصبي و خطأه واحد» ظاهر في كون عمد الصبي كالعدم، و قصده كلا قصد. فلو ترتب الحكم الشرعي على الفعل الإرادي الصادر من البالغ لم يترتب عليه لو صدر من الصبي القاصد. مثلا موضوع الوفاء بالعقد هو العقد المقصود، فلو أنشأه الصبي المميّز- و لو بإذن وليه- كان بمنزلة إنشاء البالغ الهازل أو النائم في عدم موضوعيته لوجوب الوفاء به.

فان قلت: إنّ هذه الأخبار- لو سلّم ظهورها في سلب عبارة الصبي- لم يتجه الاستدلال بها على بطلان عقده، و ذلك لما ورد في بعضها من قرينة الاختصاص بجناية الصبيان، كقوله عليه السّلام في معتبرة إسحاق بن عمار: «عمد الصبي خطأ يحمل على العاقلة» و عليه فليست في مقام تنزيل عقد الصبي منزلة العدم، و إنما هو حكم مخصوص ببابي القصاص و الديات. مضافا إلى أن صاحب الوسائل رواها في البابين المذكورين.

قلت: هذه الطائفة مشتملة على مضامين ثلاثة، و محطّ النظر هو معتبرة محمّد بن مسلم المذكورة في المتن، و هي مطلقة و لا قرينة فيها على الاختصاص بباب الجناية. و ليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيد، خصوصا بعد استظهار إطلاق تنزيل عمد الصبي منزلة خطأ البالغ في كلمات شيخ الطائفة و ابن إدريس كما سيأتي التعرض له. و أمّا ذكر هذه الأخبار في باب الديات لمناسبة فليس دليلا على الاختصاص كما لا يخفى.

(1) يعني: كما استدلّ بحديث رفع القلم، و عدم جواز أمر الصبي، و إن كانت الدلالة ممنوعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، ح 2.

ص: 38

كما في صحيحة ابن مسلم و غيرها (1). و الأصحاب (2) و إن ذكروها في باب الجنايات، إلّا أنّه لا إشعار في نفس الصحيحة بل و غيرها (3) بالاختصاص (4) بالجنايات.

______________________________

(1) كمعتبرة إسحاق بن عمّار «1» و خبر أبي البختري الآتي «2» في المتن.

(2) يعني: أرباب الجوامع الروائية، و إلّا فاستدلّ بها الفقهاء في غير باب الجناية، ككفارات الإحرام، و عبارة المتن دفع دخل تقدم توضيحهما بقولنا: «فان قلت .. قلت ..».

(3) المراد بغير الصحيحة هو معتبرة إسحاق بن عمّار، و لم يظهر الوجه في عدم إشعارها بالاختصاص بباب الجنايات.

إلّا أن يدّعى: أن قوله عليه السّلام: «عمد الصبي خطأ يحمل على العاقلة» يتضمّن أمرين:

أحدهما: تنزيل موضوع- و هو عمد الصبي- منزلة موضوع آخر و هو خطاؤه.

و الآخر: حكم، و هو كون دية جنايته على عاقلته، و ليس هذا الحكم قرينة على تقيّد الأوّل بباب الجنايات، فلذا يحكم بإطلاق تنزيل عمده منزلة خطائه، و كون قصده كلا قصد، هذا.

و لكن الظاهر قرينية «تحمّل العاقلة للدية» على تنزيل عمد الصبي في خصوص باب الجناية منزلة خطأ البالغ في تحمل العاقلة، إذ لم يثبت هذا الحكم في غير الجناية الخطائية في البالغ حتى يثبت في حق الصبي.

و عليه فالأولى في دعوى عدم الإشعار- بالاختصاص بالجناية- الاعتماد على خصوص صحيحة محمد بن مسلم غير المذيّلة بتحمل العاقلة للدية.

(4) متعلق ب «لا إشعار».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، ح 3.

(2) وسائل الشيعة، ج 19، ص 66، الباب 36 من كتاب القصاص، ح 2.

ص: 39

و لذا (1) تمسّك بها الشيخ في المبسوط و الحلّي «1» في السرائر على أنّ إخلال الصبي المحرم بمحظورات الإحرام- التي (2) يختص حرمتها الموجبة للكفارة فيها بحال التعمد- لا يوجب (3) كفارة على الصبي، و لا على الولي، لأنّ عمده خطاء.

و حينئذ (4) فكل حكم شرعي تعلّق بالأفعال التي يعتبر في ترتب الحكم

______________________________

(1) أي: و لعدم إشعار الصحيحة بالاختصاص بالجنايات تمسّك بها الشيخ رحمه اللّه و الحلّي على عدم كون إخلال الصبي بمحرّمات الإحرام موجبا للكفارة، لأنّ عمده خطاء، و من المعلوم عدم ترتب الكفارة على ارتكابها خطأ، فكل حكم شرعي يترتب على الفعل القصدي للبالغ لا يترتّب على الفعل الصادر عمدا عن الصبي، لأنّ قصده نزّل منزلة العدم، و عمده بمنزلة الخطاء.

(2) صفة ل «المحظورات» و قوله: «الموجبة» صفة للحرمة، يعني: أنّ محرّمات الإحرام على قسمين، منها: ما لا يستلزم كفارة في غير حال العمد كلبس المخيط و الطيب و حلق الشعر و تقليم الأظفار و نحوها نسيانا. و منها: ما يستلزمها حتى لو ارتكبها المحرم نسيانا كالصيد، على ما حكاه في المبسوط.

و كلام شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما ناظر إلى القسم الأوّل، يعني: لو تعمّد الصبي المحرم لبس المخيط مثلا لم يجب عليه التكفير، لكون عمده بمنزلة خطأ البالغ.

و استدلّا على ذلك بما روي عنهم عليهم السّلام من: أنّ عمد الصبي و خطأه سواء، فراجع.

(3) خبر قوله: «ان إخلال».

(4) أي: و حين لم تكن صحيحة محمّد بن مسلم- و لا غيرها- ظاهرة و لا مشعرة بالاختصاص بجناية الصبي، فكل حكم .. إلخ. و هذا تقريب الاستيناس بهذه الطائفة على سلب عبارة الصبي، و حاصله: أنّ ترتب الأثر على الإنشاء سواء في العقد و الإيقاع منوط بقصد الأمر الاعتباري، و لمّا كان قصد الصبي المميّز بمنزلة عدم قصده كان إنشاؤه لغوا، كإنشاء البالغ الهازل أو الغالط.

______________________________

(1) المبسوط، ج 1، ص 329، السرائر، ج 1، ص 636 و 637.

ص: 40

الشرعي عليها القصد، بحيث لا عبرة بها (1) إذا وقعت بغير القصد، فما (2) يصدر منها عن الصبي قصدا بمنزلة (3) الصادر عن غيره بلا قصد، فعقد (4) الصبي و إيقاعه مع القصد كعقد الهازل و الغالط و الخاطي و إيقاعاتهم.

بل (5) يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون و الصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم، و هو ما عن قرب الاسناد بسنده عن أبي البختري: «عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: انّه كان يقول:

المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ يحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» «1».

______________________________

(1) أي: بالأفعال، و المراد بها المعاملات. و قوله: «القصد» نائب فاعل: «يعتبر».

(2) جواب الشرط المستفاد من قوله: «فكل حكم» مثل قولك: كلّ من يزورني فله درهم.

(3) خبر قوله: «فما يصدر».

(4) هذا متفرّع على عموم إلغاء قصد الصبي، و عدم موضوعيّته لحكم شرعي.

(5) هذا إضراب عن قوله: «و يمكن أن يستأنس له» و غرضه أنّ ما ورد من «أن عمد الصبي خطأ» ليس مجرّد استيناس للحكم بسلب عبارة الصبي، بل بملاحظة رواية أبي البختري يمكن استظهار الحكم- و هو إلغاء قصد الصبي مطلقا، لا في خصوص باب الجنايات- من قوله عليه السّلام: «عمد الصبي خطأ».

و تقريب الاستظهار: أنّ رواية أبي البختري تكفّلت مطالب ثلاثة: أوّلها: أن جناية المعتوه و الصبي بالقتل العمدي تكون بمنزلة جنايتهما خطأ، فلا مجال للاقتصاص منهما، الذي هو حكم ارتكاب القتل العمدي من البالغ.

ثانيهما: أنّ الدية تستقر على عاقلتهما، و لا تخرج من مال المعتوه و الصبي، و هذا حكم الخطأ المحض، و إلّا فالدية في الجناية شبه العمد تكون في مال الجاني.

ثالثها: رفع القلم عن المعتوه و الصبي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 66، الباب 36 من أبواب قصاص النفس، ح 2.

ص: 41

فإنّ (1) ذكر «رفع القلم» في الذيل ليس له وجه ارتباط إلّا (2) بأن تكون علّة لأصل الحكم و هو ثبوت الدية على العاقلة، أو بأن تكون معلولة لقوله:

______________________________

و بما أنّ قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» ليست جملة مستأنفة، بل هي مرتبطة بكون الدية على العاقلة، فلا بد من استكشاف وجه الربط، و هو أحد أمرين.

فإمّا أن يكون رفع القلم علّة لوجوب الدية على العاقلة، و معناه: أنّ رفع قلم المؤاخذة الدنيوية- سواء المالية كالدية و النفسية كالقصاص- عن المعتوه و الصبي كارتفاع المؤاخذة الأخروية صار منشأ لوجوب الدية على العاقلة.

و إمّا أن يكون رفع القلم معلولا لتنزيل الشارع عمد المعتوه و الصبي منزلة خطأهما، و معناه حينئذ: أنّ عمدهما لمّا كان في وعاء التشريع بمنزلة الخطأ و قصدهما كلا قصد، فلذا ارتفعت المؤاخذة الأخروية و الدنيوية- من القصاص و الغرامة الماليّة- عنهما شرعا.

و هذان الاحتمالان يشتركان في نفي موضوعية إنشاء الصبي للأثر، و يفترقان في ضمانه بالإتلاف.

أمّا الجهة المشتركة فلأنّ الإنشاء أمر قصدي، و لا يتحقق بدونه، و لذا لا يترتب أثر على إنشاء الهازل و النائم و الغالط و نحوهم ممّن لا يكون داعيه إلى الإنشاء تحقق الأمر الاعتباري في وعاء الاعتبار كالملكيّة و الزوجيّة و الحريّة.

و لا فرق في لغويّة إنشاء الصبي بين كونه لأجل تنزيل قصده منزلة عدم القصد، و بين رفع قلم المؤاخذة عنه شرعا. كما لا فرق بين كونه مستقلّا في التصرف في ماله، و بين كونه وكيلا عن الغير أو مأذونا عن وليّه.

و أمّا الجهة الفارقة- و هي الضمان بالإتلاف بناء على المعلوليّة، و عدمه بناء على العلّيّة- فسيأتي توضيحها في ص 146.

(1) هذا تقريب استظهار سلب عبارة الصبي من رواية أبي البختري، و قد عرفته آنفا.

(2) وجه الحصر في العلية و المعلولية عدم تطرّق احتمال آخر ككون الجملتين متلازمتين، أو كونهما معلولي أمر ثالث.

ص: 42

«عمدهما خطاء» يعني: (1) أنّه لمّا كان قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع و في الواقع رفع القلم عنهما.

و لا يخفى أنّ (2) ارتباطها بالكلام على وجه العليّة و المعلولية للحكم المذكور في الرواية- أعني: عدم مؤاخذة الصبي و المجنون بمقتضى جناية العمد، و هو القصاص، و لا بمقتضى شبه العمد و هو الدية في مالهما- لا يستقيم (3) إلّا بأن يراد من رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا من حيث العقوبة الأخروية (4) و الدنيوية (5) المتعلقة بالنفس كالقصاص أو المال كغرامة الدية.

و عدم (6) ترتّب ذلك على أفعالهما المقصودة المتعمّد إليها ممّا لو وقع من

______________________________

(1) هذا تقريب معلوليّة رفع القلم، و عليّة تنزيل عمدهما منزلة خطائهما.

(2) غرضه من هذه الجملة أنّ ربط جملة «عمدهما خطأ» بجملة «رفع القلم» بالعلية أو المعلولية منوط بكون المرفوع قلم المؤاخذة مطلقا- كما هو مورد الرواية- لا قلم الأحكام التكليفيّة خاصّة، إذ بناء عليه تكون المؤاخذة الدنيوية- و هي الغرامة الماليّة بأداء الدية- في مالي المعتوه و الصبي، مع أنّ الرواية صريحة في كون الدية على العاقلة، و هذا يتوقّف على كون المرفوع عنهما مطلق المؤاخذة حتى الدنيويّة و لو الماليّة.

(3) خبر قوله: «أنّ ارتباطها» و قد عرفت تقريب عدم الاستقامة إلّا برفع المؤاخذة.

(4) فالعقوبة الأخرويّة لمن قتل مؤمنا عمدا هو الخلود في العذاب، و هذه مرفوعة عن قتل الصبي و المجنون عمدا.

(5) و هي إحدى ثلاث، فإمّا في النفس و إمّا في الطرف- بالقصاص في حق البالغ القاتل أو الجارح عمدا- و إمّا في المال بأداء الدية في الجناية شبه العمد.

(6) بالرفع معطوف على «ارتفاع المؤاخذة» و المراد ب «ذلك» هو المؤاخذة، و التذكير بلحاظ قوله: «للحكم المذكور».

ص: 43

غيرهما (1) مع القصد و التعمد لترتب عليه غرامة أخروية أو دنيوية.

و على هذا (2) فإذا التزم على نفسه مالا بإقرار (3) أو معاوضة (4) و لو (5) بإذن الولي فلا (6) أثر له في إلزامه بالمال و مؤاخذته به و لو (7) بعد البلوغ، فإذا (8)

______________________________

(1) أي: غير الصبي و المجنون، و المراد بالغير هو البالغ العاقل.

(2) المشار إليه هو رفع المؤاخذة عن أفعال المعتوه و الصبي المقصودة المتعمّد إليها. و غرضه قدّس سرّه من هذا التفريع إلغاء إقرارهما و إنشائهما عن الأثر، فلو أقرّ الصبي المميّز بمال على ذمّته لم يؤاخذ به مطلقا و لو بعد بلوغه، سواء أ كان بإذن وليّه أم لا.

و الوجه فيه ما استفيد من الحديث من سلب قصده، و المفروض أنّ الإقرار و المعاملات أمور قصديّة.

و ليس الوجه في إلغاء إقراره المزبور كونه محجورا عن التصرف، إذ بناء عليه يلزم مؤاخذته بإقراره لو كان بإذن الولي، مع أنّ الحديث دال على سلب قصد الصبي مطلقا حتى بإذن وليّه.

(3) كما لو قال: «لزيد عليّ دينار» فهو إخبار باشتغال ذمّته بدينار لزيد.

(4) كما لو أنشأ القبول بقوله: «اشتريت هذا بدينار في ذمّتي».

(5) وصليّة، و هذا تصريح بإطلاق سلب الأثر عن التزام الصبي مالا على ذمته.

و كان الأولى تأخيره عن قوله: «فلا أثر له».

(6) جواب «فإذا التزم» أي: ليس التزام الصبي مؤثّرا في إلزامه بالمال في الحكم باشتغال ذمته به.

(7) وصلية، و هذا تصريح بإطلاق سلب مؤاخذة الصبي بالمال، فلا يؤاخذ به حتى بعد بلوغه.

(8) هذا وجه عدم إلزام الصبي بما التزم به على نفسه بإقرار أو معاوضة.

و محصّله كما تقدم آنفا هو كون قصده تكوينا خطأ تشريعا، و ليس الوجه فيه مجرّد حجره عن التصرف في ماله، لما عرفت من ارتفاع الحجر عنه بإذن وليّه، فيلزم نفوذ

ص: 44

لم يلزمه شي ء بالتزاماته- و لو كانت بإذن الولي- فليس (1) ذلك إلّا لسلب قصده و عدم العبرة بإنشائه، إذ لو كان ذلك لأجل عدم استقلاله و حجره عن الالتزامات على نفسه لم يكن (2) عدم المؤاخذة شاملا لصورة إذن الولي. و قد فرضنا الحكم (3) مطلقا (4)، فيدل (5) بالالتزام على كون قصده في إنشاءاته و إخباراته مسلوب الأثر.

ثمّ (6) إنّ مقتضى عموم هذه الفقرة

______________________________

إقراره و تصرفه لو أذن له وليّه، مع أنّ الظاهر سقوط إنشاءاته و إخباراته عن الاعتبار مطلقا و لو كانت بإذن وليّه، و هذا السقوط كاشف عن أنّ الدليل عليه هو سلب عبارته و كون قصده كلا قصد.

(1) جواب قوله: «فإذا لم يلزمه».

(2) جواب قوله: «لو كان ذلك».

(3) يعني: الحكم بعدم مؤاخذة الصبي بإقراره و معاوضته.

(4) أي: حتّى في صورة إذن الوليّ.

(5) يعني: فيدلّ رفع قلم المؤاخذة عن الصبي- بالالتزام- على سلب الأثر عن قصده. و عليه فدلالة «رفع القلم عن الصبي» على سلب العبارة و إن لم تكن بالمطابقة، لكنها تكون بالالتزام- إذ لو كان قصده كقصد البالغ العاقل موضوعا للأثر جازت مؤاخذته به- و من المعلوم كفاية الدلالة الالتزاميّة في مقام الاستدلال.

هذا كله في أصل دلالة رواية أبي البختري على دعوى المشهور من سلب عبارة الصبي، و يتفرّع عليها أمران نبّه عليهما المصنف قدّس سرّه.

(6) هذا هو الأمر الأوّل، و حاصله: أنّ جملة «و قد رفع عنهما القلم» إمّا علة للحكم باستقرار الدية على العاقلة، و إمّا معلولة لتنزيل العمد منزلة الخطأ.

فإن كانت الجملة علّة اقتضت عدم مؤاخذة الصبي و المعتوه بشي ء من الأفعال

ص: 45

- بناء (1) على كونها علّة للحكم- عدم (2) مؤاخذتهما بالإتلاف الحاصل منهما،

______________________________

سواء صدرت عنهما عمدا أم خطأ، فلو أتلفا مالا محترما لم يضمناه، لفرض رفع قلم المؤاخذة عنهما مطلقا. و ضمان المتلف مؤاخذة، فهي مرفوعة عنهما.

فإن قلت: لا ريب في كون الإتلاف مضمّنا مطلقا حتى في حال الغفلة و النوم، و حيث إنّ «رفع القلم» من العمومات الشرعية القابلة للتخصيص فلذا يخصّص بما دلّ على الضمان بالتضييع و الإتلاف، و لا إشكال، هذا.

قلت: عموم «رفع القلم» و إن كان شرعيا، لكنّه آب عن التخصيص، لوروده مورد الامتنان على المعتوه و الصبي، و هو يقتضي رفع كلّ مؤاخذة عنهما سواء أ كانت في النفس أم في الطرف أم في المال. و عليه فإشكال الضمان بالإتلاف باق بناء على العلية.

و إن كانت الجملة معلولة لقوله عليه السّلام: «عمدهما خطأ» لم يلزم إشكال أصلا، لاختصاص المؤاخذة المرفوعة عنهما بما إذا ترتبت على خصوص فعل البالغ العمدي حتى يترتب عليه حكم فعله الخطائي، و حيث إن ضمان البالغ بالإتلاف مطلق و يثبت لحال خطائه أيضا، فلذا يخرج هذا الضمان عن مورد قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» لتبعية المعلول لعلّته سعة و ضيقا، و لمّا كان الضمان بالإتلاف خارجا عن العلّة موضوعا امتنع أن يكون مشمولا للمعلول، و هو رفع القلم.

فالمتحصل: أنّ دلالة جملة «عمد الصبي خطأ» على سلب عبارته و إلغاء إنشائه و إخباره عن الأثر تامّة، و لا يقدح فيها ضمانه بالإتلاف مطلقا على تقدير عليّة «رفع القلم» لوجوب الدية على العاقلة.

(1) و أمّا بناء على كون «رفع القلم» معلولا لقوله: «عمد الصبي خطأ» فقد عرفت خروج ضمان الإتلاف تخصّصا عن العلّة. فالإشكال إنّما يتجه لو كان رفع القلم علّة لاستقرار دية الجناية على العاقلة، كما عرفت توضيحه آنفا.

(2) خبر «ان مقتضى» و ضميرا «مؤاخذتهما، منهما» راجعان إلى المعتوه و الصبي.

ص: 46

كما هو ظاهر المحكي عن بعض، إلّا أن يلتزم (1) بخروج ذلك عن عموم رفع القلم. و لا يخلو من بعد (2).

و لكن (3) هذا غير وارد على الاستدلال، لأنّه (4) ليس مبنيّا على كون «رفع القلم» علّة للحكم، لما (5) عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبي و المجنون، فيختص (6) رفع قلم المؤاخذة بالأفعال الّتي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل، فيخرج مثل الإتلاف (7)،

______________________________

(1) أي: إلّا أن يلتزم بخروج إتلاف الصبي و المجنون عن عموم رفع القلم تخصيصا.

(2) لأنّ سوقه آب عن التخصيص بعد وروده في مقام الامتنان.

(3) يعني: أنّ إشكال ضمانهما بالإتلاف و إن كان لازما بناء على علّية رفع القلم، إلّا أنّ الاستدلال بحديث أبي البختري على سلب عبارة الصبي سليم عن الإيراد، إذ ليس الاستدلال منوطا بعلية رفع القلم، بل المهمّ ظهور جملة «عمد الصبي خطأ» في إلغاء أفعاله و أقواله القصدية. و يكفي احتمال معلولية «رفع القلم» لتنزيل عمده منزلة خطأ البالغ شرعا، و لا ينتقض بضمان الإتلاف أصلا، كما أوضحناه قبل أسطر.

(4) أي: لأنّ الاستدلال على سلب عبارة الصبي ليس مبنيا على خصوص علّية رفع القلم حتى يستشكل فيه بضمان الإتلاف. وجه عدم الابتناء ما عرفت من أنّ جملة «عمد الصبي خطأ» وافية بإسقاط أفعاله و أقواله عن الأثر، سواء أ كانت علّة لرفع القلم أم معلولة له.

(5) تعليل لقوله: «ليس مبنيّا».

(6) هذه نتيجة احتمال كون رفع القلم معلولا لجعل قصد الصبي بمنزلة العدم.

(7) خروجا موضوعيا، بأحد وجهين:

الأوّل: أنّ حديث الرفع- بمناسبة الحكم و الموضوع- ينفي الآثار الثابتة للأفعال التي يعتبر فيها قصد الفاعلين، فيخرج مثل الإتلاف الذي لا يعتبر القصد في

ص: 47

فافهم و اغتنم (1).

ثم إنّ (2) القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع

______________________________

سببيته للضمان، لأنّ ذات الإتلاف مع الغضّ عن العمد سبب الضمان، و لذا يترتب على إتلاف فاقد العقل كالمجنون، و على فعل النائم الذي لا يشعر بما يفعله.

فسببيّة الإتلاف نظير نواقض الوضوء، فإنّ ناقضية البول مثلا للوضوء غير منوطة بالقصد و الاختيار، فلا ترتفع بحديث رفع القلم عن الثلاثة.

الثاني: أنّ الحديث وارد في مقام الامتنان على الأمّة الذين هم على السّواء بنظر الشارع، فرفع قلم الضمان عن إتلاف الصبي و إن كان منّة عليه قطعا، إلّا أنّه خلاف الامتنان على الكبير الذي تلف ماله، و من المعلوم أنّه لا ترجيح للصغير على الكبير حتى يقال بعدم سببيّة إتلاف الصبي للضمان.

و بهذا يقال أيضا بعدم شمول «رفع الخطأ» في مثل حديث رفع التسعة لإتلاف البالغ خطأ، ضرورة استلزام عدم ضمانه خلاف الامتنان على المالك، هذا.

(1) الأمر بالفهم و الاغتنام إشارة ظاهرا إلى دقة المطلب و تمامية الاستدلال بالحديث على مسلك المشهور.

(2) هذا إشارة إلى الأمر الثاني، و محصله: عدم التنافي بين كون المرفوع عن الصبي مطلق المؤاخذة المترتّبة على فعل البالغ، و بين تشريع بعض التعزيرات عليه كإدماء أنامله و قطعها في السرقة المتكررة. وجه عدم التنافي: أنّ المؤاخذة المرفوعة عنه هي الثابتة في حق البالغين سواء أ كانت دنيوية- بأن كانت في النفس كالقصاص أم في المال كالدية- أم أخروية. و هذا لا ينافي تأديبه ببعض العقوبات الدنيوية التي تخفّ عن عقوبة البالغ كمّا و كيفا.

قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «و متى سرق من ليس بكامل العقل بأن يكون مجنونا أو صبيّا لم يبلغ- و إن نقب و كسر القفل- لم يكن عليه قطع. فإن كان صبيا عفي عنه مرّة، فإن عاد أدّب، فإن عاد ثالثة حكّت أصابعه حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله،

ص: 48

على البالغين (1)، فلا ينافي (2) ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير (3) [1].

______________________________

فإن عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك، كما يقطع الرّجل سواء» «1». و قطع أصابعه في المرحلة الخامسة و إن كان عقوبة البالغ، إلّا أنّه عقوبته في سرقته الاولى، و هذا فارق بين تعزير الصبي و حدّ البالغ. و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و مستند هذا القول أخبار كثيرة صحيحة، و عليه الأكثر» «2».

(1) وجهه تقييد الرفع بغاية البلوغ، لقوله عليه السّلام: «حتى يحتلم»، فالمرفوع عن الصبي هو الثابت على البالغ.

(2) ضمير الفاعل راجع إلى قلم المؤاخذة المرفوع.

(3) يعني: بما يراه الامام من التأديب بما دون الحد الثابت على البالغ، فيمكن ثبوته على الصبي.

______________________________

[1] يقع الكلام في تحقيق رابع أدلة المشهور من الروايات المتضمنة لكون عمد الصبي و خطائه واحدا، و هي على ثلاثة مضامين:

الأوّل: ما يدلّ على ذلك مطلقا من دون تقييد بشي ء، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: عمد الصبي و خطؤه واحد» «3».

الثاني: ما يدلّ على ذلك مقيّدا بكون دية الجناية الصادرة عن الصبي خطأ على عاقلته، كخبر إسحاق بن عمار «عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام انّ عليّا عليه السّلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ تحمل على العاقلة» «4».

______________________________

(1) النهاية و نكتها، ج 3، ص 325.

(2) الروضة البهية، ج 9، ص 222، و راجع أخبار الباب في الوسائل، ج 18، ص 522 الى 526، الباب 28 من أبواب حد السرقة «باب حكم الصبيان إذا سرقوا».

(3) وسائل الشيعة، ج 19، ص 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، ح 2.

(4) المصدر، ح 1.

ص: 49

______________________________

و عن علي عليه السّلام: «ليس بين الصبيان قصاص عملهم خطأ يكون فيه العقل» «1».

و عن دعائم الإسلام عن علي عليه السّلام: «انّه ما قتل المجنون المغلوب على عقله و الصبي، فعمدهما خطأ على عاقلتهما» «2» و غير ذلك من الروايات.

الثالث: ما يدلّ على هذا الحكم مع قيد آخر، و هو رفع القلم عن الصبي، كرواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «أنّه كان يقول في المجنون المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» «3».

قد يقال: ان الطائفة الأولى تدلّ على عدم الاعتناء بأقوال الصبي و أفعاله، و أنّ وجود ما يصدر عنه كالعدم، في عدم ترتب أثر عليه، فلا يترتب على عقود الصبي و إيقاعاته أثر و إن أذن له الولي أو أجازه، لأنّها كالصادرة من البالغين نسيانا، أو في حال النوم. فكأنّه قيل: عمد الصبي كالعدم، و قصده كلا قصد.

و لا تنافي بين هذه الطائفة و بين الطائفتين الأخريين حتى يحمل المطلق على المقيّد، ضرورة عدم التنافي بين كون عمد الصبي بمنزلة الخطاء في الجنايات، و بين كون عمده بمنزلة الخطاء في غير موارد الجنايات، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد.

هذا ملخص ما يقال في تقريب الاستدلال بهذه الطائفة من الروايات على سلب عبارة الصبي حتى مع إذن الوليّ كما نسب إلى المشهور.

لكن فيه أوّلا: القطع بعدم إمكان إرادة الإطلاق، و إلّا يلزم تأسيس فقه جديد أو يلزم عدم مانعيّة مبطلات الصلاة و مفطرات الصوم، فإذا أكل أو شرب عمدا و هو صائم، أو أحدث كذلك و هو في الصلاة لزم عدم بطلان صومه و صلاته. و كذا لو زاد عمدا في صلاته، أو سافر قاصدا لقطع المسافة، فإنّه يلزم عدم بطلان صلاته في الأوّل، و عدم

______________________________

(1) مستدرك الوسائل، ج 18، ص 418، الباب 8 من أبواب العاقلة، ح 2

(2) المصدر، ح 4.

(3) وسائل الشيعة، ج 19، ص 66، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، ح 2.

ص: 50

______________________________

ثبوت القصر في الثاني، بل يلزم عدم مشروعية عبادات الصبي طرّا، لأنّها قصدية، و المفروض أنّ قصد الصبي كلا قصد على ما استظهره المستدل.

و ثانيا: انّ الاستظهار المزبور منوط بأن تكون العبارة دالة على نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، «كلا ربا بين الوالد و الولد» حتى يراد عدم ترتب حكم على عمد الصبي كعدمه على خطائه، و يكون المراد أنّ قصده كلا قصد في عدم ترتب أثر عليه.

و ليس الأمر كذلك، لأنّ المقام من تنزيل أحد الأمرين الوجوديّين منزلة صاحبه، و ذلك يتوقف على وجود الأثر شرعا للمنزّل عليه، فلا بد أن يكون للخطاء أثر حتى يصح تنزيل العمد منزلته، كتنزيل الطواف منزلة الصلاة. و من المعلوم أنّه لا مصداق لهذه الكبرى، و هي كون عمد الصبي منزلة خطائه إلّا الجنايات، لأنّ الجناية الصادرة منه عمدا بمنزلة الجناية الصادرة منه خطأ في كون الدية على العاقلة، فيصح حينئذ تنزيل جناية الصبي عمدا منزلة جنايته خطأ في كون ديتها على العاقلة، و لا مورد لهذا التنزيل في غير الجنايات.

لا يقال: إنّه قد ثبت أثر خاص لكل من العمد و الخطاء في الصلاة، و في تروك الإحرام، حيث إنّ ترك جزء من الصلاة عمدا موجب لبطلان الصلاة، و تركه خطأ غير موجب له، بل موجب لسجدة السهو إن لم يكن المتروك ركنا. و المحرم إذا صاد حيوانا عمدا وجبت عليه الكفارة زائدة على ما إذا صاده خطأ، فلا تختص أخبار تنزيل عمد الصبي منزلة الخطأ بالجنايات.

فإنه يقال: إنّ تنزيل عمد الصبي منزلة خطائه متقوم بأمرين:

أحدهما: ثبوت الأثر لكلّ من العمد و الخطاء.

ثانيهما: كون أثر الخطاء ثابتا لغير الفاعل، كما في الجناية الخطائية، فإنّ أثرها- و هو الدية في جناية البالغ خطاء- ثابت على غير الجاني أعني العاقلة. و من المعلوم أنّ مصداقه منحصر بباب الجنايات، لفقدان الأمر الثاني- و هو ثبوت أثر الخطاء على غير

ص: 51

______________________________

الفاعل- في الموارد المزبورة، ضرورة أنّ حكم الخطاء فيها كوجوب سجدتي السهو و وجوب الكفارة الثابتين على المخطئ البالغ منتف عن الصبي بحديث الرفع، و على فرض ثبوته على الصبي ليس ثابتا على العاقلة.

لكن عن المحقق النائيني قدّس سرّه جريان الحديث أعنى عمد الصبي خطأ في كفارات الحج، حيث إنّ ارتكاب محرمات الإحرام عمدا يوجب الكفارة، دون ارتكابها خطأ إلّا الصيد. فلكلّ من العمد و الخطاء أثر، فلا يختص الحديث بالجنايات «1».

و فيه: أنّ عدم وجوب الكفارة في الخطأ إنّما هو لعدم الموضوع و هو العمد، بخلاف الجنايات، فإنّها على ثلاثة أقسام: العمدية و الخطائية المحضة و الشبيهة بالعمد.

فتلخص: أنّ الاستدلال بالمطلقات المتقدّمة لإثبات كون الصبي مسلوب العبارة في غير محله.

بقي الكلام فيما يستفاد من قوله عليه السّلام في ذيل رواية أبي البختري: «عمدهما خطاء تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» فانّ المصنف قدّس سرّه استظهر من هذه الجملة دلالتها على كون الصبي مسلوب العبارة، و أنّ عقده و إيقاعه مع القصد ليسا موضوعين للآثار الشرعية، بل هما كعقد الخاطى و الهازل و إيقاعهما، فلا يختص ما دلّ على كون عمد الصبي خطاء بالجنايات.

و تقريب استظهاره: أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «و قد رفع عنهما القلم» إمّا علة لثبوت الدية على العاقلة، يعني: أنّ علة ثبوت الدية على العاقلة لا على نفس الصبي هي رفع القلم عنه إذ لو كان القلم موضوعا عليه كان نفس الصبي مطالبا بالدية. و إمّا معلول لقوله: «عمدهما خطأ» بمعنى أنّ علّة رفع القلم عن الصبي و المجنون هو كون قصدهما بمنزلة عدم القصد في نظر الشارع. فالرواية و إن كان موردها الجناية، إلّا أنّ العبرة بعموم العلّة لا بخصوصية المورد، فلا يعتد بشي ء من الأفعال و الأقوال الصادرة من الصبي

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 173.

ص: 52

______________________________

و المجنون، لأنّهما مسلوبا العبارة في وعاء التشريع، فلا محذور في الأخذ بعموم العلة في سائر الموارد، هذا.

لكن الظاهر عدم تمامية شي ء من التقريبين.

أمّا كونه علّة لثبوت الدية على العاقلة، ففيه: عدم الملازمة بينهما فضلا عن العليّة.

نعم ثبت في الشريعة المقدسة أنّ دم المسلم لا يذهب هدرا، لكنه لا يلازم ثبوت الدية على العاقلة، لإمكان أن تكون الدية على جميع المسلمين، أو بيت المال، أو غير ذلك.

و أمّا كونه معلولا لقوله: «عمده خطأ».

ففيه:- مضافا إلى عدم اقترانه بما يفيد العلية في مقام الإثبات كلفظة «لأنّ» أو «فان»- أنّه إن أريد كون العمد خطاء تكوينا فلا بأس بعليّته لرفع القلم، لأنّه بعد فرض عدم صدور الفعل العمدي عن الصبي لا يصلح فعله لأن يكون موضوعا شرعا للأثر.

لكن الأمر ليس كذلك، لكونه كذبا.

فلا بد أن يكون عمده خطاء تنزيلا لا تكوينا، بمعنى: أنّ الشارع نزّل عمد الصبي منزلة الخطاء، بأن يراد من التنزيل نفي آثار العمد كالقصاص و شبه العمد كالدية الثابتة في مال الجاني خطأ، و ترتيب آثار الخطاء المحض بالنسبة إلى غير الفاعل. و ذلك منحصر بالجنايات، لأنّها هي التي تترتب على أقسامها الثلاثة- من العمد و شبهه و الخطأ المحض- أحكام خاصة.

و إن شئت فقل: إنّ وجه المناسبة بين قوله عليه السّلام: «رفع عنهما القلم» و بين قوله عليه السّلام: «عمدهما خطاء» هو أنّ تنزيل عمد الصبي منزلة خطائه متقوم بأمرين:

أحدهما: حكم سلبي، و هو عدم ترتب أحكام العمد- من القصاص و الدية في ماله- على فعله، و عدم إلزام الصبي بشي ء من أفعاله.

و الآخر: حكم إيجابي، و هو ترتب أحكام الفعل الخطائي على فعله في خصوص ما إذا كان متوجّها إلى الغير كالعاقلة، لا إلى الصبي.

ص: 53

______________________________

و المتكفل لبيان الأمر الأوّل هو: «رفع القلم عن الصبي» و لبيان الأمر الثاني هو قوله: «تحمله العاقلة» و هذا معنى رفع القلم، يعني: أنّ قلم التكاليف الإلزامية الثابتة للأفعال العمدية على البالغين مرفوع عن الصبي، فعمد الصبي عمد تكوينا و خطاء تشريعا. فالقصاص مرفوع عن الجناية الصادرة عنه عمدا، فرفع القلم عن الصبي متمم لقوله: «عمد الصبي خطاء» لا معلول له.

و على هذا فمفاد رواية أبي البختري موافق لما يستفاد من سائر الروايات المتضمنة لكون الصبي مرفوع القلم.

هذا مضافا الى ضعف سندها بأبي البختري الذي اسمه وهب بن وهب بن عبد اللّه بن رمعة بن الأسود، لأنّه كان كذّابا عامي المذهب. فلا تكون الرواية حجة.

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّه لا دليل على كون الصبي مسلوب العبارة، بحيث لا يترتب على إنشاءاته العقدية و الإيقاعية أثر أصلا و لو كانت بإذن الولي أو إجازته. مع أنّ الإذن و الإجازة يوجبان إضافة ما أنشأه الصبي إلى الولي كعقد الفضولي.

ثمّ إنّ المصنف قدّس سرّه أشار إلى فروع:

منها: مسألة إتلاف الصبي و سببيّته للضمان و عدمها، فإنّه قد يتوهم عدم الضمان، لأنّ عمد الصبي خطاء، و لأنّ قلم التكليف مرفوع عنه حتى يحتلم.

لكن فساد هذا التوهم ظاهر. أمّا الأوّل فلأنّ تنزيل عمد الصبي منزلة خطائه إنّما هو في خصوص الأفعال التي لا تكون موضوعة للأحكام الشرعية، إلّا إذا صدرت عن فاعليها بالقصد و الاختيار، فلو كان الحكم الشرعي مترتبا على نفس الفعل و إن صدر بلا قصد و عمد كالجنابة الموجبة للغسل و إن حصلت في النوم، و كمباشرة النجاسات الموجبة لنجاسة البدن، و إن كانت المباشرة بغير إرادة و اختيار، و كالإحداث الناقصة للطهارة، فإنّها ناقصة لها و إن صدرت جهلا أو غفلة و بغير اختيار، فإنّ موضوعية هذه الأمور لأحكامها لا تتوقف على صدورها عن قصد و عمد. و من المعلوم أنّ الإتلاف من

ص: 54

______________________________

هذا القبيل، إذ لم يؤخذ في قاعدته إلّا صدق الإتلاف المعلوم صدقه على الإتلاف العمدي و غيره.

هذا مضافا إلى ما تقدم من اختصاص الحديث بما إذا كان للفعل العمدي أثر كالجناية العمدية، و للفعل الخطائي أثر آخر بالنسبة إلى غير الفاعل، فيحكم على فعل الصبي حينئذ بحكم الخطاء، و من المعلوم أنّ الإتلاف لا يختلف حكمه بحسب العمد و الخطاء، فلا يكون الحديث شاملا للإتلاف، كما لا يشمل كفارات الحج، لأنّ عدم وجوب الكفارات على الصبي المرتكب لمحرّمات الإحرام إنّما هو من جهة انتفاء الموضوع و هو العمد، فعدم ترتبها على الخطاء الصادر عن البالغ إنما هو لعدم تحقق العمد، لا لأجل موضوعية الخطاء له كموضوعية الخطاء في باب الجنايات.

فما عن المحقق النائيني قدّس سرّه «من التمسك بالحديث في كفارات الحج» مما لم يظهر له وجه، لما عرفت من أنّ انتفاء الكفارات عن ارتكاب البالغ خطاء لمحظورات الإحرام إنّما هو لانتفاء موضوعها و هو العمد، لا لأجل الخطاء كما لا يخفى.

و أمّا الثاني أعني: حديث رفع القلم، فلأنّ المراد به كما مرّ آنفا رفع الأحكام الإلزامية عن الصبي. و هذا لا ينافي توجه الأحكام الإلزامية إليه بعد البلوغ، لإمكان موضوعية فعل الصبي لأحكام إلزامية بعد بلوغه، فإنّ جميع الإلزاميات مرفوعة عن الصبي ما دام صبيا، فإذا بلغ توجّه إليه وجوب تدارك ما أتلفه في حال الصبا، لأنّ الإتلاف بعنوانه موجب للضمان و إن كان المتلف صبيا. و ليس الضمان من الأحكام الإلزامية حتى يرفع بحديث رفع القلم.

لا يقال: إن كان الإتلاف موضوعا لوجوب الأداء بعد البلوغ فليكن بيع الصبي أيضا واجب الوفاء بعد البلوغ.

فإنّه يقال: إنّ بيع الصبي غير نافذ بمقتضى رواية ابن سنان المتقدمة، حيث إن نفوذ أمر الصبي أنيط فيها بالبلوغ، فعقد غير البالغ لا أثر له، هذا.

ص: 55

______________________________

و منها: تعزيرات الصبي، فإنّه لا إشكال في ثبوتها على الصبي. إنّما الكلام في أنّ خروجها عن حديث رفع القلم و نحوه هل هو بالتخصص أم التخصيص؟ قال المصنف قدّس سرّه: «ثم إنّ القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين، فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير» و حاصله: أنّ المراد بالقلم المرفوع عن الصبي هو رفع التكاليف الإلزامية الثابتة على البالغين، فيكون خروج تعزيرات الصبي عن حديث «رفع القلم» موضوعيا، لعدم ثبوت تلك التعزيرات في حق البالغين، بل هي ثابتة في حق الصبيان لحكمة خاصّة، و هي تأديبهم و صيانتهم عن الضلال.

و يحتمل أن يكون خروج تعزيرات الصبي عن رفع القلم بالتخصيص، بأن يقال:

إنّ رفع القلم يشمل كل حكم إلزامي، و قد خرج عنه تعزيرات الصبي بنصوص خاصة.

و التحقيق أن يقال: إنّ التعزيرات الثابتة في الشريعة المقدسة إمّا أن يؤخذ في موضوعها البالغ، و إمّا أن يؤخذ في موضوعها الصبي، و إمّا أن لا يؤخذ شي ء منهما في موضوعها، بأن كان موضوعها الطبيعي الجامع بين البالغ و الصبي.

فإن كان موضوعها البالغ فهي ترتفع عن الصبي، لعدم الموضوع، فالخروج عن حديث رفع القلم موضوعي.

و إن كان موضوعها الطبيعي الجامع بين البالغ و الصبي فالخروج حكمي.

و إن كان موضوعها الصبي فهي غير قابلة للرفع، لأنّ مقتضي الشي ء لا يكون رافعا له، فلا محالة يخصّص عموم رفع القلم بما دلّ على تلك التعزيرات على الصبي، هذا.

و منها: عدم العبرة بقبض الصبي و إقباضه و إقراره و نذره و إيجاره و ضمانه و غيرها ممّا يعتبر فيه القصد، فإنّ شيئا من تلك الأفعال لا يترتب عليه الأثر إذا صدر عن الصبي، لأنّ قصده كلا قصد. و قد أيّده المصنف بما نقله عن التذكرة.

لكن يرد عليه ما تقدم من عدم دليل على سقوط فعل الصبي و قوله عن الاعتبار مطلقا حتى مع إذن الولي، لأنّ دليل عدم جواز أمر الصبي لا يقتضي إلّا عدم جواز

ص: 56

______________________________

استقلاله في التصرّف في أمواله، فكلّ ما لا يعدّ في العرف تصرفا في أمواله استقلالا لا مانع عن جوازه، فيصح تحجيره و حيازته و التقاطه و صيده و إحياؤه الموات.

و دعوى «عدم جواز الأمور المذكورة، لاعتبار القصد فيها، و المفروض أنّ قضية عمد الصبي خطاء، هي جعل قصده كالعدم، فلا يترتب على قصده أثر، فما يصدر عن الصبي من الأمور القصدية يكون كالعدم» غير مسموعة، لما عرفت من عدم دلالة «عمد الصبي خطاء» على تنزيل قصد الصبي منزلة عدم القصد، بل إنّما يدلّ على تنزيل العمد منزلة الخطاء الذي هو موضوع لأحكام، و ذلك يختص بباب الجنايات. و لا يدلّ على لغوية قصد الصبي و كونه كالعدم في الأمور الّتي يعتبر في ترتب الأثر عليها قصدها، هذا.

مضافا إلى: أنّ اعتبار القصد في بعض الأمور المذكورة كالحيازة و إحياء الموات و الالتقاط غير مسلّم، بل إطلاق مثل «من حاز ملك» و «من أحيى أرضا ميتة فهي له» و «من سبق إلى ما لم يسبق إليه غيره فهو أولى به» و نحو ذلك يقتضي عدم اعتبار القصد فيها.

و الحاصل: أنّ عدم ترتب الأثر على الأمور القصدية الصادرة عن الصبي متوقف على أمرين: الأوّل: اعتبار القصد فيها، و الثاني: سقوط قصد الصبي عن الاعتبار.

و قد عرفت عدم اعتبار الأوّل في بعض الأمور المذكورة و عدم سقوط قصد الصبي عن الاعتبار بحيث يعدّ كالمعدوم، لعدم دلالة ما استدل به من مثل قولهم عليهم السّلام:

«عمد الصبي خطاء» على ذلك لما مرّ مفصّلا من أنّ مفاده تنزيل العمد منزلة الخطاء، لا جعل قصده كالعدم.

و قد عرفت عدم تمامية الأمر الثاني، و «أنّ عمد الصبي خطاء» من باب التنزيل و يختص بباب الجنايات، و لا يشمل الأمور القصدية المزبورة، فهي خارجة عن هذا التنزيل، فلا يبقى إلّا ما ورد من «عدم جواز أمر الصبي إلى أن يبلغ» و قد مرّ سابقا أنّ المراد بعدم الجواز عدم الاستقلال، فلا يشمل التصرف المقرون بإذن الولي

ص: 57

______________________________

أو إجازته.

هذا كله مع عدم كون بعض الأمور المزبورة كحيازة المباحات و إحياء الموات قصديّا على ما هو قضية إطلاق أدلتهما، هذا.

________________________________________

ثم إنّ المستفاد من جملة من النصوص كون قبض الصبي مفيدا للملكية، كحسنة أبي بصير «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟

قال: نعم ..» «1» الحديث. و رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: ذرّيّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا» «2» الحديث. و معتبرة يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السّلام «قال: سألته عن رجل عليه كفارة عشرة مساكين، أ يعطي الصغار و الكبار سواء، و الرجال و النساء، أو يفضل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ فقال: كلّهم سواء» «3» و كموثق يونس بن يعقوب: «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما، و أرى أنّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال لا بأس» «4» فإنّ ظاهر هذه الروايات و غيرها هو مالكية الصبيان للزكاة و الكفارة بمجرّد القبض.

هذا مضافا إلى: ما قيل من قيام السيرة على كون قبض الصبي مفيدا للملكية في الهبة و غيرها.

ثمّ إنّ الظاهر عدم خصوصية لزكاة المال و الفطرة و الكفارة، فيتعدى إلى سائر الموارد، و يحكم بمملّكية القبض في سائر المقامات المعتبر فيها القبض.

و هل تنفذ وصية الصبي أم لا؟ فيه خلاف، فعن العلامة في القواعد: «يشترط في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 155، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 1.

(2) المصدر، ح 2.

(3) وسائل الشيعة، ج 15، ص 570، الباب 17 من أبواب الكفارات، ح 3.

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 156، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 3.

ص: 58

______________________________

الموصى البلوغ و العقل و الحرية فلا تنفذ وصية الصبي و إن كان مميزا في المعروف و غيره» و هذا القول قد حكي عن السرائر و الإيضاح و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و غيرهم. لكن عن ظاهر التذكرة و اللمعة و النافع و الدروس التوقف. و عن المقنعة و المراسم و النهاية و المهذب و الغنية و كشف الرموز و الإرشاد و الروض و الكفاية و المفاتيح و أبي الصلاح و أبي علي: أنه تجوز وصية من بلغ عشرا مميّزا في البرّ و المعروف.

و يدل على الجواز روايات:

منها: موثق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته» «1».

و منها: صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حقّ جازت وصيته، و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيته» «2» الحديث.

و منها: غير ذلك «3».

و هذه الروايات أخص من النصوص الدالة على عدم نفوذ أمر الصبي، فتخصصها.

نعم في صحة وصيته للغرباء إشكال، لصحيح محمّد بن مسلم «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى فلم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام، و لم تجز للغرباء» «4». فإنّ مقتضى حمل المطلق على المقيّد هو نفوذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 429، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 3.

(2) المصدر، ح 2.

(3) المصدر، ح 6.

(4) وسائل الشيعة، ج 13، ص 429، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 1.

ص: 59

______________________________

وصيّة الصبي لخصوص ذوي الأرحام دون غيرهم، إن لم يثبت الإعراض عن هذه الصحيحة، و إلّا فلا وجه للتقييد، بل لا بدّ من الالتزام بالإطلاق.

و هل يتبع قول الصبي في الإذن بدخول الدار أم لا؟ قال العلّامة في التذكرة: «لو فتح الصبي الباب و أذن في الدخول عن إذن أهل الدار و أوصل الهدية إلى انسان عن إذن المهدي فالأقرب الاعتماد، لتسامح السلف فيه» «1».

و لا يخفى إنّه بناء على المنع عن نفوذ تصرفات الصبي لا وجه لاستثناء هذين الأمرين، لعدم دخولهما في المستثنى منه، لأنّ المراد بالمستثنى منه تصرفات الصبي التي تكون موضوعا لأثر شرعي. و ليس شي ء من الأمرين كذلك. أما الأوّل فلأنّ جواز الدخول في الدار بإذن الصبي إنّما هو لحصول الاطمئنان بإذن أهل الدار من إذن الصبي، لا لأجل اعتبار إذن الصبي، فلو لم يحصل هذا الاطمئنان من قول الصبي لم يجز الدخول كما إذا لم يحصل هذا الاطمئنان من إذن البالغ أيضا، فالمدار في جواز الدخول على الاطمئنان برضا المالك بالدخول سواء حصل هذا الاطمئنان من قول البالغ أم من قول الصبي.

و الحاصل: أنّ الاذن في الدخول إلى دار الغير ليس في نفسه موضوعا لجواز الدخول.

و أمّا الثاني و هو إيصال الهدية إلى المهدي إليه فليس أيضا مرتبطا بما نحن فيه، إذ ليس مقوما لعقد الهبة، و لذا يتحقق بواسطة حيوان معلّم.

و بالجملة: فأمثال هذه الموارد خارجة عن العمومات المانعة عن نفوذ أمر الصبي بالتخصص لا التخصيص.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، س 30.

ص: 60

و الحاصل: (1) أنّ مقتضى ما تقدّم من الإجماع المحكي في البيع و غيره من العقود، و الأخبار المتقدمة- بعد انضمام بعضها إلى بعض- عدم (2) الاعتبار بما يصدر من الصبي من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها، كإنشاء العقود أصالة و وكالة، و القبض و الإقباض، و كلّ التزام على نفسه من ضمان أو إقرار أو نذر أو إيجار (3).

و قال في التذكرة (4): «و كما لا يصح تصرفاته اللفظية،

______________________________

(1) هذا الحاصل راجع إلى أصل المطلب و هو سلب عبارة الصبي، مستدلا عليه بالإجماع و النصوص، لكن لمّا لم تجتمع شرائط الحجية في كل واحد منها بالخصوص- لما تقدم من المناقشة الدلالية في بعض الأخبار، و كذا في انعقاد الإجماع التعبدي- فلذا تصدّى المصنف لإثبات مرامه بدعوى التجابر و انضمام بعضها إلى بعض.

و هذا نظير ما أفاده في بحث الاستصحاب- بعد قصور بعض الأخبار سندا، كمكاتبة القاشاني، و قصور بعضها دلالة كصحاح زرارة- من دعوى التجابر و التعاضد، و لكنه لا يخلو من شي ء تعرّضنا له في موضعه «1».

(2) خبر قوله «إنّ مقتضى».

(3) هذا التعميم مبنيّ على عدم اختصاص ما دلّ على «أنّ عمد الصبي خطأ» بالجنايات، و كون المراد به جعل العمد كالعدم، لا تنزيل العمد منزلة الخطاء.

لكن سيأتي في التعليقة خلافه، و أنّ المراد تنزيل أحد الوجوديّين منزلة الآخر في الأحكام المترتبة على المنزّل عليه، المستلزم لسلب آثار المنزّل- كالعمد- عن نفسه، فينفى أثر العمد عن عمد الصبي، و يثبت له آثار الخطأ.

(4) غرضه من نقل عبارة التذكرة تأييد ما ذكره من عدم العبرة بما يصدر من الصبي من الأفعال التي يناط ترتب الأثر عليها بالقصد إلى مقتضاها. و قد تضمّنت العبارة فروعا سيأتي توضيح كلّ منها.

و لا يخفى أنّ المصنف نسب تمام العبارة إلى التذكرة، مع أنّ المذكور فيها مقدار

______________________________

(1) راجع منتهى الدراية، ج 7، ص 242.

ص: 61

كذا لا يصح قبضه، و لا يفيد حصول الملك في الهبة و إن اتّهب له الولي (1)، و لا لغيره (2) و إن أذن الموهوب له بالقبض. و لو قال (3) مستحق الدين للمديون:

______________________________

منها، و الباقي منقول عن النهاية. و ظاهر تعبيره: «قال في التذكرة» النقل عنه بلا واسطة، و لكن لم أظفر ببعض ما نقله في التذكرة.

و الأولى ما حكاه عنه السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بقوله: «فروع ذكرها في التذكرة و نهاية الأحكام، قال: و لو اشترى الصبي و قبض و استقرض و أتلف فلا ضمان عليه في الحال و لا بعد البلوغ، لأنّ التضييع من الدافع. و على الولي استرداد الثمن، و لا يبرء البائع بالرد إلى الصبي. و قال: كما لا تصح تصرفاته اللفظية ..» إلى آخر ما في المتن، فراجع «1».

(1) هذا هو الفرع الأوّل، و غرض العلّامة إسقاط قبض الصبي عن الاعتبار في العقود التي يكون القبض فيها متمّما لتأثيرها، كالهبة و بيع الصرف، و توضيحه: أنّه لو وهب شخص للصبي مالا، أو باعه أحد النقدين و أقبضه إيّاه لم يدخل في ملك الصبي، بل هو باق على ملك الواهب و البائع، سواء أ كان الولي قبل الهبة أو البيع أم لا. و الوجه في عدم العبرة بقبض الصبي سقوط أفعاله القصدية عن الاعتبار.

(2) معطوف على «له» المحذوف بعد قوله: «و لا يفيد حصول الملك في الهبة» و هذا إشارة إلى الفرع الثاني، يعني: أنّه لو وهب شخص لغيره مالا، و أذن المتهب للصبي في أن يتسلّم له الهبة و يوصلها إلى المتهب لم يكن قبض الصبي جزء السبب المملّك، فالعين الموهوبة باقية على ملك الواهب ما لم يقبضها المتهب بنفسه أو بواسطة وكيله البالغ، و لا فرق في عدم العبرة بقبض الصبي بين إذن وليّه في القبض و عدمه.

(3) هذا هو الفرع الثالث ممّا يتفرّع على عدم العبرة بقبض الصبي، و توضيحه أنّ زيدا لو كان مديونا لعمرو منّا من الحنطة مثلا، فقال له الدائن: سلّم حقي إلى هذا الصبي، فسلّم المديون مقدار حقّه إلى الصبي لم يبرء المديون عن دينه، لأنّ الدين كلّي في الذمة، و لا يتعين حقّا للدائن إلا بقبض صحيح، و المفروض أنّ قبض الصبي

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 172.

ص: 62

سلّم حقّي إلى هذا الصبي، فسلّم مقدار حقه إليه لم يبرء عن الدين، و بقي المقبوض على ملكه، و لا ضمان (1) على الصبي، لأنّ المالك ضيّعه حيث دفعه إليه، و بقي الدين، لأنّه (2) في الذمة، و لا يتعيّن إلّا بقبض صحيح، كما لو (3) قال: إرم حقي في البحر، فرمى مقدار حقّه. بخلاف (4) ما لو قال للمستودع: سلّم مالي إلى

______________________________

كالعدم، فلا يترتب عليه ما يترتب على قبض البالغ من تعين الكلّي الذمّي في المقبوض.

و لو تلف المال بيد الصبي لم يضمنه، بل يتلف من مال المديون الذي ضيّع ماله بدفعه إلى الصبي.

و عليه فقبض الطفل لا يوجب تعيّن الكلي الذمي في المقبوض. كما أنّ الخمس لا يتعيّن إلّا بقبض صحيح من المستحق أو وليه أو وكيله، فلا تفرغ الذمة لو دفعه إلى من زعم استحقاقه، فبان عدمه واقعا.

و حيث إنّ الإلقاء في البحر ليس قبضا للدين إلى الدائن- ما لم يرجع إلى التوكيل في القبض ثم الرمي فيه- فالكليّ المملوك للدائن باق في ذمة المديون.

و هذا بخلاف الأمر بإلقاء عين شخصية في البحر أو تسليمها إلى الصبي، كما في الوديعة، فلو قال المودع للمستودع: «سلّم حقّي إلى هذا الطفل» ففعل الودعي لم يكن عليه شي ء، لفرض كون العين الشخصية ملكا للمودع، من دون توقف ملكيته لها على القبض الصحيح. و لمّا كان المالك سلطانا على ماله جاز له الإذن في إتلافه أو إقباضه من الصبي، و هذا هو الفارق بين العين الشخصية و الكلية.

(1) يعني: لا ضمان على الصبي لو تلف عنده أو أتلفه. و الوجه في عدم الضمان استناد التضييع إلى المالك الدافع ماله إلى صبيّ أسقط الشارع قبضه عن الاعتبار.

(2) أي: لأنّ الدّين كلّي في ذمة المديون، و يتوقف الفراغ منه على قبض صحيح منتف حسب الفرض.

(3) غرض العلامة قدّس سرّه تنظير عدم تعيين الحق- بقبض الصبي- بالأمر بإلقاء مقدار من المال في البحر.

(4) هذا بيان الفارق بين العين الشخصيّة و الكلية، و قد عرفته آنفا.

ص: 63

الصبي أو ألقه في البحر، لأنّه امتثل أمره في حقّه المعيّن.

و لو كانت (1) الوديعة للصبي، فسلّمها إليه ضمن و إن كان (2) بإذن الولي، إذ ليس له (3) تضييعها بإذن الولي.

و قال أيضا (4): «لو عرض الصبي دينارا على الناقد لينقده أو متاعا إلى

______________________________

(1) هذا فرع رابع من فروع قبض الصبي. و توضيحه: أنّ وليّ الطفل لو جعل مال الصبي وديعة عند شخص، ثم قال له: سلّمه إلى الصبي، ففعل الودعي، كان ضامنا، لأنّ قبضه بمنزلة العدم، فإقباضه إيّاه تضييع للمال. و لا عبرة بإذن الولي في التسليم المضيّع، لأنّ وظيفة الولي حفظ مال المولّى عليه و مراعاة مصلحته، و دفع المال إلى الصبي خلاف مصلحته، لأنّه في معرض الخطر و التلف، فالدفع إلى الصبي كالأمر بإلقاء ماله في البحر في ترتب الضمان عليه.

(2) أي: و إن كان تسليم الوديعة إلى الصبي بإذن الولي.

(3) أي: ليس للودعي تضييع الوديعة و إن كان الولي أذن له في التضييع.

(4) أي: قال العلّامة. و هذا فرع خامس من فروع قبض الصبي، و توضيحه:

أنّه لو عرض الصبي دينارا على صرّاف ليصرفه دراهم، لم يجز للصرّاف ردّ الدينار أو الدراهم إلى الصبي، بل يجب الرد إلى الولي، لكون قبض الطفل كلا قبض.

نعم لو أمره الولي بالدفع إلى الصبي فأقبضه الصرّاف، فإن كان الدينار للولي بري ء الصرّاف بالإقباض إلى الطفل، لكونه مالا متعيّنا أذن مالكه له بدفعه إلى الصبي، كما لو أذن بإلقائه في البحر أو إحراقه. و إن كان الدينار للصبي لم يجز للصرّاف دفعه إليه اعتمادا على إذن وليّه، لما تقدم في الفرع الرابع من اعتبار رعاية صلاح المولّى عليه، و لا مصلحة في إقباض المال إلى الصبي، لكونه في عرضة التلف و الضياع.

و كذا الحال لو عرض الصبي متاعا على مقوّم لتعيين سعره، فأخذه المقوّم، فلا يجوز ردّه إلى الصبي، على نحو ما تقدّم في الدينار.

ص: 64

مقوّم ليقوّمه، فأخذه لم يجز (1) له ردّه إلى الصبي، بل إلى وليّه (2) إن كان، فلو أمره (3) الولي بالدفع إليه فدفعه إليه بري ء من ضمانه إن كان المال للولي، و إن كان للصبي فلا، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر، فإنّه يلزمه (4) ضمانه.

و إذا (5) تبايع الصبيان و تقابضا، و أتلف كلّ واحد منهما ما قبضه، فإن جرى بإذن الوليين فالضمان عليهما، و إلّا فلا ضمان عليهما، بل على الصبيين» و يأتي في باب الحجر تمام الكلام «1» «و لو فتح (6) الصبي الباب و أذن في الدخول على أهل الدار، و أدخل الهدية إلى إنسان عن إذن المهدي فالأقرب الاعتماد، لتسامح السلف فيه» «2» انتهى كلامه رفع مقامه.

______________________________

(1) أي: لم يجز للناقد أو المقوّم.

(2) المراد به الأب و الجد، و إلّا فالولي العام و هو الحاكم الشرعي موجود على كل حال.

(3) أي: فلو أمر الوليّ الناقد أو المقوّم بالدفع إلى الصبي بري ء الناقد أو المقوّم من الضمان إن كان المال للوليّ، و إلّا فلا.

(4) أي: يلزم الملقي- و هو الناقد أو المقوّم- ضمان مال الصبي، و ضمير «فإنه» للشأن.

(5) هذا فرع سادس، و توضيحه: أنّه إذا تبايع صبيّان، و قبض المشتري المبيع، و البائع الثمن، و أتلف كل منهما ما قبضه، فإن كان البيع و الشراء بإذن الوليين كانا ضامنين، لإذنهما في القبض المضمّن المنتهى إلى الإتلاف. و إن كان بدون إذنهما كان الضمان على الصبيّين، لقاعدة الإتلاف الموجب لضمان المتلف و إن كان صبيّا. و ليس هنا إذن من الولي يرفع الضمان عن الصبيين.

(6) هذا فرع سابع، و هو مخالف لما تقدّم من إسقاط أقوال الصبي و أفعاله عن

______________________________

(1) هذه العبارة للسيد العاملي، لا من العلامة في التذكرة و نهاية الاحكام.

(2) نهاية الاحكام، ج 2، ص 454.

ص: 65

[بعض الأقوال الأخرى في المسألة]
[1- التفصيل في معاملة الصبي بين الخطير و الحقير]

ثم إنّه ظهر مما ذكرنا (1) أنّه لا فرق في معاملة الصبي بين أن يكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة، لما عرفت من عموم النص و الفتوى، حتّى (2) أنّ

______________________________

الاعتبار. و غرضه قيام السيرة على الاعتماد المزبور، فبالسيرة المتشرعية يثبت ما قامت عليه السيرة من الإذن في الدخول على أهل الدار و إدخال الهدية الى المهدي له بإذن مهديها «1».

هذا تمام كلام في الاستدلال لمذهب المشهور من بطلان إنشاء الصبي و سلب عبارته، و سيأتي الكلام في ردّ بعض الأقوال في المسألة.

بعض الأقوال الأخرى في المسألة 1- التفصيل في معاملة الصبي بين الخطير و الحقير

(1) من قوله قبل أسطر: «و الحاصل: أنّ مقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي في البيع و غيره من العقود، و الأخبار المتقدّمة .. إلخ» فإنّ مقتضى ذلك، عدم الفرق في المنع عن معاملات الصبي بين المحقرات و غيرها، لشمول إطلاق تلك الأدلة للمحقّر و غيره، لعدم تقييد مثل «عدم جواز الأمر، و رفع القلم و كون عمده كلا عمد، بل و الإجماع أيضا» بالأموال الخطيرة.

و هذا تمهيد لردّ جملة من الأقوال في المسألة كقول المحدّث الكاشاني من التفصيل بين المحقرات و غيرها، و تفصيل صاحب الرياض بين استقلال الصبي في المعاملة، فتبطل و بين آليّته لمعاملات الوليّ فيصحّ، و يترتّب الملك عليه، و قول الشيخ الفقيه كاشف الغطاء بترتّب الإباحة على معاملة الأطفال المأذونين، دون الملك، و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(2) لمّا كان ظاهر فعل أبي الدرداء نفوذ بيع الصبي للأشياء الحقيرة كالعصفور، و كان موافقا لدعوى المحدّث الكاشاني، تصدّى المصنف لردّه بما أفاده العلّامة قدّس سرّه من وجوه ثلاثة:

______________________________

(1) هذا الفرع مذكور في التذكرة، ج 1، ص 464، س 30 و في نهاية الاحكام، ج 2، ص 454.

ص: 66

العلّامة في التذكرة لمّا ذكر حكاية- أنّ أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبيّ فأرسله- ردّها (1) بعدم الثبوت و عدم الحجية، و توجيهه (2) بما يخرجه عن محل الكلام.

و به (3) يظهر ضعف ما عن المحدّث الكاشاني من: «أنّ الأظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة دفعا للحرج» انتهى «1»، فإنّ

______________________________

الأوّل: عدم ثبوت أصل القضية، لضعف السند.

الثاني: أنّ شراء أبي الدرداء ليس حجة شرعا، لأنّه ليس من السنة التي هي قول المعصوم عليه السّلام و فعله و تقريره.

الثالث: توجيه الواقعة بما يخرجه عن البيع الجدّي من الصبي، و ذلك لاحتمال علمه بعدم مالكية الصبي للعصفور، فاشتراه أبو الدرداء منه ليستنقذه، و من المعلوم توقف البيع على مالكيّة البائع للمبيع، أو الوكالة عنه أو الولاية عليه، فمع العلم بعدم مالكيته و نحوها له لم تنشأ المعاملة الجدّية. و عليه فإعطاء الثمن للصبي ليس إلّا مقدمة لإرسال العصفور و استنقاذه، هذا.

و لا يخفى أنّ العلّامة اقتصر على وجهين، و لم يتعرض لضعف السند و عدم ثبوت القضية، فقال في ردّ المالكية: «و فعله- أي فعل أبي الدرداء- ليس حجة.

و جاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكا للصبي، فاستنقذه منه» «2».

(1) جواب «لمّا» الظرفيّة، و ضمير «ردّها» راجع الى «حكاية».

(2) بالجرّ معطوف على «عدم» و هذا موهن ثالث لصحة بيع الصبي للشي ء الحقير. و قد عرفت أنه في عبارة التذكرة موهن ثان لا ثالث.

(3) أي: بما تقدم من قوله: «و الحاصل: أنّ مقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي .. إلخ» و غرضه منع مستند المحدث الكاشاني، و هو قاعدة نفي الحرج،

______________________________

(1) مفاتيح الشرائع، ج 2، ص 46 و الحاكي عند هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 80، س 24.

ص: 67

الحرج ممنوع، سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقّرات، و التزام مباشرة البالغين لشرائها، أم أراد أنّه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع و الشراء في الأشياء الحقيرة.

ثم لو أراد استقلاله في البيع و الشراء لنفسه بماله من دون إذن الولي ليكون حاصله أنّه غير محجور عليه في الأشياء اليسيرة فالظاهر (1) كونه مخالفا للإجماع.

______________________________

بتقريب: أنّ الحكم بفساد معاملة الصبيان في المحقرات يستلزم الحرج على البالغين إذا باشروا شراء جميع ما يحتاجون إليه كالخضراوات و البيضة و نحوها، و لما كانت القاعدة حاكمة على إطلاق الأدلة القاضية بسلب عبارة الصبي فلذا يختص المنع بالأمور الخطيرة، هذا.

و قد ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بمنع الحرج صغرويا، سواء أريد لزوم الحرج في طرف المشتري بأن يقع الأولياء في العسر لو تصدّوا لشراء جميع ما يحتاجون إليه حتى المحقّرات. أم أريد لزومه في طرف البائع، كاعتياد أرباب الدكاكين تفويض بيع الأشياء اليسيرة إلى الأطفال، فالحكم بفساد معاملتهم حرج على البائعين.

فالحقّ أنّه لا حرج في شي ء من المقامين.

هذا لو كان نظر المحدث الكاشاني إلى جواز معاملة الصبيان في المحقّرات بإذن أوليائهم، مستندا إلى نفي الحرج، و قد عرفت عدم لزومه.

و لو كان مقصوده إثبات استقلالهم في بيع المحقّرات و شرائها بأموالهم- من دون مراجعة أوليائهم- فهو ممنوع جدّا، لمخالفته للإجماع، إذ القدر المتيقن منه عدم استقلالهم في المعاملة بأموالهم، للحجر. فيبعد التزام المحدث الفيض بتجويز معاملتهم في المحقّرات بالاستقلال لمجرّد الحرج، هذا.

(1) جواب قوله: «لو أراد» و قد عرفته آنفا.

ص: 68

و أمّا (1) ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده» معلّلا

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه توجيه رواية السكوني بما لا يدلّ على نفوذ معاملة الصبي. أمّا تقريب دلالتها على وجود المقتضي للصحة في معاملاته فبوجوه تستفاد من فقرات ثلاث:

الأولى: الحكم بالكراهة المدلول عليها بنهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الغلام الذي لا يحسن صناعة، على ما عليه المشهور، بلحاظ احتمال سرقته، و هذا كالنهي التنزيهي في صدر الرواية عن كسب الإماء معلّلا «بأنّها إن لم تجد زنت» مع أنّه لا ريب في نفوذ معاملتها، فليس ما اكتسبتها محرّما بقول مطلق. و من المعلوم أنّ كراهة التصرف تدل على اقتضاء معاملة الصبي للصحة، إذ لو كان التصرف في ما اكتسبه حراما كانت الرواية دليلا على عدم نفوذ معاملته و بقاء مكسوبه على ملك من تعامل مع الصبي، فعدم تحريم التصرف في ما اكتسبه شاهد على كون الصبي مالكا لما اكتسبه.

و الوجه في عدم التحريم كون احتمال السرقة شبهة موضوعية بدوية بالنسبة إلى ما بيد الغلام، و هي مجرى قاعدة الحل.

الثانية: تقييد موضوع الكراهة بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من لا يحسن صناعة بيده» فإنّ التقييد كاشف عن عدم فساد معاملة الغلام من أصلها، فلو كان إنشاؤه لغوا شرعا و ساقطا من أصله لغا تقييد موضوع الكراهة بعدم عرفان صناعة، لفرض حرمة التصرف في ما اكتسبه مطلقا سواء أحسن صناعة أم لم يحسنها.

الثالثة: تعليل النهي عن الكسب «بأنّه ان لم يجد سرق» و تقريبه: أنّ العلم بسرقة ما بيد الغلام في رتبة المانع عن التصرف في ما اكتسبه، و من المعلوم أنّ تعليل النهي بوجود المانع فرع تمامية المقتضي لمالكيّته لما اكتسبه، فلو لم يكن كسبه نافذا حرم التصرف فيه حتى مع العلم بعدم سرقته. و عليه فالتعليل المزبور دالّ على مشروعية كسب الغلام بالبيع و الشراء و الإجارة و الصلح و نحوها. و هذا ينافي

ص: 69

..........

______________________________

مختار المشهور من بطلان عقد الصبي.

و قد دفع المصنف هذا الاستدلال بأجنبية الرواية عن المقام- و هو نفوذ معاملة الصبي- و بيانه: أنّ الكسب المنهي عنه تنزيها إن أريد به معناه المصدري من بيع و شراء و تجارة و نحوها من أنحاء تحصيل المال كانت الرواية حجة على نفوذ معاملته، للوجوه الثلاثة المتقدمة. و إن أريد به معناه الاسمي أي مكسوب الغلام- و ما وقع بيده- لم تنفع الرواية لإثبات صحة إنشاءاته.

و ظاهر التعليل لأنه «إن لم يجد سرق» إرادة الكسب بمعناه الاسمي أي ما حصّله بأحد الأنحاء، فالتصرف في المال الواقع تحت يد الغلام محكوم بالكراهة، لاحتمال سرقته.

و بناء على إرادة الكسب بمعنى المكسوب- لا المعنى المصدري- نقول: بأنّه لم يفرض في الرواية كراهة معاملة الصبي حتى يستكشف نفوذها و صحتها، بل المهم الحزازة في التصرف في ما بيد الغلام، سواء حصّله بدون معاملة كالالتقاط المترتّب عليه الملكية حتى بدون اعتبار قصد التملّك بفعله، كي يقال: بعدم اعتبار قصده شرعا.

و كذا لو حصّله بحيازة مباح كالصيد.

أو صار مالكا لما بيده بمعاملة صحيحة من الولي، كما إذا آجر الغلام لعمل محترم، فإنّ الأجرة المسماة ملك الأجير.

أو صار مالكا لاجرة المثل كما إذا آجره الولي بإجارة فاسدة اختلّ بعض شرائط الصحة فيها. أو آجر الصبيّ نفسه لعمل محترم، أو أمره شخص بعمل كذلك، فإنّ الصبي يملك اجرة المثل في هذه الموارد الثلاثة، و هذه الأجرة هي كسبه الذي يكره التصرف فيه.

و على كلّ حال فجواز التصرف في هذه الموارد لا يكشف عن نفوذ معاملة الصبي بما هو صبي. فالرواية قاصرة عن إثبات مقصود المستدل، هذا.

ص: 70

«بأنّه إن لم يجد سرق» فمحمول (1) على عوض كسبه من التقاط أو اجرة عن إجارة أوقعها الوليّ أو الصبي (2) بغير إذن الولي، أو عن (3) عمل أمر به من دون إجارة، فأعطاه المستأجر أو الآمر اجرة المثل، فإنّ هذه (4) كلّها مما يملكه الصبي (5). لكن يستحب للولي و غيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبي فيها (6)، لاحتمال (7) كونها من الوجوه المحرّمة (8). نظير رجحان الاجتناب عن

______________________________

(1) جواب قوله: «و أمّا ما ورد» و قد عرفت عدم ظهور النهي عن كسب الغلام في الكسب بمعناه المصدري أي المعاملة، بل المراد معناه الاسمي- بقرينة التعليل- و هو المال الحاصل في يده، و لو لم يتوقف حصوله فيها على مباشرة الصبي للبيع و الشراء و الإجارة.

(2) إذا آجر الصبي نفسه للغير كانت إجارته فاسدة، و لا يستحق الأجرة المسمّاة، و لكنه يستحق اجرة المثل.

(3) كما إذا أمر شخص صبيّا بعمل محترم كحلق رأسه، ففعل، فله اجرة المثل لئلّا يضيع عمل العامل.

(4) المشار إليه هو المذكورات من عوض الالتقاط و الأجرة المسماة و اجرة المثل.

(5) يعني: مع فرض عدم نفوذ معاملة الصبي، فجواز التصرف في هذه الموارد لا يدلّ على نفوذ تصرفات الصبي.

(6) هذا الضمير و ضمير «اجتنابها» راجعان إلى المذكورات من الأجور و عوض الالتقاط.

(7) تعليل لاستحباب الاجتناب عن الأموال التي اكتسبها الصبيّ بأجرة و نحوها.

(8) كالسرقة المذكورة في الرواية.

ص: 71

أموال غيره ممّن لا يبالي بالمحرمات (1).

و كيف كان (2) فالقول المذكور في غاية الضعف.

[2- التفصيل بين استقلال الصبي و آليّته]

نعم (3) ربّما صحّح سيد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا كان الصبيّ

______________________________

(1) يعني: مع احتمال وجود الحرام فيه بإحتمال غير منجّز، و إلّا فمع العلم بالحرام يجب الاجتناب عنه.

(2) يعني: سواء تمّ حمل رواية السكوني على ما اكتسبه الصبي بأجرة و حيازة مباح و نحوهما، أم لم يتم، فالتفصيل- بين الأشياء اليسيرة بصحة معاملة الصبي فيها، و بين الخطيرة بعدم الجواز- في غاية الضعف.

ثم لا يخفى أنّ ذكر رواية السكوني هنا ظاهر في كونها من جملة أدلة المحدث الكاشاني على نفوذ معاملة الصبي في المحقرات. مع أنّها أجنبية عن التفصيل بين الأشياء الخطيرة و الحقيرة. فإن تمّت دلالتها بأحد الوجوه الثلاثة كانت حجة على صحة معاملة الغلام و تملكه لما يكتسبه قليلا أو كثيرا. و إن لم تتم لم تصلح لإثبات جواز اكتسابه القليل أيضا، فلاحظ.

2- التفصيل بين استقلال الصبي و آليّته

(3) بعد أن أبطل تصرفات الصبي من حيث كونها تصرفا أراد تصحيحها بغير عنوان التصرف الموضوع للأثر الشرعي، و حاصل ما أفاداه في الرياض و مفتاح الكرامة: أنّ الصبي يكون آلة لمن يصحّ له التصرف من البالغ العاقل، لا أن يكون أحد طرفي المعاملة، فتقع المعاملة بين البالغين العاقلين، و يكون الصبي كالحيوان الموصل لأحد العوضين إلى من انتقل إليه المال.

قال في الرياض- بعد ما استدل بالنصوص المتقدمة على عدم جواز تصرف الصبي- ما لفظه: «نعم الأظهر جوازه في ما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية، لتداوله في الأعصار و الأمصار السابقة و اللاحقة من غير نكير، بحيث يعدّ مثله إجماعا من

ص: 72

بمنزلة الآلة لمن له أهلية التصرف «من جهة استقرار السيرة (1) و استمرارها على ذلك».

و فيه إشكال (2) من جهة قوّة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين كما في سيرهم الفاسدة (3).

______________________________

المسلمين كافّة. لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة، فإنّه الذي يمكن فيه دعوى اتفاق الأمة» «1».

و ظاهره قابلية الصبي المأذون للإنشاء، اعتمادا على السيرة التي لا بدّ من اختصاصها بما هو المعتاد، فلا سبيل لآليته في الأشياء الخطيرة، هذا.

و الفرق بين كلامي الرياض و المفاتيح هو: أن المحدث الكاشاني يرى نفوذ معاملة الصبي في المحقرات، و ظاهره استقلاله في التصرف دفعا للحرج المنفي في الشريعة المقدسة، و صاحب الرياض يرى نفوذه لا من جهة استقلاله، بل لآليّته للولي.

(1) لمّا كانت دليلية السيرة- بعد تحققها أوّلا- منوطة بإمضائها شرعا فلذا ادّعى سيّد الرياض استقرارها، و استمرارها إلى عصر المعصوم عليه السّلام لإحراز الإمضاء و لو بعدم الردع.

(2) أورد المصنف على صاحب الرياض بوجهين:

أحدهما: عدم اعتبار سيرة المسلمين هنا، لقوة احتمال كونها حادثة و صادرة ممّن يتساهل بأحكام الشرع. و مثلها لا يصلح لتقييد إطلاق الأدلة المانعة عن معاملة الصبي.

و ثانيهما: أنّ عنوان «ما جرت به العادة» إحالة على المجهول، لعدم كونه منضبطا في نفسه، بل يختلف بحسب أعمار الأطفال كما سيأتي مثاله في المتن.

(3) كسير المسلمين قديما و حديثا على ارتكاب كثير من المناهي و إشاعتها

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 511، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 171.

ص: 73

و يؤيّد ذلك (1) ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميّزين و غيرهم، و لا بينهم و بين المجانين، و لا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال- بحيث لا يعلم الولي أصلا- و معاملتهم (2) لأوليائهم على سبيل

______________________________

كالقمار و الرّشى و حلق اللحى و الكذب و الغيبة و نحوها، فهل تكون هذه ممضاة حتى تعدّ حجة على الحكم الشرعي؟

(1) أي: و يؤيد كون السيرة ناشئة من عدم المبالاة في الدين. وجه التأييد:

أنّ سيرة المسلمين استمرّت على أمور لا سبيل للالتزام بها.

منها: التعويل على معاملة الصبيان، سواء بلغوا حدّ التمييز أم لا.

و منها: التسوية بين الأطفال و بين المجانين في الاعتماد على معاملاتهم.

و منها: الاعتماد على معاملة الأطفال سواء عاملوا بأموال أنفسهم- أي مستقلّا- بحيث لا يعلم أولياؤهم بما يفعلون، أم عاملوا للأولياء، بأن كان الصبيان آلات لهم.

مع أنّه لا شك في سقوط هذه السير العملية عن الاعتبار شرعا، إذ لا أقل من حجر المجنون و الصبي، فكيف يستقل كل منهما في التصرف؟

و الظاهر أن الوجه في جعل هذه السيرة الفاسدة مؤيّدة لا حجّة هو: أنّ الغرض إسقاط السيرة التي اعتمدها السيّدان الجليلان صاحبا الرياض و المفتاح.

و يكفي في وهنها قوة احتمال صدورها من أهل التسامح بأحكام الشرع. و أمّا سيرتهم على تسوية المجنون و الطفل و نحوهما فهي و إن كانت فاسدة قطعا، إلّا أنّه لا تلازم بين و هن هذه و بين وهن سيرتهم على قبول معاملة الصبي فيما جرت به العادة بشرط كونه آلة للولي، فيمكن التفكيك بحجّيّة إحدى السيرتين دون الأخرى. نعم لا بأس بالتأييد من جهة المماثلة.

(2) بالجر معطوف على «بين معاملتهم» يعني: استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال، و بين معاملتهم لأوليائهم على نحو الآلية.

ص: 74

الآلية. مع أنّ هذا (1) مما لا ينبغي الشك في فساده، خصوصا الأخير (2).

مع (3) أنّ الإحالة على «ما جرت العادة به» كالإحالة على المجهول، فإنّ الّذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلى كلّ صبي ماهر [ما هو] فطن فيه، بحيث لا يغلب في المساومة عليه، فيكلون الى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل، أو بيع بيضة دجاج بفلس، و إلى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم و الخبز و نحوهما. و إلى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب، بل الحيوان، بل يكلون إليه أمور التجارة في الأسواق و البلدان. و لا يفرّقون بينه و بين من أكمل خمسة عشر سنة. و لا يكلون إليه شراء مثل القرى و البساتين و بيعها إلّا بعد

______________________________

(1) يعني: التعميم المزبور ممّا لا ينبغي الشك في فساده.

(2) و هو عدم الفرق بين معاملتهم بالاستقلال لأنفسهم و لأوليائهم على سبيل الآلية.

(3) هذا إشكال آخر على صاحب الرياض، و هو أنّه لو سلّم اعتبار السيرة قلنا إن عنوان «ما جرت به العادة» مجهول الحدّ، إذ لم تجر العادة على معاملة الصبيان مبلغا معيّنا بحيث لا يتجاوزونه إلى أزيد منه، لاختلافهم في المقدار بحسب أعمارهم و فطانتهم، فالأولياء يهمّهم عدم غبن الأطفال في المعاملة، فربّما يكون ما جرت به العادة بالنسبة إلى أبناء ست سنين شراء باقة من الخضراوات بثمن بخس، أو شراء بيضة دجاج، و بالنسبة إلى أبناء ثمان سنين شراء أقراص خبز أو قليل من اللّحم، و بالنسبة إلى المراهقين و أبناء أربعة عشر سنة شراء الثياب و الحيوان و نحوهما ممّا يبلغ ثمنه دنانير.

و حينئذ نسأل صاحب الرياض ما المراد ب «ما جرت به العادة» فإنّ هذه الموارد كلّها مما جرت به العادة، كلّ منها بحسب عمر الصبي. فإمّا أن يلتزم بالتفصيل بين سنيّ الأطفال، و هو بعيد. و إمّا أن يقتصر على عنوان «ما جرت به العادة» و هو مجهول.

ص: 75

أن يحصل له التجارب. و لا أظنّ أنّ القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل (1).

و كيف كان فالظاهر أنّ هذا القول (2) أيضا مخالف لما يظهر منهم.

و قد عرفت (3) حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز ردّ المال إلى الصبي إذا دفعه إلى الناقد لينقده، أو المتاع الذي دفعه إلى المقوّم ليقوّمه، مع كونه غالبا في هذه المقامات بمنزلة الآلة للوليّ، و كذا حكمه بالمنع من ردّ مال الطفل إليه بإذن الولي، مع أنّه بمنزلة الآلة في ذلك غالبا.

[3- إفادة معاملة الصبي لإباحة التصرف]

و قال كاشف الغطاء رحمه اللّه (4)- بعد المنع عن صحة عقد الصبي أصالة

______________________________

(1) يعني: فإذا لم يلتزم بهذا التفصيل فلا بدّ من إرادة ما جرت السيرة و العادة عليه في الجملة، و هو الإحالة على المجهول.

(2) أي: قول صاحبي الرياض و مفتاح الكرامة- بنفوذ تصرفات الصبي إذا كان آلة لمن له أهلية التصرف- مخالف للمشهور، كمخالفة قول المحدث الكاشاني له.

(3) غرضه التنبيه على أنّ تصحيح معاملات الصبي فيما إذا كان آلة خلاف ظاهر كلماتهم من عدم نفوذ معاملاته و أفعاله، حيث إنّ العلّامة قدّس سرّه ذكر منع تصرفه- في المال- في موارد يكون فعل الطفل فيها كالآلة للولي، و هذا يكشف عن عدم كون الصبي كالآلة.

3- إفادة معاملة الصبي لإباحة التصرف

(4) غرضه من نقل كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه أنه كالمشهور التزم بعدم صحة معاملة الصبي بحيث يكون أحد طرفي العقد إيجابا أو قبولا، لكن التزم بإباحة التصرف في معاملة الصبي إذا ثبت إذن الأولياء للصبيان في إعطاء المتاع للمشتري، و الاذن له في التصرفات، فيكون الآخذ موجبا للمعاملة من طرف ولي الصبي و قابلا لنفسه.

ص: 76

و وكالة- ما لفظه: «نعم ثبت الإباحة في معاملة المميّزين إذا جلسوا مقام أوليائهم أو تظاهروا على رؤوس الأشهاد حتى يظنّ أنّ ذلك من إذن الأولياء، خصوصا في المحقرات» ثم قال: «و لو قيل بتملك الآخذ (1) منهم، لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات (2) فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا» «1» انتهى.

أمّا التصرف (3) و المعاملة بإذن الأولياء سواء كان على وجه

______________________________

و هذا قول ثالث- مما عدا المشهور- في المسألة، و قد نفى البعد في آخر كلامه عن حصول الملك لمن يتعامل مع الصبي، بالشرطين المزبورين، و هما التمييز، فلا عبرة بآليّة الطفل غير المميّز. و العلم أو الظن بإذن الولي، فالمبيح للمأخوذ من الصبي هو الوليّ الآذن في المعاملة، لا نفس الصبي المنشئ لها بالقول أو بالمعاطاة.

(1) يعني: أنّ الآخذ من الصبي مأذون من قبل الولي في التصرف في المأخوذ بأنحاء التصرفات، الّتي منها الوكالة عن الولي في إيجاب البيع، ثم قبوله أصالة لنفسه.

و بناء على هذا لا شأن للصبي في المعاملة أصلا، و إنّما يكون جلوسه مقام وليّه كاشفا محضا عن إذنه العام لمن يشتري من الصبي و يأخذ منه. و لا ريب في اقتضاء هذا الإذن العام للملك لا للإباحة المجرّدة، غايته استكشاف التوكيل بالعلم أو الظن الحاصل من جلوس الأطفال، و لا ضير فيه.

(2) يعني: حتى التصرف التملّكي بعوض يدفعه إلى الصبي ليسلّمه إلى وليّه.

(3) اعترض المصنف على قول كاشف الغطاء قدّس سرّهما: «نعم ثبت الإباحة في معاملة المميزين ..» بما حاصله: أنّ الإباحة إمّا تحصل بنفس إنشاء الصبي- قولا أو فعلا على- نحو الموضوعية، و إمّا تحصل به على نحو الطريقية و الكشف عن إذن الولي.

و الأوّل خلاف المشهور، بل ادّعى العلّامة الإجماع على حجر الصبي عن كل تصرّف عدا أمور معيّنة. و لا فرق في مخالفته للمشهور بين القول باعتبار شرائط

______________________________

(1) كشف الغطاء، ص 50، أفاده في شرطية البلوغ مما تعرض له في المقصد الثاني الذي عنوانه «في القواعد المشتركة بين المطالب الفقهية» قبل التعرض الشرطية العقل بسطرين.

ص: 77

البيع أو المعاطاة فهو الذي قد عرفت أنّه خلاف المشهور و المعروف، حتى لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة، لأنّها (1) تصرّف لا محالة و إن لم يكن بيعا، بل و لا معاوضة (2).

و إن أراد بذلك: أنّ إذن الولي و رضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للإباحة- لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم في إذن الولي في إعارة الصبي- فتوضيحه (3) ما ذكره بعض المحققين من تلامذته و هو: أنّه لمّا كان (4) بناء المعاطاة

______________________________

البيع اللفظي في ترتب الإباحة على المعاطاة، و بين القول بعدم الاعتبار. وجه عدم الفرق أن إنشاء الصبي و معاملته المفيدة للإباحة تصرّف في المال، و هو محجور عنه حسب الفرض.

و الثاني- و هو كشف إنشاء الصبي عن إذن وليّه- منوط بمقدمات ذكرها المحقق الشوشتري في توضيح نظر أستاذه كاشف الغطاء قدّس سرّه، و ستأتي.

و لا يخفى أنّ الأولى أن يقال- بدل قوله: أمّا التصرف و المعاملة بإذن الأولياء- «ان أراد بذلك أي ثبوت الإباحة في معاملة المميّزين» لأنّه في مقابل قوله بعد ذلك: «و إن أراد بذلك أنّ إذن الولي .. إلخ» فالمقابلة تقتضي أن تكون العبارة على النحو المذكور.

(1) تعليل للتعميم المتقدّم بقوله: «حتى لو قلنا» و تقدم بيانه آنفا.

(2) وجه عدم كون المعاطاة المبيحة معاوضة هو اعتبار المبادلة الملكية أو الحقيّة في مفهوم المعاوضة، فالإباحة المجرّدة عن الملك ليست معاوضة، و لكن التصرف صادق عليها، و المفروض حجر الصبي عن مطلق التصرف.

(3) جزاء قوله: «و إن أراد بذلك» و هذا شروع في نقل كلام المقابس بطوله.

(4) يعني: أنّ الإباحة تتوقّف على مقدمات أربع:

الاولى: عدم توقف صدق المعاطاة على التعاطي من طرفين و لا من طرف واحد، بل يكفي حصول المراضاة بتصرف كل منهما في مال الآخر، كما يقال في مثل

ص: 78

على حصول المراضاة كيف اتّفق، و كانت (1) مفيدة لإباحة التصرف خاصة كما هو المشهور، و جرت (2) عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة، و الرّضا (3) باعتماد غيرهم في التصرف فيها على الأمارات (4) المفيدة للظنّ بالرضا في المعاوضات، و كان (5) الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها على قول الصبي تعيّن (6)

______________________________

وضع الفلس في موضع أعدّه صاحب آنية الماء، و أخذ إناء منها. و قد تقدم تفصيل ذلك في ثاني تنبيهات المعاطاة، فراجع «1».

(1) معطوف على «كان» في- لمّا كان- و هذه مقدمة ثانية، و هي إفادة المعاطاة للإباحة كما عليه المشهور، دون الملك حتى المتزلزل.

(2) معطوف على «كان» و هذه مقدمة ثالثة، و هي: جريان عادة الناس على التسامح في معاملة المحقّرات، و الاقتصار على الأمارة المفيدة للظن برضا المالك بالتصرف، و لا يتحرّون القطع برضاه، و من تلك الأمارات جلوس الصبي موضع وليّه في معاملة الأشياء الرخيصة.

(3) بالجر تقديرا بالعطف على «التسامح» و قوله: «باعتماد» متعلق ب «الرضا».

(4) هذا و قوله: «في التصرف» متعلقان ب «اعتماد» يعني: جرت عادة الناس برضاهم بأن يعتمد غيرهم في التصرف في أموالهم على ما يفيد الظن بالرضا في المعاوضات فيها.

(5) معطوف على «كان» في «لمّا كان» و هذه مقدمة رابعة، و حاصلها:

أنّ الأموال الحقيرة- التي يعتمد في معرفة قيمتها غالبا على إخبار الصبيان- إمّا أن تكون أسعارها معيّنة بالدقة، و إمّا أن يكون الاختلاف فيها بما يتسامح به عادة، فلا يصير الصبي مغبونا في المعاملة.

(6) خبر قوله: «و كان الغالب» يعني: و مع هذه الغلبة الموجبة لتعيّن القيمة لا حاجة إلى المساومة.

______________________________

(1) الجزء الثاني من هذا الشرح، ص 53 و 302.

ص: 79

القيمة أو الاختلاف الذي يتسامح به في العادة، فلأجل (1) ذلك صحّ القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع و الشراء مع الشروط المذكورة (2). كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار و في إيصال الهدية إذا ظهرت أمارات الصدق. بل ما ذكرنا (3) أولى بالجواز من الهدية من وجوه (4)، و قد استند فيه (5) في التذكرة إلى تسامح السلف.

و بالجملة: فالاعتماد في الحقيقة (6) على الاذن المستفاد من حال المالك في

______________________________

(1) جواب قوله: «لمّا كان بناء المعاطاة» و قوله: «ذلك» إشارة إلى المقدمات الأربع المتقدمة آنفا.

(2) المذكور في عبارة كاشف الغطاء أمران، أحدهما التمييز، و الآخر الجلوس مقام الأولياء. و لو فرض شرط ثالث فهو حقارة الأشياء التي عبّر عنها ب «خصوصا» و الأمر سهل.

(3) أي: الاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع و الشراء- مع الشروط المذكورة- أولى بالجواز من الاعتماد على إيصال الصبي للهدية من وليّه إلى المهدي إليه.

(4) الأوّل: تخصيص المال في المقام باليسير، و تعميمه في الهدية له و للخطير على ما يقتضيه إطلاق كلامهم.

الثاني: وجود الأمارات المفيدة للظن بالإذن مثل الجلوس في الدكان، و المعاملة بمرأى و مسمع من الناس هنا، دون الهدية.

الثالث: انّ المقام من باب الإباحة، و الهديّة من باب التمليك، و يتسامح في الأوّل بما لا يتسامح به في الثاني.

الرابع: أنّ المقام فيه العوض، بخلاف الهدية.

(5) أي: في الحكم بإباحة المال المأخوذ في معاملات المميّزين.

(6) في معاملات الصبيان.

ص: 80

الأخذ و الإعطاء، مع البناء على ما هو الغالب من كونه (1) صحيح التصرف، لا على (2) قول الصبي و معاملته من حيث إنّه كذلك (3). و كثيرا (4) ما يعتمد الناس على الاذن المستفاد من غير وجود ذي يد أصلا مع شهادة الحال بذلك، كما في دخول الحمام و وضع الأجرة عوض الماء التالف في الصندوق. و كذا في أخذ الخضر الموضوعة للبيع، و شرب ماء السقّائين، و وضع القيمة المتعارفة في الموضع المعدّ لها (5)، و غير ذلك من الأمور التي جرت العادة بها، كما يعتمد على مثل ذلك (6) في غير المعاوضات من أنواع التصرفات (7).

______________________________

(1) أي: المالك صحيح التصرف شرعا أي غير محجور عليه بسبب من أسباب الحجر.

(2) معطوف على الإذن، يعني: أنّ الاعتماد على إذن المالك لا على قول الصبي.

(3) أي: من حيث إنّه صبيّ. و الغرض نفي موضوعيّة الصبي في المعاملة، و أنّ المعاملة تقع مع المالك حقيقة.

(4) غرض صاحب المقابس تنظير الاعتماد على الرضا المنكشف بجلوس الصبي- بالشرائط المزبورة- باعتماد الناس على شاهد الحال في بعض الموارد مما لم يكن ذو اليد حاضرا أصلا، و لا يتوقفون عن التصرف و المعاملة، كما في دخولهم الحمام حين غيبة الحمّامي، و وضع الأجرة في الصندوق المعدّ لها.

(5) كذا في المقابس و بعض نسخ المكاسب، و هو الصحيح ليرجع الضمير إلى «قيمة الماء و الخضر» فما في بعض نسخ المتن من تثنية الضمير لعلّه من سهو الناسخ.

و لعل التثنية باعتبار الأخذ و الشرب، يعني: وضع القيمة المتعارفة في الموضع المعد لأخذ الخضر و شرب الماء. لكنه غير وجيه كما هو واضح.

(6) أي: الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ و الإعطاء.

(7) كالصلاة في البساتين.

ص: 81

فالتحقيق أنّ هذا (1) ليس مستثنى من كلام الأصحاب، و لا منافيا له (2) و لا يعتمد على ذلك (3) أيضا في مقام الدعوى (4)، و لا فيما إذا طالب المالك بحقه، و أظهر عدم الرضا» انتهى «1».

و حاصله: أنّ مناط الإباحة و مدارها في المعاطاة ليس على وجود تعاط قائم بشخصين أو بشخص منزّل منزلة شخصين، بل على تحقق الرضا من

______________________________

(1) المشار إليه هو: معاملة الصبيان، على التقريب المزبور. و غرضه: أنّ معاملات الصبيان ليست داخلة في موضوع قول الأصحاب ببطلان معاملة الصبي حتى يكون الحكم بالصحة فيها منافيا له و مستثنى منه، و مخصّصا له، لأنّ المعاملة فيها تقع بين الكبار، و الصبيّ آلة محضة، فصحة معاملات الأطفال حينئذ تكون على طبق القاعدة.

(2) لأنّ المنافاة فرع وحدة الموضوع، و هي غير متحققة هنا، إذ موضوع حكمهم بالبطلان معاملة الصبي. و التقريب المزبور في الصحة يخرجه عن معاملة الصبي و يدرجه في معاملة البالغين.

(3) أي: الظن بإذن المالك بمعاملة الصبي الحاصل من الأمارات المفيدة له في مقام الدعوى. توضيحه: أنّ الظن بإذن المالك الناشئ عن الجلوس مجالس الأولياء ليس ممّا يعتمد عليه في تقويم قول المشتري المدّعي لإذن المالك، لموافقته لهذا الظهور.

و يرفع اليد عن تقديم قول المالك بعدم إذنه الموافق للأصل، إذ لا دليل على اعتبار هذا الظهور بهذا المقدار، لعدم ثبوت جريان العادة على حجّيّته في هذا المقام.

و تظهر ثمرة النزاع بعد التلف، فإنّه بناء على ثبوت الإذن يكون الضمان بالبدل الجعلي. و بناء على عدمه يكون الضمان بالبدل الواقعي. و أمّا قبل التلف فلا ثمرة له، إذ المفروض جواز التراد في المعاطاة مع بقاء العين على المشهور.

(4) يعني: و لا يعتمد على الظن بإذن المالك في مقام مطالبة المالك بحقه، بأن يدّعي عدم الرضا بالمعاملة حينها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 10، كتاب البيع.

ص: 82

كلّ منهما بتصرّف صاحبه في ماله حتى لو فرضنا أنّه حصل مال كلّ منهما عند صاحبه باتفاق كإطارة الريح و نحوها، فتراضيا على التصرف بإخبار صبي أو بغيره من الأمارات كالكتابة و نحوها، كان (1) هذه معاطاة أيضا، و لذا كان وصول الهدية إلى المهدي إليه على يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضى المهدي بالتصرف- بل التملك- كافيا (2) في إباحة الهدية، بل في تملكها.

و فيه: أنّ ذلك (3) حسن، إلّا أنّه موقوف أوّلا على ثبوت حكم المعاطاة

______________________________

(1) جواب الشرط في: «لو فرضنا». و الفرق بينه و بين المعطوف عليه هو أنّ المشتري- في المعطوف عليه- يدّعي الإذن، قبال دعوى المالك عدمه. و في المعطوف يسكت أو يدّعي الجهل بالحال. هذا ما أفاده صاحب المقابس في توجيه كلام شيخه من حصول الإباحة بمعاملة الصبي المأذون، و ستأتي مناقشة المصنف قدّس سرّه في كل منهما.

(2) خبر قوله: «و لذا كان».

(3) ناقش المصنف في كلام المقابس بوجهين:

الأوّل: منع ما أفاده في المقدمة الأولى، فإنّ مناط الإباحة و إن كان مجرّد الرّضا من كلّ منهما بتصرف صاحبه في ماله. لكنه موقوف على الإكتفاء في المعاطاة بمجرّد الرّضا، من دون تعاط خارجي، و لا إنشاء إباحة أو تمليك. و هو ممنوع، إذ لا فرق في توقف الملك و الإباحة على الإنشاء بين المعاطاة و العقد اللفظي، و المفروض في كلام المقابس انتفاء إنشاء الإباحة، فلا وجه لحصولها.

و دعوى حصول الإنشاء بدفع الولي المال إلى الصبي، مدفوعة بأنّه إنشاء لشخص غير معلوم، و هو خارج عن المعاطاة موضوعا، و مشكوك الدخول فيها حكما.

و قياس معاملة الصبي- في تحقق الإنشاء- بإيصال الهدية بيده إلى المهدي إليه، مع الفارق، لأنّ إعطاء الهدية إلى الطفل مقدمة لإيصالها إنشاء تمليكها أو إباحتها للمهدي إليه، كما أنّ إذن الولي للصبي في إعارة ماله إنشاء إباحة الانتفاع للمستعير.

ص: 83

من دون إنشاء إباحة و تمليك، و الإكتفاء فيها بمجرّد الرضا (1).

و دعوى حصول الإنشاء بدفع الولي المال إلى الصبي، مدفوعة بأنّه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم (2). و مثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة مع العلم بخروجه عن موضوعها.

و به (3) يفرّق بين ما نحن فيه و مسألة إيصال الهدية بين الطفل، فإنّه يمكن فيه دعوى كون دفعه إليه للإيصال إباحة أو تمليكا، كما ذكر أنّ إذن الولي للصبي في الإعارة إذن في انتفاع المستعير.

و أمّا دخول الحمام (4) و شرب الماء و وضع الأجرة و القيمة فلو حكم

______________________________

كما أنّ تنظير المقام بدخول الحمام و شرب الماء ممنوع أيضا، لوجود السيرة على كفاية وصول العوضين في هذه المعاطاة، بخلاف معاملة الصبي.

و الحاصل: أنّه لا سبيل للالتزام بتوجيه صاحب المقابس لترتب الإباحة على معاملة الصبيان المأذونين من قبل أوليائهم.

(1) المفروض وجوده و انكشافه بجلوس الأطفال مواضع أوليائهم للمعاملة.

(2) يعني: إذا كان طرف المعاملة غير معيّن في نظر الولي، بل هو كلّيّ و هو عنوان «من عامل الصبي» فلا يجري هذا الاشكال لو كان الطرف معيّنا معلوما عند الولي.

(3) أي: و بعدم الإنشاء- في المقام- يفرّق بين ما نحن فيه و بين مسألة إيصال الهدية بيد الطفل، بأن يقال: انّ الدفع إلى الصبي إنشاء إباحة أو تمليك.

(4) الذي ذكره صاحب المقابس مثالا لاستفادة الإذن الحاصل من شهادة الحال. و توضيحه: أنّه لو حكمنا بصحة وضع القيمة و الأجرة فيهما لأجل المعاطاة- بناء على حصولها بمجرد المراضاة الخالية عن الإنشاء- فإنّما هو لأجل دعوى قيام السيرة عليه فيهما، لا لأجل كون المال يسيرا. فحينئذ ينحصر مورد الصحة مع وساطة الصبي في الإيصال و الدفع و القبض بما قامت السيرة على

ص: 84

بصحتهما- بناء على ما ذكرنا (1) من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الإنشاء- انحصر (2) صحة وساطة الصبي فيما يكفي فيه مجرد وصول العوضين، دون ما لا يكفي فيه (3).

و الحاصل: أنّ دفع الصبي و قبضه بحكم العدم (4). فكلّما يكتفى فيه بوصول كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر بأيّ وجه اتفق (5) فلا يضرّ مباشرة الصبي لمقدمات الوصول.

ثم إنّ (6) ما ذكر مختص بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبي وليّا كان أم غيره.

______________________________

الاكتفاء بمجرّد الوصول، و عدم الحاجة الى الواسطة، فلا يصح الاستدلال بصحة المعاطاة في الأمثلة التي ذكرها- ممّا قام الدليل و هو السيرة على عدم الحاجة إلى الإنشاء فيها- على صحتها في مطلق اليسير و لو لم يقم سيرة على عدم الحاجة إليه.

(1) يعني: في ثامن تنبيهات المعاطاة، حيث قال: «فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف. و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة» «1».

(2) جواب الشرط في قوله: «فلو حكم».

(3) و هو بيع الصبي و شراؤه بإذن الولي، لعدم قيام السيرة المتشرعية على كفاية مجرّد وصول العوضين في ذلك.

(4) كما اعترف كاشف الغطاء به أيضا، لكنّه أراد تصحيحه بكاشفيّة قبضه قبض وليّه.

(5) بإطارة ريح أو بواسطة عبد أو صبيّ، أو بوضع اجرة الحمامي في الصندوق المعدّ لها.

(6) هذا إشكال آخر على صاحب المقابس، و ملخّصه: أنّ ما ذكره في وجه تصحيح معاملة الصبي الجالس مجلس وليه من كون المناط في الإباحة هو

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 302.

ص: 85

و أمّا ما ذكره (1) كاشف الغطاء أخيرا من صيرورة الشخص موجبا

______________________________

التراضي من المالكين- أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بصورة علم من يعامل الصبي بأنّه مأذون من المالك الجائز التصرف، مع أنّ المدّعى أعم من ذلك، و هو ترتب الإباحة أو الملك على بيع الصبي و شرائه، في قبال المشهور.

(1) ناقش المصنف في ما أفاده كاشف الغطاء في ذيل كلامه- من نفي البعد عن ترتّب الملك على المعاملة مع الصبي المأذون، لكون الطرف موجبا قابلا- بوجهين أيضا:

الأوّل: أنّ مفروض كلامه كون ولي الطفل هو أحد طرفي العقد من جهة استكشاف رضاه من جلوس الصبي، و لمّا كان هذا الولي غائبا عن مجلس المعاملة فلا بدّ أن يكون الطرف الآخر موجبا عن الولي بالوكالة، و قابلا لنفسه بالأصالة.

و هذا لا بأس به في حصول الملك، لكن الإشكال في الصغرى، و ذلك لانتفاء الإذن الخاص لهذا الطرف، لعدم علم الولي به حتى يأذن له بإجلاس الصبي مجلس نفسه.

و دعوى «علم الطرف برضا وليّ الطفل بالبيع و الشراء، و هذا العلم كاف في أن يقصد الإيجاب وكالة عن الولي، و القبول عن نفسه، فيتم ركنا العقد» غير مجدية، لما سيأتي في بحث بيع الفضول إن شاء اللّه تعالى من عدم خروج العقد- عن عنوان الفضول- بمجرّد علم العاقد برضا المالك، و لا أقل من كون المسألة خلافيّة.

و حيث كان العقد مع الصبي فضولا توقّف على مراجعة وليّه للإمضاء، و المفروض أنّ من يعامل الطفل لا يراجع وليّه بعد المعاملة أصلا، و لا ريب أنّ صحّة عقد الفضول معلّقة على إجازة من بيده الأمر.

الثاني: أنّ صيرورة الطرف موجبا بإذن الوليّ مجرّد فرض لا واقع له خارجا، إذ المحسوس بالوجدان عدم كون الطرف قاصدا للنيابة عن وليّ الطفل حتى يصير موجبا من قبله، بل لا يقصد إلّا القبول الذي هو وظيفة المشتري. و مقتضى خلوّ هذه المعاملة عن الإيجاب بطلانها رأسا، فهي لا تفيد الإباحة فضلا عن الملك الذي تصوّره الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه.

ص: 86

و قابلا، ففيه أوّلا: أنّ تولّي وظيفة الغائب- و هو من أذن للصغير- إن كان بإذن منه (1) فالمفروض انتفاؤه. و إن كان (2) بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل، بل ممنوع [1].

و ثانيا: أنّ المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة (3) عمّن أذن للصبي (4).

ثم (5) إنّه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبي، و لا بالأشياء

______________________________

(1) الضمير راجع إلى «من» الموصول المراد به وليّ الصبي.

(2) أي: و إن كان تولّي- من يتعامل مع الصبي- لمجرّد علمه برضا الولي كانت المعاملة فضوليّة.

(3) مفعول به ل «قصد».

(4) بل لا يقصدون إلّا الأصالة، و لا يتحمّلون وظيفة الطرف الآخر.

(5) هذا إشكال ثالث يرد على صاحب الرياض و كاشف الغطاء و غيرهما ممّن يصحّح معاملة الصبيان بالآلية أو في المحقرات. و توضيحه: أنّ مقتضى كون الصبيان آلات هو وقوع المعاملة بين الكبار، فتكون صحيحة. و هذا يستلزم الإيراد عليهم بلزوم التعميم لموردين.

أحدهما: الالتزام بآليّة الصبي في الأشياء الخطيرة، و تخصيص آليّته بالمحقرات بلا موجب.

______________________________

[1] هذا المنع ينافي ما سيأتي منه قدّس سرّه في بيع الفضولي من ترجيح خروج المعاملة المقرونة برضا المالك عن بيع الفضولي موضوعا أو حكما، فلاحظ قوله هناك:

«و إن كان الذي يقوى في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب عدم توقفه على الإجازة اللاحقة، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد ..» و لعلّ إشكاله على كاشف الغطاء مبني على صغروية العلم بالرضا للفضولي، و ترتفع المنافاة حينئذ.

ص: 87

الحقيرة، بل هو (1) جار في المجنون و السكران- بل البهائم- في الأمور الخطيرة، إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار و كان الصغير آلة فلا فرق في الآلية بينه و بين غيره (2).

نعم من تمسّك في ذلك (3) بالسيرة من غير أن يتجشّم لإدخال ذلك تحت القاعدة (4) فله (5) تخصيص ذلك بالصبي (6)، لأنّه المتيقّن من موردها، كما أنّ ذلك

______________________________

ثانيهما: الالتزام بآلية المجنون و السكران و البهيمة أيضا، لفرض كون المتعاملين حقيقة هما البالغان العاقلان القاصدان للمدلول. مع أنّهم اقتصروا في الآلية على الصبيان.

نعم يندفع الإيراد بأن يقال: إن القائل بالآلية لا يدرج معاملة الصبي في عنوان البيع و لا في المعاطاة حتى يدّعى صدق عنوان العقد فيما كان الآلة بالغا مجنونا أو سكرانا، أو كان المبيع ثمينا جدّا، و إنّما يقول بصحته لدليل تعبدي و هو السيرة الممضاة، و هي دليل لبي تختص بمورد العمل، و هو بيع المحقّرات و شراؤها، و كون المتصدي صبيا، هذا.

(1) الضمير راجع الى «ما ذكروه» من الآليّة.

(2) مع أنّهم خصّصوا الآلية بالصبيّ.

(3) أي: في جواز المعاملة مع الصبيّ.

(4) المراد بالقاعدة الأصل اللفظي كعموم الأمر بالوفاء بالعقود، و كإطلاق حلّ البيع و التجارة عن تراض، فهي لا تشمل بيع الصبي- بنظر القائل- بصحته للسيرة.

(5) جواب «من تمسّك» الذي هو موصول اشرب معنى الشرط.

(6) وجه الاختصاص وجود السيرة القائمة على الاكتفاء بالظن برضا المالك في معاملة الصبي في الأشياء اليسيرة، و عدم وجود السيرة في غير معاملة الصبي و غير الأشياء اليسيرة. و مقتضى القاعدة لزوم العلم برضا المالك.

ص: 88

مختصّ بالمحقّرات [1].

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هنا قولين في قبال المشهور القائلين بكون الصبي مسلوب العبارة:

الأوّل: التفصيل بين المحقرات و غيرها. قال الفيض في محكي المفاتيح: «الأظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به منه في الشي ء الدّون، دفعا للحرج في بعض الأحيان». و في المقابس بعد نقل هذه العبارة «و يمكن أن يستأنس لذلك- مضافا إلى السيرة المستمرة و قضاء الحاجة و الضرورة في كل من المعاملة و دفع العوض و أخذه منه- بما رواه الشيخ في الموثق كالصحيح عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة الصبي و المملوك، فقال: على قدرها يوم أشهد تجوز في الأمر الدّون، و لا تجوز في الأمر الكثير» «1» «2».

لكن لا يمكن المساعدة على شي ء منهما. أمّا السيرة فاستقرارها على معاملات الصبي في الأمور الحقيرة و إن لم يكن قابلا للإنكار، إلّا أنّها لا تكشف عما نحن بصدده من استقلال الصبي في المعاملات. بل من جهة جريان المعاطاة بين الناس في المحقّرات بوضع الثمن في الموضع المعدّ له، و أخذ المتاع بإزائه، كما في دخول الحمّام و وضع الأجرة في كوز الحمامي. و المقام من هذا القبيل، فإنّ قبض الصبي ليس بأقل من وضع الفلوس في كوز الحمّامي، فلا وجه لجعل ما نحن فيه من مستثنيات عدم نفوذ أمر الصبي، إذ لا ربط بينهما، لأنّ المقصود إثبات استقلال الصبي في معاملاته بالنسبة إلى المحقرات باستقرار السيرة على ذلك، و هذا المعنى أجنبي عن المعاطاة الواقعة بين البالغين التي لا تتوقف على الإعطاء و الأخذ.

نعم إذا كان القبض شرطا للعقد كما في الهبة فلا عبرة بقبضه، لا بما أنه قبض، بل بما أنّه التزام شرط للعقد، و هو مرفوع عن الصبي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 253، الباب 22 من أبواب الشهادات، ح 5.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 9.

ص: 89

______________________________

و الحاصل: أنّ دعوى السيرة على نفوذ معاملات الصبي في المحقرات مطلقا و لو بدون إذن الولي كما هو المقصود ممنوعة، فإنّ سيرة المتدينين على خلاف ذلك.

مضافا إلى كفاية إجماع السيد ابن زهرة و العلامة قدّس سرّهما على حجر الصبي عن التصرف للرّدع عنها. و لا أقل من عدم إحراز إمضائها شرعا.

و أمّا الرواية ففيها: أنّها أجنبية عن مورد البحث، إذ الشهادة غير المعاملة. و مورد الرواية هو الأول، و التعدي عن موردها مما لا دليل عليه.

و من هنا يظهر ضعف ما في المقابس: «و هذا القول لا يخلو عن قوة، إلّا أنّ الأصحاب تركوا العمل بالخبر» و ذلك لأنّ العمل بالرواية لا يجدي في معاملات الصبي، لكون الشهادة غير المعاملة، و لا ملازمة بينهما أصلا.

و بالجملة: الرواية قاصرة عن إثبات المدّعى. و السيرة المتشرعية على صحة معاملات الصبي بالاستقلال في المحقرات أيضا مفقودة. و السيرة العقلائية مردوعة بما دلّ على عدم نفوذ معاملات الصبي. و مع الشكّ فمقتضى أصالة الفساد عدم نفوذ معاملات الصبي بالاستقلال حتى في المحقرات، فلا وجه لصحة معاملات الصبي، هذا.

القول الثاني: نفوذ معاملات الصبي تمسكا بوجوه:

الأوّل: رواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الإماء، فإنها إن لم تجد زنت، إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنه إن لم يجد سرق» «1» تقريب الاستدلال بها: أنّ عقد الصبي لو كان باطلا كان الأنسب أن يعلّل النهي به، لا بالأمر العرضي و هو سرقة الصبي، لأنّ التعليل بالأمر الذاتي أولى من التعليل بالأمر العرضي، فهذا التعليل يكشف عن صحة معاملات الصبي، و أنّ النهي تنزيهي، و حكمته ما ذكر في الرواية من السرقة.

و نوقش فيه أوّلا: بضعف الرواية بالسكوني، و عدم انجبارها.

لكن فيه: أنّه قد ثبت في محلّ آخر صحة الاعتماد على رواية السكوني.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 118، الباب 33 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.

ص: 90

______________________________

و ثانيا: بأنّ المراد بكسب الغلام إمّا معناه المصدري، و إمّا معناه الاسم المصدري و هو المال المكسوب. فإن أريد به الأوّل فمعناه مباشرة الصبي للتجارة عند احتياج وليّه إلى ذلك، لكن هذه المباشرة تبعيّة لا استقلالية، فيكون الصبي بمنزلة الآلة لوليه في إيجاد المعاملة بينه و بين المشتري. و القرينة على إرادة هذا المعنى قوله عليه السّلام في صدر الرواية:

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الإماء، فإنّها إن لم تجد زنت». مع أنّه لا شبهة في نفوذ كسب الأمة بإذن مولاها.

و أنت خبير بما فيه، حيث إنّ التقييد باحتياج الولي غير ظاهر من الكلام، بل لا بدّ من استفادته من الخارج. مع أنّه بعد تسليمه بكون الصبي مأذونا في إنشاء المعاملة كمأذونيّة البالغ فيه، فجعل الصبي آلة غير ظاهر. بل الصبي ينشئ المعاملة بإذن الولي كإنشاء البالغ الوكيل عنه للمعاملة.

و إن أريد به الثاني- أي المال الذي يكتسبه الصبي- فالمراد به المال الذي يحصّله بالالتقاط أو الاستعطاء أو حيازة المباحات أو العمل بأمر الغير ممّا لا يكون عقدا، فلا يشمل المال الذي يحصّله الصبي بالعقد، فلا يدلّ على صحة عقد الصبي كما هو المقصود.

لكن فيه أيضا: أنّ هذا الحمل مما يأباه الإطلاق.

و عليه فدلالة هذه الرواية على نفوذ معاملات الصبي ظاهرة كما لا يخفى.

و قد استدل أيضا على هذا القول بقوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ «1» فإنّ الظاهر من الابتلاء هو الامتحان و الاختبار بالمعاملات على الأموال حتى يتبين رشدهم. و لا وجه لحملها على الابتلاء بمقدمات العقد من المقاولة أو على المعاملات الصورية التمرينية كعباداته على ما عن جماعة، لكونه خلاف الظاهر من غير موجب. كما أنّ ظاهرها كون الابتلاء قبل

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 6.

ص: 91

______________________________

البلوغ، للتعبير عن الأطفال باليتامى، لذهاب اليتم بالبلوغ. و بعدم الفصل يتحقق العموم لكل صبي و إن لم يكن يتيما.

فالمتحصل من الآية المباركة أنّ دفع المال منوط بأمرين: أحدهما البلوغ، و الآخر إيناس الرشد منهم. فولاية الولي ترتفع بهذين الأمرين. كما أنّ حجر الصبي عن ماله يرتفع بهما، فلا مانع من صحة عقد الصبي الاختباري و إن لم يجز دفع المال إليهم، لتوقف جواز دفعه إليه على الأمرين المزبورين.

و لو سلّم توقف الابتلاء بالبيع و الشراء على دفع المال إليهم فالمراد دفع بقية الأموال الزائدة على المقدار المحتاج إليه في اختبارهم.

فالمتحصل: أنّ دلالة الآية على نفوذ معاملات الصبي الاختبارية غير قاصرة.

الثالث: السيرة العقلائية الجارية على معاملة الصبيان المميزين معاملة البالغين، و عدم الفرق بين البالغ و الصبي المميّز الذي يبلغ بعد ساعة مثلا. و هذه السيرة ثابتة قطعا، و لا مجال للتشكيك فيها، و ليست مردوعة إلّا في استقلال الصبيان في المعاملات. فالإشكال على السيرة باحتمال كونها ناشئة عن عدم المبالاة في الدين موهون.

كوهن الاشكال على إطلاق السيرة- كما في المتن- بأنّها مختلفة باختلاف عمر الصبي، و موضوعات معاملاته. إذ فيه أنّ هذا الاختلاف ليس للبناء على عدم الجواز، بل للاحتياط في حفظ المال، و التحذر من الانخداع الموجب للوقوع في الغبن، و لذا اختلفت السيرة في توكيل البالغين أيضا في المعاملات، فربّ شخص يكون ماهرا في معاملات الأراضي دون غيرها، فيوكّلونه فيها، و لا يوكّلونه في شراء الحيوانات مثلا، و هكذا. و من المعلوم أنّ منشأ هذا الاختلاف هو التحفظ على الأموال، و إلّا فلا إشكال في جواز توكيل دلّال الحيوانات في شراء الأراضي و بالعكس.

و دعوى: أنّ ما عليه السيرة هو المعاطاة التي يكفي فيها الإذن بالتصرف و الرضا به. أو: «أنّ ذلك من إذن الولي في تولّي البالغ لطرفي العقد» غير مسموعة، لعدم برهان عليها.

ص: 92

______________________________

مضافا إلى: أنّ الدعوى الثانية لا مجال لها مع عدم بلوغ الطرفين.

فعليه لا يبعد القول بصحة عقد الصبي إذا كان بإذن الولي كما هو خيرة جماعة منهم المحقق الأردبيلي، و قبله الفخر في الإيضاح على ما حكى عنهما، و اختاره في إجارة الشرائع و تردّد فيه، و اختاره في عاريتها «1» و حكي عن جماعة.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور:

الأوّل: عدم جواز تصرّف الصبي في أمواله مستقلّا مع إذن الوليّ، لأنّه لا يجوز للولي أن يدفع مال الصبي إليه و يأذن له في البيع و الشراء و أمثالهما، لأنّ جواز ذلك قد أنيط ببلوغه و رشده، فهو محجور عليه في التصرف في أمواله، و لا يرتفع الحجر إلّا بالبلوغ و الرشد، خلافا للمحقق الإيرواني قدّس سرّه استنادا إلى أن البلوغ اعتبر أمارة على الرشد من دون موضوعية له، فالصبي إذا كان رشيدا جاز دفع ماله إليه، و تصرفه فيه بالاستقلال.

و لا بأس بنقل عبارته، و هي هذه «لا يبعد استفادة كون المدار في صحة معاملات الصبي على الرشد من الآية وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ على أن تكون الجملة الأخيرة استدراكا عن صدر الآية، و أنّه مع استيناس الرشد لا يتوقف في دفع المال و لا ينتظر البلوغ، و أنّ اعتبار البلوغ طريقي اعتبر أمارة إلى الرشد، بلا موضوعية له» «2». بدعوى: أنّ الابتلاء- و هو الاختبار- إنّما يكون قبل البلوغ، و هذا الاختبار يحصل بدفع شي ء من مال الصبي إليه ليتصرف فيه، و مقتضى إطلاقه جواز تصرفه مستقلّا، هذا.

لكن فيه: أنّ اختبار الصبي لا يتوقف على دفع ماله إليه ليستقل بالتصرف فيه، لإمكان الاختبار بمباشرة الصبي للبيع و الشراء بنظارة الولي أو المنصوب من قبله، أو

______________________________

(1) تقدمت كلماتهم في ص 19، فراجع.

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 107.

ص: 93

______________________________

بمباشرة الصبي لمقدمات المعاملة حتى يتصدّى الولي لإيقاعها.

و الحاصل: أنّه لا يجوز للصبي أن يتصرف في أمواله حتّى مع إذن الولي، بحيث يرتفع الحجر عنه بإذن الولي.

الأمر الثاني: أنّه يصح مباشرة الصبي للعقد و الإيقاع في أمواله بإذن الولي، و كذا يصح أن يكون وكيلا من الولي في ذلك. و الوجه في ذلك: أنّ النهي تعلّق بدفع مال اليتيم إليه لأن يكون هو المتصرف بالاستقلال، فلا يعمّ مباشرة الصبي لإنشاء عقد أو إيقاع في ماله بإذن الولي.

و دعوى: «كون الصبي مسلوب العبارة، لما دلّ من النصوص على عدم نفوذ أمره، و على رفع القلم عنه، و على كون عمده و خطائه واحدا» غير مسموعة، لما مرّ سابقا من عدم دلالة شي ء منها على ذلك، فراجع.

الأمر الثالث: أنّه يجوز أن يكون الصبي وكيلا عن غير الولي في العقد و الإيقاع بالاستقلال بدون إذن الولي، و ذلك للعمومات و الإطلاقات، و عدم دليل على التخصيص أو التقييد، لأنّ الآية الشريفة تدلّ على المنع عن تصرفات اليتامى في أموالهم لا أموال غيرهم. فالمانع عن تصرفاته في مال غيرهم إمّا عدم القول بالفصل بين التصرف في مال نفسه و التصرف في مال غيره، و إمّا الروايات المتقدمة الدالة على عدم نفوذ أمر الصبي قبل البلوغ.

أمّا الأوّل فعهدته على مدّعيه.

و أما الثاني فقد تقدم عدم دلالته على بطلان توكيله.

الأمر الرابع: أنّ القائلين بصحة معاملات الصبي- بهذا العنوان- بين من يقول بصحتها من غير خروجها عن عنوانها تمسّكا بالسيرة و غيرها من الأدلة التعبدية، فبيع الصبي مع كونه بيع الصبي صحيح. إمّا مطلقا، لعدم اشتراط البلوغ فيه كما حكي عن

ص: 94

______________________________

القاضي. و إمّا في نوع منه، فيكون مستثنى عن عنوان مطلق البيع الذي ثبت فيه اشتراط البلوغ.

و بين من يقول بصحة نوع من معاملة الصبي تطبيقا له على القاعدة، بإدراجه في عنوان يقتضي الصحّة، و قد وقع هذا على وجوه:

أحدها: ما ذكره صاحب مفتاح الكرامة و بعض من: عدم اشتراط شروط عقد البيع و غيره من العقود في المعاطاة، لأنّها معاملة مستقلة كما ذهب إليه الشهيد رحمه اللّه، فلا يعتبر فيها شروط عقد البيع، بل قد قامت السيرة على صحّتها و إن لم تجمع شروط العقود.

خلافا للمحقق الأردبيلي قدّس سرّه حيث اعتبر شروط العقود في المعاطاة أيضا.

ثانيها: ما يحتمله صدر عبارة كشف الغطاء المذكورة، و حاصله: أنّ وليّ الطفل الذي أجلسه مقام نفسه أباح لمن يشتري من الطفل ماله بعوض، و جلوس الطفل أمارة على ذلك، فإن أفاد القطع فهو، و إلّا فلا أقلّ من إفادته للظن، فالآخذ من الطفل يأخذ بظن أنّ المالك أباح له المال بعوض.

و هذا مبني على أن يكون المراد بالإباحة في صدر العبارة إباحة الأولياء، أو يكون المراد بقوله: «حتى يظن أنّ ذلك من إذن الأولياء» حصول الظن من جلوسهم، و تظاهرهم: «بأن إقامة الأولياء إيّاهم مقام أنفسهم» إذن منهم للآخذ في الأخذ. و هذا هو الذي أوضحه بعض المحققين بأنّه ينطبق على القاعدة من جهة دخول مثل ذلك في المعاطاة، و أنّه يكفي فيها مجرّد وصول عوض كل من المالين إلى مالك الآخر، كما في كوز الحمامي و الموضع المعدّ لوضع فلوس السقّاء فيه، فالصبي هنا بمنزلة كوز الحمّامي.

لكن الظاهر أنّ المراد بالإباحة هي الإباحة الشرعية، و أن لفظة «ذلك» إشارة إلى قيامهم مقام الأولياء. و أنّ لفظة «من» نشوية، فيصير المحصّل اعتبار معاملة المميّز بإذن الولي، غاية الأمر أنّ الإذن هنا غير معلوم، بل قامت عليه الأمارة الظنية.

ص: 95

______________________________

ثالثها: ما في ذيل كلام كاشف الغطاء رحمه اللّه من قوله: «و لو قيل بتملك الآخذ منهم لدلالة مأذونيّته في جميع التصرفات، فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا» «1» و محصله: أنّ جلوس الطفل في ذلك المقام و تظاهره في المعاملات على رؤس الأشهاد أمارة على أنّ الآخذ من الطفل مأذون من طرف المالك الذي هو وليّ الطفل، فيكون الآخذ موجبا من جهة، و قابلا من أخرى. فإذا اشترى من الطفل كان موجبا على وجه الفرعية، لتفرعه على إذن ولي الطفل، و قابلا بالأصالة، لكونه مشتريا لنفسه. و لو باع على الطفل كان الأمر بالعكس، فكأنّ الآخذ وكيل عن المالك.

لكن في الجميع ما لا يخفى.

إذ في الأوّل: عدم الالتزام بكون المعاطاة معاملة مستقلة.

و في الثاني أوّلا: أنّ تأثير الإباحة العامة بلا عوض- كالمضايف- في ترتيب آثار الملكية مما لم يقم عليه دليل، و غاية ما يترتب على الإباحة المزبورة جواز التصرفات.

و ثانيا: أنّ الثابت هو الإباحة مع العلم بالرضا، فإنّه الذي استقرّت عليه السيرة، دون الظن بالرضا.

و في الثالث: أنّه ليس هناك إذن سابق مفيد للتوكيل. نعم الرّضا من المالك موجود، لكنّه لا يكفي في التوكيل، فيصير فضوليا، و التصرف فيما اشتراه فضولا حرام إلّا بعد الإجازة اللفظية. و لذا لو علم رجل برضى صاحبه ببيع ماله فباعه لم يكن له التصرف في الثمن الذي يقبضه، فإن تصرف فعل حراما.

بل قد يقال في رد هذا الوجه: بأنّ صيرورة القابض من الصبي موجبا قابلا بإذن وليه مخالفة للإجماع و السيرة أيضا، إذ لا نجد ذلك لا في أنفسنا و لا في أنفس سائر المتعاملين مع الصبيان، بل الثابت عند الجميع عدمه.

و كيف كان فالحق صحة معاملة المميّز بإذن الولي، لعدم مسلوبية عبارته، سواء تعلّقت بماله أم بمال الولي أم الأجنبي، هذا.

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 77، فراجع.

ص: 96

[الشرط الثاني: القصد إلى المدلول]
اشارة

مسألة (1):

و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به.

______________________________

الشرط الثاني: القصد إلى المدلول

(1) تعرّض المصنف قدّس سرّه في هذه المسألة لشرط آخر من شرائط المتعاقدين، و هو قصد تحقق مضمون العقد في وعاء الاعتبار، و ينبغي الإشارة إلى أمرين قبل توضيح المتن:

الأوّل: أنّ دخل هذا القصد في العقد بمعنى كونه مقوّما لمفهومه، بخلاف دخل البلوغ الذي اعتبره الشارع في المتعاقدين، بحيث كان العقد العرفي صادقا على إنشاء الصبيين المميّزين. و سيأتي في قوله: «بل في تحقق مفهومه» المسامحة في جعل القصد شرطا.

الثاني: أنّ الإنشاء متقوم بقصود ثلاثة مقدمة على أمر رابع و هو الرضا بالمضمون و طيب النفس به، و تلك القصود الثلاثة هي:

أوّلها: قصد اللفظ، في قبال الغالط المتلفظ بكلمة سهوا بدل كلمة اخرى لسبق لسان و نحوه، كأن يقول: «آجرت» مكان «بعت» مع كونه منشئا لتمليك عين لا منفعة، لوضوح كون الإجارة غلطا في مقام إنشاء البيع، لتغاير مفهوميهما.

ثانيها: قصد استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، في قبال استعماله في معناه المجازي

ص: 97

..........

______________________________

كما إذا تلفظ بالبيع و قصد بقوله: «بعت» معناه المجازي و هو الإجارة، بناء على صحة إنشاء الإجارة بلفظ «بيع المنفعة بعوض».

ثالثها: الإرادة الجدية إلى تحقق مضمون العقد، بعد تعلق إرادته بكلّ من اللفظ و استعماله في معناه الموضوع له أو المتفاهم منه عرفا. و اعتبار هذا القصد الجدّي يكون في قبال استعمال الصيغ الإنشائية بدواع أخر كالسخرية و المزاح و أشباههما، نظير استعمال صيغة الأمر فيما عدا الطلب، كالتهديد و التعجيز و الامتحان و نحوها مما ذكروه في الأصول.

و الوجه في اعتبار هذه القصود الثلاثة واضح، فإنّ العقود تابعة للقصود، فلا بد من كون الإنشاء بداعي حصول المضمون الاعتباري. و قد نفى المصنف قدّس سرّه الخلاف و الاشكال في اعتبار ما نحن فيه و هو الإرادة الجدية المتأخرة عن القصدين الأوّلين، و هو كما أفاده.

فإن قلت: المناسب للتنبيه على اعتبار القصد الجدّي هو المقدمة الباحثة عن ألفاظ العقود، إذ كما يبحث فيها عن شرائط الصيغة من الماضوية و العربية و الدلالة الوضعية و نحوها، فكذا ينبغي التنبيه على اعتبار كون الداعي إلى استعمالها هو تحقق مفادها في وعاء الاعتبار، بأن يقصد التسبب بصيغة «بعت» إلى مبادلة عين بعوض.

فما الوجه في عدّ القصد الجدّي إلى مضمون العقد من شرائط المتعاقدين، و عدم جعله من شرائط الصيغة؟

قلت: فرق بين الإرادة الاستعمالية و الجدية، و الأمور المعتبرة في الصيغة مقوّمة للبيع الإنشائي، أي استعمال اللفظ- المنشأ به العقد- في معناه، و من المعلوم اعتبار القصد إلى المعنى في الاستعمال الإنشائي، فلو كان مادة «البيع» حقيقة في تمليك عين بعوض، و مجازا في تمليك المنفعة، كان اعتبار الدلالة الوضعية في الإنشاء متضمنا لاعتبار الإرادة الاستعمالية، بأن يكون المنشئ مريدا للمعنى الحقيقي دون المجازي، و هو تمليك المنفعة.

ص: 98

و اشتراط القصد بهذا المعنى (1) في صحة العقد- بل في تحقق مفهومه (2)- مما (3) لا خلاف فيه و لا إشكال.

______________________________

و أمّا الإرادة الجدّية فهي أمر آخر وراء شرائط الصيغة، فإنّ الاستعمال- سواء أ كان إفناء اللفظ في المعنى أم غيره- يتحقق بمجرّد استعمال «بعت» في حصّة خاصة من طبيعي التمليك و هي «مبادلة عين بمال» مثلا. و لكن هذا المقدار غير كاف في تحقق البيع بالحمل الشائع، و ذلك لأنّ هذا الاستعمال يمكن أن يكون بداعي الجدّ، فيتسبب به الى التمليك الاعتباري، و يمكن أن يكون بدواع أخر كالهزل و المزاح. و من المعلوم أن البيع متقوّم بقصد تحقق المبادلة في إضافة الملكية، و هذا القصد لا بد من تحققه من المتعاقدين في مقام الإنشاء، و هو أمر زائد على الإرادة الاستعمالية القائمة بالصيغة. و لذا يعتبر القصد الجدي في غير العقد اللفظي أيضا- كما عرفت- كالمعاطاة العارية عن الصيغة و شؤونها، و لكن شرائط الصيغة مختصة بالعقد اللفظي.

و بهذا ظهر الفرق بين الإرادتين الاستعمالية و الجدية، و أنّ الاولى من شؤون الصيغة، دون الثانية التي هي من شرائط المتعاقدين، كما جعلوها منها.

إذا اتّضح هذان الأمران قلنا: إنّ المصنف قدّس سرّه تعرّض في هذه المسألة لشرطية القصد الجدّي، ثم عطف عنان البحث إلى كلام المحقق التستري في المقابس، و سيأتي.

(1) أي: بمعنى القصد الجدّي لمدلول العقد الذي يتلفظان به.

(2) أي: في تحقق مفهوم العقد، و الوجه في الإضراب- عن الاشتراط في الصحة و ترتيب الأثر شرعا- إلى الدخل في المفهوم العرفي هو: أن «الشرط» إنّما يطلق على الأمر الخارج عن حقيقة المشروط كالصيغة الخاصة لو قيل باعتبارها شرعا، و لا يطلق الشرط على ما يقوّم المفهوم و العنوان عرفا، و من المعلوم أنّ القصد الجدّي لمدلول العقد دخيل في حقيقته، لتبعية العقود للقصود، و عليه فالتعبير بالشرط مبني على المسامحة.

(3) خبر قوله: «و اشتراط القصد» يعني: أنّ هذا الشرط من مسلّمات الفقه.

ص: 99

فلا يقع (1) من دون قصد إلى اللفظ كما في الغالط (2) أو إلى المعنى- لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه- بل بمعنى عدم تعلق إرادته و إن أوجد مدلوله بالإنشاء كما في الأمر الصوري (3)، فهو شبيه الكذب في الإخبار كما في الهازل. أو قصد (4) معنى يغاير مدلول العقد، بأن قصد الإخبار أو الاستفهام، أو إنشاء معنى غير البيع مجازا أو غلطا (5)، فلا (6) يقع البيع، لعدم القصد إليه، و لا المقصود (7)، إذا اشترط فيه عبارة خاصة.

______________________________

(1) أي: فلا يقع البيع، و هذا متفرع على اعتبار قصدهما لمدلول العقد، ضرورة أنّ القصد الجدّي- أي إنشاء مدلول العقد- منوط بقصد اللفظ و معناه، و إيجاد مدلول اللفظ في وعاء الاعتبار.

(2) كأن يقول: «آجرت» بدل «بعت» غلطا.

(3) فإنّ الأمر الصوري فاقد للقصد الجدي، و إلّا فقصد اللفظ و المعنى و الإنشاء موجود فيه، و المفقود فيه الإرادة الجدية بمعنى عدم كون الإنشاء بداعي الجدّ، بل بدواع أخر كالسخريّة و التعجيز و التهديد.

(4) معطوف على «عدم» في قوله: «بل بمعنى عدم تعلق إرادته» يعني: عدم القصد إلى المعنى تارة يكون بعدم الإرادة الجدية و كون الإنشاء صوريا، و اخرى بقصد معنى يغاير مدلول العقد، كما إذا قصد الحكاية بقوله: «بعت».

(5) هذا الغلط غير الغلط السابق، لأنّ ذلك في التلفظ بكلمة بدل كلمة، كالتلفّظ بلفظ «آجرت» بدل «بعت». و هذا في استعمال اللفظ في غير ما وضع له بدون علاقة. كاستعمال لفظ الحمار مثلا في الجدار.

(6) متفرع على إنشاء معنى غير البيع مجازا أو غلطا.

(7) لعدم صحة إنشائه إلّا بلفظ خاص، فلو كان المقصود البيع و أنشأه بغير لفظ البيع لا يقع شي ء من الإجارة و البيع، لعدم قصد الإجارة، و عدم لفظ خاص معتبر في إنشاء البيع. فلا تقع الإجارة، لعدم قصدها، و لا البيع، لعدم إنشائه باللفظ المجعول آلة لإنشائه.

ص: 100

ثم إنّه ربما يقال (1): بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي و المكره، كما صرّح به في المسالك، حيث قال: «إنّهما قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» «1».

______________________________

(1) غرضه أن الشهيد الثاني قدّس سرّه جعل الإشكال- في صحة عقد الفضولي و المكره- عدم القصد إلى مدلول العقد، أي انتفاء إرادة المدلول جدّا. و ذلك أمّا في الفضولي فلعدم تمشّي قصد النقل و الانتقال منه، لعلمه بعدم ملكه لأحد العوضين، و عدم تأثير عقد غير المالك، فيمتنع أن يقصد التمليك و المبادلة، بل يكون تلفظه بالصيغة لقلقة لسان، كإنشاء الهازل.

و أمّا في المكره فلأنّ الباعث له على الإنشاء توعيد المكره و الخوف من التضرّر، فيلتجئ المكره إلى الإنشاء تخلّصا من عقوبة المكره فهو و إن كان مالكا، لكن لا يريد المعاملة. و هذا معنى انتفاء القصد إلى مدلول العقد فيه.

هذا وجه ما ذكره الشهيد الثاني قدّس سرّه. و فصّل صاحب الجواهر «2»- في بعض كلامه- بين الفضولي و المكره، فذهب إلى انتفاء القصد في المكره- لو لا الإجماع على صحة عقده المتعقب بالرضا- و تحققه في الفضولي، فراجع.

و كيف كان فناقش المصنف قدّس سرّه في كلام المسالك بتحقق القصد الجدّي في كليهما، أمّا في الفضول فبأنّ كونه أجنبيّا عن المال لا يمنع تمشّي القصد الجدّي إلى مدلول العقد، بأن يكون إنشاؤه جزء المؤثّر، و يتوقّف تمام تأثيره على لحوق إجازة المالك، هذا بحسب الثبوت، و أمّا بحسب الإثبات فسيأتي في بحث بيع الفضول إن شاء اللّه تعالى وفاء الأدلة بصحة عقد الفضول تأهّلا، و عدم سقوطه عن التأثير رأسا.

و أمّا في المكره فلأنّه قاصد جدّا لمدلول العقد، و المنتفي في حقّه هو الأمر الرابع أعني به طيب النفس بما ينشئه، و من المعلوم أنّ الرّضا بمضمون العقد من عوارض النفس و حالاتها. و هو أجنبي عن القصود الثلاثة المتقدمة.

______________________________

(1) مسالك الافهام، ج 3، ص 156.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 267.

ص: 101

و فيه: أنّه (1) لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المتحقق مدلوله في صدق (2) مفهوم العقد.

مضافا إلى ما سيجي ء في أدلة الفضولي (3).

و أمّا معنى ما في المسالك (4) فسيأتي في اشتراط الاختيار (5).

______________________________

(1) حاصله: أنّ القصد المقوّم لمفهوم العقد موجود في عقدي الفضولي و المكره، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، إذا المنتفي في عقد المكره هو الرضا، و يكفي لحوقه بالإنشاء، و لا يلزم مقارنته له. و المنتفي في الفضول هو انتساب العقد إلى المالك، و يكفي فيه الإجازة المتأخرة.

و لا يخفى أن نقاش المصنف في كلام الشهيد راجع إلى الصغرى، بمعنى أن ظاهر المسالك انتفاء الإرادة الجدية في الفضول و المكره فيبطل عقداهما. و ظاهر المصنف تحقق القصد الجدّي، و أنّ المنتفي شي ء آخر وراء هذا القصد.

(2) متعلق ب «المتحقق» يعني: لا دليل على اشتراط أزيد من القصد- الموجب لصدق مفهوم العقد- في عقد الفضولي و المكره.

و قد يقال: إنّ قوله: «في صدق» متعلق بقوله: «اشتراط» و المتعلق ب «المتحقق» محذوف، يعني: القصد المتحقق في عقدي الفضول و المكره.

(3) من قيام الدليل على كفاية هذا المقدار من القصد الموجود في الفضولي، و هو الإجماع على صحة نكاح الفضولي و بيع المكره بحق، فراجع (ص 268 و 407).

(4) يعني: هل يكون مراد الشهيد الثاني انتفاء القصد الثاني و هو الإرادة الاستعمالية، أم مراده انتفاء القصد الثالث و هو الإرادة الجدية، أم مراده انتفاء الرّضا بالمنشإ؟

(5) سيأتي هناك في جملة كلامه: «و غير ذلك ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع، و عدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» فراجع (ص 165).

هذا ما يتعلق بأصل اعتبار القصد الجدّي للمضمون، و سيأتي الكلام في ما رتّبه عليه المحقق التستري.

ص: 102

[هل يعتبر تعيين المالكين في العقد أم لا؟]
اشارة

و اعلم أنّه ذكر بعض المحققين ممّن عاصرناه «1» كلاما في هذا المقام (1)، في أنّه (2) هل يعتبر تعيين المالكين اللّذين يتحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما؟

أم لا (3). و ذكر أنّ في المسألة أوجها و أقوالا، و أنّ المسألة في غاية الإشكال،

______________________________

هل يعتبر تعيين المالكين في العقد أم لا؟

(1) أي: في مسألة اعتبار قصد مدلول العقد.

(2) متعلق ب «كلاما» و «في هذا» متعلق ب «ذكر».

(3) حاصل هذا البحث: أنّه هل يعتبر- مضافا إلى قصد مدلول العقد- تعيين مالكي العوضين، بمعنى أن يعيّن البائع المباشر للإيجاب مالك المبيع الذي يبيع له، و أن يعيّن المباشر للقبول مالك الثمن الذي يشتري له.

ثم على فرض اعتباره هل يلزم تعريفه للمشتري، و كذا تعريف المشتري للبائع أم لا، فهنا مقامان.

و لا بأس ببيان صورة إجمالية عمّا فصّله المحقق التستري في المقام، قبل الأخذ في شرح كلماته، فنقول: إنّ المراد من التعيين قصد وقوع المعاملة بين جزئيين حقيقيين خارجيين، كما في بيع كتاب زيد بدينار عمرو، فتتحقق المعاوضة بين مملوكين شخصيّين لمالكين معيّنين.

و لعلّ الداعي إلى تعرّض هذا البحث هو: أنّ عناوين المعاملات متقومة بالقصد الجدّي إلى مضامينها كما تقدم في صدر المسألة، ففي البيع مثلا لا بدّ من قصد مبادلة مال بمال، أو قصد تمليك عين بمال، و هل يكفي هذا القصد أم لا بدّ من قصد آخر، و هو قصد وقوع البيع لمالك المبيع و الثمن؟ بدعوى أنّ الملكية نسبة بين المالك و المملوك، أو إضافة بينهما، و لمّا كانت النسبة متقومة بالمنتسبين و لم يعقل التمليك المطلق أو المهمل، فلا بدّ من قصد آخر و هو تعيين طرفي الملكية من المالك و المملوك.

و هذا البحث و إن كان جاريا في مطلق البيوع، سواء أ كان العاقد مالك

______________________________

(1) هو المحقق الشيخ أسد اللّه الشوشتري في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 12 و 13.

ص: 103

و أنّه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدس اللّه أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه. ثم قال: «و تحقيق المسألة: أنّه إن توقّف (1) تعيّن المالك على التعيين

______________________________

أحد العوضين أم وكيلا عنه أم وليّا عليه، و سواء أ كان العوض شخصيا أم كليّا في الذمة، و سواء أ كان الكلي مضافا إلى ذمة شخص معيّن- ككتاب المكاسب في ذمة زيد- أم مضافا إلى ذمم جماعة بأن يكون الكتاب الكلي في ذمة كل من زيد و عمرو و بكر، إلّا أنّ عمدة الثمرة تظهر في بيع الكلّي فيما كان العاقد وليّا على جماعة يملك كل واحد منهم سلعة مماثلة لسلع الآخرين، أو وكيلا عن جماعة كذلك.

فأمر التعيين سهل في موردين، و هما: العقد على العين الشخصية، و العقد على الكلي المضاف إلى ذمة معيّنة كالكتاب في ذمة زيد، حيث يقع البيع بالنسبة إلى مالك العين الخارجية و مالك الكلي.

و أمّا إذا كان العاقد وكيلا عن جماعة فهل يصح أن يبيع الكتاب الذي في ذمة موكّله- من دون تعيين مصداق عنوان «الموكّل» مع فرض تعدد الموكّلين- أم لا بدّ من قصد شخص خاص يضاف الكلي إلى ذمته. و هكذا الحال إذا أنشأ العاقد البيع للفرد المبهم كعنوان «أحد الموكّلين» المنتشر في كل واحد منهم.

و يجري هذا البحث بالنسبة إلى الولي على جماعة كالأب و الجد و الحاكم الشرعي إذا كانوا أولياء على جماعة لهم سلع مماثلة.

و كذا الحال في طرف المشتري، إذا كان العاقد وليّا على جماعة لهم أثمان متماثلة، أو كان وكيلا عن جماعة كذلك، و سيأتي ذكر بعض أمثلة المسألة، هذا.

(1) فصّل المحقق التستري قدّس سرّه بين كون العوضين شخصيين- مثل هذا الكتاب و هذا الدرهم- و بين كونهما كليّين، و قدّم البحث عن حكم ما إذا كان العوضان كليين أو أحد العوضين كليا و الآخر جزئيا. و أمثلة هذه الصورة كثيرة، نذكر بعضها:

الأوّل: أن يكون العاقد وكيلا عن زيد و عمرو و بكر في بيع كتاب المكاسب- الكلّي- بدينار، و أن يكون وكيلا عن كلّ من علي و حمزة و جعفر في شراء كتاب

ص: 104

..........

______________________________

مكاسب بدينار، فالعاقد وكيل عن جماعة البائعين و المبتاعين.

الثاني: أن يكون وليّا على الطرفين، كما إذا كان العاقد حاكما شرعيا، و أراد بيع شي ء لكل واحد من المفلّسين، و أراد شراء ذلك الشي ء لكل واحد من أيتام ثلاثة بدينار.

الثالث: أن يكون العاقد وليا على كلّ من البائع و المشتري، أو وكيلا عنهما، إلّا أنّ كلّ واحد من العوضين قابل لأن يكون مبيعا أو ثمنا، كما إذا وكّل زيد و عمرو بكرا في تبديل فرس لكلّ منهما بثور، و وكّله علي و عبد اللّه في تبديل ثور لكلّ منهما بفرس، ففي مثله يلزم العاقد رعاية أمرين:

أحدهما: تعيين مالك الفرس، و أنّه زيد أو عمرو، و كذا تعيين مالك الثور.

ثانيهما: تعيين أنّ البائع مالك الفرس أو أنّه مالك الثور، فلا يكفي أن يقول:

«ملّكت فرس موكّلي زيد بثور موكّلي عبد اللّه» و ذلك لاختصاص بعض الأحكام بعنوان البائع و المشتري، كخيار الحيوان الثابت للمشتري، فلا بدّ من تمييز أحدهما عن الآخر، بأن ينوي كون مالك الفرس هو البائع، و مالك الثور هو المشتري، ليكون الخيار له، لا للبائع.

و يمكن التمثيل له أيضا ببيع الصرف إذا كان العاقد وكيلا في الإنشاء و القبض، فتوكّل عن جماعة لهم دنانير يريدون تحويلها دراهم، و توكّل عن جماعة آخرين لهم دراهم يريدون تبديلها دنانير.

هذا بعض أمثلة بيع الكلي في ذمة جماعة يصلح العقد لانتسابه إلى كل واحد منهم.

و الذي أفاده المحقق التستري قدّس سرّه أنّ بيع الكلي لا يخلو من أحد فروض ثلاثة، يصح العقد في اثنين منها، و يبطل في الثالث، و هي:

الأوّل: أن يعيّن العاقد من يبيع له و من يشتري له، إمّا بالقصد، و إمّا به

ص: 105

حال (1) العقد، لتعدّد (2) وجه وقوعه الممكن (3) شرعا، اعتبر تعيينه في النيّة، أو مع التلفظ به أيضا،

______________________________

و بالتلفظ به، كما إذا قال الوكيل عن جماعة في بيع كتاب المكاسب بدينار: «بعت كتاب المكاسب الكلّي في ذمة موكّلي زيد، بدينار في ذمّة موكّلي في الشراء عليّ» و هذا صحيح بلا ريب.

الفرض الثاني: أن يطلق العاقد و لا يعيّن شخصا معيّنا من الموكّلين أو المولّى عليهم، و لكنه قاصد لتعيينه بعد العقد، كما إذا قال: «بعت كتاب المكاسب في ذمة موكّلي، بدينار في ذمة موكّلي» و هذا باطل.

الفرض الثالث: أن يطلق العاقد و لم يكن قاصدا حين العقد لتعيين البائع و المشتري بعد العقد، و لكن يحكم العرف بانصراف إطلاق الإنشاء إلى شخص معيّن من الموكّلين، أو انصرافه إلى وقوعه عن نفس العاقد. و هذا صحيح أيضا.

هذه فروض المسألة، و استدلّ المحقق التستري قدّس سرّه بوجوه ثلاثة على اعتبار التعيين، و سيأتي بيانها.

(1) متعلق بكلّ من «التعيّن و التعيين» على نهج التنازع.

(2) علّة لتوقف التعيّن على التعيين حال العقد، يعني: أنّ لزوم التعيين ينشأ من قابلية البيع لوقوعه لكلّ شخصين من الطائفتين، بأن يكون البائع أحد الموكّلين في البيع، و يكون المشتري أحد الموكّلين في الشراء. و الوجه في هذه القابلية تعدد أفراد الموكّلين في البيع و الشراء، بحيث يكون لكل واحد منهم عوض مماثل لما يملكه الآخرون، و من المعلوم أنّ مالك الكلي لا يتعيّن حال العقد إلّا بالتعيين حينه إمّا بالنية مع التلفظ بها، أو بالنيّة المجردة. و قد تقدم مثال ذلك بقولنا في الفرض الأوّل: «أن يعين العاقد من يبيع له و من يشتري له إمّا بالقصد .. إلخ».

(3) صفة ل «وجه» و قد عرفت وجه صلاحية العقد لوقوعه عن كل واحد من الموكلين في البيع و الشراء.

ص: 106

كبيع الوكيل و الولي العاقد عن اثنين في بيع (1) واحد، و الوكيل عنهما، و الولي عليهما في البيوع المتعددة، فيجب (2) أن يعيّن من يقع له البيع و الشراء، من نفسه (3)، أو غيره (4). و أن يميّز (5)

______________________________

(1) هذا و قوله: «في البيوع المتعددة» متعلقان ب «العاقد» و غرضه أنّه عند تعدد الموكّلين لا بدّ من التعيين، سواء أنشأ الوكيل عقدا واحدا عن الطرفين، أم أنشأ عقودا متعددة. فمثال العقد الواحد هو: ما إذا وكّل زيد و عمرو بكرا في أن يبيع عن كل منهما منّا من الحنطة في ذمته، و وكّله عليّ و عبد اللّه في شراء منّ من الحنطة بدينار في ذمته. فإن عيّن الوكيل البائع بأنّه زيد، و المشتري بأنه عبد اللّه صحّ، و وقع البيع و الشراء لهما. و إن لم يعيّن، و قال: «بعت منّا من الحنطة في ذمّة موكّلي في البيع، بدينار في ذمة موكّلي في الشراء» لم يصح.

و مثال البيوع المتعددة: أن ينشئ الوكيل بيعين بلا إضافة إلى موكّل معيّن، بأن يقول مرّتين: «بعت منّا من الحنطة عن موكّلي، بدينار في ذمة موكّلي» فإنّه لا يصح من جهة الإبهام، و عدم إضافة الكلّي إلى ذمة معيّنة.

هذا حال الوكيل عن اثنين. و كذا الحال في الوكيل عن جماعة إذا أنشأ العقد بعدد الموكّلين بدون تعيين أشخاصهم.

(2) جواب الشرط في قوله: «ان توقف» و المراد بالوجوب الوضع، و هو اشتراط صحة البيع بالتعيين.

(3) بأن يقول: «بعت منّا من الحنطة التي هي في ذمة موكّلي زيد من نفسي بدينار» فيكون العاقد وكيلا في الإيجاب، و أصيلا في القبول. و لا مانع منه.

(4) هذا الغير إمّا موكّلوه في البيع أو الشراء، أو غيرهم، كما إذا اشترى لولده الصغير الذي يلي أمره، أو اشترى لشخص آخر فضولا، فيتوقف على الإجازة.

(5) معطوف على «أن يعيّن» و هذا اعتبار أمر آخر زيادة على تعيين طرفي العقد، و مورده قابلية كل واحد من العوضين للاتصاف بعنوان المبيع و الثمن، فيكون

ص: 107

البائع من المشتري إذا أمكن (1) الوصفان في كلّ منهما.

فإذا عيّن (2) جهة خاصّة تعيّنت.

و إن (3) أطلق، فإن (4) كان هناك جهة يصرف إليها الإطلاق كان (5) كالتعيين، كما لو دار الأمر بين نفسه و غيره، إذا (6) لم يقصد الإبهام و التعيين بعد

______________________________

مالكاهما- بالتبع- قابلين لانطباق عنوان «البائع و المشتري» عليهما أيضا.

و قد ذكرناه (في ص 105) بقولنا: «الثالث أن يكون العاقد وليّا على كلّ من البائع و المشتري .. إلخ» فراجع.

(1) و أمّا إذا لم يمكن اجتماع الوصفين في واحد فحكمه واضح، لحصول التمييز الواقعي بكون مالك العروض بائعا و مالك النقد مشتريا.

(2) هذا شروع في بيان فروض المسألة عند تعدد الموكّلين أو المولّى عليهم، و الفرض الأوّل هو التعيين، و قد تقدم بيانه في (ص 105) بقولنا: «الأوّل: أن يعين العاقد من يبيع له و من يشتري له ..».

(3) معطوف على «فإذا عيّن» و لعدم التعيين فرضان تقدما في (ص 106) و نشير إليهما مرّة أخرى.

(4) هذا أوّل فرضي الإطلاق، و قوامه بالإهمال بأن لا يكون قاصدا للترديد حين العقد، و فرض انصراف الإطلاق إلى نفس العاقد، أو إلى أحد الموكّلين- مثلا- بالخصوص.

(5) أي: كان الإطلاق كالتعيين، إذ عند دوران العقد بين وقوعه لنفسه و لغيره ينصرف إطلاقه إلى وقوعه لنفسه، لتوقف انتسابه الى الغير على مئونة ثبوتا و إثباتا.

(6) قيد للانصراف إلى النفس، إذ لو قصد الإبهام و الترديد بين نفسه و غيره حين العقد و أراد التعيين بعد العقد، لم ينصرف الإطلاق- مع هذا الشرط- إلى نفسه، بل يقع البيع باطلا.

ص: 108

العقد، و إلّا (1) وقع لاغيا.

و هذا جار في سائر العقود من النكاح و غيره (2).

و الدليل على اشتراط التعيين و لزوم متابعته في هذا القسم (3): أنّه

______________________________

(1) أي: و إن قصد الترديد حين العقد، و التعيين بعده وقع العقد لاغيا. و على هذا فالمعتبر في انصراف الإطلاق خلوّه عن كلّ من قصد التعيين للنفس أو للغير، و من قصد الإبهام.

(2) كالإجارة مثلا، كما إذا وكّل زيد و عمرو و بكر خالدا في إجارة داره لمدة سنة بمائة دينار مثلا- مع فرض تماثل الدور و تساوي اجورها- و وكّله ثلاثة آخرون في استيجار دور، اجرة كلّ منها مائة دينار. فإن أنشأ بمثل «آجرت دار أحد الموكلين، بمائة دينار لأحد الموكلين في الاستيجار» بطل. و إن عيّن الطرفين صحّ.

و أمّا في النكاح، فكما إذا وكّلت هند و زينب و سمية زيدا في التزويج من أشخاص موصوفين بصفات معيّنة، و وكّله رجال ثلاثة في تزويج نساء معلومة وصفا و خلقا، فإن قال: «زوّجت موكّلتي من موكّلي» بطل، لإمكان التطبيق على كل واحد منهم، و على كلّ واحدة منهن. و إن عيّن الموكّل و الموكّلة صحّ. و هكذا

(3) و هو كون العقد صالحا لوقوعه على وجوه عديدة، لعدم معيّنة للإطلاق، و ملخّص ما أفاده في الدليل على وجوب التعيين يرجع الى وجوه ثلاثة:

الأوّل: عقلي، و حاصله: أنّه لو لا التعيين لزم بقاء الملك بلا مالك، إذ البيع يفيد الملكية، فإذا لم يعيّن المشتري لزم صيرورة المبيع ملكا بلا مالك. و كذا بالنسبة إلى الثمن، مع أن المملوكية و المالكية من المتضايفات، فلا يعقل اعتبار المملوكية بدون المالكية.

الثاني: شرعي، و حاصله: أنّه قام الإجماع على بطلان العقد بعدم الجزم، و هو التردّد في المنشأ بجميع خصوصياته التي منها المالك. فلو سلّم إمكان الملك بلا مالك معيّن لزم التردد من حيث المالك، و هو مبطل للعقد إجماعا.

ص: 109

لو لا ذلك (1) لزم بقاء الملك بلا مالك معيّن في نفس الأمر، و أن (2) لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التي لم يتعيّن فيه العوضان، و لا بشي ء (3) من الأحكام و الآثار المترتبة على ذلك. و فساد ذلك (4) ظاهر.

و لا دليل (5) على تأثير التعيين المتعقب

______________________________

الثالث: شرعي أيضا، و حاصله: أنّه لو أغمضنا عمّا ذكرنا من الدليلين المذكورين نقول: إنّه لا دليل على الصحة بدون التعيين، لانصراف أدلتها إلى صورة التعيين لشيوعها فيرجع في غيرها إلى الأصل، و هو أصالة الفساد.

(1) أي: لو لا التعيين. و هذا إشارة إلى الدليل الأوّل، و هو مقتضى المعاوضة في الملكية عقلا.

(2) معطوف على «لزم» و هذا هو الدليل الثاني، أعني به اعتبار الشارع الجزم- حين الإنشاء- بالمنشإ بجميع ملابساته.

(3) عدم الجزم بأحكام البيع مترتب على عدم تعيّن موضوعها من العوضين و مالكيهما، فلو تعيّنا حصل الجزم بالأحكام من وجوب إقباض المبيع، و الخيار و نحوهما.

(4) أي: و فساد العقد الفاقد للجزم بخصوصيات المنشأ ظاهر، لما عرفت من الإجماع على اعتبار الجزم في العقود.

(5) يعني: و أنّه لا دليل على تأثير التعيين بعد العقد، و هذا دليل ثالث على اعتبار التعيين.

و يمكن جعل هذه العبارة تتمة للدليل الثاني، فيكون الدليل على اعتبار التعيين في كلام صاحب المقابس الوجهين الأوّلين. و تقريب كون قوله: «و لا دليل» تتمة هو:

أنّه ربما يورد على اعتبار الجزم في العقود بأن الجزم بالمنشإ و خصوصياته و إن كان إجماعيا، إلّا أنّ المعتبر هو مطلق الجزم سواء أ كان حال الإنشاء أم بعده. و عليه فلو أطلق العقد و أبهم و قصد تعيين من يقع له العقد بعده صحّ و لم يقع لغوا،

ص: 110

و لا (1) على صحة العقد المبهم، لانصراف (2) الأدلة إلى الشائع المعروف من الشريعة و العادة، فوجب الحكم بعدمه (3).

و على هذا (4) فلو اشترى الفضولي لغيره في الذمة، فإن عيّن ذلك الغير تعيّن، و وقف على إجازته، سواء تلفّظ بذلك أم نواه. و إن أبهم مع قصد الغير

______________________________

لتعقبه بالجزم بالعوضين و المالكين. و هذا المقدار من الجزم كاف في صحة العقد.

و أجاب عنه صاحب المقابس باعتبار مقارنة الجزم للإنشاء، و لا يجدي تعقبه به، و ذلك لأنّ أدلة الإمضاء- كحلّ البيع و الأمر بالوفاء بالعقود- و إن كانت شاملة لكلّ من العقد المقارن للجزم و للمتعقب به، إلّا أنّها منصرفة إلى العقود الشائعة المتداولة في الخارج، و هي الّتي يتقدم فيها الإيجاب على القبول مثلا، و يكون المنشئ جازما حين الإنشاء. و عليه فلا يبقى دليل على إمضاء العقد الفاقد للجزم حينه و إن تعقّبه، فيحكم ببطلانه، لأصالة الفساد و من المعلوم أنّ الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه، فلا ينقلب العقد الفاسد صحيحا، هذا.

(1) هذا ليس مطلبا آخر، بل الغرض إبهام العقد، و تعقيبه بالتعيين.

(2) تعليل لقوله: «و لا دليل» و قد عرفته آنفا.

(3) أي: عدم تأثير التعيين المتعقب، لأصالة الفساد الجارية في المعاملات.

(4) أي: و بناء على اعتبار التعيين و عدم صحة العقد المبهم، فلو اشترى .. إلخ.

و غرضه تطبيق كبرى ما أفاده على مثال، و هو: أنّ الفضول لو اشترى من زيد كتابا بدينار كلّيّ في ذمة شخص، فإن عيّنه حال العقد بالنية أو بها و بالتلفظ به كأن يقول:

«اشتريت هذا الكتاب بدينار في ذمة عمرو» صحّ العقد مراعى بإجازة عمرو، فإن أجاز تمّ الشراء له، و إن لم يجز بطل. و إن لم يعيّنه بل قال: «اشتريت هذا الكتاب بدينار في ذمة غيري» و لم يقصد شخصا معيّنا بطل، و لا ينتظر وجود مجيز خارجا.

كما لا سبيل لتصحيح العقد بأن يقع الشراء لنفس الفضول، و ذلك لظهور لفظ «غيري» في المنع عن صرف الإطلاق إلى نفسه.

ص: 111

بطل، و لا يوقف (1) إلى أن يوجد له مجيز» إلى أن قال (2): «و إن (3) لم يتوقف تعيّن المالك على التعيين حال العقد، بأن يكون العوضان

______________________________

(1) يعني: و لا يحكم بكون هذا العقد معلّقا على أن يوجد له مجيز حتى تنكشف الحال من أنه يجيز أو يردّ.

(2) يعني: قال المحقق التستري في المقابس.

(3) معطوف على قوله (في ص 104): «ان توقف تعيّن المالك على التعيين حال العقد» و هذا شروع في حكم صورة ثانية، و هي كون العوضين جزئيين خارجيين لا كليّين ذميّين كما كان في الصورة السابقة. كما إذا كان المبيع كتاب المكاسب المتعيّن خارجا، و الثمن دينارا معيّنا أيضا، فقال مالك الكتاب أو وكيله: «بعت هذا الكتاب بهذا الدينار» فهل يلزم تعيين المالكين أم لا؟ فيه وجوه ثلاثة:

الأوّل: لزوم التعيين، إمّا بالتصريح بأن يقول: «بعتك كتابي هذا بدينار» فيعيّن البائع بضمير التكلم، و المشتري بضمير الخطاب. و إمّا بالإطلاق لا بالتصريح، لكفاية الإطلاق- المنصرف إلى المالكين- في مقام الإثبات، فيحكم بوقوع العقد لهما، فيصحّ أن يقول: «بعت كتابي هذا بهذا الدينار».

الثاني: عدم لزوم التعيين بالقصد أو باللفظ، فيكفي كون العوضين الجزئيين- المملوكين لهذين المتعاملين- في وقوع العقد لهما. و لا يقدح في صحة هذه المعاملة و وقوعها للمالكين التصريح بالخلاف، بأن يقول العاقد: «بعت هذا الكتاب- المملوك لزيد- عن عمرو بدينار بكر لخالد» مع أنّ عمروا و خالدا أجنبيان عن العوضين بالمرّة. و على كلّ فالبيع لو صحّ فقد وقع بين المالكين و هما زيد و بكر، و يلغو التصريح باسم عمرو و خالد.

________________________________________

الثالث: التفصيل بين الإطلاق و التصريح بالخلاف، فيصحّ في الأوّل، و يبطل في الثاني. و يظهر مثاله من الوجهين المتقدمين. و لكل واحد من هذه الاحتمالات الثلاثة وجه سيأتي بيانه.

ص: 112

معيّنين (1)، و لا يقع العقد فيهما على وجه يصحّ إلّا لمالكهما، ففي وجوب التعيين أو (2) الإطلاق المنصرف إليه (3)، أو عدمه (4) مطلقا، أو التفصيل (5) بين التصريح بالخلاف (6)، فيبطل، و عدمه (7) فيصح، أوجه (8). أحوطها [أقواها (9)] الأخير (10)،

______________________________

(1) المراد من المعيّن هو الجزئي الخارجي، في قبال الكلي المضاف إلى ذمّة معيّنة.

(2) ظاهر العطف كون الإطلاق احتمالا آخر في مقابل وجوب التعيين، لكنه ليس بمراد، بل المراد التعيين إمّا بالتصريح به، و إمّا بالتعويل على الإطلاق المنصرف إلى المالكين، فقوله: «أو الإطلاق» بيان أحد عدلي الواجب التخييري. و على كلّ فقد تقدم آنفا مثال التعيين و الإطلاق.

(3) الضمير راجع إلى «المعيّن» المستفاد من «التعيين».

(4) بالجر معطوف على «وجوب التعيين» و ضميره راجع إلى الوجوب، و هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني. يعني: أنّ تعيّن المالكين واقعا مغن عن التعيين بالتصريح أو بالإطلاق، بل لا يقدح التصريح بالخلاف.

(5) بالجرّ معطوف على «وجوب التعيين» يعني: التفصيل- في وجوب التعيين- بين التصريح بالخلاف .. إلخ. و هذا إشارة إلى ثالث الاحتمالات.

(6) أي: خلاف ما تقتضيه المعاوضة من كون البيع لمالك المبيع، و الشراء لمالك الثمن، فيبطل مع التصريح بالمنافي.

(7) بالجرّ معطوف على «التصريح» أي: و عدم التصريح بالخلاف، فيصحّ العقد، و يؤخذ بمقتضى إطلاقه، من وقوعه للمالكين.

(8) مبتدأ مؤخر لقوله: «ففي وجوب التعيين ..».

(9) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في المقابس المطبوع «أحوطها».

(10) و هو الصحة مع عدم التصريح بالخلاف، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها.

ص: 113

و أوسطها الوسط (1)، و أشبهها بالقاعدة [للأصول] (2) الأوّل.

و في حكم المعيّن (3) إذا ما عيّن المال بكونه في ذمة زيد مثلا.

______________________________

أمّا المقتضي فهو الإطلاق المنصرف إلى المالكين. و أمّا عدم المانع فلأنّ المانع هو التصريح بما ينافي مقتضى المعاوضة، و المفروض عدمه. بخلاف ما لو صرّح بالمنافي، لوقوع التدافع بين مقتضى المعاوضة و بين المصرّح به، و حيث لا مرجّح لأحدهما فيبطل العقد.

(1) يعني: الصحة مطلقا حتى مع التصريح بالخلاف. و وجه الصحة اقتضاء المعاوضة وقوع العقد لمالكي العوضين. و التصريح بالخلاف لغو لا أثر له، لمنع انصراف العمومات، و هي مقدمة على أصالة الفساد.

(2) كذا في نسخ الكتاب، و الموجود في المقابس ما أثبتناه من قوله: «بالقاعدة» و المراد بالأصول أصالة الفساد و أصالة عدم ترتب الأثر، و عدم حصول النقل و الانتقال، لكن مرجع الجميع واحد، فالأولى ما أثبته في المقابس من قوله:

«بالقاعدة».

و على كلّ فوجه الأشبهية بأصالة الفساد هو انصراف الأدلة الاجتهادية إلى العقود الشائعة المتعارفة، لا النادرة التي تنسب العقود فيها إلى غير المالكين.

(3) يعني: و في حكم العوض المعيّن. و غرضه بيان جريان الاحتمالات الثلاثة- المتقدمة في العوضين الشخصيين- في ما إذا كان العوضان أو أحدهما كليّا في ذمّة شخص معين. كما إذا توكّل عن زيد في بيع كتاب المكاسب- الكلي- بدينار، و عن عمرو في شراء كتاب المكاسب بدينار في ذمته، فيقال: إنّه هل يجب على الوكيل تعيين من يقع له البيع و من يقع له الشراء، بأن يصرّح باسمهما، أو يعوّل على الإطلاق بأن يقول: «بعت كتاب المكاسب بدينار» أم لا يعتبر التعيين أصلا، بل لا يقدح التصريح بالخلاف، أم يفصّل بين الإطلاق و بين التصريح بالخلاف؟

ص: 114

و على الأوسط (1): لو باع (2) مال نفسه عن الغير وقع عنه، و لغا قصد كونه عن الغير.

و لو باع (3) مال زيد عن عمرو،

______________________________

و كيف كان فالكلّي المضاف إلى ذمّة معيّنة صورة ثالثة من صور المسألة، و لكنها متحدة حكما مع العين الشخصيّة، هذا.

(1) هذا متفرع على الاحتمالات الثلاثة في العقد على الأعيان الشخصية أو الكلية المضافة إلى ذمة شخصية كالمنّ من حنطة في ذمة زيد، أو كتاب المكاسب في ذمة عمرو، أو الدينار الكلي في ذمة بكر، و هكذا. و المذكور في المتن فروع أربعة تختلف أحكامها بحسب الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، كما سيظهر.

(2) هذا هو الفرع الأوّل، و هو أن يبيع العاقد مال نفسه بدينار بقصد أن يقع عن الغير، بمعنى دخول الدينار في ملك ذلك الغير، و خروج المال عن ملك العاقد، فبناء على الاحتمال الثاني يصح البيع و يقع لنفسه، و يلغو التصريح بما يخالف مفهوم المعاوضة من دخول العوض في كيس من خرج عنه المعوّض.

و بناء على الاحتمال الأوّل و الأخير يبطل، لفقد تعيين المالك البائع، بل وجود التصريح بالخلاف.

(3) هذا هو الفرع الثاني، بأن يبيع بكر كتاب زيد من خالد بدينار، على أن يدخل الدينار في ملك عمرو الأجنبي عن الكتاب، فبناء على الاحتمال الثاني فصّل صاحب المقابس بين كون العاقد وكيلا عن مالك الكتاب و بين كونه أجنبيا.

فإن كان وكيلا عن زيد في بيع كتابه صحّ البيع عنه، لا عن عمرو، فتؤثّر الوكالة في وقوع البيع لمالك المبيع، و يلغو التصريح بوقوعه عن عمرو.

و إن لم يكن وكيلا عن زيد كان إنشاء العاقد فضوليا، فإن أجاز زيد بيع كتابه صحّ و وقع لنفسه، و إن ردّ بطل البيع. و على كلّ من الوكالة و الفضولية يلغو التصريح بوقوع البيع عن عمرو، لفرض كونه أجنبيا. هذا حكم المسألة بناء

ص: 115

فإن كان وكيلا عن زيد صحّ عنه (1)، و إلّا (2) وقف على إجازته.

و لو اشترى (3) لنفسه بمال في ذمة زيد، فإن لم يكن وكيلا عن زيد وقع عنه (4)، و تعلّق المال بذمّته، لا عن (5) زيد ليقف على إجازته. و إن كان وكيلا

______________________________

على الاحتمال الثاني.

(1) أي: عن زيد، و وجه الصحة انتساب العقد إلى الموكّل بالوكالة.

(2) أي: و إن لم يكن العاقد وكيلا عن زيد وقع البيع مراعى إلى أن يجيز زيد أو يردّ.

(3) هذا هو الفرع الثالث، و هو أن يشتري العاقد لنفسه شيئا بثمن كلّيّ مضاف إلى ذمة زيد، فيقول للبائع: «اشتريت هذا الكتاب لنفسي بدينار في ذمّة زيد» فبناء على الاحتمال الثاني فصّل صاحب المقابس بين كون المشتري وكيلا عن زيد و بين عدم وكالته.

فإن لم يكن وكيلا صحّ البيع لنفسه، و استقرّ الثمن على ذمته، لأنّ التصريح بإضافة الشراء للنفس يلغي وقوع الشراء لزيد، فكأنّه لم يتلفّظ به أصلا، ضرورة عدم العبرة بالتصريح بالخلاف، و عدم وجوب تعيين المالك كما هو فرض الاحتمال الثاني. و لا تصل النوبة إلى احتمال وقوع الشراء فضوليا عن زيد ليتوقف على إجازته أو ردّه.

و إن كان وكيلا عن زيد في شراء الكتاب مثلا احتمل أحد أمور:

الأوّل: بطلان العقد رأسا، و عدم وقوعه لنفسه و لا لموكّله.

الثاني: صحته عن نفسه.

الثالث: صحته عن موكّله، و سيأتي وجه كلّ منها.

(4) أي: عن نفس العاقد، بمقتضى الإضافة إلى النفس.

(5) معطوف على «عنه» أي: لم يقع الشراء لزيد، لانتفاء الاذن المصحّح لإضافة العقد إلى الآذن، مضافا إلى وجود المانع و هو إضافة الشراء إلى النفس.

ص: 116

فالمقتضي (1) لكلّ من العقدين (2) منفردا موجود، و الجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما، و لمّا لم يتعيّن (3) احتمل البطلان، للتدافع. و صحته (4) عن نفسه، لعدم

______________________________

(1) هذا وجه بطلان الشراء رأسا، و هو وجود مقتضيين متدافعين، مع عدم مرجّح لأحدهما على الآخر. أمّا المقتضي لوقوعه عن نفسه فهو اشتراؤه لنفسه، و مقتضى المعاوضة كون الثمن في ذمة نفسه، فيكون الشراء له بعوض في ذمّته. و أمّا المقتضي لوقوعه عن زيد الموكّل له فهو جعل الثمن في ذمة زيد بمقتضى وكالته عنه بالفرض. و مقتضى المعاوضة كون الشراء لزيد.

و الجمع بين المقتضيين متعذر، إذ الكتاب الشخصي إمّا أن يدخل في ملك الوكيل، أو الموكّل. و حينئذ فلا بدّ من إلغاء أحدهما، و لمّا لم يتعيّن ما يلغى منهما- لعدم مرجح له، و من المعلوم امتناع الترجيح بدونه- يقع التدافع بين المقتضيين، و يسقط كلاهما عن التأثير، و هذا معنى البطلان رأسا.

(2) الأولى أن تكون العبارة هكذا: «فالمقتضي لوقوع العقد لكلّ منهما منفردا موجود».

(3) يعني: لم يتعيّن أحدهما الملغى، و وجه عدم تعيّنه انتفاء المرجّح لتعيينه للإلغاء.

(4) بالرفع معطوف على «البطلان» يعني: احتمل صحة العقد عن نفس العاقد، و هو الاحتمال الثاني، في قبال الاحتمال الآتي أعني صحته عن موكّله.

و وجه صحته عن نفسه: عدم تعلّق الوكالة بمثل هذا الشراء، فيقع عن نفسه، إذ الوكالة المتعارفة تقتضي إضافة العقد إلى خصوص الموكّل، و عدم قصد دخول المبيع في ملك الوكيل مع خروج الثمن عن ملك موكّله، فلمّا أضافه العاقد إلى نفسه و إلى غيره انعقد لنفسه، لوجهين: أحدهما: الانصراف، و الآخر: ترجيح جانب الأصالة، و تلغو وكالته حينئذ.

ص: 117

تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء، و ترجيح (1) جانب الأصالة. و عن (2) الموكّل، لتعيّن العوض في ذمة الموكّل. فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعيّن (3).

و لو اشترى (4) عن زيد بشي ء في ذمته فضولا و لم يجز فأجاز عمرو لم يصح عن أحدهما.

و قس (5) على ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب.

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «لعدم» و ظاهره أنّه وجه آخر لإثبات صحة العقد عن الوكيل، إذ الترجيح منوط بشمول الوكالة لمثل هذا العقد حتى يرجّح الوقوع عن النفس على الوقوع عن الموكّل.

و الوجه الأوّل ناظر إلى قصور دليل الوكالة عن شموله لمثل هذا العقد، فلا يبقى إلّا البطلان رأسا، أو الوقوع للنفس، و لمّا كان المقتضي لصحته لنفسه موجودا اتّجه الالتزام به.

(2) معطوف على «عن نفسه» يعني: احتمل صحة البيع عن الموكّل، لتعيّن العوض في ذمته بتصريح الوكيل «في ذمة موكّلي و هو زيد» و قد تقدم أنّ تعيين المال الكلّي في ذمة شخص معيّن يكون بحكم الثمن الشخصي في كون التصريح بخلاف مقتضاه لغوا. و عليه فلا عبرة بإضافة الشراء إلى نفس الوكيل.

(3) يعني: كما في العوض المعيّن، حيث يلغو قصد الشراء أو البيع لغير مالكه.

(4) هذا هو الفرع الرابع، و هو أن يشتري الفضول شيئا بثمن في ذمة زيد، فلم يجز زيد، و أجازه عمرو. فيبطل البيع، و لا يقع لا لزيد و لا لعمرو.

أمّا عدم وقوعه لزيد فلردّه للبيع و رفضه له.

و أمّا عدم وقوعه عن عمرو فلأنّ الفضول لم يقصد جعل الثمن في ذمته حتى تتمشّى منه الإجازة و الردّ، فهو أجنبي عن العقد، و لا عبرة بإجازته.

(5) يعني: تجري الاحتمالات الثلاثة في كلّ ما كان أحد العوضين فيه كلّيا،

ص: 118

و لا فرق (1) على الأوسط في الأحكام المذكورة بين النيّة المخالفة (2) و التسمية (3) و يفرق بينهما (4) على الأخير. و يبطل الجميع (5) على الأوّل» «1» انتهى كلامه.

______________________________

و عيّنه العاقد، لكن صرّح بما يخالفه. و تجري في غير البيع أيضا، كالوكيل في إيجار دار لزيد بأجرة معيّنة في ذمته، ثم جعل المنفعة لنفسه أو لشخص آخر غير زيد.

و التخريج سهل بعد وضوح الضابطة.

(1) غرض صاحب المقابس قدّس سرّه من هذه الجملة أنّ أحكام الفروع الأربعة المتقدمة لا تختلف بناء على تسليم الاحتمال الثاني- و هو عدم وجوب تعيين المالكين عند كون العوضين جزئيين أو كليين في ذمة معيّنين- سواء نوى العاقد وقوع البيع لغير المالكين أم لا، و سواء تلفّظ بما نواه أم لم يتلفّظ به.

و أمّا بناء على الاحتمال الثالث- و هو قدح التصريح بالخلاف- فيلزم التفصيل بين نيّة وقوع العقد لغير المالك فيصح، و بين التلفظ بوقوعه للغير، فيبطل، لمانعية التصريح عن الصحة.

و أمّا بناء على الاحتمال الأوّل- و هو وجوب التعيين- فلا فرق في البطلان بين قصد غير المالك و بين التلفظ به، لاختلال شرط الصحة بكلّ من النية و القول.

هذه جملة من كلام صاحب المقابس في مسألة تعيين المالكين. و سيأتي كلام آخر منه في معرفة كل من المتعاقدين للآخر حتى يخاطبه بكاف الخطاب.

(2) بأن يقصد بيع كتاب زيد عن عمرو بدينار، و لكنّه لم يتلفظ به حين الإنشاء.

(3) بأن يتلفظ بما نواه.

(4) أي: بين النية المخالفة و التسمية.

(5) لصدق عدم التعيين في جميع الفروع الأربعة، فيبطل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 13.

ص: 119

[المناقشة في ما أفاده صاحب المقابس]

أقول: (1) مقتضى المعاوضة و المبادلة دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر، و إلّا لم يكن كل منهما عوضا و بدلا.

______________________________

المناقشة في ما أفاده صاحب المقابس

(1) ناقش المصنف قدّس سرّه في ما تقدم من كلام صاحب المقابس بوجهين، أحدهما ناظر إلى الخدشة في لزوم التعيين في المبيع الكلي، و الآخر إلى المناقشة في الشخصي.

توضيح الوجه الأوّل: أنّ البيع «مبادلة مال بمال» و من المعلوم تقوّم مفهوم المعاوضة بقصد خروج المبيع عن ملك البائع إلى ملك المشتري، و خروج الثمن من كيس المشتري إلى ملك البائع. و إلّا فلو قصد مالك المبيع تمليك ماله لزيد، و قصد المشتري تمليك ماله لشخص آخر غير البائع، لم تتحقق المعاوضة بين المالين، بل تحقّق تمليكان مجّانيان، و هذا أجنبيّ عن البيع. و عليه فمجرد قصد المعاوضة بين المالين كاف في صدق العنوان، و لا يلزم إسناد البيع إلى مالكي العوضين. و هذا واضح في بيع الأعيان الشخصية.

و أمّا في الأعيان الكلّية فتعيين المالكين و إن كان مسلّما، إلّا أنّه ليس شرطا مستقلّا زائدا على الشروط المتعارفة، بل لأجل توقف صدق «المبادلة بين مالين» على إضافة الكلّي إلى ذمة معيّنة، فإنّ العقلاء لا يعتبرون منّا من الحنطة الكلّية مالا ما لم يضف إلى ذمة معيّنة معتبرة تتمكّن من تسليمها إلى المشتري. و كذا الحال في الثمن الكلّي كالدينار.

و عليه فتعيين المالكين و قصد وقوع البيع لهما- أو التلفظ بما يقصده- مقوّم لمفهوم المعاوضة و المعاملة، إذ الإنشاء على الكليّ غير المضاف إلى ذمة معلومة ملحق عرفا بالهزل، و ليس موضوعا للأثر، كما إذا قال: «بعت عبدا بألف دينار» مع عدم قصده مالكي العبد و الدينار.

و الحاصل: أنّ ما يظهر من عبارة المقابس من جعل تعيين المالكين- في بيع الكلّيّات- شرطا مستقلّا في قبال سائر ما يعتبر في مفهوم المعاوضة، لا يخلو من شي ء.

ص: 120

و على هذا (1) فالقصد إلى العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك. إلّا أنّ ملكية العوض و ترتب آثار الملك عليه قد يتوقف على تعيين المالك (2)، فإنّ من الأعواض ما يكون متشخّصا بنفسه في الخارج كالأعيان (3). و منها ما لا يتشخّص إلّا بإضافته إلى مالك كما في الذمم (4)، لأنّ ملكية الكلّي لا يكون إلّا مضافا إلى ذمة (5). و إجراء (6) أحكام الملك على ما في ذمة الواحد المردّد بين شخصين فصاعدا غير معهود. فتعيّن الشخص في الكلّي إنّما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم على تعيين صاحب الذمة (7).

فصحّ على ما ذكرنا (8) أن تعيين المالك مطلقا غير معتبر

______________________________

(1) أي: و على كون مقتضى المعاوضة دخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر.

(2) الأولى أن يقول: «على إضافة العوض إلى شخص معيّن» في قبال: عدم إضافته إلى أحد، و في قبال إضافته إلى شخص غير معيّن، حيث إنّ صاحب الذمة ليس مالكا لما في ذمّته و إن كان يصحّ تمليكه إيّاه لغيره.

(3) يعني: الأعيان الشخصية الخارجية، كهذا الكتاب و ذلك الفرس، و كل ما هو متشخص موجود.

(4) تقدمت أمثلته مكررا في شرح كلمات صاحب المقابس قدّس سرّه.

(5) فليس منّ من الحنطة ملكا لزيد إلّا بإضافته إليه، فيبيعه سلفا قبل الحصاد.

(6) بالرفع مبتدأ، و خبره «غير معهود» و غرضه أنّ تعيين مالك الكلّي الذمي إنّما هو لعدم اعتبار العقلاء ملكية الكلّي إذا تردّد مالكه بين زيد و عمرو و بكر مثلا.

و لعلّ عدم اعتبارهم لأجل أنّه لا ماهية و لا هويّة للمردّد، كما هو واضح.

(7) لا لأجل تعبّد خاص وراء تقوّم مفهوم المعاوضة به.

(8) من عدم اعتبار تعيين المالك- من حيث إنّه مالك- في صحة العقد، و إنّما الحاجة إلى تعيينه لكون الكلّي بدون إضافته إلى شخص لا يقبل المعاوضة.

ص: 121

سواء (1) في العوض المعيّن أو في الكلي. و أنّ (2) اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشقّ الأوّل (3) من تفصيله إنّما هو لتصحيح ملكيّة العوض بتعيين من يضاف الملك إليه، لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكا، فإنّ من اشترى لغيره في الذمة إذا لم يعيّن الغير لم يكن الثمن ملكا، لأنّ ما في الذمة ما لم يضف إلى شخص معيّن لم يترتب عليه أحكام المال من جعله ثمنا أو مثمنا.

و كذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين، فإنّه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال: «بعت عبدا بألف» ثم قال: «قبلت» فلا يصير العبد قابلا للبيع، و لا الألف قابلا للاشتراء به حتّى يسند كلّا منهما إلى معيّن أو إلى نفسه من حيث إنّه نائب عن ذلك المعيّن، فيقول: «بعت عبدا من مال فلان بألف من مال فلان» فيمتاز البائع عن المشتري.

و أمّا ما ذكره من الوجوه الثلاثة (4) فيما إذا كان العوضان معيّنين

______________________________

(1) هذا بيان لقوله: «مطلقا».

(2) معطوف على قوله: «ان تعيين المالك».

(3) المراد به ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه بقوله: «إنّه إن توقّف تعين المالك على التعيين حال العقد .. إلخ». و مورده كليّة العوضين، و المراد من الأمثلة ما ذكره بقوله:

«كبيع الوكيل إلى قوله في بيوع متعددة»، و ما ذكره بقوله أخيرا: «و على هذا فلو اشترى الفضوليّ لغيره في الذمّة ..».

(4) من قول صاحب المقابس: «ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه، أو عدمه مطلقا أو التفصيل .. إلخ» و هذا شروع في الوجه الثاني من المناقشة في كلام المحقق التستري قدّس سرّه، و هو ناظر إلى ما أفاده في الشق الثاني أعني به تعيّن العوضين خارجا.

و ملخص إيراده على صاحب المقابس هو: أنّه مع تعيّن العوضين في الخارج

ص: 122

فالمقصود (1) إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت أنّ من لوازمها العقلية دخول العوض في ملك مالك المعوّض- تحقيقا (2) لمفهوم العوضية و البدلية- فلا (3) حاجة إلى تعيين من ينقل عنهما و إليهما العوضان.

و إذا لم يقصد (4) المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد، فإن (5) جعل العوض من عين مال غير المخاطب الّذي ملّكه المعوّض، فقال: «ملّكتك فرسي هذا بحمار

______________________________

إن قصدت المعاوضة الحقيقية التي تستلزم عقلا دخول العوض في ملك مالك المعوّض، فلا حاجة حينئذ إلى تعيين مالكي العوضين، لتعينهما بتعيّن العوض و المعوض. و إن قصدت المعاوضة الصورية فلا ينعقد البيع أصلا. فلا مورد لتثليث الوجوه في صورة تعيّن العوضين خارجا، لأنّه مع قصد المعاوضة الحقيقية- التي لازمها دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر- فقد عيّن المالكان قهرا بالملازمة. و معه لا معنى للترديد بين الوجوه الثلاثة. و مع عدم قصد المعاوضة الحقيقيّة فالوجوه كلها باطلة، و معه أيضا لا معنى للترديد بينها.

(1) جواب قوله: «و أما» و الأولى تبديله ب «ففيه» ليكون أظهر في الإيراد.

(2) متعلق ب «دخول العوض».

(3) جواب قوله: «إذا كان» و قد تقدم توضيحه آنفا.

(4) معطوف على «إذا كان» و هو شقّ آخر من المنفصلة، أي: عدم قصد حقيقة المعاوضة، و أنّه لا فائدة في تعيين البائع و المشتري حينئذ.

(5) الظاهر أنّه متفرّع على قصد المعاوضة الحقيقية، و حاصله: أنّه إذا قصد المعاوضة الحقيقية- و لكن جعل العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملّكه المعوّض- لم يقع البيع لخصوص المخاطب، لعدم تحقق مفهوم المعاوضة الحقيقية بالنسبة إليه. و أمّا وقوع البيع فضوليا لعمرو ففيه كلام يأتي في بيع الغاصب، و هو: أنّ المجاز غير المنشأ، و المنشأ غير المجاز.

ص: 123

عمرو» فقال المخاطب: «قبلت» لم يقع (1) البيع لخصوص المخاطب، لعدم مفهوم المعاوضة معه. و في وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام (2) يأتي (3).

و أمّا ما ذكره من مثال «من باع مال نفسه عن غيره» (4) فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره. و الظاهر (5) وقوعه عن البائع، و لغوية قصده عن الغير، لأنّه أمر غير معقول (6) لا يتحقق القصد إليه حقيقة.

______________________________

(1) جواب قوله: «فان جعل».

(2) مبتدأ مؤخّر، خبره قوله: «و في وقوعه».

(3) سيأتي هذا البحث في المسألة الثالثة من بيع الفضولي بقوله: «و لكن يشكل في ما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير .. فلا مورد لإجازة مالك الدراهم .. إلخ».

(4) و هو ما ذكره صاحب المقابس- في التفريع على الاحتمال الثاني- بقوله:

«و على الأوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه، و لغا قصد كونه عن الغير» و المصنف قدّس سرّه و إن كان موافقا له في حكم المسألة أعني وقوع البيع لنفس العاقد، و لغوية التصريح بوقوعه عن الغير. إلّا أنّ الظاهر اعتماد صاحب المقابس على مقام الإثبات، و هو الأخذ بأصالة الظهور في «بعت» في إرادة البيع لنفسه. و المصنف يعتمد على مقام الثبوت، و هو أن قصد المعاوضة الحقيقية يوجب عدم قصد وقوعها عن الغير، لتوقف المعاوضة الحقيقية على قصد خروج المبيع من ملك البائع إلى ملك المشتري، و حلول الثمن محلّه، فلا يعقل القصد الجدّي لدخول الثمن في ملك الغير.

و بهذا ظهر أن المانع الثبوتي- أي عدم المعقولية- هو الموجب لوقوع البيع عن نفس العاقد، و لا تصل النوبة إلى مقام الإثبات حتى يحكم بوقوعه له رعاية لجانب الأصالة.

(5) لأصالة الظهور في قوله: «بعت مالي» لظهوره في المعاوضة الحقيقية، و هي الوقوع للبائع المالك للمبيع.

(6) لأنه خلاف مقتضى المعاوضة.

ص: 124

و هو (1) معنى لغويته.

و لذا (2) لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته كما سيجي ء (3) و لا يقع عن نفسه أبدا.

نعم (4) لو ملّكه فأجاز قيل: بوقوعه له، لكن (5) لا من حيث إيقاعه أوّلا لنفسه، فإن (6) القائل به لا يفرّق

______________________________

(1) يعني: و عدم تحقق القصد إليه هو معنى لغويّته.

(2) يعني: و لأجل عدم المعقولية لو باع مال غيره عن نفسه- كقوله: بعتك كتاب زيد عن نفسي بدينار بأن يدخل الثمن في ملك العاقد- وقع للغير إن أجاز، تحقيقا لمعنى المعاوضة، و لا وجه لوقوعه عن نفسه، لاقتضاء المبادلة دخول الثمن في ملك مالك المبيع، و بالعكس، فيلغو قصد وقوعه عن العاقد.

(3) يعني: في المسألة الثالثة من بيع الفضولي، و هي بيع الفضولي لنفسه.

(4) غرضه الاستدراك على قوله: «و لا يقع عن نفسه أبدا» ببيان صورة أخرى يلتزم فيها بدخول الثمن في ملك نفسه، كما لو باع كتاب زيد لنفسه بدينار، ثم تملّك الكتاب من زيد بشراء أو بهبة أو بإرث، ثم أجاز ذلك البيع الفضول، فقد قيل بصحة هذا البيع الفضولي بعد الإجازة، و دخول الثمن في ملك العاقد. لكن هذا القول لا ينافي ما تقدم من اقتضاء مفهوم المعاوضة دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

وجه عدم المنافاة: أنّ تملكه للثمن في المثال المزبور لا يستند إلى إيقاع ذلك البيع الفضولي لنفسه، بل لكونه من قبيل «من باع شيئا ثم ملكه» إذ القائل بالصحة بعد تملّك مال الغير لا يفرّق بين المثالين، و هما: بيع مال الغير عن نفسه فضولا، و بين بيعه عن مالكه فضولا. و عدم الفرق كاشف عن لغوية قصد وقوع البيع عن نفسه. بل يقع عن مالكه، و بعد تملكه منه و إجازته يدخل الثمن في ملك العاقد.

(5) هذا توجيه الاستدراك، و قد ذكرناه بقولنا: «لكن هذا القول لا ينافي ..».

(6) تعليل لقوله: «لا من حيث» يعني: أنّ قصد وقوع بيع الغير عن نفسه لغو

ص: 125

حينئذ (1) بين بيعه (2) عن نفسه أو عن مالكه. فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما، و وجوده كعدمه (3).

إلّا (4) أن يقال: إنّ وقوع بيع مال نفسه لغيره إنّما لا يعقل إذا فرض

______________________________

على كلّ حال، و ذلك لأنّ القائل بالوقوع لنفسه يقول به سواء قصد العاقد وقوعه لنفسه أم لمالك المبيع.

(1) أي: حين القول بصحته.

(2) أي: بيع مال الغير.

(3) إذ لو كان هذا القصد مؤثّرا لزم الفرق بين قصد وقوعه لنفسه و للمالك، بأن يقال: إنّه عند قصد وقوعه لنفسه يقع له، و لا حاجة إلى الإجازة بعد تملكه للمبيع، لفرض وقوع البيع له. بخلاف ما لو أضافه إلى المالك، فإنّه يقع عنه، و لذا يتوقف على إجازة العاقد بعد تملكه للمبيع. و عليه فالحاجة إلى الإجازة في كلا الفرضين دليل على لغوية قصد وقوعه لنفسه، و أنّه يقع لمالك المبيع خاصة.

(4) استدراك على ما ذكره في الفرع الأوّل من قوله: «من باع مال نفسه عن غيره .. و الظاهر وقوعه عن البائع» و حاصله: أنّه لمّا كان بيع مال نفسه ظاهرا في إرادة المعاوضة الحقيقية- بأن يقع لنفسه- أمكن رفع اليد عن هذا الظاهر عند إتيانه بكلمة «بعت كتابي عن زيد بدينار» و يقال بالبطلان بأحد احتمالين:

الأوّل: عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، و أنّه لا يقع البيع للعاقد كما لا يقع عن زيد، فهو إنشاء لغو، فهو غير قاصد من حين الإنشاء للمبادلة بين كتابه و الدينار، لكنّه يتشبّث بقرينة مانعة عن إضافة البيع إلى نفسه، و هي إضافته إلى زيد. و حينئذ لا وجه لما أفاده المصنف بقوله: «و الظاهر وقوعه عن البائع» وفاقا لصاحب المقابس.

الاحتمال الثاني: أن يستند البطلان إلى عدم قصد المعاوضة الحقيقية، بأن يقصدها على وجه التنزيل و الادّعاء، يعني: أنّ المالك عند ما يقول: «بعت كتابي عن زيد بدينار» يدّعي مالكية زيد للكتاب تنزيلا له منزلة نفسه، ثم ينشئ البيع،

ص: 126

قصده للمعاوضة الحقيقية، لم لا يجعل هذا (1) قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية؟ (2) أو على (3) تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع؟

كما سيأتي أن (4) المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصوّر إلّا على هذا الوجه (5)،

______________________________

فيستند البطلان إلى انتفاء ركن العقد، و هو إضافة العوض إلى غير مالكه، و به تنتفي إرادة حقيقة المعاوضة.

و الحاصل: أنّه بناء على كلا الاحتمالين يحكم بفساد هذا البيع، و لا يصح ما تقدم من الجزم بوقوعه للبائع المالك، و لغوية قصد وقوعه عن الغير.

نعم سيأتي إبطال الاحتمال الثاني، و تقوية وقوعه عن المالك، فانتظر.

(1) المشار إليه هو إضافة البيع إلى الغير ليقع عنه. و هذا إشارة إلى أوّل الاحتمالين المتقدمين في بطلان هذا الإنشاء.

(2) و من المعلوم أنّه لا بيع عند انتفاء قصد المبادلة الحقيقية، فلا يقع لا عن نفسه و لا عن غيره. و قوله: «المبادلة» مفعول لقوله: «إرادته».

(3) معطوف على «على عدم» يعني: لم لا يجعل إضافة البيع إلى الغير قرينة على تنزيل ذلك الغير منزلة المالك ادّعاء، و إن لم يكن مالكا واقعا؟ و هذا ثاني الاحتمالين المتقدمين آنفا.

(4) سيأتي في المسألة الثالثة من بيع الفضولي- و هي بيع الغاصب لنفسه- التنبيه عليه غير مرّة، فقال في بعض كلامه: «فالأنسب في التفصّي أن يقال: ان نسبة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه من قوله: تملكت منك .. ليس من حيث هو، بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا، و لذا لو عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته، ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة .. إلخ» فراجع (ص 581).

(5) أي: على وجه التنزيل منزلة المالك الحقيقي، و ادّعاء كون نفسه هو ذاك.

و لا يخفى أنّ ما أفاده في بيع الفضول ناظر إلى بيع مال الغير عن نفسه، بفرض

ص: 127

و حينئذ (1) فيحكم ببطلان المعاملة، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي.

و من هنا (2) ذكر العلامة و غيره في عكس المثال المذكور: «أنّه لو قال

______________________________

نفسه مالكا حقيقيا، و هذا عكس ما نحن فيه، و هو بيع مال نفسه عن غيره، و يشترك الأصل و العكس في تنزيل غير المالك منزلة المالك.

(1) أي: و حين كون قصد وقوع البيع عن غير المالك قرينة على انتفاء إرادة المعاوضة الحقيقية- بأحد الوجهين المتقدمين- يحكم ببطلان المعاملة، لا بوقوعها عن المالك.

(2) أي: و من عدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي في بيع مال نفسه عن الغير، حكم العلّامة و غيره كالشهيد قدّس سرّهما .. إلخ. قال في رهن القواعد: «و لو قال:

بعه لنفسك، بطل الإذن، لأنّه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه». و قال في الدروس:

«و لو قال: الراهن للمرتهن: بعه لنفسك لم يصح البيع، لأنّ غير المالك لا يبيع لنفسه» «1».

و ظاهره الإذن في البيع بعد تحقق العقد، لا باشتراطه في ضمن العقد.

و كيف كان فغرض المصنف تأييد بطلان العقد المزبور بما ذكره جمع في فرعين:

أحدهما: أن يقول الراهن للمرتهن: «بع هذه الوثيقة لنفسك» فباعها المرتهن.

و حكموا ببطلانه، و هو من موارد بيع مال الغير لنفس العاقد، لبقاء الرّهن على ملك الرّاهن بعد، و إذنه في البيع غير مصحّح له.

ثانيهما: أن يدفع شخص مالا إلى طالب طعام، و يقول له: «اشتر به لنفسك طعاما» فيبطل، لأنّ الثمن بعد باق على ملك الدافع، فلا يتمشّى من المشتري قصد حقيقة المعاوضة، لأنّه المنتفع بالطعام، لا دافع الثمن.

______________________________

(1) لاحظ قواعد الأحكام، ج 2، ص 127، الدروس الشرعية، ج 3، ص 409.

ص: 128

المالك للمرتهن: «بعه لنفسك» بطل، و كذا لو دفع مالا إلى من يطلب [يطلبه] (1) الطعام و قال: «اشتر به لنفسك طعاما» «1» هذا.

و لكن (2) الأقوى صحة المعاملة المذكورة، و لغوية القصد المذكور، لأنّه (3) راجع إلى إرادة إرجاع فائدة البيع إلى الغير، لا جعله (4) أحد ركني المعاوضة (5).

و أمّا حكمهم (6) ببطلان البيع في مثال الرهن و اشتراء الطعام فمرادهم

______________________________

و هذان المثالان عكس ما نحن فيه، و هو بيع مال نفسه عن الغير. لكن مناط البطلان في الجميع واحد، و هو انتفاء القصد الجدّي للمعاوضة مع المالك الحقيقي.

و سيأتي توجيه حكمهم في الكل.

(1) كذا في النسخ، و الظاهر صحة ما أثبتناه، بحذف الضمير.

(2) هذا عدول عن قوله: «و حينئذ فيحكم ببطلان المعاملة» و غرضه تثبيت ما أفاده أوّلا- جازما به- من قوله: «و الظاهر وقوعه عن البائع، و لغوية قصده عن الغير» و توضيحه: أنّ القائل: «بعت كتابي عن زيد» إن قصد حقيقة المعاوضة بأن يدخل الثمن في ملك زيد و يخرج الكتاب عن ملك نفسه كان البطلان مسلّما. و أمّا إذا قصد إضافة البيع إلى نفسه، و كان إضافته إلى زيد لأجل حصوله على فائدة المعاملة بأن يدخل الدينار في ملكه بهبة و نحوها لا بنفس هذا البيع، قلنا بصحته و وقوعه للمالك، و دخول الثمن في ملكه، و لو أراد تمليكه من زيد توقّف على مملّك آخر غير ذلك البيع.

(3) أي: لأنّ القصد المذكور- و هو الوقوع عن الغير- راجع إلى جعل فائدة البيع له.

(4) بالجر، معطوف على «إرادة».

(5) حتى تبطل من جهة إضافة المال إلى غير مالكه.

(6) كأنّه يتوهّم أنّ حكم العلّامة و غيره ببطلان البيع- في مثال الرهن و اشتراء الطعام- ينافي صحة البيع و لغويّة قصد الغير.

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ج 2، ص 87، الدروس الشرعية، ج 3، ص 211.

ص: 129

عدم وقوعه للمخاطب (1)، لا أنّ المخاطب إذا قال: «بعته لنفسي (2) أو اشتريته لنفسي (3)» لم يقع لمالكه إذا أجازه.

و بالجملة (4): فحكمهم بصحة بيع الفضولي و شرائه لنفسه و وقوعه للمالك يدلّ (5) على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك.

ثم إنّ ما ذكرنا كله (6) حكم وجوب تعيين كلّ من البائع و المشتري من يبيع له و يشتري له.

______________________________

و دفع هذا التوهّم بقوله: «فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب .. إلخ». و حاصله:

أنّ مرادهم بالبطلان عدم وقوعه للمخاطب، لا مطلقا و لو للمالك.

و لا يخفى أنه قد سبق في رابع تنبيهات المعاطاة توجيه مسألة شراء الطعام بمال الدافع، و كيفية تملك المشتري له، فراجع «1».

(1) فلا مانع من وقوعه للمالك، كالراهن و الدافع للمال في المثالين المزبورين.

(2) في مسألة بيع الرهن.

(3) في مسألة شراء الطعام.

(4) غرضه تأييد ما أفاده- من عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك في البطلان- بحكمهم في الفضولي بصحة البيع، و شرائه لنفسه، و وقوعه للمالك.

(5) خبر قوله: فحكمهم.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل مما حقّقه صاحب المقابس، و ما ناقش فيه المصنّف، و هو اشتراط البيع بتعيين مالكي العوضين. بأن يقصد الموجب من ينتقل عنه المبيع، و أن يقصد القابل من ينتقل إليه المبيع، و يخرج الثمن من ملكه. و قد فصّل المصنف قدّس سرّه بين العوض الكلّي و الشخصي. و يأتي الكلام في المقام الثاني.

(6) من قوله: «و اعلم أنه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه» إلى هنا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 104- 105.

ص: 130

[هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري، و القابل للبائع أم لا؟]
اشارة

و أمّا تعيين الموجب لخصوص المشتري (1)

______________________________

هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري، و القابل للبائع أم لا؟

(1) غرضه تعيين كلّ من البائع و المشتري للآخر في مقام الإثبات، بمعنى علم الموجب بأنّ القابل يقبل لنفسه أو لغيره. و كذا علم القابل بأنّ الموجب يوجب لنفسه، أو لغيره مع معرفة ذلك الغير في كلا الموردين.

و هذا المقام يتكفل موضعين من البحث.

الأوّل: علم كل من المتعاقدين بالآخر. مثلا: إذا قال زيد للمشتري: «بعتك هذا الكتاب بدينار» فهل يعتبر في صحة البيع معرفة مخاطبة، و أنّ المشتري هو عمرو لا بكر و خالد، لاحتمال أن يشتري عمرو لنفسه، أو لغيره وكالة أو فضولا؟

أم لا يعتبر ذلك.

و هل يعتبر معرفة المشتري بأنّ مالك الكتاب المريد لبيعه هو زيد المباشر للعقد، أم أنّ البائع الحقيقي هو موكّل زيد، أو من يبيع له زيد فضولا، لاحتمال أن يبيع مال نفسه و غيره، أم لا يعتبر ذلك؟ في المسألة احتمالان:

أحدهما: اعتبار تعيين كل من المتعاقدين للآخر مطلقا، إلّا مع العلم بعدم إرادة خصوص المخاطب، كما لعلّه حال غالب البيوع، حيث لا يهمّ البائع إلّا أصل المعاوضة، و أمّا كون المشتري خصوص المخاطب بقوله: «بعتك» أو موكّله أو من يلي أمره، فليس بمهمّ، فالمخاطب بنظر البائع الموجب هو الأعم من المشتري الحقيقي و الجعلي.

ثانيهما: عدم الاعتبار مطلقا إلّا في مثل عقد النكاح، حيث إنّ لكلّ من الزوجين عناية خاصة بالآخر، فلو قالت هند لزيد: «زوّجتك نفسي بكذا» لم تقصد موكّل زيد أو الصغير الذي لزيد ولاية عليه.

و ذهب صاحب المقابس إلى اعتبار التعيين في النكاح، و عدم اعتباره في البيع و نحوه، و سيأتي كلامه.

ص: 131

المخاطب و القابل لخصوص البائع، فيحتمل اعتباره (1)، إلّا في ما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكلّ من المتخاطبين، كما في غالب البيوع و الإجارات (2). فحينئذ (3) يراد من ضمير المخاطب في قوله: «ملكتك كذا أو منفعة كذا بكذا» هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا حقيقيّا أو جعليّا، كالمشتري الغاصب، أو من (4) هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية.

______________________________

الموضع الثاني: في أنّه بعد علم الموجب أنّ القابل يقبل عن غيره ولاية أو وكالة هل يجوز له مخاطبته له، بأن يقول: «بعتك هذا بكذا» أم يلزمه إضافة «كاف» الخطاب إلى الموكّل أو المولّى عليه، بأن يقول: «بعت هذا من موكّلك أو من زيد الذي تلي أمره»؟ و سيتضح الأمر في كلا الموضعين إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا أحد الاحتمالين، و قد تقدم آنفا.

(2) الأمر في غالب البيوع واضح كما أفاده قدّس سرّه. و كذا الحال في غالب الإجارات، لتعلّق غرض المؤجر- في إجارة الأعيان كالدور و الدكاكين و النواقل- بتمليك المنفعة بعوض، مهما كان المستأجر. كما أنّ همّ المستأجر استيفاء المنفعة سواء أ كانت العين لزيد أم لعمرو. و كذا الحال في إجارة الأعمال.

نعم قد يتعلق الغرض- نادرا- بإجارة العين من مستأجر خاص، أو استيجار العين من مالك خاص، و ذاك مقام آخر.

و على كلّ فالغلبة المزبورة قرينة نوعيّة مانعة عن انعقاد الظهور في إرادة شخص المخاطب بخصوصيته.

(3) أي: فحين عدم إرادة خصوص المخاطب.

(4) هذا و الوكيل و الولي مثال للمالك الجعلي. أمّا الغاصب الذي يشتري لنفسه بمال الغير فلانّه يعتبر نفسه مالكا حقيقيا. و أمّا الوكيل فأدلة الإذن تصحّح تنزيل نفسه منزلة الموكّل. و أمّا الولي فدليل ولايته على القاصر ينزّله منزلة المولّى عليه في ما يصلح له.

ص: 132

و يحتمل (1) عدم اعتباره إلّا في ما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين كما في النكاح و الوقف الخاص و الهبة و الوكالة و الوصية (2).

الأقوى هو الأوّل (3) عملا بظاهر الكلام الدال على قصد الخصوصية، و تبعية العقود للقصود.

و على فرض القول الثاني (4) فلو صرّح بإرادة خصوص المخاطب اتّبع قصده،

______________________________

(1) معطوف على «فيحتمل» و قد تقدم توضيحه آنفا.

(2) لما يقال من أنّ الموقوف عليه الخاص و المتهب و الوكيل و الوصي ركن في هذه العقود، بحيث يكون للواقف و الواهب و الموكّل و الموصى عناية خاصة بهم.

(3) و هو الاعتبار، إلّا مع العلم بعدم إرادة خصوص المخاطب، فإنّ العلم بذلك قرينة على عدم إرادة ظاهر كاف الخطاب في قوله: «بعتك» حيث إنّ ظاهره خصوص المخاطب، و هذا الظاهر حجة ما لم تقم قرينة على خلافه من إرادة الأعم منه و من وكيله مثلا.

و أمّا مع عدم العلم بإرادة الأعم من المخاطب و من وكيله مثلا فلا بدّ من رعاية ظاهر الخطاب المقتضي لوقوعه للمخاطب، فلو قبل لموكّله مثلا لم يحصل التطابق بين الإيجاب و القبول بالنسبة إلى بعض الخصوصيات، و تنثلم قاعدة «تبعية العقود للقصود» إذ كان قصد الموجب وقوع العقد لهذا المخاطب الحقيقي لا للأعم، فقبوله للأعم ليس مطاوعة لذلك الإيجاب و لا مطابقا له.

(4) و هو عدم الاعتبار إلّا مع العلم بدخل خصوصية الطرفين كما في النكاح و شبهه، و الأولى تبديل «القول الثاني» ب «الاحتمال الثاني» و إن كان القائل به موجودا أيضا، لعدم سبق ذكر القولين.

و كيف كان فبناء على اعتبار رعاية ظاهر الخطاب لا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره، لإباء «كاف» الخطاب عن الرجوع إلى الغير، و المفروض دخل خصوصية المخاطب في إيجاب العقد، فلو قصد القابل غيره لم يكن قبولا لذلك الإيجاب.

ص: 133

فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره (1).

قال في التذكرة: «لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر فإشكال (2)، ينشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد» «1».

و هذا الاشكال و إن كان ضعيفا مخالفا للإجماع (3) و السيرة،

______________________________

(1) غرضه من نقل كلام العلامة قدّس سرّه الاستشهاد به على عدم جواز القبول عن الغير لو كان مقصود الموجب وقوع العقد لخصوص القابل المخاطب بضمير الخطاب.

و وجه الشهادة: أنّ العلامة استشكل في صحة بيع الفضولي بإجازة المالك عند جهل الطرف الآخر بفضولية العقد، إذ يقصد الأصيل حينئذ بقوله: «بعتك بكذا» تمليك هذا المخاطب، لا المالك الواقعي للثمن، فإذا انكشف الحال انتفت المطابقة بين الإيجاب و القبول، لكون قصد الموجب تمليك المبيع لهذا القابل و تملّك الثمن منه، فقبول الفضول تملّك المبيع لغيره- و هو المجيز- غير مقصود للموجب، فلم يحصل التطابق بينهما في الخصوصيات.

و هذا الإشكال مبنيّ على اعتبار تعيين الموجب و القابل، و مراعاة ظاهر الكلام.

لكن ضعّفه المصنف قدّس سرّه بعدم لزوم مخالفة- في المقام- لكبرى وجوب التعيين.

و أنّ الإيجاب و القبول متواردان على شي ء واحد، و بيانه: أنّ البائع الأصيل الجاهل بفضولية القابل إنّما يخاطبه بقوله: «بعتك» زعما منه مالكيته للثمن، لا لخصوصية في شخص القابل، لما سبق آنفا من بناء العقود المعاوضية غالبا على مبادلة الأموال، و لا غرض في معرفة الأشخاص.

و عليه فلمّا كان قصد الموجب تمليك المبيع لمن يملك الثمن واقعا لم يكن توجيه الخطاب إلى الفضول منافيا لوقوع البيع للمالك المجيز.

(2) مبتدء، خبره «فيه» مقدّرا، و الجملة جواب «لو باع ..».

(3) القائم على صحة هذا البيع لو أجاز المالك. و تفصيله موكول إلى بحث بيع الفضول.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، السطر 12.

ص: 134

إلّا أنّه (1) مبنيّ على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام.

[التفصيل في اعتبار تعيين الموجب و القابل بين مثل البيع و النكاح]

و قد يقال في الفرق (2) بين البيع و شبهه و بين النكاح: «إنّ (3) الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود، و يختلف الأغراض باختلافهما، فلا بدّ من التعيين، و توارد الإيجاب و القبول على أمر واحد. و لأنّ (4) معنى قوله: بعتك كذا

______________________________

(1) أي: إلّا أنّ الاشكال مبني على اعتبار مراعاة ظاهر الكلام من وقوع الشراء للمخاطب، لا للمالك المجيز.

التفصيل في اعتبار تعيين الموجب و القابل بين مثل البيع و النكاح

(2) أي: الفرق بين النكاح في اعتبار تعيين الزوجين، و بين البيع في عدم لزوم تعيين البائع و المشتري. و هذا الفارق وجهان أفادهما المحقق التستري قدّس سرّه.

الأوّل: أنّ الدليل على اعتبار تعيين الزوجين هو كونهما ركنا في العقد، كالعوضين في البيع و شبهه، فكما يقدح الجهل بخصوصية العوضين في الصحة، فكذا يقدح الجهل بخصوصية الزوجين، فيلزم على كل منهما تعيين الآخر ليتوارد الإيجاب و القبول على أمر واحد، و هو العلقة الخاصة بين شخصين، فلو قالت المرأة: «زوّجت نفسي من موكّلك زيد» و قال وكيل الزوج: «قبلت التزويج لنفسي» لم يتواردا على أمر وحداني، بل كانا كإيقاعين لم يرتبط أحدهما بالآخر. هذا في النكاح، بخلاف البيع الذي يقصد فيه تبديل المالين غالبا، بلا عناية بمالكيهما.

(3) نائب فاعل «يقال» و عبارة المقابس هكذا: «فإنه يشترط فيه- أي في النكاح- تعيين الزوجين، و معرفة كلّ من المتعاقدين بذلك، لأنّهما كالعوضين ..» «1».

(4) معطوف على «لأنّهما» و هذا ثاني وجهي الفرق بين البيع و شبهه، و بين النكاح، و حاصله: أنّ معنى قوله: «بعتك» هو رضا الموجب بكون المخاطب مشتريا، و المشتري يطلق على المالك و وكيله. بخلاف الزوج، فإنّه لا يطلق على وكيله، فمعنى قولها: «زوّجتك نفسي» رضاها بكون المخاطب زوجا، لها لا غيره، فلو قصد القابل

______________________________

(1) القائل هو المحقق التستري في المقابس، كتاب البيع، ص 13، س 6.

ص: 135

بكذا- رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع، و المشتري (1) يطلق على المالك و وكيله. و معنى قولها:- زوّجتك نفسي- رضاها بكونه زوجا، و الزوج لا يطلق على الوكيل» انتهى.

و يرد على الوجه الأوّل من وجهي الفرق: أنّ (2) كون الزوجين كالعوضين

______________________________

غيره لم يكن قبولا للإيجاب.

و هذا الوجه ناظر إلى تفاوت لفظ المشتري و الزوج في مقام الإثبات، لصدق المشتري- عرفا- على كلّ من الأصيل و الوكيل، فيصح البيع. و أمّا الزوج فلا يطلق على الوكيل. و لا مانع من اختلاف مفاد الألفاظ بحسب الموارد، فالوكالة في الشراء و النكاح هي الإذن في القبول لا غير، و لكنّها في البيع توجب صدق المشتري على الوكيل، و لا توجبه في عقد النكاح. و من المعلوم أنّ المتّبع ظهور الألفاظ في المحاورات.

(1) ابتداء جملة مستأنفة، و ليست الواو بعاطفة.

(2) ناقش المصنّف في كلا دليلي الفرق. أمّا في الأوّل فبوجهين.

أحدهما: أنّه و إن كان صحيحا، لكنه مثبت لجزء المدّعى لا لتمامه، توضيحه:

أنّ المقصود إثبات لزوم التعيين في النكاح و شبهه، و عدم لزومه في البيع، و ما أفاده- من ركنية الزوجين في عقد النكاح كالعوضين في البيع- يصلح لإثبات وجوب التعيين في النكاح، و لا ينفي وجوبه في البيع، إذ لا يدلّ كلامه على عدم ركنية البائع و المشتري حتى لا يجب تعيينهما. و عليه فالدليل غير واف بتمام المدّعى.

ثانيهما: أنّه أخصّ من المدّعى، و هو لزوم التعيين في كلّ من النكاح و الوقف و الوصية و الوكالة. و المذكور في المتن مختصّ بالنكاح، فلا يعمّ جميع موارد لزوم التعيين، فلا بدّ من إقامة الدليل عليه في الهبة و الوصيّة و الوقف ممّا يكون من له العقد فيها مقوّما للعنوان، لعدم صدق المتّهب و الوصيّ و الموقوف عليه على الوكيل من قبلهم فلو أراد زيد هبة مال لعمرو، و ادّعى بكر وكالته عن عمرو في قبول الهبة لم يصح توجيه الخطاب إليه، و لا قصد قبول الهبة لنفسه، فيبطل لو قال: «وهبت هذا لموكّلك عمرو، فقبل لنفسه» زعما منه كون المتهب- كالمشتري- صادقا على الوكيل منه.

ص: 136

إنّما يصحّ وجها لوجوب التعيين في النكاح، لا (1) لعدم وجوبه في البيع.

مع (2) أن الظاهر أنّ ما ذكرنا من الوقف و إخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة (3) أو الفضولي (4)، فلا بدّ من وجه مطّرد في الكلّ.

و على (5) الوجه الثاني: أنّ معنى «بعتك» في لغة العرب- كما نصّ عليه

______________________________

(1) يعني: أنّ الدليل واف ببعض المدعى و هو عقده الإيجابي، و لا يفي بعقده السلبي أعني به عدم تعيين طرفي العقد في مثل البيع.

(2) هذا ثاني الإيرادين المتقدّمين، و هو الأخصية من المدّعي.

(3) يعني: أنّه لا يصحّ للقابل في الوقف- مثلا- القبول للموقوف عليه، لوكالته عنه، فلو قال الواقف: «وقفت هذا عليك» و قصد المخاطب قبوله عن موكّله حتى يتم الوقف له، لم يصح، لعدم صدق عنوان «الموقوف عليه» على وكيله في قبول الوقف.

و كذا الحال في المتهب و الوصي و نحوهما. بخلاف المشتري الصادق على كلّ من الموكّل و الوكيل، هذا.

(4) كما إذا قبل الوقف فضولا عن زيد، ليكون هو الموقوف عليه، فيبطل، لكون الموقوف عليه ركنا في باب الوقف، كالعوضين في البيع.

(5) معطوف على «يرد على الوجه الأوّل» و محصّله: منع ما أفاده صاحب المقابس من «الفرق بين البيع و النكاح، بأنّ معنى بعتك: رضيت بكونك مشتريا، فيصدق المشتري على مالك الثمن و على وكيله» وجه المنع: أنّ معنى «بعتك» ملّكتك، لما سبق في مباحث المعاطاة و غيرها من نقل كلام فخر المحققين «معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري».

و عليه فمفاد قوله: «بعتك» جعلتك مالكا، و من المعلوم عدم صدق «المالك» على الولي عليه، و الوكيل عنه، و الفضولي، لما عرفت من تقوم الملك بطرفين أحدهما المالك، و الآخر المملوك. و معه كيف يصدق «مالك المبيع» على الوكيل عن المشتري

ص: 137

فخر المحققين- و غيره هو «ملّكتك بعوض» و معناه جعل المخاطب مالكا. و من المعلوم أنّ المالك لا يصدق على الولي و الوكيل و الفضولي (1).

فالأولى في الفرق ما ذكرنا (2) من أنّ الغالب في البيع و الإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو، بل بالاعتبار الأعم من كونه أصالة أو عن الغير.

______________________________

في قبول العقد؟ و بعد سقوط هذا الوجه تقتضي القاعدة تعيين القابل حتى في مثل البيع، هذا.

(1) كعدم صدق «الزوج و المتهب و الموقوف عليه و الوصي» على الولي عليهم أو الوكيل عنهم. هذا ما يتعلق بردّ مقالة صاحب المقابس.

(2) غرض المصنف إبداء فارق آخر بين البيع و شبهه و بين مثل النكاح، و قد سبق ذلك قبل نقل عبارة المقابس، و محصله: أنّ همّ البائع تبديل المبيع بثمن، و همّ المشتري بذل الثمن بإزاء اقتناء المبيع، فليس مقصود البائع من قوله: «بعتك بكذا» إلّا تمليك ماله بمال المخاطب، سواء أ كان أصيلا أم وكيلا أم وليّا. و هذا بخلاف مثل النكاح مما يكون لكلّ من المتعاقدين عناية بالطرف الآخر، فلا بد من تعيين شخصه.

فإن قلت: لا يصح ما أفيد في البيع من غلبة قصد المالك الواقعي، لا خصوص المخاطب في مقام الإنشاء، و ذلك لمنافاته لما تقرّر من عدم سماع دعوى المشتري- بعد تمام العقد- وكالته عن غيره، و أنّه اشترى لموكّله، حتى يطلب الثمن منه لا من المشتري. و وجه عدم السماع هو اتّباع ظاهر الكلام، لقول البائع: «بعتك» و قول المشتري «قبلت أو اشتريت منك أو تملكت منك» مما ظاهره الشراء لنفسه لا لموكّله.

و لو صحّ ما في المتن- من أن مقصود البائع هو المالك الحقيقي، أعم من شخص المخاطب و من وكيله- كان اعتذار المشتري بأنه اشتراه لغيره متّجها، لعدم مخالفته لمضمون العقد. و عليه فالبيع كالنكاح في اعتبار تعيين من يقع العقد له، هذا.

قلت: لا منافاة بين كون قصد البائع أعم من القابل و من موكّله و بين عدم سماع دعوى المشتري الشراء لموكّله، و ذلك لأنّ ردّ قول المشتري ينشأ من ظهور

ص: 138

و لا ينافي ذلك (1) عدم (2) سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل، فتأمّل (3).

بخلاف (4) النكاح و ما أشبهه، فإنّ الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنّه ركن للعقد.

بل (5) ربّما يستشكل في صحة أن يراد من القرينة المخاطب (6) من حيث (7) قيامه مقام الأصيل

______________________________

«التاء» في «قبلت و اشتريت» في الشراء للنفس لا للغير، و حيث كانت دعواه مخالفة لأصالة الظهور في القبول كانت مردودة، هذا.

(1) المشار إليه قوله: «إنّ الغالب في البيع و الإجارة هو قصد المخاطب بالاعتبار الأعم».

(2) فاعل «ينافي» و قد تقدم بيان المنافاة و عدمها بقولنا: «إن قلت .. قلت».

(3) الظاهر أنّه إشارة إلى الدقة في وجه عدم المنافاة.

(4) هذا عدل لقوله: «ان الغالب في البيع ..» و غرضه اقتضاء الغلبة تعيين الزوج و إرادة شخصه، لا الأعم منه و من وكيله أو وليّه.

(5) لمّا كان مفاد قوله: «فان الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنه ركن للعقد» صحة عقد النكاح نادرا لو قامت قرينة على ما لو قصدت المرأة بقولها:

«زوّجتك نفسي» التزويج من موكّل القابل، بدعوى أنّ وكالته صحّحت توجيه «كاف» الخطاب إلى الوكيل، مع كون الزوج هو الموكّل، فأراد المصنف الترقي بمنع هذا الفرد النادر، و أنّه لا يصح أن تقول المرأة «زوّجتك» قاصدة موكّل القابل.

و الوجه في المنع عدم تعارف صدق عنوان «الزوج» على الوكيل و لو مجازا و نادرا. و عليه فلا بدّ أن يراد بالمخاطب نفس الزوج.

(6) يعني: المخاطب العاقد عن الزوج، فإنّه وكيله في قبول النكاح.

(7) يعني: لا تريد المرأة تزويج نفسها من المخاطب حقيقة، و إنّما تخاطبه

ص: 139

كما لو قال (1): «زوّجتك» مريدا له باعتبار كونه (2) وكيلا عن الزوج. و كذا قوله:

«وقفت عليك و أوصيت لك و وكّلتك».

و لعل الوجه (3) عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها، فلا يقال للوكيل: «الزوج و لا الموقوف عليه و لا الموصى له و لا الموكل» (4) بخلاف البائع و المستأجر، فتأمّل حتّى لا يتوهّم رجوعه (5) إلى ما ذكرنا سابقا

______________________________

ب «زوّجتك» من حيث كونه وكيلا عن زوجها.

(1) تذكير الضمير و كذا تذكير «مريدا» باعتبار وكيل الزوجة في إيجاب العقد، كما هو الغالب من عدم مباشرة المرأة إنشاء النكاح.

(2) هذا الضمير و ضمير «له» راجعان إلى «المخاطب» المفروض وكالته عن الزوج.

(3) أي: وجه منع هذا الفرد النادر، و عدم صحة العقد حتى مع قيام القرينة على إرادة الموكّل من حرف الخطاب.

(4) يعني: لا يقال للوكيل: «الموكّل» للمقابلة بينهما، فلا يطلق أحدهما على الآخر، و إن كان الوكيل كالأصيل في نفوذ تصرفه في مورد وكالته، لكن هذا لا يصحّح تسمية الوكيل موكّلا.

(5) الضمير راجع إلى ما ذكره بقوله: «فالأولى في الفرق ما ذكرنا من أن الغالب» و المراد من الموصول في قوله: «إلى ما ذكرنا سابقا» هو الوجه الثاني من وجهي الفرق بين البيع و النكاح الذي ذكره سابقا بقوله: «و قد يقال في الفرق إلخ».

و المقصود بالوجه الثاني قوله: «و إنّ معنى قوله: بعتك كذا بكذا رضاه بكونه مشتريا .. إلخ».

و المراد من الاعتراض عليه ما ذكره بقوله: «و على الوجه الثاني ان معنى بعتك ..».

و وجه عدم الرجوع إليه أنّ المقصود من المخاطب فيما اعترضنا عليه كان هو بعنوان خاص أعني كونه مخاطبا في هذه المعاملة، و فيما ذكرنا بقولنا: «و الأولى في الفرق» هو بعنوانه العام، لكونه مالكا، و لكونه وكيلا أعني منه عنوان: المسلّط على المال في مقام المعاملة.

ص: 140

و اعترضنا عليه [1].

______________________________

[1] لا يخفى أنّ في هذه المسألة جهتان:

الأولى: أنّهم اعتبروا قصد مدلول العقد في صحته، و أرسلوه إرسال المسلّمات، بل عن التذكرة: الإجماع عليه.

لكن عدّه شرطا لا يخلو من مسامحة، لأنّ الشرط إنّما يطلق على الأمر الخارج عن حقيقة المشروط، و قصد مدلول العقد مقوم له و دخيل في حقيقته، و ليس أمرا خارجا عن حقيقته حتى يصح إطلاق الشرط عليه. فلو عبّر عنه بأنّه مقوم عرفي كان أولى.

و كيف كان فالبيع- سواء كان بمعنى إيجاد المعنى باللفظ كما هو المشهور عند الأصوليين و غيرهم، أم كان بمعنى إظهار أمر نفساني بمبرز أم كان بمعنى الاعتبار النفساني المظهر بمبرز خارجي، سواء أمضاه العرف و الشرع أم لا، و سواء كان، في العالم شرع و عرف أم لا- لا يتحقق في الخارج إلّا بالقصد الذي هو أمر نفساني مع إظهاره بمبرز خارجي، فبانتفاء أحدهما ينتفي الآخر، لانتفاء المركّب بانتفاء أحد أجزائه.

و الحاصل: أنّ جعل القصد من شروط العقد أو المتعاقدين ثم الاستدلال عليه بالإجماع لا يخلو من المسامحة، إذ ليس القصد شرطا شرعيا حتى يستدل عليه بالإجماع الذي هو دليل على الحكم الشرعي.

الجهة الثانية: أنّ المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه قال: «إنّ في اعتبار تعيين المالكين اللذين يتحقّق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما وجوها و أقوالا».

و ملخص الكلام فيه: أنّه هل يعتبر في صحة البيع تعيين المالك و من يقع عنه البيع، سواء أ كان عن نفسه أم غيره؟ ثم على فرض اعتباره هل يلزم تعريفه للمشتري، و كذا تعريف المشتري للبائع أم لا؟ فهنا مقامان:

الأوّل: في اعتبار تعيين من يقع عنه البيع.

و الثاني: في اعتبار تعريف كل من البائع و المشتري للآخر.

أما المقام الأوّل فتفصيل البحث فيه: أنّ الكلام تارة يكون في البيع الشخصي

ص: 141

______________________________

و اخرى في البيع الكلي.

أمّا البيع الشخصي فتعين المالك ثبوتا يغني عن تعيينه إثباتا بالقصد أو اللفظ أو كليهما، فتعيينه ليس مقوما و لا شرطا للبيع، إذ ليس البيع إلّا اعتبار المبادلة بين المالين في أفق النفس، و إبرازه بمبرز خارجي من اللفظ و غيره. و لا ريب في أنّ هذا المعنى يتحقق بدخول العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوّض، و بالعكس، من دون حاجة إلى تعيين مالك الثمن أو المثمن، لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار التعيين، مع حصول المعنى العرفي للبيع بدون التعيين.

و لا فرق فيما ذكرناه بين صدور العقد من المالكين و من غيرهما كالوكيل و الولي و الفضولي، فالقصد إلى العوض و تعيينه يغني عن قصد المالك و تعيينه.

نعم يعتبر في صحة البيع أن لا يقصد خلاف مقتضى العقد، كأن يشترط دخول الثمن في ملك غير البائع، أو المثمن في غير ملك المشتري، فإنّه يرجع في الحقيقة إلى عدم قصد البيع، لأنّ حقيقة البيع متقومة بمبادلة المالين، فإن لم يرجع قصد الخلاف إلى عدم قصد البيع، فهو يتصور على صور:

إحداها: أن يقصد رجوع نتيجة البيع و فائدته إلى شخص آخر، كما إذا قصد التمليك للغير بعد تحقق البيع، كأن يشتري شيئا لولده، أو خبزا من الخبّاز بقصد إعطائه إلى الفقير، أو اشتراط ذلك على الخبّاز، فإنّ المبيع في هذه الموارد ينتقل إلى المشتري، ثم منه بناقل شرعي إلى غيره. و لا إشكال في صحة البيع في هذه الموارد.

ثانيتها: أن يقصد الخلاف من باب الادّعاء و عقد القلب على كون غير المالك مالكا تنزيلا و تشريعا، كما في بيع اللصوص و الغاصبين ما يبيعونه من الأموال المسروقة و المغصوبة.

ثالثتها: أن يقصد الخلاف من باب الخطاء في التطبيق كالوكيل في بيع أموال غيره، بتخيّل كون العين الفلانية مملوكة للموكل، فباعها له، ثم ظهر كونها ملكا لشخص آخر.

ص: 142

______________________________

و في هاتين الصورتين يتحقق البيع للمالك، غاية الأمر أنّ نفوذه يتوقف على إجازته.

و الكليّ في المعيّن و الكلي الثابت في ذمة شخص خاص في حكم المبيع الشخصي في عدم لزوم تعيين المالك، لتعينه فيهما كتعينه في الشخصي.

و لا يخفى أنّ ما ذكرناه- من عدم اعتبار تعيين من يقع له العقد في صحة البيع- إنّما يكون في العقود التي ليس قصد المالك ركنا فيها كالعقود المعاوضية التي يكون الركنان فيها العوضين كالبيع، فإنّ حقيقته المبادلة بين المالين.

و أمّا إذا لم يكن كذلك كعقد النكاح الذي يكون الركنان فيه الزوجين- اللذين هما بمنزلة العوضين في البيع- فلا بدّ من تعيينهما حال العقد، لعدم حصول الغرض بصيرورة الرجل زوجا لامرأة مبهمة، و بصيرورة المرأة زوجا لرجل مبهم.

و كذا الموقوف عليه و الموهوب له و الموصى له و الوكيل، فإنّ هؤلاء من أركان الوقف و الهبة و الوصية و الوكالة، فلا يتحقق شي ء منها بدون القصد إلى هؤلاء، و بدون تعيينهم هذا.

و أمّا البيع الكلي فلا بدّ فيه من تعيين البائع و قصده، لا من جهة اعتبار التعيين في المبيع، بل من جهة أنّ الطبيعي لا مالية له، كذا أفيد.

لكن الإنصاف أنّ له ماليّة، لأنّها من لوازم الطبيعة. فالوجه في اعتبار الإضافة أنّ الكلي غير المضاف إلى شخص يلغو اعتبار ملكيته لأحد، إذ حال من اعتبر له و من لم يعتبر له على حدّ سواء ما لم يضف إلى ذمة معيّنة. و المفروض أنّ البيع تبديل شي ء بشي ء في جهة الإضافة، و من المعلوم أنّ الكلي بما هو كلي غير مضاف إلى أحد حتى يكون تبديله بشي ء من قبيل تبديل شي ء بشي ء في جهة الإضافة، فلا يتحقق المبادلة بين المالين في الكلي غير المضاف إلى ذمّة معيّنة.

و الحاصل: أنّ الملكية المطلقة غير المتعلقة بشي ء لا يعقل أن توجد، فلا بدّ من تعلقها بشي ء و ما لا ثبوت له لا شيئية له، فلا يعقل أن يكون طرفا للملكية أو الزوجية

ص: 143

______________________________

أو غيرهما. فعدم تعلق الملكية بالمبهم ليس لأجل عدم الدليل على صحة العقد على المبهم، بل لأجل عدم وجود للمبهم و عدم شيئية له، فلا يعقل أن يكون طرفا للملكية أو الزوجية أو غيرهما.

و أمّا طلاق إحدى الزوجات أو عتاق مملوك من المماليك، فهما- مضافا إلى كونهما منصوصين- إنما يصحان فيما إذا تعلّق الإنشاء بالمتعين الواقعي في علمه تعالى و لو بعنوان ما يقع عليه سهم القرعة، أو ما يختاره فيما بعد، بحيث يكون المختار عنوانا مشيرا إلى ما هو المتعين واقعا المعلوم عنده تعالى.

و كذا بيع أحد الصيعان، فإنّ المبيع هو الصاع المتعين واقعا المعلوم عنده سبحانه و تعالى.

و أمّا الوصيّة بأحد الشيئين أو أحد الأشياء أو لأحد الأشخاص، فإن كانت عهدية فمرجعها إلى إيكال الأمر إلى الوصي، فيكون من قبيل الواجب التخييري. و إن كانت تمليكية فمع قصد التعيين- بنحو ما ذكرنا- صحّت الوصية، و إلّا كانت صرف لقلقة لسان.

و الحاصل: أنّ الإنشاء الذي لا تعيّن له إلّا بنفس هذا الإيجاد لا يعقل أن يتعلق بالمبهم، إذ لا معنى لإيجاد المبهم.

فتلخص: أنّ الكلّي ما لم يضف إلى ذمة معيّنة ليس قابلا للمعاوضة، هذا في مقام الثبوت.

و أمّا مقام الإثبات، فمقتضى الإطلاق كون الكلي مضافا إلى ذمة نفس العاقد، لانصراف الإطلاق إليه ما لم يصرّح بالخلاف، فيلزم به في مقام النزاع و الترافع.

و كذا الحال في الثمن إن كان كلّيا، فإنّ الإطلاق منصرف إلى قابل العقد، فيلزم به في مقام الترافع.

ص: 144

______________________________

و أمّا المقام الثاني:- و هو الذي أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: و أما تعيين الموجب لخصوص المشتري و بالعكس- فحاصله: أنّه هل يعتبر في صحة البيع أن يعرف المشتري مالك المبيع، بأن يعرف أنّ العاقد الموجب هل هو مالك المبيع أم وكيله؟

أم لا يعتبر إلّا تعيين البائع بحسب قصد الموجب للعقد، و تعيين المشتري بحسب قصد القابل للعقد.

و الحاصل: أنّ تعيين المالكين للعوضين ثبوتا عند الموجب و القابل هل هو كاف أم لا بدّ من معرفة كل من المالكين للآخر إثباتا؟

الظاهر الأوّل، لأنّ مقتضى إطلاق الأدلة «كأوفوا بالعقود، و أحل اللّه البيع، و تجارة عن تراض» و نحوها عدم اعتبار ذلك، بعد وضوح صدق العقد العرفي على العقد الذي لم يصرّح فيه بمالكي العوضين. و كذا في الهبة و النكاح و غيرهما، من دون فرق في ذلك بين العقود التي يكون الركنان فيها المتعاقدين كالنكاح و بين غيرها، فيصح أن تزوّج المرأة نفسها لمن قصده القابل من نفسه أو غيره المعيّن عنده.

و كذا يصح أن يقبل قابل عقد الهبة لنفسه، أو غيره من دون توقف صحة الهبة على معرفة الواهب بكون القابل هو المتهب أو غيره.

و الوجه في ذلك صدق حقائق هذه العقود بدون تعيين من له هذه العقود في مقام الإثبات بعد تعيينه ثبوتا، لأنّ حقيقة البيع هي اعتبار التبديل بين مالين، و حقيقة الهبة هي اعتبار ملكية العين الموهوبة لشخص، و حقيقة الزواج هي اعتبار عدلية أحد الزوجين للآخر. و لا ريب في تحقق هذه الحقائق بالصيغ المزبورة، مع عدم معرفة الموجب بمن قصده القابل، و لا معرفة القابل بمن قصده الموجب من نفسه أو غيره، فإنّ معرفة خصوصيات الأشخاص ليست دخيلة في ماهية العقد عرفا، و لا في صحتها شرعا.

فالمتحصل: أنّه لا دليل على معرفة الأشخاص إثباتا بعد تعيينهم ثبوتا، هذا.

ص: 145

______________________________

ثم إنّ هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها: الأوّل: إذا قصد الموجب الإيجاب لشخص المخاطب بنحو التقييد و قصد القابل القبول لغيره كموكله، فالظاهر فساده، لأنّ ما أنشأه الموجب لم يقع عليه القبول، فالتطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول مفقود. فإذا زوّجت المرأة نفسها من المخاطب، و قبل المخاطب لغيره، لم يصح هذا التزويج، لعدم ورود القبول على ما وقع عليه الإيجاب.

و كذا إذا باع متاعا بثمن في ذمّة شخص المخاطب، فقبل المخاطب لغيره لم يصح البيع، لعدم التطابق بين الإيجاب و القبول.

نعم إذا كان عدم التطابق بين الإيجاب و القبول لأجل الخطاء في التطبيق صحّ العقد. كما إذا قصد البائع البيع لشخص المشتري بثمن شخصي بزعم أنّه ملك المشتري، و لكن كان الثمن ملكا لموكّله- لا لنفس المشتري- صحّ البيع، لأنّهما قاصدان لحقيقة البيع. و قصد خصوص المشتري إنّما كان خطأ، فلا عبرة به. نعم إذا كان قصد خصوص المشتري من باب التقييد كان من قبيل تخلف الشرط، فللبائع الخيار، هذا.

الأمر الثاني: هل يجوز للموجب توجيه الإيجاب إلى المخاطب، و قبول المخاطب لغيره مع عدم علم الموجب بذلك؟ و هل يجوز أيضا للموجب أن يسند الإيجاب في ظاهر الكلام إلى نفسه، لكن قصد وقوعه عن غيره مع عدم علم القابل بذلك، بل زعم كون الإيجاب لنفس الموجب، أم لا يجوز؟

و الفرق بين هذه الصورة و سابقتها هو صحة المخاطبة مع القابل في فرض عدم علم الموجب بكونه هو المشتري أو غيره. و كذا القابل بالنسبة إلى الموجب. و عدم الصحة في الصورة الأولى لقصد الموجب خصوص المشتري.

و حاصل ما أفاد في المتن: أنّ هنا صورا.

إحداها: أن يعلم من الخارج عدم لحاظ خصوصية للمتعاقدين، كما في العقود

ص: 146

______________________________

المعاوضية، فإنّ الملحوظ في البيع غالبا هو العوضان من دون خصوصية لمالكيهما، فلا مانع حينئذ من رفع اليد عن ظهور «كاف» الخطاب في مثل قوله: «بعتك» في كون المشتري نفس المخاطب لا غيره، لأنّ الغلبة المزبورة قرينة نوعية على صرف كاف الخطاب عن ظاهره، و إرادة الأعم منه و من غيره، فهذه القرينة توجب انقلاب الظهور الأوّليّ بالثانوي. فمعنى قوله: «بعتك» إيجاب البيع للأعم من المخاطب و غيره. و كذا ظهور «تاء» المتكلم في «بعت» في كون إنشاء الإيجاب لنفسه، فإنّه يتبدل هذا الظهور- بالقرينة المزبورة- بظهور ثانوي في الأعم من نفسه و موكله مثلا. فلو قال: «بعتك الدار» مثلا، ثم انكشف أنّ المشتري كان وكيلا عن غيره لم يكن به بأس و لم يضر ذلك بالتطابق.

الصورة الثانية: أن يعلم من الخارج لحاظ خصوصية المخاطب كما في النكاح و الوقف و الوصية و نحوها، ففي مثلها يكون ظاهر الخطاب متبعا، لعدم ما يوجب رفع اليد عنه، ضرورة عدم قرينة على صرف ظهور الخطاب و إرادة الأعم من المخاطب و غيره. فلو قال: «زوجتك فلانة» و قبل المخاطب لغيره لم يقع النكاح، لعدم التطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول.

الصورة الثالثة: إذا لم يظهر من الخارج أنّ الموجب قصد المخاطب بشخصه حين الإيجاب، أو قصد الأعم منه و من غيره- كأن يكون وكيلا عن شخص- لم يصحّ القبول من الموكل، بل لا بد من القبول لنفسه، لأنّ الشبهة مصداقية لا مفهومية، فلا يصح التمسك بالعمومات لصحته.

توضيحه: أنّ مفهوم البيع- و هو المبادلة بين المالين- من المفاهيم الواضحة، و الشّك إنّما يكون في مصداقية الإيجاب الخاص مع القبول عن الموكّل للبيع، إذ مع إرادة خصوص المخاطب لا يكون مصداقا للبيع، فلا يشمله ما دلّ على وجوب الوفاء

ص: 147

______________________________

بالبيع، لكونه من التشبث بالعام في الشبهة المصداقية.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّه إذا أحرز أنّ الموجب قصد خصوص المخاطب صحّ القبول للموكل.

و إذا أحرز أنّه قصد الأعم من كونه هو القابل أو موكله صحّ القبول حينئذ لنفسه أو عن موكّله.

و إذا لم يحرز قصده أصلا فلا يجوز القبول إلّا لنفسه دون موكّله، إلّا إذا كان الغالب عدم لحاظ خصوصيّة المتعاقدين في ذلك العقد كالبيع، فإنّ الغالب عدم لحاظ خصوصيتهما.

الأمر الثالث: إذا قصد الموجب الإيجاب لموكل المخاطب، فهل يجوز له الإنشاء بلفظ الخطاب، كأن يقول: «بعتك» قاصدا البيع لموكله؟ أو يقول: «زوجتك» قاصدا التزويج لموكله؟ الظاهر عدم صحة ذلك إلّا فيما إذا كان اللفظ ظاهرا عرفا في المنشأ، لأنّ المعتبر في العقد أمران:

الأوّل: الاعتبار النفساني، و الثاني إبرازه خارجا بما هو مبرز له عرفا، فإن لم يكن مبرزا له كذلك كإبراز المبادلة بين المالين بلفظ «ضربت و نصرت» لم يصح ذلك.

و على هذا فلا يصح إبراز علقة الزوجية بين المرأة و موكّل القابل بلفظ «زوّجتك» لأنّه ليس مبرزا لتلك العلقة بين المرأة و موكّل القابل، بل هو مبرز لتلك العلقة بين المرأة و نفس القابل. فالأمر الثاني و هو المبرز العرفي مفقود هنا، فلا يصح العقد. هذا في عقد النكاح.

و أمّا في عقد البيع فلا يبعد أن يكون «بعتك» مبرزا عرفا لإنشاء البيع للمخاطب الأعم من كونه بنفسه مشتريا أو وكيلا عن غيره، فلا يكون «بعتك» حينئذ ظاهرا في خلاف مقتضى المعاوضة الحقيقية أعني انتقال كل من العوضين إلى من انتقل عنه

ص: 148

______________________________

العوض، فإنّ مقصود الموجب نقل المبيع إلى موكل القابل، و نقل الثمن عنه إلى الموجب. لكن مقتضى قوله: «بعتك» نقل المبيع إلى نفس القابل، و نقل الثمن من القابل إلى البائع. فمقتضى ظاهر العقد مخالف لما قصده البائع.

نعم لو ثبت دعوى ظهور «بعتك» في الأعم من المخاطب و غيره صحّ، كما أنّ ثبوتها غير بعيد. فيفرّق حينئذ بين «بعتك» و بين «زوجتك» و «وهبتك» لثبوت الدعوى المزبورة في الأوّل دون الأخيرين، هذا.

فالمتحصل: أنّه مع العلم بمبرزية «بعتك» للأمر الاعتباري النفساني للأعم من المخاطب صحّ البيع مع قبول المشتري الإيجاب لموكّله. و إمّا مع العلم بعدم مبرزيّته للأعم أو الشك في مبرزيته لم يصح البيع، لأصالة عدم تحققه.

ص: 149

[الشرط الثالث: الاختيار، بطلان عقد المكره]
اشارة

مسألة (1):

و من شرائط المتعاقدين [1] الاختيار. و المراد به (2) القصد إلى وقوع

______________________________

الشرط الثالث: الاختيار، بطلان عقد المكره

(1) الفرق بين هذه المسألة و سابقتها أنّ القصد المعتبر في تلك المسألة كان للعقد، بحيث لا يتحقق إلّا بالقصد إلى اللفظ و المعنى، و القصد المعتبر في هذه المسألة هو كون القصد إلى اللفظ و المعنى ناشئا من طيب النفس و الرضا.

و بعبارة أخرى: هذه المسألة تتضمن اعتبار منشأ ذلك القصد المقوّم للعقد، و أنّه لا بدّ أن يكون منشؤه طيب النفس، فان لم ينشأ عن الطيب لم يصح العقد و إن لم يكن جبر و إلجاء.

(2) فسّر الاختيار «بقصد وقوع المنشأ عن طيب النفس» و مراده أنّ الاختيار يطلق تارة على الإرادة و القدرة على كلّ من الفعل و الترك، في قبال المضطرّ و المجبور

______________________________

[1] الظاهر أن التعبير بشرائط الإنشائيات أولى من التعبير بالمتعاقدين، لأنّ ذلك أشمل، لشموله للعقود المتقومة بطرفين و للإيقاعات القائمة بطرف واحد، كالطلاق و العتق و الجعالة- على قول- ضرورة أنّ الاختيار بالمعنى المزبور معتبر في جميعها.

و لعلّ التعبير بالمتعاقدين لأجل كون مورد البحث البيع المعدود من العقود.

ص: 150

..........

______________________________

المسلوب إرادته، كحركة يد المرتعش، و كالصائم المكتّف الذي يصبّ الماء في حلقه بحيث لا قصد له إلى الشرب أصلا، و هو مقهور في فعله بنحو لا يصحّ إسناد الفعل إليه، بل يسند إلى القاهر و الحامل له.

و اخرى على الرّضا الذي هو أمر نفساني مغاير للقدرة على كلّ من الفعل و الترك. و هو أمر زائد عليه، بمعنى أنّه بعد تحقق إرادة فعل في الخارج- و عدم إجبار عليه- تصل النوبة إلى كونه صادرا عن طيب النفس، أو عمّا يقابله من الإكراه الذي يتحقق بتحميل الغير و توعيده، كما في تهديد الصائم بإيراد ضرر على نفسه أو طرفه أو ماله لو لم يتناول المفطر بيده.

و الفرق بين المعنيين إسناد الفعل إلى المباشر المكره على ما يفعل، لصدور الفعل عن إرادته و إن لم يكن راضيا به، بخلافه في المجبور الفاقد للإرادة.

و المقصود بالبحث اشتراط العقد بالاختيار بمعناه الثاني المقابل للمكره، بعد الفراغ عن تحقق الإرادة و القصد إلى الفعل فيه.

و لعلّ تفسير الاختيار بطيب النفس ناظر إلى ردّ ما أفاده صاحب الجواهر في بعض كلامه من انتفاء كلا الأمرين- و هما ارادة معنى العقد و الرضا به- في المكره، فهو غير مريد للعقد، و لا راض به، حيث قال في بيان الدليل على بطلان بيع المكره:

«و إلى ما دلّ على اعتبار الرّضا و طيب النفس في صحة المعاملة و آثارها من الكتاب و السنة. و إلى: معلومية اعتبار إرادة معنى العقد من ذكر لفظه، ضرورة عدم كون التلفظ به سببا للعقد على كل حال حتى لو وقع ممّن لم يرد العقد به، إذ لا عمل إلّا بنيّة.

و من المعلوم انتفاء إرادة معنى العقد من المكره، لعدم تصور الإكراه عليه» «1».

و مقتضاه انتفاء الاختيار في عقد المكره- بكلا معنييه من الإرادة و طيب النفس- و حينئذ يشكل بما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ القدرة المعتبرة في اختيار الفعل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 265 و 266.

ص: 151

مضمون العقد عن طيب نفس، في مقابل الكراهة و عدم (1) طيب النفس، لا الاختيار (2) في مقابل الجبر.

[الدليل على بطلان عقد المكره]

و يدل عليه (3) قبل الإجماع (4) قوله تعالى:

______________________________

و الترك متحققة في المكره، فتمشّي منه النية و القصد إلى المدلول، و إنّما المفقود فيه هو طيب النفس، و لذا فسّر قدّس سرّه الاختيار بالرضا دفعا لتوهم تفسيره بالأعم منه و من القدرة التكوينية التي تبقى فاعليّة النفس معها على حالها، هذا.

و كيف كان فقد تعرّض المصنف قدّس سرّه في هذه المسألة أوّلا لمعنى الإكراه إجمالا، ثم للدليل على عدم موضوعية عقد المكره للصحة الفعلية، ثم لمباحث اخرى أكثرها موارد تعيين تحقق الإكراه، و بعضها ناظر إلى تفصيل ما يعتبر في الإكراه من أمور ثلاثة، و بعضها إلى ما نسب إلى الشهيدين قدّس سرّهما من عدم كون المكره قاصدا للمدلول، و سيأتي البحث عنها بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

(1) بالجرّ معطوف على «الكراهة» و مفسّر لها.

(2) بالرفع معطوف على «القصد» يعني: ليس المراد بالاختيار- في عقد المكره- ما يقابل الجبر، فالمختار هناك هو المتحرّك بإرادته، و في المقام هو المتحرّك بإرادته عن طيب النفس.

الدليل على بطلان عقد المكره

(3) أي: على اعتبار طيب النفس و الرضا بمضمون العقد، و غرضه إقامة الدليل عليه بعد الإشارة إلى معنى الإكراه.

(4) تكرّر كلّ من التعبير ب «قبل الإجماع، بعد الإجماع» في كلمات المصنف قدّس سرّه.

و لعلّ مراده بالقبل وفاء الأدلة بالحكم الشرعي، و احتمال استناد المجمعين إليها، فيكون اتفاقهم محتمل المدركية، و مثله غير كاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام أو عن حجة أخرى وراء ما استندوا إليه من الكتاب و السنة.

ص: 152

إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (1) «1». و قوله: «لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه (2)» «2» و قوله عليه السّلام في الخبر المتّفق عليه بين المسلمين (3): «رفع أو وضع عن أمّتي تسعة أشياء أو ستة» و منها «ما اكرهوا عليه».

______________________________

و مراده ب «بعد الإجماع» اعتماد المجمعين على قرائن أخرى غير ما بأيدينا من الأدلة، فيكون اتّفاقهم حجة- بناء على حجية الإجماع المنقول- لكشفه عن حجة معتبرة، هذا.

و لمّا كانت أدلّة المسألة واضحة و كان المحتمل قويّا استناد المجمعين إليها، فلذا أتى بلفظ «قبل الإجماع» لتكون هذه الأدلة هي المعوّل عليها.

و كيف كان فالإجماع هو الدليل الأوّل على بطلان عقد المكره في الجملة، ففي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل الضرورة من المذهب» «3».

(1) هذا ثاني الأدلة، و الآية صريحة في اعتبار الرّضا بالتجارة المجوّزة لأكل المال. و المكره فاقد للرضا، فيبطل عقده و تجارته.

(2) هذا ثالث الأدلة، و التقريب واضح.

(3) هذا رابع الأدلة، و قد جمع المصنف قدّس سرّه بين روايتين:

إحداهما: رفع الست، و هي بلفظ: «رفع عن هذه الأمة ستّ، الخطأ ..».

و ثانيتهما: رفع التسع، و هي رواية الصدوق في التوحيد و الخصال، و هي بلفظ «رفع عن أمّتي تسع خصال» و رواها الكافي بلفظ «وضع عن أمّتي».

و بعض أسناد الرواية و إن كان محلّ بحث، إلّا أنّ صدور المضمون عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم محرز، لقول المصنف: «المتفق عليه بين المسلمين». مضافا إلى ما ذكرناه في الأصول من

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 29.

(2) عوالي اللئالي، ج 2، ص 113، ح 309.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 265.

ص: 153

و ظاهره و إن كان رفع المؤاخذة (1)، إلّا (2) أنّ استشهاد الامام عليه السّلام به في

______________________________

الاعتماد على طريق الصدوق التي فيها أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، فراجع «1». هذا من حيث السند.

و أمّا الدلالة فالمرفوع هو المؤاخذة على المجهول و الحسد و الخطأ و الإكراه، و هذا أجنبي عن بطلان عقد المكره، لأنّ نفي العقوبة على الإكراه- كما في المكره على فعل حرام- أمر، و بطلان إنشاء المكره أمر آخر.

و لكن يرفع اليد عن الظهور- في رفع خصوص المؤاخذة- بقرينة ما ورد في بعض الأخبار من نفي الحكم الوضعي المترتب على الفعل الإكراهي، كالبينونة المترتبة على الطلاق المكره عليه، و كالحرية المترتبة على العتق المنشأ لا عن طيب النفس.

و عليه فنفي هذه الآثار في مورد الإكراه كاشف عن عدم كون المرفوع عن الأمّة خصوص العقوبة الأخروية، بل المرفوع كل أثر يترتب على الفعل سواء أ كان في العاجل أم الآجل. و صحة العقد و الإيقاع الإكراهيين تقتضي ترتب الأثر المطلوب عليهما، فهي مرفوعة بحديث الرفع، هذا.

(1) في قبال رفع جميع الآثار، أو الأثر المناسب لكلّ من التسعة، كما أفاده في بحث البراءة، فراجع الرسائل.

(2) يعني: أنّ الاستدلال بحديث «رفع التسعة» على بطلان عقد المكره لا يتم إلّا بضميمة استشهاد الإمام في معتبرة البزنطي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «وضع عن أمّتي ما أكرهوا عليه» «2» على رفع أثر طلاق المكره و عتقه، و هو البينونة و الحرية. فكذا يقال بعدم تأثير بيع المكره في النقل و التمليك.

______________________________

(1) منتهى الدراية، ج 5، ص 182 و 183.

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، ح 1 و 2 و 3. و روى حديث رفع التسعة بلفظ «وضع» عن الصدوق أيضا في ج 5، ص 345، الباب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 2، و حديث رفع الست عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، في ج 16، ص 144، الباب 16 من كتاب الايمان، ح 3.

ص: 154

رفع بعض الأحكام الوضعية يشهد بعموم المؤاخذة فيه (1) لمطلق الإلزام عليه (2) بشي ء.

ففي صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام:

لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضع عن أمّتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطأوا» «1».

______________________________

(1) أي: في الخبر.

(2) أي: على المكره بشي ء، فيرفع عنه كلّ إلزام شرعي، سواء أ كان تكليفيا كوجوب الكفارة على حنث الحلف، أم وضعيّا كالصحة في العقد و الإيقاع، أم غيرهما كالعقوبة الأخروية، فلو قال مكرها: و اللّه إن فعلت كذا فزوجتي طالق، أو: فعبدي حرّ، أو ما أملكه فهو صدقة في سبيله تعالى» لم ينفذ، و لم يترتب عليه حكم الحلف المنشأ عن طيب النفس.

فإن قلت: لا يتجه التمسك بصحيحة البزنطي لإثبات كون المرفوع بحديث رفع التسعة مطلق المجعول الشرعي، لا خصوص المؤاخذة الأخروية، و ذلك لأنّ الحلف على الطلاق و العتاق و الصدقة باطل عندنا مطلقا سواء أ كان الحالف مختارا أم مكرها عليه. و هذا يوجب وهن أصالة الجدّ في استدلال الإمام عليه السّلام بفقرة «ما أكرهوا عليه» على بطلان الحلف في حال الإكراه خاصة.

و بعبارة أخرى: استناد بطلان الحلف المزبور إلى وجود المانع- و هو الإكراه- متفرع على تمامية المقتضي يعني صحة أصل الحلف على الطلاق. و مع فرض تسالمهم على البطلان مطلقا لا مقتضي للصحة حتى يتشبث بحديث «رفع الإكراه» على بطلانه في هذه الحال. فلعلّه عليه السّلام اتّقى في تمسكه بحديث الرفع لإثبات فساد هذا الحلف الإكراهي، و لم يحكم ببطلانه حتى في حال الاختيار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 136، الباب 12 من كتاب الأيمان، ح 12.

ص: 155

و الحلف (1) بالطلاق و العتاق و إن لم يكن صحيحا عندنا من دون الإكراه أيضا، إلّا أنّ مجرّد استشهاد الامام عليه السّلام- في عدم وقوع آثار ما حلف به-

______________________________

و لمّا لم يحرز أصالة الجد في استشهاده بحديث الرفع يشكل إثبات عموم المرفوع للآثار الدنيوية كالبينونة في طلاق المكره. و يبقى حديث رفع التسعة على ظاهره من رفع خصوص المؤاخذة الأخروية، و لا وجه للتمسك به على بطلان إنشاء المكره، هذا.

قلت: إنّ الحلف على الطلاق و إن كان باطلا عندنا في حال الاختيار أيضا، لكنه لا يمنع قرينية صحيحة البزنطي على كون المرفوع مطلق المجعول الشرعي كالبينونة و الحرية و الملكية.

وجه عدم المنع: دوران الأمر بين كون التقية في أمر واحد و هو تطبيق الامام عليه السّلام «رفع ما اكرهوا عليه» على بطلان الحلف على الطلاق- حال الإكراه- بأن يكون رفع الإكراه رفعا لكل أثر مترتب على الفعل المكره عليه، سواء أ كان مؤاخذة أخروية أم أثرا وضعيّا دنيويّا. و بين كون التقية في أمرين، أحدهما التطبيق المزبور. و الآخر نفس الكبرى، بأن يكون تعميم الرفع تقيّة أيضا.

و قد تقرّر في محله: أنّه كلّما دار الأمر بين مخالفة أصالة الجد في مورد أو في موردين تعيّن الاقتصار على مورد واحد.

و عليه يحكم بأنّ نفس الكبرى صدرت لبيان الحكم الواقعي، و هو عموم المرفوع، فتكون الصحيحة قرينة على ما يراد من حديث رفع التسعة، و عدم كون المقدّر خصوص المؤاخذة. فطلاق المكره باطل، أي: أنّ البينونة المترتبة على طلاق المختار مرفوعة عنه واقعا أي غير مجعولة شرعا، هذا.

(1) مبتدأ، خبره جملة: «إلّا أن مجرّد ..» و هو دفع دخل تقدّم بيانهما بقولنا:

«فان قلت .. قلت».

ص: 156

بوضع «ما اكرهوا عليه» يدلّ (1) على أنّ المراد بالنبوي ليس خصوص المؤاخذة و العقاب الأخروي (2).

هذا كله مضافا إلى الأخبار الواردة (3) في طلاق المكره، بضميمة عدم الفرق (4).

[المراد من جملة «المكره قاصد إلى اللفظ دون مدلوله»]

ثم إنّه (5) يظهر من جماعة منهم الشهيدان: أنّ المكره قاصد إلى اللفظ

______________________________

(1) خبر قوله: «إلّا أن مجرّد». و قوله: «أيضا» يعني: في حال الاختيار.

(2) فالآثار الدنيوية مرفوعة أيضا.

(3) هذا دليل خامس على بطلان عقد المكره، و هو عدّة من النصوص الواردة في بطلان طلاق المكره و عتقه، بضميمة وحدة المناط بين عقود المكره و إيقاعاته.

كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن طلاق المكره و عتقه؟ فقال:

ليس طلاقه بطلاق، و لا عتقه بعتق» «1».

و رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سمعته يقول: لو أنّ رجلا مسلما مرّ بقوم ليسوا بسلطان، فقهروه حتى يتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلّق ففعل، لم يكن عليه شي ء» «2».

(4) يعني: عدم الفرق بين الطلاق و العتق و بين بيع المكره، فإنّ الإجماع على عدم الفصل بينها يوجب بطلان بيع المكره.

هذا ما يتعلق بالدليل على بطلان المكره.

المراد من جملة «المكره قاصد إلى اللفظ دون مدلوله»

(5) غرضه دفع ما ربما يتوهم من عبارة جماعة من: «أن المكره غير قاصد إلى المدلول» و بيانه: أنّ المصنف قدّس سرّه فسّر الاختيار- المبحوث عنه في المقام- بالرضا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 331، الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 1

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

ص: 157

غير قاصد إلى مدلوله «1».

______________________________

بمضمون العقد و طيب النفس به، في قبال الإكراه، و ليس الاختيار هنا بمعنى إرادة مدلول العقد، فالمكره قاصد لكلّ من اللفظ و معناه، و الإنشاء و المنشأ. و هذا ربما ينافيه ما ذكره الشهيدان و غيرهما من انتفاء قصد المضمون في المكره، و إنّما يقصد الألفاظ المعرّاة عن المعاني، و يتلفظ بها تخلّصا من وعيد المكره. فقوله في مقام الإنشاء: «بعت» ليس معناه «ملّكتك كذا بكذا» بل هو مجرّد لفظ تلفّظ به دفعا للمفسدة المتوعد بها.

هذا ما لعلّه يظهر من كلامهما بالنظر البدوي، و يترتب عليه عدم قابلية عقد المكره للصحّة بالرضا اللاحق، إذ لا عقد حقيقة، لعدم كون المدلول مرادا بالإرادة الجدّية حتى يتعقبه الرضا. و هذا ينافي التزامهم بصحته به.

و لذا تصدّى المصنف لتوجيه عبارة الشهيدين بأنّ المتكلم إن كان جاهلا بمعنى كلامه- كالطفل الذي يلقّنه أبوه ألفاظا في مقام التعليم فينطق بها و كالكبير الذي يتعلّم لغة أخرى فيتمرّن بتكرار ألفاظ تقليدا لمعلّمه- فلا ريب في أنّ مثلهما قاصد لنفس الألفاظ بأدائها بوجه غير ملحون، و لا قصد للمعنى أصلا، لفرض الجهل به، فهو نظير التلفظ بلفظ مهمل فاقد للمعنى ك «ديز» مثلا.

و إن كان عالما بمعنى الكلام- كما هو شأن أهل كل لسان و لغة، و كان لفظه مستعملا لا مهملا- استحال عدم قصد مدلوله و عدم إرادته الاستعمالية، و ذلك لعدم انفكاك المدلول عن الدالّ. و لمّا كان محلّ الكلام هو المكره الملتفت إلى ما يقوله في مقام الإنشاء فلا بدّ من قصده للمدلول التصوّري.

و عليه فمراد الشهيدين عدم كون الداعي إلى الإنشاء حصول المضمون في وعاء الاعتبار- بحكم العرف و الشرع- ليترتّب عليه الأثر، بل غرض المنشئ

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 192، مسالك الافهام، ج 3، ص 196، الروضة البهية، ج 3، ص 226 و 227.

ص: 158

بل يظهر ذلك (1) من بعض كلمات العلّامة «1».

و ليس مرادهم أنّه لا قصد له إلّا إلى مجرّد التكلم كيف؟ (2) و الهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصدا صوريّا. و الخالي عن القصد إلى غير المتكلم هو من يتكلّم تقليدا أو تلقينا كالطفل الجاهل بالمعاني.

فالمراد (3) بعدم قصد المكره عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في

______________________________

الفرار من المفسدة المتوعد بها. بخلاف المختار، فإنّ إنشاءه، للملكية بقوله: «بعت» يكون بداعي الجدّ و تحقيقها خارجا، هذا محصّل ما أفاده الماتن في توجيه عبارة الشهيدين قدّس سرّهما، و استشهد عليه بوجوه سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: خلوّ المكره عن قصد المدلول. و لعلّ مراد المصنف عبارة التذكرة في بيع التلجئة التي هي في معنى الإكراه: «و هو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه، فيواطئ رجلا على إظهار شرائه منه، و لا يريد بيعا حقيقيا» لظهور الجملة الأخيرة في عدم قصد المضمون و هو التمليك، و إنما يريد اللفظ خاصة. و لعلّ المصنف قدّس سرّه أراد كلامه في التحرير، و سيأتي.

(2) يعني: أنه كيف يمكن توهم خلوّ المكره عن قصد المدلول؟ مع أنّ الهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصدا صوريا. فالخالي عن القصد هو المتكلم تقليدا أو تلقينا كالجاهل بالمعاني. فلا بد من أن يراد بعدم قصد المكره عدم قصده لوقوع مضمون العقد في الخارج، كسائر العقود التي يقصد بها وقوع مضامينها في الخارج، لا أن يراد بعدم القصد خلوّ كلامه الإنشائي- كقوله: بعت- عن المدلول.

(3) لا يخفى اختلاف كلمات المصنف قدّس سرّه في ما هو المفقود في إنشاء المكره، فيظهر من قوله في أول المسألة في تفسير الاختيار: «القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب النفس في مقابل الكراهة» وجود القصد الجدّي إلى المضمون، و المفقود هو الرّضا.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 426، س 32.

ص: 159

..........

______________________________

و يظهر من كلامه هنا: «من عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج» انتفاء القصد الجدّي، و لا تصل النوبة إلى البحث عن وجود الرضا و عدمه.

و يظهر من كلامه بعد أسطر انتفاء كلا الأمرين من القصد و الرضا، لقوله:

«ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و عدم طيب النفس به». و لذا أورد السيد عليه بالمناقضة «1».

و لكن يمكن الجمع بينهما بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من أنّ المراد «من عدم قصد المضمون خارجا و عدم طيب النفس به» شي ء واحد، و هذا لا ينافي قصد المنشأ جدّا. و بيانه: أنّ للبيع- بنظر المصنف كما تقدم في أوّل البيع- مراحل ثلاث:

الاولى: اعتبار الملكية بنظر المنشئ مع الغضّ عن كونه موضوعا لاعتبار العقلاء و الشرع.

الثانية: إمضاء العرف لما أنشأه البائع، لكونه واجدا لما يتقوّم به البيع العرفي من مالية العوضين و نحوها.

الثالثة: إمضاء الشارع، و معناه اعتبار المماثل للملكية العرفية.

و عليه ينتفي التهافت بين كلماته، إذ مراده في أوّل المسألة من إثبات القصد في المكره هو قصد البيع الإنشائي بنظر نفسه، لا قصد الملكية العرفية و الشرعية المنوطة بطيب النفس. و مراده من قوله هنا: «عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج» بقرينة كلمة «الخارج» هو عدم قصده لحصول الملكية الشرعية، فإنّها لتوقفها على الرضا ليست مقصودة للمكره أصلا. و مراده بالعبارة الثالثة الآتية من انتفاء القصد و الرّضا هو القصد إلى تحقق الملكية الشرعية و العرفية، فيكون عطف «و عدم طيب النفس» على «عدم القصد» من قبيل تعليل انتفاء القصد الجدّي بانتفاء الرّضا «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 121.

(2) نفس المصدر.

ص: 160

الخارج، و أنّ الداعي إلى الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج (1)، لا أنّ كلامه الإنشائي مجرّد عن المدلول، كيف؟ (2) و هو معلول الكلام الإنشائي إذا كان مستعملا غير مهمل.

و هذا (3) الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمّل في معنى الإكراه لغة و عرفا، و أدنى تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه التي لا تستقيم مع ما توهمه من (4) خلوّ المكره عن قصد مفهوم اللفظ. و جعله (5) مقابلا للقصد.

______________________________

و بهذا البيان تندفع المناقضة الّتي استظهرها السيد قدّس سرّه من عبارة المتن.

(1) قد عرفت أن المراد بالخارج هو الملكية الاعتبارية التي يحكم بها العرف و الشرع بعد استجماع العقد لما يعتبر فيه.

(2) يعني: كيف يمكن خلوّ كلامه الإنشائي عن المدلول؟ مع أنّ المدلول معلول الكلام الإنشائي إذا لم يكن مهملا، و المعلول لا ينفك عن علّته.

(3) المشار إليه هو عدم كون كلام المكره خاليا عن المعنى، كمن يتكلّم تقليدا و أنّ مرادهم عدم القصد.

و هذا شروع في إثبات مدّعاه من قصد المكره للمدلول و إن لم يكن قاصدا لحصول المضمون في الخارج، و الوجوه المذكورة في المتن سبعة.

الأوّل: ملاحظة المعنى اللغوي و العرفي، و ذلك لأنّ معنى «الإكراه على الشي ء» وقوعه في الخارج على وجه الكره، و عليه فلا بدّ من قصد المدلول، و إلّا لم يقع الفعل القصدي في الخارج.

و الحاصل: أنّ الإكراه على البيع كالإكراه على الشرب، فكما لا يصدق إلّا مع الشرب في الخارج، فكذا في البيع.

(4) بيان للموصول في «ما توهمه».

(5) بالجرّ، معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه ثان، و حاصله: أنّ التتبع في ما ذكره الأصحاب قدّس سرّه من «جعل الإكراه مقابلا للقصد» يشهد ببطلان

ص: 161

و حكمهم (1) بعدم وجوب التورية في التفصّي عن الإكراه. و صحّة (2) بيعه بعد الرضا. و استدلالهم (3) له بالأخبار الواردة في طلاق المكره

______________________________

ما قد يتوهم من عبارة الشهيدين من عدم قصد مدلول العقد، لأنّهم اشترطوا القصد أوّلا، ثم اشترطوا الرّضا و عدم الإكراه. فلو لم يتمشّ القصد من المكره كان اشتراط القصد كافيا لإثبات بطلان إنشائه، و لم يحتج إلى اشتراط الاختيار حينئذ، لانتفاء العقد بانتفاء القصد، فلا متعلّق للرضا.

قال المحقق في شرائط الطلاق: «الثالث: الاختيار، فلا يصح طلاق المكره ..

الرابع: القصد .. فلو لم ينو الطلاق لم يقع كالساهي و النائم و الغالط» «1».

(1) بالجرّ معطوف أيضا على قوله: «معنى الإكراه» و هذا وجه ثالث، و حاصله:

أنّ التأمل في حكم الفقهاء بعدم وجوب التورية- لأجل التفصّي عن المكره عليه- يشهد بتحقق قصد المدلول، لتفرع التورية على القصد، فيقال بأنه يقصد معنى آخر من «بعت» غير «إنشاء تمليك عين بمال». فلو كان إنشاء المكره صوريّا خاليا عن قصد المضمون لم يكن موضوعا لوجوب التورية أو لعدم وجوبها، لفرض بطلانه من جهة قصور المقتضي بفقد الإرادة الجدية. فنفي وجوب التورية كاشف عن تحقق القصد المقوّم للإنشاء.

(2) بالجر أيضا معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه رابع، و حاصله: أنّ التأمل في حكمهم بصحة بيع المكره إذا لحقه الرضا كاشف عن حصول القصد المقوم لعقدية العقد، و إنّما المنتفي هو الشرط أعني به الرضا، فإذا لحقه صحّ، لتمامية سبب النقل حينئذ. و عليه فلا سبل للأخذ بما يتوهم من عبارة الشهيدين من عدم قصد المدلول أصلا.

(3) بالجرّ معطوف أيضا على «معنى الإكراه» و هذا وجه خامس على أنّ المكره قاصد لمدلول إنشائه، و حاصله: أنّه استدلّ الفقهاء على بطلان طلاق المكره بما ورد في جملة نصوص من «أنه لا طلاق إلّا مع إرادة الطلاق» بتقريب: أنّ مفهوم

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 12 و 13.

ص: 162

و أنّه (1) «لا طلاق إلّا مع إرادة الطلاق» (2).

______________________________

الطلاق- و هو البينونة- يتمشّى من المكره، فيقصده كالمختار، و إنّما المنفي بقوله عليه السّلام: «لا طلاق» هو صحّته شرعا، لوضوح أن وظيفته عليه السّلام بيان الحكم من الصحة و الفساد، لا بيان الموضوع وجودا و عدما حتى يتخيل عدم قدرة المكره على قصد الطلاق.

و عليه فاستدلال الأصحاب شاهد على إرادة المكره مفهوم اللفظ، و المفقود في إنشائه طيب النفس به، و لأجل فقدانه لا يقع البينونة خارجا، لإناطتها بالرّضا الباطني، و لا يتحقق موضوع إمضاء الشارع، هذا.

(1) بالجرّ محلّا معطوف على «طلاق المكره» و بيان للاستدلال، و قد عرفته آنفا.

(2) ظاهره الإشارة إلى جملة نصوص وردت بلفظ واحد، و هو «لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق» أو «لا طلاق إلّا ما أريد به الطلاق» كما في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و مرسل ابن أبي عمير عنه أيضا، و خبر عبد الواحد بن المختار الأنصاري و اليسع عن أبي جعفر عليه السّلام «1». و بهذه النصوص استدلّ في المسالك و الجواهر «2» على اعتبار القصد.

و استدلّا على اعتبار الاختيار- في مقابل الإكراه- بطوائف اخرى.

منها: خبر يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و إنّما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه» «3».

و كيف كان فالمضمون المذكور في المتن قابل للانطباق على كلتا الطائفتين، و لكن لمّا أسند المصنف الاستدلال بها إلى الأصحاب كان الغرض التنبيه على أنّ الموجود في الكتابين هو الطائفة الثانية لا الأولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 285 و 286، الباب 11 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 2 إلى 5

(2) مسالك الافهام، ج 9، ص 24، جواهر الكلام، ج 32، ص 17.

(3) وسائل الشيعة، ج 15، ص 299، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 6.

ص: 163

حيث إنّ المنفي صحة الطلاق (1) لا تحقق مفهومه (2) لغة و عرفا (3).

و فيما (4) ورد في من طلّق مداراة بأهله، إلى غير ذلك (5).

______________________________

(1) كما هو المراد في نظائره مثل «لا طلاق إلّا ببيّنة» «1» و «لا طلاق إلّا بعد نكاح، و لا عتق إلّا بعد ملك» «2».

(2) إذ ليس بيان المفهوم وظيفة الإمام عليه السّلام و إن أمكن بيانه أحيانا.

(3) قيدان للمفهوم.

(4) معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه سادس، و محصله: أنّه عدّ من الطلاق المكره عليه المحكوم بالبطلان ما إذا طلّق الرجل زوجته- أو إحدى زوجاته- مداراة بأهله و ذويه، و حسما للنزاع و التشاجر بينهم، فإنّه يبطل، لعدم طيب نفسه به مع قصده لمدلول الإنشاء. و قد ورد ذلك في بعض النصوص، ففي موثق منصور بن يونس: «قال: سألت العبد الصالح عليه السّلام و هو بالعريض، فقلت له: جعلت فداك: إنّي تزوّجت امرأة و كانت تحبّني، فتزوّجت عليها ابنة خالي .. فأبوا عليّ إلّا تطليقها ثلاثا. و لا و .. جعلت فداك ما أردت .. و لا أردت إلّا أن أداريهم عن نفسي، و قد امتلأ قلبي من ذلك .. فقال: أمّا بينك و بين اللّه فليس بشي ء، و لكن إن قدّموك إلى السلطان أبانها منك» «3».

و الشاهد في أنّ الزوج قصد المدلول، لأجل المداراة، فصدق على إنشائه «الطلاق» لكن المنفي شرعا صحته واقعا.

________________________________________

(5) أي: غير ما ورد في من طلّق مداراة بأهله، و هذا الغير ورد في نصوص عديدة، من بطلان الطلاق الذي لم يحضره العدلان، أو يفقد شرطا آخر ككونها في طهر غير مواقع، فإنّ المفهوم مقصود في الجميع، و المنفي هو الصحة الشرعية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 285، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 13.

(2) المصدر، ص 286، الباب 12، ح 1.

(3) المصدر، ص 332، الباب 38، ح 1.

ص: 164

و في (1) أنّ مخالفة بعض العامة في وقوع الطلاق إكراها لا ينبغي أن يحمل على الكلام (2) المجرّد عن قصد المفهوم الذي لا يسمّى خبرا و لا إنشاء.

و غير ذلك (3) مما يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع، و عدم (4) طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

______________________________

(1) معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه سابع، يعنى: أنّ التأمل في مخالفة بعض العامة في صحة الطلاق الإكراهي شاهد على تحقق قصد المدلول فيه، و أنّ بطلانه ليس لأجل خلوّ الصيغة عن المعنى، بل لأجل فقد طيب النفس و القصد الجدّي.

(2) الأولى تبديل «الكلام» ب «الألفاظ» ضرورة أنّ الكلام هو اللفظ المفيد المنقسم إلى الخبر و الإنشاء، فما ليس كذلك لا يسمّى كلاما.

(3) معطوف على «معنى الإكراه» يعني: و أدنى تأمّل في غير ذلك مما يوجب القطع .. إلخ. و غرضه إحالة وضوح المطلب إلى موارد متفرقة مذكورة في الكتب الفقهية، و هي توجب القطع بأنّ القصد المفقود في المكره هو قصد وقوع أثر إنشائه خارجا و عدم طيب نفسه به، و أمّا قصد المدلول فمتحقق فيه. فراجع أبواب غالب العقود و الإيقاعات تجد اشتراطها بكلّ من القصد و الاختيار، و أنّ بطلان إنشاء المكره ناش من فقد الاختيار، لا من عدم إرادة المعنى.

(4) بالرفع معطوف على «القصد» يعني: أنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو عدم طيب النفس بمضمون العقد، لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

و لا يخفى أن العطف يقتضي مغايرة المعطوف و المعطوف عليه، فالمفقود أمران قصد الوقوع خارجا و طيب النفس. لكن الظاهر اتحادهما، أو كون فقد الرّضا منشأ لانتفاء حصول الأثر خارجا أي بحكم العرف و الشرع، و قد سبق في (ص 160) بعض الكلام فيه.

ص: 165

و يكفي في ذلك (1) ما ذكره الشهيد الثاني من «أنّ المكره و الفضوليّ قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله».

______________________________

(1) أي: يكفي في أنّ المراد من نفي القصد في المكره ليس نفي قصد المعنى- و عدم استعمال الكلام فيه- ما ذكره الشهيد الثاني. وجه الكفاية: أنّه قدّس سرّه جعل المكره و الفضولي على حدّ سواء في قصد المدلول، و من المعلوم أنّ الفضوليّ قاصد للمدلول و مريد له من اللفظ- بمعنى استعماله فيه- فكذلك المكره.

و لا بأس بنقل بعض كلامه وقوفا على حقيقة الأمر. قال في شرح قول المحقق:

«فلا يصح بيع الصبي .. و كذا المجنون و المغمى عليه و السكران و المكره، و لو رضي كلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره، عدا المكره للوثوق بعبارته» ما لفظه: «الفرق بينهم و بين المكره واضح، إذ لا قصد لهم إلى العقد و لا أهلية لهم، لفقد شرطه و هو العقل.

بخلاف المكره، فإنّه بالغ عاقل، و ليس ثمّ مانع إلّا عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه، و هو مجبور بلحوقه له بالإجازة، فيكون كعقد الفضولي، حيث انتفى القصد إليه من مالكه الذي يعتبر قصده حين العقد، فلمّا لحقه القصد بالإجازة صحّ .. و بهذا يظهر ضعف ما قيل هنا من انتفاء القصد أصلا و رأسا مع عدم الرضا» إلى أن قال:

«و يمكن أن يقال: إن القصد من المكره حاصل، دون من سبق- أي المجنون و المغمى عليه و السكران- لأنّ غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ، و لا إلى مدلوله.

بخلاف المكره، فإنّه باعتبار كونه عاقلا قاصد إلى ما يتلفظ به، و يفعله بشعوره، لكنه بالإكراه غير قاصد إلى مدلوله. و ذلك كاف في صلاحيته و قبوله للصحة .. و مثله القول في عقد الفضولي .. و لا يتحقق منه قصد مدلوله أعني نقل الملك و التسليط على التصرف و غيرهما من أحكام العقد ..» «1».

فالشهيد الثاني قدّس سرّه أبطل دعوى انتفاء القصد في المكره أصلا و رأسا كما هو الحال في النائم، و أثبت القصد إلى اللفظ، و نفاه عن المدلول.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 155- 156.

ص: 166

نعم (1) ذكر في التحرير و المسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك «1». قال في التحرير: «لو اكره على الطلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق

______________________________

إلّا أن تنظيره بالفضولي شاهد على أنّ مقصوده بالقصد إلى المدلول هو القصد الجدّي إلى حصول أثر العقد في الخارج. و أما قصد التمليك في اعتبار نفسه فمتحقق حال العقد، و هذا ما أصرّ عليه المصنف أيضا.

(1) استدراك على ما استظهره من عبارة المسالك. و غرضه أنّه قد توهم عبارة أخرى في المسالك- و كذا عبارة التحرير- بعدم قصد المكره مدلول إنشائه أصلا. أمّا العلّامة فلدلالة كلامه على أنّ المكره على الطلاق لو قصد الطلاق بانت منه زوجته، و مقتضاه أنّ منشأ بطلان إنشاء المكره فقد قصد المدلول فيه، فلو قصده صحّ، لخروجه عن حدّ الإكراه موضوعا.

و أمّا الشهيد الثاني فلموافقته للعلامة، حيث قال في فروع طلاق المكره:

«الرابع: لو قصد المكره إيقاع الطلاق ففي وقوعه وجهان، من أنّ الإكراه أسقط أثر اللفظ، و مجرّد النية لا تعمل. و من حصول اللفظ و القصد و هذا هو الأصح».

و ترجيحه للصحة شاهد على تمشّي القصد من هذا المكره الناوي لوقوع الطلاق، و مفاده استناد بطلان طلاق المكره إلى فقد النيّة و القصد إلى المدلول.

و هذا بظاهره ينافي ما تقدّم منه و ما نسبه إليه المصنف من «وجود قصد المدلول في المكره، و إنّما المفقود قصد الوقوع خارجا و طيب النفس».

و لذا ناقش صاحب الجواهر قدّس سرّه في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه بمنع المبنى، و أنّ المكره قاصد للمعنى، حيث قال: «قلت: مرجع ذلك إلى أنّ الإكراه في الظاهر، دون الواقع، و قد تكرّر من العامة و الخاصة خصوصا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة في المقام و في البيع: أنّ المكره حال الكراهة لا قصد له للمدلول، و إنّما هو قاصد للفظ خاصة. و فيه منع واضح، ضرورة تحقق الإنشاء و القصد منه، و لذا ترتّب

______________________________

(1) راجع تحرير الأحكام، ح 2، ص 51، مسالك الأفهام، ج 9، ص 22.

ص: 167

إذ لا إكراه على القصد» (1) انتهى.

و بعض المعاصرين بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهّم كلامهم (2)، فردّ (3) عليهم بفساد المبنى، و عدم (4) وقوع الطلاق في الفرض المزبور.

و لكن المتأمّل يقطع بعدم إرادتهم لذلك (5)، و سيأتي ما يمكن توجيه الفرع

______________________________

الأثر عليه مع الإكراه بحقّ من تعقب الإجازة بالعقد .. إلخ» «1».

و اعترض المصنف على الجواهر بأنّ حكم العلامة و الشهيد الثاني «لو طلّق ناويا صحّ» و إن أوهم خلوّ المكره عن قصد المنشأ. و لكن بعد تصريح المسالك بمساواة عقد المكره و الفضولي في الصحة بتعقب الإجازة- و كونهما قاصدين للمدلول- لا بدّ من رفع اليد عن ظاهر عبارته المنقولة و توجيهها، و لا سبيل للأخذ بظاهرها من إرادة مجرّد اللفظ دون المدلول.

(1) لأنّ القصد فعل النفس و تحققه منوط بمباديه، و لا يعقل الإكراه عليه، و إنّما يتعلق الإكراه بأفعال الجوارح.

(2) و هو قصد اللفظ المجرّد عن المعنى.

(3) يعني: أنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه ردّ على الشهيد الثاني و العلّامة- في حكمهما بصحة الطلاق المزبور- بفساد المبنى، و وجه فساده كون المدلول مقصودا و مرادا للمكره، و إنّما المفقود طيب النفس به.

(4) بالجر معطوف على- بفساد- اى و بعدم وقوع الطلاق في ما لو اكره على الطلاق، فطلّق قاصدا للبينونة.

(5) أي: لعدم قصد المكره مدلول اللفظ، كما يوهمه عبارتا التحرير و المسالك.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 32، ص 15.

ص: 168

المزبور به (1) [1].

______________________________

(1) يعني: في قوله: «بقي الكلام في ما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير ..» إلخ، فراجع (ص 253).

______________________________

[1] لا يخلو كلام الجواهر من وجه، بعد ملاحظة شتات كلمات الشهيد الثاني قدّس سرّه، فإنّه و إن ساوى بين المكره و الفضولي من جهة، و لكنه بعد نقل عبارة الدروس- و هي جملة: فلو اكره حتى ارتفع قصده لم يؤثر الرضا- قال: «لكن يبقى في هذا كله إشكال من وجه آخر. و هو: أنّ الهازل قد حكموا بفساد عقده، و لم يذكروا لزومه لو لحقه الرضا به. و ظاهر حاله أنّه قاصد إلى اللفظ دون مدلوله، لأنّه بالغ عاقل. فاللازم حينئذ إمّا إلحاقه بالمكره في لزوم عقده مع لحوق الرضا، أو إبداء الفرق بكونه غير قاصد للفظ. و فيه تأمّل» «1». و هذه الجملة ظاهرة بل صريحة في إنكار قصد المدلول الإنشائي في كلّ من الهازل و المكره، فهما سيّان من هذا الحيث.

فالإنصاف الحكم بتهافت كلام الشهيد الثاني، و ليس هناك ظهور في بعضه و إجمال في بعضه الآخر حتّى يتيسّر الجمع بينهما بحمل المجمل على الظاهر. فما نسبه إليه في الجواهر ليس متوهّم كلام الشهيد، بل هو ظاهره لو لم يكن صريحه.

ثمّ إنّه ينبغي تفصيل الكلام في مسألة عقد المكره، فنقول و به نستعين: من شرائط المتعاقدين الاختيار، بمعنى إيقاع مضمون العقد عن طيب النفس، بحيث يكون القصد المزبور ناشئا عن طيب نفسه، لا عن إكراه الغير عليه، فيكون طيب النفس غير أصل قصد إيقاع المضمون الذي هو مقوّم لمفهوم العقد، فهذا شرط شرعي زائد على ما يعتبر في حقيقة العقد عرفا، فالمفقود في بيع المكره هو طيب النفس بما أنشأه، لا الاختيار، فإنّه حاصل بقصد وقوع المنشأ، فإنّ هذا القصد الحاصل من ترجيح الوجود على العدم في نظر المختار الموجب لميل النفس إليه المتعقب بتعلق الإرادة و القصد به عين الاختيار لوقوع المنشأ، و هذا الميل هو المعبّر عنه بطيب النفس.

______________________________

(1) مسالك الافهام، ج 3، ص 157.

ص: 169

______________________________

و عليه فاعتبار القصد إلى المنشأ في حقيقة الإنشاء راجع إلى اعتبار عدم الإكراه، لا إلى اعتبار طيب النفس، لكفاية الشرط السابق في اعتباره، لأنّ الإنشاء متقوم بقصد وقوع المنشأ، فبدون القصد لا يتحقق الإنشاء.

و دعوى عدم القصد في عقد المكره أصلا غير مسموعة، إذ مع عدم العقد كيف يكون عقد المكره بالحق صحيحا، و المكره بغير الحق صحيحا بالرضا اللاحق؟ فالقصد المقوم للعقدية موجود في عقد المكره، و إلّا لم يكن عقدا قابلا للصحة بالرضا اللاحق.

فالمتحصل: أنّ المعتبر في صحة العقد عدم الإكراه. و أمّا الرضا بمضمون العقد و طيب النفس به المتوقف عليهما قصد الإنشاء فهو مما لا بدّ منه في تحقق عنوان العقد.

و منه يظهر أنّ الإكراه مانع شرعا، لا أنّ طيب النفس شرط كذلك، فإذا قصد اللفظ و المعنى و أنشأ المعنى باللفظ فقد تحقّق العقد، و هو نافذ، و يترتب عليه الأثر، إلّا إذا وقع عن إكراه. فلو شك في تحقق الإكراه ينفى بالأصل، و يحكم بصحته. و هذا بخلاف ما إذا كان طيب النفس شرطا، فلا يحكم بصحته إلّا إذا أحرز هذا الشرط.

نعم إذا شكّ بعد العقد في أنّه هل صدر عن إكراه أم عن طيب النفس فمقتضى أصالة الصحة صحّته في ظاهر الشرع، من غير فرق في ذلك بين شرطية الطيب و مانعية الكراهة.

ثمّ إن تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على التعرض لجهات:

الاولى: أنّه قد حكي اتفاق كلمة الأصحاب على بطلان عقد المكره. و أمّا العامة فقد اختلفت كلماتهم في ذلك. فعن الحنابلة «يشترط في البيع أن يكون العاقدان مختارين ظاهرا و باطنا، فإذا كانا مختارين في الظاهر فقط كأن اتفقا على بيع عين لأحدهما فرارا من ظالم يريد اغتصابها، فإنّ هذا البيع يقع باطلا، و لا ينعقد، لأنّهما و إن تعاقدا باختيارهما ظاهرا، و لكنهما في الباطن لا يريدان هذا البيع، و يسمّى بيع التلجئة و الأمان. أمّا إذا باع شيئا فرارا من ظالم و نحوه من غير أن يتفق مع المشتري على أنّ هذا بيع تلجئه و أمانة، فإنّ البيع يقع صحيحا، لأنّه صدر من غير إكراه في هذه الحالة».

و عن الحنفية «أنّ عقد المكره ينعقد فاسدا، و لكن يصح بالإجازة».

ص: 170

______________________________

و عن الشافعية «أنّ بيع المكره لا ينعقد رأسا إلّا إذا قصد إيقاع العقد و نواه حال الإكراه، فإنّه في هذه الحالة لا يكون مكرها».

و عن المالكية «أنّ الإكراه الذي يمنع نفاذ البيع هو الإكراه بغير حق» هذا.

ثمّ إنّ العلامة قدّس سرّه في التحرير قال: «لو اكره على الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق» و قد يستظهر من هذه العبارة ما أفاده جماعة، منهم الشهيد الثاني قدّس سرّه- في عبارته المتقدمة في التوضيح- من أنّ المكره غير قاصد للمدلول.

لكن الظاهر أنّ هذا الاستظهار في غير محله، لأنّ العلّامة يريد عدم تحقق الإكراه عند إمكان التورية، و لذا لو لم يورّ المطلق صحّ طلاقه، لأنّه ناو له. فالعلّامة قدّس سرّه يعتبر في الإكراه عدم إمكان التورية. و سيأتي تفصيل محتملات كلام العلّامة قدّس سرّه في (ص 253) فانتظر.

و أمّا عبارة الشهيد الثاني فقد احتمل فيها وجوه:

الأوّل: ما ربما يكون ظاهر عبارته من عدم القصد للمكره و الفضولي، نظير الهازل.

و فيه أوّلا: أنّه خلاف الوجدان، لكونهما قاصدين للمعنى قطعا. بشهادة أنّ الإكراه قد يقتضي الدهشة، فيضطرّ المكره إلى قصد إيقاع مضمون الإنشاء، فضلا عن قصد مدلول اللفظ.

و ثانيا: أنّ البناء على خلوّ المكره عن القصد يوجب ركاكة الاستدلال على بطلانه بما دلّ على اعتبار الرّضا و طيب النفس، أو حديث رفع الإكراه و نحو ذلك، لأنّ صحة التمسك بها منوطة بصدق العقد على عقد المكره حتى يكون وجه بطلانه فقدان شرطه.

و أما مع عدم صدق العقد عليه لا وجه للتمسك المزبور.

و ثالثا: أنّ لازمه عدم قابلية عقد الفضولي و المكره حينئذ للنفوذ بالإجازة، إذ لا عقد حقيقة حتى ينفذ بالإجازة.

كما أن لازمه عدم صدق العقد حتى لو كان الإكراه بحقّ أو لحقه الرضا.

و دعوى كون الصحة في هذين الفرضين تعبديا- لا بعنوان البيع مثلا- في غاية الضعف.

ص: 171

______________________________

الثاني: أن لا يكونا قاصدين لمضمون العقد، و هو الأثر الشرعي، لأنّهما حيث يعلمان بعدم ترتب الأثر على عقدهما شرعا و عرفا لم يتمشّ منهما قصد ترتب الأثر على عقدهما.

و فيه: أنّه إن أريد بالمضمون اعتبار المتعاقدين فهو موجود في أفق النفس بعد قصد اللفظ و المدلول كما هو المفروض.

و إن أريد به اعتبار العقلاء أو الشارع، ففيه أوّلا: أنّ عدم قصدهما لذلك مختص بما إذا كانا عالمين بفساد عقدهما. و أمّا إذا لم يكونا عالمين به فيتمشّى منهما هذا القصد.

خصوصا في الفضولي المعتقد لكون المال ملك نفسه، ثمّ تبيّن أنّه لغيره و أنّه أخطأ في التطبيق و باع مال غيره باعتقاد كونه مال نفسه.

و ثانيا: أنّه لا دليل على اعتبار قصد ذلك في صحة المعاملة، و لذا تصح المعاملة من غير المتدينين أيضا الّذين لا يعتقدون بالشرع فضلا عن قصدهما للإمضاء الشرعي.

فهذا الاحتمال ممنوع أيضا.

الثالث: أن يراد بالعبارة ما احتمله المحقق النائيني قدّس سرّه «من عدم كونهما قاصدين لما هو ظاهر كلامهما، فإنّ ظاهر قول الموجب- بعت- هو أنّه مالك للبيع، و أنّه بداعي طيب النفس لا بإكراه الغير. و المشتري يستظهر منه ذلك، و المفروض أنّ البائع لإكراهه ليس كما استظهره المشتري، من قول البائع: بعت» «1».

و فيه أوّلا: أنّه ليس دائما كذلك، إذ قد يكون هناك قرينة على الفضولية و على الإكراه، و مع هذه القرينة كيف يكون اللفظ ظاهرا في ذلك؟

و ثانيا: أنّ قصد خلاف هذا الظاهر لا دليل على كونه مفسدا للعقد.

و بالجملة: لم يظهر معنى صحيح لكلام الشهيد من أنّ المكره و الفضولي قاصدان

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 182.

ص: 172

______________________________

إلى اللفظ دون مدلوله، فيردّ علمه إليه قدّس سرّه.

و قد عرفت في (ص 169) أجنبية كلام العلامة في طلاق المكره عما أفاده الشهيد من عدم قصد المكره و الفضولي لمدلول العقد، فلا معنى لاستظهار رأي الشهيد من كلام العلّامة فراجع. فلا يمكن عدّ العلامة ممّن أنكر قصد المكره لمدلول العقد.

و قد ظهر مما بيّنا فساد ما أفاده الفاضل النراقي قدّس سرّه من استناد بطلان البيع الإكراهي إلى عدم وجود ما يدلّ على قصد البيع، حيث إنّ إجراء الصيغة مع الإكراه لا يكشف عن القصد، فلا يكون من البيع العرفي، لعدم كاشف عن كونه مريدا لنقل الملك، بل الإكراه قرينة على عدم إرادة ظاهر اللفظ، «1» فتأمّل جيّدا.

الجهة الثانية: أنّ محل البحث في هذه المسألة هو العقد الجامع للشرائط غير الاختيار أي طيب النفس، فلا بد أن يكون عقد المكره جامعا للشرائط، إذ لو كان فاقدا للقصد كان بطلانه لعدم القصد، بل لا عقد حقيقة حتى يتصف بالصحة أو الفساد، فيكون من السالبة بانتفاء الموضوع، و يكون عقد المكره من فروع المسألة السابقة و هي اعتبار قصد مدلول العقد. و لم يكن الاختيار بمعنى القصد عنوانا آخر، فلا بدّ أن يراد بشرطية الاختيار طيب النفس، لا قصد مدلول العقد الذي هو مقوم للعقد.

و الحاصل: أنّه يعتبر في عقد المكره جميع ما يعتبر في عقد غيره عدا طيب النفس، نظير الإكراه على شرب الخمر، فإنّ الالتفات إلى نفس الخمر و الشرب موجود، و المفقود هو الرضا و طيب النفس. فما عن جماعة منهم الشهيد في المسالك من «أنّ المكره و الفضولي قاصدان الى اللفظ لا إلى مدلوله» لا يستقيم بظاهره. و قد مرّ توجيهه بوجوه مع ما فيها من الإشكالات.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 267.

ص: 173

______________________________

الجهة الثالثة: في الدليل على اعتبار طيب النفس في صحة العقد، بحيث لو لم يكن دليل على اعتبار طيب النفس في المعاملة كان مقتضى القاعدة صحة بيع المكره، لأنّه عقد عرفي، فيشمله ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود.

لكن قد استدل على ذلك بوجوه:

الأوّل: الإجماع.

و فيه: أنّ البطلان و إن كان مسلّما، لكن يحتمل قريبا أن يكون وجهه الوجوه الآتية، فلا يحصل اطمئنان بإجماع تعبدي في المسألة.

الثاني: قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» بتقريب: أنّه سبحانه و تعالى نهى عن تملك الأموال بجميع الأسباب سوى التجارة عن تراض. و من المعلوم أنّ التراضي ليس هو الإرادة المقوّمة لعقدية العقد كما توهم، فإنّه مضافا الى كونه خلاف الظاهر يستلزم اللغوية، بداهة تقوم التجارة بالإرادة، فذكر التراضي بمعنى الإرادة بعد التجارة يكون لغوا. فالمراد بالرضا هو طيب النفس فالعقد الإكراهي مقرون بالإرادة و الاختيار، و إذا عرى عن القصد عدّ من الأفعال غير الاختيارية.

ثمّ إنّ الفائدة المترتبة على الفعل الاختياري الصادر من فاعله المختار على ثلاثة أقسام:

الأوّل: أن يرى الخير المحض في فعله سواء أ كان ذلك الخير دنيويا، كما إذا رأى أن المشتري يشتري ماله بربح كثير. أم أخرويا كما إذا اعتقد بمثوبات جميلة مترتبة على التصدق بماله، فيختار التصدق به. و في هاتين الصورتين يختار الفعل بطيب نفسه.

الثاني: أن يرى الفعل خيرا لنفسه بعنوان ثانوي، كما إذا ابتلى بمرض يتوقف

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 29.

ص: 174

______________________________

علاجه على بيع داره، و صرف قيمتها في المعالجة، فإنّ بيع الدار حينئذ و إن لم يكن خيرا له بعنوانه الأوّلي، إلّا أنّه خير له بالعنوان الثانوي، لأنّ بيعها مقدّمة لدفع ضرر متوجه إلى نفسه أو نفس ولده. و هذا الضرر أجنبي عن المعاملة، و ليس من ناحية ظالم و نحوه.

و في هذا القسم يقدم على بيع داره بطيب نفسه، و يشكر اللّه تعالى على ما أنعم به خالقه جلّ و علا من نعمة الدار و بيعها للمعالجة، أو للإنفاق على عياله أو لأداء الدّين الواجب، أو لدفع جرائم ثبتت عليه، أو طلب منه الظالم مالا لا يقدر على دفعه إليه إلّا ببيع داره أو أثاثه مثلا، من دون أن يجبره الظالم على بيع شي ء من أمواله، بل مورد الإجبار هو دفع المال.

الثالث: أن يرى الفعل خيرا له، لكونه موجبا لدفع ضرر الظالم الناشئ من ترك الفعل، لا من جهات خارجية، كما إذا حمل الجائر شخصا على بيع داره مثلا مع الإيعاد على تركه بقتل أو ضرب أو غيرهما، فإنّ البيع و إن صدر بمقدماته الاختيارية من التصور و التصديق بفائدته و الميل و الشوق المؤكّد المعبّر عنه غالبا بالإرادة التي هي تأثير النفس في حركة العضلات، لكن الفاعل غير راض به كما لا يخفى.

و الفرق بين هذا و سابقه- بعد اشتراكهما في كون صدور الفعل فيهما بالعنوان الثانوي- هو: أنّ الرضا في هذا القسم مفقود، لأنّ البيع صدر بإيعاد الظالم، فدفع ضرر الظالم دعاه إلى البيع، لا طيب نفسه. بخلاف القسم السابق، فإنّ الداعي إلى البيع ليس إيعاد الظالم على ترك البيع، بل الظالم أكرهه على إعطاء ألف دينار مثلا، و توقّف نجاته من هذه الغرامة على بيع داره، فيرضى بالبيع بداعي رفع الاضطرار.

نظير ما إذا ابتلى بمرض صعب العلاج كالسرطان و السّل، و توقف علاجه على مئونة كثيرة لا يقدر على بذلها إلّا بأن يبيع داره، فإنّه يرضى بهذا البيع لدفع هذه الضرورة، أو توقف العلاج على قطع عضو فاسد من أعضائه بحيث لو لم يقطعه سرى

ص: 175

______________________________

المرض إلى سائر أعضائه، فيرضى بقطع عضوه و يبتهج بذلك.

بخلاف بيع الدار إذا أوعده الظالم على ترك البيع، فإنّه لا يرضى بالبيع أبدا، لأنّ داعيه إلى البيع إيعاد الظالم على تركه.

و قد اتضح ممّا بيّنا: أنّ بيع المكره من قبيل القسم الثالث، لأنّ البيع الصادر عن إكراه فعل اختياري للمكره، لكنه فاقد للرضا و طيب النفس، فبيع المكره تجارة لكنها عن غير تراض، فيبطل، إذ المفروض انحصار السبب المملّك للأموال المحلّل شرعا بالتجارة المقرونة بطيب النفس.

الوجه الثالث: ما دلّ من الروايات على «حرمة التصرف في مال غيره إلّا بطيب نفسه» كموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه» «1».

و عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي عن أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري رحمه اللّه عن صاحب الزمان عجّل اللّه تعالى فرجه قال: «فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «2» و غير ذلك من الروايات الدالة على حرمة التصرف في مال الغير.

و مقتضى إطلاقها حرمة جميع التصرفات من الخارجية و الاعتبارية، و بيع المكره لمّا لم يكن مقرونا بالرضا كان حراما.

الوجه الرابع: الروايات الدالة على بطلان طلاق المكره و عتاقه، كخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: سألته عن طلاق المكره و عتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق و لا عتقه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 3، ص 424، الباب 3 من أبواب مكان المصلى، ح 1

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، ح 6.

ص: 176

______________________________

بعتق» الحديث «1». تقريبه: أنّه لإطلاق إلّا مع إرادته و قصده، فالمنفي هو الطلاق المسلوب فيه الرضا بسبب الإكراه. و بضميمة عدم القول بالفصل بينهما و بين غيرهما من العقود و الإيقاعات تدلّ على المطلوب.

الوجه الخامس: حديث رفع التسعة التي منها الإكراه، و هو ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رفع عن أمتي تسعة الخطاء و النسيان و ما اكرهوا عليه و ما لا يطيقون و ما لا يعلمون و ما اضطرّوا إليه و الحسد و الطيرة و التفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة» «2».

تقريب الاستدلال به على بطلان عقد المكره هو: إن الرفع تشريعي، فكل حكم يؤخذ من الشارع مرفوع في حال الإكراه أي إذا صدر عن إكراه، من غير فرق بين كون الحكم تكليفيا و وضعيا، لأنّ الرفع التشريعي يشمل كل ما تناله يد التشريع. و من المعلوم أنّ الحكم الوضعي كذلك، فيرفع عند الإكراه، سواء أ كان فعل المكلف متعلقا للتكليف كحرمة شرب الخمر، أم موضوعا له كالإفطار الذي هو موضوع لوجوب القضاء و الكفارة. و كالبيع الذي صدر عن إكراه.

فالإكراه على إيجاد موضوع الحكم كالإكراه على إيجاد متعلّقه كالشرب، و هذا ما قرّر في الأصول من أن معنى حديث رفع التسعة رفع ما يكون وضعه و رفعه بيد الشارع من الحكم التكليفي و الوضعي.

فلا حاجة في الاستدلال به على ما نحن فيه من التشبث باستدلال الامام عليه السّلام بهذا النبوي على ما رواه أحمد بن أبي عبد اللّه في المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعا عن أبي الحسن عليه السّلام «في الرجل يستكره

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 331، الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، ح 1.

(2) وسائل الشيعة، ج 4، ص 1284، الباب 37 من أبواب قواطع الصلاة، ح 2، و ج 5، ص 345، الباب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 2.

ص: 177

______________________________

على اليمين، فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام: لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضع عن أمتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطأوا» «1».

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه أمران:

أحدهما: أنّ المعاملة الاضطرارية صحيحة. و التمسك لفسادها بآية التجارة عن تراض و النبوي غير سديد، إذ المفروض حصول طيب النفس في المعاملة الاضطرارية فالآية لا تشمل البيع المضطرّ إليه.

و أمّا وجه عدم شمول الحديث له فلأنّه وارد مورد الامتنان، و ليس رفع الآثار الوضعية لأجل الاضطرار امتنانا على الأمّة، بل هو مناف للامتنان.

نعم في رفع الحكم التكليفي كحرمة شرب الخمر إذا اضطرّ إليه منّة على العباد كما لا يخفى.

ثانيهما: أنّ الإكراه بحقّ لا يبطل المعاملة، و إلّا كان الإكراه لغوا. و يقتضيه أخصية ما دلّ على عدم بطلان المعاملة من حديث رفع الإكراه و ذلك في موارد.

منها: إكراه المحتكر على بيع الطعام، فإنّ المحكيّ عن المهذّب البارع الإجماع عليه، و عن التنقيح عدم الخلاف في ذلك. و قد وردت جملة من الروايات في ذمّ المحتكر و حرمة الاحتكار، و كونه من الجرائم الموبقة.

و منها: أنّ القاضي يحكم ببيع ملك المديون لإيفاء الغرماء حقوقهم، فإنّ البيع حينئذ صحيح، لولاية الفقيه على الممتنع.

و منها: إكراه شخص على بيع ماله للإنفاق على واجبي النفقة من الأب و الأم و الزوجة و غيرهم، فإنّ البيع لصرف الثمن في نفقات هؤلاء جائز و نافذ.

و منها: امتناع الراهن من أداء دينه، فإنّ الحاكم يجبره على بيع العين المرهونة و أداء دين المرتهن من ثمنها، فلا يؤثر الإكراه في فساد بيعه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 136، الباب 12 من كتاب الأيمان، ح 12.

ص: 178

[حقيقة الإكراه، و ما يعتبر في صدقه]

ثمّ إنّ (1) حقيقة الإكراه لغة و عرفا حمل الغير على ما يكرهه.

______________________________

حقيقة الإكراه، و ما يعتبر في صدقه

(1) هذا شروع في جهة أخرى من جهات البحث في عقد المكره، و هي تحديد الموضوع أعني به الإكراه ليترتب عليه حكمه، في قبال الاضطرار و الجبر و الإلجاء.

و محصله: أنّه لمّا لم يكن للإكراه حقيقة شرعية كان المرجع في معناه إلى العرف و لو باستكشافه من كلام اللغوي، و قد عرّفه الجوهري بما في المتن، حيث قال:

«و أكرهته على كذا حملته عليه كرها» «1».

و المستفاد من هذا التعريف توقف صدق الإكراه على اجتماع أمور ثلاثة:

الأوّل: تحميل المكره شيئا مقرونا بالتهديد بإيراد ضرر عليه لو خالفه.

الثاني: أن يكون ما توعّد به مضرّا لا يتحمّل عادة، سواء أ كان الضرر متوجها إلى شخص المكره أو إلى ذويه كالوالد و الولد و الزوجة. و سواء أ كان في النفس أو في الطرف أو في العرض، أو في المال. فلو أكرهه على البيع مثلا و هدّده بأخذ مال منه لو لم يبع، و لم يكن دفع ذلك المال مضرّا بحال المكره- ليساره و كثرة أمواله- لم يتحقق الإكراه.

الثالث: علم المكره أو ظنّه بترتب المتوعد به لو خالف، بأن يكون المكره قادرا على المؤاخذة، و المكره مقهورا عاجزا عن دفع الضرر.

فإن اجتمع هذه الأمور تحقق الإكراه، بمعنى عدم استقلال المكره في التصرف، أي عدم طيب نفسه بما يصدر منه من فعل، إذ في تركه مظنة الضرر. و هذا لا ينافي صدوره منه باختياره إمّا دفعا للضرر المتوعّد به من طرف المكره. و إمّا لترجيح أخفّ الضررين على الأشدّ، كما إذا تضرّر المكره من بيع دار سكناه، و لكنه يقدم على بيعها و يتحمّل الضرر المادّي، دفعا للضرر الأعظم المتوعد به كالقتل.

و الجامع بين الفرضين عدم رضاه بما يفعله، لأنّ علمه بتحقق الوعيد أو ظنّه به

______________________________

(1) صحاح اللغة، ج 6، ص 2247.

ص: 179

و يعتبر (1) في وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه (2) مظنون الترتب على ترك ذلك الفعل، مضرّ بحال الفاعل أو متعلقة نفسا أو عرضا أو مالا.

فظهر (3) من ذلك أنّ مجرّد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله (4) في المكره عليه. كيف (5)؟ و الأفعال الصادرة من العقلاء كلّها أو جلّها

______________________________

هو الباعث له نحو الفعل المكره عليه، لا طيب نفسه به.

و قد ظهر من هذا اعتبار كون نفس الفعل مكرها عليه كالبيع في المثال. و أما إذا أكرهه على دفع مال خطير، و توقّف تحصيله على بيع داره فباعها، لم يكن ذلك إكراها على البيع، لكون مطلوب المكره نفس المال لا مقدمته و هو البيع. نعم يضطرّ المكره إلى البيع لتسديد حاجته، و لكنه أمر آخر، و سيأتي توضيح الفرق بين الإكراه و الاضطرار.

(1) هذه الجملة إلى قوله: «أو مالا» جامعة للأمور المتقدمة، فقوله: «اقترانه بوعيد منه» إشارة إلى الأمر الأوّل، و قوله: «مظنون الترتب، إشارة إلى الأمر الثالث.

و قوله: «مضرّ بحال الفاعل» إشارة إلى الأمر الثاني.

(2) الإتيان بكلمة «منه» لأجل إخراج موارد عن حدّ الإكراه نذكر بعضها:

الأوّل: ما إذا طلب المكره شيئا من المكره، و أخافه من آفة سماوية لو خالف، بأن قال له: «بعني هذه الدار و إلّا نزلت بك صاعقة أو زلزال مثلا» فإنّ هذا الوعيد لمّا لم يكن من شأن المكره لم يصدق على هذا التهديد حدّ الإكراه.

الثاني: ما إذا كان الضرر المتوعد به فعل شخص آخر غير المكره، و لكن ذلك الغير لم يحمّل شيئا على المكره و لم يوعّده بضرر.

(3) هذا متفرع على اعتبار الأمور الثلاثة المتقدمة في تعريف الإكراه، بضميمة إتيانه بنفس ما أكرهه عليه لا بمقدمته.

(4) بل يدخله في المضطرّ إليه.

(5) يعني: كيف يدخله في المكره عليه؟ و الحال أنّ الأفعال العقلائية كلّها

ص: 180

ناشئة عن دفع الضرر. و ليس (1) دفع مطلق الضرر الحاصل من إيعاد شخص

______________________________

أو جلّها تصدر لدفع الضرر عن النفس أو عمّن يتعلّق بها، كبذل المال للطعام و الشراب دفعا لضرر الجوع و العطش، و شراء الأدوية لعلاج المرض، و كذا الحال في شراء الألبسة للاتّقاء من الحرّ و البرد، و شراء الدار للسكنى فيها، و من المعلوم خروج هذه الموارد أيضا عن حدّ الإكراه موضوعا.

(1) غرضه من هذه العبارة التنبيه على ما تقدم آنفا من اعتبار الإتيان بنفس ما اكره عليه، فلو أتى بمقدمته لم يتحقق الإكراه الموضوع للأحكام. كما إذا أكرهه الظالم على دفع مال إليه، و لم يقدر على دفعه إليه إلّا ببيع داره و دفع ثمنها إليه، فإنّ بيع الدار صحيح، لعدم ورود الإكراه عليه، بل الإكراه ورد على دفع المال. فهذا الإكراه لم يسقط المكره عن الاستقلال في التصرف، بل له التصرف البيعي و عدمه.

و الحاصل: أنّ الإكراه لا بد أن يتعلّق بنفس بيع الدار حتى يكون بيع المكره صادقا عليه. و حينئذ يختار الفعل من باب حكم العقل بوجوب دفع الضرر عن نفسه أو عرضه أو ماله، أو عن غيره المتعلق به، بحيث يعدّ ضرره ضررا عليه، ففعل المكره لا يخرج بالإكراه عن أفعاله الاختيارية. لكنه يصدر عنه بغير طيب نفسه، لأنّ النفس كارهة لفعل ما يحمّله غيره عليه، مع الإيعاد على تركه بضرر يشقّ عليه تحمله.

و هذا بخلاف ما يفعله لدفع الضرر، لكنه مع الاستقلال في فعله، كبيع ماله لدفع الجوع، أو لأداء دينه، أو لدفع ظلم الجائر الذي يريد أن يأخذ منه مالا بدون أن يجبره على بيع داره، فإنّه يختار البيع دفعا للضرر الجوعي مثلا، و يطيب نفسه بذلك.

بخلاف ما إذا أنشأ البيع عن إيعاد الظالم على تركه، فإنّه لا يطيب نفسه بحمل الغير إياه على البيع. و إن كان اختياره له لأجل دفع الضرر، لكنّه مقرون بإيعاد الغير.

و بالجملة: فالبيع مثلا إن كان لدفع الضرر الناشئ عن إيعاد الغير كان صحيحا، و هو المسمّى بالمضطرّ إليه. و إن كان لدفع ضرر المكره، لم يكن صحيحا، و هذا هو المسمّى بالمكره عليه. فاتّضح الفرق بين الإكراه و الاضطرار.

ص: 181

يوجب (1) صدق المكره عليه (2)، فإن (3) من اكره على دفع مال، و توقّف على بيع بعض أمواله، فالبيع الواقع منه لبعض أمواله (4) و إن كان لدفع الضرر المتوعد به على عدم دفع ذلك المال، و لذا (5) يرتفع التحريم عنه لو فرض حرمته عليه (6) لحلف أو شبهه (7)، إلّا (8) أنّه ليس مكرها.

فالمعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل- من أجل الإكراه المقترن بإيعاد الضرر- عن (9) الاستقلال في التصرف بحيث لا يطيب نفسه

______________________________

(1) خبر قوله: «و ليس دفع».

(2) حتى يكون بيع الدار- في الإكراه على دفع المال لا على البيع- مندرجا في بيع المكره.

(3) تعليل لقوله: «و ليس دفع» و قد تقدم توضيحه آنفا.

(4) كما إذا كان للمكره أموال متفرقة كالنقود و البستان و الدار، فباع داره لتسليم ثمنها إلى الظالم دفعا للضرر المتوعّد به.

(5) أي: و لأجل صحة بيع شي ء لدفع الضرر يرتفع التحريم عنه، و غرضه إقامة الشاهد على أن «البيع لدفع الضرر» ليس على إطلاقه إكراها، فقد يكون البيع للاضطرار، و هو رافع للحرمة التكليفية، و لا يوجب فساد المعاملة وضعا، فلو حلف على عدم بيع داره، ثم اضطرّ إلى بيعها لدفع الثمن إلى الظالم المكره حلّ بيعه و لم يحنث الحلف، و يصحّ وضعا، لعدم صدق «الإكراه من الغير» على هذا البيع.

(6) هذا الضمير و ضمير «عنه» راجعان إلى الموصول في «من اكره» و هو المكره على دفع المال لا على البيع. و ضمير «حرمته» راجع إلى البيع.

(7) كالنذر و العهد الموجبين لطروء عنوان ثانوي على المتعلّق.

(8) خبر قوله: «فالبيع».

(9) متعلق ب «سقوط».

ص: 182

بما يصدر منه، و لا يتعمّد إليه عن رضاه، و إن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر، أو ترجيحا لأقلّ الضررين.

إلّا أنّ هذا المقدار (1) لا يوجب طيب نفسه به، فإنّ النفس مجبولة على كراهة ما يحمّله غيره عليه مع الإيعاد عليه بما يشقّ تحمله.

و الحاصل (2): أنّ الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنّه مستقلّ في فعله و مخلّى و طبعه فيه (3) بحيث يطيب نفسه بفعله، و إن كان من باب علاج الضرر.

و قد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه. و هذا ممّا لا يطيب النفس به، و ذلك (4) معلوم بالوجدان.

[هل يتوقف الإكراه على العجز عن التخلص بالتورية أو بغيرها؟]

ثم إنّه هل يعتبر (5)

______________________________

(1) يعني: أنّ هذا المقدار من الاختيار- الناشئ من دفع الضرر أو تحمل أخفّ الضررين- لا يجدي في صحة المعاملة، إذ لا تطيب نفس المكره بما يحمّله المكره عليه.

(2) غرضه- كما تقدم التنبيه عليه- عدم التنافي بين كون تصرف المكره إراديا و بين عدم طيب نفسه بفعله الإرادي.

(3) أي: في فعله، إذ لا تحميل في موارد الاضطرار.

(4) يعني: وجود طيب النفس في المضطرّ المستقلّ في تصرّفه، و فقدان الطيب في المكره على البيع مثلا.

هذا كلّه في بيان حدّ الإكراه، من حيث ميزه عن الاضطرار. و سيأتي الكلام في أنّ العجز عن التورية دخيل فيه أم لا.

هل يتوقف الإكراه على العجز عن التخلص بالتورية أو بغيرها؟

(5) هذه إحدى جهات البحث في إنشاء المكره، و هي: أنّ الإكراه المتحقق بتحميل الغير و إيعاده الضرر بالمكره هل يتقوّم مفهومه بالعجز عن دفع الضرر المتوعد به، بحيث لو كان قادرا على التفصي عنه لم يصدق «المكره عليه» على فعله؟

ص: 183

..........

______________________________

أم لا دخل له في صدق الإكراه موضوعا.

و على الثاني فهل يعتبر في حكمه الشرعي- و هو سقوطه عن الأثر المترتب على فعل المختار- عجز المكره عن التفصّي و الفرار عن الضرر، أم لا يعتبر ذلك أصلا؟ أم يفصّل بين التفصّي عن الضرر بالتورية و بغيرها؟ في المسألة وجوه بل أقوال:

الأوّل: عدم دخل التمكّن من التخلّص عن إيعاد المكره، لا في مفهوم الإكراه و لا في حكمه الشرعي، فيصدق الإكراه و يرتفع أثره الشرعي بمجرّد تحميل الغير، و إيعاده الضرر على المكره، سواء تمكن من التخلص أم عجز عنه. بلا فرق بين الإكراه على إنشاء معاملة و بين غيره، كالإكراه على فعل محرّم أو ترك واجب، و هذا منسوب إلى جماعة، و اختاره المصنف في بادئ الأمر.

الثاني: التفصيل بين المعاملة و غيرها، بعدم اعتبار إمكان التفصي عن المكره عليه في المعاملة، فتبطل بمجرّد الإكراه و إن كان قادرا على التخلّص منها. و باعتباره في غير المعاملة، فلا يجوز ارتكاب المحرّم المكره عليه إلّا بالعجز عن التفصّي عنه.

الثالث: التفصيل بين كون المتفصّى به تورية و غيرها، فإن قدر على التورية لم يكن مكرها، سواء أ كان المكره عليه معاملة أم غيرها، و ان تمكّن من التفصّي من ضرر المكره بوسيلة أخرى لم يجب عليه ذلك، فهو مكره عليه، فلا يحرم فعله، و لا يصحّ إنشاؤه.

الرابع: التفصيل بين الموضوع و الحكم، بمعنى أنّ إمكان التخلص غير مأخوذ في مفهوم الإكراه، و لكنه ملحوظ في حكمه الشرعي، فالقادر على التفصّي مكره موضوعا و غيره مكره أثرا، فلا يكون إنشاؤه باطلا شرعا، و سيأتي تفصيل الكلام إن شاء اللّه تعالى.

و المراد بالتورية هو الستر و الإخفاء، بإلقاء كلام ظاهر في معنى و إرادة خلاف ظاهره، مع إخفاء القرينة على المراد، فكأنّ المتكلم وارى و ستر مراده عن المخاطب

ص: 184

في موضوع (1) الإكراه أو حكمه (2) عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما (3) لا يوجب ضررا آخر كما حكي عن جماعة، أم لا؟ الذي يظهر من النصوص و الفتاوى عدم (4) اعتبار العجز عن التورية، لأنّ حمل

______________________________

بإظهار غيره، بحيث تخيّل المخاطب إرادة ظاهر كلامه، قال العلامة الطريحي:

«ورّيت الخبر- بالتشديد- تورية: إذا سترته و أظهرت غيره، حيث يكون للفظ معنيان، أحدهما أشيع من الآخر، و تنطق به و تريد الخفي». «1»

و يمكن التنظير له بما روي من قول عقيل: «أمرني معاوية أن ألعن عليا، ألا فالعنوه» لأنه أراد بمرجع الضمير معاوية الآمر باللعن، عليه أشد لعائن اللّه و الملائكة و الناس أجمعين.

و كيف كان فاستدل المصنف قدّس سرّه على إطلاق الإكراه- و عدم دخل إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به- بوجوه سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(1) بأن يكون مفهومه العرفي متقوّما بعجز المكره عن التخلص عن الضرر المتوعد به.

(2) بأن يكون مفهوم الإكراه مطلقا شاملا للقدرة على التفصي و عدمها، إلّا أنّ سلب الحكم عن إنشاء المكره مخصوص تعبدا بعجز المكره عن الفرار. فلو قدر عليه لم يكن محكوما بحكم الإكراه، فلو أكرهه الجائر على طلاق زوجته، و تمكّن المكره من ترك الإنشاء رأسا، أو التورية بإرادة خلاص زوجته من الأعمال البيتية كالطبخ و الغسل و تربية الأطفال، فأنشأ الصيغة- غير قاصد للبينونة- لم يقع الطلاق، إذ لا إكراه مع إمكان التفصي عمّا أكره عليه.

(3) متعلق ب «التفصي» يعني: يتخلّص المكره من المكره عليه، و لم يستتبع فراره ضررا آخر عليه، فلو استتبعه كان مكرها.

(4) هذا ما استظهره المصنّف أوّلا، و هو تحقق الإكراه بمجرّد تحميل الغير، سواء

______________________________

(1) مجمع البحرين ج 1، ص 436.

ص: 185

..........

______________________________

أمكن التخلص منه أم لا، و كذا لا يعتبر في حكمه الشرعي إمكان العجز عن التفصي.

أمّا عدم اعتبار العجز عن التفصي بالتورية فلقضاء العرف بصدق موضوع الإكراه مع القدرة على التورية.

و أما عدم دخل إمكان التفصي في حكم الإكراه- بعد سعة مفهومه و شموله لصورتي العجز عن التورية و عدمه- فإطلاق النصوص و الفتاوى يقتضي عدم الفرق في حكم الإكراه بين صورة العجز عن التورية و عدمه، و هذا الإطلاق يشمل كلتا الصورتين في عرض واحد، بعد وضوح عدم دخل العجز عن التورية في موضوع الإكراه.

و عليه فحمل الإطلاق المزبور على خصوص صورة العجز عن التورية- للجهل بالتورية، أو الدهشة الموجبة للغفلة عن التورية- يكون من حمل المطلق على الفرد النادر، لأنّ الغالب التمكن من التورية. فهذا الحمل بعيد جدا، لكونه في الاستهجان نظير تخصيص العام بأكثر أفراده، و من المعلوم إباء العام و المطلق عن ذلك، فيتقوّى الإطلاق و الشمول لصورة القدرة على التورية، و يشكل تقييده بالعجز عنها.

خصوصا مع ورود الإطلاق في كل ما يمكن أن يستدلّ به على سقوط إنشاء المكره عن الأثر لا في دليل واحد، قال في الجواهر: «و لا يعتبر عندنا في الحكم ببطلان طلاق المكره عدم التمكن من التورية- بأن ينوي غير زوجته، أو طلاقها من الوثاق، أو يعلقه في نفسه بشرط، أو نحو ذلك- و إن كان يحسنها، و لم تحصل له الدهشة عنها، فضلا عن الجاهل بها، أو المدهوش عنها، لصدق الإكراه، خلافا لبعض العامة» «1».

و قريب منه ما في المسالك من دعوى الإجماع، و إن مال هو قدّس سرّه إلى اعتبار التورية للقادر عليها، فراجع «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 32، ص 15.

(2) مسالك الافهام ج 9، ص 22.

ص: 186

لأنّ حمل عموم (1) رفع الأكرة، و خصوص (2) النصوص الواردة في طلاق المكره و عتقه، و معاقد الإجماعات (3) و الشهرات (4) المدّعاة في حكم المكره على (5) صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة بعيد (6) جدّا. بل غير صحيح في بعضها

______________________________

(1) هذا هو الدليل الأول الرافع لحكم الإكراه في المعاملات و غيرها، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أحاديث رفع التسعة أو الستة أو الثلاثة «رفع ما استكرهوا عليه» و حيث إنّ الغالب القدرة على التورية، فحمله على رفع حكم الإكراه عن العاجز عنها حمل للمطلق على الفرد النادر، و هو ممنوع.

(2) هذا هو الدليل الثاني، و قد تقدمت جملة من النصوص النافية للطلاق و العتق الإكراهيين، فراجع (ص 163 و 164).

(3) هذه الإجماعات المتضافر نقلها دليل ثالث. و الإجماع و إن كان دليلا لبيّا يقتصر فيه على المتيقن و هو العاجز عن التورية، إلّا أنّ استهجان حمل إطلاق المعقد على الفرد النادر يقتضي الأخذ بالإطلاق، كما هو واضح، فتأمل [1].

(4) بناء على كون الشهرة الفتوائية دليلا على الحكم الشرعي فإطلاقها حجة كالإجماع المنقول، و إلّا فهي مؤيدة لإطلاق الأدلة اللفظية.

(5) متعلق ب «حمل».

(6) خبر قوله: «لأنّ حمل» يعني: أنّ الفرد النادر- و هو العجز عن التورية- إمّا أن يكون لجهل المكره بأسلوبها، و إمّا أن يكون لدهشته و ذهوله عن التورية مع علمه بها.

و مثال الجهل ما إذا أكره على طلاق زوجته، و لم يعلم أن يقصد من الطلاق خلاص الزوجة من الوثاق و أعمال البيت و تربية الأطفال، بحيث لو كان عالما بهذه التورية لم يقصد جدّا بينونة زوجته.

و مثال الدهشة، كما إذا سلّ المكره سيفه عند أمره بالطلاق، فأثّر الخوف في المكره، و عرضت الدهشة عليه، و نسي تمكّنه من التورية، فطلّق قاصدا للبينونة.

______________________________

[1] إشارة إلى: أنّه لا إطلاق في معقد الإجماع حتى يكون حمله على الفرد النادر مستهجنا، إذ المفروض كونه لبيّا، و لا محيص عن الأخذ بالمتيقن منه.

ص: 187

من جهة المورد (1)، كما لا يخفى على من راجعها.

مع أنّ القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيّز الإكراه عرفا (2)، هذا.

______________________________

ففي هذين المثالين حكموا ببطلان الطلاق، للعجز عن التورية، فهما المتيقن من رفع الإكراه شرعا.

(1) لعل مقصوده ما ورد في قصة عمار على ما رواها المفسرون في شأن نزول قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ، إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» إنّ قريشا أكرهوه و أبويه ياسرا و سميّة على الارتداد، فأبى أبواه فقتلوهما، و هما أوّل شهيدين في الإسلام، و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها. فقيل يا رسول اللّه: إنّ عمارا كفر، فقال: كلّا إنّ عمارا ملي ء إيمانا من قرنه إلى قدمه، و اختلط الايمان بلحمه و دمه، فأتى عمار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يبكي، فجعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمسح عينيه، و قال: ما لك إن عادوا لك فعدهم بما قلت» «2».

تقريب عدم إمكان حمل قصة عمار على صورة العجز عن التورية هو: أنه مع العجز عن التورية لم يكن وجه لاضطراب عمار و بكائه، لأنّه بعد فرض عجزه عن التورية يكون مضطرّا إلى التكلم بكلمة الكفر، و الاضطرار رافع للحرمة. فاضطرابه كان لأجل التمكن من التورية و لم يورّ، و قرّره النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، و نفى البأس عمّا قاله من كلمة الكفر، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ان عادوا فعد» و لم يأمره بالتورية بإرادة معنى آخر من كلمة الكفر غير ما هو ظاهره.

(2) هذا راجع إلى صدق الإكراه موضوعا مع القدرة على التورية، و حاصله: أنّ

______________________________

(1) سورة النحل، الآية: 109.

(2) راجع مجمع البيان، ج 3 ص 388، و روي كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّار في عدة نصوص، مثل ما رواه صاحب الوسائل عن أصول الكافي بسند معتبر و كذا في تفسير البرهان، و لكن لم تتعرّض لقصة ياسر و زوجته، فراجع وسائل الشيعة ج 11، ص 476 الباب 29 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2، و تفسير البرهان، ج 2، ص 385 و 386، الحديث: 2 و 3 و 4 و 9.

ص: 188

و ربما يستظهر (1) من بعض الأخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه

______________________________

مفهوم «الإكراه» عرفا يعمّ كلتا صورتي القدرة على التورية و العجز عنها، لما عرفت من أنّه «التحميل المقترن بإيعاد ضرر على المكره، لا يتحمّل عادة». و من المعلوم عدم الفرق في هذا المفهوم العرفي بين التمكن من التورية و عدمه.

نعم قد يفرّق بينهما بالنظر الدقيق العقلي، بدعوى: أنّ الخوف من الضرر- الذي هو مناط الإكراه- غير متحقق عند القدرة على التورية، بأن يقصد من قوله: «زوجتي طالق» خلاصها من شؤون البيت، إذ به يتخلّص من وعيد المكره، و لا يتضرر بشي ء، كما أنّه لم يقع الطلاق الشرعي.

و هذا بخلاف العاجز عن التورية، لجهله بها أو لصيرورته مدهوشا مرعوبا بالإكراه بحيث لا تتمشى منه التورية، فيكون الداعي على قصد الطلاق هو تحميل الغير لا طيب نفسه به.

و لكن هذا الفرق مردود بما في المتن من قوله: «عرفا» يعني: أنّ لفظ «الإكراه» كسائر الألفاظ الموضوعة للأحكام الشرعية خوطب به العرف، فهو المتّبع في سعة دائرة المفهوم و ضيقها، و لا ريب في صدقه على مطلق التحميل سواء تمكّن المكره من التورية أم لا، هذا.

و لا يخفى أن المناسب تقديم هذا الكلام على قوله «الذي يظهر من النصوص» لأن الموضوع مقدّم طبعا على الحكم، فلا بد أوّلا من التعرض لعدم دخل العجز عن التورية في موضوع الإكراه، ثم في حكمه، ضرورة أنّ دعوى كون حمل إطلاق النصوص و الفتاوى على صورة العجز عن التورية حملا للإطلاق على الفرد النادر مبنيّة على عموم معنى الإكراه لكلتا صورتي القدرة على التورية و العجز عنها حتى تصح دعوى ندرة العجز عن التورية.

(1) يعني: أنّ الكلام كان في إثبات عدم دخل القدرة على التخلص- بالتورية- من المكره في موضوع الإكراه و حكمه، و غرضه تعميم مفهوم الإكراه لما إذا أمكن

ص: 189

آخر (1) غير التورية أيضا في صدق الإكراه، مثل رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يمين في قطيعة رحم، و لا في جبر، و لا في إكراه. قلت:

أصلحك اللّه، و ما الفرق بين الجبر و الإكراه؟ قال: الجبر من السلطان و يكون الإكراه من الزوجة و الأم و الأب، و ليس ذلك بشي ء» الخبر «1».

و يؤيده (2) أنّه لو خرج عن الإكراه عرفا بالقدرة على التفصي بغير التورية

______________________________

التفصي من الضرر بغير التورية، كالفرار أو تحمل سوء خلق الزوجة و نحوهما، على ما يستفاد من رواية ابن سنان، المفصّلة بين جبر السلطان و إكراه الوالدين و الزوجة.

تقريب الاستظهار: أنّ السلطان مثال لمن لا يمكن التفصي من مخالفته، و الزوجة و الأب و الأمّ أمثلة لمن يمكن التفصي من حمله على الفعل، لغلبة الإمكان في الثاني دون الأوّل، فكأنّه عليه السّلام قال: «الجبر يكون من حامل لا يمكن التفصي منه نوعا مثل السلطان. و الإكراه يكون من حامل يمكن التفصي منه نوعا كالزوجة و الأب و الأم» فأطلق الإكراه على التوعيد الذي يمكن التفصي فيه، لانتفاء كمال السلطنة مثلا أو غيره، إذ غاية ما يترتب على مخالفة الزوج لما تطلبه منه زوجته هو سوء خلقها و تهاونها في إدارة شؤون المنزل، و هذا ممّا يتحمل عادة، و يستبعد جدّا أن تورد ضررا على زوجها في نفسه أو ماله.

(1) كالفرار و الاستمداد من أصدقائه ليخلّصونه من شرّ المكره، فكما يصدق الإكراه بالقدرة عليه، كذلك مع القدرة على التورية. و عليه فلا فرق في تحقق الإكراه بتحميل الغير، سواء تمكّن من التخلص عنه بالتورية أو بغيرها، أم لم يتمكن من شي ء منهما.

(2) يعني: و يؤيّد الاستظهار المزبور، و حاصل التأييد: أنّه لو كانت القدرة على التفصي بغير التورية قادحة في صدق الإكراه لكانت القدرة على التفصي بالتورية قادحة أيضا في صدقه، إذ المناط في صدق الإكراه هو عدم إمكان التخلص عن الضرر- المتوعد به على ترك الفعل المكره عليه- إلّا بفعل المكره عليه. فمع إمكان

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 143، الباب 16 من أبواب اليمين، ح 1.

ص: 190

خرج عنه بالقدرة عليها، لأنّ المناط حينئذ (1) انحصار التخلص عن الضرر المتوعّد في (2) فعل المكره عليه، فلا (3) فرق بين أن يتخلّص حينئذ بكلام آخر أو فعل آخر، و بهذا الكلام مع قصد معنى آخر.

و دعوى (4) أنّ جريان حكم الإكراه مع القدرة على التورية تعبديّ- لا من جهة صدق حقيقة الإكراه- كما (5) ترى.

لكنّ الإنصاف (6) أنّ وقوع الفعل عن الإكراه لا يتحقّق إلّا مع العجز عن

______________________________

التخلص بغيره- سواء أ كان التخلص بكلام آخر أم فعل آخر أم بنفس هذا الكلام مع قصد معنى آخر غير معناه الظاهر- لا يصدق الإكراه.

(1) أي: حين الخروج عن الإكراه بسبب القدرة على التفصي عن الضرر بغير التورية، فالمناط في صدق الإكراه عدم إمكان التخلص عن الضرر إلّا بفعل المكره عليه.

(2) متعلق بقوله: «انحصار» يعني: أنّ التخلص من الضرر الإيعادي منحصر في فعل المكره عليه.

(3) متفرع على قوله: «لأنّ المناط حينئذ» يعني: فلا فرق في عدم الانحصار .. إلخ.

(4) غرضه أنّ الفرق بين إمكان التفصي بالتورية و بين إمكانه بغيرها هو: أنّ الإكراه و إن لم يكن صادقا في كلتا صورتي إمكان التورية و غيرها، لكن حكم الإكراه ثابت مع إمكان التفصي بالتورية تعبدا، دون إمكانه بغير التورية.

(5) خبر «و دعوى» و حاصله: منع هذه الدعوى، لعدم الدليل على إلحاق غير المكره عليه بالمكره عليه، بل المانعية تدور مدار عنوان الإكراه، فبدونه لا يحكم بمانعية غير الإكراه. فترتّب حكم الإكراه في صورة القدرة على التورية إنّما هو لأجل صدق الإكراه لا للتعبد.

(6) مرجع هذا إلى تسليم الدعوى المذكورة التي حكم بكونها «كما ترى» فغرضه قدّس سرّه العدول عمّا أسّسه من أنّ العجز عن التفصي- بالتورية أو بغيرها-

ص: 191

..........

______________________________

غير دخيل في الإكراه موضوعا و حكما. و مقتضى هذا العدول و إن كان اشتراط الإكراه بامتناع التفصي عنه مطلقا، لكنه قدّس سرّه فصّل بين التمكن من التخلص بالتورية و بين تمكنه بغيرها. فهنا مطلبان، أحدهما: توقف الإكراه على العجز عن التفصي.

و ثانيهما: التفصيل بين كون المتفصّى به تورية أو غيرها.

أما المطلب الأوّل فتوضيحه: أنّه قد تقدم تقوّم مفهوم الإكراه بأمور ثلاثة: منها علم المكره- أو ظنّه- بترتب الضرر على مخالفة ما أكره عليه، و يعبّر عن هذا الأمر بخوف الضرر. و على هذا يعتبر في تحقق الإكراه أن يكون الداعي إلى الإتيان بالفعل المكره عليه خصوص خوف ترتب الضرر المتوعد به على ترك ذاك الفعل المكره عليه، و من المعلوم أنّه مع القدرة على التفصي عنه بدون الإتيان بالفعل المكره عليه لا يترتب الضرر على مجرّد ترك المكره عليه، بل على تركه و ترك التفصي معا، فهو مختار في دفع الضرر بين فعل المكره عليه و بين التفصي عن الضرر بوجه آخر، فلا إكراه في البين.

و الشاهد على إناطة صدق الإكراه بالعجز عن التخلّص هو الفرق المرتكز عند أبناء المحاورة بين أن يقول المكره: «طلّق زوجتك أو بع دارك، و إلّا» و بين أن يأمره بالطلاق خاصة. حيث إنّ البيع عدل للطلاق في المثال الأوّل، و إنشاء كلّ منهما مستند إلى تحميل المكره، فهو مسلوب الأثر.

بخلاف المثال الثاني الذي طلب المكره الطلاق خاصة، و فرضنا تمكن المكره من التخلص إمّا بالخروج مدّة من بلده، و إما بمراجعة صديق ليشفع له عند المكره كي يتنازل عن إكراهه، فإنّه لا يخاف المكره ترتب الضرر المتوعد به، فلو طلّق لم يستند إلى خوف الضرر، لعدم صدق الإكراه في هذه المنفصلة: هذا مكره على أحد الأمرين إما طلاق زوجته و إمّا تركه بالفرار من البلد أو الاستشفاع بصديق.

و وجه عدم الصدق كون الفرار و نحوه دافعا للإكراه حقيقة، و لم يأمر به المكره

ص: 192

التفصي بغير التورية، لأنّه (1) يعتبر فيه أن يكون الداعي عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك (2). و مع القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا على ترك المكره عليه، بل (3) على تركه و ترك التفصي معا. فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين من فعل المكره عليه و التفصي، فهو مختار في كل منهما، و لا يصدر كل منهما إلّا باختياره، فلا إكراه.

و ليس (4) التفصي من الضرر أحد فردي المكره عليه حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الإكراه عنهما، كما لو أكرهه على أحد الأمرين، حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها، لأنّ (5) الفعل المتفصى به مسقط عن المكره عليه لا بدل له.

______________________________

لا تعيينا و لا تخييرا.

هذا في عدم دخل العجز عن التفصي بغير التورية، و هو و إن كان جاريا في القدرة على التفصي بالتورية أيضا، إلّا أنّه سيأتي عدم اعتبار التمكن منها.

(1) تعليل لعدم تحقق الفعل الإكراهي إلّا مع العجز عن التفصي بغير التورية.

(2) أي: ترك الفعل المكره عليه.

(3) يعني: بل يكون الضرر مترتبا على ترك كلا الأمرين، و هما: المكره عليه و التفصي.

(4) هذا إشارة إلى توهم و دفعه، حاصل التوهم: صدق الإكراه هنا أيضا، حيث إنّ التفصي أحد عدلي المكره عليه، فكأنّه مكره على الفعل أو على التفصي مخيّرا بينهما، فإمكان التفصي لا يخرجه عن صدق الإكراه.

(5) هذا دفع التوهم المزبور، و حاصله: أنّ الفعل المتفصّى به عن الضرر المتوعد به مسقط عن المكره عليه لا عدل له، و لذا لا يكون محكوما بأحكام المكره عليه إجماعا. ففرق بين الإكراه على أحد الأمرين من البيع أو الطلاق تخييرا، و بين إكراهه على البيع خاصة مع قدرته على الفرار.

ص: 193

و لذا (1) لا يجري عليه (2) أحكام المكره عليه إجماعا، فلا يفسد إذا كان عقدا.

و ما ذكرناه (3) و إن كان جاريا في التورية، إلّا أنّ الشارع رخّص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصي بوجه آخر (4)، لما ذكرنا (5) من ظهور النصوص و الفتاوى، و بعد حملها على صورة العجز عن التورية.

______________________________

(1) أي: و لأجل عدم كون الفعل المتفصى به بدلا عن الفعل المكره عليه لا يجري عليه أحكام المكره عليه، فلو كان الفعل المتفصى به عقدا لا يبطل، مع أنّ من الواضح بطلانه لو كان عدلا للفعل المكره عليه. كما لو أكرهه على بيع داره، فتفصّى منه ببيع بستانه، فإنه يقع صحيحا إجماعا، مع أنّه لو كان مكرها عليه- كبيع الدار- لم يصح قطعا، و هذا كاشف عن عدم كون الفعل المتفصّى به عدلا و بدلا لما أكره عليه.

(2) هذا الضمير و الضمير المستتر في «يفسد» راجعان إلى المتفصّى به.

(3) من إناطة صدق الإكراه بخوف الضرر، المتوقف على العجز عن التخلّص من إضرار المكره، و غرضه بيان الفارق بين كون المتفصّى به تورية و غيرها، فيقال:

باعتبار العجز عن التخلّص بغير التورية في صدق الإكراه، و عدم اعتبار العجز عن التخلص بالتورية في صدقه، مع أنّ التفصّي عن الضرر المتوعد به بكلّ منهما مشترك في ارتفاع موضوع الإكراه به.

و حاصل وجه الفرق أمران، أحدهما: التعبد، لأنّ الشارع رتّب أثر الإكراه في صورة إمكان التفصي بالتورية، دون التفصي بغير التورية، لما تقدم من ظهور النصوص و الفتاوى في ترخيصه في ترك التورية، لبعد حملها على صورة العجز عنها، لكونه من حمل المطلق على الفرد النادر.

(4) فلو أمكن التفصي بغير التورية- كالخروج من البلد و الاستشفاع بالصديق و نحوهما- لم يتحقق الإكراه، إذ لا خوف حينئذ.

(5) تقدم في قوله: «الذي يظهر من النصوص و الفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية .. إلخ» فراجع (ص 185).

ص: 194

مع (1) أنّ العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوّزة للحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه «1»، خصوصا (2) في قضيّة عمّار و أبويه، حيث أكرهوا على الكفر، فأبى أبواه فقتلا، و أظهر لهم عمّار ما أرادوا، فجاء باكيا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنزلت الآية مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن عادوا عليك فعد» «2». و لم ينبّهه على التورية.

فإنّ التنبيه في المقام و إن لم يكن واجبا (3)، إلّا أنّه لا شك في رجحانه خصوصا من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باعتبار شفقته على عمّار، و علمه بكراهة تكلم عمّار بألفاظ الكفر من دون تورية كما لا يخفى، هذا.

و لكنّ الأولى (4) أن يفرّق بين إمكان التفصي بالتورية و إمكانه بغيرها،

______________________________

(1) هذا وجه ثان لعدم اعتبار العجز عن التورية في الإكراه، و حاصله: أنّه لو كان ذلك معتبرا فيه كان اللازم الإشارة إليه في الأخبار المجوّزة للحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه، مع عدم التنبيه عليه، كما تقدم في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، لإطلاق الإكراه على ما يطلبه الوالدان و الزوجة، مع أنّه عليه السّلام نفى حكم اليمين فيه بقوله: «لا يمين في إكراه».

(2) وجه الخصوصية أهمية القضية، و كمال شفقة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عمار.

(3) وجه عدم وجوب التنبيه على التورية في المقام هو: إناطة وجوب التورية بالالتفات إليها، فمع الجهل بها- و لو مع العلم بحكمها- لا يجب التنبيه، لأنّه من إعلام الجاهل بالموضوع، و من المعلوم عدم وجوبه.

(4) هذا عدول عن وجه الفرق المزبور، الذي كان مرجعه إلى عدم صدق الإكراه موضوعا على صورة التمكن من التورية مع إجراء حكم الإكراه عليه تعبّدا.

______________________________

(1) لاحظ وسائل الشيعة: ج 16، ص 143، الباب 16 من أبواب كتاب الأيمان.

(2) مجمع البيان، ج 3، ص 388.

ص: 195

..........

______________________________

و ملخص ما ذكره في قوله: «و لكن الأولى أن يفرق .. إلخ» أنّ الإكراه يصدق موضوعا على صورة التمكن من التورية، و لا ينافيه التمكن من التورية.

توضيح الفرق بين إمكان التفصي بالتورية و بين إمكانه بغير التورية- بصدق الإكراه موضوعا على الأوّل دون الثاني- هو وقوع المكره في الضرر على تقدير تركه للمكره عليه، و هو موجود في التورية، إذ مع التفات المكره إلى ترك المكره عليه يوقع المكره في الضرر و لو مع التورية.

و إن شئت فقل: إنّ المكره في موارد التمكن من التورية مقهور في إرادة أحد الأمرين، إمّا إيجاد نفس الفعل المكره عليه، و إمّا التورية، فأيّهما وقع يقع عن إرادة مقهورة لإرادة الغير. نظير الإكراه على أحد الأمرين كإلزامه ببيع داره أو إجارة حمّامه.

و هذا بخلاف موارد القدرة على غير التورية، لتمكّنه من مخالفة الآمر- مع اطّلاعه عليها- بدون الإضرار.

و بعبارة أخرى: الفرق بين التورية و غيرها من أنحاء التفصي هو: أنّ الضرر الذي يورده المكره على المكره لا يدور مدار مخالفة المكره واقعا لما أكره عليه، بل يدور مدار إحراز المكره مخالفة المكره، فيقال: «كل ما أحرز المكره مخالفة المكره لأضرّ به» و هذه القضية الشرطية غير متحققة عند تمكّن المكره من الفرار أو التخلص من شرّ المكره بوجه آخر كالاستشفاع، فلا يصدق الإكراه حقيقة للأمن من إضراره حينئذ.

و هذا بخلاف ما لو تفصّى المكره بالتورية بأن أكره على بيع داره، فقصد تمليك منفعتها لا رقبتها، فإنّه لو التفت المكره إلى ما تورّى به المكره، و علم بمخالفته لأمره لأورد الضرر عليه قطعا، إذ المفروض كون المكره في مكان تحت حيطة استيلاء المكره، فيقدر على الإضرار به و تنفيذ ما توعّده به. و على هذا فالتمكن من التورية لا ينافي الإكراه موضوعا، بخلاف التمكن من التفصّي بوجوه أخر.

ص: 196

بتحقّق (1) الموضوع (2) في الأوّل دون الثاني (3)، لأنّ الأصحاب وفاقا للشيخ في المبسوط ذكروا من شروط تحقق الإكراه «أن يعلم أو يظن المكره- بالفتح- أنّه لو امتنع مما أكره عليه وقع فيما توعد عليه» (4)، و معلوم أنّ المراد ليس امتناعه (5) عنه في الواقع و لو مع اعتقاد المكره- بالكسر- عدم الامتناع، بل المعيار (6) في وقوع الضرر اعتقاد المكره (7) لامتناع المكره.

و هذا المعنى (8) يصدق مع إمكان التورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصّي بغيرها، لأنّ المفروض تمكنه من الامتناع مع اطّلاع (9) المكره عليه،

______________________________

(1) متعلق ب «يفرّق» و بيان له.

(2) و هو الإكراه المتقوم بخوف الضرر.

(3) و هو التفصّي بغير التورية.

(4) حيث قال فيه: «و أما بيان الإكراه فجملته: أنّ الإكراه يفتقر إلى ثلاث شرائط .. و الثاني: أن يغلب على ظنّ المكره أنّه إن امتنع من المراد منه وقع به ما هو متوعّد به» «1». و نحوه كلام غيره. و الشاهد في أنّ امتناع المكره واقعا لا يترتب عليه الإضرار، و إنّما لترتب الضرر لو أحرز المكره امتناع المكره عمّا أكره عليه، فلو باع المكره و قصد الإجارة و علم المكره بتوريته لأضرّ به، و عليه فالتورية لا تدفع الإضرار لو علم بها المكره.

(5) أي: امتناع المكره عمّا أكره عليه.

(6) بالفتح معطوف على «المراد».

(7) فلو ورّى المكره و علم المكره به لأضرّ به، لأنّه يعتقد مخالفة المكره لما أكره عليه.

(8) أي: كون المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره امتناع المكره عمّا اكره عليه.

(9) يعني: أنّ المكره يطّلع على امتناع المكره من تنفيذ ما أكره عليه، و لكنّه

______________________________

(1) المبسوط، ج 5، ص 51، و لاحظ أيضا شرائع الإسلام، ج 3، ص 13، تحرير الأحكام، ج 2، ص 51، مسالك الافهام، ج 9، ص 18، الروضة البهية، ج 6، ص 20، نهاية المرام، ج 2، ص 12، كفاية الأحكام، ص 198، رياض المسائل، ج 2، ص 169، الحدائق الناضرة، ج 25، ص 159.

ص: 197

و عدم وقوع الضرر عليه.

و الحاصل: أنّ التلازم بين امتناعه (1) و وقوع الضرر- الذي هو المعتبر في صدق الإكراه- موجود مع التمكن بالتورية، لا مع التمكن بغيرها (2)، فافهم (3).

______________________________

لا يمكنه الإضرار بالمكره، للفرار و نحوه.

(1) أي: امتناع المكره، فالضرر مترتب على امتناع المكره مع اطّلاع المكره على الامتناع، لترتب الإضرار على اعتقاده بامتناع المكره، لا على امتناعه واقعا. و هذا متحقق في خصوص القدرة على التورية، دون غيرها، إذ اطّلاع المكره على امتناع المكره يوقعه في الضرر و إن تشبّث بالتورية.

(2) أي: بغير التورية.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ المناط في صدق الإكراه عدم القدرة على التفصّي عن الضرر المتوعّد به، فلو تمكّن من التفصّي عنه- و لو بالتورية- لم يصدق الإكراه، فإذا علم باندفاع الضرر بالتورية- كما إذا علم بعدم اطّلاع المكره على التورية- لم يتحقق الإكراه. و عليه فلا فرق في عدم صدق الإكراه بين أنحاء التفصّي عن الضرر.

هذا تمام الكلام في دخل العجز عن التفصي- عن المكره عليه- في الإكراه موضوعا أو حكما، و قد عرفت اختلاف أنظار المصنف في المسألة، الكاشف عن إعضالها [1].

______________________________

[1] الجهة الرابعة: هل يعتبر في مفهوم الإكراه وجود مكره واقعا، أم يكفي فيه مجرّد الاعتقاد بوجوده، و إن كان اعتقاده مخالفا للواقع؟ فيه تفصيل. فإن قلنا بكون الوجه في البطلان حديث الرفع كما ذكره السيد قدّس سرّه «1» صحّ البيع، لتقوّم الإكراه بوجود المكره، و المفروض عدمه.

و إن قلنا بكون الوجه فيه عدم طيب النفس بطل البيع، لفقدان طيب النفس بعد اعتقاد وجود المكره و بيعه خوفا من الضرر المتوعد به بحسب اعتقاده.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 120.

ص: 198

______________________________

كما يصح البيع في صورة العكس، و هو ما إذا باع باعتقاد الإكراه، ثم تبيّن عدمه، فإنّ البيع فاسد، لعدم الرضا النفساني مع كونه معتقدا بوجود مكره.

فتظهر الثمرة بين شرطية طيب النفس و مانعية الإكراه في صورة اعتقاد وجود المكره له على بيع متاعه فباعه، مع فرض عدم وجود المكره واقعا.

و كيف كان فالمصنف اعتبر في الإكراه قيودا خمسة:

الأوّل: وجود شخص حامل على الفعل، فلولاه لا يتحقق الإكراه، فإنّ باب الإفعال يقتضي وجود حامل على إيجاد فعل مكروه لطبعه. و قد أشار الماتن إلى هذا الأمر بقوله:

«إنّ حقيقة الإكراه لغة و عرفا حمل الغير على ما يكرهه».

الثاني: أن يتوجّه الإكراه إلى نفس المعاملة، لا إلى غيرها ممّا يتوقف على المعاملة كما إذا أكرهه على دفع مال أو بناء قنطرة أو مسافرة أو غيرها مما يتوقف على بيع بعض أمواله، فإنّ الإكراه حينئذ يتوجه إلى المقدمة أي مقدمة البيع، لا الى نفس البيع.

و إن شئت فقل: إن الإكراه على البيع تارة نفسي، أي الإكراه يتعلق أوّلا و بالذات بنفس البيع، و أخرى غيري كالإكراه على بناء قنطرة يتوقف ذلك على بيع بعض أمواله.

و البيع في هذه الصورة صحيح ظاهرا بلا إشكال، لعدم جريان الأدلة الدالة على قدح الإكراه في الصحة فيه.

أمّا الإجماع فلأنّ المتيقن منه غير هذه الصورة.

و أمّا حديث الرفع فإطلاقه و إن كان شاملا للإكراه الغيري، لكن تطبيقه في المقام خلاف الامتنان، لأنّ بطلان البيع في هذا الفرض تضييق على المكلف، لا توسعة له.

كما يقال مثله في الإكراه بحق، حيث إنّ إجراءه خلاف الامتنان بالنسبة إلى صاحب الحق.

فلو اكره على بيع داره لوفاء دينه كان بيعه صحيحا، لأنّ إبطاله ضرر على الدائن فلا يشمله الحديث الشريف.

الثالث: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «و يعتبر في وقوع الفعل من ذلك الحمل

ص: 199

______________________________

اقترانه بوعيد منه» و حاصله: أنّ الإكراه لا يتحقق إلّا باقترانه بوعيد من المكره، و لا يكفي في حصول الإكراه توجه الضرر على ترك الفعل المكره عليه و لو من ناحية غير الآمر.

قال السيد قدّس سرّه: «فعلى هذا لا يصدق على ما أشرنا إليه سابقا من طلب الغير منه فعلا إذا خاف من تركه الضرر السماوي، أو ضررا من جانب شخص آخر إذا اطّلع على ذلك مع عدم توعيده، بل و كذا إذا فعل الفعل لا بأمر الغير، لكن خاف منه الضرر. و حينئذ فالإقدام على الفعل قبل اطّلاع الجائر بتخيل أنّه إذا اطّلع على الترك أوصل إليه الضرر لا يعدّ من الإكراه» «1».

و تبعه المحقق النائيني رحمه اللّه في ذلك قال مقرّر بحثه رحمه اللّه: «يعتبر توعيد الطالب على الترك، ثم يعتبر الظن أو الاحتمال العقلائي على ترتب ذلك الوعيد على الترك، فمجرد أمر الغير مع عدم اقترانه بتوعيد منه لا يدخل في موضوع البحث و إن خاف من تركه ضررا سماويا، أو الضرر من شخص آخر غير الآمر» «2».

لكن الإنصاف أنّ المعتبر في الإكراه خوف ترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه و إن لم يكن توعيد على الترك، بحيث يكون الترك موجبا لخوف الضرر، سواء أ كان من نفس الآمر أم من غيره، و سواء أ كان مع توعيد المكره أم مع عدمه، و سواء أ كان الضرر دنيويا أم أخرويا.

نعم إذا كان الضرر أخرويّا حكم بصحّة المعاملة، لكون الإكراه بحقّ صحيحة.

فضابط الإكراه هو أن يكون الداعي إلى ارتكاب الفعل خوف الضرر من شخص و لو من ناحية غير الآمر، و من غير تصريح الآمر به، فتفسد المعاملة المنبعثة عن خوف الضرر المترتب على تركها بشرط كون الضرر واردا عليه من إكراه المكره و إن لم يوعّده بالضرر حين الإكراه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 122.

(2) منية الطالب، ج 1، ص 185.

ص: 200

______________________________

و لا فرق في بطلان العقد حينئذ بين كون الدليل على بطلان عقد المكره حديث الرفع و دليل اعتبار طيب النفس.

أمّا على الثاني فواضح، لفقدانه مع الخوف المزبور.

و أمّا على الأوّل فلما عرفته من أنّ حقيقة الإكراه هي انبعاث الفعل عن خوف الضرر المترتب على الإكراه و إن لم يوعد المكره بالضرر، لكن كان المكره خائفا بأن علم بالضرر أو احتمل احتمالا عقلائيا.

فعلى كل حال لا ينبغي الريب في فساد المعاملة الناشئة عن خوف الضرر الوارد عليه من جهة مخالفة أمر الآمر، و إن لم يكن نفس الآمر ملقيا له في الضرر.

الرابع: ما أشار قدّس سرّه إليه في المتن في مقام الفرق بين إمكان التفصي بالتورية، و بين إمكانه بغيرها من قوله: «ذكروا من شروط تحقق الإكراه أن يعلم أو يظن المكره أنّه لو امتنع مما اكره عليه وقع فيما توعد عليه» و ظاهره اعتبار العلم أو الظن بترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه، و عدم كفاية احتماله.

لكن المحقق النائيني قدّس سرّه في عبارته المتقدمة اكتفى باحتمال ترتب الضرر على ترك المكره عليه، و هذا هو الصواب.

أما بناء على شرطية طيب النفس فواضح، لأنّ خوف الضرر الناشئ عن الاحتمال العقلائي مناف للرضا النفساني المعتبر في صحة المعاملة، فتبطل، لانتفاء طيب النفس.

و أمّا بناء على مانعية الإكراه فلما عرفت من أنّ ضابطه هو نشو الفعل عن خوف الضرر الوارد عليه من إنسان، بحيث لو لم يكن الخوف لما فعل ذلك. و من المعلوم أنّ هذا الضابط متحقق بمجرّد الاحتمال العقلائي من دون حاجة إلى العلم أو الظن بترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه. و لا دليل أيضا على اعتبار العلم أو الظن في الإكراه تعبدا، هذا.

ص: 201

______________________________

ثم إنّ السيد قدّس سرّه ذكر «أنّه لا بدّ في صدق الإكراه من كون الضرر المتوعد به مما لم يكن مستحقا عليه، فلو قال: افعل كذا و إلا قتلتك قصاصا، أو: و إلّا طالبتك بالدّين الذي لي عليك و نحو ذلك لا يصدق عليه الإكراه» «1».

و هذا هو الصحيح، لأن الإكراه إمّا منصرف عن هذه الصورة، فلا يشمله دليل مانعية الإكراه. و إمّا لا يشمله الحديث، لكونه خلاف الامتنان. و هو الحق، فموضوع الإكراه عرفا و إن كان صادقا، لكن حكمه هنا غير ثابت.

و دعوى بطلان المعاملة حينئذ، لفقدان طيب النفس مدفوعة أوّلا: بتحقق الطيب، لأنّ دفع الضرر المستحق عليه يوجب الرضا بالمعاملة المكره عليها.

و ثانيا: أن شرطية طيب النفس أو مانعية الإكراه مختصة بغير صورة الإكراه بحقّ، فإنّ الإكراه كذلك خارج حكومة أو تخصيصا عن عموم حديث الرفع، و إلّا كان الإكراه بحقّ لغوا.

الخامس: ما أشار إليه بقوله: «ثم إنه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن ذلك الضرر المتوعد بما لا يوجب ضررا آخر».

و حاصله: أنّه هل يعتبر في مفهوم الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بتورية أو بغيرها، أم لا يعتبر ذلك في موضوعه، بل يعتبر في حكمه و هو بطلان المعاملة أو غيره؟ فيه أقوال.

ثالثها: التفصيل بين الإكراه على المعاملة، و الإكراه على غيرها من الأفعال كالشرب و نحوه، فيعتبر ذلك فيها دون المعاملات.

و رابعها: التفصيل بين إمكان التفصي بغير التورية، فينافي الإكراه، و بين إمكان التفصي بالتورية فقط، فلا يخلّ بصدق الإكراه.

خامسها: التفصيل بين الحكم و الموضوع، فيقال باعتبار عدم التمكن من التفصي

______________________________

(1) حاشية المكاسب ج 1، ص 122، سطر 18.

ص: 202

______________________________

في صدق الإكراه موضوعا، و عدم اعتباره فيه حكما، فإذا أكره أحد على بيع داره و أمكنه التفصي، فلم يفعل و باع الدار كان فاسدا و إن لم يصدق عليه عنوان الإكراه.

و قبل التعرض لتلك الوجوه ينبغي بيان حقيقة التورية، و هي كما عن اللغة بمعنى الستر و الإخفاء، و إلقاء كلام ظاهر في معنى و إرادة خلاف ظاهره مع إخفاء القرينة على المراد، فكأنّ المتكلم وارى مراده عن المخاطب بإظهار غيره و خيّل إليه أنّه أراد ظاهر كلامه، و تقدّم كلام مجمع البحرين في التوضيح.

و في القاموس: «ورّاه تورية أخفاه» «1».

ثم إنّ التورية كما تثبت في الأقوال، كذلك تثبت في الأفعال.

أما جريانها في الأقوال فكما إذا أراد أحد أن ينكر مقالته الصادرة منه فيقول:

«علم اللّه أنه ما قلته» حيث يظهر كلمة الموصول بصورة أداة النفي، و يخيّل إلى السامع أنّه ينكر كلامه الصادر منه.

و من هذا القبيل: ما عن سلطان العلماء في حاشيته على المعالم عند البحث عن المجمل من: أنه سئل أحد العلماء عن علي عليه السّلام و أبي بكر بأنّ أيّهما خليفة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: «من بنته في بيته».

و منه قول عقيل: «أمرني معاوية أن ألعن عليّا، ألا فالعنوه».

و منه أيضا ما سئل بعض الشيعة عن عدد الخلفاء، فقال: «أربعة أربعة أربعة» و قصد من ذلك الأئمة الاثني عشر، و زعم السائل أنّه أراد الخلفاء الأربع.

و منه أيضا ما عن بعض الأجلة من أن شخصا طلب مبلغا بعنوان المساعدة و الإعانة، و كان المسؤول لا يراه مستحقا، فألقى السبحة من يده على الأرض، و قال: و اللّه إنّ يدي خالية، و تخيّل السائل من هذا الكلام أنّه غير متمكن من إعطاء سؤله و قضاء حاجته.

______________________________

(1) القاموس المحيط، ج 4، ص 399.

ص: 203

______________________________

و أمّا جريان التورية في الأفعال فهو كما إذا أكرهه الجائر على شرب الخمر، فأخذها المكره و أهرقها في جيبه، فزعم الجائر أنّه شربها. و كما إذا أمر الظالم أحد عمّاله بضرب مظلوم في الليل المظلم، فيورّي المأمور في فعله بأن يضرب سوطه على الجدار، و يأمر المظلوم بالنياحة و البكاء ليعتقد الظالم بأنه ضربه. إلى غير ذلك من الأمثلة.

إذا عرفت حقيقة التورية و جريانها في الأقوال و الأفعال فاعلم أنّ المصنف قدّس سرّه فصّل بين المعاملات و غيرها حيث إنّه اعتبر العجز عن التفصي في حقيقة الإكراه في الثاني دون الأوّل.

و ملخص ما أفاده هو: أنّ المناط في الإكراه الرافع لأثر المعاملات إنما هو عدم طيب النفس بمفاد المعاملة، و من المعلوم أنّ هذا يتحقق فيما إذا أكره على معاملة، و هو في مكان يكره الخروج منه، و لكن لو خرج كان له في الخارج أحبّاء يكفّون عنه شرّ الظالم المكره، فلو باع و الحال هذه في ذلك المكان كان البيع باطلا، لفقدان طيب النفس فيه، فالإكراه حينئذ موجود.

و لو فرض في هذا المثال إكراهه على محرّم كشرب الخمر و الكذب و الزنا و أمثالها لا يتحقق الإكراه الرافع للحرمة، و لا يعذر في ارتكاب الحرام. فالإكراه المسوّغ للحرمة بمعنى الجبر المذكور في خبر ابن سنان المتقدم الذي فرّق بين الجبر و الإكراه، بأن جعل الأوّل من السلطان، و الثاني من الزوجة و الأب و الأم الذي ليس بشي ء، و لا يترتب عليه أثر من ارتفاع الحرمة.

و بالجملة: فالإكراه في المعاملة بمعنى عدم طيب النفس و إن لم يتوجّه على ترك المكره عليه ضرر، كما في إكراه الأب و الأمّ و الزوجة. فالإكراه في المعاملات أعم من الإكراه المسوّغ للمحرّمات. فأكراه الأبوين و الزوجة رافع لأثر المعاملة، و ليس رافعا للحرمة التكليفية.

و الموجب للتفكيك بين الإكراه المسوّغ للمحرّمات و الإكراه الرافع لصحة

ص: 204

______________________________

المعاملة هو رواية ابن سنان المذكورة في المتن، حيث إنّ إكراه الأبوين و الزوجة يمكن التفصي عن ضرره، بخلاف جبر السلطان، فإنّه لا يمكن التفصي عن ضرره غالبا.

فالمعاملة في صورة إكراه الأبوين و الزوجة مع إمكان التفصي باطلة، حيث إنه يمكن التفصي عن ضررهم. و هذا بخلاف إجبار السلطان، فإنّ الغالب عدم إمكان التفصي عن ضرره.

و الحاصل: أنّه يصدق الإكراه مع إمكان التفصي، فلا يعتبر العجز عن التفصي في حقيقته، هذا.

و فيه أوّلا: أنّ معنى الإكراه في جميع الموارد واحد لا تعدد فيه، و هو حمل الغير على ما يكرهه مع الإيعاد على تركه، و من المعلوم انطباق هذا المعنى على جميع موارد الإكراه بنهج واحد، من دون فرق بين المعاملات و المحرمات، فأكراه الزوجة لا يصدق إلّا إذا لم يتمكن الزوج من مخالفتها، و من رفع ضررها كإخلال نظامه الداخلي و تنغيص عيشه.

نعم يستفاد من الرواية كفاية الضرر الضعيف في رفع الأثر الوضعي كاليمين، لأنّ ضررهم غالبا راجع إلى الأمور الداخلية، دون الأثر التكليفي كالحرمة، فإنّ إكراههم له يرفع الحرمة، فإذا أكرهوه على شرب الخمر مثلا لا يسوغ له الشرب بهذا الإكراه.

فالصواب اعتبار العجز عن التفصي في حقيقة الإكراه مطلقا من غير فرق بين الإكراه في المعاملات و المحرّمات.

فالمستفاد من الرواية أخصيّة الإكراه الرافع للحكم التكليفي من الإكراه الرافع للحكم الوضعي.

و بالجملة: فلا تدل الرواية على التفرقة، و اعتبار العجز عن التفصي عن الضرر في الإكراه المسوّغ للمحرمات، و عدم اعتباره في الإكراه المانع عن صحة المعاملة.

و ثانيا: أنّ الرواية ضعيفة السند، لأنّ الراوي عن عبد اللّه بن سنان عبد اللّه بن القاسم و هو ضعيف، سواء أ كان الحضرمي المعروف بالبطل، أم الحارثي، فإنّ كليهما

ص: 205

[الفرق بين الإكراه على ارتكاب الحرام و الإكراه على المعاملة]

ثمّ إنّ (1) ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصّي إنّما هو في الإكراه

______________________________

الفرق بين الإكراه على ارتكاب الحرام و الإكراه على المعاملة

(1) غرضه من هذا الكلام التفرقة بين الإكراه المسوّغ للمحرمات كشرب الخمر و إفطار الصوم و الولاية من قبل الجائر و نحوها، و بين الإكراه الموجب لفساد المعاملة.

و حاصل وجه الفرق هو: أنّه يعتبر في الأوّل العجز عن التفصي عن الضرر، من غير فرق بين أنحاء التفصّي من التورية و غيرها. بخلاف الثاني، فإنّه لا يعتبر فيه ذلك، لأنّ المناط في صحة المعاملة طيب النفس، فكلّ ما يوجب ارتفاعه يوجب فساد المعاملة، لانتفاء شرطها. و أمّا حدود اللّه تعالى شأنه فلا مسوّغ للتعدّي عنها إلّا الاضطرار.

و قد سبق المصنف إلى هذه التفرقة صاحب المقابس قدّس سرّهما و قد تبعهما الفقيه

______________________________

ضعيفان، لقول النجاشي في الأوّل: «كذاب غال يروي عن الغلاة، لا خير فيه و لا يعتد بروايته» «1». و لقوله في الثاني: «ضعيف غال كان صحب معاوية بن عمار، ثم خلط و فارقه» «2».

فتحصّل مما ذكرنا: أنّ رواية ابن سنان لا تدلّ على اختلاف في معنى الإكراه، و أنّ العجز عن التفصي عن الضرر لا يعتبر فيه- كما في إكراه الزوجة- حتى تكون حاكمة على حديث الرفع، و مبيّنة لعدم اعتبار العجز عن التفصي في الإكراه المانع عن صحة المعاملة. بل الإكراه في جميع الموارد بمعنى واحد، و هو حمل الغير على فعل مع الإيعاد بالضرر على تركه. غاية الأمر أنّ بعض مراتب الإكراه رافع لأثر المعاملة، لكونه رافعا لطيب النفس، بخلاف الإكراه الرافع للحرمة، فإنّ ضرر العباد أهم في نظر الشارع من مصالح الأحكام، و لذا أنيط ارتفاعها بالاضطرار، هذا.

______________________________

(1) رجال النجاشي، ص 157 (الطبعة الحجرية).

(2) المصدر، ص 156.

ص: 206

المسوّغ للمحرّمات (1)، و مناطه توقف دفع ضرر المكره (2) على ارتكاب المكره عليه.

______________________________

المامقاني قدّس سرّه «1».

خلافا لما يظهر من الشيخ قدّس سرّه في كتاب الطلاق، حيث قال: «و أمّا بيان الإكراه فجملته: أنّ الإكراه يفتقر إلى ثلاثة شرائط:

أحدها: أن يكون المكره قاهرا غالبا مقتدرا على المكره، مثل سلطان أو لصّ أو متغلّب.

و الثاني: أن يغلب على ظنّ المكره أنّه إن امتنع من المراد منه وقع به فيما هو متوعد به.

و الثالث: أن يكون الوعيد بما يستضرّ به في خاصّة نفسه» «2».

فإنّ ظاهر الشرط الأوّل كون المكره عاجزا عن التفصي، فيكون الطلاق باطلا مع الإكراه المانع عن صحته. فالمراد بالإكراه هو العجز عن التفصي. و لا فرق بين الطلاق و غيره من العقود و سائر الإيقاعات. فعليه يكون الإكراه المانع عن صحة العقد و الإيقاعات و المسوّغ لارتكاب المحرّمات واحدا.

أقول: لا ينبغي الإشكال في الاتحاد المزبور بناء على مانعيّة الإكراه لصحة العقود و الإيقاعات. نعم بناء على شرطية طيب النفس يكون ما أفاده صاحب المقابس و المصنف و الفاضل المامقاني قدّس سرّهم وجيها.

(1) كشرب الخمر و إفطار الصائم، فيعتبر العجز عن التفصّي عنه، و توقّف دفع الضرر المتوعّد به على فعل الحرام، فترتفع حرمته بالإكراه.

(2) بالكسر، من إضافة المصدر إلى الفاعل، و قوله: «على ارتكاب» متعلق ب «توقف».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 17، غاية الآمال، ص 334.

(2) المبسوط، ج 5، ص 51.

ص: 207

و أما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أنّ المناط فيه عدم (1) طيب النفس بالمعاملة، و قد يتحقق (2) [1] مع إمكان التفصّي.

مثلا من كان قاعدا في مكان خاصّ خال عن الغير متفرّغا لعبادة أو مطالعة، فجاءه من أكرهه على بيع شي ء ممّا عنده، و هو في هذه الحال غير قادر على دفع ضرره، و هو (3) كاره للخروج عن ذلك المكان، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفّونه (4) شرّ المكره، فالظاهر (5) [2] صدق الإكراه

______________________________

(1) لا الإلجاء و الاضطرار.

(2) أي: و قد يتحقق الإكراه في المعاملة عند إمكان تفصّي المكره، فلا يتوقف على العجز عن التخلّص، بل يكفي فيه عدم طيب النفس بالمعاملة، كما في مثال المتفرّغ في مكان لعبادة أو مطالعة.

(3) ضمير «و هو» في الجملتين يرجع إلى «من كان» و هو موصول اشرب معنى الشرط.

(4) أي: يمنعونه من شر المكره و يدفعون عنه إضراره.

(5) جواب الشرط المستفاد من قوله: «من كان قاعدا».

______________________________

[1] بل لا يتحقق، إذ المناط في وقوع الفعل عن إكراه هو دفع الضرر، و المفروض إمكان دفعه في المثال بالخدم، فلا يتوقف رفع الضرر على فعل المكره عليه، فلو فعله كان صحيحا.

و الحاصل: أنّ المناط في الإكراه هو صدور العمل للخوف عن الضرر المتوعد به، فمع تمكنه من دفع الضرر بدون إيجاد المعاملة لا يتحقق الإكراه، فالمعاملة صحيحة.

[2] بل الظاهر عدم صدق الإكراه حينئذ، لقدرته على ترك المكره عليه، من دون توجه ضرر إليه، فهو كصورة حضور الخدم عنده في قدرته على دفع ضرر المكره بدون فعل المكره عليه.

ص: 208

حينئذ (1) بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء.

بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، و توقّف دفع ضرر إكراه الشخص على أمر خدمه بدفعه و طرده (2)، فإنّ هذا (3) لا يتحقق في حقه الإكراه، و يكذّب (4) لو ادّعاه.

بخلاف الأوّل (5) إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل.

و لو فرض في ذلك المثال (6) إكراهه على محرّم

______________________________

(1) أي: حين عدم قدرته على دفع ضرره و كراهته الخروج إلى مكان حضور خدمه ليدفعوا عنه شرّ المكره.

(2) فلو لم يأمرهم بدفع ضرر المكره و طرده، و باع ما طلبه المكره منه كان صحيحا، لقدرته على دفع الضرر المتوعد به بغير البيع، فبيعه- مع أمن الضرر- كاشف عن طيب نفسه في هذه الحال. بخلاف من كان خدمة غائبين عن مجلس الإكراه، و لم يتمكن فعلا من إعلامهم، فيصدق عليه الإكراه و عدم طيب نفسه بالبيع.

نعم هو قادر على التفصي بالخروج و إعلام خدمه بما وقع، لكن الموضوع محقّق بالفعل.

(3) المشار إليه و مرجع الضميرين المستترين في «يكذّب و ادعاه» هو الموصول في قوله: «من كان خدمه حاضرين».

(4) الوجه في التكذيب عدم خوفه من إضرار المكره، لحضور خدمه عنده، فلم يتحقق الإكراه موضوعا.

(5) و هو الذي كان خدمه خارجين عن مجلس الإكراه مع كراهته الخروج عن ذلك المكان، لتفرّغه للعبادة فيه حسب الفرض، فالإكراه على المعاملة صادق. بخلاف ما لو أكرهه على ارتكاب محرّم، إذ يجب عليه الخروج و التوسل بخدمة لدفع شرّ المكره، فلو لم يخرج و ارتكب الحرام لم يكن معذورا، لكونه مختارا في إتيان المحرّم.

(6) غرضه بيان الفارق في صدق الإكراه بين المعاملة و فعل الحرام، كما عرفت.

ص: 209

لم يعذر (1) فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل (2).

و قد تقدم (3) الفرق بين الجبر و الإكراه في رواية ابن سنان (4) «1».

فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات هو الإكراه بمعنى الجبر المذكور، و الرافع (5) لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر فيها (6) أنّه قد يكون من الأب و الولد و المرأة. و المعيار فيه (7) عدم طيب النفس فيها، لا الضرورة و الإلجاء (8) و إن كان هو (9) المتبادر من لفظ الإكراه، و لذا (10) يحمل الإكراه في حديث الرفع

______________________________

(1) جواب «و لو فرض».

(2) يعني: كراهة الخروج عن ذلك المنزل اختيارا، فإنّ الإكراه مع القدرة على الخروج عن ذلك المنزل لدفع الضرر غير متحقق، فإذا باع متاعه حينئذ كان البيع صحيحا، لعدم حصول المانع و هو الإكراه.

(3) غرضه أنّ المتبادر من الإكراه و إن كان هو العجز عن التفصي عن الضرر، فيكون مساوقا للجبر، إلّا أنّ رواية ابن سنان حاكمة على ما يتبادر من الإكراه من العجز عن التفصي. و مقتضى حكومته سعة دائرة الإكراه بحيث يشمل صورة القدرة على التفصي عن الضرر، كإكراه الأب و الأم و الزوجة، و صورة العجز عنه.

(4) عند قوله عليه السّلام «الجبر من السلطان، و يكون الإكراه من الزوجة و الأم و الأب» فراجع (ص 190).

(5) معطوف على «المعتبر» يعني: و الإكراه الرافع لأثر المعاملات .. إلخ.

(6) أي: في رواية ابن سنان، و ضمير «إنّه» راجع إلى الإكراه.

(7) أي: في الإكراه الرافع لأثر المعاملات.

(8) الذي هو المعيار في رفع الحرمة التكليفية، و الآتي من السلطان.

(9) أي: الإلجاء هو المتبادر من لفظ الإكراه.

(10) يعني: و لهذا التبادر من لفظ الإكراه يحمل الإكراه المذكور في حديث الرفع على الإلجاء و الضرورة المسمّاة بالجبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 16، ص 143، الباب 16 من أبواب كتاب الايمان، الحديث 10.

ص: 210

عليه، فيكون الفرق بينه (1) و بين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع و العطش و المرض.

لكن الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات (2) هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس (3)، حيث استدلّوا على ذلك بقوله تعالى:

تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه و عموم (4)

______________________________

(1) كأنّه دفع لما يتوهم من أنّ الإكراه إذا كان بمعنى الإلجاء المنوط بالعجز عن التفصّي لم يبق فرق بين الإكراه و الاضطرار المذكورين في حديث الرفع، مع أنّ عطف «الاضطرار» على «الإكراه» يقتضي مغايرتهما و عدم اتحادهما.

فدفع قدّس سرّه هذا التوهم بأنّ الفارق بينهما هو اختصاص الاضطرار بما لا يحصل من فعل الغير كالجوع و العطش و المرض، و الإكراه يحصل بفعل الغير بحمله على الفعل، و توعيده على الترك كالسلطان.

(2) غرضه توجيه ما اختاره في المعاملات من جعل الإكراه بمعنى عدم طيب النفس، مع أنّه خلاف ما يتبادر من لفظ الإكراه و هو الإلجاء و الضرورة.

و حاصل ما أفاده من التوجيه: أنّ المعتبر في المعاملات طيب النفس، بقرينة استدلالهم على مانعية الإكراه بآية «التجارة عن تراض» و الروايات الدالة على اعتبار طيب النفس، و اعتبار الإرادة في صحّة الطلاق. و من المعلوم أنّ طيب النفس يرتفع بأدنى شي ء، فلا يعتبر أن يكون رافع الطيب خصوص إكراه السلطان الموجب للضرورة و الإلجاء، بل يكفي في مبطلية الإكراه للمعاملة- الرافع لطيب النفس- أن يكون من الأب و الأمّ و الزوجة، بخلاف الإكراه المسوّغ للمحرّمات، إذ لا بدّ فيه من ترتب الضرر على ترك المكره عليه، كما هو شأن الجبر من السلطان.

(3) فلا عبرة بالقصد الحاصل من تحميل الغير، الموجب للنفرة و الكراهة بدل الطيب و الرضا.

(4) معطوف على «قوله تعالى» و مثال هذا العموم قوله عليه الصلاة و السّلام

ص: 211

اعتبار الإرادة في صحة الطلاق، و خصوص ما ورد في فساد طلاق من طلّق للمداراة (1) مع عياله.

فقد تلخّص مما ذكرنا (2) أنّ الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخصّ من الرافع لأثر الحكم الوضعي.

______________________________

في صحيحة هشام بن سالم: «لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق» و التعبير بالعموم لأجل عدم اختصاص البطلان بالمكره، بل يشمل من لا قصد له كالسكران و المعتوه و الصبي و المبرسم و المجنون و المكره كما في خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «1».

(1) تقدم (في ص 164) نقل الرواية النافية لطلاق المداراة، فراجع.

و لا يخفى أنّ مورد خبر طلاق المداراة صورة تحقق الإكراه، فهو داخل في سائر الأخبار الواردة في الإكراه.

(2) أي: ما ذكره بقوله: «ثمّ إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الإكراه المسوّغ للمحرمات .. و أما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أنّ المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة .. إلخ» «2».

و غرضه بيان النسبة تارة بين نفس الإكراه على المعاملة و الفعل الحرام، و أخرى بين ملاك الإكراه عليهما.

أمّا الأوّل فالإكراه على المحرّمات أخصّ من الإكراه على المعاملات، و ذلك لأنّ كل إكراه مسوّغ للمحرّمات مانع عن صحة المعاملة، لعدم طيب النفس فيها. و ليس كل إكراه رافع لطيب النفس و مانع عن صحة المعاملة رافعا للحرمة التكليفية، كإكراه الأب و الأم و الزوجة، فإنّه مانع عن صحة المعاملة، و ليس مسوّغا للحرمة التكليفية.

و كذلك في القدرة على التفصي، فإنّه يصدق الإكراه بمعنى عدم طيب النفس بالمعاملة، و لا يكفي هذا المقدار في الإكراه على المحرّمات، لأنّ الرافع للحرمة هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 286، الباب 11 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث: 4.

(2) وسائل الشيعة، ج 15 ص 327، الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث: 3.

ص: 212

و لو لوحظ ما هو المناط في رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الإكراه (1) كانت (2) النسبة بينهما العموم من وجه، لأنّ المناط في رفع الحكم التكليفي هو رفع الضرر، و في رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة و طيب (3) النفس.

______________________________

الاضطرار، و توقف دفع الضرر المتوعد به على الارتكاب.

و أمّا الثاني- و هو النسبة بين ملاك ارتكاب الحرام و بين ملاك فساد المعاملة- فالنسبة عموم من وجه. فمورد اجتماعهما هو الإكراه على الحرام و المعاملة مع العجز عن التفصي عنهما بتورية أو بغيرها، كما لو أكرهه على شرب المسكر أو أكرهه على بيع داره، و لم يتمكن المكره من التخلص منه، فيجوز له الشرب دفعا للضرر، و يبطل بيعه، لعدم طيب النفس به.

و مورد افتراقهما، أمّا من ناحية المعاملة فكما لو أكره على البيع أو الشرب مع إمكان التفصي عنهما، فيصدق الإكراه على المعاملة، لعدم طيب نفسه بها، كما في مثال المتفرّغ في مكان لشأنه من عبادة و مطالعة و نحوهما، و له خدم يكفونه شرّ المكره لو خرج من مكانه و استنصر بهم. لكنّه لم يخرج و أنشأ البيع، فيبطل، لعدم الرضا.

و لا يصدق الإكراه على ارتكاب المحرّم، لإمكان دفع الضرر بالخروج من مكانه.

و أمّا من ناحية تحقق مناط فعل الحرام دون المعاملة، فكما لو توقّف حفظ النفس على شرب المتنجّس لدفع العطش، فيحل له شربه دفعا للضرر، مع طيب نفسه بالشرب، و لو أمكنه دفع ضرر العطش ببيع شي ء من ماله لتحصيل الماء لطابت نفسه به، لكن المفروض انحصار العلاج في شرب المتنجس أو النجس.

(1) يعني: بل بملاحظة مناط الإكراه على فعل الحرام أو ترك الواجب، و هو توقّف دفع الضرر على إطاعة المكره، و مناط فساد المعاملة و هو عدم الرّضا.

(2) جواب «لو لوحظ».

(3) معطوف على «الإرادة» يعني: و عدم طيب النفس.

ص: 213

و من هنا (1) لم يتأمّل أحد في أنّه إذا أكره الشخص على أحد الأمرين المحرّمين لا بعينه، فكلّ منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم، لأنّ المعيار في رفع الحرمة رفع الضرر المتوقف على فعل أحدهما.

أمّا لو كانا (2) عقدين أو إيقاعين- كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه-

______________________________

(1) أي: و من كون المناط في رفع الحكم التكليفي هو رفع الضرر، و في رفع الحكم الوضعي هو عدم الطيب لم يتأمّل أحد في كون الإكراه على أحد المحرمين لا بعينه رافعا لحرمة أيّ واحد منهما وقع في الخارج، لأن مناط هذا الإكراه- و هو الضرر- موجود في تركهما، فيتوقف على هذا اندفاع الضرر المتوعد به على فعل أحدهما، فيصدق على ما يقع في الخارج أنّه مكره عليه.

كما لو أكرهه على شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير مخيّرا بينهما، و لم يتمكن من المخالفة، فيجوز اختيار واحد منهما لدفع الضرر، لأنّه المناط في حلية الارتكاب، لا عنوان الإكراه.

و هذا شاهد على افتراق ملاك الإكراه على أحد الفعلين- أو ترك أحد الواجبين- عن ملاك الإكراه على إحدى المعاملتين- بالمعنى الأعم- كالإكراه على بيع داره أو بستانه، أو على بيع داره أو تزويج بنته منه، أو على عتق أحد عبديه، أو على طلاق إحدى زوجتيه، أو على طلاق زوجته أو عتق عبده، و هكذا.

فيظهر من العلامة قدّس سرّه الحكم بصحة طلاق زوجته لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه. و الوجه في الصحة كونه مختارا في طلاق إحداهما معيّنة، إذ المكره عليه طلاق إحداهما مبهمة، فكان له أن يقول: «إحدى زوجتي طالق» فعدوله إلى التعيين كاشف عن طيب نفسه بطلاق هند مثلا، و رغبته في بقاء زوجته الأخرى على حبالته.

و هذه الفتوى- أمكن توجيهها أم لا- شاهدة بالفرق بين ملاك الإكراه الموجب لحليّة الفعل المحرّم، و بين ملاك الإكراه المفسد للمعاملة.

(2) يعني: لو كان الأمران المكره عليهما عقدين كبيع داره أو متاعه، أو إيقاعين كعتق عبده أو طلاق زوجته.

ص: 214

فقد استشكل غير واحد «1» في أنّ ما يختاره من الخصوصيّتين (1) بطيب نفسه، و يرجّحه على الآخر بدواعيه النفسانية الخارجة عن الإكراه مكره (2) عليه باعتبار جنسه (3) أم لا (4)؟ بل أفتى في القواعد بوقوع الطلاق و عدم الإكراه، و إن حمله (5) بعضهم على ما إذا قنع المكره- بالكسر- بطلاق إحداهما مبهمة،

______________________________

(1) أي: أحد الفردين، كما إذا اختار بيع داره في الإكراه على أحد العقدين، أو عتق عبده في الإكراه على أحد الإيقاعين.

(2) خبر قوله: «أنّ ما يختاره» و قوله: «أم لا» معطوف على «مكره عليه» و عدل له.

(3) و هو الجامع بين الفعلين المكره على أحدهما لا بعينه، فالإكراه على الجامع يوجب الإكراه على الفرد.

(4) إذ اختيار الخصوصية كان بدواعيه النفسانية، فلا يصدق الإكراه على الخصوصية، و لذا أفتى في القواعد بصحة الطلاق، لعدم الإكراه على الخصوصية، حيث قال فيه: «و لو ظهرت دلالة اختياره صحّ طلاقه، بأن يخالف المكره، مثل أن يأمره ..

أو بطلاق إحدى زوجتين لا بعينها فيطلّق معيّنة» «2».

(5) نسب في المقابس «3» هذا الحمل، إلى بعض الأجلّة، و لم أقف على الحامل.

و كيف كان فهذا الحمل هو ظاهر قول العلامة: «لا بعينها» فمورد حكمه بالصحة قناعة المكره بطلاق المبهمة، و لكن المكره زاد على هذا الإكراه و طلّق معيّنة، و الظاهر صحته عند الكل لا خصوص العلّامة، ففي المسالك: «نعم لو صرّح- أي المكره- له بالحمل على طلاق واحدة مبهمة بأن يقول: إحداكما طالق مثلا، فعدل عنه إلى طلاق معينة، فلا شبهة هنا في وقوع الطلاق على المعيّنة، لأنه غير المكره عليه جزما» «4» و نحوه في الجواهر.

______________________________

(1) المستشكل هو العلامة في التحرير، ج 2، ص 51، و يستفاد التردد أيضا من كلام المحدث البحراني، فراجع الحدائق الناضرة، ج 25، ص 162 و 163.

(2) قواعد الأحكام ص 169 (الطبعة الحجرية).

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 16.

(4) مسالك الافهام ج 9، ص 21 و 22، جواهر الكلام، ج 32، ص 14.

ص: 215

لكن المسألة عندهم غير صافية من الاشكال (1)، من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار الخصوصية.

و إن كان الأقوى- وفاقا لكل من تعرّض للمسألة- تحقق الإكراه لغة و عرفا (2). مع (3) أنّه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الإكراه أصلا، إذ الموجود في الخارج دائما إحدى خصوصيات المكره عليه (4)، إذ لا يكاد يتفق

______________________________

و عليه ففرع القواعد أجنبي عمّا يكون المصنف بصدده من الإشكال في مبطلية الإكراه على أحد العقدين أو الإيقاعين. وجه الأجنبية عدم كون ما أنشأه المكره مصداقا للجامع المكره عليه، لما فيه من زيادة التعيين.

(1) يعني: الإشكال في كون الإكراه على الجامع بين العقدين أو الإيقاعين مبطلا للخصوصية. و وجه الاشكال استناد اختيار أحد العقدين- بالخصوص- إلى طيب نفسه، و لا يكون تمام الباعث على الإنشاء هو الإكراه على الجامع، فمقتضى القاعدة الحكم بالصحة، إذ لا إكراه على الخصوصية.

(2) يعني: فيكون العقد باطلا، لصدق الإكراه- لغة و عرفا- على الخصوصية، و إن كان باعتبار الإكراه على الجامع بين الخصوصيتين.

(3) هذا إشكال نقضي، و حاصله: أن عدم صدق الإكراه على الخصوصية الفردية- فيما إذا كان الإكراه متعلقا بالقدر المشترك- يوجب عدم تحقق الإكراه في شي ء من الموارد، لأنّ الإكراه دائما يتعلّق بالجامع، و الخصوصيات خارجة عن حيّز الإكراه، كما إذا أكره على بيع داره و اختار بيعها في مكان خاص و زمان كذلك، و غير ذلك من الخصوصيات، فاللازم صحة هذا البيع، لأن المكره لم يكره على الخصوصيات الفردية، هذا.

(4) فلو كان المكره عليه عقدا جزئيا كبيع الدار المعيّنة و لم تكن خصوصياته مكرها عليها- كبيعها من زيد بمبلغ كذا في يوم كذا- فهل يمكن القول حينئذ بصحّة بيعها من عمرو بمبلغ دون القيمة السوقية مثلا أو بأزيد منها، بدعوى كون المكره عليه أصل البيع مع الغض عن لوازم الوجود.

ص: 216

الإكراه بجزئي حقيقي من جميع الجهات (1).

نعم (2) هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية، و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك، بمعنى: أنّ وجوده الخارجي ناش عن إكراه و اختيار (3)، و لذا (4) لا يستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل، و يستحقّه باعتبار الخصوصية.

و تظهر الثمرة (5) فيما لو رتّب أثر على خصوصية المعاملة الموجودة،

______________________________

(1) إلّا بأن يلتفت المكره إلى جميع الخصوصيات حتى يأخذها في متعلّق أمره، بأن يقول: بع دارك بالمعاطاة من زيد، بمبلغ ألف دينار، نسية في ساعة كذا من اليوم الفلاني، في مكان كذا، و غيرها من عوارض وجود البيع خارجا.

(2) غرضه أن الإكراه على الجامع- كطلاق إحدى الزوجتين- يجتمع مع اختيار الخصوصية كطلاق هند، فطلاقها بالخصوص ذو حيثيتين:

إحداهما: كونه مكرها عليه بلحاظ الجامع، و بهذه الحيثية لا يستحق الزوج للمدح على طلاقه لو كان طلاقه حاسما لمادة الفساد و النزاع بين الزوجين، و لا للذم لو كانت معاشرته معها بالمعروف، و لا داعي في مثله للفرقة بينهما. و عدم استحقاق المدح و الذم كاشف عن عدم اختياره في الطلاق، لكونه بتحميل الغير.

ثانيتهما: كون طلاق هذه الزوجة بخصوصها اختياريا، و لذا يستحق المدح لو كانت بينهما منافرة، و يستحق الذم لو كانت المعاشرة بالمعروف.

(3) يعني: ينضمّ الإكراه على الكلي مع اختيار الخصوصيّة.

(4) أي: لأجل أنّ هذا الفرد من الطلاق ناش عن إكراه على الجامع، و اختيار للخصوصية لا يستحق .. إلخ. وجه عدم استحقاق المدح أو الذم على أصل الفعل دوران الاستحقاق مدار الاختيار، و حيث لا فلا.

________________________________________

(5) يعني: الثمرة بين كون الإكراه على الجامع إكراها على الخصوصية و عدمه، فإنّ الثمرة تظهر فيما إذا كان الأثر مترتّبا على الخصوصية، دون القدر المشترك. فعلى

ص: 217

فإنّه (1) لا يرتفع بالإكراه على القدر المشترك. مثلا لو أكرهه على شرب الماء أو شرب الخمر لم يرتفع تحريم الخمر، لأنّه مختار فيه و إن كان مكرها في أصل الشرب (2).

و كذا لو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد، فإنّه لا يرتفع أثر الصحيح، لأنّه مختار فيه و إن كان مكرها في جنس البيع، لكنه لا يترتب على الجنس أثر يرتفع بالإكراه (3).

و من هنا (4) يعلم أنّه لو أكره على بيع مال أو إيفاء مال مستحق لم يكن إكراها لأنّ القدر المشترك بين الحق و غيره إذا أكره عليه لم يقع باطلا و إلّا لوقع

______________________________

القول بصيرورة الخصوصية مكرها عليها- لكونها من أفراد الجامع المكره عليه- ترتفع الحرمة عنها. و على القول بعدم كون الخصوصية مكرها عليها فالحرمة باقية.

كما لو أكرهه على أحد البيعين إمّا بيع داره و إما بيع أرض مزروعة لا يصح بيعها، لكونها أرضا مفتوحة عنوة، فباع المكره داره، كان صحيحا، لإمكان التخلص من إكراهه بإنشاء بيع فاسد على الأرض.

(1) أي: فإنّ أثر الخصوصية لا يرتفع بالإكراه على الجامع، و إنما يترتب إذا تساوت الأفراد في الأثر.

(2) و لكنّ أثر الفرد و هو حرمة شرب الخمر- لا يرتفع بالإكراه على أصل الشرب.

(3) يعني: فالمكره عليه ليس له أثر حتى يرفعه الإكراه، و ما له الأثر و هو الخصوصية ليس مكرها عليها.

(4) يعني: و من عدم ترتب الأثر على الجنس حتى يرفع بالإكراه- يعلم، و غرضه التنبيه على بعض ثمرات المسألة.

فمنها: ما إذا كان زيد مديونا لعمرو بدين مطالب، و لم يؤده مماطلة، فأكرهه عمرو على إيفاء حقّه من النقود الموجودة عند زيد، أو على بيع كتبه أو أثاث بيته

ص: 218

الإيفاء أيضا باطلا، فإذا اختار البيع صحّ، لأنّ الخصوصية (1) غير مكره عليها، و المكره عليه و هو القدر المشترك غير (2) مرتفع الأثر.

و لو أكرهه (3) على بيع مال أو أداء مال غير مستحقّ كان إكراها، لأنّه لا يفعل البيع إلّا فرارا من بدله (4)

______________________________

ليستوفي الدائن حقّة، فهذا إكراه على القدر المشترك بين فردين، أحدهما حقّ، و هو أداء الدين المطالب، و الآخر غير حق و هو بيع أمواله الأخرى مع كراهته بيعها.

فلو باع المكره صحّ و جاز أداء دينه من الثمن، لعدم صدق الإكراه على الجامع عند كون أحد الفردين حقّا، إذ لو صدق الإكراه لزم عدم تحقق وفاء الدين، لكونه أحد العدلين المكره عليهما، و لا ريب في أنّ وفاء الدين يحصل بما عنده من النقود.

و كما لا يسري الإكراه على الجامع إلى هذا الفرد، فكذا لا يسري إلى العدل الآخر و هو البيع.

(1) و هي خصوصية البيع، فمع عدم كونها مكرها عليها لا وجه لبطلانها.

(2) خبر قوله: «و المكره عليه» يعني: أن القدر المشترك المكره عليه لا أثر له حتى يرتفع بالإكراه، ضرورة أنّ القدر المشترك بين الحق كأداء دينه و غير الحق- كبيع بعض أمواله- لا أثر له حتى يرفع بالإكراه.

(3) هذه ثمرة أخرى، و هي من فروع صدق الإكراه على الجامع على كلّ من الفردين، كما لو أكرهه الجائر على أحد الأمرين: إمّا بيع مال و إما دفع مال إلى المكره، و هو لا يستحقه. فلو باع لم يصح لعدم طيب نفسه به، لأنّ كلّا من البيع و أداء المال ناش من خوف الضرر المتوعد به، فاختيار أحدهما لدفع الضرر لا يكشف عن طيب نفسه، لتساويهما في دفع الضرر.

(4) و هو أداء مال غير مستحق، كما لو قال المكره: «بع دارك أو أعطني ألف دينار» مع فرض عدم اشتغال ذمة المكره بشي ء للمكره، فكلّ من البيع و دفع المال تحميل من المكره.

ص: 219

أو وعيده المضرّين (1)، كما لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر، فإنّ ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأخروي (2) ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده (3) [1].

______________________________

(1) يعني: فلا يقع البيع عن طيب نفسه، بل عن الكره لدفع الضرر الذي هو عدل بيع ماله، أعني به أداء مال غير مستحق، أو لدفع الضرر المتوعد عليه.

(2) و هو استحقاق المؤاخذة المترتب على شرب الخمر الذي هو أحد الأمرين المكره عليه.

(3) أي: وعيد المكره. و الحاصل: أنّ ارتكاب البيع إنّما هو لدفع أحد الضررين، و هما ضرر شرب الخمر، و الضرر الذي أوعد به المكره.

هذا كلّه في فروع إكراه شخص واحد على أحد الفعلين، و سيأتي إلحاق إكراه أحد شخصين على فعل واحد به، بحيث لو صدر من أحدهما كان محققا لغرض المكره و دافعا لشره.

______________________________

[1] الجهة الخامسة: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «أما لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه .. إلخ» و حاصله: أن الإكراه تارة يقع على الخصوصية، كأن يقول: «طلق زوجتك هندا و إلّا قتلتك» و لا إشكال حينئذ في تحقق الإكراه الرافع للأثر. و أخرى على أحد الأمرين تخييرا، كأن يقول: «طلّق إحدى زوجتيك و إلّا قتلتك». و هذا قد يكون في الأفراد العرضية، و قد يكون في الأفراد الطولية.

فهنا مقامان، الأول في الإكراه على أحد الأمرين عرضيا.

و الثاني في الإكراه عليه طوليّا.

أمّا الأول فقد حكي فيه عن بعض الأصحاب كالعلامة في القواعد القول بصحة الفعل الذي اختاره المكره من الفعلين اللذين اكره على أحدهما تخييرا، نظرا إلى أن الإكراه لم يتعلق بالخصوصية، فاختيارها إنما يكون بطيب نفسه، فيقع صحيحا إن كان معاملة، و حراما إن كان من المحرمات.

ص: 220

______________________________

لكن المصنف قد ناقش فيه بما لفظه: «انه لو لم يكن هذا مكرها عليه ..» الى آخر ما في المتن. و حاصل الاشكال النقض بسائر موارد الإكراه، و قد أوضحناه في التعليقة التوضيحية.

و فيه: عدم ورود النقض، و ذلك لأنّ الخصوصيات على قسمين:

أحدهما: ما له دخل في موضوع الأثر، كما في الإكراه على الجامع بين طلاق إحدى الزوجتين أو عتاق أحد العبدين، فإنّ المكره عليه حينئذ و إن كان كلّيا، إلا أن خصوصية كل فرد من طلاق إحدى الزوجتين أو عتاق أحد العبدين موضوع للأثر و محط نظر المكره.

فالإكراه تعلّق بكلّ واحدة من الخصوصيتين بحيث يصدق على طلاق كل واحدة منهما أنّه مكره عليه.

و ثانيهما: ما لا يكون كذلك، كما في الإكراه على بيع الدار، فإن الخصوصيات الموجودة في بيع الدار- كإجراء عقده بالعربية أو الفارسية و في مكان خاص و زمان كذلك، و بيعها من زيد أو عمرو إلى غير ذلك من الخصوصيات- ليست دخيلة في الأثر، و لم يتعلّق بها الإكراه، و الأثر مترتب على طبيعيّ البيع، و المفروض تعلق الإكراه به.

فقياس بيع الدار على طلاق إحدى الزوجتين و عتق أحد العبدين و إن كان المكره عليه في جميعها كليا ليس بصحيح، لما عرفت من اختلاف الخصوصيات في تحقق الإكراه في بعضها، كطلاق إحدى الزوجتين و عتق أحد العبدين، دون بعضها الآخر كالإكراه على بيع الدار، فإن الخصوصيات فيه ليست دخيلة في الأثر، و إنّما الأثر مترتب على طبيعة البيع التي هي المكره عليها.

و لا بأس ببيان الصور المتصوّرة في تعلق الإكراه بالجامع و القدر المشترك، فنقول:

إنّ تلك الصور خمسة، لأنه تارة يتعلق الإكراه أو الاضطرار بالجامع بين فعلين محرمين، كالإكراه على شرب الخمر أو قتل النفس.

ص: 221

______________________________

و أخرى يتعلّق بالجامع بين الحرام و المباح، كإكراهه على شرب الخمر أو الماء.

و ثالثة: يتعلّق بالجامع بين المباح و المعاملة كالإكراه على سفر مباح أو بيع داره.

و رابعة: يتعلّق بإحدى المعاملتين بالمعنى الشامل للعقود و الإيقاعات، بأن يتعلّق الإكراه ببيع داره أو بيع كتبه، أو يتعلق ببيع داره أو عتق عبده، أو يتعلق بإيقاعين كطلاق زوجته أو عتق عبده.

و خامسة: يتعلّق بالجامع بين الحرام و المعاملة، أي بين ما تعلق به الحكم التكليفي و الوضعي.

أما الصورة الأولى و هي كون كلا الأمرين حراما تكليفيا فحكمها أنّه إذا كانا متساويين في ملاك التحريم في نظر الشارع كان المكره مخيّرا في اختيار أيّ واحد منهما، لأنّ نسبة المكره عليه- و هو الجامع- إلى كل منهما على حد سواء.

و حيث إنّ الجامع لا يمكن إيجاده إلّا في ضمن إحدى الخصوصيتين فمقدمة لارتكاب الجامع المكره عليه يضطرّ إلى ارتكاب إحدى الخصوصيتين، فثبت التخيير في إحداهما، فإذا أتى بالجامع في ضمن إحداهما لم يرتكب محرّما. نعم إذا أتى بالجامع في ضمن كلتا الخصوصيتين فقد ارتكب المحرّم، لعدم ثبوت الترخيص إلّا في إحداهما.

و إن كانا مختلفين في ملاك التحريم فلا بد حينئذ من اختيار أقلهما مبغوضا. مثاله الإكراه على شرب أحد الإنائين مع كون أحدهما نجسا و الآخر نجسا و مغصوبا. فإنّ الإكراه حينئذ يتعلّق بشرب النجس، فلا يجوز للمكره شرب ما هو نجس و مغصوب لإمكان دفع الضرر المتوعد عليه بما هو أخف محذورا منه.

و كذا لو أكره شخص على شرب أحد المائعين، و كان أحدهما خمرا و الآخر متنجسا، فإنه لا يجوز له أن يختار شرب الخمر، لعدم كونه بالخصوص موردا للإكراه، بل لا بدّ له من اختيار ما يكون ملاك المبغوضية أقل و أخف، فلا يتحقق هنا إكراه على الحرام

ص: 222

______________________________

الأهم مع التفصي بارتكاب الحرام المهمّ.

و أمّا الصورة الثانية- و هي الإكراه على الجامع بين الحرام و المباح- فملخص الكلام فيها أنّ هذا الإكراه لا يرفع حرمة الحرام و إن صدق الإكراه على الجامع بينه و بين المباح بحسب إكراه المكره. لكنه لا إكراه على الجامع حقيقة مع التفصي عن الحرام بغير التورية، و عدم اضطرار المكره إلى ارتكاب الخصوصية المحرّمة مقدّمة لارتكاب الجامع المكره عليه.

و عليه فلا بدّ من ارتكاب المباح، لاندفاع الضرر المتوعد عليه بارتكاب المباح، فلا مسوّغ لارتكاب الحرام أصلا.

و أمّا الصورة الثالثة- و هي الإكراه على الجامع بين المباح التكليفي و المعاملة، كالإكراه على شرب الماء أو بيع الدار- فالكلام فيها كسابقتها، فلا يرفع الإكراه أثر المعاملة إذا اختارها، لصدورها عن طيب النفس لا الخوف، إذ المفروض إمكان دفع الضرر المتوعد به بارتكاب المباح، فاختياره للمعاملة ليس ناشئا عن الخوف، بل عن طيب نفسه، فالمعاملة صحيحة.

و منه يظهر حكم الإكراه على الجامع بين المعاملة الصحيحة و الفاسدة، كما إذا قال:

«بع دارك أو أوقع معاملة ربوية» فإنّ ما تعلّق به الإكراه و هو الجامع لا أثر له، و ماله الأثر و هو المعاملة الصحيحة لا إكراه عليه حتى يرفع الإكراه أثره، فإنّ الاضطرار إلى ارتكاب إحدى الخصوصيتين مقدمة لوجود الجامع كما يندفع باختيار الفرد الصحيح، كذلك يندفع باختيار الفاسد، فإذا اختار الفرد الصحيح كان بطيب نفسه، فيحكم بصحته.

و يظهر أيضا حكم الإكراه على الجامع بين المعاملة الصحيحة- كبيع داره- و بين أداء دينه و نحوه من الحقوق، فإذا اختار البيع لا يحكم بفساده.

و يظهر أيضا حكم ما لو أكره على بيع داره أو بيع دار جاره فضولا، فباع دار نفسه،

ص: 223

______________________________

فإنّه لا يحكم بفساد بيعه، إذ يمكن أن يبيع فضولا دار جاره، لأنه مباح بعد وضوح عدم كونه تصرفا في مال الغير، فيكون من صغريات الإكراه على أحد الأمرين اللذين يكون أحدهما مباحا و الآخر حراما، فهو من قبيل الإكراه على بيع داره أو شرب الماء، فإذا اختار البيع كان صحيحا، لإمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بفعل المباح، فلم يصدر عنه البيع إلّا بطيب نفسه و رغبته فيه، و لم يصدر عنه لدفع الضرر.

و كذا لو أكره الراهن عند حلول أجل الدين على بيع العين المرهونة، أو بيع غيرها مما لا يستحقّه المرتهن، و اختار الراهن الثاني كان البيع صحيحا، فإنه من قبيل الإكراه على بيع شي ء من أمواله أو أداء دينه الواجب كما لا يخفى.

و أما الصورة الرابعة و هي ما إذا أكره على إحدى المعاملتين كطلاق زوجته أو بيع داره، فتفسد فيها المعاملة التي يختارها المكره، لأنّ الإكراه و إن لم يتعلق بكل من المعاملتين، و أنّما تعلّق بالجامع، إلّا أنّه مضطرّ الى ارتكاب إحدى الخصوصيتين مقدّمة لدفع الضرر المترتب على ترك الجامع، و الاضطرار إلى إحدى المعاملتين يرفع الأثر عما يختاره المكره خارجا.

و أمّا الصورة الخامسة- و هي الإكراه على الجامع بين الحكم التكليفي و الوضعي، كالإكراه على بيع داره أو شرب الخمر مثلا أو ترك واجب كالصلاة و نحوها- فالكلام فيها يقع في جهتين:

الأولى: في الحكم التكليفي، و الثانية في الحكم الوضعي.

أمّا الجهة الأولى فحاصل البحث فيها: أنّه لا ينبغي الارتياب في بقاء الحرمة و عدم ارتفاعها، لأنّ المعاملة ليست من المحرّمات حتى يكون من الإكراه على الجامع بين الحرامين، بل هي من المباحات. فالمقام من صغريات الإكراه على الجامع بين الحرام و المباح، و المفروض أنّ المكلف متمكن من التفصي عن ارتكاب الحرام باختيار المباح

ص: 224

______________________________

و هي المعاملة، فالحرمة باقية و لا ترتفع بالإكراه المزبور، لعدم كون الحرام بنفسه متعلقا للإكراه، و لا موردا للاضطرار بعد إمكان التفصي بفعل المباح كما تقدم.

و أما الجهة الثانية و هي الحكم الوضعي فملخص الكلام فيها: أنّ الظاهر بطلان البيع إذا اختاره، لصدوره عن كره لا عن طيب النفس، إذ هو- مع فرض بقاء الحرمة في الطرف الآخر كشرب الخمر- يكون خائفا من المكره، فيبيع داره خوفا لا طوعا.

و ببيان آخر: شرب الخمر ضرر في نفسه، فإذا ترك البيع ترتب على تركه أحد ضررين، إمّا شرب الخمر، و إمّا الضرر المتوعد به من طرف المكره، فيقع البيع خوفا من الضرر الجامع بين الإكراه و الاضطرار، فيشمله دليل رفع الإكراه. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل المتعلق بالإكراه على الجامع بين الأفراد العرضية.

و أمّا المقام الثاني المتكفّل للإكراه على الجامع بين الأفراد الطولية كما إذا أكره على فعل محرّم تكليفا في اليوم أو في الغد مثلا، أو أكره على بيع داره في اليوم أو بعده، فهل يكون الإكراه رافعا للأثر عن أحدهما من غير فرق بين الفرد السابق و اللاحق في الأحكام التكليفية و الوضعية؟ أم لا يكون رافعا للأثر إلّا عن الفرد اللاحق مطلقا.

أم يفصل بين التكليفيات و الوضعيات، ففي التكليفيات لا يرتفع الأثر إلّا عن الفرد اللاحق، بخلاف الوضعيات فإنه يرتفع الأثر بالإكراه فيه و لو اختار الفرد السابق، لسراية الإكراه إليه، و لتساوي الفردين بالنسبة إلى الجامع المكره عليه، كما ذكره المحقق النائيني قدّس سرّه.

قال مقرر بحثه الشريف: «و الظاهر في هذه الصورة (أي في الإكراه على الأفراد الطولية) الفرق بين المحرّمات و المعاملات، فلو كان مكرها أو مضطرا إلى شرب الخمر موسّعا، فلا يجوز له المبادرة إليه في أوّل الوقت، سواء احتمل التخلص منه لو أخّره أم لم يحتمل، إذ لا بدّ في ارتكاب المحرّم من المسوّغ له حين الارتكاب، فإذا لم يكن حين الشرب ملزما، فاختياره فعلا لا مجوّز له .. و أمّا لو كان مكرها في بيع داره موسّعا،

ص: 225

______________________________

فلو كان مأيوسا من التخلص عنه فإقدامه على البيع في أوّل الوقت لا يخرجه عن الإكراه.

و أمّا لو احتمل التخلص، فلو باع أوّل الوقت فهو مختار. و الفرق واضح» «1».

فملخص ما أفاده: حرمة ارتكاب الحرام فيما إذا أكره على شرب الخمر مثلا في اليوم أو الغد، و أنّ الحرمة ترتفع في الغد، بخلاف الإكراه على بيع داره في اليوم أو الغد، فإنه إذا باعها في اليوم كان البيع عن إكراه، فيبطل.

و ذكر في باب التزاحم من علم الأصول تعيّن الفرد السابق في التكليفيات في صورة واحدة، و هي ما إذا كان الفرد اللاحق أهم في نظر الشارع، مع كون القدرة في كلّ من الواجبين شرطا عقليا، فحينئذ يقدّم الأهم على الآخر، فإذا أكره على شرب النجس في اليوم أو قتل مؤمن في الغد، فإنّه يتعيّن عليه رفع الإكراه بالفرد السابق و اختياره.

و السرّ في ذلك أنّ أهمية الفرد اللاحق تكون معجزة شرعا عنه، فيجب حفظ القدرة على الفرد اللاحق بارتكاب الفرد السابق، دون العكس، فتكون نسبة الأهم إلى غيره كنسبة الواجب إلى المستحب أو المباح، فكما لا يمكن أن يكون المستحب أو المباح مزاحما للواجب، كذلك لا يمكن أن يكون المهم مزاحما للأهم، و لا فرق في ذلك بين عرضية المتزاحمين و طوليتهما هذا.

أمّا ما أفاده قدّس سرّه من لزوم تقديم الأهم على المهم فهو قاعدة كلية ثابتة في باب التزاحم، و لا ينبغي الارتياب فيها.

و أمّا ما أفاده من التفصيل بين المعاملات و غيرها فلا محصل له، و ذلك لعدم انطباق عنوان المكره عليه و لا المضطر إليه على الفرد المتقدم مع سعة الوقت ليرتفع حكمه بسبب الإكراه أو الاضطرار، من دون فرق في ذلك بين المحرّمات و الوضعيات، فإنّ المكره عليه الذي يترتب عليه الضرر هو ترك المجموع، لا ترك خصوص الفرد الأوّل و عليه فلا ملزم له في فعله.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 190.

ص: 226

______________________________

نعم في صورة ترك الفرد الأوّل يلزم الإتيان بالفرد الأخير، لترتب الضرر على تركه.

و على هذا فلو أكره على بيع داره يوم الجمعة أو يوم السبت، فبادر إلى بيعها يوم الجمعة، فإنّه يحكم بصحة هذا البيع، لصدوره عن الرضا و طيب النفس، و لا يحكم ببطلانه كما أفاده قدّس سرّه نظرا إلى عدم خروجه عن الإكراه الموجب لبطلانه.

و كذا إذا أكره على فعل المحرّم إمّا يوم الجمعة و إمّا يوم السبت، فإنه لا يجوز المبادرة إلى فعله يوم الجمعة، لعدم ترتب ضرر على تركه في نفسه، بل الضرر يترتب على تركه المنضم إلى ترك الفرد اللاحق، فلا يجوز للمكلّف ارتكابه.

فالمتحصل: أنّ المضطر إليه و المكره عليه في الأفراد الطولية هو الفرد المتأخر فقط، من دون فرق في ذلك بين المحرمات و المعاملات. فالفرد الأول من الحرام كشرب الخمر حرام فلو فعله كان عاصيا هذا.

و لا يخفى أن ما ذكرناه في الأفراد الطولية و العرضية جار في التكاليف الوجوبية، فإذا أكره على ترك أحد واجبين طوليين كالإفطار في اليوم الأوّل من شهر رمضان أو في اليوم الثاني منه، فإنه لا يجوز له المبادرة إلى الإفطار في اليوم الأوّل من الشهر، لعدم كونه بالخصوص موردا للإكراه حتى يشمله حديث الرفع و يرتفع به وجوب صومه، لعدم ترتب الضرر على تركه بالخصوص، بل الضرر مترتب على تركه المنضمّ إلى ترك الصوم في اليوم الثاني، فإنّ خوف الضرر ناش من ترك الواجب الثاني، فهو المكره عليه المشمول لحديث الرفع، فيرتفع وجوبه بالإكراه. هذا في الواجبات الاستقلالية كصوم كل يوم من شهر رمضان.

و أمّا إذا تعلق الإكراه بالواجبات الضمنية، فمقتضى القاعدة الأوليّة في الواجبات الارتباطية سقوط أوامرها بتعذر جزء أو قيد من أجزائها و قيودها، من غير فرق

ص: 227

______________________________

في ذلك بين كون الجزء المتعذر متعينا، و بين كونه مرددا بين أمرين أو أمور، فإذا أكره المكلّف على ترك جزء في الركعة الأولى أو الثانية كان مقتضى القاعدة سقوط وجوب أصل الصلاة، لعدم القدرة على الإتيان بجميع أجزائها المفروضة ارتباطيتها.

لكن في خصوص الصلاة قام الدليل من الإجماع أو الروايات أو غيرهما على «أن الصلاة لا تسقط بحال» «1»، و أنّ المقدار الميسور منها لا يسقط بالمعسور، فحينئذ يدور الأمر بين أن يكون الساقط هو الجزء الأوّل، و بين أن يكون هو الجزء الثاني كما إذا أكره على ترك التشهد من الركعة الثانية أو الركعة الرابعة.

فإن استفدنا من دليل الجزئية أنّ العبرة في جزئيته للواجب بالقدرة عليه في وعاء اعتباره، فيتعين حينئذ أن يكون الساقط هو الجزء المتأخر، إذ المفروض قدرته على الجزء الأوّل في ظرفه، فيجب صرفها فيه مع الاضطرار إلى ترك الجامع كالقيام، لما دل عليه صحيح جميل بن دراج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: ما حدّ المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا؟ فقال: إنّ الرجل ليوعك و يحرج، و لكنه إذا قوي فليقم» «2»، و من المعلوم صدق القدرة على القيام في الركعة الأولى إذا لم يقدر عليه إلّا في إحدى الركعات.

و إن لم نستفد شيئا من الأدلة فينتهي الأمر الى الأصل العملي، و مقتضاه التخيير، لأن الشك في اعتبار خصوص الأوّل يدفع بالبراءة، فمقتضى العلم باعتبار أحدهما هو الإتيان به مخيرا بين السابق و اللاحق.

فحاصل الفرق بين الواجبات الاستقلالية و الضمنية هو: أنّ الشك هناك في سقوط

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 2، ص 605، الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحديث 5. رواه زرارة في الصحيح عن الصادق عليه السّلام و الحديث طويل، و منه «فان انقطع عنها الدم، و الّا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء، ثمّ تصلّي و لا تدع الصلاة على حال، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: الصلاة عماد دينكم.

(2) وسائل الشيعة ج 4 ص 699، الباب 6 من أبواب القيام في الصلاة الحديث 3، رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب و ابن أبي عمير عن جميل، و الرواية صحيحة.

ص: 228

______________________________

التكليف عن الفرد الأوّل بالإكراه على الجامع، فلا بدّ أن يؤتى به، فيتعين الساقط في الفرد اللاحق.

و في المقام في حدوث التكليف بخصوص الفرد الأوّل، توضيحه: أنّ التكليف في الواجبات المستقلة بالنسبة إلى الفرد الأول معلوم، و سقوطه عنه بالإكراه على الجامع مشكوك فيه، فمقتضى الاستصحاب بقاؤه. بخلاف الواجبات الضمنية، فإنّ الأمر الجديد بالصلاة بعد تعذّر جزء منها كأحد التشهّدين لا يعلم أنّه تعلق بالصلاة الواجدة للتشهد في الركعة الثانية، أو تعلق بالصلاة الواجدة للتشهد في الركعة الأخيرة، أو بالصلاة مع التشهد في الجملة. فالشك يكون في حدوث التكليف بخصوص الفرد الأوّل تعيينا، و مقتضى أصل البراءة عدم التعيينيّة. هذا ما يستفاد من التقريرات «1».

أقول: فيما أفاده من الفرق بين الواجبات الاستقلالية و الضمنية- بأنّ الإكراه على الجامع في الأولى لا يؤثر في الفرد الأوّل بل يؤثر في الفرد الثاني، فيرتفع الحكم عنه دون الأوّل، بخلاف الواجبات الضمنية، فإنّ حدوث التكليف فيها بالنسبة إلى الفرد الأوّل تعيينا مشكوك فيه، فيرفع بأصالة البراءة، فيتخير في تطبيق الإكراه على الجامع بين الفردين الطوليين على أي فرد منهما شاء- تأمّل و إشكال، لأنّ ما أفيد في الفرق المزبور مبني على حدوث أمر جديد بالنسبة إلى الواجب الفاقد لجزء بالتعذر، و سقوط الأمر الأوّل المتعلق بالكلّ، إذ يشكّ حينئذ في أن الأمر الجديد تعلق بالصلاة الواجدة للقيام في الركعة الأولى مثلا أو للقيام في الركعة الثانية، فيرجع حينئذ في تعلّقه بالقيام الأوّل بالخصوص إلى البراءة.

و هذا المبنى غير سديد، لأنّ الدليل على عدم سقوط الصلاة سواء أ كان قاعدة الميسور أم نصا خاصا لا يقتضي إلّا بقاء الأمر الصلاتي، و عدم سقوطه بالتعذر، لأنّ مقتضى حكومة قاعدة الميسور و «لا تعاد» و غيرهما من الأدلة الثانوية تضييق دائرة

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 317 و 318.

ص: 229

______________________________

الجزئية أو الشرطية المستلزم لسقوط أمر الجزء أو الشرط، مع بقاء الأمر بما عدا المعسور، فإنّ السقوط مترتب على الثبوت، فمعنى «الميسور لا يسقط بالمعسور» أنّ الأمر المتعلق بالكل لا يسقط إلّا ما تعلّق منه بالمعسور، فالأمر الساقط هو الأمر الضمني المتعلق بالمعسور، و أما الأمر بسائر الأجزاء فهو باق على حاله فحينئذ يقع الكلام في أنّ الساقط هو جزئية القيام في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية، فيرجع الشك الى سقوط التكليف لا ثبوته، كالشك في الواجبات الاستقلالية. فلا يؤثر الإكراه على الجامع بين الجزئين الطوليين في ارتفاع جزئية الفرد الأوّل، بل هو باق على جزئيته، كالإكراه على الجامع بين الفردين الطوليين في الواجبات الاستقلالية.

و بالجملة: فالفرق المزبور بين الفردين الطوليين في الواجبات الاستقلالية و الضمنية في حيّز المنع، بل وزان الضمنية وزان الاستقلالية في أنّ الإكراه على الجامع يؤثر في الفرد الأخير دون الأوّل.

بل يمكن أن يقال- بعد تسليم تعلق الأمر الجديد و سقوط الأمر الأوّل- إنّ الفرق بين الواجبات الاستقلالية و الضمنية أيضا في حيّز المنع، إذ موضوع الأمر الجديد هو المكره على ترك أحد القيامين، و عنوان «أحدهما» قابل الانطباق على كل واحد من القيامين، لكن لا بد من تطبيق المكره عليه على القيام الثاني، لأن الخوف ناش من فعل القيام الثاني، و أمّا إذا تركه و أتى بالقيام الأوّل فلا خوف. فالواجب الارتباطي كالاستقلالي من دون فرق بينهما في لزوم تطبيق المكره عليه على الفرد اللاحق، فتدبر.

هذا إذا لم يقم دليل بالخصوص على تعيّن الأخذ بأحدهما المعيّن، و إلّا فيتعين الأخذ به، و يسقط الآخر، كما إذا دار الأمر بين الوقت و غيره كالسورة، فإنّه يتعيّن سقوط السورة و إتيان الصلاة بدونها في الوقت. و كما إذا دار الأمر بين الطهور و غيره، فإنّه لا إشكال في تقدم الطهور على غيره. و كما إذا دار الأمر بين الوقت و جامع الطهور، فإن الساقط حينئذ هو الوقت.

ص: 230

[إكراه أحد الشخصين على فعل واحد]

ثم إنّ إكراه أحد الشخصين على فعل واحد [1] بمعنى إلزامه عليهما كفاية (1) و إيعادهما على تركه كإكراه (2) شخص واحد على أحد الفعلين [2] في (3) كون كل منهما مكرها.

______________________________

إكراه أحد الشخصين على فعل واحد

(1) أي: على نحو الوجوب الكفائي، بأن يكون كلّ منهما في صورة ترك المكره عليه موردا للإيعاد، كترك الواجب الكفائي الموجب لاستحقاق الجميع للمؤاخذة، بأن يأمر المكره أحد شخصين بشرب الخمر أو طلاق الزوجة أو بيع الدار، فيقول لزيد و عمرو: «ليشرب أحدكما هذه الخمر، و إلّا أضرّ بكما بما لا يتحمل عادة» أو قال: «ليطلّق أحدكما زوجته، و إلّا» فإنّ إقدام كل منهما على الشرب أو الطلاق لمّا كان مستندا إلى خوف الضرر» و ناشئا من تحميل الغير كان مكرها عليه.

(2) خبر قوله: «إنّ إكراه» و ضمير «إلزامه» راجع إلى «فعل واحد».

(3) متعلق ب «إكراه» و هذا وجه المماثلة، يعني: أنّ إكراه شخصين على فعل واحد كإكراه شخص واحد- على أحد الفعلين- في كون كل من الشخصين مكرها.

______________________________

[1] بأن يكون واحدا حقيقة و إن كان متعددا فاعلا كبيع الوكيلين أو مالك و وكيله، فإنّ الملكية الحاصلة من إنشاءاتها واحدة و إن كان إنشاؤها من متعدد. و أما إن كان متعددا كبيع دار زيد أو بيع دار عمرو، فإن أكره أحدهما ببيع داره و باع زيد داره مع علمه أو احتماله عقلائيا ببيع عمرو داره لدفع ضرر المكره، فيكون بيع زيد داره عن الرضا و طيب النفس.

[2] لا بدّ من تقييد الفعلين بالعرضيّين لأن الطوليّين كما تقدم سابقا لا يتصف منهما بالإكراه إلّا الفرد اللاحق، إذ مع اختيار السابق و ترك اللاحق لا خوف فيه، بل خوف الضرر المتوعد به ليس إلّا في ترك كليهما.

ص: 231

______________________________

كما ينبغي تقييده بمساواة الشخصين في الخوف الناشئ من إيعاد المكره، فلو كان أحدهما أشدّ خوفا من الآخر بحيث يعلم الآخر إقدامه لم يجز له الارتكاب، و لو فعل لم يكن مكرها على الفعل.

و كيف كان، فهذه هي الجهة السادسة: و تفصيل البحث فيها: أنّ إكراه أحد الشخصين أو الأشخاص يكون نظير الواجب الكفائي الذي يتعلّق الوجوب فيه بالجامع بين الشخصين أو الأشخاص، فمتعلق الإكراه في إكراه الشخصين أيضا هو الجامع بينهما.

ثم اعلم أن إكراه أحد الشخصين قد يكون في مورد الأحكام التكليفية، و قد يكون في مورد الأحكام الوضعية.

و الأوّل كالإكراه على ارتكاب شرب الخمر أو ترك واجب كالصلاة أو الصوم.

و الثاني كإكراه أحدهما على بيع داره.

أمّا القسم الأوّل فحاصل الكلام فيه: أنّ الحكم التكليفي لا يرتفع عن فعل كلّ منهما إلّا إذا علم أو احتمل احتمالا عقلائيا عدم إتيان الآخر به، إمّا لتمكّنه من دفع الضرر المتوجه إليه، و إمّا لتوطين نفسه على الضرر، فإنّه يجوز له حينئذ ارتكاب المكره عليه فعلا أو تركا.

و بالجملة: جواز ارتكاب المكره عليه منوط بخوف الضرر المتوعد به، فإذا لم يخف الضرر بأن علم أو اطمأن بأنّ الآخر يرتكب المكره عليه خوفا من توجه الضرر إليه، أو لقلة مبالاته بالدين حرم عليه ارتكابه، و ذلك لأن الأحكام الشرعيّة من القضايا الحقيقية التي تنحلّ إلى أحكام عديدة، فلكل فرد من أفراد المكلّفين حكم مستقلّ غير مرتبط بحكم سائر المكلفين. فحينئذ يكون ارتفاع الحكم عن كل واحد منهم منوطا بخوفه من الضرر ليشمله حديث الرفع، و يحكم بإباحة الفعل أو الترك له. ففي صورة عدم الخوف من الضرر يحرم ارتكابه لدليل حرمته من دون ما يقتضي ارتفاعها.

و أمّا القسم الثاني- و هو ما إذا تعلق الإكراه بالجامع بين الشخصين في الوضعيات مع تعدّد المكره عليه في نفسه أو وحدته- فبيانه:

أمّا الأوّل فكما إذا أكره الجائر أحد الشخصين على بيع داره، لكون بيع كل من

ص: 232

______________________________

الدارين في نفسه مغايرا لبيع الدار الأخرى. و هذا القسم ملحق بالقسم الأوّل المتقدّم و هو إكراه أحد الشخصين على مورد الأحكام التكليفية كارتكاب شرب الخمر أو ترك واجب، فإن احتمل كل منهما- احتمالا عقلائيا رافعا للخوف- صدور البيع من الآخر، و مع ذلك أقدم على بيع داره يحكم بصحة بيعه، لعدم صدوره عن الخوف، بل لصدوره عن طيب نفسه فليتأمّل.

و إن لم يحتمل ذلك أو احتمل احتمالا لا يرفع الخوف و باع، لم يكن البيع صحيحا، لأنّه وقع عن الكراهة للخوف، لا عن طيب النفس.

و أمّا الثاني- و هو وحدة العقد المكره عليه حقيقة، و كون تعدده بلحاظ المعنى المصدري الناشئ عن تعدد العاقد، و إلّا فبلحاظ المعنى الاسم المصدري واحد- فكما إذا أكره أحد الوكيلين على بيع دار شخصيّة لموكله، فإنّ المكره عليه حينئذ موضوع شخصي و هو بيع دار الموكل، و التعدد إنما يكون في ناحية من يوجد العقد و ينشئه.

و كما إذا أكره أحد الوكيلين و الموكل على بيع دار شخصية.

و حكم هذا القسم هو فساد المعاملة مطلقا من غير تفصيل بين العلم بصدور البيع من الآخر و احتمال ذلك احتمالا عقلائيّا و عدمهما، لأنّها حقيقة واحدة، ضرورة أنّ مورد الإمضاء الشرعي- و هو العقد الصادر عن الجامع بين الوكيلين- مكره عليه، و ليس خصوص كل منهما مكرها عليه، إذ العقد الصادر عن الوكيلين هو الصادر على مال الموكّل، فهو المكره عليه، فالعقد من أي واحد منهما صدر فإنّما صدر عن كره، إذ المالك لا يرضى ببيع ماله.

فعلى هذا يقع البيع فاسدا، سواء علم العاقد بعدم إقدام الآخر عليه، أم احتمله، أم علم بخلافه، فمتعلق الإكراه أمر وحداني، و هو بيع مال الموكل، فشأن هذا شأن إكراه الشخص الواحد على ارتكاب فعل فارد.

و من هنا يتضح الفرق بين ما نحن فيه و هو إكراه أحد الوكيلين أو هما مع الموكّل على بيع عين شخصيّة، و بين إكراه شخص واحد على أحد العقدين مرددا، كأن يقول الجائر لزيد: «بع دارك أو طلّق زوجتك».

ص: 233

[تعلّق الإكراه بإنشاء المالك تارة، و العاقد اخرى]

و اعلم أنّ (1) الإكراه قد يتعلّق بالمالك و العاقد كما تقدم، و قد يتعلق

______________________________

تعلّق الإكراه بإنشاء المالك تارة، و العاقد اخرى

(1) هذه جهة أخرى من جهات البحث في عقد المكره، و بيانه أنّ الإكراه على العقد يتصوّر على أنحاء ثلاثة:

الأوّل: كون المكره هو المالك، فيقال له: «بع دارك، و إلّا» فينشئ البيع خوفا من الضرر، و هذا هو الغالب، حيث يكون المالك عاقدا أيضا، و تقدّمت أقسامه و أحكامها في المباحث السابقة.

الثاني: كون المكره هو المالك و من بيده الأمر، لا العاقد، كما لو أكره الجائر زيدا على أن يوكّل عمرا في بيع داره، أو يوكّل ذلك الجائر فيه، مع كون الوكيل مختارا في الإنشاء و حيث كان التوكيل باطلا للإكراه توقّفت صحة بيع الوكيل على إمضاء زيد، لكونه فضوليا.

الثالث: عكس النحو الثاني، بأن يكون المكره هو العاقد لا المالك، كما لو أكره الجائر زيدا و قال له: «طلّق زوجتي وكالة، و إلّا قتلتك» فهل يصح هذا الطلاق أم لا؟

قد عقد المصنف هذه الجهة لتحقيق المسألة، و رجّح الصحة، لوجود المقتضي و هو القصد و الرضا، و فقد المانع، لفرض طيب نفس المالك أو الزوج بما طلبه من المكره، و سيأتي وجهه.

______________________________

وجه الفرق أن العقد فيما نحن فيه من أي شخص صدر يكون مكرها عليه، فلو باع الوكيلان أو هما مع الموكّل بطل البيعان أو البيوع، و لا يصح شي ء منها أو منهما، لوقوع الجميع عن إكراه، و لا وجه لصحته أصلا. بخلاف المثال، فإنّه إذا طلّق زوجته دفعا لضرر المكره ثم باع داره كان البيع صحيحا. فإطلاق كلام المصنف حيث قال: «ثم إنّ إكراه أحد الشخصين على فعل واحد .. كإكراه شخص واحد على أحد الفعلين في كون كل منهما مكرها» مشكل جدّا.

ص: 234

بالمالك دون العاقد، كما لو أكره (1) على التوكيل في بيع ماله، فان (2) العاقد قاصد مختار، و المالك مجبور، و هو داخل في عقد الفضولي بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة (3) مع الإكراه.

و قد ينعكس (4) كما لو قال: «بع مالي أو طلّق زوجتي، و إلّا قتلتك» و الأقوى هنا الصحة، لأنّ العقد هنا (5) من حيث إنّه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا. و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض. فهذا أولى (6) من المالك المكره على العقد إذا رضي لاحقا.

______________________________

(1) يعني: إكراه العاقد مالك المال على أن يوكّله في بيع ماله، فحينئذ يكون العاقد مكرها للمالك على التوكيل في بيع ماله.

(2) تعليل لصحة عقد الوكيل- بالوكالة الإكراهية- معلّقا على إجازة الموكل المفروض كونه مكرها.

(3) إذ المنشأ في الوكالة هو الإذن في التصرف، و المفروض انتفاء الإذن لمكان الإكراه و التحميل، فكأنّه لم ينشأ شي ء أصلا. و هذا بخلاف البيع الإكراهي، إذ المنشأ المقصود هو تمليك مال بمال، و المفقود هو الرضا.

(4) بأن يكره المالك غيره على أن يكون وكيلا عنه في عقد أو إيقاع، كأن يقول المالك له: «بع مالي أو طلّق زوجتي، و إلّا قتلتك».

(5) يعني: في صورة إكراه المالك غيره على إجراء عقد أو إيقاع عنه.

و حاصل ما أفاده في وجه الصحة: أن ما يعتبر في العقد العرفي من قصد مضمون العقد حاصل من المكره، و ما يعتبر في صحة العقد شرعا من رضا المالك موجود أيضا، فلا موجب لبطلان العقد هنا.

(6) وجه الأولوية واضح، لأنّ رضا المالك هنا موجود حال العقد، فلو فرض اعتبار مقارنة العقد لرضا المالك في الصحة فهي موجودة هنا. بخلاف الرضا اللاحق، فإنّه ليس مقارنا للعقد.

ص: 235

و احتمل في المسالك عدم الصحة (1)، نظرا إلى أنّ الإكراه يسقط حكم اللفظ، كما لو أمر المجنون بالطلاق فطلّقها، ثم قال: «و الفرق بينهما أنّ عبارة المجنون مسلوبة (2)، بخلاف المكره، فإنّ عبارته مسلوبة لعارض تخلّف القصد، فإذا كان الآمر قاصدا لم يقدح إكراه المأمور» انتهى. و هو حسن (3).

و قال (4) أيضا: «لو أكره الوكيل على الطلاق (5) دون الموكّل ففي صحته

______________________________

(1) بعد أن رجّح الشهيد الثاني قدّس سرّه الوقوع، فلاحظ قوله: «لو قال: طلّق زوجتي و إلّا قتلتك، أو غير ذلك ممّا يتحقق به الإكراه، فطلّق، ففي وقوع الطلاق وجهان، أصحّهما الوقوع، لأنه أبلغ في الإذن. و وجه المنع: أنّ الإكراه ..» إلى آخر ما نقله المصنف عنه.

و حاصل وجه عدم الصحة: أنّ الإكراه يسقط عبارة المكره عن التأثير كسقوط عبارة المجنون، ثم فرّق بين المكره و المجنون بقوله: «و الفرق بينهما» و مقتضاه صحة طلاق العاقد المكره.

(2) يعني: أنّ عبارة المجنون كصوت البهيمة فاقدة لكل شي ء حتى الإرادة الاستعمالية، بخلاف عبارة المكره، فإنها مستعملة، لكنه غير قاصد لوقوع معناها، فإذا تحقق القصد من الأمر المكره ترتب عليه الأثر، و لم يقدح إكراه المأمور المكره.

(3) لأنّ المراد بانتفاء القصد في عبارة المكره هو انتفاء الرضا و طيب النفس بمضمون العقد، و هو موجود في المالك الآمر، و إن كان مفقودا في المكره. هذا ما أفاده الشهيد الثاني في الأمر الخامس مما ذكره في طلاق المكره.

(4) يعني: و قال الشهيد الثاني في الأمر السادس من أمور طلاق المكره:

«لو أكره ..» إلخ.

(5) يعني: لو أكره زيد من هو وكيل شرعي عن عمرو- في طلاق زوجته- على أن يطلّقها الوكيل في زمان لا يريد الوكيل إيقاعه فيه، من دون أن يكره زيد نفس الزوج عليه.

ص: 236

وجهان أيضا (1)، من تحقق الاختيار في الموكّل المالك (2)، و من سلب عبارة المباشر» «1» انتهى.

و ربما يستدل على فساد العقد في هذين الفرعين (3) بما دلّ على رفع حكم الإكراه.

و فيه ما سيجي ء (4) من: أنّه إنّما يرفع حكما (5) ثابتا على المكره

______________________________

(1) يعني: كصورة إكراه نفس الزوج- أو المالك- غيره على الطلاق أو بيع ماله.

(2) عبارة المسالك هذه: «المالك للتصرف».

(3) و هما صورة كون المكره هو المالك، التي أشار إليها المصنّف بقوله: «و قد ينعكس كما لو قال: بع مالي أو طلّق زوجتي، و إلّا قتلتك» و صورة كون المكره الوكيل الشرعي في طلاق زوجة شخص، من دون أن يكره المكره نفس الزوج، بل أكره غيره.

و لعلّ المستدل على الفساد هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه فإنّه بعد نقل الفرعين عن المسالك و توجيههما ناقش فيهما، و قال: «و لقائل أن يقول: انّ صحة العقود توقيفية تتبع الدليل، فلما دلّ على صحة الفضولي و المكره بحقّ قلنا بها، و لم يدلّ فيما سوى ذلك فلا نقول به. و الاستناد إلى الاستحسانات لا يناسب مذهبنا، و في شمول العمومات إشكال ظاهر، فوجب القول بالمنع .. إلخ» «2».

و ظاهر قوله: «فلمّا دلّ الدليل على صحة الفضولي و المكره بحق» كون وجه المنع في الفرعين المزبورين إلغاء إنشاء المكره عن التأثير مطلقا بمقتضى حديث رفع الإكراه.

(4) يعني: في (ص 282) عند قوله: «و ثانيا: انه يدلّ على أن الحكم الثابت للفعل المكره عليه لو لا الإكراه يرتفع عنه .. إلخ».

(5) لأنّ الرفع في حديثه تشريعي، فلا بدّ أن يكون المرفوع حكما شرعيا.

______________________________

(1) مسالك الافهام ج 9 ص 23.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 18.

ص: 237

لو لا الإكراه (1).

و مما يؤيّد ما ذكرنا (2) حكم المشهور بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، و من المعلوم أنّه إنّما يتعلق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمر، و هو النقل و الانتقال. و أمّا التلفظ بالكلام الذي صدر مكرها فلا معنى (3) للحوق الرضا به، لأنّ (4) ما مضى و انقطع لا يتغيّر عمّا وقع عليه و لا ينقلب.

______________________________

(1) إذ المفروض أنّه عنوان ثانوي رافع للحكم بالعنوان، فلا محيص عن ثبوت الحكم لو لا الإكراه حتى يكون الإكراه رافعا له.

(2) يعني: من الصحة في الفرعين المذكورين. أمّا في أوّلهما- و هو كون المكره نفس المالك- فبتصريح المصنف بالصحة.

و أمّا في ثانيهما فلوجود علّة الصحة التي ذكرها في الفرع الأوّل بقوله: «لأنّ العقد هنا من حيث إنّه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره .. إلخ».

و حاصل وجه التأييد: أنّ مقتضى حكمهم بصحة بيع المكره بلحوق الرضا هو كون المناط في الصحة الرضا بمضمون العقد- و هو النقل و الانتقال في البيع- و إن كان صدور الصيغة عن كره، لأنّ الإجازة لا توجب انقلاب الكره في صدور الصيغة إلى الرضا به، و المفروض وجود الرضا بمضمون العقد في المقام، و هو كون المكره هو المالك، أو كون المكره الوكيل الشرعي للمالك. بل المقام أولى من الرضا اللاحق لسبق الرضا في ما نحن فيه و كون الرضا مقارنا للعقد، بخلافه في الإجازة.

(3) لكونه من السالبة بانتفاء الموضوع، مع أنّ الرضا صفة مقولية لا ما نحن فيه، يعقل عروضها على المعدوم، و هو اللفظ المفروض تصرّمه حال الرّضا.

(4) تعليل لقوله: «فلا معنى» و قد عرفت وجه استحالة تعلق الرضا باللفظ الصادر عن إكراه، فيتعيّن تعلّق طيب النفس بما له بقاء، و هو الأمر الموجود في موطن الاعتبار.

ص: 238

نعم (1) ربما يستشكل هنا (2) في الحكم المذكور بأنّ (3) القصد إلى المعنى- و لو على وجه الإكراه- شرط في الاعتناء بعبارة العقد، و لا يعرف (4) إلّا من قبل العاقد، فإذا كان مختارا أمكن إحرازه بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها.

______________________________

(1) هذا استدراك على حكمه وفاقا للمشهور بالصحة، و المستشكل هو المحقق الشوشتري، قال في المقابس- بعد عبارته المتقدّمة (في ص 237) ما لفظه: «و أيضا انّ إرادة مدلول اللفظ لا بدّ منها في صحة العقد، و إن تجرّد من الرضا به، و لذلك بطل عقد الهازل و قاصد التورية و نحوهما، و إذا صدر العقد من مختار بالغ عاقل حكمنا بما هو الظاهر من حصول ذلك، بخلاف ما إذا صدر من مكره، إذ لا ظهور لعبارته في قصد المعنى المطلوب، و لا عبرة بالدلالة المجرّدة عن الإرادة، فكيف يحكم بالصحة بمجرّد صدور العقد و الرضا ..؟» «1».

و حاصل الإشكال: أنّ الاعتناء بعبارة العقد مشروط بالقصد إلى المعنى و لو على وجه الكره، و لا يعرف هذا القصد إلّا من قبل العاقد، فإذا كان العاقد مختارا أمكن إحراز القصد بالأصل العقلائي، و هو كون الفاعل المختار قاصدا في أفعاله و أقواله، و أمّا إذا كان مكرها فلا سبيل إلى إحراز قصده.

(2) يعني: في الفرعين المذكورين، أحدهما: إكراه العاقد بدون إكراه المالك، و ثانيهما: إكراه الوكيل بدون إكراه الموكّل.

(3) متعلق ب «يستشكل» و بيان له، و قد تقدم آنفا نصّ كلام المقابس و محصّله.

(4) أي: و لا يعرف القصد إلى المعنى- و لو على وجه الإكراه- إلّا من قبل العاقد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع ص 18، و اعترض صاحب الجواهر أيضا على الحكم المذكور بوجه آخر، فراجع جواهر الكلام، ج 32 ص 16.

ص: 239

اللهم إلّا أن يقال: (1) إنّ الكلام بعد إحراز القصد، و عدم (2) تكلم العاقد لاغيا أو مورّيا و لو كان مكرها.

مع أنّه (3) يمكن إجراء أصالة القصد هنا أيضا (4)، فتأمّل (5).

______________________________

(1) غرضه الخدشة في إشكال المحقق الشوشتري، و الذبّ عن حكم المشهور بالصحة في الفرعين المزبورين، و محصل الخدشة وجهان:

الأوّل: منع ما أفاده من قوله: «دون المكره عليها» و بيانه: أنّ إحراز قصد العاقد معتبر قطعا في صحة العقد، و المفروض إحرازه في المقام أيضا، للعلم بأنّ العاقد المكره لم يتكلّم لاغيا و لا مورّيا، فلا بدّ أن يقصد مضمون الإنشاء، فيتعيّن الحكم بالصحة.

(2) معطوف على «إحراز» أي: و عدم تكلم العاقد لاغيا .. إلخ.

(3) هذا هو الوجه الثاني، و هو: أنّه لو شك في كون العاقد قاصدا جدّا أمكن إحرازه بإجراء أصالة القصد في صورة الإكراه، كإجرائها في صورة الاختيار، بأن يدّعى المناط في ظهور القصد هو كون الفعل اختياريا، في مقابل الاضطرار الذي هو كحركة المرتعش، و من المعلوم أنّ الإكراه على الفعل لا يكون من الاضطرار المزبور الرافع للقصد.

و عليه فإجراء أصالة القصد في عقد المكره- الملتفت المريد للتفهيم و التفهم- يقتضي إرادة المعنى من اللفظ إخبارا أو إنشاء، و أمّا كونه عن طيب النفس فلا يقتضيه الأصل المزبور.

و الحاصل: أنّ أصالة القصد تثبت القصد بالمقدار المحتاج إليه.

(4) يعني: كإجرائها في صورة الاختيار.

(5) لعلّه إشارة إلى: أنّ أصالة القصد التي هي من الأصول العقلائية إنما تجري فيما إذا كان منشأ الشك في قصد المدلول احتمال الغفلة، فمقتضى أصالة عدم الغفلة

ص: 240

..........

______________________________

حينئذ قصد المعنى. و أمّا إذا احتمل عدم القصد حتى مع عدم الغفلة فلا مسرح لأصالة القصد. و الأمر في المقام من هذا القبيل، فلا يجدي أصالة القصد [1].

______________________________

[1] الجهة السابعة ما أشار إليه بقوله: «و اعلم أنّ الإكراه قد يتعلق بالمالك» و توضيحه: أنّ الإكراه قد يتعلّق بالمالك العاقد، و لعلّه الغالب، و قد يتعلّق بالمالك دون العاقد، و قد يتعلق بالعاقد دون المالك، فللمسألة ثلاث صور:

أمّا الأولى فقد تقدّم الكلام فيها، و أنّ حكمها بطلان العقد الإكراهي لحديث الرفع.

و أمّا الثانية كالإكراه على التوكيل بطلاق زوجته، و طلّق الوكيل من غير إكراه، فلا إشكال في عدم وقوع الطلاق عن الزوج، لعدم استناده إليه بعد كون التوكيل كالعدم، لتحققه عن الإكراه و عدم رضا الموكل.

و عليه فصحته منوطة بإجازة الزوج بناء على صحة الإيقاعات الفضولية بالإجازة، و إلّا فلا.

و الحاصل: أنّ طيب نفس الوكيل بالطلاق مع كون توكيله إكراهيّا لا يكفي في صحة الطلاق.

و أما الثلاثة- و هي إكراه العاقد- فقد ذكر فيها المصنف قدّس سرّه: «انّ الأقوى هنا الصحة، لأنّ العقد هنا من حيث إنه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا، و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض، فهذا أولى من المالك المكره على العقد إذا رضي لاحقا».

لكن التحقيق أنّ هنا صورا:

الصورة الأولى: أن يكون الإكراه من المالك، و كان العاقد مكرها في إنشائه،

ص: 241

______________________________

و الظاهر عدم الإشكال في صحة العقد في هذه الصورة، لصدق التجارة عن تراض من المالكين عليه، و العاقد أجنبي عن مالكي العوضين، فلا أثر لرضاه، إذ المفروض كون العاقد غير المالك، فإكراهه لا يؤثر في فساد المعاملة.

و توهم دلالة حديث الرفع على بطلان هذا العقد لمكان الإكراه، فاسد، إذ لا أثر لفعل المكره بالنسبة إلى نفسه حتى يرفعه حديث الرفع، فإضافة العقد إليه إنما هي بلحاظ المعنى المصدري، و إلّا فلا إضافة للعقد إليه أصلا. فلا بدّ من إضافته إلى المالك، و المفروض عدم قصور في إضافته إليه، و اقتران العقد برضاه، فهذا العقد جامع لشرائط الصحة. هذا بالنسبة إلى العاقد.

و أمّا بالنسبة إلى المالك فجريان الحديث في حقه و رفع الأثر بالإضافة إليه خلاف الامتنان.

الصورة الثانية: أن يكون الإكراه من غير المالك لغير وكيله، كما إذا أكره زيد عمرا على بيع مال بكر، أو طلاق زوجته، فإنّ العقد حينئذ فضولي يتوقف صحته على إجازة مالكه، و هو بكر في المثال، و وجهه ظاهر.

الصورة الثالثة: أن يكون الإكراه من غير المالك لمن يكون وكيلا مفوّضا من قبل المالك، كما إذا كان زيد مالكا و عمرو وكيلا له، و أكره بكر عمرا على بيع مال زيد.

و صحة المعاملة في هذه الصورة منوطة برضا المالك، فإن أحرز ذلك فلا إشكال في الصحة، إذ المدار في الصحة طيب نفس المالك. و إن لم يحرز ذلك، فالظاهر بطلانها، لأنّ المفروض صدور العقد عن الوكيل بغير الرضا، فلا كاشف عن رضا المالك بالعقد حتى يستند إليه.

نعم إذا علم من الخارج رضا المالك بالعقد حكم بصحة العقد و إن أنشأه الوكيل عن كره و ذلك لأنّ رضا الوكيل قد اعتبر بما أنّه طريق إلى استكشاف رضا المالك من

ص: 242

[الإكراه على بيع عبد من عبدين مبهما]
اشارة

فرع (1) [فروع]:

لو أكرهه على بيع واحد غير معيّن من عبدين، فباعهما، أو باع نصف

______________________________

الإكراه على بيع عبد من عبدين مبهما

(1) كذا في بعض النسخ، و لكن في النسخة المصححة التي بأيدينا و غيرها «فروع» بصيغة الجمع، و لعلّ مراده الجمع المنطقي، أو الفروع الثلاثة، بجعل قوله: «أو باع نصف أحدهما» فرعا آخر منضما إلى قوله: «لو أكرهه على بيع واحد غير معيّن» و إلى قوله الذي ذكر فيه الفرع الثاني- و هو: «و لو أكرهه على بيع معيّن فضمّ إليه غيره و باعهما دفعة .. إلخ» و يمكن أن يشتبه الناسخ في كتابة لفظ الجمع، و اللّه العالم.

و الغرض من التعرض للفرعين المنقولين عن التذكرة هو بيان أنّ ما يقع في الخارج- بعد الإكراه- على أنحاء، فتارة يكون نفس ما أكره عليه، كما لو أكرهه على بيع داره فباعها، و أخرى مغايرا له، و هو إما مباين له تماما، كما إذا أكرهه على بيع داره فباع بستانه أو طلّق زوجته، و إمّا موافق له مع زيادة عليه، و إما مع نقيصة عما أكره عليه، و ستظهر أحكامها.

و لا يخفى أنّه تقدم بعض صور المسألتين فيما عنونه بقوله (في ص 214):

«أما لو كانا عقدين أو إيقاعين، كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه .. إلخ» فراجع، و لكنّه لم يستقص صور المسألة هناك.

و كيف كان فلو أكرهه الجائر على بيع واحد غير معين من عبدين، فإن باع كذلك، بأن قال: «بعت أحد عبديّ هذين» من دون قصد بيع أحدهما بالخصوص

______________________________

جهة توكيله، فلو علم برضا الموكل مع صدور العقد عن الوكيل كرها حكم بصحته.

و من هنا ظهر عدم صحة قياس ما نحن فيه بالمجنون، و ذلك لأنّ المجنون مسلوب العبارة، فلا أثر لعقده، بل عقده ليس بعقد حقيقة، بخلاف المكره فإنّه ليس بمسلوب العبارة.

ص: 243

أحدهما، ففي (1) التذكرة إشكال (2).

أقول: أمّا بيع العبدين، فإن كان تدريجا فالظاهر وقوع الأوّل مكرها (3)

______________________________

كان باطلا، لمطابقة ما أنشئ لما أكره عليه.

و إن خالف المكره ما أكره عليه، بأن باع كليهما، أو باع نصف أحدهما، ففصّل المصنف قدّس سرّه بين المسألتين، و سيأتي حكم بيع النصف، فالكلام فعلا في بيعهما، و له صورتان:

إحداهما: بيعهما تدريجا، بأن يبيع أحدهما المعيّن، ثم يبيع الآخر بعد ساعة مثلا.

و الأخرى: بيعهما دفعة، بأن يقول: «بعت هذين العبدين بكذا».

فإن باعهما تدريجا فالظاهر بطلان بيع السابق، لكونه مكرها عليه، و صحة بيع اللّاحق، لكونه مختارا في بيعه، لتحقق غرض المكره ببيع السابق.

و يحتمل الرجوع إلى المكره في تعيين أنّ أيّ البيعين كان بداعي دفع الضرر المتوعّد به، فيبطل و يصحّ الآخر. فلا يتعيّن السابق للبطلان.

و إن باعهما دفعة كان كل من صحة بيع كليهما و فساده محتملا، أمّا احتمال الصحة فلأنّ ما أنشئ- و هو بيع العبدين- مخالف لما أكره عليه و هو بيع أحدهما مبهما، فلم يتعلق الإكراه ببيعهما معا.

و أمّا احتمال الفساد، فلأنّ بيعهما معا و إن لم يكن مكرها عليه، إلّا أنّ بيع أحدهما ناش عن الإكراه، و لمّا لم يتعيّن ذاك المكره عليه من البيعين، فلا بدّ من الحكم ببطلانهما معا، إذ لا مرجّح لأحدهما حتّى يتعيّن كونه المكره عليه. كما لا مجال لصحتهما معا، بعد وجود المكره عليه بين البيعين.

هذا كله لو باعهما معا و أمّا لو باع نصف أحدهما فسيأتي الكلام فيه.

(1) جواب الشرط في قوله: «لو أكرهه» و الفاء في «فباعهما» عاطفة على «أكرهه» لا جوابية.

(2) قال العلّامة قدّس سرّه: «لو أكرهه على بيع عبد فباع اثنين أو نصفه فإشكال» «1».

(3) لأنّه دافع للضرر المتوعد به، فالبيع الثاني يقع عن الرضا، فيصح.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر 37.

ص: 244

دون الثاني، مع احتمال الرجوع إليه في التعيين (1) سواء ادّعى العكس (2) أم لا.

و لو باعهما دفعة احتمل صحة الجميع، لأنّه (3) خلاف المكره عليه، و الظاهر (4) أنّه لم يقع شي ء منهما عن إكراه.

و بطلان (5) الجميع، لوقوع أحدهما مكرها عليه، و لا ترجيح.

و الأوّل (6) أقوى.

و لو أكره (7) على بيع معيّن، فضمّ إليه غيره و باعهما دفعة،

______________________________

(1) لأنّه أعرف بقصده، لاحتمال وقوع البيع الأوّل عن الرضا، و إيقاع الثاني لدفع ضرر المكره. و يحتمل العكس. و حيث إنّه لا يعرف أحدهما إلّا من قبله لزم الرجوع إليه في التعيين، فيتّبع قوله.

(2) أي: وقوع الثاني مكرها عليه، و وقوع الأوّل عن الرّضا.

(3) أي: لأنّ بيع الجميع خلاف المكره عليه، حيث إنّ المكره عليه بيع واحد منهما.

(4) كذا في نسخ الكتاب و الظاهر أولوية تبديل الواو بالفاء، لأنّه كالمتفرع على قوله: «لأنّه خلاف المكره عليه» إذ بعد فرض عدم كون بيعهما معا مكرها عليه فالظاهر أنّه لم يقع شي ء منهما بداعي خوف الضرر المتوعد به من المكره حتى يبطل.

(5) بالرفع، معطوف على قوله: «صحة الجميع» و وجهه وقوع أحدهما مكرها عليه، لكن لمّا لم يكن لتعيينه مرجّح، و كان ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجّح فلا بدّ من القول ببطلان الجميع، هذا.

لكن فيه: أنه يمكن تعيينه بالقرعة، فلا يلزم الترجيح بلا مرجح، فتأمل.

(6) و هو صحّة بيعهما معا دفعة، لما مر آنفا من عدم كون بيعهما معا مكرها عليه.

(7) هذا هو الفرع الثاني من الفرعين المذكورين هنا، و لعلّهما أريدا من كلمة

ص: 245

فالأقوى (1) الصحة في غير ما أكره عليه (2).

و أمّا (3) مسألة النصف، فإن باع النصف بقصد بيع النصف الآخر امتثالا

______________________________

«الفروع». و مثاله الإكراه على بيع عبد معيّن، فضمّ إليه المكره عبدا آخر و باعهما معا دفعة، لا تدريجا، فيصح بيع الضميمة، و يبطل بيع المكره عليه، لأنّ ما وقع- و هو بيع العبدين- مخالف لما أكره عليه و هو بيع عبد معيّن.

و عنون الشهيد الثاني هذا الفرع في طلاق المكره فيما لو أكرهه على طلاق زوجة معيّنة كزينب، فطلّقها مع فاطمة، و فصّل قدّس سرّه بين طلاقهما بإنشاء واحد فيصح، لأنّ ما وقع مغاير لما أكره عليه، و بين طلاقهما مستقلّا، بأن يقول: زينب طالق و فاطمة طالق «طلّقت فاطمة و لم تطلّق زينب، لأنه مكره عليها بخلاف الأخرى» «1».

لكن المصنف حكم ببطلان بيع المكره عليه و صحة ما عداه، وفاقا لما في المقابس سواء أ كان الإنشاء واحدا أم متعددا «2».

(1) جواب قوله «و لو أكره» و لا يخفى أنّ وجه الصحة الذي أفاده بقوله: «لأنّه خلاف المكره عليه» جار فيما إذا باعهما دفعة مع كون المكره عليه بيع أحدهما المعيّن.

(2) بل مقتضى الوجه المتقدم و هو قوله: «لأنّه خلاف المكره عليه» صحتهما معا، لأنّ بيعهما دفعة ليس مما أكره عليه، فلا وجه لبطلان المعيّن المكره عليه، بل كلاهما بمقتضى الوجه المزبور محكوم بالصحة.

(3) هذه تتمة للمسألة الأولى المتقدمة في كلام العلّامة، و الغرض منها بيان مخالفة ما أنشأه المكره لما أمر به المكره، بأن يأمره ببيع عبد فيبيع عبدين، أو يبيع نصف عبد. و تقدّم الكلام في بيع عبدين، و يقع في بيع النصف.

و حكم المصنف قدّس سرّه بفساده، سواء أ كان داعيه امتثال أمر المكره، فباع نصف

______________________________

(1) مسالك الافهام ج 9 ص 21.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 15، السطر 21.

ص: 246

للمكره- بناء على شمول الإكراه لبيع المجموع دفعتين (1)- فلا إشكال في وقوعه مكرها عليه (2). و إن كان (3) لرجاء أن يقنع المكره بالنصف كان أيضا إكراها.

لكن في سماع (4) دعوى البائع ذلك (5)

______________________________

العبد في هذا اليوم، و نصفه الآخر غدا، لصدق الإكراه على بيع العبد تدريجا في دفعتين. أم كان داعيه رجاء قناعة المكره ببيع نصف العبد، و تنازله عمّا أمر به من بيع عبد واحد من عبيده، و الوجه في البطلان استناد بيع النصف إلى تحميل الغير و توعيده. هذا بالنسبة إلى الحكم الواقعي و هو فساد البيع.

و أمّا بالنسبة إلى الحكم الظاهري لو ترافع المشتري للنصف إلى الحاكم الشرعي، فهل يحكم ببطلان بيع النصف للإكراه، أم بالصحة؟ وجهان، سيأتي بيانهما.

(1) بأن يقال: إنّ إطلاق كلام المكره يشمل بيع العبد دفعة و دفعتين.

(2) يعني: فيقع البيع باطلا، لكونه مكرها عليه، بناء على الإطلاق المزبور.

(3) هذا عدل قوله: «فان باع النصف» و سوق البيان يقتضي أن يقال: «و إن باعه برجاء .. إلخ» و حاصله: أنّه إن باع النصف لا بقصد أن يبيع النصف الآخر امتثالا لأمر المكره، بل برجاء أن يكتفي الآمر المكره بما باعه من النصف كان البيع أيضا عن إكراه، فلا فرق في صدق الإكراه على بيع النصف بين الصورتين، و هما قصد بيع النصف الآخر امتثالا لأمر المكره، و عدم قصد بيع النصف الآخر برجاء قناعة المكره ببيع النصف.

(4) خبر مقدم، و المبتدأ مؤخر و هو قوله: «نظر».

(5) منصوب محلّا على المفعولية «دعوى» و المشار إليه هو قصد بيع النصف لرجاء رضا المكره بذلك، مع عدم أمارة على هذه الدعوى.

ص: 247

مع عدم الأمارات نظر (1) [1].

______________________________

(1) ناش من كونه ممّا لا يعلم إلّا من قبله، فلا بدّ من سماع دعواه، و من كون الظاهر وقوع البيع بالاختيار فلا تسمع دعواه. و لعلّ الأظهر الأوّل، لأنّ الإكراه صالح للقرينية على صرف الظهور المذكور.

______________________________

[1] الجهة الثامنة ما تعرض له المصنف قدّس سرّه بقوله: فرع و لو أكرهه على بيع عبد من عبدين .. إلخ.

لا يخفى أن ما يقع في الخارج إن كان عين ما أكره عليه كما إذا أكرهه على بيع داره فباعها، أو على شرب الخمر فشربها، فلا إشكال في ارتفاع أثره تكليفيا كان أم وضعيّا، لأنّه وقع عن أمر المكره بداعي دفع ضرره كما تقدم سابقا.

و إن كان مغايرا للمكره عليه، ففيه صور، إحداها: أن يكون مباينا للمكره عليه.

ثانيتها: أن يكون أكثر منه.

ثالثتها: أن يكون أقل منه.

أمّا الصورة الأولى فلا ينبغي الإشكال في صحة العقد فيها، لعدم وقوعه عن أمر المكره حتى يصدق عليه أنّه مكره عليه كي يبطل، فإذا أكره على بيع كتابه فباع داره كان البيع صحيحا، لأنه غير المكره عليه، فلا يشمله حديث الرفع و غيره مما يدلّ على بطلان العقد الإكراهي.

نعم إذا باع داره لاحتمال أن يقنع المكره به، و يرفع اليد عن إكراهه كان باطلا، لفقدان طيب النفس، و وقوع البيع عن اضطرار، هذا.

و أمّا الصورة الثانية- و هي كون ما وقع في الخارج أكثر من المكره عليه- فهي تتصور على وجهين: أحدهما أن يقع تدريجيا، و الآخر أن يقع دفعيا.

أمّا الوجه الأوّل كما إذا أكره على بيع أحد عبديه، فباع أحدهما، ثم باع الآخر،

ص: 248

______________________________

فلا شبهة في بطلان البيع الأوّل فيه، لأنّ المكره عليه- و هو عنوان أحدهما- ينطبق عليه قهرا، فيشمله حديث الرفع و غيره ممّا يدل على بطلان البيع المكره عليه.

و أمّا البيع الثاني فيحكم بصحته قطعا، لسقوط الإكراه بالبيع الأوّل، فلا يبقى إكراه حتى يدعو إلى البيع الثاني و يبعث عليه، فلا وجه لفساده.

لكن المصنف قدّس سرّه احتمل أنّه يرجع إلى البائع في تعيين المكره عليه، و يتبع قوله، فإذا قال: «أريد تطبيق المكره عليه على العقد الثاني» حكم بفساده، و صحة البيع الأول.

لكن فيه: أن انطباق الإكراه على الأول دون الثاني واقعي قهري، لا أنّه باختياره، ضرورة ارتفاع الإكراه بالبيع الأوّل، فلا يبقى له موضوع حتى يطبّقه البائع عليه، فالبيع الثاني يقع لا محالة عن غيره كره. لا أنّه يحتمل وقوع الثاني حتى يرجع إلى البائع في التعيين.

و هذا نظير أمر الشارع بشي ء بنحو صرف الوجود، فإنه لانطباقه على أوّل الوجود يسقط الأمر، و لا يبقى أمر بالنسبة إلى سائر الوجودات.

إلّا أن يقال: إنّ الأمر هناك متعلق بالطبيعة المتحققة بصرف الوجود قهرا، و لذا يسقط بمجرد انطباق الطبيعة على أوّل الوجود. و هذا بخلاف عنوان «أحدهما» في الإكراه، لأن أمر تطبيق أحدهما هنا بيد المكره، حيث إنّ دفع الضرر المتوعد به بأيّ فرد من الفردين إنما هو بيد المكره، ضرورة أنّ له دفعه بكل فرد من الفردين شاء، فإنّ الطيب و الكراهة النفسانية ممّا لا يعلم إلّا من قبل البائع المكره، فاحتمال الرجوع إليه في التعيين كما في المتن قوي، و اللّه العالم.

و أمّا الوجه الثاني- و هو بيعهما دفعة، كما إذا باع العبدين بإنشاء واحد، فإن كان بيعهما كذلك لرغبته في بيعهما، فبإكراه الجائر على بيع أحدهما اغتنم الفرصة، فباعهما.

أو كان بيعهما لغرض آخر زائد على الإكراه، كسهولة بيعهما معا بالإضافة إلى بيع

ص: 249

______________________________

أحدهما منفردا أو لصعوبة التفرقة بينهما، لكونهما والدا و ولدا، أو لعدم وجود من يشتري أحدهما منفردا، أو غير ذلك من الأغراض الداعية إلى بيعهما، مع كون المكره عليه بيع أحدهما- فحينئذ و إن كان بيع كل منهما مكروها له، قد دعا إليه و حمله عليه أمر المكره.

لكن لمّا كان الشرط في تحقق الإكراه الرافع لأثر المعاملة ترتب الضرر على ترك المكره عليه، و هذا المعنى لا ينطبق على كل منهما في عرض انطباقه على الآخر، بل ينطبق على كلّ واحد على البدل، فيكون أحدهما مكرها عليه دون الآخر. و لأجل أن انطباقه على واحد لا بعينه بلا مرجح تعيّن البناء على بطلانهما معا.

فما أفاده المصنف قدّس سرّه- من احتمال صحة الجميع، لوجهين: أحدهما أنّ بيعهما خلاف المكره عليه، و الآخر أنّ الظاهر عدم وقوع شي ء منهما عن إكراه- لا يخلو من الغموض.

إذ في الأوّل خلاف المكره عليه منوط بأن يكون الإكراه على بيع أحدهما بشرط لا، و هو خلاف الفرض.

و في الثاني: تحقق الإكراه لبيع كل منهما على البدل، فوقوعهما كان ناشئا عن أمر المكره بحيث لو لم يكن لما أقدم على بيعهما.

نعم لم يقع الإكراه بهما معا، بل بأحدهما لا بشرط الحاصل في ضمنهما، و هو كاف في بطلانهما، هذا ما أفاده سيدنا الأستاذ قدّس سرّه «1».

لكن يمكن أن يقال: بصحة بيع واحد منهما، لعدم الإكراه بالنسبة إليه، و بطلان الآخر لأجل الإكراه على أحدهما لا بعينه، و يتعين الصحيح بالقرعة. فهو نظير ما إذا أكره على بيع أحدهما المعيّن، فباع كليهما مرة واحدة، فإنّ البيع بالنسبة إلى المعيّن المكره عليه باطل، و بالإضافة إلى غيره صحيح.

و بالجملة: ففي بيعهما دفعة إذا كان عن إكراه وجوه: الصحة في الجميع، للوجهين المتقدمين عن المصنف.

و البطلان كذلك، لأن المكره عليه لا تعيّن له في الواقع، و أنّ نسبته إلى كل واحد من

______________________________

(1) نهج الفقاهة، ص 199.

ص: 250

______________________________

الفردين على حد سواء.

و الحكم بفساد أحدهما معينا دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فيحكم بفساد الجميع.

و الصحة بالنسبة إلى الزائد على المقدار المكره عليه، و الفساد بالإضافة إلى ذلك المقدار، و يتعيّن الفاسد بالقرعة.

و دعوى: «اختصاص مورد القرعة بما إذا كان المطلوب متعينا واقعا و مجهولا ظاهرا كالحيوان المحرّم بالوطي أو غيره، المشتبه بين قطيعة غنم مثلا. و أمّا إذا لم يكن له تعين واقعي فلا مورد للقرعة فيه» غير مسموعة، لإطلاق أدلة القرعة الشامل لكل مشكل و مشتبه، و لذا اتفق الفقهاء على الرجوع إلى القرعة فيما إذا طلّق شخص إحدى زوجاته من غير تعيين، مع أنّ من المعلوم عدم تعين المطلقة واقعا، بل القرعة تعينها ظاهرا و واقعا.

و مقامنا من هذا القبيل، إذ لا تعيّن له لا ثبوتا و لا إثباتا.

و كذا الحكم في الإكراه على مورد الأحكام التكليفية، كما إذا أكره جائر شخصا على شرب الخمر أو البول، فشربهما، فإنّه لا يعاقب إلّا على شرب أحدهما، لارتكابه المحرّم بالإرادة و الاختيار، هذا.

و أمّا الصورة الرابعة:- و هي ما يكون أقل من المكره عليه، و قد أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «و أمّا مسألة النصف فإن باع النصف إلى قوله لكن في سماع دعوى البائع ذلك مع عدم الأمارات نظر» كما إذا باع نصف أحد العبدين في المثال، أو كما إذا باع نصف داره فيما لو أكره على بيع تمام داره- فتتصور على وجوه:

أحدها: أن يكون عازما على بيع النصف الآخر، لزعم أن المكره عليه هو الجامع بين البيع الدفعي و التدريجي. و لا ينبغي الإشكال في فساد البيع حينئذ، لكونه مستندا إلى إكراه المكره، و معه لا مجال للصحّة و لا لقول المصنف: «لكن في سماع دعوى البائع ذلك أي: بيع النصف بأحد الوجهين، و هما بيع النصف مع العزم على بيع

ص: 251

______________________________

النصف الآخر امتثالا لأمر المكره، و بيع النصف برجاء قناعة الآمر المكره ببيع النصف مع عدم الأمارات- نظر».

و منشأ النظر: أنّ ما نحن فيه من قبيل ما لا يعلم إلّا من قبل المدّعي، فتسمع دعواه. و أنّ الظاهر وقوع هذا العقد باختياره، فلا تسمع دعواه الإكراه، و ذلك لأنّ الإكراه على المجموع إكراه على بعضه خارجا، و الإكراه بنفسه أمارة على عدم وقوع البيع عن الرضا و طيب النفس.

و نظير ذلك الإكراه في موارد الأحكام التكليفية، كما إذا أكره الجائر شخصا على شرب مقدار خاص من الخمر، فشرب نصفه برجاء أن يقنع المكره بذلك، و يرفع اليد عن إكراهه.

ثانيها: أن يكون بيع النصف لاحتمال اقتناع المكره بذلك، و رفع اليد عن بيع المجموع. و لا ينبغي الإشكال أيضا في بطلان البيع في هذه الصورة، لوضوح أن الإكراه على بيع المجموع شامل لبيع كل جزء من أجزاء الدار على نحو الاستغراق فالإكراه على بيع المجموع إكراه على بيع النصف، فيشمله حديث الرفع الموجب للبطلان. نظير ما لو أكره على بيع دارين فباع إحداهما، فإنّه لا شبهة في بطلانه، لوقوعه عن إكراه.

ثالثها: أن يكون المكره عليه بشرط شي ء، و يأتي المكره بالأقل بشرط لا، كما إذا أكره على بيع نصف عبده بشرط ضمّ النصف الآخر إليه، فباع نصفه بشرط عدم بيع النصف الآخر، فقد يتوهم صحة البيع حينئذ، لأنّ الواقع في الخارج مغاير للمكره عليه.

لكن فيه: أنه إن كان دليل رفع الإكراه حديث الرفع، فهو غير شامل للمقام، لعدم كون بيع النصف بشرط لا مكرها عليه، و إن كان قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فهو شامل له، لفقدان التراضي و طيب النفس، فيكون أكل المال بالباطل.

و هذا نظير ما إذا كان ما وقع في الخارج مباينا للمكره عليه، كما إذا أكره على بيع كتابه فباع رداءه لأهمية كتابه و شدة حاجته إلى الكتاب، فإنّ بيع الرداء فاسد، مع أنه لم يكن مكرها عليه، لكنه لفقدان طيب النفس لا بدّ من بطلانه.

ص: 252

[تحليل كلام العلامة في التحرير]

بقي الكلام (1) فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير قال في التحرير: «لو أكره على الطلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق» انتهى «1».

و نحوه في المسالك، بزيادة احتمال عدم الوقوع: «لأنّ الإكراه أسقط أثر اللفظ. و مجرّد النيّة (2) لا حكم لها» «2»

______________________________

تحليل كلام العلامة في التحرير

(1) هذه جهة أخرى من جهات البحث في إنشاء المكره. و قد سبق التعرض الإجمالي لكلام العلّامة (في ص 167) من أنّ المفقود في باب الإكراه هل هو القصد الجدّي لمدلول الإنشاء أم هو الطيب و الرضا؟ و وعد المصنف ذكر توجيه عبارة التحرير بقوله: «و سيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به» و قد حان وقت الوفاء بالوعد. فنقل كلام العلامة و كلمات جمع ممّن تعرّض للمسألة كالشهيد الثاني و صاحب المدارك و الفاضل الهندي و صاحب الجواهر أعلى اللّه مقاماتهم. كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

و ظاهر كلام العلّامة صحة طلاق من أكره عليه، لو نوى الطلاق و قصده حين إنشاء الصيغة. و الوجه في الصحة تمكّنه من التلفّظ بالصيغة لا عن نيّة، لكفاية هذا التكلم في دفع الضرر المتوعد به، فقصده للطلاق جدّا كاشف عن اختياره له و إرادته إيّاه، فيخرج عن موضوع الإكراه.

(2) يعني: أنّ مجرّد النية لا يترتب عليها أثر، بل ترتب الأثر منوط بعدم الإكراه على اللفظ، فالإكراه عليه يسقط النيّة المجرّدة عن الأثر.

و بعبارة أخرى: أثر الطلاق- و هو البينونة- يتوقف على أمرين، أحدهما إرادة الطلاق، و ثانيهما التلفّظ بالصيغة عن اختيار.

و الأمر الأوّل و إن كان محققا حسب الفرض، لأنّه قاصد للطلاق. لكن الأمر

______________________________

(1) تحرير الاحكام ج 2 ص 51.

(2) مسالك الافهام ج 9 ص 22.

ص: 253

و حكي عن (1) سبطه في نهاية المرام أنه نقله قولا (2)، و استدلّ عليه (3) بعموم ما دلّ من النصّ و الإجماع على بطلان عقد المكره، و الإكراه يتحقق هنا (4) إذ المفروض أنّه لولاه لما فعله. ثم قال: «و المسألة محلّ إشكال» انتهى «1».

و عن بعض الأجلّة (5): «أنّه لو علم أنه لا يلزمه الّا اللفظ و له تجريده

______________________________

الثاني مفقود، لفرض كونه مكرها على إنشاء الطلاق بالصيغة، و نتيجته عدم تحقق الطلاق أصلا.

(1) يعني: و حكي البطلان عن سبط الشهيد الثاني و هو السيد الفقيه السيد محمد العاملي في كتابه نهاية المرام، حيث إنّه حكى كلّا من القول بالصحة و البطلان، قال قدّس سرّه: «و لو طلّق المكره ناويا، قيل: يقع، و هو اختيار العلّامة في التحرير، و جدّي في الروضة و المسالك، لحصول اللفظ و القصد، و لأنّ القصد لا إكراه عليه، فلو لا حصول الرضا بالعقد لما قصد إليه. و قيل: يبطل، إذ المفروض أنّه لو لا الإكراه لما فعله، و عقد المكره باطل بالنصّ و الإجماع، و المسألة محلّ إشكال».

(2) يعني: لا مجرّد الاحتمال، بل قال به بعض. و الضمير البارز في «نقله» راجع إلى عدم الوقوع.

(3) أي: على عدم الوقوع، فإنّ عموم ما دلّ من النص و الإجماع على بطلان عقد المكره يشمل الإكراه على الطلاق، فيكون فاسدا.

(4) يعني: لا ينبغي الارتياب في تحقق الإكراه في المقام، و هو الإكراه على الطلاق، لأنّه لو لا الإكراه لم يتحقق الطلاق، فالموجب لإيقاعه هو الإكراه بحيث ينبعث عنه الطلاق.

(5) و هو كاشف اللثام، قال في شرح عبارة التحرير ما لفظه: «يعني: و إن ظنّ أنّه يلزمه الطلاق- لا مجرد لفظه- بالإجبار و إن كان لا يريده. أمّا لو علم أنّه لا يلزمه إلّا اللفظ، و له تجريده عن القصد، فلا شبهة في عدم الإكراه».

______________________________

(1) نهاية المرام ج 2 ص 12، و الحاكي عنه صاحب المقابس، فراجع المقابس كتاب البيع ص 14.

ص: 254

عن القصد فلا شبهة في عدم الإكراه. و إنّما يحتمل الإكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد و إن لم يرده المكره أم لا» انتهى «1».

ثم إن بعض (1) المعاصرين ذكر الفرع عن المسالك، و بناه على أن المكره لا قصد له أصلا، فردّه بثبوت القصد للمكره، و جزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه «2».

و فيه ما عرفت سابقا (2) من أنّه لم يقل أحد بخلوّ المكره عن قصد معنى

______________________________

و غرضه قدّس سرّه من هذا الشرح بيان مورد حكم العلّامة بكون وقوع الطلاق أقرب، يعني: أنّ صورة قصده للمعنى مع علمه بأنّه لا يلزمه إلّا اللفظ خارجة عن مورد كلام العلّامة، لعدم الشبهة فيها في عدم الإكراه و وقوع الطلاق، فلا يكون وجه للتعبير بالأقرب. كما أنّ صورة قصده للمعنى مع علمه بلزوم القصد، و أنّه ليس له تجريد اللفظ عن المعنى خارجة عنه أيضا، لعدم الشبهة فيها في الإكراه و عدم وقوع الطلاق، فلا يصح التعبير بما ذكر.

و الدليل على خروج الصورة الثانية عن مورد كلامه على ما فهمه كاشف اللثام تعبيره بالظن بدل العلم، بعد إن الوصلية التي فسّرها المصنّف بالتسوية في قوله:

«سواء ظنّ» وجه الدلالة أنّه لو لا خروجها لوجب أن يقول: «و إن علم بدلا» عن «و إن ظن» كما لا يخفى، فيعلم من ذلك أنّ المراد من قوله: «أم لا» خصوص صورة الشك.

(1) و هو صاحب الجواهر، و ضمير «بناه» راجع إلى الطلاق، يعني: و بنى عدم وقوع الطلاق على عدم القصد للمكره، ثم ردّه بثبوت القصد للمكره، لكنه قصد عن إكراه و لم يقصد عن اختيار و طيب نفس، و قد تقدم كلام الجواهر (في ص 167) فراجع.

(2) يعني: في أوائل المسألة (في ص 165)، حيث قال: .. ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع و عدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام».

______________________________

(1) كشف اللثام، ج 1، القسم الثاني، ص 114، السطر 19، و الحاكي لكلامه صاحب المقابس.

(2) جواهر الكلام، ج 32، ص 15.

ص: 255

اللفظ، و ليس هذا (1) مرادا من قولهم: «إنّ المكره غير قاصد إلى مدلول اللفظ» و لذا (2) شرّك الشهيد الثاني بين المكره و الفضولي في ذلك (3) كما عرفت سابقا (4)، فبناء هذا الحكم (5) في هذا الفرع (6) على ما ذكر (7) ضعيف جدّا.

و كذا ما تقدم عن بعض الأجلة (8) من «أنّه إن علم بكفاية مجرّد اللفظ

______________________________

و غرض المصنف قدّس سرّه المناقشة في كلامي الفاضل الأصفهاني و صاحب الجواهر قدّس سرّهما، أمّا إشكال الجواهر على المسالك فيندفع بما تقدّم في (ص 168) و أعاده هنا، و محصّله:

عدم ابتناء كلام الشهيد الثاني على ما يوهمه من أن المكره قاصد للفظ دون المعنى.

و أما كلام كشف اللثام فمفاده اعتبار العجز عن التورية في بطلان إنشاء المكره، و حيث إن اعتبار هذا العجز يندفع بإطلاق الأدلة فلا مجال للالتزام به، و سيأتي توضيحه قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: و ليس خلوّ المكره عن القصد مراد من يقول: إنّ المكره غير قاصد إلى مدلول اللفظ.

(2) أي: و لأجل عدم كون خلوّ المكره عن قصد مدلول اللفظ مراد القائلين- بأنّ المكره غير قاصد لمدلول اللفظ- شرّك الشهيد الثاني بين المكره و الفضولي في عدم قصد مدلول اللفظ.

(3) أي: في عدم قصد مدلول اللفظ.

(4) أي: في أوائل المسألة، حيث قال المصنف: «و يكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أنّ المكره و الفضولي قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» فراجع (ص 166).

(5) أي: بطلان الطلاق.

(6) أي: فرع الطلاق الإكراهي.

(7) و هو الخلو عن قصد المدلول.

(8) و هو المولى الفقيه بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني الشهير بالفاضل

ص: 256

المجرّد عن النية (1) فنوى اختيارا صحّ، لأنّ مرجع ذلك إلى وجوب التورية على العارف بها المتفطّن لها» إذ (2) لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلم به لاغيا، و قد (3) عرفت أن ظاهر الأدلة و الأخبار الواردة في طلاق المكره و عتقه عدم (4) اعتبار العجز عن التورية (5).

______________________________

الهندي قدّس سرّه صاحب كشف اللثام.

(1) أي: كفاية مجرّد اللفظ المعرّى عن النية في التفصي عن الضرر، فمع العلم بكفاية مجرّد اللفظ- في التخلص عن الضرر- لو نوى الطلاق وقع صحيحا، لأنّه قصد الطلاق حينئذ اختيارا، فلا وجه لبطلانه.

(2) تعليل لرجوعه إلى التورية، يعني: أنّ اعتبار العجز عن التجريد في تحقق الإكراه موضوعا أو حكما يدلّ بالملازمة على اعتبار العجز عن التورية، و وجوبها على العارف بها، مع أنّ ظاهر الأدلة الواردة في طلاق المكره عدم اعتبار العجز عن التورية.

(3) يعني: و الحال أنّ مقتضى الإطلاقات عدم اعتبار العجز عن التورية، و كذا مقتضاها عدم اعتبار العجز عن التجريد بالجهل و عدم وجوبه على العالم بكفاية اللفظ المجرّد. فحاصل الجواب عن بعض الأجلة هو نهوض الدليل على خلافه.

(4) خبر «أنّ» و جملة «أنّ ظاهر» في محلّ النصب مفعول به لقوله: «عرفت» أي: عرفت عدم اعتبار العجز من ظاهر الأدلة و الأخبار .. إلخ.

(5) تقدم تفصيله في (ص 185) حيث قال: «الذي يظهر من النصوص و الفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية ..» فراجع. هذا ما يتعلق بكلام الفاضل الأصفهاني و غيره ممّا تعرّض له المصنف مقدمة لبيان ما وعد ذكره من تحقيق الفرع المذكور في التحرير.

ص: 257

و توضيح الأقسام (1) المتصورة في الفرع المذكور: أن الإكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به إمّا أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا، بأن يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الإكراه، لبنائه (2) على تحمل الضرر المتوعد به.

______________________________

(1) هذا هو الغرض من قوله قبل أسطر: «بقي الكلام في ما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير» و توضيحه: أن الفرع المزبور- أعني به قصد الطلاق في من أكره على الطلاق- يتصور على صور ست تختلف أحكامها، فيصحّ الطلاق في الأوليين، و يبطل في الأخيرتين، و يستشكل في الثالثة و الرابعة. و المهم في المسألة تحقيق هذه الجهة، و هي أنّ الداعي على الإنشاء هل هو الإكراه و إيعاد الغير أم لا؟ فنقول:

الصورة الأولى: أن يكره على طلاق زوجته، و لكنّه يتأمّل في جوانب المسألة، فيرجح تحمل الضرر المتوعد به، و مع ذلك يطلّق زوجته لما فيه من المصلحة، فيكون إقدامه على الطلاق ناشئا من طيب نفسه به، و لا يرى لذلك الإكراه تأثيرا في إنشائه أصلا. و لا ريب في صحة الطلاق في هذه الصورة، و ليست هي مقصود العلّامة قدّس سرّه و غيره ممّن رجّح وقوع الطلاق، إذ لا وجه للترجيح، لتعين الصحة.

الصورة الثانية: أن يكره على الطلاق، و يرضى به بعد التأمل كالصورة السابقة، إلّا أنّ الفارق بينهما كون تمام السبب- في الأولى- هو طيب نفسه به، بخلافه في هذه الصورة، فإنّ الداعي إلى الطلاق مؤلّف من إكراه المكره و من طيب نفس المكره، بحيث لو لم ينضم أحدهما إلى الآخر لم يكن كل منهما مستقلا في الداعوية. و لا ريب في صحة الطلاق في هذه الصورة أيضا، لتحقق الشرط و هو إرادة الطلاق، و قصده عن الرضا، و ليست هذه أيضا محطّ نظر العلّامة في ترجيحه صحة الطلاق، و سيأتي ذكر سائر الصور بتبع المتن إن شاء اللّه تعالى.

(2) أو لطيب نفسه الناشئ عن سوء خلق الزوجة بحيث لو لم يكرهه الجائر

ص: 258

و لا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا (1)، و عدم جواز حمل الفرع المذكور عليه، فلا معنى لجعله في التحرير أقرب (2)، و ذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك، و جعله (3) قولا في نهاية المرام، و استشكاله (4) فيه لعموم النص و الإجماع.

و كذا (5) لا ينبغي التأمّل في وقوع الطلاق لو لم يكن الإكراه مستقلّا في داعي الوقوع، بل هو بضميمة شي ء اختياري (6) للفاعل.

و إن (7) كان الداعي هو الإكراه، فإمّا أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعّد به، بل من جهة دفع الضرر اللّاحق للمكره- بالكسر-

______________________________

لطلّقها لذلك.

(1) أي: في صورة طيب النفس بالطلاق، لوقوعه عن الطيب لا عن الإكراه.

(2) يعني: بل لا ينبغي الارتياب في صحة الطلاق، لا أنّها أقرب.

(3) هذا و قوله: «و ذكر» معطوفان على «جعله» في قوله: «فلا معنى لجعله».

(4) معطوف أيضا على «جعله» في قوله: «فلا معنى لجعله» يعني:

و لا معنى لاستشكاله في وقوع الطلاق، لعموم النص و الإجماع على بطلان طلاق المكره.

(5) هذه هي الصورة الثانية، يعني: و كذا لا ينبغي التأمّل في صحة الطلاق فيما إذا كان الإكراه جزء السبب لوقوع الطلاق، و كان الجزء الآخر طيب النفس، للتخلص من ثقل النفقة مثلا. و لا يؤثر الإكراه في بطلان الطلاق مع وجود طيب النفس، و إن لم ينحصر الداعي في هذا الطيب، بل كان هو مع انضمام الإكراه تمام المؤثر. نظير ما ذكروه في نية الضمائم في العبادة، كقصد التبريد بالوضوء، المنضمّ إلى التقرب.

(6) كطيب نفسه الناشئ من إرادة التخلص من ثقل النفقة أو من سوء خلق حليلته.

(7) الظاهر أنّه معطوف على قوله: «إمّا أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا»

ص: 259

كمن قال له ولده: «طلّق زوجتك و إلّا قتلتك أو قتلت نفسي» فطلّق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه، أو قتل الغير له إذا تعرّض لقتل والده.

أو كان الداعي (1) على الفعل شفقة دينية على المكره- بالكسر- أو على المطلقة أو على غيرهما ممّن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس في محرّم.

و الحكم في الصورتين (2) لا يخلو عن إشكال.

______________________________

يعني: أنّ الإكراه إمّا أن لا يكون له دخل .. إلخ، و إمّا أن يكون له دخل.

و قد عبّر عن هذه الجملة المعطوفة بقوله: «و ان كان الداعي هو الإكراه».

و هي تشتمل على صورتين، هما الثالثة و الرابعة، و قد استشكل المصنف قدّس سرّه فيهما في صحة الطلاق.

فالصورة الثالثة: أن يكون الداعي إلى الفعل غير جهة التخلّص عن الضرر المتوجّه إلى المكره، بل يكون الداعي دفع الضرر الوارد على المكره، كما إذا هدّد شخص والده و قال له: «طلّق زوجتك و إلّا قتلت نفسي» فيقدم الوالد على طلاق زوجته كارها له، لكنه يتحرّز بهذا الطلاق عن أن يصاب بفقد ولده، يعني: أنّ طلاق الزوجة أهون عليه من تلك الفاجعة.

و الصورة الرابعة: أن يكون الداعي إلى الفعل شفقة دينية على المكره، لئلّا يقع في المعصية، كما إذا قال الجائر: «طلّق زوجتك لأتزوّجها، و إلّا زنيت بها» فطلّق زوجته عن الرّضا، لئلّا يقع المكره أو غيره في معصية الزنا.

(1) الأولى أن يقال: «أو من جهة شفقة دينية» بدل قوله: «أو كان الداعي على الفعل» إذ غرضه أنّه- في صورة كون الداعي هو الإكراه- قد يكون الفعل من جهة دفع الضرر الوارد على المكره كقتل الولد، و قد يكون لشفقة دينية على المكره، أو على المطلقة، أو على غيرهما لدفع معصية الزنا مثلا.

(2) و هما: صورة دفع الضرر عن المكره، و صورة الشفقة الدينية عليه.

ص: 260

و إن كان الفعل (1) لداعي التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد أنّ الحذر (2) لا يتحقق إلا بإيقاع الطلاق حقيقة (3)، لغفلته (4)

______________________________

(1) معطوف على قوله: «فإمّا أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به» فالأولى تبديل قوله: «و إن كان الفعل لداعي التخلص من الضرر» بأن يقال: «و إمّا أن يكون الفعل من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به» فصور داعوية الإكراه ثلاث:

إحداها: أن يكون الفعل لدفع الضرر الدنيوي الوارد على المكره.

ثانيها: أن يكون الفعل لدفع الشفقة الدينية على المكره أو على غيره.

ثالثها: أن يكون الفعل للتخلص عن الضرر الوارد على المكره، و هذا يتصور على وجهين:

الأوّل: أن يكون قصد الطلاق مثلا لأجل اعتقاد المكره بعدم إمكان التخلص عن الضرر المتوعد به الا بإيقاع الطلاق حقيقة، لغفلته عن عدم توقف التخلص على ذلك. و هذه صورة خامسة.

و الثاني: أن يوقع الطلاق حقيقة، لجهله بأنّ الشارع رفع حكم الطلاق و صحته إذا وقع عن إكراه، فزعم أنّ الطلاق الإكراهي صحيح، و لذا أوقع الطلاق حقيقة. و هذه صورة سادسة.

(2) يعني: أن التخلص من الضرر المتوعد به لا يتحقق .. إلخ.

(3) يعني: أن المكره يتخيّل انحصار تخلّصه من الضرر المتوعد به في إيقاع الطلاق بالإرادة الجدية، لا بمجرّد التلفظ بالصيغة.

(4) يعني: أنّ منشأ تخيّل المكره هو غفلته عن حقيقة الأمر، فيوطّن نفسه على البينونة عن زوجته و الإعراض عنها، فيوقع الطلاق قاصدا. و لو لا هذه الغفلة أمكن أن ينشئ اللفظ المجرّد عن النية، فكان يتخلّص من شر المكره بالصيغة العارية عن القصد، لأنّه طلاق صوري، و لم يقع حقيقة.

ص: 261

عن أنّ التخلص غير متوقف على القصد إلى وقوع أثر الطلاق و حصول البينونة، فيوطّن نفسه على رفع اليد عن الزوجة و الإعراض عنها، فيوقع الطلاق قاصدا. و هذا (1) كثيرا ما يتفق للعوام.

و قد (2) يكون هذا التوطين و الإعراض من جهة جهله بالحكم الشرعي، أو كونه رأى (3) مذهب بعض العامة، فزعم أنّ الطلاق يقع مع الإكراه، فإذا أكره على الطلاق طلّق قاصدا لوقوعه، لأنّ (4) القصد إلى اللفظ المكره عليه- بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا في وقوع البينونة- يستلزم القصد إلى وقوعها،

______________________________

(1) أي: إيقاع الطلاق الحقيقي، لزعم توقّف التخلّص عن الضرر على الإنشاء الجدّي.

(2) معطوف على قوله: «فقد يكون» و هذه هي الصورة السادسة، و كان الأولى أن يقول: «و قد يكون قصد الفعل».

(3) بصيغة الماضي لا المصدر، أي: أو كون المكره رأى و علم مذهب العامة من صحة طلاق المكره، فزعم أنّ مذهب الشيعة الإمامية أيضا هو الصحة، فطلّق قاصدا لوقوعه حقيقة، فتبين زوجته منه حينئذ.

(4) تعليل لصحة الطلاق، و هو مؤلّف من مقدّمتين، الأولى: كونه مكرها على التلفظ بصيغة الطلاق، الثانية: اعتقاده بسببية اللفظ لحصول البينونة، و امتناع التفكيك بين اللفظ و أثره، فيقصد الطلاق جدا و يوطّن نفسه عليه.

و عليه فيمكن حمل كلام العلّامة- من صحة الطلاق عن نيّة لو أكره عليه- على الصورة الخامسة و السادسة، لتحقق القصد الجدي و طيب النفس فيهما.

لكن الحكم بالصحة لا يخلو عن إشكال، و البطلان أقرب، لتحقق الإكراه على اللفظ، فيسقط عن التأثير. و القصد الجدّي غير كاف ما لم يتسبب إليه باللفظ عن اختيار.

ص: 262

فيرضي نفسه بذلك و يوطّنها عليه، و هذا (1) أيضا كثيرا ما يتّفق للعوام.

و الحكم (2) في هاتين الصورتين لا يخلو عن إشكال، إلّا أنّ تحقق الإكراه أقرب [1].

______________________________

(1) أي: الصورة السادسة كالخامسة ممّا يتّفق للعوام غير الملتفتين إلى خصوصيات المسائل.

(2) أي: الحكم بالصحة- على ما استقر به العلّامة- لا يخلو عن إشكال، و الأقرب هو البطلان، لوجود الإكراه.

______________________________

[1] اعلم أنّه لا بدّ قبل التعرض لشرح كلام العلامة- في فرع الإكراه على الطلاق- و بيان صحته أو بطلانه من ذكر الصور المتصورة في المسألة:

الأولى: أن يكرهه الجائر على الطلاق، لكنه متمكّن من دفع ضرر المكره، و مع ذلك يوقع الطلاق. لا ينبغي الإشكال في صحة الطلاق حينئذ، لعدم استناده إلى خوف ضرر المكره بل يستند إلى الرضا، فلا وجه لبطلانه، و الظاهر خروجه عن مورد كلام العلامة قدّس سرّه.

الثانية: أن يقع الطلاق عن إكراه الجائر، بحيث يصدر عن خوف الضرر المتوعد به، ترجيحا لأقل الضررين من الطلاق و من الضرر المتوعد به.

لا ينبغي الإشكال في الفساد في هذه الصورة مطلقا، سواء أ كان المكره معتقدا بصحة العقد الواقع عن إكراه لجهله بالمسألة، أم معتقدا بعدم اندفاع الضرر إلّا بقصد حقيقة العقد أو الإيقاع كالطلاق فقصده، فإنّ الإكراه في جميع هذه الصور مبطل، لشمول أدلته لكل ما يقع عن إكراه. و مقتضى ترك الاستفصال عدم الفرق في البطلان بين الاعتقاد بالصحة و عدمه، فلا وجه للتردد في الحكم بالصحة و الفساد كما صدر من المصنف قدّس سرّه، و إن تعقبه بقوله: «إلّا أنّ تحقق الإكراه أقرب».

ص: 263

______________________________

و بالجملة: فالظاهر بطلان الطلاق فيما إذا صدر عن خوف الضرر المتوعد به من المكره مطلقا و إن اعتقد المكره صحة الطلاق، فإنّ الإكراه يرفع أثر العقد و الإيقاع بمقتضى إطلاق حديث رفع الإكراه.

فالتفصيل بين الاعتقاد بالصحة و عدمه- في الصحة في الأوّل، و الفساد في الثاني كما عن بعض العامة- لا وجه له، لصدق الإكراه و عدم طيب النفس في الجميع.

و يدل على ذلك- مضافا إلى حديث الرفع- صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام «في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام: لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه» «1».

الثالثة: أن يكون الإكراه بعض السبب المؤثر لا تمام السبب، كما إذا كان في الطلاق بعض الجهات الموجبة لمحبوبيته، و كان الإكراه متمما لسببية تلك الجهات، بحيث لو لم يكن الإكراه لم تؤثر تلك الجهات. و كذا لو لم تكن تلك الجهات لم يكن الإكراه مؤثّرا في وقوعه، و لا باعثا إليه، و لا حاملا عليه.

و بالجملة: يكون صدور الطلاق مستندا إلى أمرين، أحدهما الرضا، و الآخر الإكراه، و بانتفاء أحدهما ينتفي الطلاق و الظاهر بطلان الطلاق في هذه الصورة أيضا، لظهور أدلة اعتبار الرضا في العقود و الإيقاعات في اعتبار الرضا مستقلّا، بحيث يكون صدور الإنشاءات عن الرضا بالاستقلال.

و إن شئت فقل: إنّ مقتضي الصحة هو الرضا، فإذا انضمّ إليه الإكراه انتفى المقتضي للصحة قطعا أو احتمالا، و الشك في وجود مقتضي الصحة كاف في الحكم

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 136 الباب 12 من أبواب كتاب الايمان الحديث: 12.

ص: 264

______________________________

بالفساد الذي يقتضيه أصالة الفساد، بعد عدم عموم دليل أو إطلاق يثبت دخل مطلق طيب النفس و لو ضمنيا، هذا.

الرابعة: أن يكون كل واحد من الرضا النفساني- الناشئ عن سوء خلقة الزوجة أو خلقها مثلا- و الإكراه علة تامّة و سببا مستقلّا في نفسه لوقوع الطلاق، بحيث لو لم يكن إكراه لوقع الطلاق أيضا، و بالعكس.

و الظاهر صحة الطلاق في هذه الصورة، لوجود المقتضي للصحة هنا و هو الرضا الاستقلالي، حيث إنّ ظاهر الأدلة اعتبار الاستقلال في سببية الرضا لصحة العقد أو الإيقاع، و هذا الاستقلال موجود في هذه الصورة. بخلاف الصورة السابقة، فإنّ الرضا كان فيها جزء السبب، فقياس هذه الصورة بسابقتها في غير محله، لتمامية المقتضي للصحة هنا دون تلك الصورة.

و المراد بكون كل منهما مستقلا في الداعوية هو الشأنية و الصلاحية، لا الاستقلال في الداعوية الفعلية، فإنّها من المحالات، لامتناع اجتماع علّتين مستقلّتين على معلول واحد كما قرّر في محله، فلا محالة يكون كل منهما جزءا للعلة المؤثرة فعلا، فهما علة واحدة مركّبة، لكن الأثر يكون للطيب فقط، و لا يترتب على الإكراه أثر، لأنّه ليس مقتضيا للفساد حتى يندرج المقام في تعارض المقتضيين، الإكراه المقتضي للفساد و الطيب المقتضي للصحة، بل يكون الفساد مع الإكراه لأجل عدم المقتضي للصحة، و هو الطيب، فالإكراه لا يقتضي الفساد، بل الفساد مع الإكراه مستند إلى عدم المقتضي و هو الطيب، فإجتماع الإكراه و الطيب يكون من قبيل تعارض المقتضي و اللّامقتضي، لا من قبيل تعارض المقتضيين. و من المعلوم انه لا أثر إلّا للمقتضي، و هو في المقام طيب النفس، و ضمّ اللامقتضي إلى المقتضي كضم الحجر في جنب الإنسان.

فالمتحصل: انّه لا بدّ من الحكم بصحة الطلاق في هذه الصورة، هذا.

و على فرض التسليم- و كون الإكراه مانعا عن الصحة و مقتضيا للفساد- لا يجري

ص: 265

______________________________

فيه أيضا حديث الرفع. لأنّ بطلان الطلاق مع الرضا و طيب النفس خلاف الامتنان.

و لعلّ مراد العلامة قدّس سرّه هذه الصورة بقرينة قوله: «ناويا» إذ ليس المراد قصد مدلول اللفظ بداهة، حيث إنّ المكره ليس غافلا و لا هازلا، بل هو قاصد لاستعمال الألفاظ في معانيها، فالمراد بالنية قصد إيجاد المعنى المقصود باللفظ، غاية الأمر مع اقتران هذا القصد الناشئ عن الطيب بالإكراه.

و قد ظهر مما ذكرنا ضعف ما عن المحقق النائيني قدّس سرّه من أنّه «حيث لا يمكن توارد علتين مستقلتين على معلول واحد، فيصير كل واحدة إذا اجتمعتا جزء السبب، و الفعل يستند إليهما معا. و كل علتين مستقلّتين إذا وردتا على معلول واحد و كان بينهما تدافع فلا يؤثر كل منهما» «1».

وجه الظهور عدم كون الإكراه مقتضيا للفساد ليكون المقام من قبيل توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد، بل الإكراه يعدم مقتضي الصحة، فمع وجود ما يقتضي الصحة و هو الرضا يصح العقد أو الإيقاع، هذا.

تنبيه: لا يخفى أنّه لا فرق في بطلان الطلاق عن إكراه بين رجوع الضرر المتوعد به إلى نفس المكره أو إلى عرضه و شرفه أو إلى ماله، و بين رجوع الضرر إلى غيره ممّن يهمّ أمره المكره كزوجته و ولده و خادمه و غيرهم ممّن يتعلق به، كأن يقول: «طلق زوجتك، و إلّا قتلتك أو قتلت ابنك أو أخاك».

كما لا فرق بين كون الضرر دنيويا كأن يقول: «طلّق زوجتك و إلّا أخذت مالك أو مال ولدك أو أخيك» و بين كونه دينيا كأن يقول: «طلّق زوجتك و إلّا منعتك أو ولدك أو أخاك عن الصلاة مثلا» فإنّ مفهوم الإكراه ينطبق على الجميع.

______________________________

(1) منية الطالب: ج 1 ص 196.

ص: 266

[صحة عقد المكره المتعقب بالرضا]

ثمّ (1) إنّ المشهور بين المتأخرين (2)

______________________________

صحة عقد المكره المتعقب بالرضا

(1) هذه جهة أخرى من جهات البحث في إنشاء المكره، و هي: أنّ عقد المكره هل يصحّ تأهّلا بأن يتم تأثيره بالرضا اللّاحق، أم أنّه ينعقد فاسدا غير قابل للتأثير بلحوق الرضا؟ فيه قولان:

أحدهما: و هو المشهور الصحّة التأهليّة، نظير عقد الفضول.

و ثانيهما: هو البطلان، لوجوه ثلاثة أشار إليها في المتن، و سيأتي بيانها.

(2) تقييد الشهرة بالمتأخرين ربما يظهر منه عدم شهرة الصحة بين من عداهم من المتقدمين، و لكن الظاهر شهرة الحكم بين غير المتأخرين أيضا، ففي حاشية الفقيه

______________________________

نعم لو كان الغير نفس المكره، فإن كان ممن يتعلق به بحيث يكون ضرره ضررا على المكره، كأن يقول ولده له: «طلّق زوجتك و إلّا قتلت نفسي» أو يقول له: «أعطني كمية خاصة من الفلوس لأسافر إلى الخارج لتحصيل العلم و إلّا قتلت نفسي أو أترك الصلاة أو أخرج عن الدين» أو «هاجر إلى البلد الفلاني للتوطن هناك و إلّا قتلت نفسي» و أشباه ذلك، فالظاهر تحقق الإكراه في ذلك، لأنّ قتل الولد نفسه ضرر على الوالد.

و إن كان ذلك الغير أجنبيا عن المكره، كما إذا قال: «طلق زوجتك لأتزوّجها و إلّا زنيت بها» فإنّ تطبيق أدلة الإكراه هنا يوجب فساد الطلاق المستلزم للوقوع في الضرر و هو الزنا، لأنّ فساد الطلاق للإكراه مستلزم لبطلان التزويج المترتب عليه، فيقع المكره في الزنا، و هو ضرر دينيّ مكروه للمكره، فيكون خلافه محبوبا له، و هو متوقف على الطلاق الصحيح، فيصير الطلاق الصحيح محبوبا غيريّا، هذا.

مضافا إلى الإشكال في صدق الإكراه، لكون الضرر المتوعد به واردا على المكره لا المكره كما هو المفروض.

ص: 267

أنّه لو رضي المكره (1) بما فعله صحّ العقد، بل (2) عن الرياض تبعا للحدائق «أنّ عليه اتفاقهم» «1» لأنّه (3) عقد حقيقي، فيؤثّر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع و هو طيب النفس (4).

و دعوى اعتبار (5) مقارنة طيب النفس للعقد،

______________________________

المامقاني قدّس سرّه: «بل المشهور ذلك مطلقا، في كثير من العبارات. بل ظاهر كثير من العبارات الاتفاق عليها» «2».

(1) المراد به هو المالك المباشر للعقد، كما تقدم أنّه الغالب، لقلّة موارد تعدّد المالك و العاقد.

(2) غرضه الإضراب عن مجرّد شهرة الحكم إلى كون الصحة معقد الإجماع.

(3) هذا دليل المشهور و هو يتم بعد ما تقدّم من أنّ المكره قاصد لمدلول العقد، و إلّا فهو مصادرة.

(4) الحاصل بعد العقد، و هو كاف في الصحة بعد عدم الدليل على اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد، بل مع وجود الدليل على عدمه، فإنّ الإطلاقات تنفي الشكّ في اعتبار المقارنة، و تثبت عدم اعتبارها.

(5) هذا أوّل الوجوه المستدل بها على عدم إجداء لحوق الرضا بعقد المكره، و محصّله: أنّ شرط صحة العقد ليس مطلق وجود الرّضا قارن العقد أو لحقه، بل هو خصوص الرضا المقارن للإنشاء، على ما يستفاد من مثل «التجارة عن تراض» فلو كان طيب النفس مفقودا حال الإنشاء وقع العقد باطلا، و لا سبيل لتصحيحه بالرضا اللاحق، لعدم صدق «التجارة الناشئة عن تراض» عليه.

و هذا الوجه يمكن أن يستفاد من كلام المحقق الثاني قال قدّس سرّه: «و اعلم أنّ هذه

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 373، رياض المسائل، ج 1، ص 511 و الحاكي عنهما صاحب الجواهر، فراجع جواهر الكلام، ج 22، ص 267.

(2) غاية الآمال ص 337.

ص: 268

خالية (1) عن الشاهد مدفوعة بالإطلاقات.

و أضعف منها (2) دعوى اعتبارها في مفهوم العقد، اللازم منه عدم كون عقد الفضولي عقدا حقيقة.

______________________________

المسألة- يعني صحة عقد المكره بلحوق الرضا- إن كانت إجماعية فلا بحث. و إلّا فللنظر فيها مجال، لانتفاء القصد أصلا و رأسا مع عدم الرّضا، و لا يتحقق العقد المشروط بالقصد إذا لم يتحقق الرضا، لأنّ الظاهر من كون العقود بالقصود اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر» «1».

فإن أريد من اعتبار القصد المقارن معناه الظاهر- أي إرادة المضمون جدّا- كان هو الوجه الآتي. و إن أريد منه ما وجّهه المصنف قدّس سرّه سابقا- من انتفاء الرضا و أنّ المكره قاصد للمدلول- كان هو الوجه الأوّل من وجود القصد و فقد الرضا المقارن.

و على كلّ منهما فقد نقل السيد العاملي و صاحب الجواهر و غيرهما إشكال جامع المقاصد على صحة عقد المكره بلحوق الرّضا.

و كيف كان فقد أجاب المصنف عن الوجه الأوّل: بعدم الدليل على اشتراط صحة العقد بالرضا المقارن، بل مطلق الرضا و لو بعد العقد كاف في تأثيره، و لو شك في اعتبار مقارنة هذا الشرط للإنشاء فمقتضى إطلاق حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود نفي اعتبار المقارنة له.

(1) خبر قوله: «و دعوى» و قوله: «مدفوعة» خبر بعد خبر.

(2) أي: من دعوى جماعة اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد و هذا ثاني الوجوه المستدلّ بها على عدم فائدة لحوق الرضا بعقد المكره، و هو ظاهر جماعة، منهم الشهيدان، و قد أشار إليه المصنف في صدر المسألة بقوله: «ثم إنّه يظهر من جماعة منهم الشهيدان أنّ المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله» فعدم طيب النفس

______________________________

(1) مفتاح الكرامة ج 4 ص 174، جواهر الكلام ج 22 ص 267، جامع المقاصد ج 4 ص 62.

ص: 269

و أضعف من الكل دعوى (1)

______________________________

يوجب انتفاء القصد الجدّي للمدلول، فينتفي مفهوم العقد بانتفاء القصد، و لا منشأ لانتفاء القصد إلّا الإكراه الرافع لطيب النفس.

و الفرق بين هذا الوجه و سابقه: أنّ المقصود في الوجه الأوّل التمسك بدليل اعتبار الرضا في العقود، و أنّ مقتضى الاشتراط شرعا- بعد الفراغ من صدق العقد عرفا على إنشاء المكره- هو خصوص المقارنة، لا مطلق وجود الرضا. بخلاف هذا الوجه الثاني، فإنّ الغرض منه سلب عنوان العقد عن عقد المكره حقيقة، لتقوّم العقد بالقصد المنفي بالإكراه كما هو المفروض.

و جعله المصنف أضعف من الوجه الأوّل، وجه الأضعفيّة: أنّ العقد العرفي غير منوط بالطيب، بل العقد العرفي ينشأ تارة عن طيب النفس، و أخرى عن الكراهة.

و الشاهد على صدق العقد على الإنشاء المجرّد عن رضا المالك التزامهم بكون عقد الفضوليّ عقدا حقيقة، و إنّما يتوقف تأثيره على إجازة المالك، و لو لم يكن عقدا عرفيا- بأن كان كإنشاء الهازل- امتنع تأثيره بعد لحوق رضا المالك.

و عليه فمقارنة الرضا للإنشاء غير مقوّمة للعقد عرفا، و لا شرطا له شرعا.

(1) هذا ثالث الوجوه، و محصّله: إسقاط عقد المكره عن الصحّة التأهّلية و جعله كالعدم، من جهة اعتبار مقارنة رضا العاقد للإنشاء شرعا، و حيث إنّ العاقد المكره فاقد له لم ينفعه لحوق الرضا. و لا فرق في البطلان بين كون المكره العاقد مالكا لأمر الإنشاء- كما هو الغالب- أم غير مالك له، و لكنّه أكره على بيع مال الغير أو طلاق زوجة الغير، على ما سبق تفصيله في (ص 234) و ردّه المصنف قدّس سرّه بالنقض بصحة عقد المكره بحق، ممّا يكشف عن عدم دخل رضا العاقد شرعا حين الإنشاء، كما إذا أمر الحاكم الشرعيّ الزوج ببيع شي ء من أمواله لينفق على زوجته، أو أمر المحتكر للطعام ببيعه، أو أمر المديون المماطل في أداء الدين ببيع شي ء لإيفاء ثمنه في

ص: 270

اعتبار طيب نفس العاقد (1) في تأثير عقده (2)، اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحقّ، و كون (3) إكراهه على العقد تعبّديا لا لتأثير فيه.

و يؤيده (4) فحوى صحة عقد الفضولي، حيث إنّ المالك طيّب النفس

______________________________

الدين أو أمر السيد الكافر ببيع عبده الذي أسلم، فيصحّ البيع في هذه الموارد مع عدم طيب نفس العاقد.

فإمّا أن تكون الصحّة موافقة للقاعدة أي عدم اعتبار رضا العاقد في مقام تأثير الإنشاء، و إمّا أن تكون تعبدا محضا، بأن يحكم الشارع بالصحة مع فرض عدم تأثير العقد السابق الفاقد لطيب النفس، و من المعلوم بعد الالتزام بالتعبد، فلا بدّ من القول بعدم دخل رضا العاقد شرعا، هذا.

و الوجه في كون هذا الوجه أضعف من سابقيه هو: أنّ مقارنة الرضا للعقد- لو قيل بها- فإنّما يراد بها رضا المالك، لكونه مخاطبا بوجوب الوفاء، و أمّا العاقد- الأجنبي عن المالك- فلا دخل لرضاه في تأثير العقد، و إنّما يلزمه قصد المدلول، و المفروض تحققه. و سيأتي تأييد المطلب ببيع الفضولي.

(1) يعني: بما هو عاقد: مع الغض عن كونه مالكا.

(2) يعني: في صحة العقد شرعا، فالدعوى الأولى راجعة إلى دخل طيب النفس في مفهوم العقد عرفا، و هذه الدعوى ترجع إلى دخله في صحة العقد شرعا فقط، يعني: يعتبر رضا العاقد- لا المالك- في تأثير العقد.

(3) بالرفع معطوف على «عدم» يعني: أن اللازم من دخل اعتبار الطيب في تأثير العقد عدم صحة بيع المكره بحقّ، و أنّ إكراهه على العقد إنما هو لأجل التعبد لا لصحته، و هذا في غاية البعد.

(4) يعني: و يؤيّد عدم اعتبار مقارنة الطيب للعقد: أنّ طيب نفس المالك المستكشف من إمضائه لإنشاء الفضولي يوجب صحة عقده، فطيب نفس المالك

ص: 271

بوقوع أثر العقد و غير منشئ للنقل بكلامه (1). و إمضاء إنشاء الغير ليس إلّا طيب النفس بمضمونه، و ليس إنشاء مستأنفا.

مع (2) أنّه لو كان فهو موجود هنا، فلم (3) يصدر من المالك هناك إلّا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن إنشاء العقد، و هذا (4) موجود فيما نحن فيه مع زائد،

______________________________

المكره بما أنشأه يؤثّر في صحة عقده الواقع حين الإكراه بالأولوية، لأنّه إذا أثر رضاه في إنشاء الفضولي الأجنبي كان تأثيره في إنشاء نفسه بطريق أولى.

و بعبارة أخرى: عقد الفضولي فاقد لأمرين، و عقد المكره فاقد لأمر واحد، فصحة عقد الفضولي تقتضي صحة عقد المكره بالأولوية القطعية.

فالأمران المفقودان في الفضولي أحدهما: إنشاء البيع من المالك بالمباشرة أو بالتسبيب بالاذن و الوكالة. و ثانيهما: طيب النفس حين العقد.

و المفقود في عقد المكره طيب النفس خاصة. فصحة عقد الفضولي بلحوق رضا المالك و إجازته تقتضي صحة عقد المكره بطيب نفسه بعد العقد بالأولوية.

(1) يعني: أنّ إجازة المالك الأصيل ليست إنشاء للنقل بقوله: «أجزت» حتى يتوهم مقارنته لطيب نفسه، و إنّما هو تنفيذ للعقد السابق الذي أنشأه الفضولي مع الطرف الآخر.

(2) يعني: مع أنّه لو كان إمضاء إنشاء الغير إنشاء مستأنفا فهو موجود هنا، إذ المفروض إمضاؤه للعقد المكره عليه.

(3) الفاء للتعليل، و حاصله: أنّ الموجود في العقد الفضولي- و هو طيب نفس المالك متأخرا عن العقد- موجود هنا أي في عقد المكره مع شي ء زائد، و هو إنشاء نفس المالك للنقل المدلول عليه بلفظ العقد، لما تقدّم من أنّ عقد المكره عقد حقيقي.

(4) أي: طيب النفس بالانتقال موجود في المكره و إن كان متأخرا عن العقد.

ص: 272

و هو إنشاؤه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد، لما عرفت من أنّ عقده إنشاء حقيقي (1).

و توهّم أنّ عقد الفضولي واجد لما هو مفقود هنا (2) و هو طيب نفس العاقد بما ينشئه، مدفوع (3) بالقطع بأنّ طيب النفس لا أثر له لا في صدق العقدية، إذ يكفي فيه مجرّد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه، و لا في النقل و الانتقال، لعدم مدخلية غير المالك فيه.

نعم (4) لو صحّ ما ذكر سابقا (5)

______________________________

(1) لكونه قاصدا للمضمون و إن كان عن إكراه لا عن اختيار.

(2) أي: في عقد المكره، و حاصل التوهم: أن طيب نفس العاقد حين العقد موجود في عقد الفضولي و مفقود في عقد المكره حين إنشائه، و هذا هو الفارق بين عقد الفضولي و عقد المكره.

(3) خبر «توهم» و توضيح الدفع: أنّ الفرق المزبور و إن كان مسلّما، لكنّه غير فارق بين المقامين، ضرورة أنّ هذا الطيب لا أثر له لا في توقف صدق مفهوم العقد العرفي عليه، لكفاية مجرّد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه، و لا في أثره و هو النقل و الانتقال، إذ لا مدخلية لطيب غير المالك، فيه.

(4) غرضه توجيه بطلان عقد المكره رأسا، من جهة أن تحميل الغير ينفي القصد الجدّي إلى المدلول، فيكون إنشاؤه لفظا مجرّدا عن مضمونه و معناه، و لمّا كان قوام العقد بالقصد صحّ سلب العقد عن إنشاء المكره حقيقة، و لا يبقى موضوع لتأثيره بلحوق الرّضا، هذا.

و قد أبطله المصنف قدّس سرّه سابقا في تحقيق كلام الشهيدين من القطع بفساده، و أنّ المكره قاصد جدّا للمدلول و إن كان عن كره لا عن طيب نفس.

(5) يعني في (ص 157) حيث قال: «ثم إنه يظهر من جماعة منهم الشهيدان: أنّ المكره قاصد إلى اللفظ ..».

ص: 273

من توهم أنّ المكره لا قصد له إلى مدلول اللفظ أصلا، و أنّه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت كما صرّح به بعض (1) صحّ (2) أنّه لا يجدي تعقب الرضا، إذ لا عقد حينئذ (3). لكن عرفت (4) سابقا أنّه خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوى، فراجع.

فظهر مما ذكرنا ضعف وجه التأمل في المسألة كما عن الكفاية (5) و مجمع الفائدة (6) تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد،

______________________________

(1) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث قال: «و قصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت غير مجد، كما أنّه لا يجدي في الصحة تعقب إرادة العقد بذلك ..» «1».

(2) جواب الشرط في قوله: «لو صح».

(3) أي: حين عدم كون المكره قاصدا للمدلول- و إنما يقصد اللفظ خاصة- لا عقد حتى يتم تأثيره بالرضا اللاحق.

(4) يعني: في (ص 161) حيث قال: «و هذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمّل في معنى الإكراه لغة و عرفا .. إلخ».

(5) قال الفاضل السبزواري قدّس سرّه فيها: «قالوا: و لو رضى كل منهم بما فعل بعد زوال عذره لم يصح، عدا المكره، استنادا إلى تعليلات اعتبارية من غير نص. فالمسألة محل إشكال» «2».

(6) قال في الاشكال على حكم العلامة قدّس سرّهما بصحة عقد المكره المتعقب بالرضا ما لفظه: «و بالجملة: لا إجماع فيه و لا نصّ، و الأصل و الاستصحاب و عدم الأكل بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض، و ما مرّ يدلّ على عدم الانعقاد، و هو ظاهر. إلّا أنّ المشهور الصحّة، و ما نعرف لها دليلا، و هم أعرف رحمهم اللّه، و لعلّ لهم نصّا

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 22 ص 267.

________________________________________

(2) كفاية الأحكام، ص 89، السطر 3.

ص: 274

و إن انتصر لهم بعض من تأخّر (1) عنهم بقوله تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» الدال (2) على اعتبار كون العقد عن التراضي (3).

مضافا إلى النبوي المشهور الدال على رفع حكم الإكراه مؤيّدا بالنقض بالهازل، مع أنّهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا.

______________________________

ما نقل إلينا» «1». و هذه العبارة ظاهرة في ترجيح البطلان، لا مجرّد التأمل في الصحة كما نسبه الماتن إليه.

(1) لم أظفر بهذا المنتصر المستدل بالآية المباركة و بحديث رفع الإكراه و بالنقض بالهازل، نعم انتصر صاحب الجواهر قدّس سرّه للبطلان بحديث رفع الإكراه و بالنقض بالهازل، كما ذكر هذا النقض في مفتاح الكرامة «2». و أما الاستدلال بآية التجارة عن تراض فموجود في عبارة المحقق الأردبيلي المتقدمة.

و كيف كان فالدليل الأوّل هو ظهور الآية المباركة في اعتبار مقارنة الرضا للتجارة، و هي مفقودة في عقد المكره حسب الفرض.

و الدليل الثاني هو حديث رفع الإكراه، الظاهر في سقوط العقد الإكراهي عن التأثير، فلا يجديه الرضا اللاحق، لعدم انقلاب الشي ء عمّا وقع عليه، و المفروض كون عقده بمنزلة العدم، و ليس مقتضيا للتأثير حتى يتم تأثيره بلحوق الرضا.

و المؤيّد هو النقض بالهازل و شبهه، حيث إنّه لا يقصد المدلول، فلا يصحّ إنشاؤه بتعقبه بالإرادة الجدية، إذ لا عقد حقيقة عند انتفاء القصد. و لو صحّ عقد المكره بتعقبه بالرضا لزم صحة عقد الهازل أيضا بتعقبه بالقصد الجدّي، مع أنّهم لم يلتزموا بصحته أصلا، فلا بدّ أن يقال بالبطلان في المكره أيضا، لوحدة المناط.

(2) بالجر صفة ل «قوله تعالى».

(3) و المفروض انتفاء «التجارة عن تراض» في عقد المكره، لوجود الإكراه

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 156.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 268، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 174.

ص: 275

و الكلّ كما (1) ترى، لأنّ (2) دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن التراضي إمّا بمفهوم الحصر و إمّا بمفهوم الوصف.

و لا حصر كما لا يخفى، لأنّ الاستثناء منقطع (3) غير مفرّغ.

______________________________

المانع عن تحقق الرضا و طيب النفس، و الرضا اللاحق لا يجعل العقد السابق من «التجارة عن تراض» لأنّ مقتضى كلمة المجاوزة هو كون الرضا موجودا حين العقد بحيث تكون التجارة ناشئة عنه.

(1) و هي الآية و النبوي و التأييد بالنقض بالهازل.

(2) حاصله: أنّ الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد المكره منوط بدلالتها على حصر السبب المشروع لتملك أموال الناس بالتجارة عن تراض، و دلالتها على الحصر لا بدّ أن تكون بأحد وجهين: إمّا مفهوم الحصر، و إمّا مفهوم الوصف، و كلاهما غير ثابت.

أمّا الأوّل فلتوقفه على أن يكون الاستثناء متصلا، بأن يكون المستثنى من أفراد المستثنى منه، إمّا بذكره في الكلام كقوله: «ما جاء القوم إلّا زيدا» فإنّه يدلّ على انحصار عدم المجي ء في غير زيد. و انحصاره في زيد و إمّا بكون الاستثناء مفرّغا حذف المستثنى منه من الكلام، و يقدّر ما يشمل المستثنى كقوله: «ما جاء إلّا زيد» فيقدّر مثلا «القوم» الشامل لزيد، فيدل الاستثناء على حصر الجائي في زيد.

و أما الثاني- و هو مفهوم الوصف- فتقريبه: أنّ وصف التراضي المأخوذ في الآية المباركة ظاهر في إناطة جواز الأكل بالتجارة الموصوفة برضا المتعاقدين بها، و حيث إنّ المكره غير راض حال العقد لم يحلّ أكل ماله المأخوذ بالتجارة عن كراهة، سواء رضي بعد العقد أم لم يرض أصلا. و سيأتي المناقشة في كلا المفهومين.

(3) هذا تقريب عدم دلالة الاستثناء على الحصر، و حاصله: أنّ الاستثناء منقطع لا متّصل، لأنّه استثناء من الباطل، و من المعلوم أنّه لا يصلح لأن يكون مستثنى منه للتجارة عن تراض إذ معناه حينئذ «لا تتملّكوا أموال الناس بالباطل

ص: 276

و مفهوم (1) الوصف- على القول به مقيّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ.

______________________________

إلّا أن يكون ذلك الباطل تجارة عن تراض» و هذا المعنى غير صحيح.

و ظاهر كلامه قدّس سرّه دخل كلّ من القيدين في منع الحصر، فلو كان الاستثناء متصلا أفاد الحصر، كما أنّ المنقطع لو كان مفرّغا أفاد الحصر، فهنا دعويان:

إحداهما: أنّ الاستثناء المنقطع غير المفرّغ لا يفيد الحصر كما في المقام، لأنّ المستثنى ليس من جنس المستثنى منه حتى يكون خروجه عنه مفيدا للحصر.

و الأخرى: أنّ الاستثناء المنقطع المفرّغ يفيد الحصر، لأنّ ترك المستثنى منه في الكلام إنّما يكون مع العلم به، و لشموله للمستثنى، فيصير المراد من قوله: «ما جاءني إلّا حمار» نفي المجي ء عن كل ما هو صالح للمجي ء، فإذا ثبت المجي ء للمستثنى و هو الحمار أفاد حصر المجي ء- من بين ما هو صالح للمجي ء- في الحمار.

لكن فيه: أنّ هذا التقريب يجعل الاستثناء متصلا، و يدرج المستثنى تحت المستثنى منه.

(1) منصوب بالعطف على «الاستثناء» و غرضه منع الحصر المستفاد من الوصف على القول بالمفهوم فيه.

و بيانه: أنّ الوصف المذكور في المنطوق يكون تارة غالبيا، كما في تحريم الربائب الموصوفة بكونها في حجور أزواج أمّهاتهن، إذ الغالب مصاحبة البنت لأمّها المتزوجة و عدم المفارقة بينهما. و أخرى لا يكون غالبيا، و إنّما يوصف به بعض أفراد الموصوف، كما إذا قال: «أكرم الشعراء العدول».

و قد تقرّر في الأصول أنّ انعقاد الظهور المفهومي في الوصف مخصوص بالثاني، و أمّا الوصف الغالبي فلا مفهوم له، و لذا حكموا بحرمة الربيبة مطلقا سواء أ كانت في حجر زوج الأمّ أم لم تكن.

ص: 277

و دعوى وقوعه (1) هنا مقام الاحتراز ممنوعة، و سيجي ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي في بيع الفضولي (2).

و أمّا حديث الرفع، ففيه (3) أولا: أنّ المرفوع فيه

______________________________

و من المعلوم أنّ وصف التراضي في الآية المباركة ناظر إلى غالب التجارات المنشئة خارجا، حيث تكون مقترنة برضا المتعاقدين، و لا مفهوم لها حتى تدل على بطلان عقد المكره الفاقد للرضا حال التجارة، كما لا مفهوم في آية حرمة الربائب بالنسبة إلى من لم تكن منهن في الحجر. هذا توضيح مناقشة المصنف في الاستناد إلى الآية لإسقاط عقد المكره المتعقب بالرضا عن التأثير.

(1) أي: وقوع الوصف مقام الاحتراز، و الوجه في منع كون الوصف احترازيا ما أفاده في بيع الفضولي- و سيأتي توضيحه ثمة- من ورود الوصف مورد الغالب، و من احتمال كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا بعد خبر، و من أن الخطاب للمالك، و رضاه اللاحق يوجب اتصاف تجارته بالتراض، فهو موضوع للمنطوق لا للمفهوم.

(2) حيث قال هناك: «إنّ دلالته على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ .. إلخ» فراجع (ص 474).

(3) يعني: أنّ التمسك بحديث الرفع لبطلان عقد المكره حتى بعد لحوق الرضا مخدوش أيضا- كالاستدلال بالآية- بوجهين.

توضيح الوجه الأوّل: أنّ حديث رفع الإكراه يرفع المؤاخذة و الأحكام الإلزامية، كما إذا أكره على ارتكاب محرّم، فإنّ الحديث يرفع حرمته كشرب الخمر، و أمّا الحكم بوقوف عقده على رضاه فلا يرفعه الحديث، لأنّه راجع إلى أنّ له أن يرضى بالبيع الصادر عنه إكراها، و هذا حقّ له عليه حتى يرتفع بحديث الرفع الوارد في مقام الامتنان.

و بعبارة أخرى: الدليل أجنبي عن المدّعى، إذ المقصود نفي الأثر- كالنقل

ص: 278

..........

______________________________

و الانتقال المترتب على بيع المختار- عن بيع المكره المتعقب برضاه، و الحديث غير واف به، و ذلك لما تقرّر في الأصول من أمرين:

أحدهما: كون المرفوع المقدّر هو المؤاخذة على الإكراه، و نحوه ممّا ورد في حديث الرفع.

و ثانيهما: ورود الحديث مورد الامتنان على الأمّة و على آحاد المكلّفين.

فبناء على هذين الأمرين يقتضي «رفع الإكراه أو ما أكرهوا عليه» عدم مخاطبة المكره بترتيب الأثر على عقده، و عدم وجوب الوفاء به بتسليم المبيع مثلا إلى المشتري. و أمّا ثبوت حقّ للمكره بعد العقد بأن يقال له: «يجوز لك إنفاذ ذلك العقد ليترتب عليه الأثر كما يجوز لك عدم الرضا به كي لا يجب عليك الوفاء به» فهو ليس حكما إلزاميا على المكره حتى يرتفع بالحديث، بل هو حق له ينتفع به و من المعلوم اختصاص الحديث برفع ما فيه ثقل و مشقة، لا السلطنة على الردّ و الإمضاء.

فإن قلت: عقد المكره و إن لم يكن موضوعا لأثر إلزامي بالنسبة إلى نفسه، إلّا أنّه موضوع له بالنسبة إلى الطرف الآخر، مثلا لو أكره زيد على بيع داره، فباعها، فلو قلنا بقابلية عقد المكره للصحّة بلحوق الرضا لزم على المشتري الصبر إلى أن يختار المكره الردّ أو الإمضاء، و الوجه في وجوب الصبر عليه مخاطبته بوجوب الوفاء بعقده، لتمامية العقد بالنسبة إليه، فيحرم من التصرف في الثمن مدّة إلى أن يختار المكره أحد الأمرين من الفسخ و الإنفاذ، و من المعلوم أنّ وجوب الصبر على الطرف مؤاخذة عليه، فترتفع بالحديث، و معه لا يبقى موضوع لحق المكره من سلطنته على الإجازة و الردّ.

قلت: لا مجال للتمسّك بالحديث لرفع وجوب الانتظار عن الطرف، فالعقد لازم من جهته، و عليه الصبر، و ذلك لأنّ الحديث رافع للمؤاخذة عن المكره، لا عن

ص: 279

هي المؤاخذة (1)، و الأحكام (2) المتضمنة لمؤاخذة المكره (3) و إلزامه (4) بشي ء.

و الحكم (5) بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك (6)، و هذا (7) حقّ له لا عليه (8).

نعم (9) قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتى يرضى المكره أو يفسخ، و هذا (10) إلزام لغيره، و الحديث لا يرفع المؤاخذة و الإلزام عن غير المكره

______________________________

المختار، فوجوب الوفاء بالعقد جار في حقه و إن لم يجر في حق المكره ببركة حديث الرفع، و لا مانع من التفكيك في حكم عقد شخصي بين طرفيه، هذا محصّل ما أفاده المصنف في الوجه الأوّل، و إن بقي دفع توهم آخر سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: أنّ المقدّر هو المؤاخذة، كما تكرر ذلك في كلمات المصنف، و قد تقدم منه أيضا في حديث رفع القلم عن الصبي، فراجع.

(2) معطوف على «المؤاخذة» يعني: أن المرفوع هو الأحكام الإلزامية، فإنّها هي التي يترتب عليها استحقاق المؤاخذة الدنيوية أو الأخروية.

(3) كسببية العقد للنقل، فهي مرفوعة عن المكره.

(4) معطوف على «المؤاخذة» يعني: أنّ المرفوع في الحديث هو إلزامه بشي ء.

(5) يعني: و الحال أنّ الحكم بتوقف عقد المكره على رضاه المتعقب معناه إثبات سلطنة له، و هي ضد المؤاخذة، و الحديث رافع لما على المكلف، لا لما له.

(6) أي: بعقده الذي أنشأه حال الكراهة.

(7) أي: وقوف عقده على رضاه حق لنفع المكره لا على ضرره.

(8) يعني: فلا يرفعه الحديث، لأنّه بمقتضى كونه امتنانيا يرفع ما عليه لا ما له.

(9) هذا استدراك على ما أفاده من عدم جريان الحديث لنفي سلطنة المكره على الفسخ و الردّ، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «فان قلت».

(10) أي: و إلزام الطرف بالوفاء و الصبر إلزام لغير المكره، و هذا الغير ليس

ص: 280

كما تقدّم (1). و أمّا إلزامه (2) بعد طول المدة باختيار البيع أو فسخه فهو (3) من توابع الحق (4) الثابت له بالإكراه، لا من أحكام الفعل (5) المتحقق على وجه الإكراه.

ثم إنّ ما ذكرنا (6) واضح على القول بكون الرضا ناقلا. و كذلك على القول بالكشف بعد التأمّل.

______________________________

موضوعا للحديث حتى تنتفي صحة عقد المكره التأهليّة، و قد تقدم توضيح جواب هذا الاستدراك بقولنا: «قلت».

(1) لم يتقدم التصريح به، و لكنه يستفاد من قوله قبل سطرين: «أنّ المرفوع فيه هي المؤاخذة، الأحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره ..».

(2) هذا دفع لما يتوهم من أنّه إذا كان المرفوع بالحديث المؤاخذة و الأحكام الإلزامية فاللازم ارتفاع إلزام المكره- بعد مدة مديدة- باختيار البيع أو فسخه، مع أنه ثابت غير مرفوع بالحديث.

(3) هذا دفع التوهم المزبور، و حاصله: أن هذا الإلزام إن كان من أحكام الفعل المكره عليه كان الأمر كما ذكره، لكنه ليس كذلك، لأنّه من أحكام وقوف العقد على الرضا الثابت له بسبب الإكراه، فيمتنع ارتفاعه بالإكراه كما ثبت في محله.

(4) و هو وقوف العقد على الرضا.

(5) يعني: لا من أحكام ذات العقد المتحقق على وجه الإكراه حتى يندرج تحت الحديث، فيرفع بالإكراه، كي يقع التعارض في هذا الحكم بين «رفع الإكراه» و «لا ضرر» الموجب- هذا التعارض- للتساقط و الرجوع إلى الأصل.

(6) يعني: ما ذكرناه من ارتفاع إلزام المكره بشي ء و مؤاخذته عنه- مع الحكم بوقوف عقده على رضاه- واضح على القول بكون الرضا ناقلا، إذ عليه لا ملكية قبل الرضا، فلا مؤاخذة و لا إلزام على المكره أصلا.

ص: 281

و ثانيا (1): أنّه يدلّ على أنّ الحكم الثابت للفعل المكره عليه- لو لا الإكراه-

______________________________

و كذلك على القول بالكشف بعد التأمّل، بداهة أنّه ما لم يتحقق منه الرضا بالعقد لا كاشف عن تحقق الملكية من حين العقد، و مع عدم الكاشف لا إلزام و لا مؤاخذة أيضا.

(1) هذا ثاني وجهي المناقشة في التمسك بحديث الرفع على عدم قابلية عقد المكره للصحة بلحوق الرضا، و هذا الوجه أيضا ناظر إلى أجنبية الحديث عن المقام، و بيانه ما تقرّر في بحث أصالة البراءة من الأصول من أنّ المرفوع بالإكراه و الخطأ و النسيان هو الحكم المجعول لذات الفعل مع الغضّ عن حالتين:

إحداهما تقيده بالقصد و العمد و الالتفات.

و ثانيتهما تقيده بالنسيان و الإكراه و الخطأ.

إذ تارة يثبت الأثر على الفعل المقيد بالعمد كالقصاص في قتل العمد، فلو كان القتل خطأ كان رفع القصاص بانتفاء موضوعه أعني به العمد، و لا ربط لهذا بحديث الرفع.

و أخرى يثبت الأثر على الفعل الموصوف بكونه خطأ أو نسيانا، كما في وجوب سجدتي السهو لنسيان التشهد أو السجدة الواحدة في الصلاة، و هذا ظاهر في اقتضاء الفوات النسياني لجعل سجدتي السهو، و لا يعقل التمسك بإطلاق «رفع النسيان» لنفي وجوبهما، ضرورة استحالة كون مقتضي الشي ء رافعا له. و كذا الحال في الدّية الثابتة في الجناية الخطأيّة.

و ثالثة يثبت الأثر لذات الفعل مع الغضّ عن طروء العناوين الرافعة، فيرتفع بطروئها.

إذا اتضح هذا فنقول: إنّ الإكراه لا يرفع الحكم الثابت بعنوان الإكراه، لعدم كون المقتضي للشي ء رافعا له، فمعنى حديث الرفع رفع الحكم الثابت للفعل المكره عليه مع الغضّ عن عروض الإكراه عليه، حتى يرتفع بسبب طروء الإكراه عليه

ص: 282

يرتفع (1) عنه إذا وقع مكرها عليه، كما هو (2) معنى رفع الخطأ و النسيان أيضا.

و هذا المعنى (3) موجود فيما نحن فيه، لأنّ أثر العقد الصادر من المالك- مع قطع النظر عن [اعتبار] عدم الإكراه- السببية (4) المستقلّة لنقل المال، و من المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه. و هذا الأثر الناقص المترتب عليه مع الإكراه حيث إنّه (5) جزء العلة التامة للملكية لم يكن (6) ثابتا للفعل (7) مع قطع النظر عن

______________________________

كما هو معنى رفع سائر الفقرات من رفع الخطأ و النسيان. و أثر العقد الصادر من المكره مع الغض عن الإكراه هو السببية المستقلة لنقل المال، و من البديهي انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه، و الأثر الناقص للعقد- و هو كونه جزء العلة التامة للملكية- قد ثبت بالإكراه، فلا يمكن ارتفاعه به، لما عرفت من أنّ الرفع يرد على الحكم الثابت للفعل مع قطع النظر عن الإكراه، لا الحكم الثابت له بعنوان الإكراه.

(1) خبر قوله: «أنّ الحكم».

(2) أي: رفع الحكم الثابت لذات الفعل المكره عليه- لو لا الإكراه- يجري في رفع الخطأ و النسيان أيضا.

(3) أي: كون المرفوع بحديث الرفع الحكم الثابت للفعل مع الغض عن الإكراه، و هو موجود في المقام، لأنّ السببية المستقلة الثابتة للعقد بدون الإكراه مرفوعة بالحديث، و الأثر الناقص و هو تأثير العقد في الملكية بعد انضمام رضا المالك المكره إليه ليس ثابتا لذات العقد بدون الإكراه حتى يرتفع بالحديث، بل هو ثابت للعقد منضما إلى الإكراه، فلا يعقل ارتفاعه بالإكراه.

(4) خبر قوله: «لأن أثر العقد».

(5) هذا الضمير و ضمير «عليه» راجعان إلى العقد.

(6) خبر قوله: «و هذا الأثر».

(7) أي: لذات العقد مع غض النظر عن طروء الإكراه عليه، فالسببية الناقصة

ص: 283

الإكراه ليرتفع به، إذ المفروض أنّ الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه، فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه؟

و بعبارة أخرى (1): اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار [عدم] الإكراه هو اللزوم (2) المنفي بهذا الحديث، و المدّعى ثبوته للعقد بوصف الإكراه هو وقوفه (3) على رضا المالك، و هذا غير مرتفع (4) بالإكراه.

لكن يرد على هذا (5) أنّ مقتضى حكومة الحديث على الإطلاقات هو تقييدها بالمسبوقية بطيب النفس، فلا يجوز الاستناد إليها بصحة بيع المكره

______________________________

مترتبة على رفع السببية التامة بالإكراه، فلا معنى لرفع العليّة الناقصة للعقد.

(1) هذه العبارة الأخرى تكرار ما أفاده بقوله: «و ثانيا» و لا تتضمن مطلبا آخر.

(2) خبر قوله: «اللزوم الثابت» يعني: أنّ الملكية اللازمة في عقد البيع منفية في بيع المكره.

(3) خبر قوله: «و المدّعى ثبوته» و الضمير راجع إلى اللزوم.

(4) لما تقدم آنفا من أنّ الثابت بعنوان الإكراه لا يرتفع بالإكراه، لأنّ المقتضي للشي ء ليس رافعا له. هذا تمام ما أفاده في الوجه الثاني من المناقشة في الاستدلال بحديث الرفع.

(5) أي: عدم ارتفاع وقوف العقد على رضا المالك. و غرضه الانتصار لمن يستدل بحديث الرفع على بطلان عقد المكره، و عدم الجدوى في لحوق الرضا.

و حاصل الإيراد: أن مقتضى حكومة حديث الرفع على الإطلاقات الدالة على صحة العقود هو تقيدها بمسبوقية طيب النفس، و بعد هذا التقييد لا يصح الاستدلال بتلك الإطلاقات على صحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، إذ المفروض اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد، و هي مفقودة في عقد المكره الملحوق بالرضا، فلا دليل حينئذ

ص: 284

و وقوفه (1) على الرضا اللاحق، فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره، فيرجع (2) إلى أصالة الفساد.

و بعبارة أخرى: أدلة صحة البيع تدل على سببيّة مستقلّة، فإذا قيّدت بغير المكره لم يبق لها دلالة على حكم المكره (3)، بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الأعمّ من السببية المستقلة كان (4) دليل الإكراه حاكما عليه (5) مقيّدا له، فلا ينفع.

اللهم إلّا أن يقال (6):

______________________________

على صحته، فيحكم بفساده لأصالة الفساد التي هي المرجع في العقود.

(1) معطوف على «صحة» يعني: فلا يجوز الاستناد إلى الإطلاقات لصحة بيع المكره و لوقوفه على الرضا اللاحق، و ذلك لما عرفت من حكومة حديث الرفع على تلك الإطلاقات المقيّد لها بالرضا المقارن.

(2) أي: فيرجع في بيع المكره- و لو بعد لحوق الرضا- إلى أصالة الفساد، لخروجه عن حيز الإطلاقات المقيّدة بالرضا المقارن، لحكومة حديث الرفع عليها.

(3) يعني: فلا يدل على حكم بيع المكره دليل اجتهادي، لاختصاصها بالمختار، فلا محالة يرجع فيه إلى أصالة الفساد.

(4) جواب الشرط في قوله: «لو كان».

(5) لأنّه متكفل للحكم بالعنوان الثانوي، و تلك الأدلة تتكفل الحكم بالعنوان الأوّلي، و من المعلوم تقدم الأوّل على الثاني حكومة أو توفيقا عرفيا.

(6) غرضه إثبات صحة عقد المكره الملحوق بالرضا بالدليل الاجتهادي.

توضيحه: أنّ الإطلاقات الدالة على السببية المستقلة للعقد تقيّد بالأدلة الأربعة المتضمنة لحرمة أكل مال الغير بدون رضاه و طيب نفسه. و نتيجة هذا التقييد أنّ السبب الموجب لتملك أموال الناس هو البيع المرضي به، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق

ص: 285

إنّ الإطلاقات المفيدة للسببية المستقلّة (1) مقيّدة بحكم الأدلة الأربعة (2)- المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل و مع (3) عدم طيب النفس- بالبيع (4) المرضي به، سبقه الرضا أو لحقه. و مع ذلك (5) فلا حكومة للحديث عليها، إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الإكراه له.

______________________________

في اعتبار الرضا بين كونه سابقا و لا حقا.

فإن كان الرضا سابقا انعقد البيع عن الرضا، فلا يعقل عروض الإكراه له.

و إن كان لاحقا، فالإكراه و إن كان عارضا له، إلّا أن المكره عليه- و هو ذات البيع- لا نقول بصحته، إذ المفروض بمقتضى الأدلة الأربعة القاضية بدخل الرضا في تأثير البيع عدم تأثيره إلّا بعد الرضا. و إطلاقات سببية العقد للنقل و الانتقال- بعد تقييدها بالرضا- توجب صيرورة عقد المكره جزء السبب، و جزئه الآخر هو الرضا، فالاطلاقات بعد التقييد بالرضا تكون مرجعا، لأنّ المتيقن من تقييدها هو صورة وجود الإكراه، و بعد ارتفاعه يرجع إليها.

(1) كالأمر بالوفاء بالعقود و حلّ البيع، الدالّين بمقتضى الإطلاق الأحوالي على كون العقد سببا مستقلا للتأثير، و هذه السببية التامة مقيدة بأدلة دخل الرضا في تأثير العقد.

(2) و هي: الكتاب و السنّة و الإجماع و العقل.

(3) هذا معطوف على «بالباطل» يعني: أكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس.

(4) متعلق بقوله: «مقيدة».

(5) يعني: و مع التقييد بالرضا لا حكومة للحديث، لأنّ وقوف عقد المكره على الرضا- و صيرورته جزء السبب الناقل- مترتب على الإكراه، فلا معنى لرفعه بالإكراه.

ص: 286

و أما المرضيّ به بالرّضا اللّاحق فإنّما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف، و هو أصل البيع، و لا نقول بتأثيره (1). بل مقتضى الأدلّة الأربعة مدخلية الرضا في تأثيره و وجوب (2) الوفاء به.

فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه و الرضا به لاحقا، و لازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثّر التام (3). و هذا (4) [أمر عقلي غير مجعول] لا يرتفع بالإكراه، لأنّ الإكراه مأخوذ فيه (5) بالفرض، كما ترفع (6) السببية المستقلة.

و هذا (7) لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا ناقلا أو كاشفا، إذ على الأوّل

______________________________

(1) أي: تأثير أصل البيع المكره عليه.

(2) بالجر معطوف على «تأثيره».

(3) يعني: فلا تصل النوبة إلى أصالة الفساد، بل المرجع هو الدليل الاجتهادي أعني به الإطلاقات المقيّدة بالرضا.

(4) أي: كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام لا يرتفع بالإكراه، لأنه مترتب على عنوان «الإكراه» فلا يرتفع به.

(5) الضمير راجع إلى «كون» يعني: لأنّ الإكراه مأخوذ في كون العقد المكره عليه بعض المؤثّر التام.

(6) يعني: أنّ الإطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام، كما ترفع السببية المستقلة.

(7) أي: كون الرضا بعض المؤثّر لا يفرّق فيه بين ناقلية الرضا و كاشفيته، إذ على الأوّل يكون نفس الرضا جزء العلة التامة، و على الثاني يكون تمام المؤثّر الأمر المنتزع منه، و هو تعقب العقد بالرضا، فكأنه قيل: العقد المتعقب بالرضا مؤثر.

ص: 287

يكون تمام (1) المؤثر نفسه، و على الثاني يكون الأمر المنتزع منه (2) العارض (3) للعقد، و هو تعقبه للرضا.

و كيف (4) كان فذات العقد المكره عليه- مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له- لا يترتب عليه إلّا كونه جزء المؤثر التام. و هذا (5) أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه (6) و من الرضا، أو وصف (7) تعقبه له، فتأمّل (8) [1].

______________________________

(1) أي: الجزء الأخير للعلة التامة المؤثرة في النقل و الانتقال.

(2) أي: من الرضا العارض للعقد، و الأمر المنتزع منه هو تعقبه للرضا.

(3) بالنصب صفة «المنتزع» الذي هو صفة «الأمر» الذي هو خبر «يكون» يعني: يكون المؤثر الأمر المنتزع من الرضا، و هو كون العقد متعقبا به.

(4) يعني: سواء قلنا بأن الإجازة كاشفة أم ناقلة، فذات العقد .. إلخ، و الوجه في كون ذات العقد جزء السبب المؤثر واضح، أمّا بناء على النقل فلأنّ التأثير يكون من حين الإجازة لا من حين العقد. و أمّا على الكشف فلأنّ المؤثر ليس ذات العقد، بل هو بوصف تعقبه بالإجازة، فجزء المؤثر هو العقد الموصوف، و جزؤه الآخر وصف التعقب المنوط بتحقق الإجازة خارجا بعد العقد.

(5) أي: كونه جزء المؤثر التام.

(6) أي: من العقد و من الرضا.

(7) معطوف على الرضا، أي: من وصف تعقبه، و الأوّل راجع إلى دخل نفس الرضا في العقد، و الثاني راجع إلى دخل الوصف الانتزاعي، و هو عنوان التعقب فيه.

(8) لعلّه إشارة إلى: أنّه و إن كان أمرا عقليا غير مجعول بالأصالة، لكنه مجعول بتبع جعل الكل، و هو قابل للرفع.

______________________________

[1] الجهة التاسعة: فيما تعرض له المصنف قدّس سرّه بقوله: «ثم المشهور بين المتأخرين أنه لو رضى المكره بما فعله صح العقد، بل عن الرياض أن عليه اتفاقهم ..

إلخ».

ص: 288

______________________________

و حاصل ما استدل به للمشهور على صحة العقد المتعقب بالرضا هو: أنّ عقد المكره عقد عرفيّ جامع للشرائط سوى طيب النفس، فإذا حصل الطيب أثّر العقد أثره.

مضافا إلى الإجماع المدّعى في الرياض تبعا للحدائق و غيره.

لكن في مجمع البرهان استظهار البطلان، لوجوه:

أحدها: عدم حصول القصد، بل و عدم صدور العقد عن تراض على ما هو ظاهر الآية، فرضا المالك حين العقد دخيل في مفهوم العقد.

ثانيها: أنّه لا اعتبار بذلك الإيجاب في نظر الشارع، فهو بمنزلة العدم. و لا إجماع و لا نصّ على الصحة.

ثالثها: أنّ الأصل و الاستصحاب و عدم الأكل بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض و ما مرّ يدل على عدم الانعقاد «1».

و في الكفاية بعد نسبة الصحة إلى الأصحاب قال: «استنادا الى تعليلات اعتبارية من غير نص» «2».

و في الجواهر «إن لم تكن المسألة إجماعية فللنظر فيها مجال كما اعترف به في جامع المقاصد، ضرورة عدم اندراجه في العقود بعد فرض فقدان قصد العقدية، و أنّ صدور اللفظ كصدوره من الهازل و المجنون و نحوهما «3».

و الأقوى ما ذهب إليه المشهور، لما في المتن من أنّ عقد المكره عقد حقيقة، و عدم تأثيره إنما هو لفقدان شرطه أعني به طيب النفس، فإذا حصل ذلك أثّر أثره، و عدم التأثير لا بدّ أن يكون لأجل اعتبار مقارنة الطيب للعقد شرعا و لكن لا دليل عليه إثباتا.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 156.

(2) كفاية الأحكام، ص 89، السطر 3.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 267.

ص: 289

______________________________

و أمّا دخل مقارنة الطيب للعقد في مفهومه بحيث لا يصدق العقد بدونها، ففيه: أنّ العقد ليس إلّا كبقية المفاهيم العرفية كالأكل و الشرب و نحوهما، فالأكل يصدق على الأكل الخارجي بأيّ داع حصل و لو من الإكراه، إذ لا دخل للدواعي في المفاهيم، فمفهوم العقد يصدق حتى مع صدوره عن الإكراه، و لو لا ذلك لم يصدق العقد على بيع الفضولي. مع كون كلّ من عقدي المكره و الفضولي عقدا بالحمل الشائع، لعدم دخل مقارنة الطيب في مفهوم العقد لا لغة و لا في العرف العام.

مضافا إلى: أن عقد المكره بحقّ عقد حقيقة، و لازم دخل مقارنة الطيب معه في مفهوم العقد عدم كونه عقدا، و أن يكون غير العقد كالعقد في الحكم تعبدا، و هذا مما لا يساعد عليه دليل.

و أمّا دخل المقارنة شرطا في صحة العقد لا في مفهومه بحيث يكون الإيجاب في نظر الشارع كالعدم، ففيه: أنّه أوّل الكلام، إذ لا دليل على اعتبار المقارنة في صحة العقد، بل الإطلاقات تدفع اعتبارها فيها.

و بالجملة: لم يثبت اعتبار مقارنة الطيب للعقد في مفهوم العقد و لا في صحته، بل الثابت عدمه.

و أمّا دعوى صدق الأكل بالباطل ففيها: أنّه لو سلّم صدق الباطل بمجرّد الإكراه مع وجود العوض لم نسلم صدقه بعد ارتفاع الإكراه، إذ العمدة في إثبات قدح الإكراه الإجماع و حديث الرفع. و دلالتهما على قدحه مختصة بحال وجود الكراهة الناشئة عن الإكراه، فإذا زالت الكراهة و تبدّلت بالرضا فلا يصلحان لإثبات البطلان و نفي الأثر.

أمّا الإجماع فظاهر، لما عرفت من شهرة القول بالصحة، بل دعوى الإجماع عليها.

و أما حديث الرفع فلأنّ إجراءه بعد ارتفاع الكراهة خلاف الامتنان في حق المكره.

ص: 290

______________________________

فالمرجع حينئذ إمّا عموم أدلة النفوذ، أو استصحاب الحكم السابق على حصول الرضا الذي هو من قبيل استصحاب حكم الخاص. و المحقق في محله الرجوع إلى عموم العام في مثل المقام، لأنّ مقتضى عموم أدلة النفوذ هو لزوم الوفاء بالعقد في كل زمان، فإذا خرج عنه بعض الأزمنة و شكّ في خروجه في زمان آخر يتمسك بعموم العام، لأنّ الشك حينئذ في التخصيص الزائد.

لا يقال: إنّ ظاهر الآية المباركة اعتبار مقارنة الرضا للعقد، بحيث يكون التجارة ناشئة عنه، و لا يكفي لحوق الرضا به، لأنّه إذا انعقد فاسدا لم ينقلب بعد ذلك عمّا وقع عليه.

و من هنا يظهر فساد قياس عقد المكره بعقد الفضولي المتعقب بالرضا و الإجازة من المالك، إذ العقد الفضولي لا يضاف إلى المالك إلّا حين إجازته، فهو حين انتسابه إلى المالك ينشأ من طيب نفسه و رضاه. و هذا بخلاف عقد المكره، فإنّه حين صدوره من المالك حكم عليه بالفساد، فلا ينقلب عما وقع عليه، فالرضا اللاحق لا يصححه.

فإنّه يقال: إنّ التجارة التي لا بدّ أن تكون عن تراض هي بمعنى اسم المصدر، لأنّه الباقي و المستمر القابل للرضا، دون معناها المصدري فإنّها فانية، و هي بمعناها الأوّل موضوعة لوجوب الوفاء، و الإجازة في عقد الفضولي و الرضا في عقد المكره إنّما يلحقان ذلك، لأنّ معنى اسم المصدر قابل لهما دون معناها المصدري لفنائه.

و عليه فبعد لحوق الرضا في بيع المكره يصدق عليه التجارة عن تراض، حيث إنّ الآية تدل على انحصار سبب أكل مال الغير في أمرين:

أحدهما: الأسباب الباطلة. و ثانيهما: التجارة عن تراض. و من الواضح أنّ الأكل في محل الكلام ليس من أكل المال بالباطل، فيصدق عليه التجارة عن تراض.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه التزم بعدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد بما حاصله: أنّ دلالة الآية على اعتبار المقارنة إما بمفهوم الحصر و إمّا بمفهوم الوصف، و كلاهما غير ثابت.

ص: 291

______________________________

و الأوّل: منفي في المقام، لأنّ دلالة الاستثناء على الحصر منوطة بكون الاستثناء متصلا، كقوله: «ما جاء القوم إلّا زيدا، فإنّ الاستثناء هنا يدل على حصر المجي ء في زيد، و من الواضح كون الاستثناء هنا منقطعا، لعدم كون التجارة عن تراض من الأسباب الباطلة للتجارة حتى كون خروجها عنها دالّا على الحصر، فلا يدلّ هذا الاستثناء على انحصار السبب المحلّل لأكل مال الغير في التجارة عن تراض، حتى يقال: إنّ التجارة عن تراض لا تصدق إلّا على العقد المقرون بالرضا.

و الثاني أيضا منفي، لأنّه على القول بمفهوم الوصف يختص بالوصف الذي لا يرد مورد الغالب، و من الواضح أنّه في المقام كذلك، لكون الغالب في التجارات هو كونها عن تراض، فلا يدل على بطلان التجارة لا عن تراض مقرون بالعقد، هذا.

و فيه: أنّ الآية الشريفة تدل على الحصر مطلقا و إن لم يكن الاستثناء متصلا.

توضيحه: أنّ باء السببية الداخلة على كلمة الباطل و مقابلتها مع التجارة عن تراض قرينتان على كون الآية الشريفة في مقام فصل الأسباب الباطلة للمعاملة عن الصحيحة لها. كما أنّ المراد بالأكل في الآية ليس هو الازدراد الذي هو معناه الحقيقي، بل هو كناية عن تملّك مال غيره من غير استحقاق.

و على هذا فإن كان الاستثناء متصلا كما هو الظاهر الموافق للقواعد العربية،- كما قيل- كان معناه المنع عن تملك أموال الناس بشي ء من الأسباب، الّا أن يكون ذلك السبب تجارة عن تراض، فتدلّ الآية على حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض.

و إن كان الاستثناء منقطعا فالآية المباركة حينئذ و إن لم تكن ظاهرة في الحصر من حيث الصناعة العربية. إلّا أنّه تعالى لمّا كان في مقام بيان الأسباب المشروعة للمعاملات، و فصل صحيحها عن فاسدها، و كان الإهمال مخلّا بالمقصود، فلا محالة يستفاد الحصر من الآية المباركة بالقرينة المقامية.

ص: 292

______________________________

فعلى هذا تدل الآية الشريفة على حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض، من غير فرق بين اتصال الاستثناء و انقطاعه، و أمّا غير التجارة عن تراض من سائر أسباب المعاملات فهو باطل.

فقد ظهر مما ذكرناه عدم توقف الاستدلال بالآية الشريفة على اعتبار مقارنة الرضا للعقد على كون الاستثناء متصلا، و لا على الالتزام بمفهوم الوصف.

فالصحيح أنّه لا دلالة للآية إلّا على عدم جواز الأكل بدون التراضي، فإذا وجد الرضا من المكره انقلبت التجارة إلى التجارة عن تراض، فلا يكون الأكل بسببها أكلا بالباطل.

و الحاصل: أنّ الآية الشريفة تدل على حصر السبب المحلّل لتملك الأموال بالتجارة عن تراض، و إن لم نقل بكون الاستثناء متصلا، و لم نقل بمفهوم الوصف أيضا غاية الأمر أنّ المراد بالتجارة ليس معناها المصدريّ، بل معنى اسم المصدر، فمتى تحقق الرضا صدقت التجارة عن تراض، فيصح عقد المكره، و لا مجال حينئذ لحديث الرفع الموجب لعدم صحته حتى بعد الطيب، لأنه خلاف الامتنان.

نعم قبل حصول رضا من المكره كانت الصحة خلاف الامتنان، و كان الموافق للامتنان عدم الصحة. لكن بعد حصول الرضا يكون الصحة موافقة للامتنان، فلا يجري فيها حديث الرفع، فإنّ موافقة الحكم و مخالفته للامتنان إذا كانتا باعتبار حصصه و أفراده فلا محالة يكون الثابت ما هو الموافق للامتنان، و المرفوع بحديث الرفع ما هو المخالف له.

و المقام من هذا القبيل، حيث إنّ صحة عقد المكره ما دام الإكراه موجودا خلاف الامتنان، فترفع بالحديث، و بعد ارتفاع الإكراه تكون موافقة للامتنان، فيحكم بترتب الأثر على عقد المكره بعد ارتفاع الكراهة و تبدلها بالرضا.

فتلخّص مما ذكرنا: أنّ ما هو المشهور من صحة بيع المكره بلحوق الرضا هو الأقوى.

ص: 293

[الرضا المتأخر ناقل أو كاشف؟]

بقي الكلام (1) في أنّ الرضا المتأخر ناقل أو كاشف (2).

مقتضى الأصل (3) و عدم (4) حدوث حلّ مال الغير إلّا عن طيب نفسه

______________________________

الرضا المتأخر ناقل أو كاشف؟

(1) هذه آخر جهات البحث في عقد المكره أعني بها كون الرضا اللّاحق كاشفا عن ترتب الأثر من حين العقد، أو ناقلا بأن يترتب الأثر من حين الرضا، لا من زمان إنشاء العقد.

و هذا البحث متفرع على الجهة المتقدّمة من تصحيح عقد المكره بتعقبه بالرضا كما هو المشهور، فلو قيل ببطلانه كما حكاه المصنف قدّس سرّه عن جمع لم يبق موضوع للبحث عن الكشف و النقل. و تفصيل الكلام موكول إلى عقد الفضولي، و اقتصر هنا على نقل الخلاف في أنّ القول بالكشف المستفاد من النصوص الخاصة هل يوافق القاعدة أم يخالفها؟ ذهب بعضهم إلى موافقته لها، و المصنف إلى مخالفته لها، لوجهين سيأتي بيانهما.

(2) لا يخفى أن نزاع الكشف، و النقل مبني على كون الرضا بوجوده الخارجي دخيلا في صحة العقد، إذ لو كان الشرط وصف التعقب كان المتعيّن الالتزام بالكشف.

(3) و هو أصالة الفساد المحكّمة في العقود، و المراد بها استصحاب عدم ترتب الأثر.

(4) معطوف على «الأصل» يعني: أنّ مقتضى ما دلّ على «عدم حلّ مال الغير إلّا عن طيب نفسه» هو حرمة التصرف. فهذان الوجهان يدلّان على عدم حصول الأثر قبل الرضا، و لازم ذلك كون الرضا ناقلا لا كاشفا، لأنّ طيب النفس- الذي هو شرط الحليّة- لم يحصل إلّا بعد العقد، فلا بدّ من حصول الحلّ حين تحقق الطيب لا قبله.

فان قلت: إنّ ما دلّ على إناطة حلّ مال الغير برضاه دليل اجتهادي، و معه لا موضوع للتمسك بالاستصحاب، فالمتعيّن استظهار ناقليّة الرضا من أحاديث الحل خاصة.

ص: 294

هو الأوّل (1)، إلّا أنّ الأقوى بحسب الأدلة النّقليّة هو الثاني (2) كما سيجي ء في مسألة الفضولي.

و ربّما يدّعى أنّ (3) مقتضى الأصل هنا (4) و في الفضولي هو الكشف،

______________________________

قلت: الأمر كما أفيد، و مقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه هو تعدد الدليل على النقل. لكن يحتمل أن يكون قوله: «و عدم حدوث» عطفا تفسيريا يفسّر الأصل حتى لا يكون مغايرا له، ليلزم الجمع بين الأصل العملي و الدليل الاجتهادي، مع تأخر الأصل عن الدليل رتبة، و لئلّا يلزم إشكال التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، حيث إنّه لم يعلم كون الرضا اللاحق- بالنسبة إلى ما مضى- مصداقا للرضا المنوط به الحلّ.

(1) و هو كون الرضا ناقلا، لكن الأقوى بحسب الأدلة النقلية هو الكشف تعبدا، للتعدّي عن موردها- و هو الفضولي- إلى المقام كما سيجي ء في مسألة الفضولي إن شاء اللّه تعالى.

(2) سيأتي استظهار الكشف من صحيحة أبي عبيدة الحذاء الواردة في نكاح الصغيرين اللذين زوّجهما غير وليّهما، و غير هذه الصحيحة، فراجع قوله:

«و أما الأخبار فظاهر بعضها كصحيحة محمد بن قيس الكشف ..».

(3) لعلّ المدّعي هو صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد ضمّ كلاميه، أحدهما: تصريحه في بيع الفضولي بكون الإجازة كاشفة، و المستفاد منه كون مقتضى القاعدة الأوّلية «1».

و ثانيهما: ما تكرّر منه في بيع المكره من كونه كالفضولي، كقوله: «فحيث يكون كالفضولي يجب انتظار غير المجبور، و ليس له الفسخ قبل فسخ المجبور ..» «2».

(4) أي: في عقد المكره. و الوجه في ذلك أنّ متعلق الرضا هو النقل الواقع

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 285.

(2) المصدر، ص 269.

ص: 295

لأنّ مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده (1) من نقل الملك حين صدوره، فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى- و هو النقل من حين العقد و ترتب الآثار عليه- لا يكون (2) إلّا بالحكم بحصول الملك في زمان النقل (3).

و فيه (4): أنّ مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه، بل نفس النقل، إلّا أنّ إنشاءه لمّا كان في زمان التكلم، فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظر الشارع في زمان (5) التكلم حدث الأثر فيه. و إن كان مؤثّرا بعد حصول أمر حدث الأثر بعده، فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع

______________________________

في زمان العقد، و الرضا تنفيذ لذلك، و هذا يقتضي كاشفية الرضا لا ناقليته.

(1) يعني: بما أفاده العقد من نقل الملك حين صدور العقد، فإمضاء الشارع لرضا المكره بعقده يتعلق بالنقل من حين العقد.

(2) خبر قوله: «فإمضاء».

(3) و هو زمان العقد، لأنّه زمان النقل المتحقق بإنشاء المكره.

(4) حاصله: عدم تسليم كون مقتضى العقد النقل من حينه حتى يتعلق به الإمضاء، بل مقتضاه نفس النقل، غاية الأمر أنّ إنشاء النقل حيث إنّه زماني- لا بدّ من وقوعه في زمان- وقع في زمان. فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظر الشارع في زمان إجراء العقد تحقق الأثر في ذلك الزمان.

و إن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظره بعد حصول أمر فلا محالة لا يحدث الأثر في نظر الشارع إلّا بعد حصول ذلك الأمر و غيره مما يعتبر في ترتب الأثر على العقد.

و من جملة ما يعتبر فيه طيب نفس المالك المتحقق بعد العقد، فحكم الشارع يكون بعد حصول الطيب، و قضية ذلك كون الطيب ناقلا لا كاشفا.

(5) متعلق بقوله «مؤثرا» و اسم «و إن كان» هو قوله: «ذلك الإنشاء».

ص: 296

ما يعتبر في الحكم، و لذلك (1) كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف و السلم و الهبة، أو (2) بعد انقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ غير (3) مناف لمقتضى الإيجاب، و لم يكن تبعيضا في مقتضاه بالنسبة إلى الأزمنة.

فإن قلت (4): حكم الشارع بثبوت الملك و إن كان بعد الرضا، إلّا أنّ حكمه بذلك (5) لمّا كان من جهة إمضائه للرّضا بما وقع فكأنّه حكم بعد الرضا بثبوت

______________________________

(1) أي: و لكون تبعية حكم الشارع لاجتماع ما يعتبر في الحكم كان حكمه بتحقق الملك بعد القبول في جميع العقود- أو بعد القبض فيما يعتبر فيه القبض من بعض العقود كالصرف و السلم و الهبة، أو بعد انقضاء زمان الخيار المترتب عليه حكم الشارع بالملكية بناء على مذهب الشيخ قدّس سرّه من توقف الملكية على انقضاء زمان الخيار- غير مناف لمقتضى الإيجاب.

(2) هذا و كذا قوله: «أو بعد القبض» معطوفان على «بعد القبول» «1».

(3) خبر «كان» و حاصله: أنّ الحكم بتوقف الملكية على القبول أو القبض أو انقضاء زمان الخيار لا ينافي مقتضى الإيجاب. وجه عدم المنافاة: أنّ الإيجاب ليس هو الجزء الأخير لسبب النقل و الانتقال، بل هو بعض السبب، و حكم الشارع مترتب على تمام السبب، فتوقف حكم الشارع على تمامية السبب لا ينافي مقتضى الإيجاب.

(4) حاصل هذا الإشكال: أن توقف حكم الشارع بالنقل على الرضا لا ينافي الكشف، و ذلك لأنّ حكم الشارع و إن كان حدوثه بعد الرضا، إلّا أنّ حكمه لمّا كان من جهة إمضائه للرضا- و من المعلوم أنّ متعلق الرضا هو النقل الواقع حين العقد- لم يكن حدوث الحكم الشرعي منافيا لتحقق النقل حين العقد، و هذا هو الكشف الانقلابي.

(5) أي: أنّ حكم الشارع بثبوت الملك لمّا كان .. إلخ.

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 22، كتاب البيوع، المسألة: 29.

ص: 297

الملك قبله (1).

قلت (2): المراد هو الملك شرعا، و لا معنى لتخلف زمانه (3) عن زمان الحكم الشرعي بالملك. و سيأتي (4) توضيح ذلك في بيع الفضولي إن شاء اللّه تعالى.

و إن شئت توضيح ما ذكرنا (5) فلاحظ مقتضى فسخ العقد، فإنّه و إن كان حلّا للعقد السابق و جعله كأن لم يكن، إلّا أنّه لا يرتفع به الملكية السابقة على

______________________________

(1) أي: الرضا، و ضمير «فكأنّه» راجع إلى الشارع.

(2) هذا جواب الإشكال، و توضيحه: أنّ الجعل لا يتخلّف عن زمان المجعول فإنّ اعتبار الملكية يحدث في زمان، فلا بدّ من حدوث الملكية المعتبرة في ذلك الزمان، لئلّا يتخلف الجعل عن المجعول زمانا، و من المعلوم أنّ اعتبار الملكية شرعا إنّما هو في زمان الرضا، فلا بدّ من حصول الملكية في ذلك الزمان أيضا.

و هذا نظير فسخ العقد، فإنّه و إن كان حلّا للعقد السابق و جعله كالعدم، لكنه لا يرفع الملكية من زمان وقوع العقد، بل يرفعه من حين تحقق الفسخ.

و الحاصل: أنّ الفسخ كما يرفع الملكية من حينه، كذلك الرضا يثبت الملكية من حينه، و زمان الفسخ هو زمان ارتفاع الملكية، هذا.

(3) أي: زمان الملك الشرعي لا يتخلّف عن زمان اعتبار الشارع للملكية بعقد المكره و الفضول.

(4) في بحث الإجازة و الرد، حيث قال في رد ثاني أدلة كاشفية الإجازة: «ان الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد .. إلخ».

(5) أي: عدم تخلف زمان الملك الشرعي عن زمان حكمه بترتّب الملك على العقد.

ص: 298

الفسخ، لأنّ العبرة بزمان حدوثه (1) لا بزمان متعلقة [1].

______________________________

(1) أي: بزمان حدوث الفسخ، لا بزمان متعلقة و هو العقد المملّك.

______________________________

[1] وجه التنظير أنّه كما لا يزيل الفسخ الملكية من زمان حصولها بالعقد، بل يزيلها من زمان الفسخ، كذلك الرضا، فإنه لا يحدث إلا الملكية حين حصوله، دون الأزمنة السابقة على الرضا، و عليه فلا بدّ من الالتزام بالنقل دون الكشف.

لكن فيه: أنّه إن أريد بهذه المقايسة إثبات ناقلية الرضا من حيث إحداث الملكية من حينه كمعدمية الفسخ للملكية من حينه فهو من القياس المنهي عنه. و إن أريد بها مجرّد التنظير و إمكان أن يكون ثبوتا مثل الفسخ، ففيه: أنّه لا بأس به، لكنه لا يجدي في مقام الإثبات، لعدم الدليل عليه.

و أمّا ما أفاده بعض الأعلام في وجه الكشف من أن مقابل الرضا هو الردّ لا الفسخ الذي يقابله الإقرار و التثبيت، و الردّ حلّ للعقد من حين إنشائه، فالرضا يكون رضا بالعقد أيضا من حينه فالرضا كاشف لا ناقل، هذا» «1» فلم يظهر له وجه فإن كلا من الردّ و الرضا يتعلق بالعقد باعتبار ما فيه من اقتضاء التأثير و معرضيته له. و هذا ثبت للعقد من زمان حدوثه إلى زمان ردّه أو الرضا به، فالردّ من حين حصوله يردّ ذلك الاقتضاء، كما أنّ الرضا الذي يقابله ينفّذ العقد من زمان حصول الرضا، و ينقله من اقتضاء التأثير إلى الفعلية في ذلك الزمان. و نتيجة هذا هو النقل لا الكشف الذي رامه دامت بركاته، ضرورة أن قوة التأثير لا تصير فعليّة الّا بالرّضا، و لا تصير فعلية قبله، كما أنّها لا تزول إلّا بالردّ لا قبله.

و كذا ما أفاده في وجه الكشف من: أنّه مقتضى الجمع بين ما دلّ على نفوذ العقد من قبيل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بين ما دلّ على رافعية الإكراه لنفوذ المعاملة، ببيان: أنّه يعمل بمقتضى دليل الإكراه في الزمان المتخلّل بين العقد و الرضا، فيبني على

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 340.

ص: 299

ثم (1) على القول بالكشف هل للطرف غير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره أم لا؟ يأتي بيانه في الفضولي (2) إن شاء اللّه تعالى [1].

______________________________

(1) هذا متفرع على القول بالكشف، و هو عدم جواز فسخ العقد بالنسبة إلى من يعقد مع المكره، في الفترة المتخلّلة بين العقد و الرضا أو الرّد، فيجب عليه الصبر فيها، نظير الأصيل الذي يعقد مع الفضولي، و سيأتي تفصيله هناك إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا بناء على النقل فحيث إنّ العقد المملّك لم يتمّ بعد جاز للطرف الآخر فسخ عقده مع المكره.

(2) بقوله: «و امّا على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا .. فيجب على الأصيل الالتزام به و عدم نقضه ..» فراجع.

______________________________

عدم النفوذ فيه، و بمقتضى أدلة نفوذ المعاملة فيما بعد الرضا، فيبني على نفوذه بعد الرضا «1».

و ذلك لأنّه ليس ذلك مقتضى الجمع، حيث إنّه في الزمان المتخلل يلزم العمل بكل من حديث الرفع و أدلة النفوذ. و ليس ذلك إلّا التناقض، لأنّ لازم الكشف هو البناء على الوفاء بأدلة النفوذ في الزمان المتخلل، و المفروض أنّه ظرف العمل أيضا بحديث الرفع، فيلزم نفوذ البيع و عدمه في ذلك الزمان، و من المعلوم أن البناء على نفوذه في ذلك الزمان لأجل الكشف يوجب طرح حديث الرفع لا العمل به، فلا محيص عن الالتزام بناقلية الرضا التي هي مقتضى الجمع بين أدلة النفوذ بالعمل بها بعد الرضا، و حديث الرفع بالعمل به قبل الرضا.

[1] الجهة العاشرة: في كون الرضا ناقلا أو كاشفا.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 339.

ص: 300

______________________________

اعلم: أنّ نزاع كاشفية الرضا و ناقليّته متفرع على القول المشهور من صحة عقد المكره بلحوق الرضا، و إلّا فعلى القول ببطلانه من أصله و عدم قابليته للصحة بلحوق الرضا لا مجال لهذا النزاع. و حيث إنّ الأقوى قابليّته للصحة بما يلحقه من طيب النفس، فلهذا البحث مجال، فنقول و به نستعين: إنّ تنقيح البحث في ناقلية الرضا المتأخر عن العقد و كاشفيته يتم ببيان أمور:

الأول: في بيان ضابط الشروط المتأخرة التي تجري فيها نزاع النقل و الكشف، و تميزها عن الشروط التي لا تصلح لجريان هذا النزاع فيها، فنقول: إنّ كلّ ما يرجع إلى تنفيذ ما وقع و إمضائه فهو محل هذا النزاع، و كل ما يكون متمّما لمضمون العقد و معدودا من أجزائه فلا يجري فيه هذا النزاع، بل يكون جزء العقد و مقوّما لمضمونه، و يتعين فيه النقل.

و الأوّل كالإجازة في الفضولي، و الرضا في عقد المكره.

و الثاني كالقبول و القبض في الصرف و السلم و نحوهما.

و على هذا فلا ينبغي الارتياب في كون رضا المكره كإجازة المالك لعقد الفضولي من صغريات الشرط الذي يجري فيه نزاع النقل و الكشف.

و أما ما عن المحقق الثاني قدّس سرّه «من كون إجازة المرتهن ناقلة مع ذهابه إلى الكشف في إجازة الفضولي» فهو من النزاع في الصغرى، بمعنى: أن إجازة المرتهن ليست تنفيذا لما صدر من الراهن، بل مرجع الإجازة إلى الطلقية أي: خلوّ المبيع عن حق غير البائع. و الطلقية من أركان البيع كالقبول، فإذا سقط حق المرتهن بالإسقاط أو بأداء الدين تم جميع أركان العقد، فتمامية العقد إنّما هي بالإسقاط، فلا معنى لكون إجازة المرتهن كاشفة، بل لا محيص عن كونها ناقلة.

و هذا الكلام من المحقق المتقدم و إن لم يكن صحيحا، لكون الإسقاط كالإجازة

ص: 301

______________________________

ناظرا إلى تنفيذ العقد السابق و إمضائه، إلّا أنّ الكبرى صحيحة.

و على هذا فيجري النزاع في إجازة العمّة و الخالة العقد الواقع على بنت الأخ و الأخت. و إجازة الدّيان بيع الورثة، و إجازة المرتهن بيع الراهن و نحو ذلك.

الثاني: هل الأصل أن تكون الإجازة ناقلة أو كاشفة؟ لا ينبغي الارتياب في أنّ مقتضى الأصل كون الرضا في عقد المكره- كالإجازة في عقد الفضولي و غيره- هو النقل، بعد البناء على كون الشرط في نفوذ العقد وجود الإجازة خارجا كما هو ظاهر الأدلة، لا عنوان التعقب كما هو الشأن في شرطية الأجزاء اللاحقة في الصلاة للأجزاء السابقة، فيلتزم بالكشف.

و قد يقال: إنّ مقتضى الأصل هو الكشف، لأنّ إجازة العقد السابق عبارة عن الرضا بمضمون العقد، و هو نقل الملك حين تحققه.

لكن فيه: أنّ مضمون العقد ليس هو إيجاد المنشأ حين صدور الإنشاء. و فرق واضح بين تحقق الإنشاء في زمان من باب أنّه لا بدّ من وقوع كل زمانيّ في الزمان. و بين دلالة اللفظ على الإيجاد في زمان الإنشاء، فلو كان مفاد «بعت: أو جدت البيع الآن» كما هو ظاهر النحويين في مفاد الأمر و النهي من كونهما موضوعين للطلب في الحال لكان الأصل هو الكشف.

و أمّا لو كان مفاده أصل إيجاد البيع، و استفيد وقوع المنشأ في الحال من جهات أخرى كمقدمات الحكمة الجارية في الإجارة و النكاح و غيرهما التي هي كون المنشئ بصدد الإيجاد و عدم تقييد ما أنشأه بقيد، و كذا الحال في البيع، فإنّ تلك المقدمات تقتضي وقوع المنشأ في حال الإنشاء، لم يكن الرضا كاشفا، بعد وضوح مدخلية الرضا في النقل بحيث يكون من قبيل تقييد الملكية بقيد متأخر، فلا تحصل الملكية بدون ذلك القيد.

و العاقد و إن لم يقيّد إنشاءه بقيد، لكن تقييد الشارع بمنزلة تقييد نفس العاقد،

ص: 302

______________________________

فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه المتوقف على اجتماع جميع ما يعتبر في الحكم، و من المعلوم أن الإجازة مما يعتبر في ذلك، فما لم يتحقق الإجازة لا يحكم الشارع بالنقل.

و جواب بعض المحققين عن هذا «بأنّ ما أنشأه العاقد لا يتخلف بنظره عن زمان إنشائه، و التخلف إنّما يكون بنظر الشارع، و هو غير قادح في الكشف، إذ المجيز إنّما يجيز ما أوجده العاقد و عقده، و إن لم يدل لفظا على الإيجاد في زمان التلفظ. لكن مقتضى وقوع الإنشاء في ذلك الزمان و تحقق المنشأ بنظره- لتحقق كل اسم مصدر بإيجاد المصدر- هو حصول المنشأ في زمان الإنشاء، فإذا أمضى المجيز ما أوجده العاقد نفذ من ذلك الزمان» غير مفيد، لأنّ الأمور الاعتبارية لا تتحقّق إلّا باعتبار من بيده الاعتبار، و ليس العاقد ممّن بيده الاعتبار، بعد وضوح دخل الرضا في حصول الأمر الاعتباري. فنظر المنشئ لا أثر له، فتكون الإجازة كالقبول، و القبض في الصرف و السلم و الهبة.

فالمتحصل: أنّ الأوفق بالقواعد هو النقل لا الكشف.

الثالث: بعد أن ثبت كون النقل مقتضى القواعد الأولية يقع الكلام في أنّ الكشف الحكمي الثابت في الفضولي تعبدا هل يثبت في المقام أيضا أم لا؟ فيه وجهان بل قولان، من كون النص واردا في النكاح، و من عدم خصوصية لإجازة المالك عقد الفضولي، بل كل ذي حق له أن ينفّذ العقد الواقع على متعلّق حقه. فعلى هذا يكون حكم الرضا اللاحق في عقد المكره حكم الإجازة في عقد الفضولي من حيث الأصل الأوّلي و الثانوي.

و من جملة الروايات الواردة في عقد الفضولي معتبرة أبي عبيدة الحذاء، قال:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين؟ فقال:

ص: 303

______________________________

النكاح جائز، و أيّهما أدرك كان له الخيار .. قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي النكاح، ثم مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك و تحلف باللّه: ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر» الحديث «1».

ثم إنّه ينبغي التنبيه على أمور:

الأوّل: أنّ الإكراه واقعي، و اعتقاد المكره به طريق إليه، فإذا اعتقد الإكراه، و باع داره بدون الطيب و الرضا، ثم تبيّن عدم الإكراه و أنه اشتبه في ذلك فالوجه البطلان، لوجود ملاك البطلان في الإكراه، و هو فقدان الرضا فيه.

الثاني: أنّه إذا زعم عدم الإكراه، فباع بطيب النفس بعض أمواله، ثم انكشف الإكراه صحّ بيعه، لوجود الرضا.

الثالث: إذا أكره على نفس البيع كبيع داره بدون قيد و شرط، و باعها كذلك، و بعد زوال الإكراه أجازه مقيّدا كأن يقول: «رضيت ببيع الدار بشرط أن يكتب لي صحيفة سجادية» فقد حكم الفقيه المامقاني قدّس سرّه بالبطلان «لأنّه ليس إجازة لما وقع، بل هو أمر مغاير له» «2».

لكن فيه: أنّ معيار الصحة هو الرضا، و العقد السابق ما دام لم يلحقه الرضا لا يترتب عليه أثر، فإذا رضي بتمامه و بعضه صحّ لأجل الرضا، فهو كبيع ما يملك و ما لا يملك في أنّ العقد ينحل إلى عقدين أو عقود، في صحته بالنسبة إلى بعض المبيع، و فساده بالإضافة إلى بعضه الآخر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1. و لا يخفى أن هذه الرواية من أدلة انتصاف المهر بالموت كالطلاق قبل الدخول.

(2) غاية الآمال، ص 340.

ص: 304

______________________________

إلّا أن يقال: إنّ الشرط لم يقع في ضمن العقد حتى يجب الوفاء به، فالشرط باطل و العقد صحيح.

إلّا أن يدّعى: أنّ العقد قبل صدور الرضا لم يتم حتى يقع الشرط خارج العقد، بل المتمم له هو الرضا، فالشرط يقع في ضمن العقد، فيصح كل من الشرط و العقد.

الرابع: عكس الثالث و هو ما إذا أكره على بيع مال مقيّدا، كما إذا أكره على بيع داره مشروطا بأن يقبل ولاية الجائر، و بعد زوال الإكراه رضي بالبيع بدون قبول الولاية، ففي حاشية المامقاني قدّس سرّه «عدم كون الرضا مفيدا للصحة، لمغايرة العقد الواقع لما تعلّق به الإجازة. و ليس هذا مثل العفو عن الشرط المقيّد به العقد و إسقاطه، لتحقق العقد و الشرط هناك، إلّا أنه أسقط حقه الثابت سابقا. و هنا أنشأ إجازة عقد لم يقع، ضرورة أن الواقع غيره. إلّا أن يقصد إمضاء العقد المقيّد، ثم يسقط حقّه، و هو خارج عن المفروض» «1».

و فيه: أنّ الشرط خارج عن ماهية العقد، و التزام مرتبط بالالتزام العقدي، و لذا نقول بعدم مفسدية الشرط الفاسد، و عليه فلا مانع من التفكيك بين الالتزامين بالصحة في العقدي، و الفساد في الالتزام الشرطي. و عليه فدفع الشرط بعدم الالتزام به أولى من رفعه بإسقاطه بعد الالتزام به، لأهونيّة الدفع من الرفع، و ما ذكره المامقاني رحمه اللّه مبني على وحدة المطلوب و كون الشرط قيدا.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 340.

ص: 305

[الشرط الرابع: إذن السيد لو كان العاقد عبدا]
اشارة

مسألة (1):

و من شروط المتعاقدين إذن السيد لو كان العاقد عبدا، فلا يجوز (2) للمملوك أن يوقع عقدا إلّا بإذن (3) سيّده، سواء كان

______________________________

الشرط الرابع: إذن السيد لو كان العاقد عبدا

(1) الغرض من عقد هذه المسألة بيان اعتبار شرط رابع في المتعاقدين، و هو استقلالهما بمعنى كونهما مالكين للعقد و مسلّطين عليه شرعا.

و بعبارة أخرى: يعتبر فيهما أن يكون لهما ولاية البيع و نفوذ التصرف شرعا من دون توقف عقدهما على مراجعة غيرهما، و من صغريات هذه الكبرى مسألة عقد المملوك، فلعلّ عنوان المسألة بهذا العنوان العام أولى.

(2) أي: فلا يمضي و لا ينفذ شي ء من إنشاءاته العقدية و الإيقاعية إلّا بإذن سيده، فالمراد بعدم الجواز عدم الحكم الوضعي، حيث إنّ المصنف قدّس سرّه جعل إذن السيد من شرائط المتعاقدين الراجعة إلى تنفيذ الإنشاء العقدي، و إن كان غير إنشاءاته من حيث الحكم التكليفي جوازا و منعا أيضا محل البحث و الكلام.

(3) الظاهر أنّ المراد به أعمّ من الإذن و الإجازة كما يظهر من الرواية الآتية و الغرض منه عدم استقلاله في التصرف، و عدم نفوذه إلّا برضا السيد.

و كيف كان فالمصنف قدّس سرّه على ما يستفاد من مجموع كلماته يذهب إلى عدم جواز تصرفاته، أي عدم نفوذ تصرفاته إلّا بإذن السيّد أو إجازته، فلا يستقل المملوك

ص: 306

لنفسه (1) في ذمته، أو بما (2) في يده، أم لغيره (3)، لعموم أدلّة عدم استقلاله في أموره (4)، قال اللّه تعالى ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ «1».

و عن الفقيه بسنده إلى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام «قالا:

المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلّا بإذن سيده، قلت: فإن كان السيد زوّجه بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيّد، ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ، أ فشي ء الطلاق» «2».

______________________________

في العقود و الإيقاعات و التوكّل عن الغير، فالمنفي هو الاستقلال لا مطلقا و لو مع الإذن.

(1) بأن يشتري شيئا لنفسه بمال خارجي أو في ذمته، أو باع شيئا كذلك أي مالا خارجيا أو في ذمته.

(2) معطوف على «في ذمته» يعني: أنّ كل معاملة يوقعها لنفسه مطلقا- من البيع و الشراء بالعين الخارجية أو في الذمة- موقوفة على إذن السيد و إجازته.

و قوله: «سواء كان لنفسه في ذمته .. إلخ» إشارة إلى الخلاف الذي أشار إليه في التحرير بقوله: «لو باع العبد ما في يده باذن سيّده صحّ، و بغير إذنه يقف على الإجازة. و كذا لو اشترى في الذمة قال الشيخ رحمه اللّه: «الأقوى أنّه لا يصح شراؤه» «3».

(3) معطوف على «لنفسه» يعني: معاملته لغيره- سواء أ كانت بالعين أم في الذمة- لا تنفذ إلّا بإجازة السيد.

(4) هذا أحد الأدلة التي أقامها على المدّعى، و هو عدم نفوذ تصرفاته و توقفه على إذن السيد، فالمراد بعدم القدرة عدم استقلاله، و عدم القدرة صادق على عدم الاستقلال.

______________________________

(1) سورة النحل الآية 75.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 541، الباب 173 ح 4860، عنه في وسائل الشيعة، ج 15، ص 343، الباب 45 من أبواب مقدمات الطلاق ح 1 و إسناد الفقيه إلى زرارة صحيح، فالرواية صحيحة،

(3) تحرير الاحكام، ج 1، ص 164.

ص: 307

و الظاهر (1) من القدرة- خصوصا بقرينة الرواية (2)- هو الاستقلال،

______________________________

(1) توضيحه: أن الآية الشريفة نفت قدرة العبد على شي ء من الأشياء، و ظهورها البدوي في إسقاط كافة تصرفات العبد عن موضوعيّتها للآثار، و ذلك لأمرين:

أحدهما: ظهور نفي القدرة في كون المنفي مطلق القدرة، أي كون فعله كالعدم، فلا هو تمام الموضوع و لا جزؤه، لا كون المنفي خصوص الاستقلال الموجود في الحر.

ثانيهما: ظهور النكرة في سياق النفي- أعني به كلمة شي ء- في الشمول، فلا يترتب على قول العبد و فعله أثر أصلا.

لكن المانع عن الأخذ بهذا الظهور و الموجب لحمل عدم القدرة على نفي الاستقلال هو موضوعية بعض أفعاله للأحكام بالضرورة كإتلافه مال الغير و جنايته عليه، فيتعين أن يراد بالشي ء الأمور الاعتبارية المتقوّمة بالقصد و الإنشاء كالملكية و الزوجية و البينونة و نحوها، فيقال: إنّ الحر مستقل في هذه التصرفات، بخلاف العبد، لتوقف نفوذها على إذن السيد.

هذا مع الغض عن تطبيق «الشي ء» في معتبرة زرارة على النكاح و الطلاق، و أمّا بالنظر إلى التطبيق فلا يبقى شك في عدم إرادة نفي مطلق القدرة، و لا في عدم شمول «الشي ء» لمطلق أفعال العبد و تصرفاته، و لذا عبّر المصنف قدّس سرّه عنه بقوله:

«خصوصا».

(2) قرينيّتها إنّما هي بملاحظة تعليق جواز النكاح و الطلاق و نفوذهما على إذن السيد، و يعلم من ذلك عدم استقلاله و كون إذن السيد جزءا أخيرا لموضوع الصحة و النفوذ، لا أنّ إنشاءه كالعدم نظير صوت البهائم، و إلّا لم يجد مجرّد إذن السيد في الصحة، بل كان اللازم تجديد العقد.

فيظهر أن المراد بالقدرة- في الآية الشريفة- هو الاستقلال، فالمنفي هو القدرة

ص: 308

إذ (1) المحتاج إلى غيره في فعل غير قادر عليه، فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنّه شي ء، فكل ما صدر عنه من دون مدخلية المولى، فهو (2) شرعا بمنزلة العدم لا يترتب عليه الأثر المقصود منه (3) لا (4) أنّه لا يترتب عليه حكم شرعي أصلا كيف (5)؟ و أفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار.

______________________________

الثابتة في الأحرار، و من المعلوم أنّها فيهم هو الاستقلال.

(1) تعليل لكون المراد بالقدرة المنفية في الآية الشريفة هو الاستقلال، لا القدرة المطلقة، و حاصل التعليل: أنّ عدم القدرة صادق على عدم الاستقلال كصدقه على عدم القدرة المطلقة. و القرينة على إرادة هذا الفرد- أي عدم الاستقلال- من الآية المباركة هي ما ذكرناه من تعليق الصحة في الرواية على إذن السيد، لا على تجديد إنشاء النكاح و الطلاق. و المراد عدم قدرة العبد بالاستقلال على المسبّبات التي هي معاني أسماء المصادر كالملكية في البيع، و الزوجية في النكاح، و غير ذلك من آثار العقود و الإيقاعات.

و أمّا القدرة على أسبابها- بمعانيها المصدرية كإجراء صيغ العقود و الإيقاعات فهي حاصلة في الأحرار و المماليك.

(2) شبه جواب الشرط لقوله: «فكلّ ما صدر».

(3) لأنّه مقتضى دخل إذن السيد، فإنّ ترتب كل أثر شرعي تكليفي أو وضعي منوط بتمامية موضوعه بما له من الأجزاء و الشرائط، فانتفاء جزء أو شرط من الموضوع يوجب انتفاء الأثر المقصود المترتب عليه، سواء أ كان عقدا أم إيقاعا، لعدم تمامية موضوعه.

(4) عاطفة، يعني: ليس المراد عدم ترتب أثر شرعي مطلقا، بل خصوص الأثر المقصود من ذلك الفعل كالملكية المقصودة من البيع.

(5) يعني: كيف يمكن الحكم بعدم ترتب الأثر أصلا على فعل العبد؟ مع أنّ

ص: 309

و كيف كان (1) فإنشاءات العبد لا يترتب عليها آثارها من دون إذن المولى، أمّا مع الإذن السابق فلا إشكال (2). و أمّا مع الإجازة اللّاحقة فيحتمل

______________________________

أفعاله كأفعال الحرّ في موضوعيّتها لأحكام شرعية كإتلافاته و جناياته و غير ذلك.

و بالجملة: فيستفاد من هذه الصحيحة أنّهما عليهما الصلاة و السّلام استدلّا بالآية الشريفة على عدم نفوذ طلاق العبد و نكاحه بدون إذن السيد على نحو الشكل الثالث، بأن يقال: الطلاق شي ء، و العبد لا يقدر على شي ء، فالعبد غير قادر على الطلاق.

بل يمكن أن يكون على سبيل الشكل الأول، بأن يقال: «الطلاق شي ء، و كل شي ء لا يقدر عليه العبد، فالطلاق لا يقدر عليه العبد إلّا إذا انضمّ إليه إذن السيد» بخلاف طلاق الحرّ، فإنّ طلاقه نافذ، لاستقلاله و عدم الحاجة إلى انضمام إذن غيره، فيستفاد من هذه الصحيحة أمور:

الأوّل: أنّ العبد غير مستقل في التصرف، بل نفوذه منوط بإذن سيده.

الثاني: أنّ الإذن السابق على العقد يؤثر في الأثر المقصود منه.

الثالث: أنّه ليس تصرفه الإنشائي كإنشاء المجنون و الصبي غير المميّز في عدم نفوذ إنشائه و لو بإذن الولي أو إجازته كما عن المشهور، بل يترتب الأثر المقصود على إنشاء العبد المأذون.

(1) يعني: سواء لم يترتب على فعل العبد أثر أصلا- مقصودا كان أم غير مقصود- أم لم يترتب عليه خصوص الآثار المقصودة، فعلى كلّ من الاحتمالين لا يترتب على إنشاءاته آثارها لو صدرت منه بلا إذن مولاه.

(2) يعني: فلا إشكال في نفوذ إنشاءاته الصادرة منه مع الإذن السابق من المولى من غير فرق في ذلك بين إنشاءاته العقودية و الإيقاعية.

ص: 310

عدم الوقوع (1)، لأنّ (2) المنع فيه ليس من جهة العوضين اللّذين يتعلّق بهما حق المجيز، فله (3) أن يرضى بما وقع على ماله من التصرف في السابق و أن لا يرضى بل المنع من جهة راجعة إلى نفس الإنشاء الصادر، و ما صدر على وجه لا يتغيّر (4) منه بعده.

و بتقرير آخر (5): انّ الإجازة إنّما تتعلّق بمضمون العقد و حاصله أعني انتقال المال بعوض. و هذا (6) فيما نحن فيه ليس منوطا برضا المولى قطعا،

______________________________

(1) أي: عدم وقوع الآثار المقصودة من تلك الإنشاءات كالملكية في إنشاء البيع، و الزوجية في إنشاء النكاح، و هكذا.

(2) علّة لعدم إجداء الإجازة في وقوع إنشاءات العبد المتعقب برضا السيد.

و محصل التعليل: أنّ المانع عن الصحة ليس راجعا إلى العوضين حتى يكون السيد مختارا في الإجازة و عدمها، كي يقال: إنّ العوضين في المفروض ليسا ملكا له، بل هما ملك لغيره، فلا موجب لإجازته. بل المانع هو نفس الإنشاء الصادر الذي صدر بدون إذن السيد بنحو الاستقلال، و هو لا يتغيّر عما وقع عليه، و لا يخرج عن الكيفية الصادرة.

(3) هذا متفرع على المنفي، و هو كون المنع من جهة العوضين حتى يكون رضا المالك المتأخر مصحّحا للتصرف السابق.

(4) يعني: لا يتغيّر العقد من ذلك الوجه- و هو الاستقلال- بعد صدوره.

(5) توضيحه: أنّ الإجازة وظيفة من له تعلّق بمضمون العقد و نتيجته التي هي معنى اسم المصدر كالملكيّة في البيع مثلا، فالمجيز يجيز العقد و يرضى بانتقال ماله إلى الغير بإزاء ماله. و أمّا إذا لم يكن له تعلق بمضمون العقد- كالمفروض من كونه أجنبيا عن العوضين- فلا مورد للإجازة، لأنّها إنما تتعلق بنتيجة العقد لا بمعناه المصدري.

(6) أي: الانتقال- الذي هو معنى اسم المصدر- أجنبي عن المولى، فلا يناط برضاه.

ص: 311

إذ المفروض أنّه أجنبي عن العوضين (1)، و إنّما له (2) حقّ في كون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده، فإذا وقع (3) على وجه يستقل به العبد فلحوق الإجازة لا يخرجه (4) عن الاستقلال الواقع عليه قطعا [1].

______________________________

(1) لعدم كونهما ملكا له، فلا معنى لإجازة من ليس له علاقة بالعوضين للعقد الواقع عليهما.

(2) يعني: و إنّما للمولى حق في قيام إنشاء هذا المضمون بعبده.

(3) يعني: فإذا وقع العقد على وجه و هو الاستقلال- كما هو المفروض- فلحوق الإجازة .. إلخ.

(4) يعني: لا يخرج لحوق الإجازة العقد الواقع على وجه الاستقلال عن الاستقلالية.

______________________________

[1] لا ريب في أنّ العبد ليس كالحر مستقلّا في تصرفاته، كما أنّه ليس كالمجانين حال جنونهم في عدم ترتب أثر على أفعاله من عباداته و معاملاته، بل هو برزخ بين الحر العاقل و المجنون.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ في تصرفات العبد ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه محجور عن كل تصرف إلّا ما يتوقف عليه ضروريّات معاشه التي جرت السيرة على عدم الاستيذان فيها من السيّد، و كذا واجباته البدنيّة مثل الصلاة و الصوم و الطهارة. فليس له الإتيان بالمباحات غير الضرورية إلّا بالاستيذان، فليس له حركة اليد و لا المشي إلى مكان مباح حتى وضع أقدامه على دار السيد إلّا بإذن السيد.

ثانيها: نفوذ جميع تصرفاته إلّا ما يكون تصرفا في سلطنة المولى فتنفذ جميع تصرفاته التي لا تنافي حقّ المولى، كأن يتوكّل عن غيره في إجراء عقد أو إيقاع أو قبض مال أو أداء دين أو نحوها.

ص: 312

______________________________

ثالثها: عدم جواز تصرفه في كل ما يعد عرفا شيئا معتدا به، سواء تعلّق بأموال سيّده من عقد أو إيقاع، أم تعلق بأموال نفسه بناء على مالكيته شرعا، أم تعلق بأموال سائر الناس من التصرف فيها بعقد أو إيقاع، فإنّ صحة جميع ذلك موقوفة على إذن السيد أو إجازته.

و بالجملة: كل تصرف- من دون تقيده بقيد و بقسم خاص- لغو، إلّا مع إذن السيد أو إجازته، فلا يجوز إجراء صيغة الوكالة لغيره إلّا بإذن السيد.

و المصنف اختار هذا الوجه الثالث، لذهابه إلى عدم جواز إيقاع المملوك عقدا إلّا بإذن سيده، من غير فرق بين كون العقد أو الإيقاع لنفسه أم لغيره. فمرجع هذا الكلام إلى نفي استقلال المملوك في التصرفات التي يتوقف عليها الحكم الوضعي.

هذه أقوال المسألة.

و لا بأس قبل بيان الحق بتقديم أمر، و هو: أنّ الأصل الأوّلي في أفعال المملوك عدم وجوب الاستيذان من السيد في شي ء من أفعاله و كونها كأفعال الحرّ في عدم توقف جوازها تكليفا و وضعا على إذن المولى، للعمومات و الإطلاقات الشاملة لكل من الأحرار و المماليك، إلّا فيما قيّد موضوعه بالحرية أو عدم الرقية، و هذا الأصل متّبع إلّا إذا قام دليل على خلافه، فنخرج به عن مقتضى الأصل بمقدار دلالة الدليل المخرج عليه.

فنقول و به نستعين: إنّ ما دلّ على توقف نفوذ أفعال المملوك على إذن السيّد روايتان:

الأولى: معتبرة زرارة عنهما عليهما السّلام المذكورة في المتن.

و لا يراد من عدم جواز نكاح العبد و طلاقه فيها حرمتهما تكليفا، إذ لو كانا

ص: 313

______________________________

محرّمين شرعا لم يكن وجه لجوازهما بإذن السيد كإذن مالك السلعة بيعها ربويا مثلا، فإنّ الإذن لا يسوّغه، لأنّ البيع الربوي معصية له تعالى و لا يصححه إذن مالك السلعة أو إجازته، حيث إنّ إذن السيد حق خلقي لا يترتب على تضييعه إلّا مخالفة حق الناس، و معصية السيد. و لا ربط له بحكم إلهي كحرمة الغصب، فإنّ ما دلّ على حرمة التصرف في مال الغير يدل على الحرمة التكليفيّة، و أنّ موضوع جواز التصرف في مال الغير هو إذن المالك، و طيب نفسه بالتصرف، و أنّ التصرف تجاوز على الغير و ظلم عليه، و هو قبيح عقلا و حرام شرعا.

و هذا بخلاف النكاح و الطلاق، فإنّهما في نفسهما جائزان تكليفا، غاية الأمر أنّ شرط صحتهما في المملوك إذن السيد أو إجازته.

الرواية الثانية: ما رواها الصدوق أيضا في الباب المشار إليه عن ابن بكير عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده؟ فقال: ذلك إلى السيد إن شاء أجاز، و إن شاء فرق بينهما. فقلت: أصلحك اللّه إنّ الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، فلا يحلّ إجازة السيد له. فقال:

إنّما عصى سيده و لم يعص اللّه، فإذا أجاز له فهو جائز» «1».

و المراد بالمعصية هو التعدي عن أحكام اللّه و حدوده و مخالفة قوانينه، و لا فرق في عصيانه تعالى شأنه بين فعل المحرّمات و ترك الواجبات، و بين الإتيان بالعقود و الإيقاعات على النحو غير المقرّر فيها كإنشائها بدون شرائطها، أو مع وجود موانعها، فإنّ هذه المعصية لا ترتفع بإجازة المولى، لأنّه معصية الخالق، و لا ربط لها بمعصية السيد

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1 موثقة- بابن بكير- بطريق الصدوق، و صحيحة بسند الكليني لعدم وجود ابن بكير في طريق الكافي.

ص: 314

______________________________

حتى ترتفع بإجازته. فالعقد في نفسه لعدم جامعيته للحدود- التي حددها اللّه تعالى فيه كمجهولية العوضين أو ربوية المعاملة و نحو ذلك- غير نافذ.

و يستفاد من هذه الموثقة أنّ كل تصرف إنشائي فيه عصيان السيد و تفويت حق سيادته غير نافذ. فالخارج عن العمومات و إطلاقات العقود و الإيقاعات هو الإنشاء غير المقرون برضا السيد. و لو شكّ في خروج الإنشاء المتعقب بالرضا، فمقتضى أصالة العموم عدم خروجه عن العمومات، و كون العقد المتعقب بالإجازة كالعقد المسبوق بالإذن نافذا. فالمتيقّن خروجه عن عمومات العقود و الإيقاعات هو عقد العبد الخارج عن حيطة رضا السيد و غير المقرون بطيب نفسه.

هذا مضافا إلى دلالة موثقة زرارة المتقدمة التي فيها «ذاك الى السيد إن شاء أجاز و إن شاء فرّق بينهما» على كون الإجازة كالإذن سببا لنفوذ العقد.

ثمّ إنّ الحق كون المستفاد من الآية و الروايتين المذكورتين- بعد ملاحظة إرادة القدرة الشرعيّة من قوله تعالى «لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» لوضوح قدرة المملوك تكوينا على الأفعال الخارجية التي منها الإنشاءات العقدية و الإيقاعية- هو نفي القدرة المستقلة الثابتة للأحرار على النتائج المترتبة عليها كالملكية و الزوجية و غيرهما، فترتبها على تلك الإنشاءات منوط بإذن السيد أو إجازته.

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص التوقف على الإذن أو الإجازة بما يتعلّق بنفس العبد كالنكاح و الطلاق، و لو بني على التعدي عن مورد الروايتين يتعدّى إلى كل ما يتعلق بنفسه كبيعه و صلحه و جعالته، إذ المراد بالشي ء في الآية المباركة ليس كل شي ء بالضرورة، لقدرته على كل ما يقدر عليه الحر من الأكل و الشرب و سائر الأمور، بل المراد بقرينة الروايات هو الإنشاء الصادر من العبد لنفسه من نكاح و طلاق. و بإلغاء خصوصية المورد يتعدى إلى غيرهما من الإنشائيات.

ص: 315

إلّا (1) أنّ الأقوى هو لحوق إجازة المولى [1]،

______________________________

(1) غرضه أنّ الإجازة اللاحقة كالإذن السّابق توجب نفوذ إنشائه، و هذا عدول عما أفاده قبل أسطر بقوله: «فيحتمل عدم الوقوع، لأنّ المنع فيه ليس من جهة العوضين .. إلخ».

______________________________

فإذا باع لنفسه توقف نفوذه على إذن السيد أو إجازته، فتوكله عن الغير- فضلا عن إجراء عقد الوكالة للغير- لا مانع منه إلا إذا كان منافيا لحقّ سيّده، فحينئذ يتوقف على إذنه. و كذا إنشاءاته لغيره، فإنّها نافذة. و اعتبار عدم المنافاة لحق السيد إنما هو لأجل قوله عليه السّلام في الموثقة: «إنّما عصى سيده» فإن لم يكن تصرفه منافيا لحق المولى و معصية له جاز ذلك مع إذن ذلك الغير له في الإنشاء العقدي أو الإيقاعي. و أما بدون إذن و ذلك الغير فلا يجوز أي لا ينفذ تصرفه الإنشائي في مال السيد و غيره، لا لأجل المملوكية، بل لكونه تصرفا في مال الغير بدون إذنه، فيندرج في الفضولي.

فالفرق بين هذا الاستظهار و بين قول الشيخ- و هو منع العبد عن كل تصرف يعدّ شيئا معتدا به عرفا كالإنشاءات، سواء تعلّق بنفسه أم بغيره سيّدا كان أم غيره حتى إجراء صيغة الوكالة لغيره، فإنّ نفوذ جميعها منوط بإذن سيده- هو أنّ إنشاءات نفس العبد لا تنفذ إلا بإذن السيد أو إجازته، و أمّا الإنشاءات المتعلقة بغيره فتنفذ بدون إذن السيد إلّا مع المنافاة لحقه.

[1] قد يورد عليه بأنّ الإثبات متفرع على الثبوت، فإن كان مقام الثبوت ممتنعا فلا يبقى مجال الإمكان لمقام الإثبات. بيانه: أن قول المصنف قدّس سرّه: «و ما صدر على وجه لا يتغير منه بعده» ظاهر في الامتناع، و مع امتناع مقام الثبوت و عدم إمكان تغيره عمّا وقع عليه كيف يمكن التمسك بالوجوه المذكورة في المتن

ص: 316

لعموم (1) أدلة الوفاء بالعقود [1]

______________________________

(1) هذا وجه لحوق الإجازة بالإذن، و محصّله: أنّ عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ عموم أفرادي و أزماني، و مقتضاه لزوم الوفاء بكل فرد من أفراد العقود في كل زمان من الأزمنة، على كل شخص من الأشخاص الذين أنشأوا العقود سواء أ كان حرّا أم عبدا، و سواء صدر منه بالاستقلال أم برضا المالك.

______________________________

لإثبات لحوق الإجازة بالإذن في التأثير؟ مع وضوح تبعية الإثبات إمكانا و امتناعا لمقام الثبوت.

لكن يندفع هذا الإشكال بأنّ اتصاف العقد بالاستقلال مع تعلّق حقّ الغير به منوط بعدم رضا صاحب الحقّ به، فإذا لم يرض ذو الحق به اتّصف بالاستقلال، و إذا رضي به كشف رضاه عن عدم استقلاله، فالعقد يكون مراعى، لا أنّه يقع بالاستقلال و متّصفا به بمجرد صدوره حتى يستشكل عليه باستحالة تغيّره عمّا وقع عليه.

هذا كله مضافا إلى: لغوية الاستقلال و عدم موضوعيته لحكم شرعي، و المدار على نفس الإنشاء و هو مورد الإجازة، لا الإنشاء المتصف بالاستقلال حتى يقال بالاستحالة و امتناع انقلابه عمّا وقع عليه. نظير إجازة المالك لبيع الفضولي إذا باع الفضولي لنفسه، فإنّ المجاز هو نفس العقد، و قصد كون البيع لنفس الفضولي لغو ليس ملحوظا في الإجازة.

و إلى: أنّ المجاز حقيقة هي نتيجة العقد أعني بها معنى اسم المصدر كالملكية لا الألفاظ الصادرة من العبد الملحوظ فيها استقلال المتكلم بإيجادها.

[1] هذا مبني على كون الزمان مفرّدا، بأن يكون كل قطعة من قطعات الأزمنة فردا للعام، إذ بناء على كونه ظرفا لاستمرار الحكم يكون المرجع استصحاب عدم وجوب الوفاء.

ص: 317

و المخصّص (1) إنّما دلّ على عدم ترتب الأثر على عقد العبد، من دون مدخلية

______________________________

(1) غرضه دفع إشكال، و هو: أنّ العام بعد تخصيصه- بما دلّ على عدم نفوذ العقد الصادر من العبد على وجه الاستقلال- يعنون بنقيض الخاص، فكأنّه قيل:

«أوفوا بكل عقد إلّا الصادر من العبد بدون إذن مولاه».

و دفعه بأنّ المخصص لا يدلّ على بطلان عقده الصادر على وجه الاستقلال، و من المعلوم أنّه كما يرفع الإذن استقلال العبد، كذلك يرفعه الإجازة التي هي رضا بما أنشأه، و لا يدلّ على مدخلية خصوص الإذن السابق حتى لا يجدي الإجازة اللاحقة، فإنّ لحوق الرضا بالعقد بعد وقوعه كاف في رفع استقلال العبد، فيعمه دليل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و بعبارة أخرى: الخارج عن عموم «أَوْفُوا» هو العقد الصادر من العبد كالصادر من الحرّ من حيث الاستقلال، و يكفي في رفع الاستقلال رضا السيد و إجازته، و لا خصوصية للإذن.

______________________________

إلّا أن يقال: بالفرق بين التخصيص من الأوّل و بينه في الأثناء بالرجوع إلى العام في الأوّل، لأنه مبدء تشريعه و إلى استصحاب حكم الخاص في الثاني كما قرر في الأصول، و قد ذكرنا شطرا من الكلام في شرحنا على الكفاية، فراجع «1».

ثم إنّه يستفاد من التمسك بمثل «أَوْفُوا» منع انحصار المقتضي لتصحيح عقد العبد في خصوص الإذن، كما أنّ الروايات التي استدلّ بها المصنف قدّس سرّه لتصحيح عقد العبد بإجازة السيد كإذنه دليل على مصحّحيّة الإجازة كمصحّحية الإذن.

______________________________

(1) منتهى الدراية، ج 7، ص 706- 711.

ص: 318

المولى أصلا سابقا و لا حقا، لا مدخلية (1) إذنه السابق (2). و لو شكّ أيضا وجب (3) الأخذ بالعموم في مورد الشك.

و تؤيّد إرادة الأعم من الإجازة الصحيحة (4) السابقة

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «عدم» أي: و لا يدلّ المخصّص على مدخلية إذنه السابق.

(2) حتى يقال: إنّ الإجازة لا تجدي و لا تدرجه في عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

(3) لأنّ المرجع في المخصّص المنفصل المجمل المردّد بين الأقل و الأكثر هو المتيقن منه أعني الأقل، و هو في المقام عقد العبد الصادر منه بدون إذن سابق، و لا إجازة لاحقة من السيد. فالخارج من عموم «أَوْفُوا» هو العقد المجرّد عن الإذن و الإجازة، و في غيره يتمسك بالعموم [1].

(4) بالرّفع فاعل «و تؤيّد» و هي صحيحة زرارة المروية عن الإمامين أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلّا بإذن سيده» بتقريب: أنّ الإذن أعم من السابق و الإجازة اللاحقة.

و لم يظهر تقريب أعميّته، لأنّ الإذن هو الترخيص في إيقاع شي ء، و الإجازة هي الرّضا بما وقع، و لا جامع بينهما، إذ الإجازة في دليل لا يوجب إرادة الأعم منها و من الإذن الوارد في دليل آخر بعد كونهما مثبتين. و لعلّ هذا وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة.

______________________________

[1] و أورد عليه المحقق النائيني قدّس سرّه بعدم إجمال المخصص، لأنّ الإذن ظاهر في الترخيص في إيجاد شي ء، و الرّضا هي الرضا بوقوع شي ء، و كلّ منهما مغاير للآخر.

و مع عدم إجمال المخصّص لا وجه للأخذ بالقدر المتيقن حتى يتمسك بالعموم و يحكم بصحة تصرف العبد مع الإجازة اللّاحقة، بل يحكم بالبطلان، إذ المصحّح لعقد العبد هو الإذن، و ذلك مفقود في العقد المتعقب بالإجازة «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 208.

ص: 319

فإنّ (1) جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة [1]، فالمراد بالإذن (2) هو الأعم، إلّا (3)

______________________________

(1) هذا تقريب تأييد الصحيحة لإرادة الأعم من السابق و اللّاحق. و محصل وجه التأييد: أنّه ثبت بأخبار خاصة تصحيح الإجازة نكاح العبد الواقع بدون إذن السيد، فهذا يكشف عن كون المراد بالإذن في الصحيحة أعمّ من السابق و اللّاحق.

و من جملة تلك النصوص موثقة زرارة المتقدمة، قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه، و إن شاء فرّق بينهما» الحديث، فإنّه صريح في أنّ الإجازة تجدي في صحة العقد كالإذن. و عليه فيكفي في صحة إنشاء العبد رضا السيد المبرز، سواء أ كان سابقا على إنشاء العبد أم لا حقا له.

(2) أي: الإذن الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة.

(3) استثناء من كون المراد بالإذن في الصحيحة المذكورة هو الأعم من السابق و اللّاحق، و محصّله: أنّ الطلاق ليس كالنكاح في صحته بالإجازة إذا وقع بدون إذن السيد، إذ الطلاق خرج بدليل خاص، و لو لا التخصيص لحكمنا بكفاية رضا السيد بعد طلاق العبد.

______________________________

و الإشكال عليه بما في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه «من توقف عدم إجمال المخصص على ظهور الإذن في الإذن السابق، و هو أول الكلام» «1» غير ظاهر، إذ لا ينبغي الارتياب في ظهوره في الترخيص في إيقاع شي ء، في قبال ظهور الإجازة في الرضا ببقاء ما وقع. و لا فرق في هذا الظهور بين موارد استعمال كلمة الإذن، فمقتضى القاعدة بطلان عقد العبد بدون الإذن و لو مع الإجازة اللّاحقة، لأنّ المصحح لعقده خصوص الاذن.

[1] جواز النكاح بالإجازة لنصوص خاصة لا يوجب إرادة الأعم من الإذن في الصحيحة، بل تكون الإجازة بتلك النصوص كالإذن في صحة النكاح.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 346.

ص: 320

أنّه خرج الطلاق بالدليل. و لا يلزم (1) تأخير البيان، لأنّ (2) الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق، بحيث (3) لا يحتاج إلى رضا المولى أصلا، بل و مع كراهة المولى كما يرشد إليه (4) التعبير عن السؤال بقوله: «بيد من الطلاق؟».

______________________________

(1) هذا جواب عن إشكال، و هو: أنّه إذا كان الإذن في الصحيحة المتقدمة «المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلّا بإذن سيده» أعمّ من الإذن السابق و الإجازة اللّاحقة، و المفروض أنّ الإجازة لا تفيد في الطلاق كما اعترف به و صرّح بخروجه عن هذا الإطلاق بالدليل، فيلزم حينئذ تأخير البيان عن وقت الحاجة، حيث إنّ الإمام عليه السّلام لم يذكر في الصحيحة خروج الطلاق عن الإذن اللاحق عند قوله عليه السّلام:

«المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه» و من المعلوم امتناع تأخير البيان لا لمصلحة.

فلا وجه لإرادة الأعم من الإذن السابق.

و محصل الجواب عن الاشكال هو: أنّ الإذن و إن كان أعم من الإجازة اللاحقة بقرينة عقد النكاح، إلّا أنّ الكلام مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق، و أنّه باطل بدون إذن سيده، و ليس مسوقا لبيان جميع الخصوصيات المعتبرة في طلاق العبد حتى يلزم- من عدم بيان عدم تأثير الإجازة اللّاحقة فيه- تأخير البيان عن وقت الحاجة بترك عدم تأثير الإجازة في الطلاق الواقع عن العبد استقلالا.

(2) هذا جواب عن الاشكال المذكور، و قد مرّ آنفا توضيحه بقولنا: «و محصل الجواب عن الإشكال .. إلخ».

(3) قيد للمنفي يعني: استقلال العبد و استبداده، بحيث لا يحتاج نفوذ طلاقه إلى رضا المولى، بل كان مستقلّا حتى مع كراهة المولى للطلاق.

(4) أي: يرشد إلى كون الكلام مسوقا لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق قول الإمام عليه السّلام في مقام السؤال عمّن بيده الطلاق: «بيد من الطلاق؟» فإنّ ظاهر هذا التعبير هو السؤال عمّن يكون مسلّطا على الطلاق بالاستقلال.

ص: 321

و يؤيّد المختار (1)- بل يدلّ عليه- ما ورد (2) في صحة نكاح العبد الواقع

______________________________

(1) و هو ما قوّاه من كون الإجازة اللاحقة كالإذن السابق مؤثرة في صحة عقد العبد.

(2) هذا وجه آخر يدلّ على كون إجازة السيد موجبة لصحة نكاح العبد الواقع بدون إذنه، و هذا يدل عليه بنحوين:

أحدهما: أنّ عقد العبد لنفسه تصحّحه الإجازة اللاحقة، فإنّ مقتضى العموم المستفاد من ترك الاستفصال هو عقده لنفسه. لا عقد الغير له، حتى يخرج بذلك عن عنوان عقد المملوك، و يندرج في عقد الفضولي الذي لا ربط لصحته بالإجازة اللّاحقة بصحة عقد العبد بإجازة المولى، و صحة عقد نكاح المملوك بالإجازة تستلزم صحة جميع العقود الصادرة منه الملحوقة بالإجازة بالأولوية.

ثانيهما: أنّ تعليل الحكم بصحة العقد بالإجازة ب «عدم عصيان اللّه تعالى» يدلّ على أنّ المعيار في بطلان العقد هو مخالفته تعالى شأنه، كالمعاملة على الخمر و الميتة و غيرهما مما حرّمه اللّه تعالى، دون مخالفة المولى، فإنّها ترتفع بالإجازة الكاشفة عن العفو عمّا تجاوز به العبد على مولاه.

و بالجملة: إذا لم يكن العقد خارجا عن موازين الشرع و حدوده- كنكاح المحارم و بيع الخمر و نظائرهما- كان مقتضي الصحة فيه موجودا، و المانع هو مخالفة السيد و عصيانه، و ذلك يرتفع بالإجازة اللاحقة، هذا.

و أمّا النصوص التي يستفاد منها هذا الوجهان. فمنها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: سألته عن رجل تزوّج عبده [امرأة] بغير إذنه، فدخل بها، ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ فقال: ذلك إلى مولاه إن شاء فرّق بينهما، و إن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها، إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا، فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل. فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإنّه في أصل النكاح كان عاصيا؟ فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّما أتى شيئا حلالا و ليس بعاص للّه،

ص: 322

بغير إذن المولى إذا أجازه معلّلا (1) «بأنّه لم يعص اللّه تعالى، و إنّما عصى سيّده،

______________________________

و إنّما عصى سيّده و لم يعص اللّه، إنّ ذلك ليس كإتيانه [كإتيان] ما حرّم اللّه تعالى عليه من نكاح في عدّة و أشباهه» «1».

و منها: غير ذلك من الروايات «2» التي يستفاد منها صحة عقد العبد بإجازة السيد.

و الحاصل: أنّ الوجوه الدالة على لحوق الإجازة بالإذن في تصحيح عقد العبد بين ما يرجع إلى منع المقتضي، لاعتبار خصوص الإذن في صحة عقد العبد، و هو كون الخارج عن عمومات وجوب الوفاء بالعقود خصوص العقد الصادر من العبد بدون مراجعة مولاه بالإذن أو الإجازة، لأنّه المتيقن من المخصص المجمل المنفصل، فلا مقتضي لاعتبار خصوص الاذن السابق في صحة العبد. و بين ما يرجع إلى قيام الدليل على كفاية الإجازة المتأخرة، و هو النصوص الدالة على جواز عقد العبد بإجازة السيد، فإنّها تدلّ على كون الإجازة كالإذن مصحّحة لعقده، لعدم كون نفوذ عقد العبد عصيانا له سبحانه و تعالى حتى لا يصحّحه إجازة المولى، بل لكونه عصيانا للسيد و تضييعا لحقّه، و ذلك يجبر بإجازته التي هي عفو عن ذنبه و تجاوزه.

لكن طائفة من العامة زعموا أنّ معصية السيد معصية الرب جلّ و علا، فلا تجبر بإجازة السيد.

(1) باسم المفعول حال منصوب من فاعل «ورد» بأن يكون المعنى: أنّ ما ورد من النصوص قد علّل «بأنّ العبد لم يعص اللّه تعالى».

و يجوز أن يكون باسم الفاعل، بأن يقال: علّل الامام عليه السّلام الحكم بأنّ العبد لم يعص اللّه. لكنّ الأوّل أقرب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 2، باب: أن العبد إذا تزوج بغير اذن سيده كان العقد موقوفا على الإجازة منه، و الرواية ضعيفة بموسى بن بكر.

(2) المصدر، ح 1، و ص 522، الباب 23، ح 1.

ص: 323

فإذا أجاز جاز» (1) بتقريب (2): أنّ الرواية تشمل ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه.

و حمله (3) على ما إذا عقد الغير له

______________________________

أو يقال: النّص علّل الحكم، بأن يكون النص معلّلا.

(1) يعني: فإذا أجاز السيّد عقد العبد جاز أي: نفذ و رتّب عليه الأثر. و ما في المتن نقل بالمعنى، و إلّا فمتن الرواية المتقدمة في (ص 314) هكذا: «فإذا أجاز فهو له جائز».

(2) يعني: تقريب دلالة ما ورد من النصوص على مختاره من لحوق الإجازة بالإذن في تصحيح عقد العبد من حيث المملوكية. و محصّل التقريب: أنّ الرواية بلحاظ ترك الاستفصال تشمل ما إذا كان العبد نفسه عاقدا لنفسه، إذ حمل الحديث على عقد الغير للعبد- حتى يخرج عن عقد المملوك و يندرج في عقد الفضولي الذي لا ارتباط لصحته بالإجازة بصحة عقد العبد بالإجازة- غير سديد، لوجهين:

أحدهما: ترك الاستفصال مع كون المتكلم في مقام البيان، كما مرّت الإشارة إليه آنفا.

و التعبير بالتأييد أوّلا ثمّ بالدلالة ثانيا لعلّه لأجل كون الفحوى ظنية لا تصلح للاستدلال بها، أي إلحاق البيع بالنكاح. و أمّا الدلالة فلأنّ عموم العلة- و هو عصيان السيد لا الرّبّ- كاف في المقامين، هذا ما أفاده السيد قدّس سرّه «1».

ثانيهما: ما سيأتي عند شرح كلام المصنف قدّس سرّه إن شاء اللّه تعالى.

(3) مبتدء، و خبره «مناف» أي: و حمل الحديث الوارد في صحة عقد نكاح العبد بدون إذن مولاه- على عقد الغير للعبد- مناف لترك الاستفصال.

لكن قد عرفت أن هذا الحمل يدرج المقام في عقد الفضولي، و هو أجنبي عن عقد العبد الذي يكون البحث فيه من حيث المملوكية.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 130.

ص: 324

مناف لترك الاستفصال (1).

مع (2) أنّ تعليل الصحة [1] «بأنّه لم يعص اللّه تعالى» إلى آخره في قوة (3) أن يقال: إنّه إذا عصى اللّه بعقد (4) كعقد على ما حرّم اللّه تعالى- على ما مثّل به

______________________________

(1) إشارة إلى الجواب الأوّل عن حمل الحديث على عقد الغير للعبد، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «أحدهما ترك الاستفصال مع كون المتكلم .. إلخ».

(2) هذا ثاني الجوابين عن الحمل المزبور، و محصله: أنّ هذا التعليل يدلّ على أمرين:

أحدهما: أنّ مورد الحديث هو كون العاقد نفس العبد لا غيره له، ضرورة أنّه على هذا التقدير لم يصدر منه عقد حتى يكون معصية للّه تعالى أو للسيّد. فترك الاستفصال و هذا الحديث يدلّان على كون العاقد هو العبد لنفسه.

ثانيهما: أنّ تعليل الصحة بعدم عصيان اللّه تعالى يدلّ على أنّ موجب البطلان هو معصية اللّه تعالى بمخالفة قوانينه و حدوده، بحيث لا يمكن التصحيح بوجه كالعقد على المحرّمات، كذاتي البعل و العدة، و المطلقة تسعا. دون معصية السيد، فإنّها ترتفع برضاه عن عبده و إجازة ما أوقعه بدون الاستيذان منه، لأنّ حقّ السيد على العبد أن تكون أعماله بإذن سيّده، و لا يتجاوز عن رسوم العبودية، و إذا عفى السيد عن مخالفة عبده و أجاز العقد صحّ و نفذ.

(3) خبر قوله: «أنّ تعليل».

(4) يتصدّاه بنفسه، و هذا المعنى يستفاد من إضافة «معصيته» إلى السيد، إذ بدون تصدّيه للعقد و فرض تصدّي الغير له لا يكون العبد عاصيا للسيد.

______________________________

[1] يمكن تقريب هذا التعليل بوجوه ثلاثة:

الأوّل: ما في المتن من أنّ العامة كانوا يتوهّمون مساواة معصية السيد لمعصية اللّه عزّ و جلّ في عدم زوال حكمها بالإجازة. و الإمام عليه السّلام أبطل هذا القياس بالفرق بين

ص: 325

الامام عليه السّلام في روايات أخرى (1) واردة في هذه المسألة- كان (2) العقد باطلا، لعدم (3) تصوّر رضا اللّه تعالى بما سبق من معصيته (4). أمّا إذا لم يعص اللّه و عصى سيّده أمكن رضا سيده فيما بعد (5) بما لم يرض به سابقا، فإذا رضي به و أجاز صحّ.

______________________________

(1) جمعها صاحب الوسائل في باب «أنّ العبد إذا تزوّج بغير إذن سيده كان العقد موقوفا» «1».

(2) جواب «إذا» في قوله: «إذا عصى اللّه».

(3) تعليل لعدم الصحة، و حاصله: عدم تصوّر رضا اللّه عز و جل بما وقع من معصيته.

(4) حتى يعقل إجازته.

(5) يعني: بعد وقوع العقد، و قوله: «بما» متعلق ب «رضا».

______________________________

المعصيتين، حيث إنّ معصية اللّه لا تزول، لاستحالة تبدّل كراهته بالرضا، ضرورة أنّ الشي ء الواقع مكروها له عزّ و جلّ واقع على ما هو عليه، فلا ينقلب مرضيّا به. و هذا بخلاف كراهة السيد، فإنّها قابلة للتبدل بالرضا بسبب الإجازة.

و عليه فلا يعقل تحقق الإجازة منه تعالى، لا أنّها لا تؤثّر و إجازة السيد تؤثّر حتى يقال بعدم الفرق بين المعصيتين و بين الإجازتين.

و نتيجة هذا التقريب نفوذ كل عقد صدر من العبد و أجاز له المولى، و لم يكن معصية له تعالى شأنه، و إن كان معصية للسيد.

و بالجملة: فمناط هذا التقريب قياس معصية السيد بمعصية اللّه عز و جل من دون لزوم معصيته جلّ و علا هنا، و أبطل القياس ببيان الفارق بين المعصيتين بأنّ معصية اللّه لا تزول بالإجازة، بخلاف معصية السيّد فإنّها تزول بالإجازة.

الثاني: ما في حاشية السيد قدّس سرّه من: أنّ معصية السيد كمعصية اللّه تعالى لا تزول

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 524، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ص: 326

فيكون الحاصل (1) أنّ معيار الصحة في معاملة العبد- بعد كون المعاملة في نفسها ممّا لم ينه عنه الشارع- هو (2) رضا سيّده بوقوعه سابقا أو لاحقا

______________________________

(1) أي: حاصل الكلام في عقد العبد الواقع بدون إذن سيده: أنّ معيار الصحة في معاملات العبد هو كونها مع رضا السيد بوقوعها، سواء أ كان هذا الرضا سابقا أم لا حقا.

(2) خبر قوله: «أنّ معيار».

______________________________

بنفسها، لأنّه انقلاب، بل مرجع الإجازة إلى العفو عن المعصية. و غرض الإمام عليه السّلام من التعليل أنّ الإجازة منه تعالى شأنه مفروض العدم، لانتفاء موضوعها و هي معصية اللّه تعالى، و من السيد مفروض الثبوت، لوجود موضوعها و هو عصيان السيد «1».

فحاصل هذا الوجه: أنّ الإجازة منوطة بالمعصية التي هي مفقودة بالنسبة إليه تعالى، لانتفاء موضوعها. و موجودة بالنسبة إلى السيد، فيحتاج إلى الإجازة. و عليه يكون توهم العامة من حيث عدم الفرق بين الإجازتين لرفع أثر المعصيتين.

فمناط هذا التقريب توهم العامة عدم الفرق بين الإجازتين في عدم إجداء الإجازة لرفع المعصية مطلقا سواء أ كانت معصية السيد أم العبد. و جوابه بالفرق بينهما من حيث الوجود و العدم، للفرق بين موضوعيهما بالعدم بالنسبة إليه سبحانه و تعالى، و بالوجود بالنسبة إلى السيد.

الثالث: أنّ العامّة لمّا توهموا «أنّ إجازة السيد لا تحلّل ما وقع حراما- فإنّ الحرمة المتوهمة للعامة هي حرمة مخالفة السيد الموجبة لحرمة ما وقع من العبد من النكاح- و لا تنفّذ ما وقع فاسدا، و ذلك لأنّه عصى اللّه تعالى، فإجازة السيد لا ترفع عصيان العبد له تعالى» فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه لم يعص اللّه تعالى، حتى لا يكون معنى لإجازة السيد، بل عصى سيده، فإذا أجاز جاز. و هذا الوجه الثالث هو أقرب الوجوه الثلاثة، لقرائن:

إحداها: قول السائل: «بأنّ أصل النكاح فاسد و لا تحل إجازة السيد له» كما في

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 130.

ص: 327

و أنّه (1) إذا عصى سيّده بمعاملة ثم رضي السيد بها صحّ، و أنّ (2) ما قاله المخالف من (3) «أنّ معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده، و أنه (4) لا ينفع الرضا اللّاحق» كما نقله السائل (5) عن طائفة من العامة

______________________________

(1) معطوف على «أنّ معيار» و ضميره راجع إلى «العبد» يعني: فيكون الحاصل أنّ العبد إذا عصى سيده بمعاملة ثم رضي السيد بتلك المعاملة صحّ.

(2) معطوف على «و أنه» و المراد بالمخالف هو الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما المشار إليهم في موثقة زرارة المتقدمة.

(3) بيان ل «ما» الموصول، و ضمير «حكمها» راجع إلى «معصية» و ضمير «برضاه» إلى السيد، و ضمير «بعده» الى «العقد» و المراد بحكم المعصية بطلان المعاملة.

(4) معطوف على «انّ» و ضميره للشأن.

(5) و هو زرارة رضوان اللّه عليه الناقل عن طائفة من العامة، و هم الحكم بن عيينة و النخعي و أصحابهما.

______________________________

موثقة زرارة.

ثانيتها: قوله أيضا في خبر زرارة: «فإنه في أصل النكاح كان عاصيا».

ثالثتها: قوله أيضا في قوىّ منصور بن حازم: «أ عاص للّه تعالى» «1» رابعتها: قوله أيضا فيه: «قلت حرام هو؟» فإنّ هذه القرائن كلّها تشهد بأنّ مورد الكلام تأثير إجازة السيد في رفع الحرمة، و معصيته تبارك و تعالى. فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه لم يعص اللّه تعالى حتى لا تؤثّر إجازة السيد في صحة العقد و رفع العصيان، بل أتى شيئا حلالا، و ليس ذلك كإتيان ما حرّم اللّه تعالى من نكاح في عدة و أشباهه، و أنّه «لا أزعم أنّه حرام» و نحو ذلك من التعبيرات.

فالتعليل يدلّ على قابلية كل عقد يصدر من العبد للإجازة إن لم يكن حراما بذاته و فاسدا من أصله، و لم يكن مسبوقا بإذن السيد، فإنّ إجازته حينئذ مصحّحة لعقد عبده.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 522، الباب 23 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 2.

ص: 328

غير (1) صحيح، فافهم (2) و اغتنم.

و من ذلك (3) يعرف أن استشهاد بعض (4) بهذه الروايات (5) على صحة عقد العبد و إن لم يسبقه إذن و لم يلحقه إجازة، بل و مع سبق النهي أيضا، «لأنّ (6) غاية الأمر هو عصيان العبد و إثمه في إيقاع العقد و التصرف في لسانه

______________________________

(1) خبر «و أنّ ما قاله المخالف» و قد تقدم وجه عدم صحة ما قاله المخالف من تقريب التعليلات التي اشتملت عليه صحيحة زرارة و غيرها من الروايات المشار إليها.

(2) و تأمّل في الفرق بين معصية اللّه تعالى و معصية الخلق، فإنّ الاولى لا تقبل الإجازة، فإن نكاح المحارم معصية له تعالى، لخروجه عن الموازين و الحدود الشرعية، و لا يمكن تصحيحه بالإجازة. بخلاف الثانية، فإن انقلاب مكروه الخلق إلى المرضيّ به ممكن.

(3) أي: و من كون ملاك صحة عقد العبد إذا وقع بدون إذن مولاه هو رضا السيد و إجازته، و إلّا بطل العقد.

(4) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، و محلّ استشهاده قوله عليه السّلام: «لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده» و تقريب الاستشهاد ما ذكره المصنف قدّس سرّه بقوله: «و دعوى».

(5) و هي روايات زرارة و غيرها، و لكنّ المصنف لم يذكر إلّا روايتي زرارة.

قال في الجواهر: «إنّ القول بالصحة و إن لم يأذن المولى- بل مع نهيه- لا يخلو عن قوة و إن أثم العبد بإيقاعها، لأنّها من المنافع المملوكة للسيد. إلّا أنّ الحرمة لا تنافي الصحة هنا، إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد بالنسبة إلى ذلك» «1».

(6) هذا تعليل صاحب الجواهر لصحة عقد العبد و لو مع منع المولى عن ذلك.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 271، و أفاد نحوه في ج 25، ص 70، إلّا أنه تأمّل فيه، فراجع.

ص: 329

الذي هو ملك للمولى، لكن النهي مطلقا لا يوجب الفساد، خصوصا (1) النهي الناشئ عن معصية السيد كما يومي إليه (2) هذه الأخبار الدالة على أنّ معصية السيد لا تقدح بصحة العقد» في غير (3) محله، بل [1] الروايات (4) ناطقة

______________________________

(1) لأنّ النهي في المقام لم يتعلّق بالمعاملة من حيث هي حتى يدلّ على الفساد، بل تعلّق بعنوان مخالفة السيد، فالنهي عن المعاملة تبعيّ و لا يوجب فسادها، نظير النهي عن البيع وقت النداء.

(2) يعني: يومي إلى عدم كون النهي الناشئ عن معصية السيد موجبا للفساد، و ذلك لأنّ صحة العقد بإجازة السيد تشير إلى أنّ مخالفة السيد توجب الإثم، و لا تمنع عن الحكم الوضعي أعني به صحة المعاملة بالإجازة.

(3) خبر «أنّ» في قوله: «يعرف أنّ استشهاد» و محصّل الجواب عن استشهاد صاحب الجواهر قدّس سرّه بالروايات المشار إليها هو: أنّ صحة عقد العبد منوطة برضا المولى، و بعدمه يبطل، فبطلانه حينئذ يستند إلى عدم رضاه، لا إلى النهي حتى يقال:

إنّ البطلان لا يستند إلى هذا النهي الناشئ عن عصيان السيد.

(4) يعني: بل الروايات تدلّ على خلاف ما أفاده، لدلالتها على أنّ الصحة من جهة تبدل الكراهة بالرضا، و كون المدار في الصحة على الرضا، فبدونه يبطل. فوجه البطلان هو عدم وجود الرضا، لا النهي المسبب عن عصيان السيد حتى يناقش في دلالته على الفساد.

______________________________

[1] لعل الأولى تبديل «بل» ب «إذ» لأنّ ما بعد «بل» تقريب لعدم صحة استشهاد بعض بهذه الروايات و توضيح له، لا إضراب عنه، و إن أمكن توجيه الإضراب أيضا، فتأمّل في أنّ أيّهما أنسب بالمقام.

ص: 330

كما عرفت (1) بأنّ الصحة من جهة ارتفاع كراهة المولى و تبدّله بالرضا بما فعله العبد. و ليست (2) كراهة اللّه عزّ و جلّ بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه (3) السابق. فكأنّه قال (4): «لم يعص اللّه حتى يستحيل تعقبه للإجازة و الرضا، و إنّما عصى سيّده، فإذا أجاز (5) جاز» فقد علّق (6) الجواز صريحا على الإجازة.

و دعوى (7) «أنّ تعليق الصحة على الإجازة من جهة مضمون العقد، و هو

______________________________

(1) في تقريب دلالة تلك الأخبار على كون إجازة السيد لعقد العبد غير المسبوق بالإذن مصححة له، حيث إنّ الإجازة تدل على الرضا المعتبر في صحة عقد العبد، فلاحظ قوله (في ص 327): «فيكون الحاصل أن معيار الصحة في معاملة العبد .. هو رضا السيّد بوقوعه .. إلخ».

(2) يعني: و ليست كراهة المولى كراهة اللّه عزّ و جل- كما ربّما يتوهمها العامة- حتى يستحيل رضاه تعالى بعد وقوع العقد.

(3) متعلق ب «رضاه» و المشار إليه ب «ذلك» هو العقد.

(4) أي: قال الامام عليه السّلام في تلك الأخبار: لم يعص اللّه حتى يستحيل تعقبه للإجازة و الرضا، و إنّما عصى سيّده. و معصية السيد قابلة للتبدل بالرضا و الإجازة.

(5) أي: فإذا أجاز السيد العقد- الصادر من عبده بدون إذنه- جاز أي نفذ و صح.

(6) أي: علّق الامام عليه السّلام جواز العقد- أي صحته صريحا- على الإجازة كما في روايات زرارة و غيرها.

(7) محصل هذه الدعوى: أنّ قوله عليه السّلام: «فإذا أجاز جاز» الدال على تعليق صحة عقد العبد الواقع بدون إذن سيده على إجازة السيد ناظر إلى تعليق مضمون العقد المسمّى بمعنى اسم المصدر، كالزوجية التي هي نتيجة عقد النكاح، و ليس ناظرا إلى تعليق إنشاء كلّ عقد و إن لم يرتبط مضمونه بالسيد- كإنشاء العقد للغير من بيع

ص: 331

التزويج المحتاج إلى إجازة السيد إجماعا، لا نفس (1) إنشاء العقد حتى لو فرضناه (2) للغير يكون محتاجا إلى إجازة مولى العاقد» مدفوعة (3) بأن المنساق من الرواية إعطاء قاعدة كلية بأنّ رضا المولى بفعل العبد بعد وقوعه يكفي (4) في كلّ ما يتوقف على مراجعة السيد، و كان (5) فعله من دون مراجعته أو مع النهي عنه معصية له، و المفروض أنّ نفس العقد من هذا القبيل (6).

________________________________________

أو غيره مما لا يرتبط مضمونه بالمولى- حتى يقال: بتوقف صحة كل عقد على إجازة المولى بحيث يكون نفس الإنشاء و التلفظ بألفاظ العقد معصية.

(1) معطوف على «مضمون» يعني: أنّ تعليق الصحة على الإجازة من جهة المضمون، لا من جهة نفس إنشاء العقد، فلا يحتاج الإنشاء إلى الإجازة.

(2) يعني: لو فرضنا إنشاء العبد عقدا لغيره، كإنشائه بيع مال الغير.

(3) خبر «و دعوى» و دفع لها، و محصّله: أنّ الرواية المتقدمة التي رواها زرارة عن الصادقين عليهما السّلام سيقت لبيان قاعدة كلية، و هي أنّ كلّ ما يكون وقوعه من العبد بدون الإذن معصية لسيده يتوقف على إجازة السيد، و من المعلوم أنّ إنشاء العقد للغير من هذا القبيل، فلا يتوقف خصوص الإنشاء- الذي يكون مضمونه مرتبطا بالسيد- على إجازة السيد، بل كلّ إنشاء يتوقف على إجازة المولى.

(4) خبر قوله: «بأنّ رضا» و غرضه كفاية الرضا المتأخر عن الفعل في ترتب الأثر عليه، و عدم توقفه على خصوص الإذن السابق على كل فعل يصدر من العبد و يكون معصية للسيد، و لو كان إنشاء للغير و أجنبيا مضمونه عن المولى.

(5) معطوف على «يتوقف» و الأولى إبداله بالمضارع.

(6) أي: كون نفس العقد الصادر من العبد بدون إذن السيد معصية، فلا بدّ من كون نفس الإنشاء أيضا- مع الغض عن ارتباط مضمونه بالمولى- مقرونا بإجازته.

ص: 332

ثم (1) إنّ ما ذكره «من عصيان العبد بتصرفه في لسانه، و أنّه (2) لا يقتضي الفساد» يشعر (3) بزعم أنّ المستند في بطلان عقد العبد لغيره هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد من دون رضا المولى.

و فيه أوّلا (4): منع حرمة هذه التصرفات الجزئية، للسيرة المستمرة [1]

______________________________

فالمحتاج إلى الإجازة كلّ من الإنشاء و مضمونه، فإنشاء العبد عقد البيع أو النكاح لغيره أيضا يحتاج إلى إجازة المولى، لكون نفس الإنشاء الذي هو تصرف في لسانه معصية للسيد و إن لم يكن مضمونه مرتبطا به.

(1) أراد الشيخ الأعظم أن يناقش صاحب الجواهر فيما أفاده من: أنّ العبد و إن أثم بإيقاع العقد، لكونه تصرفا في لسانه الذي هو ملك لسيده، لكن هذا التصرف لا يوجب الفساد، لعدم اقتضاء النهي للفساد.

(2) معطوف على «عصيان» و ضميره راجع إلى «عصيان العبد».

(3) خبر «أنّ ما ذكره» و هذا مورد مناقشة المصنف مع صاحب الجواهر قدّس سرّهما و محصله: أنّه زعم أنّ منشأ بطلان عقد العبد لغيره عند القائل به هو حرمة التلفظ بألفاظ العقد من دون رضا السيد، لكون نفس التلفظ تصرفا في ملك المولى بدون إذنه، فيكون حراما، و حرمته توجب بطلانه، فبطلان عقد العبد لغيره مستند إلى التصرف المنهي عنه.

(4) أي: و فيما زعمه صاحب الجواهر- من كون مستند بطلان إنشاء العبد للغير هو حرمة التلفظ بألفاظ العقد من دون رضا السيد- إشكال، لمنع حرمة هذه

______________________________

[1] و لو نوقش في السيرة كفت أصالة البراءة في جوازها، لأنّها من الشبهات الحكمية التحريمية.

ص: 333

على مكالمة العبيد، و نحو ذلك من المشاغل الجزئية.

و ثانيا: بداهة (1) أنّ الحرمة في مثل هذه (2) لا توجب الفساد. فلا يظنّ استناد العلماء في الفساد إلى الحرمة.

و ثالثا (3): أنّ الاستشهاد بالرواية- لعدم كون معصية السيد بالتكلم

______________________________

التصرفات الجزئية، للسيرة المستمرة عليها من دون ردع الشارع عنها، هذا أوّلا.

(1) بالرفع مبتدء ل «فيه» المقدّر، أي: و فيه ثانيا بداهة. و هذا هو الإشكال الثاني على صاحب الجواهر، و محصله: أنّ الحرمة مطلقا لا توجب الفساد، بل فيما إذا تعلّق بأحد ركني المعاملة كالنهي عن بيع الخمر و آلات القمار و نحو ذلك، دون ما إذا تعلّق بأمر خارج عن المعاملة كالنهي عن مخالفة السيد، و عمّا يوجب ترك صلاة الجمعة، فإنّ مثل هذا النهي لا يوجب الفساد، لعدم تعلقه بالمعاملة من حيث هي، فاستناد العلماء في فساد المعاملة إلى هذا النهي في غاية البعد.

(2) ممّا كان متعلّق النهي عنوانا مغايرا لعنوان المعاملة مقارنا له في الوجود كمخالفة السيد، فإنّ الحرمة التكليفية لا توجب الفساد الذي هو حكم وضعي.

(3) هذا هو الإشكال الثالث على صاحب الجواهر، و حاصله: أنّ الاستشهاد بالروايات المذكور بعضها كصحيحة زرارة- على عدم كون معصية السيد بالتكلم بألفاظ العقد و التصرف في لسانه قادحة في صحة العقد- غير صحيح، حيث إنّ مقتضى هذا الاستشهاد كون التكلم مفسدا للمعاملة إذا كان معصية للّه، مع أنّه لم يقل به أحد.

و محصل إشكال المصنف عليه هو: أنّ مجرد الحرمة التكليفية لا توجب الحرمة الوضعية كحرمة التلفظ بصيغة البيع وقت صلاة الجمعة، أو وقت صلاة الاستيجار، أو في ضيق وقت الفريضة، فإنّ حرمة التلفظ بألفاظ العقد في هذه الأوقات و إن كانت مسلّمة لكنّها لا توجب الفساد.

ص: 334

بألفاظ العقد و التصرف في لسانه قادحا في صحة العقد- غير صحيح، لأنّ مقتضاه (1) أنّ التكلم إن كان معصية للّه تعالى يكون مفسدا. مع أنّه لا يقول به (2) أحد، فإنّ حرمة العقد من حيث إنّه تحريك اللسان- كما في الصلاة و القراءة المضيّقة و نحوهما- لا يوجب (3) فساد العقد إجماعا.

فالتحقيق أنّ المستند في الفساد (4) هو الآية المتقدمة (5) و الروايات (6) الواردة في عدم جواز أمر العبد و مضيّه [1] مستقلّا،

______________________________

(1) أي: مقتضى الاستشهاد هو أنّ التكلم إن كان معصية له تعالى كان مفسدا للمعاملة، مع عدم قائل به، فإنّ ظاهر عدم قادحية عصيان السيد بصحة المعاملة هو قادحية عصيانه تعالى الحاصل بتحريك لسانه بصحة المعاملة، مع أنّه لم يقل أحد بفساد المعاملة بسبب حرمة التكلم.

(2) أي: بفساد المعاملة بسبب حرمة التكلم، فإنّ الحرمة التكليفية لا تستلزم الحرمة الوضعية.

(3) خبر قوله: «فإن حرمة».

(4) أي: فساد المعاملة الصادرة من المملوك من حيث كونه مملوكا.

(5) و هي قوله تعالى ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ، .. وَ هُوَ كَلٌّ عَلىٰ مَوْلٰاهُ «1».

(6) التي تقدم بعضها كصحيحة زرارة و موثقته «2».

______________________________

[1] لكن قد تقدم سابقا عدم دلالة الآية الشريفة مع الروايات المشار إليها إلّا على

______________________________

(1) سورة النمل، الآية 75.

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1، و يستفاد الحكم من روايات أخرى أوردها صاحب وسائل الشيعة في باب 64 و 66 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ص 574 و 576، فراجع.

ص: 335

و أنّه (1) ليس له من الأمر شي ء.

[فرع لو أمر العبد أن يشتري نفسه من مولاه، فباعه مولاه]

فرع [1] لو أمر العبد أن يشتري (2) نفسه من مولاه، فباعه مولاه، صحّ و لزم بناء

______________________________

(1) أي: و أنّ العبد ليس له استقلال في شي ء.

(2) يعني: أن يشتري العبد نفسه من مولاه الآمر، فالأولى إضافة كلمة «له» بعد «يشتري».

______________________________

توقف خصوص الإنشاءات الراجعة إلى نفس العبد كالنكاح و الطلاق على إذن السيد أو إجازته. و لو بنى على التعدي عنهما فيتعدى إلى ما يشابههما، و هي الإنشائيات الراجعة إلى شخص العبد كالبيع و الصلح و غيرهما. لا إلى كل فعل و لو كان ذلك إنشاء لغير العبد، كما إذا صار وكيلا عن شخص في إجراء صيغة بيع أو نكاح له، إذ لا دليل على حرمته التكليفية، لجريان السيرة أو جريان أصالة البراءة فيه.

و على تقدير تسليم الحرمة فلا دليل على الحرمة الوضعيّة، و هي عدم ترتب الأثر على إنشائه حتى يحتاج إلى إجازة السيد، لعدم تعلق الحرمة بأحد ركني العبد، و هما العوضان كالمثمن و الثمن، فمقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لزوم الوفاء به.

[1] قد تعرض لهذا الفرع المحقق و غيره، و الغرض من تعرضه له إمّا التنبيه على التوسعة في إذن المولى، لأنّه المناسب للمقام، و أنّ الإذن يشمل الضمني كالصريح.

و إمّا التنبيه على ثبوت شرط آخر للبيع، و هو مغايرة المشتري للمال الذي اشتراه، و ذكروا هذا الفرع لعدم اعتبار مغايرة المشتري للمشترى.

و إمّا التنبيه على عدم اعتبار وجود شرائط المتعاقدين من أوّل العقد إلى آخره.

و إمّا التنبيه على عدم اعتبار تعدد الموجب و القابل، و عدم مانع من اتحادهما.

و هذا ممّا اختلف فيه القدماء، قال الشيخ قدّس سرّه: «المرأة البالغة الرشيدة تزوّج نفسها و تزوّج

ص: 336

______________________________

غيرها بنفسها مثل بنتها أو أختها، و يصح أن تكون وكيلة في إيجاب و قبول، و فيه خلاف» «1» خلافا للقاضي في هذه المسألة بخصوصها، لزعمه أنّها من باب اتحاد الموجب و القابل، كما صرّح هو بهذا.

و قال المحقق: «و لو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه، قيل: لا يجوز، و الجواز أشبه» «2».

و قال الشهيد الثاني في شرحه: «وجه المنع اعتبار التغاير بين المتعاقدين، و عبارة العبد كعبارة سيده. أو اشتراط إذن المولى في تصرف العبد، و لم يسبق له منه إذن.

و يندفع الأوّل بأنّ المغايرة الاعتبارية كافية، و من ثمّ اجتزءنا بكون الواحد الحقيقي موجبا قابلا، فهنا أولى. و الثاني بأنّ مخاطبة السيد له بالبيع في معنى التوكيل له في تولّي القبول» «3».

و كيف كان فالحقّ صحة البيع. أمّا بناء على ما اخترناه من عدم توقف صحة إنشاءات العبد لغيره على إذن المولى و إجازته فواضح، لعدم اعتبار الإذن في إنشاءاته للغير، و لتعدد الموجب و القابل حقيقة.

و أمّا بناء على توقفها على ذلك فلأنّ مخاطبة المولى للعبد بقوله: «بعتك» في معنى توكيله في تولّي قبول الشراء لمن أمره بالاشتراء.

و أمّا اعتبار تعدد الموجب و القابل، ففيه أوّلا: عدم الدليل على اعتباره، و كفاية التعدد الاعتباري.

و ثانيا- بعد تسليمه- أنّ التعدد في المقام موجود، لكون الموجب هو السيد

______________________________

(1) المبسوط، ج 4، ص 193.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14.

(3) مسالك الافهام، ج 3، ص 157.

ص: 337

على كفاية رضا المولى الحاصل من تعريضه (1) للبيع من إذنه (2) الصريح، بل (3) يمكن جعل نفس الإيجاب موجبا للإذن الضمني [1]

______________________________

(1) متعلق ب «الحاصل» و ضميره راجع إلى «المولى» يعني: أنّ تعريض المولى العبد للبيع كاف عن إذنه الصريح في البيع.

(2) متعلق ب «كفاية» و حاصله: أنّ الرضا كاف، و لا يفتقر البيع إلى الإذن الصريح.

(3) إضراب عن البناء على كفاية الرضا، و التزام بالحاجة إلى الإذن، و حاصله:

أنّه يمكن إثبات الإذن في المقام، بأن يقال: إنّ نفس الإيجاب يوجب الإذن الضمني أو يكشف عنه، و إلّا لم يوجب البيع.

لكن يتوجه عليه: أنّ الكلام كان في اعتبار الإذن الصريح، لا مطلق الاذن و إن كان ضمنيا. و المستكشف من الإيجاب إذن ضمني للعبد في قبول الوكالة عن الغير في المباشرة للاشتراء لذلك الغير.

______________________________

و القابل هو العبد، و الاتحاد موقوف على وحدة عبارة السيد و العبد، و هو ممنوع جدّا، لعدم الوحدة لا شرعا و لا عقلا و لا عرفا.

[1] قد يتوهم أنّ الأولى إبداله بالإجازة الضمنية، لأنّ الإيجاب دالّ على إجازة قبول الوكالة الثابتة بسبب أمر الآمر العبد بالاشتراء، فالإيجاب دالّ على إجازة هذه الوكالة، لوقوعها بعد تحقق الوكالة، فينبغي عطف عنان البحث إلى توسعة الإجازة للإجازة الضمنية و عدمها، لا توسعة الاذن.

لكنّه كما ترى، ضرورة أنّ الإجازة عبارة عن إمضاء العمل الصادر من العبد كبيع و نحوه. و في المقام لم يصدر منه عمل. و إنّما الصادر هو توكيل الغير له، و إذن المولى يكون مسوّغا لقبول الوكالة، و المفروض أن العبد لم يقبل الوكالة قبل ذلك حتى تصدق الإجازة.

ص: 338

و لا يقدح (1) عدم قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب، لأنّ (2) هذا الشرط ليس على حدّ غيره من الشروط المعتبرة في كلّ من المتعاقدين من أوّل الإيجاب إلى آخر القبول [1]، بل هو (3) نظير إذن مالك الثمن في الاشتراء، حيث يكفي تحقّقه بعد الإيجاب و قبل القبول الذي بنى المشتري على إنشائه (4) فضولا.

______________________________

(1) هذا إشارة إلى توهم و دفعه. أمّا التوهم فهو: أنّ المانع عن صحة البيع هنا انتفاء بعض الشرائط، و هو قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب، لعدم كونه حرّا مستقلّا في تصرفاته التي منها القبول في زمان الإيجاب.

(2) هذا دفع التوهّم، و حاصله: أنّ هذا الشرط ليس على حدّ سائر شرائط المتعاقدين المعتبرة من أوّل زمان الإيجاب إلى آخر القبول، فتكفي قابلية المشتري للقبول بعد تمامية الإيجاب.

(3) أي: شرط قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب، نظير قابلية من يريد أن يشتري مال الغير فضولا، فإذا أذن له مالك الثمن في الاشتراء بعد إيجاب البائع و قبل قبول المشتري- الذي بنى على إنشاء القبول فضولا- كفى في الخروج عن الفضولية، و صحّ البيع و لزم. و المقام نظير ذلك، فحدوث قابلية العبد للقبول بعد تحقق الإيجاب من السيد كاف في صحة البيع.

(4) أي: إنشاء القبول فضولا.

______________________________

[1] لكنه خلاف ما أطلقه سابقا من وجوب كون جميع الشروط من حين الإيجاب إلى تمام القبول، سواء لم يكن المشتري في حال الإيجاب قابلا للقبول، أم كان أهلا للقبول عرفا و لكن الشارع أسقط رضاه عن الاعتبار، فراجع «1».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 602- 605.

ص: 339

و عن القاضي: البطلان في المسألة (1) مستدلّا عليه (2) باتّحاد عبارته مع عبارة السيد، فيتّحد الموجب و القابل.

و فيه (3): مع اقتضائه المنع- لو أذن له السيد سابقا-

______________________________

(1) أي: في مسألة أمر الآمر العبد في شراء نفسه له من مولاه، و الحاكي لكلامه هو العلامة في وكالة المختلف، حيث قال: «مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا وكّل رجل عبدا في شراء نفسه من سيده، قيل: فيه وجهان، أحدهما يصحّ .. و الثاني:

لا يصحّ، لانّ يد العبد كيد السيد، و إيجابه و قبول بإذنه بمنزلة إيجاب سيده و قبوله، فإذا كان أوجب له سيّده و قبله هو صار كأنّ السيد هو الموجب و القابل للبيع، و ذلك لا يصح، فكذلك هاهنا. قال- يعنى شيخ الطائفة- و الأوّل أقوى. و قال ابن البرّاج:

الأقوى عندي أنه لا يصحّ، إلّا أن يأذن له سيده في ذلك، فإن لم يأذن له فيه لم يصح.

و الحقّ ما قوّاه الشيخ، لأنّ بيع مولاه رضى منه بالتوكيل» «1».

و نسب صاحب الجواهر القول بالبطلان إلى القاضي، كما أن السيد العاملي نقل عبارة المختلف المتضمنة لكلام القاضي، فراجع «2».

(2) أي: على البطلان. و حاصل وجهه هو اتحاد الموجب و القابل الناشئ من كون عبارته عبارة السيد.

(3) أي: و في اتحاد الموجب و القابل- الذي جعله القاضي دليلا على البطلان- إشكالات:

أحدها: ما أشار إليه بقوله: «مع اقتضائه» و حاصله: أنّ إشكال الاتحاد يجري أيضا في صورة الإذن السابق في الوكالة عن الغير في الاشتراء له، مع عدم إشكال في صحة اشتراء العبد وكالة عن الغير.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 35.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 271، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 183.

ص: 340

منع (1) الاتحاد أوّلا. و منع قدحه (2) ثانيا.

هذا (3) إذا أمره الآمر بالاشتراء من مولاه. فإن أمره بالاشتراء من وكيل المولى فعن جماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان: أنّه لا يصح، لعدم الإذن من المولى (4) [1].

______________________________

و ثانيها: ما تعرض له بقوله: «منع الاتحاد» لتعدد السيد و العبد حقيقة فتعدّد الموجب و القابل.

و ثالثها: ما أفاده بقوله: «و منع قدحه» لعدم دليل على لزوم تعدد الموجب و القابل حقيقة، فيكفي فيه التعدد الاعتباري.

(1) مبتدء مؤخر، و خبره قوله: «فيه».

(2) هذا الضمير و ضمير «اقتضائه» راجعان إلى اتحاد الموجب و القابل.

(3) المشار إليه هو القول بصحة شراء العبد نفسه من مولاه لو أمره آمر. و أمّا لو أمره ذلك الآمر بالاشتراء من وكيل المولى فعن جماعة عدم الصحة، لعدم الإذن من المولى.

(4) قال المحقق الثاني في شرح قول العلامة: «و ليس للملوك أن يبيع أو يشتري إلّا بإذن مولاه، فان وكّله غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ على رأي» ما لفظه:

«لعلّ النكتة في قوله:- من مولاه- استلزام بيع المولى له نفسه إجازته لوكيل الغير إيّاه. بخلاف ما لو اشترى من وكيل مولاه. و الأصح الجواز، لأنّ التغاير بين العوضين و المتعاقدين يتحقق مع التغاير الاعتباري» «1». و نحوه كلام الشهيد الثاني.

______________________________

[1] قد عرفت سابقا عدم توقف الإنشاءات غير المتعلقة بنفس العبد على إذن المولى. و على تقدير التوقف يكفي الإذن الضمني الذي يدلّ عليه- التزاما- إيجاب المولى أو وكيله المفوّض معه، حيث إنّ إيجابه يدلّ على إجازته للعبد في قبول وكالته عن الآمر الذي أمره باشتراء نفسه.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 68، مسالك الأفهام، ج 3، ص 157 و 158.

ص: 341

و ربما قيل (1) بالجواز حينئذ (2) أيضا بناء على ما سبق منه (3) من أنّ المنع لأجل النهي، و هو لا يستلزم الفساد.

و فيه (4) ما عرفت (5): من أنّ وجه المنع [1] هو أدلة عدم استقلال العبد

______________________________

و صريح كلامهما ترجيح الصحة، و إنّما ذكرا عدم الصحة وجها في المسألة.

و صاحب الجواهر قدّس سرّه نقل وجه البطلان عنهما «1»، و لم ينقل قولهما: «و الأصحّ الجواز» و صار هذا منشأ لأن يقول المصنف: «فعن جماعة أنه لا يصح» فراجع الكلمات متأمّلا فيها.

(1) القائل هو صاحب الجواهر قدّس سرّه «2».

(2) أي: حين الاشتراء من وكيل المولى لا نفسه، كالاشتراء من نفس المولى في الصحة.

(3) أي: من صاحب الجواهر، و قوله: «بناء» قيد للجواز، يعني: أنّ الجواز مبنيّ على ما سبق منه من أنّ النهي عن معصية السيّد لا يقتضي الفساد .. إلخ.

(4) أي: و فيما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(5) عند إشكال المصنف عليه (في ص 333) بقوله: «و فيه أوّلا منع حرمة هذه ..

إلخ».

______________________________

[1] قد تقدم سابقا قصور أدلة عدم استقلال العبد عن شمولها للإنشاءات المتعلقة بغيره.

و كيف كان فالحق أن يقال: إن كان الوكيل مفوّضا فحكمه حكم السيد، و إلّا فالوجه البطلان، لخلوّ وكالة العبد عن الآمر بالشراء عن إذن السيد، و صحته منوطة بإجازة السيد، لكونه من صغريات عقد الفضولي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 272.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 272.

ص: 342

في شي ء، لا منعه عن التصرف في لسانه (1)، فراجع ما تقدّم (2). و اللّه أعلم [1].

______________________________

(1) كما أفاده في الجواهر بقوله: «إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد» إلى آخر ما تقدم في عبارته المنقولة في (ص 329).

(2) من إشكال المصنف عليه بقوله: «و فيه أوّلا .. و ثانيا .. إلخ».

______________________________

[1] ثمّ إنّ هنا فروعا كثيرة لا بأس بالتعرض لبعضها:

منها: أنّه إذا حاز العبد مباحا بإذن المولى مع القصد، فلا إشكال في صيرورته ملكا للمولى. و بدون القصد فالظاهر بقاؤه على الإباحة.

إلّا أن يقال: إن إذن المولى يتضمّن قصد التملك أيضا، و هو كاف في حصول شرط تملك المباحات أعني به قصد التملك.

و إن حازه بغير إذنه مع القصد، فعلى القول بملكيته يملكه محجورا عن التصرف فيه. و على القول بالعدم ففي بقائه على الإباحة أو صيرورته ملكا للمولى قهرا وجهان، أقواهما الثاني، لأنّه من منافع عبده. و لا يعتبر في تملك المباحات سوى الحيازة و القصد، و كلاهما موجود.

نعم إذا حاز المباح بدون القصد يشكل الحكم بملكيته للسيد أو العبد، بل هو باق على الإباحة، نظير حيازة حيوان لشي ء مباح، فإنّه باق على إباحته، إذ لا قصد للحيوان، فلا يملكه مالك الحيوان. و هذا القصد هو الفارق بين حيازة العبد و حيازة الحيوان، فالصور أربع ثنتان منها مع الإذن، و ثنتان منها بلا إذن.

و منها: أنّه لا مانع من أن يوكّله مولاه في بيع نفسه أو إعتاقه، إذ ما يتصوّر مانعا منه هو اتحاد الموجب و متعلق المعاملة، و ذلك ليس مانعا بعد ما تقدم من جواز اتحاد الموجب و القابل، و كفاية التغاير الاعتباري.

ص: 343

[الشرط الخامس من شروط المتعاقدين: ملك التصرف]
اشارة

مسألة:

و من شروط المتعاقدين (1): أن يكونا مالكين [1] أو مأذونين من المالك

______________________________

من شروط المتعاقدين: ملك التصرف

(1) اشترط الفقهاء قدّس سرّهم في المتعاقدين مالكيتهما للعوضين أو مأذونيتهما في البيع بالإذن الشرعي أو المالكي، و فرّعوا عليه انتفاء الصحة الفعلية عن بيع من ليس له ولاية التصرف في العوضين، سواء قيل ببطلانه رأسا أم بصحته التأهليّة.

و بيانه: أنّ العقد إمّا يصدر ممّن له ولاية أمر العقد سواء أ كان مالكا، أم وليّا عليه، أم مأذونا منه، أم وكيلا عنه، و هذا لا إشكال في صحته. و إمّا يصدر من غير من له ولاية العقد بدون إذنه و إجازته، و هذا لا إشكال في فساده. و إمّا يصدر من غير من له ولاية العقد مع تعقبه بالإجازة. و هذا هو مورد البحث و الكلام في الصحة أو اللزوم كعقد نفس المالك أو المأذون منه أو من الشارع إلّا بالإجازة.

______________________________

[1] في هذا التعبير مسامحتان:

الأولى: في اعتبار مالكية العوضين في الخروج عن الفضولية، لانتقاضه بموارد.

منها: بيع العين المرهونة على المشهور- بل المدّعى عليه الإجماع- من حجرهما عن التصرف فيها، مع كونها ملكا للراهن، و هذا يكشف عن عدم كفاية مالكية العوضين في انتفاء الفضولية.

ص: 344

أو الشارع (1)

______________________________

(1) هذا العنوان بقول بعض الأعلام قدّس سرّه «1» من جوامع الكلم، لشموله لجميع أقسام من يصحّ منه البيع كالمالكين للعوضين و المأذونين منهم كوكلائهم، و المأذونين من الشارع، و هم الأولياء المنصوبون منه كالأب و الجدّ و الحاكم الشرعي و منصوبه،

______________________________

و منها: بيع السفيه و المفلّس، لعدم نفوذ بيعهما مع كونهما مالكين.

و منها: بيع المريض- في مرض موته- ما زاد على الثلث بناء على نفوذ تصرفه في الثلث خاصة، لتوقف صحة بيعه على إجازة الورثة، مع عدم زوال مالكيته عن أمواله بعد.

و منها: غير ذلك ممّا لا ينفذ بيع المالك.

و منه يظهر أنّ توجيه المتن «بأنّ المراد اشتراط نفوذ التصرف بمالكية المتعاقدين» غير وجيه، لأنّ نفوذ التصرف منوط بمالكية المتعاقدين لأمر العقد لا للعوضين.

نعم تندفع هذه المسامحة بما سيأتي نقله من كلام الشهيد قدّس سرّه في تعريف الفضولي من تصريحه بأن «الفضولي هو من لا يملك التصرف» و عليه فالعبارة الجامعة لملك العوضين و الاذن في البيع شرعا أو مالكا هو ملك أمر العقد.

الثانية: التعبير ب «لا يصح» و تفسيره بعدم ترتب اللزوم عليه كعقد الأصيل، إذ الكلام في نفوذ عقد الفضول و عدمه، لا في لزومه و جوازه. لأنّ الفضول قد ينشئ عقدا خياريا كما إذا باع حيوانا مملوكا للغير، فبيعه عقد جائز غير نافذ، لوقوفه على إجازة الملك.

و عليه فالحكم ببطلان عقد الفضول إنّما يتّجه لو اختلّ بعض شروط العقد. و مع فرض وقوعه باطلا امتنع تصحيحه بالإجازة المتأخرة، لاستحالة انقلاب الشي ء عمّا وقع عليه. فلا بدّ أن يكون نفس العقد صحيحا حتّى يتوقّف تأثيره و نفوذه على الإجازة.

______________________________

(1) هو الفاضل المامقاني في غاية الآمال، ص 350.

ص: 345

فعقد الفضولي (1) لا يصحّ (2)، أي: لا يترتب عليه ما يترتب على عقد غيره (3)

______________________________

و المأذون من قبله، و كذا المنصوب من الأب أو الجد قيّما على الصغير، و غير ذلك من الموارد التي تنتفي الفضولية فيها.

(1) الفضولي لغة الاشتغال بما لا يعنيه. قال الفيومي: «و فضل فضلا من باب قتل زاد، و هو الفضل أي الزيادة، و الجمع فضول، مثل فلس و فلوس. و قد استعمل الجمع استعمال المفرد أيضا: فيما لا خير فيه، و لهذا نسب إليه على لفظه، فقيل: فضولي لمن يشتغل بما لا يعنيه، لأنّه جعل علما على نوع من الكلام، فنزّل منزلة المفرد، و سمّي بالواحد» «1».

و عن أقرب الموارد: «الفضول جمع الفضل كما مرّ، و الفضول العمل الفضولي، و هو مفرد هنا، يقال: انّ ذلك فضول منه أي اشتغال بما لا يعنيه».

و لا يخفى أنّه لو لا علمية الفضول لنوع من الكلام لكان مقتضى القاعدة الأدبية- من ردّ الجمع الى المفرد في النسبة- أن يقال: «فضلي» لا «فضولي».

و اصطلاحا- كما عن الشهيد- «هو الكامل غير المالك للتصرف فيه، سواء كان غاصبا أم لا». و المناسبة بين المعنى اللغوي و الاصطلاحي هو الإطلاق و التقييد.

و كيف كان فالفضولي صفة للعاقد، و الفضول صفة للعقد، فجعل الفضولي صفة للعقد مجاز من قبيل الوصف بحال متعلّقه.

(2) يعني: أنّه يتفرّع على هذا الشرط عدم صحة عقد الفضولي، بمعنى عدم ترتب الأثر الذي يترتب على عقد غير الفضولي و هو اللزوم.

(3) أي: غير الفضولي من لزوم ترتيب الأثر من النقل و الانتقال أو غيرهما، فإنّ هذا الأثر لا يترتب على عقد الفضولي.

______________________________

(1) المصباح المنير، ص 475.

ص: 346

من اللزوم (1) [1]. و هذا (2) مراد من جعل الملك و ما في حكمه (3) شرطا، ثمّ فرّع (4) عليه «بأنّ بيع الفضولي موقوف على الإجازة» كما في القواعد.

فاعتراض (5)

______________________________

(1) بيان ل «ما» الموصول.

(2) أي: ما ذكرناه- من كون الشرط مالكية المتعاقدين أو مأذونيّتهما من المالك أو الشارع- هو مراد من جعل الملك و ما في حكمه أعني الإذن من المالك أو الشارع شرطا، توضيحه: أنّ مراد العلامة قدّس سرّه من جعل الشرط الملكية أو الإذن من المالك أو الشارع هو توقف لزوم العقد فعلا على إجازة وليّ البيع و مالكه، في قبال العقد الصادر من وليّ البيع، فإنّه بمجرد صدوره يكون لزومه فعليا.

(3) و هو الإذن من المالك أو الشارع.

(4) يعني: العلّامة قدّس سرّه فإنّه فرّع على هذا الشرط توقف بيع الفضولي على الإجازة حيث قال: «و يشترط كون البائع مالكا أو وليّا عنه كالأب و الجدّ له، و الحاكم و أمينه، و الوصي، أو وكيلا، فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي ..» «1».

(5) محصل اعتراض المحقق الثاني قدّس سرّه على ما في القواعد هو: أنّ هذا التفريع في

______________________________

[1] لعلّ الأولى ابداله ب «الأثر» لأنّ ظاهر اللزوم ترتب الملكية في البيع بدون اللزوم، و توقف اللزوم على الإجازة. مع أنه ليس كذلك، لأنّ شرطية طيب نفس المتعاقدين- الذي تكشف عنه الإجازة- تقضي بعدم ترتب أثر أصلا على عقد الفضولي إلّا بالإجازة، حيث إنّ طيب النفس المستكشف جزء العقد أو شرطه، و لا يترتب الحكم على الموضوع قبل تمامية جزئه و شرطه. فالحكم الوضعي من الملكية اللازمة كما في البيع و الجائزة كما في الهبة لا يترتب على عقد الفضولي إلّا بالإجازة.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19.

ص: 347

جامع المقاصد عليه «بأن التفريع في غير محله» لعلّه (1) في غير محلّه [1].

[التعرض لمسألة عقد الفضولي]
اشارة

و كيف كان (2) فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من أهمّ المسائل (3)، فنقول: اختلف الأصحاب و غيرهم في بيع الفضولي، بل مطلق

______________________________

غير محله، إذ المتبادر من الشرط المذكور بطلان عقد الفضولي، لكونه فاقدا لذلك الشرط، إذ المفروض أنّه ليس مالكا و لا مأذونا منه و لا من الشارع. لا توقفه على الإجازة كما أفاده العلامة قدّس سرّه.

(1) خبر «فاعتراض» أي: لعلّ اعتراض المحقق الثاني على العلامة قدّس سرّهما في غير محله، و ذلك لأنّ مراد العلامة من الشرط المذكور شرطيّته في الصحة الفعلية، بمعنى أنّ عقد الفضولي لا يصير مؤثرا فعلا. و هذا لا ينافي صحته الشأنية، و توقف فعليتها على الإجازة.

(2) أي: سواء كان اعتراض المحقق الثاني- و من تبعه كالسيد العاملي قدّس سرّهما «1»- على تفريع العلّامة في محلّه أم في غير محلّه، فالمهمّ .. إلخ. و هذا شروع في الإشارة إلى أقوال الفقهاء في المسألة و تحرير محلّ النزاع، و أن بحث الفضولي مخصوص بالعقود، و لا يجري في الإيقاعات، لاتفاقهم على بطلانها.

(3) أي: المسائل المهمة الفقهية التي وقع فيها البحث قديما و حديثا بين علماء الفريقين.

______________________________

[1] نعم هو في غير محله، لكن لا لما ذكره المصنف، بل لفقدان شرطه و هو طيب النفس، و الإجازة كاشفة عنه، فإن حصلت ترتّب الأثر على العقد، و إلا فلا، و غرض العلّامة قدّس سرّه من التوقف على الإجازة هو عدم ترتّب الأثر على عقد الفضولي إلّا بعد تحقّق شرطه و هو الإجازة. و هذا كلام متين.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 68، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 184.

ص: 348

عقده (1)- بعد اتفاقهم على بطلان إيقاعه (2) كما في غاية المراد (3)- على أقوال (4).

______________________________

(1) أي: عقد الفضولي كالصلح و النكاح و الإجارة و الوكالة و المساقاة و المزارعة و غيرها، فلا يختص النزاع بالبيع.

(2) أي: إيقاع الفضولي. و الظاهر من عبارة الشهيد الآتية جميع الإيقاعات.

(3) قال في غاية المراد: «اختلف علماؤنا في كل عقد صدر عن الفضولي، و نعني به الكامل غير المالك للتصرف فيه، سواء كان غاصبا أم لا، بعد اتفاقهم على بطلان الإيقاع، و على عدم لزوم العقود على أقوال» «1».

و قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه في شرح قول العلامة قدّس سرّه في الإرشاد: «و الرّاهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» ما لفظه: «و الظاهر عدم القول به- يعني بالفضولي- في العتق، لقولهم عليهم السّلام: لا عتق إلّا في ملك. و يمكن الجواز و التأويل كما لا بيع إلّا فيما يملك» «2».

(4) متعلق ب «اختلف». ثم إنّ أقوال المسألة على ما عن الشهيد قدّس سرّه في نكاح غاية المراد خمسة:

الأوّل: بطلانه مطلقا أي في البيع و الشراء و النكاح و غيرها، سواء أجاز المالك العقد أم لا. حكاه رحمه اللّه عن الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و البيع من الخلاف.

الثاني: وقوفه على الإجازة مطلقا، حكاه ره عن الحسن و المفيد و المرتضى و الشيخ في النهاية، و سلّار و القاضي و التقي و ابن حمزة و المحقق و العلّامة.

الثالث: أنّه يقف بالبيع و يبطل الشراء، حكاه ره عن الشيخ في كتاب النكاح من الخلاف. و المعنون في كثير من العبارات إنّما هو «ما لو باع الفضولي» من دون تعرض لشرائه، فيحتمل أن يكون ذكر البيع من باب المثال، كما يحتمل أن يكون من باب الاختصاص بالحكم.

______________________________

(1) غاية المراد، ص 177، و حكاه عنه في المقابس، ص 19 (كتاب البيع).

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 163.

ص: 349

و المراد بالفضولي كما ذكره الشهيد هو الكامل (1) غير المالك للتصرف (2) و لو (3) كان غاصبا، و في كلام بعض العامة «أنّه (4) العاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه» [1]

______________________________

الرابع: بطلان البيع و صحّة النكاح قال رحمه اللّه: «و هو قول الفاضل ابن إدريس رحمه اللّه».

الخامس: بطلان النكاح في غير البكر الرشيدة مع حضور الولي، و عقد الأبوين على الصغير، و الجدّ مع عدم الأب، و عقد الأخ و العمّ و الامّ على صبيته، و العقد لعبد منه أو من أجنبي بلا إذن السيد، قال ره: «و هو قول ابن حمزة».

(1) أي: الكامل بالنسبة إلى الشرائط العامة كالبلوغ و العقل و الاختيار و الحرية.

(2) غرضه أنّ الفضولي ليس خصوص من لا يكون مالكا للعين، بل يعمّ كلّ من ليس له حق التصرف في عين المال و إن كان مالكا لها، كالراهن المالك للعين المرهونة، فإنّه- مع كونه مالكا لها- ليس له حق التصرف فيها إلّا بإذن المرتهن. و كذا القصّر كالصغار و المجانين و المفلّسين، فإنّهم مع كونهم مالكين ممنوعون من التصرف.

(3) كلمة «لو» غير مذكورة في كلام الشهيد، و المذكور فيه «سواء كان غاصبا أم لا» كما عرفت نصّ كلامه في (ص 349).

(4) أي: الفضولي، يعني: أنّ الفضولي يطلق في كلام بعض العامة على العاقد الذي يعقد بدون إذن من يعتبر إذنه من المالك أو الشارع.

______________________________

[1] الظاهر أنّ النسبة بينهما هي العموم المطلق، لأنّ كل كامل غير مالك للتصرف عاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه. و لا عكس، كما إذا كان العاقد مجنونا أو صغيرا بحيث يمكن تمشّي القصد منهما، فإنّ هذا العاقد فضولي، لصدق العاقد بلا إذن من يعتبر إذنه عليه، و لا يصدق عليه الفضولي بمعناه الأوّل، لعدم كون العاقد كاملا.

و تعريف الشهيد أولى من تعريف بعض العامة، لأنّ عقد الفضولي- في مقابل عقد الأصيل- يقتضي أن يكون عقدا تاما من جميع الجهات الدخيلة في عقديته

ص: 350

و قد يوصف به (1) نفس العقد، و لعلّه (2) تسامح.

و كيف كان (3) فيشمل العقد الصادر من الباكرة [البكر] [1] الرشيدة بدون إذن الوليّ، و من المالك (4) إذا لم يملك التصرف،

______________________________

(1) أي: بالفضولي، يعني: أنّه قد يوصف نفس العقد بالفضولي، فيقال: «العقد الفضولي» كما يقال: «العاقد الفضولي» و قد وصف الشهيد العقد بالفضولي، لقوله في غاية المراد: «البيع الفضولي».

(2) يعني: و لعلّ توصيف نفس العقد بالفضولي مسامحة، وجه المسامحة: أنّ العقد ليس ملكا لأحد حتى يكون متصفا بالفضولي، و إنّما المتصف به هو العاقد غير المالك للتصرف.

(3) يعني: سواء أ كان الفضولي بالمعنى الذي ذكره الشهيد أو بعض العامة، فيشمل عقد الفضولي العقد الصادر من البكر الرشيدة بناء على ولاية الأب و الجدّ عليها، و عدم ولايتها على تزويج نفسها، لصدق مفهوم الفضولي بكلا تفسيريه على عقد البكر الرشيدة كما لا يخفى.

(4) معطوف على «من البكر» يعني: و يشمل عقد الفضولي العقد الصادر من المالك الممنوع عن التصرف في ماله كالراهن و المفلّس و غيرهما من المحجورين من

______________________________

إلّا صدوره ممّن له ولاية العقد، فجميع شروط العقد في عقد الفضولي موجودة، فلا يشمل عقدا لا يكون قابلا للإجازة كالصغير بناء على كونه مسلوب العبارة، بحيث لا يصح عقده حتى بإجازة وليّه.

[1] المذكور في نسخ المكاسب «الباكرة» غير النسخة المنسوبة إلى جامعة النجف الدينية. و الصحيح هو (البكر) فعن شرح القاموس «بأن التعبير عن هذا المعنى- أي العذراء- بلفظ الباكرة غلط».

ص: 351

لتعلق حق الغير بالمال (1) كما يومي إليه (2) استدلالهم لفساد الفضولي بما دلّ على المنع من نكاح الباكرة [البكر] الرشيدة بغير إذن وليّها. و حينئذ (3) فيشمل بيع الراهن و السفيه و نحوهما (4) و بيع (5) العبد بدون إذن السيد.

______________________________

التصرف في أموالهم.

(1) كتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة، فإنّ مالكها- و هو الراهن- ممنوع من التصرف فيها.

(2) أي: يومي الى هذا الشمول استدلال الفقهاء- لفساد عقد الفضولي مطلقا بيعا كان أو غيره- بالأخبار الواردة في منع نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها الموجود، كما في خبر أبى مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الجارية البكر التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها. و قال: إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت متى شاءت» «1».

و على كلّ فالمستدل بهذه الروايات هو القائل بفساد عقد الفضول، و قد أشار إليه صاحب المقابس في عدّ حججهم بقوله: «و منها: ما ورد في النكاح، و هي أيضا كثيرة، تطلب مع الجواب عنها في محلّها» «2».

(3) أي: و حين شمول عقد الفضولي لعقدي البكر الرشيدة بدون إذن وليّها و المالك الذي لا يملك التصرف- بسبب استدلال الفقهاء بالأخبار الواردة في منع نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها- فيشمل عقد الفضولي بيع الراهن و السفيه.

(4) كالمفلّس و المحجور عليه لصغر أو جنون.

(5) معطوف على «بيع الراهن» و غرضه أنّ تعريف الشهيد للفضولي- بما ذكر- يشمل بيع العبد مال نفسه بدون إذن سيده، أو بيع العبد مال غيره بإذن مالكه و بدون

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 2. و نحوه ما ورد في الباب 9، ص 214 و 215، و ما ورد في بعض أخبار الباب 11 من أبواب المتعة، 457 إلى 460.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 31.

ص: 352

[حكم العقد المقرون برضا المالك]

و كيف كان (1) فالظاهر شموله (2) [1] لما إذا تحقّق رضا المالك للتصرف باطنا، و طيب (3) نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوى (4)،

______________________________

إذن سيده في إجراء صيغة البيع. و هذا أولى من سابقه، لاندراجه في بيع المالك إذا لم يملك التصرف في ماله.

لكن قد عرفت سابقا منع توقف صحة إجراء الصيغة على إذن السيد.

حكم العقد المقرون برضا المالك

(1) يعني: سواء قلنا بشمول الفضولي لمثل بيع الراهن بلا إذن المرتهن، أم قلنا بعدمه.

(2) أي شمول عقد الفضولي لما إذا أحرز طيب نفس المالك مع عدم إذن منه، فإذا باع شخص مال غيره مع إحراز رضاه كان هذا البيع من أفراد عقد الفضولي، و مجرد رضا المالك به لا يخرجه عن الفضولية.

(3) معطوف على «رضا» أي: تحقق طيب نفس المالك بالعقد.

(4) أو بشاهد الحال، فإنّ جميع هذه الثلاثة إذن، غايته أنّ الأوّلين إذن بلسان القال، و الثالث إذن بلسان الحال. فغرض المصنف قدّس سرّه من هذا الكلام إدراج مورد العلم برضا المالك في الفضوليّ، و أنّ خروجه عن الفضولية منوط بإظهار الرضا و لو بالفحوى. و استدلّ عليه بما سيأتي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على شمول الفضولي لصورة رضا المالك باطنا يشكل التصرف الاعتباري كالبيع و نحوه في السهم المبارك لمن يأخذه و يصرفه في ضروريات معاشه، و يشتري به ما يحتاج إليه، لتوقف البيع و الشراء و غير ذلك من التصرفات المملّكة على الملكية، مع فرض عدم صيرورة السهم المبارك ملكا لأحد.

ص: 353

لأنّ (1) العاقد لا يصير مالكا للتصرف و مسلّطا عليه بمجرد علمه (2) برضا المالك.

______________________________

(1) تعليل لعدم خروجه عن الفضولية، و محصّله: أنّ مجرد العلم برضا المالك لا يجعل العاقد مالكا للتصرف حتى يخرج عن عنوان الفضولي، و خروجه عن هذا العنوان منوط بكونه مالكا للتصرف.

(2) أي: علم العاقد برضا المالك، و ضمير «عليه» راجع إلى التسلط.

______________________________

دون التصرف الخارجي كالأكل و الشرب و اللبس، لكفاية طيب النفس في جوازها، و عدم اشتراطها بالإذن.

و يمكن دفع الإشكال أوّلا: بأن يشتري آخذ السهم متاعا بثمن في ذمته، ليتملّك المتاع، ثم يدفع السهم إلى البائع لتفريغ ذمته عمّا اشتغلت به من الثمن تبرّعا من ناحيته عليه السّلام اعتمادا على إذنه عليه السّلام لقابض السهم المبارك في التصرف فيه، فإنّ التبرع بأداء دين الغير من المستحبات، و فراغ الذمة لا يتوقف على مالكية المديون للمال الذي يدفعه إلى الدائن، بل هو مال الامام عليه السّلام، و به تبرء ذمة المديون، و يملك المشتري المتاع بنفس الشراء، و التبرع المستحب بماله عليه السّلام داخل في التصرف المأذون فيه.

و الرضا بوفاء الدين بماله عليه السّلام مستلزم لمالكية الدائن لذلك المال، و إلّا لم يكن وفاء، فنفس الوفاء يوجب ملكية المال الذي يوفى به الدين للدائن.

و ثانيا: أنّ رضاه عليه السّلام بالتصرف في ماله مع القطع بوقوع التصرفات المتوقفة على الملك فيه بالضرورة أذن بشاهد الحال في جميع تلك التصرفات، فيخرج عقدها عن الفضولي، و يصير المتاع المشتري بماله ملكا له عليه السّلام مع الإذن لمشتريه بالتصرف فيه.

أو إذن منه عليه السّلام بتملك ماله عليه السّلام، كتملك المرتزقين من بيت المال، فإنّ من يرتزق منه كالقاضي يتملّك المال و يتصرف فيه تصرفا متوقفا على الملك. نظير من

ص: 354

______________________________

يأذن لغيره عموما أو خصوصا بتملك ماله بمعنى رفع المانع عن تملك الغير له كتملك مال أعرض عنه مالكه.

و الفرق بين هاتين الصورتين أنّه في هذه الصورة يصير السهم المبارك ملك الآخذ بالقبض مع قصد التملك، فيبيع و يشتري بمال نفسه. و في الصورة السابقة يكون مأذونا في البيع و الشراء بمال الامام عليه السّلام، لا بمال نفسه، لكن مع جواز التصرف فيه بإذنه عليه السّلام.

و يحتمل أن يعامل مع السهم المبارك معاملة المال المتعذر وصوله إلى مالكه، فيكون أخذه من باب التصدق الموجب لتملك الآخذ له. لكن يشكل حينئذ صرفه في غير ضروريات معاش الفقراء و المضطرّين، كبناء المدارس العلمية و المساجد و الحسينيّات و غيرها.

إلّا أن يضعف هذا الاحتمال بأنّه مع تعيّن المصرف من مالك السهم لا تصل النوبة إلى التصدق، هذا.

ثمّ إنّ لسيدنا المحقق الخويي كلاما في المقام مذكورا في بعض أجوبة استفتاءاته، و هو: أنه إذا وقعت المعاملة بعين السهم المبارك كان عوضها ملك الامام عليه السّلام.

و هذا يتوقف على كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة، و الاستغناء عن الإجازة لخروجها عن الفضولية. مع أنّه دام بقاؤه لا يخرج هذه المعاملة المقرونة برضا المالك عن عقد الفضولي. فالالتزام بصحّتها و لزومها ينافي التزامه باندراج المعاملة المقرونة برضا المالك باطنا مع عدم إذنه في عقد الفضولي.

و يمكن دفع المنافاة بحصول الإذن منه عليه السّلام بشاهد الحال الذي هو كالإذن بلسان المقال، حيث إنّ بقاء الأحكام و شرائع الإسلام موقوف على إقامة الحوزات العلمية و تشييد أركانها، إذ بدونها تندرس الأحكام، و تنمحي آثار الإسلام. و هذا الوضع

ص: 355

و يؤيّده (1) اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليّا، و فرّعوا (2) عليه بيع الفضولي

______________________________

(1) يعني: و يؤيّد شمول عقد الفضولي للعقد الذي أحرز رضا مالك التصرف باطنا به- بدون إذنه صريحا أو فحوى بهذا العقد- اشتراط الفقهاء في لزوم العقد ..

إلخ.

وجه التأييد: أنّ إطلاق تفريع بيع الفضولي على اشتراط كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليّا يقتضي اندراج كلّ عقد فاقد للشرط المذكور تحت بيع الفضولي حتى مع اقترانه برضا المالك باطنا.

و التعبير بالتأييد دون الدلالة ظاهر الوجه، إذ ليس تفريع الفقهاء حجة شرعية حتى يستدلّ به على المدعى، نعم هو صالح للتأييد.

(2) أي: فرّعوا على الاشتراط المزبور بيع الفضولي، و التفريع يدلّ على شمول عقد الفضولي لصورة رضا مالك التصرف باطنا، لعدم كون العاقد- مع رضا المالك باطنا- مالكا و لا مأذونا و لا وليّا، و كل عاقد لم يكن كذلك كان فضوليا.

______________________________

يقتضي إذنه عليه الصلاة و السّلام بالبيع و الشراء بالسهم المبارك، فتندرج المعاملة في معاملة المأذون من ناحية المالك، و تخرج عن عقد الفضولي.

و قد حكي عن السيد المحقق المجدد الميرزا الكبير الشيرازي قدّس سرّه أنه قال:

«أنا قاطع برضا مولانا الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه بصرف سهمه المبارك في إقامة الحوزات العلمية الشيعية، و إدارة شؤونها».

فالمتحصل: أنّ جواز التصرف في السهم المبارك يمكن أن يكون بأحد الوجوه المتقدمة.

ص: 356

و يؤيّده (1) أيضا استدلالهم على صحة الفضولي بحديث عروة البارقي «1»، مع أنّ الظاهر علمه (2) برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله.

و إن (3) كان الذي يقوى في النفس- لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب (4)- عدم توقفه على الإجازة اللّاحقة، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد، سواء علم به (5) العاقد

______________________________

(1) معطوف على «و يؤيّده» يعني: و يؤيّد شمول عقد الفضولي لصورة رضا المالك باطنا و طيب نفسه بالعقد- من دون إذنه صريحا أو فحوى- استدلال الفقهاء على صحة عقد الفضولي بحديث عروة البارقي، مع علمه ظاهرا برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله. و هذا الاستدلال كاشف عن عدم خروج صورة رضا المالك باطنا عن عقد الفضولي. و سيأتي شرح حديث عروة البارقي إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: علم عروة. غرضه من قوله: «مع أن الظاهر» إدخال قضية عروة- المحرز لرضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باطنا- في بيع الفضولي حتى يصح الاستدلال بها على أنّ إحراز الرضا باطنا لا يخرج المعاملة عن عقد الفضولي.

لكن لم يظهر منشأ هذا الظهور، مضافا الى ضعف السند. و لعله لذا جعله مؤيدا لا دليلا.

(3) هذا شروع في بيان مختاره في صورة رضا المالك باطنا مع عدم إذنه.

و الأقوى عنده قدّس سرّه صحة البيع و عدم توقفه على الإجازة، و خروجه عن عقد الفضولي موضوعا.

(4) حيث إنّ كثيرا من فقهاء الإمامية ذهبوا إلى أنّ هذه الصورة أيضا تحتاج إلى الإجازة، فالعلم برضا المالك لا يخرجه عن الفضولي.

(5) أي: برضا المالك، فيجب على المالك ترتيب آثار الصحة عليه.

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 3، ص 205، ح 36، و رواه المحدّث النوري- عن ثاقب المناقب للشيخ الطوسي- في مستدرك الوسائل، ج 13، ص 245، الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1.

ص: 357

أو انكشف بعد العقد حصوله (1) حينه، أو لم ينكشف (2) أصلا، فيجب على المالك فيما بينه و بين اللّه تعالى إمضاء ما رضي به، و يرتب الآثار عليه، لعموم (3) وجوب الوفاء بالعقود «1» [1] و قوله تعالى شأنه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2»

______________________________

(1) أي: حصول الرضا، و ضمير «حينه» راجع إلى «العقد».

(2) أي: لم ينكشف بعد العقد حصول الرضا حين العقد.

و الظاهر الاستغناء عن كلمة «أصلا» إذ ليس لعدم الانكشاف إلّا فرد واحد و هو عدم الانكشاف بعد العقد. إلّا أن يراد من كلمة «أصلا» عدم العلم بالرضا حين العقد و عدم الانكشاف بعده، فتأمّل.

(3) قد استدلّ المصنف قدّس سرّه على مختاره بوجوه:

الأوّل: عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بتقريب: أنّ هذا العقد جامع للشرائط المعتبرة في العقود سوى الإجازة الصريحة أو الفحوى من المالك، لكن رضاه القلبي موجود، فيصير هذا العقد من العقود الصحيحة التي تشملها الآية الكريمة، و كذا الحال في آية التجارة، لصدق التجارة عليه، فتشمله آية التجارة.

______________________________

[1] يتوجه عليه: أنّ وجوب الوفاء بكل فرد من أفراد العقود متوجه إلى من تحقّق له عقد بحيث يضاف إليه و يقال: إنّه عقده. و مجرّد الرضا الباطني للمالك لا يجعل عقد الفضولي عقده حتى يكلّف بالوفاء به. و كذا الحال في آية التجارة، حيث إنّ مجرّد الرضا الباطني للمالك لا يجعلها تجارة المالك، فلا ينسب إليه التجارة، و لا يقال: إنّه اتّجر بماله.

و بالجملة. فعقد الفضولي ليس عقدا للمالك و لا تجارة له، فلا يشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لا آية التجارة عن تراض. فهاتان الآيتان الشريفتان نظير آية وجوب الوفاء

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية: 1.

(2) سورة النساء، الآية: 29.

ص: 358

و لا يحلّ (1) مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه «1» [1].

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و هو: ما دلّ على حرمة مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه. و المفروض أنّه راض ببيع ماله، فيكون خارجا عن الفضولية، فيجوز التصرف فيه بلا حاجة إلى الإجازة.

______________________________

بالنذور في عدم كون جميع المكلّفين مخاطبين بهذه التكاليف، فلا يصح الاستدلال بهما على المقام.

[1] و فيه: أنّ الظاهر إرادة الحلية التكليفية في التصرفات الخارجية كالأكل و الشرب. فإن كان كذلك فهو أجنبي عن مورد البحث و هو الحكم الوضعي أعني به نفوذ البيع و نحوه.

و إن أريد بالحل أعمّ من التكليفي و الوضعي كما هو المحتمل- لكون الحل بمعنى الإرسال و الفتح في مقابل السّدّ- ففيه: أنّه لا يدل إلّا على دخل طيب النفس في الحلية، و لا دلالة فيه على انحصار سبب الحل في الرضا الباطني حتى ينافي اعتبار أمر آخر فيه كالإذن و الإجازة إذا نهض دليل عليه.

و الوجه في عدم إفادة الحصر ممّا دلّ على نفي الحل إلّا مع طيب النفس هو: أنّ نفي الماهية عند انتفاء شي ء لا يدلّ على الحصر، و إناطة وجود تلك الماهية بوجود ذلك الشي ء فقط، بل يدلّ على اعتباره في الماهية و أنّها تنتفي بانتفائه. و لا ينافي ذلك اعتبار شي ء آخر فيها فمثل «لا صلاة إلّا بطهور» و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لا يدلّ على الحصر و عدم تحقق الصلاة إلّا بالطهور أو الفاتحة، بل يدل على اعتبار الطهور و الفاتحة

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 2، ص 113، الحديث: 309.

ص: 359

و ما (1) دلّ على أنّ علم المولى بنكاح العبد و سكوته (2) إقرار منه.

______________________________

(1) بالجرّ محلّا عطفا على «لعموم» و هذا إشارة إلى الوجه الثالث، و هو ما دلّ على علم المولى بنكاح العبد، و أنّ سكوته إقرار منه بذلك. تقريب الاستدلال به: أنّ ظاهره كفاية الرضا الباطني في خروج العقد عن الفضولية، لأنّ كفاية السكوت في نفوذ العقد و عدم الحاجة إلى إجازة جديدة تدلّ على كفاية الرضا الباطني، و هذا ممّا يدل عليه جملة من الروايات:

منها: رواية معاوية بن وهب قال: «جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إنّي كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ، ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟ فقال عليه السّلام له: أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم و سكتوا عنّي، و لم يغيّروا عليّ. قال فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أثبت على نكاحك الأوّل» «1» و قريب منه غيره.

(2) بالنصب عطفا على «علم» و ضميرا «سكوته»، منه راجعان الى «المولى».

______________________________

شطرا أو شرطا فيها، و لا ينافي ذلك اعتبار شي ء آخر فيها تنتفي الصلاة بانتفائه أيضا، فاستدلال أبي حنيفة على عدم دلالة الاستثناء على الحصر بمثل «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» غير سديد، لأنّ الاستثناء في موارد نفي الماهية ليس حقيقيا حتّى يدلّ على الحصر كما في «جاء القوم الّا زيدا» بل هو استثناء صوري لا يدلّ إلّا على اعتبار المستثنى شطرا أو شرطا في الماهية المنفية المستثنى منها.

و بالجملة: فما دلّ على دخل طيب النفس- بعد تسليم عموم الحلّ للتكليفي و الوضعي- لا يدلّ على انحصار الحلّ في الرضا الباطني. فلا ينافي اعتبار الإذن أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: و نحو الحديث 2 و 3 من الباب.

ص: 360

و رواية (1) عروة البارقي الآتية «1»، حيث أقبض المبيع و قبض الدينار، لعلمه برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و لو كان فضوليّا موقوفا على الإجازة لم يجز التصرف في المعوّض و العوض بالقبض و الإقباض. و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له على ما فعل دليل على جوازه، (2) هذا.

______________________________

(1) معطوف كما قبله على «لعموم وجوب الوفاء»

(2) محصّل استدلال المصنّف قدّس سرّه برواية عروة البارقي- الذي هو الوجه الرابع من أدلة خروج العقد المقرون برضا مالك التصرف عن عقد الفضولي- هو: أنّ العروة لمّا كان عالما برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله باع إحدى الشاتين اللتين اشتراهما بالدينار الّذي أعطاه الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أقبضها للمشتري، و قبض منه ثمنها الذي كان دينارا، إذ لو لم يكن الرضا القلبي- الذي علمه عروة من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- كافيا في صحة العقد، بل كانت صحته متوقفة على الإجازة، لكونه فضوليا، لم يكن تصرفه بإقباض الشاة إلى المشتري و قبض ثمنها و هو الدينار منه جائزا، و كان حراما قبل الإجازة، لكونه تصرفا في مال الغير. و تقريره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دليل على تصرف عروة في المعوّض و هو الشاة التي باعها بإقباضها، و تصرفه في العوض و هو الدينار بقبضه من المشتري.

______________________________

الإجازة أيضا فيه إذا قام عليه دليل. فالاستدلال به على ما ادّعاه الشيخ قدّس سرّه غير وجيه.

و أمّا ما دلّ على نكاح العبد، و أن سكوت المولى إقرار منه، فهو على خلاف المطلوب أدلّ، لدلالته على كون السكوت إقرارا أي إجازة، فإنّ السكوت في مقام البيان

______________________________

(1) في ص 380.

ص: 361

مع (1) أنّ كلمات الأصحاب

______________________________

هذا لكن في خروج العقد بهذا، عن الفضولية تأمل، فراجع الجواهر «1».

(1) غرضه قدّس سرّه الخدشة في ما نسبه إلى الأصحاب آنفا بقوله: «لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب» حيث إنّه جعل ظاهر الأصحاب شمول عنوان «الفضوليّ» لما إذا علم العاقد رضا المالك. فقوله هنا: «مع أن ظاهر الأصحاب» استظهار لخروج العلم بالرضا عن الفضولي موضوعا، على ما يستفاد من بعض كلماتهم، و هو الذي يقوى في نفسه الشريفة.

______________________________

و عدم مانع للمتكلم من بيان تمام مراده بيان لعدم دخل شي ء آخر في مراده، فيستفاد من قوله عليه السّلام: «أ كانوا علموا» أنّ علمهم مقدمة لبيان كون السكوت إجازة، فلو لم تكن المعاملة المقرونة برضا المالك محتاجة إلى الإجازة لم تكن حاجة إلى قوله عليه السّلام:

«سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم» و كان قوله عليه السّلام: «أثبت على نكاحك الأوّل» كافيا.

و أمّا الاستدلال بحديث عروة بن الجعد البارقي- بالواو كما هو المشهور، لكن عن بعض الأعلام قدّس سرّه «انّ المذكور في الكتب الرجالية للخاصّة و العامّة عرفة الأزديّ الموصوف بأنّه دعا له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله: اللهم بارك في صفقة يمينه .. نعم في الاستيعاب من كتب العامة: «غرفة الأزدي بالغين المعجمة».

لكن عن شيخ الطائفة في رجاله و كذا العلّامة قدّس سرّهما في الخلاصة: عرفة الأزدي من أصحاب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعا له، فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه».

و في مضاربة التذكرة «عروة بن لبيد البارقي» «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 277 آخر الصفحة.

(2) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 250، السطر 10.

ص: 362

في بعض المقامات (1) يظهر منها خروج هذا الفرض (2) عن الفضولي، و عدم (3)

______________________________

(1) مثل ما نقله السيد العاملي قدّس سرّه عن المستدلّين على صحة بيع الفضولي، بقوله: «احتج الأوّلون بأنّ السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط، و كلّها كانت حاصلة إلّا رضا المالك، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام عمله ..» «1» فراجع.

(2) و هو العقد المقرون برضا المالك باطنا، مع عدم إذن منه بذلك، لا صريحا و لا فحوى.

(3) معطوف على «خروج» أي: يظهر عدم وقوفه على الإجازة.

______________________________

و احتمال تعدّد الواقعة «2»- كما في كلام بعض الأعاظم- فلا يكون تردّد اسم صاحب القصة موهنا لا يخلو من بعد، مع وحدة المتن و خصوصيات الواقعة.

ففيه أوّلا: ضعف سنده، لما قيل من أنّه بنفسه غير موثق عندنا. و لعدم ذكره مسندا في أصول الشيعة المشهورة. و لذا قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه: «و معلوم عدم صحة الرواية و معارضتها بأقوى منها» «3».

و لكن دفعه في الجواهر «بأنّ خبر عروة البارقي قد أغنت شهرته عن النظر في سنده» «4».

و في الرياض «دعوى انجبار قصور سنده بالشهرة» «5».

أقول: الملاك في حجيّة الخبر هو الوثوق بالصدور المعبّر عنه بالوثوق الخبري، دون الوثوق المخبري كما أصرّ عليه بعض الأعلام دام بقاؤه. فمع حصول الوثوق

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189، أواخر الصفحة.

(2) معجم رجال الحديث، ج 11، ص 137.

(3) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 158.

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 277.

(5) رياض المسائل، ج 1، ص 512، السطر قبل الأخير.

ص: 363

وقوفه على الإجازة، مثل قولهم في الاستدلال على الصحة (1): «إنّ الشرائط كلّها حاصلة إلّا رضا المالك» (2) و قولهم (3): «إنّ الإجازة لا يكفي فيها السكوت، لأنّه أعمّ من الرضا» و نحو ذلك (4)

______________________________

(1) أي: صحة عقد الفضولي، في قبال بطلانه رأسا.

(2) فهذا الاستثناء- مع الجمود على ظاهر «رضا المالك» و هو الرضا الباطني غير المبرز- دليل على خروج العقد المقرون به و لو بدون مبرز له من الإذن الصريح أو الفحوى عن عقد الفضولي.

(3) بالجر معطوف على: «قولهم» توضيحه: أنّ أعميّة السكوت من الرضا تدلّ على أنّ الشرط في صحة العقد و تأثيره هو الرضا الباطني، و السكوت لا يكون مبرزا له، فإذا أحرز الرضا من الخارج كفى في صحة العقد.

(4) يعني: و نحو هذين القولين من كلماتهم الدالة على خروج هذا الفرض من الفضولي.

______________________________

بصدور الخبر تشمله أدلة حجية الخبر، و لا ينظر حينئذ إلى الراوي، كما هو كذلك في بعض النبويات. فمع عدم نقل الحديث في كتب الخاصة، و فرض استناد المشهور إليه في مقام الفتوى يصحّ الاعتماد عليه و الركون إليه.

نعم مجرّد شهرة حديث في الكتب الاستدلالية أو أصول الشيعة مع عدم إحراز الاستناد إليه في استنباط الحكم لا يوجب حجيته، لأن الشهرة الجابرة لضعف السند هي الشهرة الاستنادية، لا الروائية. و كذا مع إجمال معناه.

فهذا الحديث و إن كان مشهورا من حيث النقل في الكتب الروائية و الاستدلالية، لكن إجمال معناه يمنع حجيته كما سيظهر.

و ثانيا: انّ قضية عروة مشتبهة عندنا، لاحتمال كونه وكيلا عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما يرجع

ص: 364

ثم لو سلّم كونه (1) فضوليا لكن ليس كلّ فضوليّ يتوقف لزومه على الإجازة، لأنّه لا دليل على توقفه مطلقا على الإجازة اللاحقة، كما هو (2) أحد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثم ملكه (3).

______________________________

(1) يعني: أنّه مع الغض عما ذكرنا من خروج العقد المقرون برضا مالك التصرف باطنا عن عقد الفضولي، و تسليم كونه من الفضولي- موضوعا- نمنع توقّف كلّ فضولي على الإجازة، إذ لا دليل على هذا التوقف في جميع الموارد. و عليه فالمنع حكمي لا موضوعي.

أقول: بعد تسليم كونه فضوليا يحتاج خروجه عنه حكما إلى الدليل، و إطلاق دليل توقف عقد الفضولي على إجازة مالك التصرف يشمل المقام.

(2) أي: كما أنّ عدم توقّف الفضولي على الإجازة مطلقا أحد الاحتمالات .. إلخ.

(3) بسبب اختياريّ كالبيع و الصلح و نحوهما، أو قهريّ كالإرث، فإنّه بعد التملك لا يحتاج إلى الإجازة. و حاصله: أنّ من باع مال غيره ثم تملكه يكون فضوليا حال البيع، لكن يحتمل عدم توقف صحة بيعه على الإجازة، للفرق بين أفراد الفضولي.

______________________________

إلى السّوق من المعاملات. بل في حاشية السيد «روي أنّه كان معدا لخدماته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «1».

و لا ينفي هذا الاحتمال أمره بالاشتراء، لعدم ظهور هذا الأمر في عدم كونه وكيلا، بل هو بيان لما يحتاج صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليه من شراء الشاة للأضحية أو غيرها.

كما لا ظهور في الدعاء لعروة- بالبركة في صفقة يمينه- في كون عقد عروة فضوليا حتى يكون هذا الدعاء إجازة، لأنه أعمّ، و العامّ لا يدلّ على الخاص.

كما لا ظهور لهذه القضية في كون عروة عالما برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله، حتى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

ص: 365

مع (1) أنّه يمكن الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما، إذ وقوعه برضاه لا ينفكّ عن ذلك (2) مع الالتفات.

ثمّ (3) إنّه لو أشكل في عقود غير المالك فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا مع العلم برضا السيد و لو لم يأذن له، لعدم تحقق المعصية

______________________________

(1) هذا ناظر إلى التوسعة في الإجازة بجعل الرضا الحاصل بعد البيع آنا ما إجازة، فلا تختص الإجازة بما إذا كان الرضا مفقودا ثم أنشأها المالك.

(2) أي: عن الإجازة آنا ما مع الالتفات إلى البيع، فمحصّل ما أفاده إلى هنا: أنّ العقد المقرون برضا المالك باطنا إمّا خارج عن الفضولي موضوعا، و إمّا خارج عنه حكما.

(3) غرضه أنّ الإشكال في عقد غير المالك مع رضا المالك باطنا حين العقد

______________________________

يصح الاستدلال بها على المطلوب، و هو عدم الحاجة إلى إجازة المالك للتصرف مع رضاه باطنا حين العقد. فتكون قضية عروة أجنبيّة عن عقد الفضولي و عن العقد المقرون برضا مالك التصرف من دون صدور إذن منه.

و لا ظهور في تبريكه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في تمامية المعاملة بسبب الرضا حتى يصح الاستدلال به على كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة. و ذلك لاحتمال كون التبريك متمما للبيع، و إجازة له بلسان التبريك، فيكون من الفضولي المجاز. و الظهور المزبور منوط بكون التبريك متمحضا في الدعائية لا متمما للمعاملة، و كلّ منهما محتمل. و مع الاحتمال يبطل الاستدلال.

لا يقال: إنّه يمكن أن يدّعى علم عروة برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حيث إنّه تصرف في العوض و المعوّض بالإقباض و القبض، إذ لو كان البيع فضوليا لم يجز له هذا التصرف إلّا بعد الإجازة.

ص: 366

______________________________

فإنّه يقال أوّلا: إنّه لم يعلم حال عروة من حيث علمه بالحكم الشرعي، و أنّه لا يجوز له التصرف إلّا بعد الإجازة، حتّى يدّعى علمه برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلعلّه كان جاهلا بالحكم.

و ثانيا: أنّ علمه- بعد تسليمه- لا يجدي إلّا في التصرف الخارجي دون الاعتباري، لعدم استلزام الرضا بالتصرف الخارجي للتصرف الاعتباري، لإمكان الرضا بالقبض و الإقباض فقط، أو الرضا بإنشاء العقد دون القبض. فمجرّد الرضا بالتصرف الخارجي لا يلازم الرضا بإنشاء المعاملة. هذا بالنسبة إلى بيع الشاة.

و أمّا بالنسبة إلى شراء الشاتين بدينار فيحتمل أن يكون شراء كلتيهما فضوليا، لظهور الأمر بشراء شاة في شراء شاة واحدة، فكان وكيلا في شراء شاة واحدة لا شاتين.

و يحتمل أن يكون شراء إحداهما فضوليا دون الأخرى، لثبوت وكالته في شراء واحدة.

و يحتمل صحة شرائهما معا، بحمل الشاة الموكّل في شرائها على الجنس الشامل للواحد و المتعدد.

هذا إذا كان شراؤهما ببيع واحد. و إذا كانا ببيعين كان الشراء الأوّل صحيحا و الثاني فضوليا.

فصار المتحصل: أنّ قضية العروة لضعف سندها و إجمالها لا تصلح للاستدلال بها على خروج البيع الصادر من غير المالك للتصرف- مع رضا المالك باطنا و عدم إذنه و إجازته- عن بيع الفضولي حتى لا يحتاج إلى إجازة المالك.

قال بعض الأعاظم: الحقّ أن يقال: إنّ الرضا الباطني ممّن له حق في العين بدون مبرز له من الاذن و الإجازة كاف في عقد المالك الممنوع من تصرفه في ماله، لتعلق حق الغير به كحق الرهانة، فإذا باع الراهن المالك العين المرهونة مع رضا المرتهن بذلك البيع صحّ البيع و لزم، و لا يحتاج إلى الإجازة الموجبة لإضافة العقد إلى المالك، إذ المفروض

ص: 367

______________________________

صدور العقد من نفس المالك، و المانع تعلق حق الغير به، فإذا رضي بالبيع أسقط حقّه، بخلاف غير المالك، فإنّه لا يضاف إلى المالك و لا يصير عقدا له حتى يجب عليه الوفاء به. فإذا صار عقدا له عرفا وجب الوفاء به. و لا يمكن أن يكون كذلك إلّا بأن يضيفه هو إلى نفسه و لو مسامحة بوسيلة الإجازة، لتوقف إضافة العقد إلى شخص حقيقة على صدوره منه مباشرة أو تسبيبا عقديا كالتوكيل، أو خارجيا كبيع الرّعية إذا أمرهم السلطان به. و ليست الإجازة إلّا إظهار الرّضا بالعقد، و الإكتفاء بالإجازة في صحة العقد دليل على عدم لزوم انتسابه إلى المالك بنحو التسبيب.

و مجرّد علم الغير برضا المالك لا يوجب إضافة العقد إليه عرفا، فإنّ الرضا في مقابل عدم الميل، و مجرّد الميل النفساني إلى بيع ماله لا يوجب صحة إضافة البيع إليه، بل لا بدّ من إبرازه حتى يصدق الالتزام بنقل ماله.

و لو فرض شكّ في صيرورته عقدا له بمجرّد العلم برضاه لم يجز التمسك بمثل «أوفوا» لإثبات وجوب الوفاء عليه، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية هذا «1».

و لا يخفى أنّ كون إجازة المالك سببا لإضافة العقد إليه لا توجب كفاية الرضا الباطني لمن عليه حقّ في أحد العوضين إلّا إذا دلّ دليل على كفايته، فإنّ الإجازة تارة توجب إضافة العقد إلى المالك، و اخرى توجب ارتفاع المانع عن تأثير العقد، و لم ينهض دليل على انحصار فائدة الإجازة في إضافة العقد إلى المالك.

و عليه فمجرّد رضا المرتهن لا يكفي في صحة بيع العين المرهونة، بل لا بدّ من الإذن أو الإجازة. و كذا رضا الغرماء في بيع المفلّس، و كذا إذن الوارث في نفوذ وصية مورّثهم فيما زاد على الثلث، فإنّ التعبير بالإذن و الإجازة في أمثال هذه الموارد ظاهر في أنّ العبرة بهما، لا بمجرّد الرضا الباطني و لو لم يبرز بمبرز.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 12.

ص: 368

______________________________

و لو شك في كفاية مجرد الرضا النفساني و سقوط حقه به فمقتضى أصالة الفساد في العقود عدم كفايته، فإنّ الشك يكون في رافعيّة الموجود، حيث إنّه يشك في أنّ مجرد الرضا رافع للحق كحق الرهانة أولا، فيستصحب الحقّ.

و قد ظهر مما ذكرنا أمران:

أحدهما: أنّ الإجازة إمّا مقتضية للتأثير، كما في إجازة المالك الموجبة لإضافة العقد إليه، و إمّا شرط للتأثير، كما في إجازة كل ذي حق متعلّق بأحد العوضين.

فلا تنحصر فائدة الإجازة في إضافة العقد إلى المالك حتى يقال: إنّ العاقد إذا كان هو المالك لم تكن حاجة إلى إجازة من له حق في أحد العوضين، بل يكفي رضاه الباطني في تأثير العقد كما يظهر من تقريرات بعض الأعاظم دامت أيام إفاداته الشريفة، مع تصريحه في رسالته العملية بلزوم إجازة الوارث في تنفيذ الوصية بالنسبة إلى الزائد على الثلث، و عدم كفاية رضاه باطنا في نفوذ الوصية بالنسبة إلى الزائد.

و ما أفاده من التفصيل بين المالك و غيره- بكفاية الرضا الباطني في غير المالك، و عدم الحاجة إلى الإجازة، و عدم الكفاية في المالك، و توقف تأثير العقد على إجازته- من إفادات شيخه المحقق الأصفهاني على ما في شرحه للكتاب «1» و ردّ على المحقق النائيني قدّس سرّه، حيث قال مقرر بحثه العلّامة الشيخ موسى الخوانساري قدّس سرّه: «و الحق عدم خروج العقد الصادر من غير من بيده زمام أمر المعقود عليه بمجرد الرضا الباطني من المالك و من له الحق مرتهنا كان أو مولى. و ذلك لأنّه لو كان أمر العقد موقوفا و غير ماض إمّا لعدم كون العاقد مالكا أو لعدم كونه مستقلّا، فلا يخرج عن التوقيف إلّا باستناده إلى المالك أو ذي الحق و الاستناد و التنفيذ من الأمور الإنشائية، و يكونان كسائر الإيقاعات لا بدّ من إيجادها إمّا باللفظ أو بالفعل، فلا الكراهة الباطنية ردّ، و لا الرضا

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 130.

ص: 369

______________________________

الباطني إجازة، بل كل منهما يحتاج إلى كاشف» «1».

ثم إنّه لا فرق في اعتبار إبراز الرضا و عدم كفاية الرضا النفساني في إذن غير المالك أو إجازته بين أن يكون معتبرا في صحة العقد أو في لزومه.

و بعبارة أخرى: اختلاف المشروط بالإذن أو الإجازة في كونه الصحة أو اللزوم لا يوجب تفاوتا في اعتبار الإنشاء في الإذن و الإجازة، فلا يكفي الرضا النفساني فيمن له حقّ في العين التي جرى عليها العقد، كعدم كفايته من نفس المالك.

فصار المتحصل من جميع ما ذكرنا: أنّه لا فرق في عدم كفاية الرضا الباطني بين المالك و غيره ممّن له حقّ في متعلّق العقد، خصوصا بعد ملاحظة كون الرضا الباطني و الإذن و الإجازة من مقولتين، إذ الرضا انفعال النفس، و الإذن و الإجازة فعل النفس، و المقولات متباينات.

و مع الشك في شرطية أحدهما المعيّن بعد العلم بشرطية أحدهما في الجملة- و عدم ما يوجب تعيّنه- لا محيص عن الرضا المبرز بالإذن و الإجازة، إذ بدون المبرز يشك في ترتب الأثر على العقد. و مقتضى أصالة الفساد عدم ترتبه بعد وضوح قصور العمومات عن تعيين ما هو شرط، إذ هي مرجع لنفي الشك في أصل الشرطية دون كيفيتها، مع تباين الكيفيتين، لكونهما من مقولتين. إلّا إذا كان لدليل الشرط إطلاق يقتضي إطلاق الكيفية. كما إذا فرض لدليل اعتبار الرضا في العقد إطلاق ينفي احتمال اعتبار مقارنته للعقد، فلا إشكال حينئذ في عدم اعتبارها فيه تمسكا بالإطلاق المزبور.

و كيف كان فمقتضى استدلال المصنف قدّس سرّه لصحّة عقد الفضولي هنا و فيما يأتي بعموم أدلة البيع و العقود كون عقد الفضولي على طبق القاعدة، إذ خلوّه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه. و احتمال اشتراط سبق الاذن في تأثيره- لا في عقديته- منفي بالإطلاقات.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 210.

ص: 370

______________________________

فالنتيجة: أنّ المصنف حيث إنّه لا يعتبر في عقدية العقد استناده إلى من بيده زمام البيع، و إنّما اعتبر فيه الرضا فقط، فقد استدلّ على كون عقد الفضولي مطابقا للقاعدة بالعمومات، إذ المتيقن من تخصيصها فقد الإذن و الإجازة معا. فعقد الفضولي غير الفاقد لهما داخل في العمومات، و يكون على طبق القاعدة.

و أمّا بناء على اعتبار استناد العقد إلى من بيده أمره فينبغي الاستدلال لصحته بالعمومات بوجه آخر، و هو: أنّ الرضا و الاستناد معا و إن كانا معتبرين في صيرورة العقد عقد المالك، إلّا أنّ المتيقّن اعتبارهما في ناحية المسبب، و هو حاصل المصدر كالنقل و الانتقال، لا في السبب و هو الإيجاب و القبول اللفظيّان، لأنّ من ينشئ العقد سواء أ كان هو المالك أم الوكيل أم الفضولي إنّما ينشئ المقابلة بين العوضين، فيقول: «بعت هذا بهذا» و لا يقول المالك: «بعت مالي بمال المشتري» و لا يقول الوكيل أيضا: «بعت مال الموكل» بحيث يضاف المالان إلى المالكين أو الموكلين. فلا فرق في إنشاء مبادلة مال بمال بين إنشاء المالك و الوكيل و الفضولي.

و عليه فالمعتبر استناد خصوص المسبب إلى المالك، و هو يحصل بإجازته.

بل لا معنى لاستناد نفس السبب و هو ألفاظ الإيجاب و القبول إلى المالك، لأنّها لا تتغير بالإجازة عمّا وقعت عليه، فلا يتعلّق شك باعتبار الاستناد إلى المالك في نفس السبب حتى يرجع في نفيه إلى الإطلاقات.

و الحاصل: أنّ جهة مطابقة الفضولي للقاعدة هي اعتبار الرضا و الاستناد في المسبب كالنقل و الانتقال، و هو يتوقف على إجازة المالك، و بحصولها يتحقق الاستناد إليه. هذا مختار المحقق النائيني قدّس سرّه.

و أمّا مختار الشيخ الذي هو عدم اعتبار الاستناد إلى من بيده أمر البيع و اعتبار رضاه فقط، فدليله العمومات، إذ الخارج منها تخصيصا هو العقد الفاقد للإذن و الإجازة معا. فالعقد المقرون بالرضا داخل في العقود التي يجب الوفاء بها.

ص: 371

______________________________

و لا يبعد كون ما أفاده الميرزا النائيني قدّس سرّه هو الحق، لأنّ المأمور بوجوب الوفاء بكل عقد هو العاقد تسبيبا أو مباشرة، أو من يضاف إليه العقد بالإذن أو الإجازة كما يظهر من النصوص و إن لم يساعده العرف.

ثم إن الإجازة تضيف نتيجة العقد- و الحاصل من المصدر- إلى المالك، لا ألفاظ العقد، فإنّها متصرمة الوجود بخلاف نتيجته، فإنّها موجودة في وعاء الاعتبار، فتجاز.

و بالجملة: فنفس ألفاظ العقد لتصرمها و انعدامها لا تصلح للإجازة و الاستناد إلى المالك، فإنّ ما وقع لا يتغير عما وقع عليه، و لا معنى لاتصاف المعدوم بأمر وجودي، فلا بدّ من كون المجاز نتيجة العقد التي هي موجودة اعتبارا، و هي المضافة إلى المالك، لا نفس الألفاظ المتصرّمة كما مرّ.

و قد يقال في تقريب عدم كون الفضولي مطابقا للقاعدة: إنّ حقيقة الإجازة تنفيذ ما صدر عن الغير، فنفس الإجازة يقتضي كون المجاز فعل غير المجيز، فكيف يصير عقد الفضولي عقد المجيز حتى يشمله عموم أوفوا؟

و الحاصل: أن الإجازة بنفسها تدفع انتساب العقد إلى المجيز. و عليه فلا يمكن أن يصير عقد الفضول عقد المالك حتى يكون مطابقا للقاعدة، هذا.

لكن فيه: أنّ موضوع «أَوْفُوا» هو العقد المضاف بنحو من الإضافة إلى المالك و إن لم يكن صادرا منه و لو تسبيبا، و لذا قال عزّ و جل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم يقل: أوفوا بما عقدتم حتى يكون الموضوع خصوص العقد الصادر من المالك بحيث يعدّ من أفعاله.

فالعقد العرفي المقرون برضا المالك موضوع ل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ سواء أ كان مجري العقد نفس المالك أم أجنبيا، فإنّه لا دليل على اعتبار كون مجري الصيغة نفس المالك، بل الدليل قام على اعتبار رضا المالك في مبادلة ماله بمال آخر، إذ لا يعتبر إضافة العوضين إلى مالكيهما في نفس العقد، بأن يقول الموجب: «بعت مالي بمالك» بل يقول: بعتك هذا المال بذلك المال.

ص: 372

لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار [1] و عدم (1) منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف.

[الصور المتصورة في بيع الفضولي]
اشارة

ثم اعلم (2) أنّ الفضولي قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه. و على الأوّل (3) فقد لا يسبقه منع من المالك، و قد يسبقه المنع، فهنا مسائل ثلاث:

______________________________

- من حيث الاحتياج إلى إجازة المالك و عدمه- مختص بغير عقد العبد مع العلم برضا السيد. أمّا عقده مع العلم برضا سيده فلا إشكال في صحته و لو لم يأذن له السيد، و ذلك لأنّ مناط عدم صحته- و هو عصيان السيد- مفقود فيه، ضرورة أنّه مع علمه برضا مولاه ليس عاصيا و لا متجرّيا له.

(1) معطوف على «عدم تحقق المعصية» و ضمير «منافاته» راجع إلى «عدم الاذن» المستفاد من قوله: «و لو لم يأذن له» و محصّله: أنّ العلم برضا المولى يخرج العبد عن الاستقلالية في التصرف، و المنافي للاستقلالية هو إنشاء العقد من دون إذن السيد و لا العلم برضاه.

(2) هذا شروع فيما يقع في الخارج من أقسام الفضولي الثلاثة.

(3) و هو أن يبيع الفضولي للمالك لا لنفسه.

______________________________

[1] أقول: لكن تعليل المتن بعدم المعصية مختص بصورة العلم برضا السيد حين العقد، فلا يشمل ظهور الرضا بعد العقد مع جهل العبد برضا المولى حاله.

و لا يخفى أنّه ينبغي تعميم ما أفاده من عدم الحاجة إلى الإجازة لكلّ عقد كانت فضوليته لتعلق حق الغير به، سواء أ كان مولى أم وليّا أم صاحب حقّ كحق الرهانة، لأنّ عدم الاستيذان الذي هو مناط عدم صحة عقد العبد موجود فيهم أيضا. و المراد بعصيان السيد هو العقد بدون إذنه، و العصيان بهذا المعنى موجود في جميع العقود الفضولية.

ص: 373

[الصورة الاولى: أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك]
اشارة

الاولى: أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك. و هذا (1) هو المتيقّن من عقد الفضولي. و المشهور الصحة (2)، بل في التذكرة نسبها (3) إلى «علمائنا» تارة صريحا، و اخرى ظاهرا بقوله: «عندنا» إلّا أنّه (4) ذكر عقيب ذلك: «أنّ لنا فيه قولا بالبطلان».

______________________________

(1) أي: البيع للمالك بدون سبق منع من المالك.

(2) أي: صحة بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك.

(3) أي: نسبة الصحة إلى علمائنا صريحا تارة و ظاهرا اخرى. أمّا الصريح فقوله في فروع بيع الفضولي- في ما لو اشترى بمال في ذمة غيره، و أطلق اللفظ- ما لفظه قدّس سرّه: «قال علماؤنا: يقف على الإجازة، فإن أجاز صحّ و لزمه أداء الثمن» «1».

و أما الظاهر في الإجماع فقد تكرّر في التذكرة، كقوله: «بيع الفضولي جائز عندنا، لكن يكون موقوفا على إجازة المالك» و نحوه في بيع ما يملك و ما لا يملك، و في الوكالة، فراجع «2».

(4) أي: أنّ العلّامة ذكر- عقيب نسبة الصحة إلى الأصحاب- أنّ لنا قولا بالبطلان- و الذي ظفرت عليه قول العلّامة قبل دعوى الإجماع لا عقيبه، حيث إنه بعد حكمه بصحة الفضولي و توقفه على الإجازة نقل فيه البطلان عن بعض العامة فقال: «و قال أبو ثور و ابن المنذر و الشافعي في الجديد و أحمد في الرواية الأخرى:

يبطل البيع، و هو قول لنا ..» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، السطر: 3.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486. السطر: 1، و ص 463، السطر 19 و ج 2، ص 127، السطر 11

(3) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر 41.

ص: 374

و في غاية المراد «1» حكى الصحة عن العمّاني و المفيد و المرتضى و الشيخ في النهاية و سلّار و الحلبي و القاضي و ابن حمزة «2»، و حكيت عن الإسكافي «3»، و استقرّ عليها رأي من تأخّر (1) عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخّرين كالأردبيلي «4» و السيد الداماد و بعض متأخري المحدثين (2).

______________________________

و كيف كان فقد حكي البطلان عن شيخ الطائفة في الخلاف و المبسوط مدعيا الإجماع عليه، و لكنه اختار الصحة في نهايته، و حكي البطلان عن ابن إدريس أيضا.

(1) كالمحقق و الفاضل الآبي و العلّامة في جملة كتبه، و الشهيد و غيرهم كما في مفتاح الكرامة «5».

(2) و هو صاحب الحدائق «6»، و السيد الجدّ السيد المحدث الجزائري قدّس سرّهما في

______________________________

(1) غاية المراد، ص 178.

(2) لم أظفر بكلام العماني، و راجع المقنعة للشيخ المفيد، ص 606- الناصريات للسيد المرتضى (ضمن الجوامع الفقهية) ص 247، المسألة 154- النهاية للشيخ الطوسي، ص 385- الكافي لأبي الصلاح الحلبي، ص 292- الوسيلة لابن حمزة الطوسي، ص 249- المهذب للقاضي ابن البرّاج، ج 2، ص 194، 195، 216.

(3) حكاها عنه العلامة في المختلف، ج 5، ص 53.

(4) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 417- مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 158.

(5) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 185 و لاحظ: شرائع الإسلام، ج 2، ج 14 و 278- المختصر النافع، ص 118 و 173- كشف الرموز، ج 1، ص 446- مختلف الشيعة ج 5، ص 54- قواعد الأحكام، ج 2، ص 148- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 8- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486- التنقيح الرائع، ج 2، ص 25- الدروس الشرعية، ج 3، ص 192- اللمعة الدمشقية (ضمن الروضة البهية) ج 3، ص 229- جامع المقاصد، ج 4، ص 69 و ج 12، ص 150- مسالك الافهام ج 3، ص 158، ج 7، ص 159، الروضة البهية، ج 3، ص 229، و ج 5، ص 140

(6) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 378.

ص: 375

[المقام الأوّل: ما استدل به على صحة عقد الفضولي]
[الطائفة الأولى الأدلة العامة]
[أ: عموم الكتاب]

لعموم أدلّة البيع و العقود (1)

______________________________

شرح التهذيب على ما قيل.

و كيف كان فهنا مقامان، أحدهما في دليل الصحة، و ثانيهما في دليل البطلان.

المقام الأوّل: ما استدل به على صحة عقد الفضولي أ: عموم الكتاب

(1) هذا شروع في الوجوه التي أقامها الأعلام- المذكورون في المتن و غيرهم- على صحة البيع الفضولي، و اقتصر المصنف على ذكر وجوه عشرة، و قد رتّبها قدّس سرّه في طوائف ثلاث.

الاولى: ما يستدل به على المدّعى، و هو أربعة أوجه، العمومات، و حديث عروة البارقي، و صحيحة محمد بن قيس الواردة في بيع جارية استولدها المشتري، و ما يدل بالأولوية على صحة البيع الفضولي من صحة نكاحه.

الطائفة الثانية: ما اختلف تعبير المصنف فيه، من الدلالة أو الاستيناس أو التأييد، و هو موثقة جميل، و أخبار التجارة بمال اليتيم.

الطائفة الثالثة: ما جعله مؤيّدا لصحة البيع الفضولي، و هو خبر موسى بن أشيم و ما بعده. و سيأتي تفصيل الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

و الكلام فعلا في الدليل الأوّل من الطائفة الاولى، و هو اندراج بيع الفضولي في إطلاق «حلّ البيع» و عموم الوفاء بالعقود، لاجتماع الشرائط في المتعاقدين- من الكمال و القصد إلى المدلول- عدا رضا المالك، و هو حاصل بالإجازة اللاحقة للعقد.

ص: 376

لأنّ خلوّه (1) عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه (2). و اشتراط ترتّب الأثر بالرضا و توقفه عليه أيضا (3) لا مجال (4) لإنكاره، فلم (5) يبق الكلام إلّا في اشتراط سبق الإذن، و حيث لا دليل عليه فمقتضى الإطلاقات عدمه (6).

و مرجع ذلك (7) كلّه إلى عموم حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقد، خرج

______________________________

(1) أي: لأنّ خلوّ عقد الفضولي عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد عنه، غاية الأمر أنّه عقد ناقص، لانتفاء شرطه و هو إذن المالك. فالعقد لا يناط صدقه- على عقد الفضولي- بشي ء غير الإيجاب و القبول، و إذن المالك شرط تأثيره، لا مقوّم عقديّته.

(2) أي: عن عقد الفضولي، لأنّ العقد هو الإيجاب و القبول، و كلاهما موجود فيه.

(3) يعني: و اشتراط ترتّب الأثر كالنقل و الانتقال على عقد الفضولي برضا المالك- كعقديّته- لا مجال لإنكاره، و هذا الاشتراط مسلّم، كتسلّم صدق العقد عليه.

(4) خبر قوله: «و اشتراط». و ضمير «لإنكاره» راجع إلى اشتراط.

(5) يعني: فلا نقص في عقد الفضولي من حيث التأثير إلّا فرض اعتبار سبق إذن المالك، و حيث إنّه لا دليل على اعتباره فيه مع صدق العقد العرفي عليه بدونه، فمقتضى الإطلاقات ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ عدم اشتراط سبق إذن المالك في تأثير العقد في معنى الاسم المصدري، و هو الملكيّة المترتبة على الإنشاء.

(6) أي: عدم اشتراط سبق الإذن و ضمير «عليه» راجع إلى «اشتراط».

(7) أي: مرجع عدم اشتراط سبق إذن المالك في تأثير عقد الفضولي إلى

ص: 377

منه (1) العاري عن الإذن و الإجازة، و لم يعلم خروج ما فقد (2) الإذن و لحقه الإجازة (3).

و إلى ما ذكرنا (4) يرجع استدلالهم «بأنّه (5) عقد صدر من أهله وقع في محله» «1».

______________________________

الإطلاقات، حيث إنّها تصلح لنفي اعتبار كلّ ما شكّ في دخله في تأثير عقد الفضولي بعد صدق العقد العرفي عليه، و عدم قدح خلوّه عن الإذن المقارن لصدوره في صدق العقد عليه عرفا.

(1) أي: خرج من عموم حلّ البيع و غيره العقد العاري عن كلّ من الإذن و الإجازة، لأنّه حينئذ لا يكون عقدا لأحد حتى يخاطب بوجوب الوفاء، ضرورة أنّه ليس عقدا للفضولي، لأجنبيته عن المال الذي وقع عليه العقد، و لا لمالك البيع، لعدم كونه عاقدا لا مباشرة و لا تسبيبا، فليس لهذا العقد مخاطب حتى يجب عليه الوفاء به.

(2) الأولى ان يقال: «فقده الإذن» أو «فقد الإذن منه» للزوم اشتمال الصلة على الضمير العائد إلى الموصول.

(3) هذا متمّم للاستدلال بالعمومات، و حاصله: أنّه بعد صدق العقد عرفا على عقد الفضولي غير المقارن لإذن المالك- و المتعقب بالإجازة الموجبة لإضافته إلى المالك و صيرورته عقدا له- لا وجه لخروجه عن العمومات.

(4) من أنّ خلوّ عقد الفضولي عن الإذن السابق عليه لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه.

(5) أي: عقد الفضولي صدر من أهله وقع في محله.

______________________________

(1) كما في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486، السطر 2، مختلف الشيعة، ج 5، ص 54، المهذّب البارع، ج 2، ص 356، مسالك الافهام، ج 7، ص 159، رياض المسائل، ج 1، ص 512، المناهل ص 287.

ص: 378

فما (1) ذكره في غاية المراد من «أنّه من باب المصادرات» «1» لم أتحقّق (2) وجهه، لأنّ (3) كون العاقد أهلا للعقد من حيث إنّه بالغ عاقل لا كلام (4) فيه.

و كذا كون المبيع قابلا للبيع، فليس محلّ الكلام إلّا خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك، و هو مدفوع بالأصل (5).

و لعلّ مراد الشهيد (6)

______________________________

(1) متفرّع على ما ذكره من أنّ خلوّ عقد الفضولي عن إذن المالك- قبل العقد- لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه. و محصل الكلام: أنّ الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد أورد على استدلال الفقهاء على كون عقد الفضولي صادرا من أهله في محله، و أنّ خلوّه عن سبق الإذن لا يوجب سلب اسم العقد عنه «بأنّه مصادرة على المطلوب، لأنّ صدوره من أهله أوّل الكلام، و لا بدّ من إثباته بدليل».

(2) خبر قوله: «فما ذكره» و لعل نظره في ذلك إلى الإشكال في صدق الإضافة إلى المالك بالإجازة، مع ذهابه إلى أنّ موضوع الحكم هو العقد المضاف إلى المالك، فيرجع إلى الأصل العملي، و هو أصالة الفساد.

(3) تعليل لقوله: «لم أتحقق وجهه» و حاصله: أنّه لا قصور في عقد الفضولي لا من حيث العاقد، لأنّه بالغ عاقل، و لا من حيث المبيع، لكونه قابلا للبيع، فلا يبقى في البين إلّا خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك. و احتمال اعتبارها في صحة العقد مدفوع بأصالة الإطلاق في العقود النافي لاعتبار المقارنة المذكورة فيها.

(4) خبر قوله: «لأنّ كون».

(5) و هو أصالة الإطلاق في العقود، فثبت أنّ عقد الفضولي عقد كسائر العقود.

(6) من «أنّ عقد الفضولي عقد صدر من أهله وقع في محله من باب المصادرات» و وجه المصادرة عدم إحراز أهلية العاقد، لتقوّمها بالملك أو الولاية، و المفروض انتفاء كليهما، فليس الفضول أهلا حتى يصدر منه العقد و يقع في محله.

______________________________

(1) غاية المراد، ص 178.

ص: 379

أنّ الكلام في (1) أهلية العاقد. و يكفي [و يكتفى] في إثباتها (2) العموم [بالعموم] المتقدّم (3).

[ب: حديث عروة البارقي]

و قد اشتهر الاستدلال عليه (4) بقضية عروة البارقي، حيث دفع إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دينارا، و قال له: «اشتر لنا به شاة للأضحيّة، فاشترى به شاتين، ثم باع إحداهما في الطريق بدينار، فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالشاة و الدينار، فقال له

______________________________

(1) خبر قوله: «ان الكلام».

(2) أي: إثبات الأهلية. و هذا ردّ من الشيخ على الشهيد قدّس سرّهما، و حاصل الردّ:

أنّه يكفي في إثبات أهلية العاقد عموم كلامه المتقدّم في تعريف الفضولي، حيث قال:

«و المراد من الفضولي هو الكامل غير المالك للتصرف .. إلخ» و الحاصل: أنّ أهلية العاقد من حيث كونه بالغا عاقلا حرّا مختارا مسلّمة، فعدم أهليته لم يظهر وجهه.

و بهذا البيان أورد الشهيد الثاني في نكاح المسالك على المصادرة التي ادعاها الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد، فراجع «1».

(3) في تعريف الفضولي في أوائل المسألة، و قد مرّ آنفا بقولنا: «و المراد من الفضولي هو الكامل».

ب: حديث عروة البارقي

(4) أي: على بيع العاقد الفضولي للمالك. و هذا شروع في الاستدلال على صحة عقد الفضولي بالروايات، بعد الفراغ من شمول آيات حلّ البيع و التجارة و عموم الوفاء بالعقود له.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 7، ص 159.

ص: 380

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بارك اللّه لك في صفقة يمينك» «1» فإنّ بيعه وقع فضولا (1) و إن وجّهنا شراءه على وجه (2) يخرج عن الفضولي، هذا.

و لكن (3) لا يخفى أنّ الاستدلال بها يتوقف على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع (4) الفضولي. توضيح ذلك (5): أنّ الظاهر علم عروة برضا

______________________________

(1) يعني: أنّ مورد الاستدلال هو بيع إحدى الشاتين، حيث إنّه لم يكن مأذونا في بيعها.

(2) بأن يقال: إنّ المراد بالشاة في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اشترلنا به شاة» هو الجنس، فيعم الثنتين أيضا.

لكنه خلاف الظّاهر، لأنّ ظهور تنوين النكرة في الوحدة.

أو يقال: إنّ القرينة الحالية و هي كون الشاة للأضحية توجب الاذن في شراء الشاة مطلقا و إن توقف على شراء شاة أخرى معها، كما إذا كان مالك الشياة لا يبيع إلّا شاتين أو أزيد، و هذا أيضا خلاف الظاهر، لندرة الفرض جدّا.

و لعل الأولى أن يقال: إنّ الإذن في شراء شاة واحدة بدينار إذن عرفا مطلقا في شراء شاتين به، أو فيما إذا كان الدينار مساويا لقيمة شاتين، فيخرج الشراء حينئذ عن الفضولية، فليتأمّل.

(3) غرضه: أنّ صحة الاستدلال بقضية عروة على صحة عقد الفضولي مبنية على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي، خلافا لما قوّاه سابقا من خروجها عنه.

(4) متعلّق ب «دخول».

(5) المشار إليه هو كون معاملة عروة مقرونة برضا المالك. لكن لم يظهر منشأ هذا الظهور، لعدم كونه ممّن يوثق به، و عدم ثبوت وكالته في الحوائج.

______________________________

(1) المستدرك ج 13 ص 245، الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 1. و كلمة «للأضحية» ليست في المصدر، و رواها في عوالي اللئالي، ج 3، ص 205، الحديث 36.

ص: 381

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعل، و قد (1) أقبض المبيع و قبض الثمن (2). و لا ريب أنّ الإقباض و القبض في بيع الفضولي حرام، لكونه تصرفا في مال الغير.

فلا بدّ إمّا من التزام أنّ عروة فعل الحرام في القبض و الإقباض، و هو (3) مناف لتقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و إمّا (4) من القول بأنّ البيع الذي يعلم تعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة بناء على كون الإجازة كاشفة.

و سيجي ء ضعفه (5). فيدور (6) الأمر بين ثالث، و هو جعل هذا الفرد من البيع

______________________________

(1) غرضه إثبات رضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما فعله عروة، و محصله: أنّه إن كان من بيع الفضولي فلا بدّ من الالتزام بارتكاب عروة للحرام، لحرمة القبض و الإقباض على الفضولي قبل الإجازة، لكونه تصرفا في مال الغير. و الالتزام بحرمتهما عليه مناف لتقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و المراد بالإقباض إقباض الشاة التي باعها إلى المشتري، و بالقبض قبض ثمنها و هو الدينار من المشتري.

(2) و هو الدينار، و المراد بالمبيع هو الشاة.

(3) أي: الالتزام بأنّ عروة ارتكب الحرام- في القبض و الإقباض- مناف لتقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(4) معطوف على «إمّا» يعني: و إمّا لا بدّ من القول بأنّ البيع الذي يعلم تعقبه بالإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة، بناء على كونها كاشفة، و إن كان هذا القول ضعيفا كما صرّح بذلك في كلامه: «و سيجي ء ضعفه».

(5) وجه ضعفه: أنّ البناء على كاشفية الإجازة يوجب كون الشرط وصف التعقب، مع أنّ ظاهر الأدلّة هو شرطية نفس الإجازة.

(6) يعني: بعد ضعف الالتزامين المذكورين يدور الأمر بين ثالث و رابع.

أمّا الثالث فهو خروج البيع المقرون برضا المالك عن الفضولي، و عدم كونه محكوما بحكمه.

ص: 382

- و هو المقرون برضا المالك- خارجا عن الفضولي كما قلناه (1)، و رابع (2) و هو علم عروة برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإقباض ماله (3) للمشتري حتى يستأذن، و علم (4) المشتري بكون البيع فضوليا حتى يكون دفعه للثمن بيد البائع على وجه الأمانة.

______________________________

(1) حيث قال: «و إن كان الذي يقوى في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب عدم توقفه على الإجازة اللاحقة .. إلخ فراجع (ص 357)».

(2) بالجرّ معطوف على «ثالث» يعني: فيدور الأمر بين قول ثالث و قول رابع.

أمّا الثالث فقد تقدم بيانه. و أمّا الرابع فهو علم عروة برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإقباض ماله للمشتري حتى يستأذن منه، و علم المشتري بكون البيع فضوليا، فيكون الثمن عند البائع أمانة.

(3) و هي الشاة التي باعها أي بإقباض عروة مال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للمشتري.

(4) بالرفع معطوف على «علم عروة» و حاصل القول الرابع هو: أنّ عروة كان عالما برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإقباض الشاة للمشتري، و كان المشتري أيضا عالما بكون بيع الشاة فضوليا، و كان دفعه للثمن إلى عروة على وجه الأمانة. و هذا الوجه هو رابع الوجوه المحتملة في قضية عروة.

و الوجه الأوّل الالتزام بارتكاب عروة للحرام من القبض و الإقباض ببيع الشاة و قبض الدينار.

و الثاني كون البيع الذي يعلم تعقبه بالإجازة موجبا لجواز التصرف قبل الإجازة.

و الثالث خروج العقد المقرون برضا المالك عن بيع الفضولي.

و الرابع ما تقدم بقولنا: «و حاصل القول الرابع هو أن عروة كان عالما .. إلخ».

ص: 383

و إلّا (1) فالفضولي ليس مالكا و لا وكيلا، فلا يستحق قبض المال، فلو كان المشتري عالما (2) فله أن يستأمنه على الثمن حتى ينكشف الحال [1]. بخلاف ما لو كان جاهلا (3).

______________________________

(1) يعني: و إن لم يكن دفع المشتري ثمن الشاة إلى عروة بعنوان الأمانة عنده، لم يكن وجه لقبض البائع الثمن، لعدم كونه مالكا و لا وكيلا حتى يحصل له مجوّز في القبض.

(2) أي: عالما بأنّ عروة قد باعه فضولا، فللمشتري أن يستأمن عروة على الثمن حتى ينكشف الحال.

(3) إذ مع كون المشتري جاهلا بأنّ البائع فضولي لا يكون دفع الثمن إلى المشتري على وجه الأمانة.

______________________________

[1] قد اعترض بوجوه على الاستدلال بالحديث لصحة الفضولي:

أحدها: ما عن المحقق الأردبيلي قدّس سرّه من احتمال كون عروة وكيلا مطلقا، فيكون كلّ من الشراء و البيع خارجا عن الفضولي، فلا يصحّ التمسك بقضية عروة لصحة عقد الفضولي «1».

و فيه: أنّ ظاهر الأمر بشرائه هو الوكالة في شراء شاة واحدة لا شاتين، لظهور النكرة في الفرد الواحد، فشراء شاتين أجنبي عن الموكّل فيه و خارج عن حدود الوكالة، فالشراء بالنسبة إلى كلتا الشاتين فضولي، إن لم ينحل إلى شرائين، أحدهما فضولي كما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه «2» و الآخر غير الفضولي.

و على تقدير وكالته في شرائهما يقع الكلام في بيع إحداهما، و إقباضها

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 158.

(2) غاية الآمال، ص 356.

ص: 384

______________________________

و قبض ثمنها، فإنّ وكالته في بيعها ممّا لا يدلّ عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اشترلنا شاة» فالتمسك بهذه الجملة لصحة بيع الفضولي لا بأس به.

ثانيها: أنّ عروة من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد دعا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له، و ذلك يدلّ على كونه رجلا جليلا لا ينبغي له مخالفة الشرع. و لا ريب في حرمة إقباض المبيع و قبض الثمن في الفضولي بدون إذن المالك. و احتمال عدم علمه بالحكم أو تعمد مخالفته مع العلم بالحكم موهوم. و هذا يوجب العلم بوكالته في التصرف في أمواله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو في خصوص هذه المعاملة.

و فيه: أنّ جلالة شأن عروة غير ثابتة لنا، بل قيل: إنّه غير موثق عندنا، و إن حكي عن العلّامة قدّس سرّه في الخلاصة: «أنّه لا يبعد أن يعتمد على روايته» و على كل حال لم تثبت جلالته و لا علمه بالأحكام.

ثالثها: أنّ الأمر بشي ء يتوقف على مقدمة أو مقدمات يستلزم الأمر بها، فالمأمور بإيجاد ذي المقدمة مأمور بإيجاد مقدماته و مأذون فيه. و ما نحن فيه من هذا القبيل، حيث إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر عروة بشراء شاة، و لمّا كان شراؤها موقوفا على شراء شاتين، فكان مأذونا في شرائهما مقدّمة لتحصيل شاة أمر بشرائها. و عليه فيخرج شراء الشاة الأخرى و بيعها عن عنوان الفضولي، و يكونان من قبيل ما تعلّق به الإذن و الوكالة.

و فيه: أنّ تطبيق هذا على ما نحن فيه غير معلوم، لعدم إحراز توقف تحصيل شاة- أمر عروة بشرائها- على شراء شاتين، ثم بيع إحداهما حتى يكون الأمر بشراء شاة أمرا بشراء شاتين و بيع إحداهما. و هذا مجرد احتمال لم يقم عليه شاهد، بل بعيد جدّا، لندرة وقوع الفرض، حيث إنّه يفرض فيما إذا كان أمر بيع الشياة بيد شخص لا يبيع شاة واحدة، بل شاتين أو أكثر. و هذا في غاية البعد، فلا يحمل عليه قضية عروة.

ص: 385

و لكنّ الظاهر هو أوّل الوجهين (1) كما لا يخفى (2)، خصوصا بملاحظة أنّ الظاهر (3) وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة. و قد تقدم (4) أنّ المناط فيها

______________________________

و بالجملة: ففي صورة جهل المشتري بفضولية البائع لا يكون دفع الثمن إلى البائع على وجه الأمانة. و في صورة علمه بفضولية البائع يكون أمانة مالكية حتى ينكشف الحال. فإذا تلف بدون التعدّي لا يكون ضامنا، لأنّه مقتضى الأمانة. بخلاف التلف في صورة الجهل بكون البائع فضوليّا، فإنّه ضامن للثمن المقبوض.

________________________________________

(1) المراد بهما هو الاحتمال الثالث و الرابع المذكوران بقوله: «و هو جعل هذا الفرد من البيع و هو المقرون برضا المالك .. إلى قوله و رابع و هو علم عروة .. إلخ» و المراد بأوّل الوجهين هو الاحتمال الثالث أعني به خروج العقد المقرون بالرضا عن الفضولي «1».

(2) وجه ظهور أوّل الوجهين هو: أنّ الوجه الأخير يتضمن علم المشتري بكون البيع فضوليا. و علمه أيضا بأنّ الفضولي ليس له قبض الثمن، و كذا علمه بأنّه إن كان عالما بأنّ البيع فضولي فله أن يستأمن البائع. و من البعيد إحاطة المشتري بجميع ذلك.

(3) لعلّ وجه هذا الظهور هو: أنّ صفقة اليمين تطلق على البيع و البيعة، لحصولهما بضرب إحدى اليدين على الأخرى، فظاهر التبريك حينئذ هو تبريك البيع الحاصل من الأخذ و الإعطاء، لا من اللفظ الذي لا مساس له بصفقة اليمين.

(4) أي: في ثامن تنبيهات المعاطاة، حيث استقرب في آخر التنبيه ذلك و قال:

«فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع الرضا بالتصرف» و هذا و إن كان مجديا في تحقق المعاطاة بمجرد المراضاة و وصول العوضين. لكنه قدّس سرّه بنى الاكتفاء بذلك على القول بالإباحة لا الملك، فقال في تتمة كلامه: «و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة» مع أنّ الغرض إثبات الاكتفاء بوصول العوضين في مملكية المعاطاة التي

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 2، ص 302.

ص: 386

مجرّد المراضاة و وصول (1) كل من العوضين إلى صاحب الآخر، و حصوله (2) عنده بإقباض المالك أو غيره و لو كان صبيا أو حيوانا (3)، فإذا حصل التقابض بين الفضوليين أو فضولي و غيره مقرونا برضا المالكين، ثمّ وصل كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر و علم برضا صاحبه كفى (4) في صحة التصرف.

و ليس هذا (5) من معاملة الفضولي، لأنّ (6) الفضولي صار آلة في الإيصال، و العبرة برضا المالك المقرون به (7).

______________________________

أنشأها عروة بإقباض المثمن و قبض الثمن.

(1) هذا و «حصوله» بالرفع معطوفان على «مجرّد» و ضمير «فيها» راجع إلى المعاطاة.

(2) أي: حصول كلّ من العوضين عند صاحب الآخر.

(3) بأن حملت عليه سلعة أو علّقت على عنقه إلى دار مالك العوض الآخر.

(4) جواب الشرط في قوله «فإذا حصل».

(5) يعني: إذا كان المناط في المعاطاة مجرّد المراضاة و وصول كلّ من العوضين إلى صاحب العوض الآخر بإقباض كلّ من المالكين أو غيرهما- و لو كان صبيّا أو حيوانا- فليس وصول العوضين أو أحدهما إلى صاحب العوض الآخر من باب الفضولي، لأنّ الموصل لهما أو لأحدهما آلة الإيصال، لا طرف المعاملة حتى يندرج في معاملة الفضولي.

(6) تعليل لعدم كون الفضولي طرف المعاملة حتى يندرج في معاملة الفضولي.

(7) أي: بالإيصال، يعني: أنّ الملاك في صحة التصرف هو رضا المالك المقرون بالإيصال.

ص: 387

[ج: صحيحة محمّد بن قيس]

و استدلّ له (1) أيضا تبعا للشهيد في الدروس بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة (2) باعها ابن سيّدها و أبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه، فجاء سيّدها فخاصم سيّدها الآخر، فقال: (3) وليدتي باعها ابني بغير إذني. فقال عليه السّلام: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها، فناشده (4) الذي اشتراها، فقال (5) له: خذ ابنه الذي

______________________________

ج: صحيحة محمّد بن قيس

(1) أي: لعقد الفضولي في المسألة الاولى و هي بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك، و المستدلّ جماعة منهم أصحاب الرياض و المقابس و الجواهر فراجع «1».

(2) عن ابن الأثير في النهاية بعد تفسير الوليد بالطفل: «و الأنثى الوليدة، و الجمع الولائد. و قد تطلق الوليدة على الجارية و الأمة و إن كانت كبيرة، و منه الحديث: تصدّقت على أمّي بوليدة: يعني جارية» و المراد في الحديث أيضا الأمة الكبيرة.

(3) يعني: فقال سيدها الأوّل، و هذا تفسير قوله: «فخاصم» و المراد بسيّدها الآخر هو المشتري، و فاعل «أن يأخذ» هو السيّد الأوّل.

(4) يعني: فناشد مشتري الوليدة الإمام عليه السّلام، و معنى كلمة «ناشد» أنّه سأله و أقسم عليه المشتري في أمره، كما عن النهاية. و حاصله: أنّ المشتري حلّف الإمام عليه السّلام.

(5) يعني: فقال الامام عليه السّلام للمشتري: «خذ البائع- و هو ابن سيّد الوليدة- حتى ينفّذ سيّدها لك بيع الوليدة.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 512 و 513، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 23، جواهر الكلام، ج 22، ص 278.

ص: 388

باعك الوليدة حتى ينفّذ (1) البيع لك. فلمّا رآه (2) أبوه قال له: أرسل ابني. قال:

لا و اللّه لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني. فلمّا (3) رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» الحديث «1».

______________________________

(1) كذا في الكافي و التهذيب، و الإنفاذ هو إمضاء عقد الابن. و في الاستبصار:

«حتى ينقد لك ما باعك» «2».

يعني: حتى ينقد البائع- و هو ابن السيّد الأوّل- الثمن الذي أخذه من المشتري، أو حتى ينقد نفس المبيع و هو الوليدة. و على كل منهما فحبس البائع إنما يكون بداعي إلزام أبيه بإجازة بيعه.

(2) أي: فلمّا رأى أبو البائع أنّ المشتري أخذ ابنه الذي باع الوليدة- مكان الوليدة و ابنها- اضطرّ والد بائع الوليدة، و لذا قال للمشتري: أرسل أي أطلق ابني، قال المشتري: «لا و اللّه لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني الذي ولدته الوليدة».

(3) هذا كلام الإمام أبي جعفر عليه السّلام يعني: فلمّا رأى ذلك- أي أخذ المشتري ولده بائع الوليدة- أجاز البيع حتى يطلق ابنه البائع من يد المشتري.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1 و ما في المتن تمام الحديث، فقوله: «الحديث» زائد. و هذه الرواية نقلها المشايخ الثلاثة. و سند شيخ الطائفة إلى الحسن بن على بن فضال لا يخلو من ضعف لأنّ فيه علي بن محمد بن الزبير، و لم تثبت وثاقة. فتوصيف هذا الطريق بالموثّق كما في المقابس و غيره مشكل. نعم لا بأس بما في المتن و غيره من التعبير بالصحيحة، اعتمادا على طريق الكليني قدّس سرّه، لأنه رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى نجران عن عاصم بن الحميد عن محمد بن قيس (الكافي، ج 5 ص 211، الحديث 12) و رجال هذا السند من الأجلّاء الثقات حتى إبراهيم بن هاشم على الأقوى و إن عبّر عنها صاحب المقابس بالحسن كالصحيح. و لا يخفى اختلاف الجوامع الروائية في ألفاظ الرواية، و المذكور في المتن قريب ممّا في الكافي و إن كان يغايره بسقوط بعض الكلمات.

(2) الاستبصار، ج 3، ص 205، الباب 1 من أبواب العقود على الإماء، ح 9.

ص: 389

قال في الدروس (1): «و فيها (2) دلالة على صحة الفضولي، و أنّ الإجازة

______________________________

(1) عبارة الدروس منقولة بالمعنى، و نصّ كلام الشهيد قدّس سرّه هذا: «و فيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف، و على أنّ الإجازة كاشفة» «1».

(2) أي: و في صحيحة محمد بن قيس دلالة واضحة على الفضولي موضوعا و حكما. أمّا الأوّل فلقوله: «وليدتي باعها ابني بغير إذني» مع عدم سبق منع منه عن بيعها.

و أمّا الثاني فلقوله عليه السّلام: «حتى ينفّذ البيع لك» فإنّه يدلّ على صحة البيع تأهّلا و نفوذه بالإجازة، فتدلّ هذه الصحيحة بوضوح على صحة بيع الفضولي بالإجازة، لعدم وقوع بيع آخر بين السيد الأوّل و المشتري، فالعقد الناقل هو بيع الابن الذي أجازه أبوه.

و لو لم يكن عقد الفضولي قابلا للتأثير بالإجازة اللاحقة لما أرشد أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام المشتري بإمساك الابن حتى ينفّذ أبوه عقد الفضول، بل كان المناسب أن يأمره عليه الصلاة و السّلام بإنشاء بيع آخر بين السيّد الأوّل و المشتري، و إجراء حكم المغصوب على الجارية التي استولدها المشتري.

و يدلّ على قابلية عقد الفضولي للإنفاذ كلام الإمام أبي جعفر الباقر صلوات اللّه و سلامه عليه، الحاكي لهذه القضية: «فلمّا رأى سيّد الوليدة ذلك أجاز بيع ابنه» لظهور هذه الجملة في أمرين، أحدهما: كون بيع الولد فضوليا، لعدم إذن المالك و هو أبوه.

و ثانيهما: صحة عقد الفضول بالإجازة، بعد أن علّم أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه المشتري طريق التخلص من المنازعة بما لا يذهب ثمن الجارية هدرا.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 49 إلى 233.

ص: 390

كاشفة» (1).

و لا يرد عليها (2) شي ء ممّا يوهن الاستدلال بها فضلا (3) عن أن يسقطها (4).

______________________________

(1) وجه كونها كاشفة كشفا حقيقيّا هو: أنّ الإجازة لو كانت ناقلة كانت الأمة حال تكوّن الولد فيها ملكا لسيّدها، و قد وطأها الثاني شبهة، و اللازم حينئذ على المشتري أن يردّ قيمة الولد على السيّد الأوّل، لأنّه نماء ملكه، و قد أتلفه المشتري، لانعقاد الولد حرّا تبعا لأبيه. فقاعدة الإتلاف تقتضي ضمانه لقيمة الولد، كما تقدم تفصيله في مباحث المقبوض بالعقد الفاسد، فراجع «1». مع أنّ ظاهر ذيل الحديث وقوع الإجازة للبيع بغير أخذ عوض عن الولد. و لازم ذلك وقوع الوطي في ملك الواطي، فلا يحتاج إلى عوض، و لا يكون ذلك إلّا على تقدير صحة العقد من زمان وقوعه. و هذا مبنيّ على كون الإجازة كاشفة كشفا حقيقيا.

(2) أي: على صحيحة محمد بن قيس المتقدمة.

(3) ظاهر هذه الكلمة أنّ الوهن في الاستدلال تضعيف للدلالة بقصور المقتضي، من دون أن يبلغ هذا الضعف حدّ السقوط بالكلّية، الذي هو شأن المانع و هو المسقط للدلالة بالمعارضة، فالمصنف قدّس سرّه يدّعي- خلافا لصاحب المستند- تمامية الرواية سندا و دلالة على صحة بيع الفضولي تأهّلا، و لا مزاحم لحجيتها بحيث يسقطها عن الاعتبار. نعم قد ذكر بعض ما يوهن الاستدلال بها، و لكنه قابل للدفع، حتى الموهن الذي ارتضاه المصنف قدّس سرّه من مخالفة الصحيحة لما أجمعوا عليه من عدم قابلية عقد الفضول للتنفيذ بالإجازة عند سبق الردّ. و الوجه في عدم موهنيّته ما سيأتي في المتن من قوله: «إلّا أنّ الإنصاف».

(4) أي: يسقط الشي ء الموهن صحة الاستدلال بالصحيحة. و اعلم أن الأمور

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 49 إلى 55.

ص: 391

..........

______________________________

الموهنة لهذه الصحيحة بعضها يوهن الاستدلال بها على كون بيع الفضولي موقوفا على الإجازة، و بعضها يوهن نفس الحديث، و هي أمور «1».

منها: قوله عليه السّلام: «الحكم أن يأخذ الوليدة و ابنها» فإنّ ظاهره أنّ حكم اللّه تعالى في أمثال هذه القضية هو أخذ المبيع ابتداء. و هذا إنّما يتمّ على القول ببطلان بيع الفضولي، لا على صحتها موقوفة على الإجازة.

و الجواب عنه: أنّ الامام عليه السّلام في مقام بيان الحكم مع الغضّ عن الإجازة.

و بعبارة اخرى: انّ بيع الفضولي لم يخرج المبيع عن ملك البائع، و أنّه باق على ملكه و إن كان له إخراجه عن ملكه بإجازة البيع و تنفيذه.

و منها: أنّ الإجازة في الصحيحة تكون بعد الردّ، إذ المفروض أخذ السيد الأوّل الوليدة و ابنها بأمر الإمام عليه السّلام، و الإجازة وقعت بعد الردّ، و هي غير مفيدة إجماعا، لكون الردّ مانعا عن نفوذ الإجازة.

و جوابه: أنّ الرّد- و هو حلّ العقد و إسقاطه عن صلاحيته للإجازة- لم يتحقق هنا، لعدم كون مجرّد ترك الإجازة ردّا. و الأمور المذكورة من أخذ الوليدة و ابنها و مناشدة المشتري للإمام عليه السّلام في فكاك ولده و غير ذلك ليست من اللوازم المساوية للرد، بل أعم منه، حيث إنّها مما يقتضيه الملكية السابقة، فلا تدلّ على الردّ بمعنى حلّ العقد، فإنّ وجه الفعل مجمل، فلا يدلّ أخذ الوليدة و ابنها على ردّ البيع، لإمكان أن يكون لاستنقاذ ماله من قيمة الوليدة و ابنها، حيث إنّ البائع الفضولي قبض الثمن من المشتري و أتلفه، كما لعلّه الغالب في تصرف الأولاد في أموال الآباء. و مجرّد الكراهة لا يكون ردّا، و لذا لو أجاز بعد الكراهة النفسانية كان نافذا كما تقدم في بيع المكره.

______________________________

(1) أورد الفاضل النراقي بجملة من هذه الوجوه على الاستدلال بالصحيحة، فراجع مستند الشيعة، ج 14، ص 276 و 277. كما أنه تعرض لجملة منها و لأجوبتها المحقق الشوشتري في المقابس، كتاب البيع، ص 23 و 24.

ص: 392

..........

______________________________

و منها: حكمه عليه السّلام بأخذ ابنها مع أنّه ولد الحرّ، لأنّ الظاهر أنّ الوطي كان بالشبهة أو بالملك على تقدير الإجازة بناء على كونها كاشفة. فعلى أيّ حال لا موجب لأخذ المولى الولد الذي ولدته الأمة.

و جوابه: أنّه يمكن أن يكون أخذ الولد لأجل أخذ قيمته من المشتري، و لذا قال:

الشيخ الطوسي قدّس سرّه: «الحكم أن يأخذ وليدته و قيمة ابنها. حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه» «1» أو لكون المشتري عالما بالحال، فيكون الولد حينئذ رقّا.

و منها: حكمه عليه السّلام للمشتري بأخذه البائع الفضولي، و هو ابن مولى الوليدة، مع عدم جواز ذلك، إذ غاية الأمر كون الولد غاصبا، و ليس للمشتري إلزام مالك الوليدة بإجازة البيع حتى يحبس ابنه لتحصيلها، بل هو مختار في الإجازة و الرد.

و جوابه: أنّه يمكن أن يكون حبس ابن مولى الوليدة لمطالبة الثمن الذي دفعه المشتري إليه عن الوليدة، فإنّه بحبسه يتمكن من أخذ الثمن منه، لقاعدة الغرور.

و منها: تعليم الإمام عليه السّلام للمشتري كيفية الحيلة، مع عدم جواز تعليم القاضي الاحتيال لأحد المتخاصمين أو كليهما.

و جوابه: أنّه تعليم للحكم، بأن يعلم المشتري أنّ له حقّ مطالبة الثمن الذي دفعه إلى البائع، لا أنّه احتيال، إذ الظاهر أنّ الولد البائع الفضولي أخذ قيمة الوليدة، و تلفت عنده في المدة الكثيرة التي كان سيّد الوليدة غائبا فيها. بل لا يبعد أنّ الحاجة إلى ثمنها ألجأته إلى بيعها.

و بالجملة: فلا ظهور معتدا به لشي ء من فقرات الرواية في ردّ سيّد الوليد بيعها حتى يكون إجازة بيع ولده لها فضولا بعد الرد، فيقال: إنّ الإجازة بعد الردّ لا تجدي

______________________________

(1) الإستبصار، ج 3، ص 85، ذيل الحديث الرابع.

ص: 393

و جميع ما ذكر فيها (1) من الموهنات موهونة، إلّا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد، من جهة ظهور المخاصمة [1] في ذلك (2).

______________________________

في صحة بيع الفضولي إجماعا، بل قاعدة أيضا.

(1) أي: ما ذكر في صحيحة محمد بن قيس من الموهنات التي عرفتها آنفا.

(2) أي: في الردّ، إذ لو كان مولى الوليدة راضيا ببيعها و مجيزا له لم يكن في البين مخاصمة كما عرفت. و لا يخفى أن المصنف قدّس سرّه ادّعى ظهور الصحيحة في الردّ بوجوه أربعة:

الأوّل: أنّ مخاصمة كلّ من سيد الوليدة و مشتريها على الوليدة و ابنها- في دعوى سيّد الوليدة بيعها بدون إذنه، و دعوى مشتريها بأنّها بيعت بإذن سيّدها- ظاهرة في ردّ البيع، إذ مع إجازة البيع لا وجه للمخاصمة، فنفس المخاصمة ظاهرة في ردّ سيّد الوليدة بيع ولده لها.

______________________________

[1] ظهور المخاصمة في رد البيع غير ظاهر، حيث إنّ غاية ما يدلّ عليه المخاصمة هو كراهة البيع و عدم إذنه فيه كما قال: «باعها ابني بغير إذني» و من المعلوم أنّ عدم الإجازة أعمّ من الردّ، إذ ليس الردّ و الإجازة من الضدين اللّذين لا ثالث لهما. و لو كان مجرّد الكراهة و عدم الإجازة ردّا لم يكن لصحة عقد المكره بالرضا المتأخر وجه، لاستلزامه الرضا بالعقد المردود بالكراهة الحاصلة حين العقد.

و يمكن أن تكون المخاصمة و حبس الأمة و الولد لتحصيل ثمن الجارية، إذ الظاهر أنّ البائع أتلف ثمنها، فلا تكون المخاصمة و حبس الوليدة و ابنها من أمارات الرد، و ردّ البيع على فرض عدم تحصيل الثمن تقديري لا فعليّ، و لا يعتدّ بالتقديري.

ص: 394

و إطلاق (1) [1] حكم الامام عليه السّلام بتعيين أخذ الجارية و ابنها من المالك، بناء (2) على أنّه لو لم يرد البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرّد.

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «ظهور» و هذا ثاني الوجوه الأربعة، و محصله: أنّ إطلاق حكم الامام عليه السّلام بتعيين أخذ الجارية- و عدم تقييده بصورة الردّ- يدلّ على ردّ البيع.

(2) قيد للإطلاق و تعليل له، يعني: أنّ سيّد الأمة إذا لم يرد تنفيذ البيع بالإجازة فلا بدّ من تقييد جواز الأخذ بصورة الرد.

و بعبارة أخرى: لم يفصّل أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في جواز أخذ الوليدة و ابنها بين الصورتين و هما ردّ بيع الولد و إمضائه، بأن يجوز الأخذ في صورة الرد، و لا يجوز في صورة الإمضاء و الإجازة إذ لو أجازه لم يجز الأخذ، لصيرورة الوليدة ملكا للمشتري. و لا معنى لجواز استردادها. فالحكم بجواز الأخذ مطلقا و عدم التفصيل بين صورتي الرد و الإجازة كاشف عن علمه عليه السّلام بتحقق الرّد و انتفاء موضوع الإجازة، لانهدام العقد السابق بردّ المالك.

______________________________

[1] هذا أيضا كسابقه لا يدلّ على الردّ، لأنّ جواز أخذ المبيع فضولا من المشتري لا يدور مدار الردّ، بل يدور مدار عدم الإجازة. و من المعلوم أنّ عدم الإجازة أعمّ من الردّ.

و بعبارة أخرى: جواز أخذ المبيع تكليفا من مقتضيات ملكيته لمالكه، لا من مقتضيات الرد، فتعيّن أخذ الوليدة إنّما هو لبقائها على ملك سيدها الأوّل، لا لأجل ردّ عقد الفضولي كما هو واضح جدّا.

و من هنا يظهر ما في كلام المصنف قدّس سرّه: «بناء على أنّه لو لم يرد .. إلخ» لما عرفت من عدم إناطة جواز أخذ المبيع بالردّ حتى يلزم التقييد بصورة اختيار الردّ، بل مع عدم كل

ص: 395

و مناشدة (1) [1] المشتري للإمام عليه السّلام و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده (2).

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «ظهور المخاصمة» و هذا ثالث الوجوه الأربعة، و محصّله: أنّه- بعد الحكم بأخذ المولى جاريته و ابنها- ألحّ المشتري على الامام عليه السّلام في علاج فكاك ولده المستولد من الجارية. و هذا دليل على ردّ البيع، إذ مع الإجازة- بناء على القول بكشفها الحقيقي- يكون الولد ولد المشتري، و ليس لسيّد الوليدة أخذه.

(2) أي: ولده الذي استولده من الوليدة.

______________________________

من الإجازة و الرد يجوز أخذه، لأنّه ماله و لم يخرج عن ملكه. و أخذ الجارية ليس تصرفا ناقلا حتى يكون منافيا للعقد و ردّا فعليا له.

[1] لا تدل المناشدة أيضا على ردّ البيع، بل لمّا لم يجز سيّد الوليدة البيع، و أخذ ابنها الذي هو نماؤها إلى أن ينفك الولد بأداء قيمته، فطلب المشتري من الامام عليه السّلام علاجا ليجيز البيع حتى يستردّ ولده بلا عوض بناء على كاشفية الإجازة كشفا حقيقيا، أو مع العوض بناء على ناقليتها. و على كل حال لا تكون المناشدة ظاهرة في ردّ البيع.

و منه يظهر أنّ قوله: «حتى ترسل ابني» ليس ظاهرا في ردّ البيع، بل هو ظاهر في عدم الإجازة، و لا مانع من تصرف المالك قبل الإجازة و لو على القول بالكشف.

غاية الأمر أنّ لحوق الإجازة يكشف عن بطلانه، لا أنّه لا يجوز له تكليفا قبل الإجازة.

نعم التصرف المنافي للعقد كنقل المبيع ببيع أو صلح أو غيرهما مصداق فعليّ للردّ، فيوجب انحلال العقد. و مجرد أخذ المبيع ليس مصداقا للرد، بل لكونه ملكا له.

ص: 396

و قوله: (1) [1] «حتى ترسل ابني» الظاهر في أنّه حبس الولد و لو على قيمته يوم الولادة.

و حمل (2) [2] إمساكه الوليدة على حبسها لأجل ثمنها- كحبس ولدها

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «ظهور» و هذا رابع الوجوه، و محصّله: أنّ قول المشتري لمولى الجارية: «لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني» ظاهر في أنّ سيّد الجارية قد حبس ولد المشتري المتولّد من الوليدة ليأخذ منه قيمة الولد يوم الولادة، لأنّه زمان الإتلاف و هو حرّيته. و هذا دليل على رد البيع، إذ مع الإجازة يكون الولد للمشتري.

(2) مبتدأ، خبره قوله: «ينافيه» و هذا إشارة إلى توهم و دفعه، و هما يتعلقان بالوجه الرابع أعني به دلالة إمساك الوليدة على الرد.

أما التوهم فحاصله: أنّ حبس الوليدة لم يكن لأجل استيفاء ثمنها من المشتري

______________________________

[1] هذا أيضا لا يدلّ على الردّ، لكفاية عدم الإجازة في جواز الحبس، و عدم توقّفه على الرد، إذ للمالك قبل الإجازة حتى على القول بالكشف أن يتصرف في ماله.

فلعلّ حبس الولد كان لأجل تحصيل قيمة الولد بلا ردّ منه للبيع بناء على استحقاق البائع لقيمته حتى على تقدير الإجازة بناء على كونها ناقلة. أو لعلّ حبس الولد كان لأجل الفحص عمّا تقتضيه المصلحة من الإجازة أو الردّ، فإن تمكّن- لحبسه للولد- من تحصيل قيمة الولد أخذ قيمة الولد، و ردّ البيع، و أخذ الجارية أيضا. و إن لم يتمكن من ذلك أجاز بيع الجارية. فلمّا رأى عدم تمكنه من ذلك و غلبت حيلة المشتري على حيلته أجاز البيع من دون سبق رد منه لبيع الجارية.

[2] لا حاجة إلى هذا الحمل بعد فرض بقاء المال على ملك المالك إلى أن يجيز، فله استرداده المجتمع مع عدم الإجازة و عدم الرد.

ص: 397

على القيمة- ينافيه (1) [1] قوله عليه السّلام: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الوليدة».

______________________________

كحبس ولدها على القيمة حتى لا يكون شاهدا على الردّ، إذ يحتمل أن لا يكون هذا الحبس لأجل الرد، بل لأخذ الثمن و قيمة الولد. و مع هذا الاحتمال لا يشهد الحبس المزبور بردّ البيع، إذ شهادته به منوطة بتعيّن احتمال الرد و ابطال الاحتمال الأخر.

و أمّا الدفع فسيأتي.

(1) هذا هو الدفع، و غرضه تعيّن احتمال كون الحبس لأجل الردّ، لا لأخذ الثمن و قيمة الولد، و محصله: أنّ قوله عليه السّلام: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الولد» ينافي حمل حبس الجارية و ولدها على الحبس لأخذ ثمن الوليدة و قيمة الولد، لكون كلمة «أجاز» دليلا على ردّ البيع، فتقع الإجازة حينئذ بعد الرد.

و بعبارة اخرى: انّ إمساك الوليدة و ابنها إمّا أن يكون بقصد ردّ بيع الولد و إمّا بقصد أخذ الثمن، و لكن الثاني باطل، فيتعيّن الأوّل. و الوجه في البطلان: منافاة قول الراوي: «فلما رأى سيد الوليدة ذلك أجاز بيع الولد» لأن يكون حبس الولد بقصد أخذ الثمن، لظهور الإجازة اللاحقة في كون إمساك الوليدة ردّا فعليا لبيع الولد.

______________________________

[1] قد ظهر من الحاشية السابقة عدم المنافاة، و أنّ إجازة سيد الوليدة لم تكن بعد ردّه للبيع، بل كانت في مورد عدم الإجازة، فإنّ الإمساك أعمّ من الردّ، كما عرفت ما في الحبس من الاحتمال.

فصارت النتيجة: أنّ شيئا من الوجوه الأربعة المتقدمة لا يشهد بردّ البيع حتى تكون الإجازة بعد الرد.

و لعل استظهار الردّ من ثالث الوجوه الأربعة إنّما هو لأجل إناطة جواز تصرف المالك في المال الذي بيع فضولا بردّ البيع، و كون أخذه له لازما مساويا للرد حتى تصحّ

ص: 398

و الحاصل (1): أنّ ظهور الرواية في ردّ البيع أوّلا ممّا لا ينكره المنصف.

إلّا أنّ الانصاف أنّ ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي (2) مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية

______________________________

(1) أي: نتيجة ما ذكرناه في معنى الصحيحة- من دلالة الوجوه الأربعة على ظهور الصحيحة في ردّ البيع- هي: أنّ الصحيحة ظاهرة في ردّ البيع و وقوع الإجازة بعد الردّ. و هذا ممّا لا ينكره المنصف في هذه القضية الشخصية، إلّا أنّ ظهورها في أصل المدّعى و هي صحة الفضولي بالإجازة- مع الغض عن الإجازة الشخصية في مورد الصحيحة- غير قابل للإنكار.

(2) لقوله عليه السّلام في الصحيحة المتقدمة: «حتى ينفّذ البيع لك» فإنّ دلالته على

______________________________

دعوى كون الأخذ ظاهرا في الرد.

لكن فيه منع كبرى و صغرى. أمّا منع الكبرى فلما مرّ من عدم الإناطة المزبورة، بداهة أنّ جواز التصرف منوط ببقاء المبيع على ملكيته للمالك، و المفروض بقاؤه على الملكية ما لم يجز البيع. و أمّا منع الصغرى فلما مرّ أيضا من عدم دلالة الأخذ على الردّ، لكونه مما تقتضيه ملكية المبيع له و غيره.

و عليه فلا بأس بالاستدلال بصحيحة محمد بن قيس على صحة عقد الفضولي، لاندفاع شبهة كون الإجازة بعد الردّ حتى تسقط عن الاعتبار، لمخالفته للإجماع على عدم تأثير الإجازة بعد الردّ في صحة العقد.

أو يستدلّ بالفحوى، بأن يقال: إنّ تأثير الإجازة بعد الردّ في هذه القضية يستلزم تأثيرها قبله بالأولوية. لكن الاستدلال بالفحوى منوط بدفع إشكال مخالفة الإجماع و إحراز العمل به حتى يصح التمسك بالفحوى.

و بعبارة أخرى: التشبث بالفحوى منوط بحجية المنطوق، و المفروض عدمها، لمخالفته للإجماع.

ص: 399

في مورد الرواية (1) غير (2) قابل للإنكار. فلا بدّ (3) من تأويل ذلك الظاهر، لقيام (4) القرينة- و هي الإجماع- على اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد.

و الحاصل: أنّ مناط الاستدلال (5) لو كان (6) نفس القضية الشخصية (7) من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي بالإجازة- بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي-

______________________________

نفوذ البيع الواقع فضولا بالإجازة واضحة و ممّا لا يقبل الإنكار.

(1) و هي الصحيحة المتقدمة، و الإجازة الشخصية هي إجازة سيّد الجارية بيعها حتى يرسل المشتري ابنه الذي حبسه. و الوجه في الغضّ عن هذه الإجازة الشخصية هو ظهورها في سبق الردّ، فلا تصلح للاستدلال على صحة بيع الفضولي مع الإجازة. و أمّا مع الغضّ عن مورد الصحيحة فيصحّ الاستدلال بها، لقول الأمير عليه السّلام: «حتى ينفّذ لك البيع» و لقول الامام الباقر عليه السّلام في حكاية القصة: «أجاز بيع ابنه».

(2) خبر قوله: «أنّ ظهور».

(3) هذا متفرّع على ظهور الصحيحة في ردّ البيع أوّلا، و وقوع الإجازة بعده.

و المراد بقوله: «ذلك الظاهر» هو ظهور الصحيحة في ردّ البيع أوّلا، و إجازته ثانيا، فلا بدّ من علاج هذا الظاهر و تأويله.

(4) تعليل لقوله: «فلا بد» و غرضه أنّه لا محيص عن التصرف في ذلك الظاهر المستلزم لوقوع الإجازة بعد الرد، فإنّ الإجماع على اشتراط تأثير الإجازة بعدم سبق الرد قرينة على تأويل ذلك الظاهر.

(5) أي: الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(6) اسم كان ضمير راجع الى «مناط» المتقدّم، و «نفس» خبره.

(7) و هي إجازة سيّد الوليدة بيعها ليتمكّن من أخذ ولده- و هو البائع الفضولي- من المشتري.

ص: 400

كان (1) ظهورها في كون الإجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالردّ مانعا (2) عن الاستدلال بها، موجبا للاقتصار [1] على موردها

______________________________

(1) جواب «لو كان» و محصله: أنّ الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي إن كان بلحاظ نفس القضية الشخصية لاشتمالها على صحّة بيع الفضولي بالإجازة- حتى يبنى على عموم هذا الحكم أي صحة عقد الفضولي لسائر الموارد من العقود الفضولية المشتركة مع المورد في الحكم الشرعي- كان ظهورها في سبق الردّ على الإجازة مانعا عن الاستدلال بها على صحة عقد الفضولي، لمخالفة هذا الظاهر للإجماع المزبور، فيختص بموردها، و لا يتعدّى إلى غيره من سائر الموارد.

(2) خبر «كان ظهورها» و ضميرا «ظهورها، بها» راجعان إلى «القضية الشخصيّة» و قوله: «مسبوقة» خبر «كون».

______________________________

[1] الأولى أن يقال: «موجبا للخروج عن مورد البحث» لكون التوجيه المزبور موجبا لصيرورة البيع مأذونا فيه و أجنبيا عن بيع الفضولي، إذ ظاهر عبارة المصنف كون التوجيه المزبور مع فرض وقوع البيع في الصحيحة فضوليا. و ليس الأمر كذلك بالضرورة، فإنّ البيع المأذون فيه مباين لبيع الفضولي، و خارج عنه موضوعا، كخروج الجاهل عن موضوع «أكرم العلماء» فتقييد دليل صحة بيع الفضولي بهذه الصحيحة ممتنع.

ثم إنّ للسيد صاحب العروة قدّس سرّه كلاما و هو: أنّه لا مانع من العمل بالصحيحة بأن يقال: انّ الإجماع على عدم نفوذ الإجازة بعد الردّ يختص بالردّ القولي، لأنّه المتيقن من الإجماع الذي هو دليل لبّي، دون الرد الفعلي الذي يستفاد من هذه الصحيحة، فإنّ الإجازة بعد الرد الفعلي مصحّحة لعقد الفضولي بمقتضى هذه الصحيحة، هذا «1».

و فيه أولا: أنّ معقد الإجماع مطلق، و لا إجمال فيه حتى يؤخذ بالمتيقن.

و ثانيا: أنّه لا بدّ من تقييد إطلاق الرد الفعلي بأن لا يكون منافيا للإجازة، كالتصرف الناقل، و ليس في الصحيحة إطلاق قابل للتقييد، لكونه قضية خارجية.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

ص: 401

لوجه (1) علمه الإمام عليه السّلام، مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوى عدم الإذن للولد، فاحتال عليه السّلام حيلة يصل بها الحقّ إلى صاحبه (2) [1].

______________________________

(1) أي: لجهة، و هذا تعليل للاقتصار على مورد الصحيحة، و حاصله: أنّ علّة الاختصاص بموردها و عدم التعدي إلى غيره هي خصوصية في القضية التي تضمّنتها صحيحة محمد بن قيس، و لعلّ تلك الخصوصية التي علمها الامام عليه السّلام هي كذب مالك الوليدة في دعوى عدم إذنه لولده في بيع الوليدة، كما احتمله العلامة المجلسي قدّس سرّه. «1»

و علمه عليه السّلام بهذه الخصوصية أوجب أن يعلّم المشتري حيلة يحتال بها ليتمكن من الوصول إلى حقّه، و هو أخذ ولده- المستولد من الأمة- من سيدها حيث إنّ هذا الولد حرّ، و ليس على المشتري دفع قيمته إلى مالك الوليدة، إذ المفروض كون بيعها مأذونا فيه، و تولّد ولدها في ملك المشتري لا في ملك سيدها الأوّل حتى يستحق قيمته.

(2) و هو المشتري، إذ المفروض صحة البيع و نفوذه حين وقوعه، فالولد أجنبي عن سيّد الوليدة، و لا حقّ له في ابنها أصلا حتى يستحق قيمته و يطالب بها المشتري.

و على هذا التوجيه يخرج بيع الوليدة عن بيع الفضولي، فلا يصحّ الاستدلال بالصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

______________________________

[1] و قد يحمل قوله عليه السّلام: «حتى ينفذ لك البيع» على تجديد البيع، و هو يوجب خروج مورد الرواية عن محل البحث، و لازم هذا الحمل لزوم أداء قيمة الولد على المشتري، لوقوع الاستيلاد في ملك سيّد الأمة، لا في ملك المشتري.

______________________________

(1) ملاذ الأخيار، ج 11، ص 44.

ص: 402

و أمّا (1) لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير عليه السّلام في قوله:

«خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع» و قول الباقر عليه السّلام في مقام الحكاية: «فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» في (2) أنّ للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه

______________________________

(1) معطوف على «لو كان نفس القضية» و الأولى إسقاط «إمّا» بأن يقال:

«و لو كان» أي مناط الاستدلال.

و كيف كان فتوضيح هذا الاستدلال: أنّ ظاهر قوله عليه السّلام: «حتى ينفّذ لك البيع» قابلية البيع للتنفيذ بعد أن لم يكن نافذا. و هذه الغاية لم تقيّد بسبقها بالرّد، بأن يقول عليه السّلام: «حتى ينفّذ لك البيع المردود» حتى تكون الغاية منافية للإجماع على عدم نفوذ الإجازة المسبوقة بالردّ، و إن كانت الإجازة في نفس الواقعة الشخصية مسبوقة بالرّد، فيعلم من كلامه عليه السّلام أنّ البيع إنفاذي، و أنّه من الأمور التي تنقلب عمّا وقعت عليه، و لا مانع من اعتبار ظهور الغاية غير المقيّدة بالرّد.

(2) متعلق ب «ظهور سياق كلام».

______________________________

و هذا مناف لظاهر الرواية من إجازة البيع فقط، من دون أخذ قيمة الولد. و لذا استفاد الشهيد في الدروس من هذه الصحيحة كاشفية الإجازة «1»، إذ لا منشأ لها إلّا عدم الحكم بأخذ قيمة الولد بعد الإجازة، فلا يكون تجديد البيع كإجازته حتى يكون الاستيلاد في ملك المشتري بناء على الكشف.

هذا كله مضافا إلى: بعد هذا التوجيه عن حكاية مولانا الامام الباقر عليه السّلام «أجاز بيع ابنه» فإنّ الإجازة شرط لتنفيذ ما وقع، و التجديد مقتض له، و إضافة البيع إلى «ابنه» أيضا آب عن هذا البيع الجديد، لأنّه بيعه، لا بيع ابنه.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 233.

ص: 403

و ينفّذه، لم يقدح (1) في ذلك (2) ظهور الإجازة الشخصية في وقوعها بعد الردّ، فيأوّل ما يظهر منه الردّ بإرادة (3) عدم الجزم بالإجازة و الردّ [1]

______________________________

(1) جواب «و أمّا لو كان» وجه عدم القدح: أنّ ما دلّ على نفوذ العقد بإجازة المالك أظهر مما دلّ على وقوع الإجازة بعد الرّد، فيتصرف فيه بإرادة عدم الجزم بالإجازة و الرّد، و مع هذا التأويل يصح الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

و يمكن أن يكون نظر المصنف قده إلى إجمال الفعل و عدم ظهوره في الرّد حتى تكون الإجازة بعد الردّ، فأخذ الابن و وليدته فعل مجمل ليس فيه دلالة على الرد.

و قوله عليه السّلام: «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ لك البيع» و قول إمامنا الباقر عليه السّلام في مقام الحكاية: «لمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع» ظاهر بل صريح في إجداء الإجازة و تصحيحها بيع الفضولي، فيؤخذ بهذا الظاهر، و يأوّل ما يوهم الردّ بإرادة عدم الجزم بالإجازة و الرد.

(2) أي: في ظهور سياق كلام الأمير عليه الصلاة و السّلام .. إلخ.

(3) متعلق ب «فيأوّل».

______________________________

[1] لكن هذا التأويل ينافي ما أفاده من شهادة الوجوه الأربعة المتقدمة على كون الإجازة بعد الرد.

و لا يخفى أنّ استدلال المصنف قدّس سرّه ليس بالحكم الشخصي و هو الإجازة بعد الردّ حتى يتعدّى منه إلى ما يشابهه في الخصوصيات و هو الإجازة المسبوقة بالردّ، و المفروض قيام الإجماع على عدم نفوذها. بل الاستدلال يكون بذيل الصحيحة، و هو قوله عليه السّلام: «فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع» لدلالته على صحة بيع الفضولي بالإجازة و إن لم ينطبق على المورد «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 214.

ص: 404

______________________________

و فيه: أنّ الصحيحة إن كانت مشتملة على عموم أو إطلاق يستفاد منه كبرى كلية و لم يمكن تطبيقها على المورد أمكن القول بأنّ الاستدلال ليس بالحكم الشخصي الثابت للمورد، فيصح الاستدلال بالكبرى الكلّية فيما ليس من قبيل المورد و إن لم يتضح انطباقها على المورد. نظير ما ورد في موثقة ابن بكير التي سأل فيها زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب «1» و غيره من الوبر. فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «انّ الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحلّ اللّه أكله» الحديث «2». فإنّ الصلاة في السنجاب مع عدم كونه ممّا يؤكل لحمه جائزة قطعا، و لكنه يتمسّك بالكبرى- و هي البطلان فيما لا يؤكل لحمه- في غير السنجاب.

و أمّا المقام فليس فيه إطلاق أو عموم حتى يمكن استفادة كبرى كلية منه ليصح التمسك بها في سائر العقود الفضولية و إن لم تنطبق على نفس المورد، هذا.

أقول: الدلالة على تلك الكبرى ليست منوطة بدلالة اللفظ عليها صريحا، بل يكفي مطلق الدلالة عليها، و من المعلوم أنّ قوله عليه السّلام: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه» يدلّ على إناطة صحة عقد الفضولي- من حيث إنه فضولي- بالإجازة، لا من حيث كون المبيع وليدة، أو غيرها من الحيثيات.

______________________________

(1) السنجاب: حيوان على حد اليربوع، أكبر من الفارة، شعره في غاية النعومة، يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون، و هو شديد الختل، إن أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية .. إلخ. مجمع البحرين، ج 2، ص 84.

(2) وسائل الشيعة ج 3، ص 250، الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث: 1.

ص: 405

أو كون (1) حبس الوليدة على الثمن، أو نحو ذلك (2).

و كأنّه قد اشتبه مناط الاستدلال على من لم يستدلّ بها في مسألة الفضولي (3).

أو يكون (4) الوجه في الإغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة، فإنّها لا تزيد على الإشعار، و لذا (5) لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي،

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «بإرادة» يعني: يأوّل ما يظهر منه الردّ بكون حبس الوليدة .. إلخ.

(2) كحبس الوليدة، للتحرّي لما هو صلاحه من الرد و الإجازة.

(3) و تخيّل أنّ مناط الاستدلال نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي، و غفل عن كون مناط الاستدلال هو ظهور كلامي الأمير و الامام الباقر عليهما السّلام.

(4) الأولى- لمماثلة المعطوف و المعطوف عليه- أن يقال: «أو كان الوجه».

(5) أي: و لضعف دلالة الصحيحة على صحة عقد الفضولي- و أنّه مجرّد إشعار بها- لم يستدلّ الشهيد قدّس سرّه بهذه الصحيحة في مسألة البيع الفضولي مع التزامه بصحته في كتاب الدروس، و إنّما استدلّ بها في باب بيع الحيوان. و قد تقدم نصّ كلامه في (ص 389).

و لا يخفى ما في توجيه المصنف- لما صنعه الشهيد من عدم ذكر الصحيحة في عداد أدلة صحة البيع الفضولي و توقفه على الإجازة- من غموض، لأنّ الشهيد اعترف بقوله: «و فيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف» بظهور مدلولها في صحة البيع الفضولي، و ليس في دلالتها ضعف أصلا.

و لعلّ عدم تعرضه لها في بيع الفضولي لأجل بعض الموهنات المتقدمة، فتكون صحة الفضولي في مورد الصحيحة منصوصة، و يقتصر على موردها، و لا يتعدى منها إلى سائر البيوع الفضولية. لا الإشعار الذي أفاده الماتن، فلاحظ قول الشهيد بعد نقل

ص: 406

بل ذكرها في موضع آخر. لكن الفقيه في غنى عنه (1) بعد العمومات المتقدمة.

[د: فحوى ما دلّ على صحة النكاح الفضولي]

و ربما يستدلّ أيضا (2) بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي في الحرّ و العبد الثابتة (3) بالنص و الإجماعات المحكية،

______________________________

مضمون الصحيحة: «و هي قضية عليّ عليه السّلام في واقعة، و لعلّ ذلك استصلاح منه عليه السّلام، و فيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف ..» و لو كان الوجه في إهمال هذه الصحيحة ضعف دلالتها و إشعارها بالصحة لم يصحّ الاستدلال بها أصلا حتى في موردها، مع صراحة كلام الشهيد قدّس سرّه بتمامية دلالتها في موردها.

(1) أي: عن الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(2) أي: على صحة عقد الفضولي بعد العمومات المتقدمة، و هي الآيات كعموم الأمر بالوفاء بالعقود، و غيره.

د: فحوى ما دلّ على صحة النكاح الفضولي «1»

(3) بالجرّ صفة «صحة» أي: صحة عقد الفضولي الثابتة بالنص، و هذا رابع الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي بإجازة المالك بدون سبق نهي منه.

و النصوص في صحة النكاح الفضولي و توقفه على الإجازة كثيرة، فمنها ما ورد بالنسبة إلى الأحرار- رجالا و نساء- و منها ما ورد بالنسبة إلى المملوك.

أمّا ما ورد في الأحرار فكخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه سأله عن رجل زوّجته امّه و هو غائب. قال: النكاح جائز، إن شاء المتزوّج قبل،

______________________________

(1) المستدل بالفحوى جماعة كأصحاب الرياض و المناهل و المقابس و الجواهر، فلاحظ:

رياض المسائل، ج 2، ص 81 و 82، و المناهل، ص 287، و مقابس الأنوار، ص 26 (كتاب البيع) جواهر الكلام، ج 22، ص 277.

ص: 407

..........

______________________________

و إن شاء ترك ..» الحديث «1». و هو كالصريح في قابلية النكاح الفضولي للصحة الفعلية بإجازة الزوج.

و قد ورد نحوه بالنسبة إلى المرأة التي زوّجت فضولا. «2»

و أمّا ما ورد في نكاح العبيد و الإماء فكثير، منه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال: ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه، و إن شاء فرّق بينهما. قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحكم بن عتيبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السيد له. فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّه لم يعص اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز». «3»

و منه ما هو قريب منه بزيادة: «انّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدة و أشباهه» «4».

و الأخبار الدالة على توقف عقد النكاح على الإجازة كثيرة، بل في السرائر:

«و الأخبار متواترة عن الأئمة الأطهار بوقوف عقود النكاح على الإجازة» «5».

و أمّا الإجماعات المحكية على وقوف عقد النكاح الفضولي على الإجازة فمذكورة في كثير من كتب الفقه الاستدلالية «6»، بل في الجواهر: «بل يمكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 2.

(3) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523 الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1 و 2

(4) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523 الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1 و 2

(5) السرائر الحاوي، ج 2، ص 565.

(6) كما في الناصريات، ص 247 (ضمن الجوامع الفقهية) المسألة: 154، السرائر، ج 2، ص 565، رياض المسائل، ج 2، ص 81، و حكاه عن السيد و الحلّي في كشف اللثام ج 1، كتاب النكاح ص 17، و السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، 188، منبّها على أن معقد إجماع السيد صحة نكاح الحرّ و العبد فضولا، بخلاف إجماع الحلي فإن معقده الحر خاصة.

ص: 408

فإنّ (1) تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولى بذلك (2).

مضافا [1] إلى ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح، لأنّه «يكون منه الولد»

______________________________

تحصيل الإجماع على خلافها- اي خلاف دعوى الصحة- فضلا عمّا سمعته من محكيّه» «1».

(1) هذا تقريب الاستدلال، توضيحه: أنّ الإجازة إن كانت مؤثرة في تمليك بضع الغير كان تأثيرها في تمليك ماله أولى، فالاستدلال يكون بالفحوى أي الأولوية القطعية.

و المحقق الشوشتري قرّب الاستدلال بهذه النصوص بوجوه خمسة، اثنان منها بالفحوى، و ثلاثة منها ناظرة إلى مساواة عقد البيع و النكاح في مناط الصحة، فراجع. «2»

(2) أي: بالإجازة مع شدة اهتمام الشارع في عقد النكاح معلّلا بأنه «يكون منه الولد». و طيب الولادة مما اهتمّ به الشارع و العقل، فلا بدّ من مراعاة الاحتياط فيه، فإذا أجاز الشارع العقد الفضولي في النكاح فقد أجازه في غير النكاح بالأولوية، لأنّه يتسامح في الماليات بما لا يتسامح به في الفروج.

______________________________

[1] لعل الأولى إبدال «مضافا» ب «لما» بأن يقال: «أولى بذلك لما علم من شدة» لأنّ المقام يقتضي بيان وجه الأولوية، و الغرض من قوله: «مضافا» بيان ذلك.

و كيف كان فقد أورد على هذه الأولوية بوجهين، الأوّل: إنكار الأولوية.

و الثاني تسليم الأولوية مع ابتلائها بالمعارض.

أمّا الوجه الأوّل فتقريبه: أنّ اهتمام الشارع بأمر النكاح و شدّة الاحتياط فيه

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 29، ص 201.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26.

ص: 409

كما في بعض الأخبار (1).

و قد أشار إلى هذه الفحوى (2) في غاية المراد. «1»، و استدلّ بها (3) في الرياض، بل قال: «إنّه لولاها أشكل الحكم (4) من جهة الإجماعات المحكية على المنع (5)». و هو (6) حسن.

______________________________

(1) كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما رواه العلاء بن سيابة: «ان النكاح أحرى و أحرى أن يحتاط فيه، و هو فرج، و منه يكون الولد». «2»

(2) و هي الأولوية المذكورة.

(3) أي: بالفحوى، و هي الأولوية، و ضمير «لولاها» راجع إلى «الفحوى».

(4) و هو صحّة عقد الفضولي بالإجازة.

(5) أي: منع صحة عقد الفضولي، حيث إنه قال: «و لعمري انّها من أقوى الأدلة، و لولاها لأشكل المصير إلى هذا القول، لحكاية الإجماعين الآتيين». «3»

(6) أي: إشكال صاحب الرياض حسن.

______________________________

لا يقتضي الاحتياط في سببه، بل يقتضي التسهيل في أسبابه، لأن لا يقع الناس في السفاح، مثلا إذا كان سبب النكاح خصوص العقد العربي المعتبر فيه لفظ بمادة و هيئة خاصتين كان ذلك سببا للوقوع في الحرام، لعدم تمكن أكثر الناس خصوصا سكّان القرى و البوادي من إيجاد النكاح بهذا السبب. فأهمية النكاح تقتضي التسهيل في أسبابه، لا التضييق فيها، كما نرى أنّ الشارع وسّع في أسباب النكاح بتشريع المتعة

______________________________

(1) غاية المراد، ص 178.

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 193، الباب 157، من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث: 3، و نحوه الحديث: 1.

(3) رياض المسائل، ج 1، ص 512.

ص: 410

______________________________

و ملك اليمين و التحليل، و جواز الاقتصار في مقام الإذن على السكوت. فعدم احتياط الشارع و التوسعة في سبب النكاح لا يستلزم بالأولوية التوسعة في سبب البيع الذي ليس بتلك المرتبة من الأهمية.

فالأولوية ممنوعة، لتوقّفها على الاحتياط في سبب النكاح حتى يكون الحكم بصحة عقد الفضولي في غير عقد النكاح بالإجازة بالأولوية.

و بالجملة: الاهتمام في المسبّب لا يقتضي التشديد في السبب، بل يقتضي سهولته. و أثر الاهتمام لزوم الاحتياط في الشبهات الحكمية و الموضوعية في حصول الزوجية، كاحتمال كون المرأة معتدة، أو أخته من الرضاعة، أو أخت زوجته، أو احتمال جواز التزويج الدائم بالكتابية و عدمه، إلى غير ذلك من موارد الشبهة. فإنّ الاحتياط في هذه الموارد لا يقتضي الاحتياط في نفس العقد الذي هو سبب تحقق النكاح. فاهتمام الشارع أجنبي عن مرحلة السبب حتى يتمسك بفحوى صحة الفضولي في النكاح على صحته في غير النكاح، بل يعتبر في بعض العقود ما لا يعتبر في عقد النكاح كالتقابض في المجلس في بيع الصرف، و قبض الثمن في السلم. هذا محصّل ما أورد على الفحوى، و النتيجة إنكار الفحوى التي هي مدار الاستدلال.

لكن يمكن أن يقال: إنّ كلّ ما يعتبر في المسبب يعتبر في السبب، إذ العقد المؤثر في تحقق المسبب هو الجامع للشرائط مطلقا سواء أ كانت راجعة إلى المتعاقدين، أم العوضين، أم نفس العقد كالعربيّة و الماضوية و غيرهما.

و عليه فشرط كون المرأة أجنبية أو عدم كونها أخت زوجته أو أخته من الرضاعة أو غيرها من الشرائط الوجودية و العدمية شرط للعقد أيضا، فالاهتمام بالمسبّب اهتمام بالسبب.

فما في حاشية بعض الأجلة قدّس سرّه من قوله: «فالاهتمام المعلوم من الشارع أجنبي

ص: 411

إلّا أنّها (1) ربما توهن

______________________________

(1) أي: أنّ الفحوى المزبورة. فالمصنف قدّس سرّه التزم بالفحوى، لكنها موهونة بالنص الوارد في الرّد على العامة الّذين فرّقوا بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله

______________________________

عن هذا الوادي الذي نحن فيه ليتمسك بفحوى صحة الفضولي في النكاح على صحته في المقام» «1». غير ظاهر، فإنّ التقابض في المجلس في بيع الصرف شرط في صحة عقده و تأثيره.

و الحاصل: أنّ الحق وجود الأولوية، و عدم سبيل إلى إنكارها.

نعم لا بأس بالإشكال في حجّيّتها، لكونها ظنّية، و الظن لا يغني من الحق شيئا.

إلّا أن يقال: إنّ مفهوم الموافقة من المداليل الالتزامية التي تكون حجة عند أبناء المحاورة كالمداليل المطابقية.

إلّا أن يناقش فيه بعدم كون الأولوية في المقام من المداليل الالتزامية، حيث إنّ صحة بيع الفضولي ليست من المدلول الالتزامي لصحة نكاح الفضولي، لا عقلا و لا عرفا، خصوصا بعد الالتفات إلى تعبّدية الأحكام و عدم الإحاطة بملاكاتها، إذ المفروض أنّه لا بدّ أن تكون الأولوية ناشئة من أقوائية الملاك، و هي غير معلومة لنا. فلا وجه للأولوية هنا أصلا.

و على تقدير تحققها لا يكون الظن الحاصل منها بمعتبر قطعا، لكونه كالظن القياسي في عدم الحجية.

فالحق عدم صحة الاستدلال بهذه الأولوية أصلا، لعدم انطباق ضابط الدلالة الالتزامية عليها، و إلّا كانت حجة كسائر الدلالات الالتزامية.

هذا كله في الوجه الأوّل من الإيراد على الأولوية، و سيأتي الوجه الثاني قريبا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 119.

ص: 412

بالنص (1) الوارد في الرد على العامّة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول

______________________________

بالعزل و بين بيعه، بذهابهم إلى الصحة في الثاني، لأنّ المال له عوض، و البطلان في الأوّل، لأنّ البضع ليس له عوض.

(1) و هو خبر العلاء بن سيابة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة وكّلت رجلا بأن يزوّجها من رجل، فقبل الوكالة، فأشهدت له بذلك، فذهب الوكيل فزوّجها، ثم إنّها أنكرت ذلك الوكيل، و زعمت أنّها عزلته عن الوكالة، فأقامت شاهدين على أنّها عزلته.

فقال: ما يقول من قبلكم في ذلك؟ قال: قلت: يقولون ينظر في ذلك، فإن كانت عزلته قبل أن يزوّج. فالوكالة باطلة، و التزويج باطل. و إن عزلته و قد زوّجها فالتزويج ثابت على ما زوّج الوكيل، و على ما أنفق معها من الوكالة إذا لم يتعدّ شيئا مما أمرت به و اشترطت عليه في الوكالة.

قال: ثم قال: يعزلون الوكيل عن وكالتها و لم تعلمه بالعزل؟ قلت: نعم يزعمون أنّها لو وكّلت رجلا و أشهدت في الملإ، و قالت في الخلإ: اشهدوا أنّي قد عزلته أبطلت وكالته بلا أن تعلم في العزل، و ينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة. و في غيره لا يبطلون الوكالة إلّا أن يعلم الوكيل بالعزل، و يقولون: المال منه عوض لصاحبه، و الفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد.

فقال عليه السّلام: سبحان اللّه، ما أجور هذا الحكم و أفسده، إنّ النكاح أحرى و أحرى أن يحتاط فيه، و هو فرج، و منه يكون الولد، إنّ عليّا عليه السّلام أتته امرأة تستعديه على أخيها، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّي وكّلت أخي هذا بأن يزوّجني رجلا و أشهدت له، ثم عزلته من ساعته تلك، فذهب فزوّجني، ولي بيّنة أنّي قد عزلته قبل أن يزوّجني، فأقامت البيّنة، فقال الأخ: يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتني و لم تعلمني أنّها عزلتني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرتني.

فقال لها: ما تقولين؟ قالت: قد أعلمته يا أمير المؤمنين. فقال لها: أ لك بيّنة

ص: 413

..........

______________________________

بذلك؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلته.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: كيف تشهدون؟ قالوا: نشهد أنّها قالت: اشهدوا أنّي قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا، و أنّي مالكة لأمري قبل أن يزوّجني.

فقال: أشهدتكم على ذلك بعلم منه و محضر؟ فقالوا: لا. فقال: تشهدون أنّها أعلمته بالعزل كما أعلمته بالوكالة؟ قالوا: لا. قال: أرى الوكالة ثابتة، و النكاح واقعا، أين الزوج؟ فجاء، فقال: خذ بيدها بارك اللّه لك فيها.

فقالت: يا أمير المؤمنين، أحلفه أنّي لم أعلمه العزل و لم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح، قال عليه السّلام: و تحلف؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فحلف، فأثبت وكالته، و أجاز النكاح» «1».

و محصّل الخبر: أنّ الراوي سأل الإمام أبا عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام عن حكم توكيل امرأة رجلا ليزوّجها من رجل، فقبل الوكيل، و أقامت المرأة بيّنة على التوكيل، فزوّجها الوكيل. و لكن المرأة ادّعت عزله، و أقامت البيّنة على العزل، مع عدم إعلام الوكيل به.

و بعد عرض هذا السؤال استفسر الامام عليه السّلام عن رأي العامة في المسألة، فأخبره العلاء بن سيابة بأنّهم يفصّلون- في الوكيل المعزول الجاهل بعزله- بين البيع و النكاح، كما يفصّلون في النكاح بين وقوع التزويج قبل العزل فيصح، و وقوعه بعده فيبطل. بخلاف التوكيل في البيع، فيصح بيع الوكيل المعزول الجاهل بالحال، تشبثا بوجه استحسانيّ، و هو: أنّ البيع لو كان فاسدا في الواقع

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 13 ص 286 الباب 2 من أبواب الوكالة، الحديث 2. و توصيف الرواية بالصحة كما في المتن و حاشية السيد مما لم يظهر له وجه، في كل من طريقي الفقيه و التهذيب، لعدم توثيق العلاء و إن كان الطريق تامّا.

الّا أن يقال: إنّ رواية ابن أبي عمير عنه توثيق له، لما قيل من: أنّه لا يروي إلّا عن ثقة. و لكنه لا يخلو عن بحث تعرّضنا له في شرح الكفاية، فراجع: منتهى الدراية، ج 8، ص 149 إلى 168.

ص: 414

..........

______________________________

لم يتضرّر المتبايعان، لوصول عوض كلّ من المالين إلى الآخر. بخلاف النكاح، لعدم كون المهر عوضا عن البضع.

فلمّا سمع الامام عليه السّلام رأيهم، قال متعجبا و مستنكرا: سبحان اللّه ما أجور الحكم ببطلان نكاح الوكيل و صحة بيعه، مع أنّ الاحتياط في الأعراض يقتضي صحة النكاح تحرزا عن السفاح.

ثم استشهد عليه السّلام بقضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين في واقعة مماثلة لمورد السؤال، و أنّه عليه السّلام نفّذ تزويج الوكيل المعزول الجاهل بالعزل.

و لعلّ استشهاده بقضاء الأمير عليه السّلام لأجل الرّد على العامة، و إلزامهم بما يرونه حجة عندهم، من حجية قول الصحابي و قضائه خصوصا من رووا في شأنه عن النبي الكريم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أقضاكم عليّ» فكيف غضّ العامة أبصارهم- كما غضّت بصائرهم- عن قضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين بصحة نكاح الوكيل الذي يكون فضوليا بعد العزل؟ و حكموا ببطلان النكاح و صحة البيع الفضولي لوجه استحساني، مع عدم إحاطة البشر بمناطات الأحكام الشرعية.

و الغرض من ذكر هذا الخبر إبداء المانع- عن الاستدلال على صحة البيع الفضولي بالفحوى المتقدمة عن صاحب الرياض و غيره من الأعلام- بتوهين الأولوية.

توضيح الوهن: أنّ الامام الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه أنكر على العامة حكمهم ببطلان نكاح الوكيل المعزول، لأنّ مقتضى الاحتياط في النكاح- لكونه منشأ لتكوّن الولد منه- هو أولوية النكاح بالصحة من البيع، إذا قيل بصحته في الفضولي مع الإجازة. فالمستفاد من الرواية أنّ صحة المعاملة المالية تستلزم صحة النكاح بطريق أولى، فتكون صحة البيع أصلا، و صحة النكاح فرعا. فصحة البيع تستلزم صحة النكاح دون العكس الذي كان الاستدلال مبنيّا عليه، و هو التمسك بفحوى صحة

ص: 415

مع جهله (1) بالعزل و بين بيعه (2)، بالصحة (3) في الثاني (4) لأنّ المال له عوض، و البطلان (5) في الأوّل (6)، لأنّ (7) البضع ليس له عوض [1]

______________________________

النكاح الفضولي على صحة الفضولي في غير النكاح.

هذا كله في تقريب منع الفحوى. و سيأتي توضيح جهتين في المتن.

إحداهما: حكمه عليه الصلاة و السّلام باقتضاء الاحتياط صحة عقد النكاح الذي أنشأه الوكيل المعزول، مع أنّها لو لم تكن زوجة واقعا حرمت معاشرتها مع الزوج.

ثانيتهما: وجه ربط هذا الخبر- المانع للفحوى- بباب الفضولي، مع أنّ موردها عقد الوكيل المعزول، فانتظر.

(1) يعني: جهل الوكيل المعزول بعزله. و محصل ما يستفاد من هذه الصحيحة:

أنّ العامّة فرّقوا بين عقدي النكاح و البيع الصادرين من الوكيل المعزول الجاهل بعزله، بالحكم بصحة البيع و بطلان النكاح.

(2) يعني: بيع الوكيل المعزول مع جهله بالعزل.

(3) متعلق ب «الفارقين».

(4) و هو البيع، لأنّ للمال عوضا، فصحته لا توجب ضررا مع وجود العوض المالي، لأنّ كل واحد من المتبايعين يترك شيئا و يأخذ شيئا عوضا عنه.

(5) بالجر معطوف على «بالصحّة».

(6) و هو النكاح، و هذا الحكم من فقهاء السنة.

(7) هذا تعليل المخالفين لبطلان النكاح، و محصله: أنّ البضع لا عوض له، إذ ليس مالا حتى يبذل بإزائه المال و يقابل به.

______________________________

[1] فيه أوّلا: أنّ عدم العوض ليس مناطا للبطلان، بل مناطه هو كونه منشأ تكوّن الولد منه.

ص: 416

ليس له عوض، حيث (1) قال الامام عليه السّلام في مقام ردّهم و اشتباههم في وجه الفرق: «سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم (2) و أفسده،

______________________________

(1) هذا شروع في بيان وهن الأولوية المزبورة بالنص الوارد في ردّ العامة، الفارقين بين التزويج و البيع الصادرين من الوكيل المعزول مع جهله بالعزل، بحكمهم ببطلان التزويج و صحة البيع. و قد تقدم توضيحه بقولنا: «توضيح الوهن: أن الامام الصادق عليه السّلام أنكر على العامة .. إلخ».

(2) أي: التفريق بين البيع و النكاح في الحكم بصحة الأوّل و بطلان الثاني.

______________________________

و ثانيا: انّ للبضع عوضا و هو المهر، غاية الأمر أنّه ليس ركنا في صحة النكاح حتّى يلزم ذكره في متن العقد كالعقود المعاوضية، إذ الركنان في النكاح الزوجان، و في العقد المعاوضي العوضان.

و أمّا الوجه الثاني من الإيراد على الأولوية، و هو ما أفاده المصنف من قوله:

«إلّا أنّها ربّما توهن بالنص الوارد في الرد على العامة .. إلخ». الظاهر في الرد على العامة الفارقين بين النكاح و البيع الصادرين من الوكيل المعزول الجاهل بعزله، في الحكم بصحة البيع، لوجود العوض فيه، و بطلان النكاح، لعدم عوض للبضع- ببيان: أنّ النكاح أحرى بأن يحتاط فيه، لأنّ منه الولد، فإذا حكم بصحة البيع فلا بد من الحكم بصحة النكاح بطريق أولى، لكون الاحتياط فيه أحرى و أجدر، فيكون النكاح أولى من البيع بالصحة. و هذا عكس الأولوية المذكورة التي استدلّ بها على استلزام صحة النكاح لصحة البيع. فهذه الصحيحة توهن تلك الأولوية و تثبت عكسها، و هي كون البيع أصلا، و النكاح فرعا، و أنّ الأولوية تثبت صحة النكاح، لكونها فرع صحة البيع، فيبطل الاستدلال بفحوى صحة النكاح على صحة البيع.

ففيه أوّلا: أنّ المخالفين لم يستدلّوا على صحة البيع بالاحتياط حتى يردّهم الامام عليه السّلام بأنّ الاحتياط بصحة النكاح أحرى من الاحتياط بصحة البيع، بل استدلّوا

ص: 417

فإنّ (1) النكاح أولى و أجدر أن يحتاط فيه، لأنّه الفرج و منه يكون الولد» الخبر (2).

و حاصله (3): أنّ مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع (4) أولى بالصحة من (5) حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره.

______________________________

(1) هذا كلام الإمام عليه السّلام الذي هو علّة لكون حكم علماء السنة- بفساد النكاح- في غاية الجور و الفساد، و حاصله: أنّ النكاح أولى من أن يحتاط فيه، لكونه مبدء تكوّن الولد الذي يرجى منه الفوز بتحصيل السعادة الأبدية، و طيب الولادة دخيل في الوصول إلى الدرجات العالية من الإيمان و المعارف الإلهية. فالبضع أهم من المال من حيث لزوم الاحتياط فيه.

(2) أي: إلى آخر الخبر المذكور تمامه آنفا.

(3) أي: و حاصل ما يقصده الامام عليه السّلام من الاحتياط في النكاح هو أولويته بالصحة.

(4) أي: الذي أنشأه الوكيل المعزول الجاهل بعزله من ناحية موكّله.

(5) لأولوية صحة النكاح- الصادر من الوكيل المعزول- بالصحة من البيع الصادر منه. و حاصله: أنّ النكاح أولى بالاحتياط من غيره كالبيع، لأنّ النكاح منشأ تكوّن الأولاد، فلا بدّ من تحليل البضع. فالقول بصحته- إذا صدر فضولا ثم أجيز ممّن له أمر الإجازة- أولى ممّا يدّعيه العامة من صحة البيع و بطلان النكاح، مع أن البيع فاقد لملاك الصحة، و النكاح واجد له.

______________________________

عليها بوجه استحساني يقتضي صحة البيع و بطلان النكاح.

و ثانيا: أنّه ليس المراد بالاحتياط الذي يكون أحرى في النكاح ما أفاده الشيخ قدّس سرّه من الحكم بصحة النكاح حتى تكون صحته أولى من صحة البيع، بل الاحتياط في الفتوى يقتضي التوقف و عدم الفتوى بشي ء من الصحة و الفساد، لابتناء كلّ منها على

ص: 418

فدلّ (1) على أنّ صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولى. خلافا للعامة حيث عكسوا و حكموا بصحة البيع دون النكاح. فمقتضى حكم الامام عليه السّلام أنّ صحة المعاملة المالية الواقعة في كلّ مقام (2) تستلزم صحة النكاح الواقع (3) بطريق أولى.

______________________________

(1) أي: فدلّ كلام الامام الصادق عليه السّلام، و هذه نتيجة الاحتياط، فإنّ الاحتياط في النكاح يدلّ على أنّ صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولى، لما عرفت من كون النكاح منشأ لتكوّن الولد.

(2) سواء صدرت من الوكيل المعزول الجاهل بعزله أم من الفضولي.

(3) أي: أنّ صحة النكاح الصادر من الوكيل المعزول- الجاهل بعزله من موكّله- أولى من القول بصحة البيع و بطلان النكاح، مع وجود ما فيه من الاحتياط، و عدمه في البيع، فلا موجب لصحته دون النكاح.

______________________________

وجه استحساني يكون الركون إليه تشريعا محرّما. كما أنّ الاحتياط في العمل يقتضي أحد أمور:

إمّا الطلاق، لأنّ المرأة على فرض صحة العقد و صيرورتها زوجة تبين من زوجها بالطلاق، و يصح حينئذ تزويجها منه أو من رجل آخر. و على فرض فساد العقد يكون الطلاق لغوا، لوقوعه على الأجنبية.

و إمّا إجراء العقد عليها ثانيا.

و إمّا إجازة المرأة عقد الوكيل المعزول الجاهل بعزله مع عدم ردّ المرأة العقد قبل الإجازة.

و الحاصل: أنّ أمر النكاح في المقام يكون- بحسب العمل- دائرا بين المحذورين، لأنّه على فرض صحة العقد واقعا تكون المرأة زوجته، و على فرض فساده تكون أجنبية عنه، فالاحتياط فيه لا يمكن إلّا بأحد الوجوه المتقدمة. و كذا البيع، فإنّ

ص: 419

و حينئذ (1) فلا يجوز التعدّي من صحة النكاح في مسألة الفضولي إلى (2) صحة البيع، لأنّ (3) الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل في باب الأولوية، و إلّا (4) لم يتحقق الأولوية كما لا يخفى.

______________________________

(1) أي: و حين القول باستلزام صحة البيع صحة النكاح- خلافا للعامة القائلين بصحة البيع و بطلان النكاح- لا يجوز التعدّي من صحة النكاح الفضولي- كما هو مقتضى ما دلّ على صحة نكاح العبد بدون إذن سيده- إلى البيع و غيره.

(2) متعلق ب «التعدي».

(3) تعليل لعدم جواز التعدي من صحة النكاح الفضولي إلى البيع الفضولي، و محصله: أنّ الحكم بالصحة في الفرع- و هو النكاح الفضولي- لا يستلزم الحكم بالصحة في الأصل و هو البيع في باب الأولوية.

(4) يعني: و لو استلزم الحكم بصحة الفرع الحكم بصحة الأصل لما تحقّق مفهوم الأولوية، إذ مفهوم الأولوية هو استلزام الحكم الثابت في الأصل لحكم الفرع، كاستلزام حرمة التأفيف لحرمة الضرب، لا استلزام حكم الفرع لحكم الأصل، فإنّ حرمة الضرب لا تستلزم حرمة التأفيف.

______________________________

صحته و فساده لا يوافقان الاحتياط، لدوران أمر المال بين المحذورين.

فغرض الامام عليه السّلام- كما في حاشية المدقق الأصفهاني قدّس سرّه- إبطال استحسانهم، إلّا أنّ عدم تمكنه عليه السّلام من بيان ذلك صريحا لأجل التقية أوجب مراعاة جانب الاحتياط، و أجابهم بأنّ النكاح أحرى بالاحتياط ممّا يتعلّق بالماليات. فاللازم الاستناد فيه إلى ركن وثيق من آية أو رواية، لا إلى القياس و الاستحسان. و ليس كالماليّات التي لا اهتمام بها كالنكاح. و لذا عقبه عليه السّلام بقضاء أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام الذي يتّبع قضاؤه لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أقضاكم علىّ عليه السّلام» «1» هذا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 134.

ص: 420

فالاستدلال (1) بصحة النكاح على صحة البيع مطابق لحكم العامة من كون النكاح أولى بالبطلان، من جهة أنّ البضع غير قابل للتدارك بالعوض.

بقي الكلام في وجه جعل الامام عليه السّلام الاحتياط في النكاح هو إبقاؤه دون إبطاله، مستدلّا (2) بأنّه يكون منه الولد، مع أنّ الأمر في الفروج كالأموال دائر بين محذورين، و لا احتياط في البين.

______________________________

(1) هذه نتيجة البحث- بعد منع الفحوى بخبر العلاء بن سيابة- و هي: أنّ الاستدلال بصحة النكاح الفضولي- الذي هو الفرع- على صحة البيع و هو الأصل يكون مطابقا لحكم العامة. فالاستدلال المزبور في غير محله.

(2) هذا شروع في بيان ما أشرنا إليه في (ص 416) من معنى الاحتياط الوارد في كلام الامام الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه، حيث إن الأحوط هو الأوثق،

______________________________

و يحتمل أن يراد بأجدريّة الاحتياط في النكاح أجدريّته من الحكم بصحة النكاح أو بطلانه في موارد الاشتباه، لا أجدرية النكاح بالصحة من غير النكاح كما استظهره المصنف، حتى توهن بها الأولوية التي استدلّ بها على تعدّي الفضولية من النكاح إلى غيره.

و الحاصل: أنّ الحكم في موارد اشتباه النكاح هو أولوية الاحتياط الذي هو فعل المكلّف من الحكم بصحة النكاح أو بطلانه. فالمفضّل عليه هو الحكم، لا البيع حتى يصير ذلك أصلا و النكاح فرعا، و يعارض الأولوية السابقة التي استدلّ بها على جريان الفضولية في غير النكاح.

و على هذا فتلك الأولوية لا توهن برواية العلاء المتقدمة.

لكنه مع ذلك لا يتجه الاستدلال بها على جريان الفضولية في غير النكاح، لأنّها لا تفيد إلّا الظن، و هو لا يغني من الحقّ شيئا. بل مع الالتفات إلى قضية أبان لا تفيد الأولوية شيئا من مراتب الظن أيضا.

ص: 421

و يمكن أن يكون الوجه في ذلك (1) أنّ (2) إبطال النكاح في مقام الاشكال

______________________________

و الاحتياط هو إحراز الواقع عملا كالجمع بين القصر و الإتمام في الموارد المشتبهة، و كترك شرب الإنائين في موارد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما.

و قد يشكل تطبيق العمل بالاحتياط على حكمه صلوات اللّه و سلامه عليه بصحة النكاح. و ذلك لامتناع الاحتياط هنا من جهة دورانه بين المحذورين، فإنّ هذه المرأة الموكّلة في النكاح إن كانت قد عزلت الوكيل كان تزويجها فضوليا، و المفروض عدم إجازتها، و يحرم على الزوج معاشرتها، لكونه أجنبيا عنها. و إن لم تكن عازلة له كانت زوجة للرجل. و لو حكمنا بفساد النكاح و كونها خليّة ظاهرا جاز لها التزويج برجل آخر، و كان المباشرة معها زنا بذات بعل.

و مع دوران أمر هذه المرأة الموكّلة بين الزوجية و الأجنبية يمتنع إحراز الواقع بالاحتياط، فيكون التزويج نظير البيع، إذ لو صحّ بيع الوكيل كان الثمن ملكا للبائع، و إن لم يصح كان للمشتري، و حرم على البائع التصرف فيه. مع أنّه عليه السّلام جعل صحة النكاح أحرى بالاحتياط. و يتجه السؤال حينئذ بأنه كيف يحتاط في مورد الدوران بين المحذورين؟

(1) أي: في الاحتياط. هذا توجيه الاحتياط بنحو لا يكون من الاحتياط المصطلح الذي يحرز به الواقع عملا، إذ يراد به هنا الأخذ بأخفّ المحذورين.

توضيحه: أنّ إبطال النكاح يوجب الفراق بين الرجل و المرأة، فلو كان النكاح صحيحا واقعا لزم الزنا بذات البعل إذا تزوّجت بغيره. و هذا بخلاف إبقاء النكاح، فإنّه على تقدير بطلانه واقعا لا يلزم منه إلا وطء المرأة غير ذات البعل، و هو أهون من الزنا بذات البعل. فالمراد بالاحتياط مراعاة أقلّ المحذورين بفعله، و ترك ما يكون أشدّ محذورا.

(2) خبر قوله: «أن يكون» و قوله: «يستلزم» خبر «أن ابطال».

ص: 422

و الاشتباه (1) يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحة واقعا، فتتزوّج (2) المرأة، و يحصل الزنا بذات البعل. بخلاف إبقائه (3)، فإنّه على تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه إلّا وطء المرأة الخالية عن المانع. و هذا (4) أهون من وطء ذات البعل.

فالمراد بالأحوط (5) هو الأشدّ احتياطا [1].

و كيف كان (6) فمقتضى

______________________________

(1) كالمقام، لعدم وضوح هذا النكاح من حيث الصحة و البطلان.

(2) هذه نتيجة بطلان النكاح، فإن تزوّجت برجل آخر كان التزويج بذات البعل، و الزنا بها أشدّ من الزنا بالخليّة.

(3) أي: إبقاء النكاح. و ضمير «منه» راجع إلى «إبقائه».

(4) أي: وطء المرأة الخالية عن الزوج أهون من وطء ذات البعل.

(5) المستفاد من كلمتي «أحرى و أحرى» الواقعتين في رواية علاء بن سيابة المتقدمة. فالمراد بالاحتياط هو الأشد احتياطا و احترازا، فإنّ في إبقاء النكاح رعاية الطرف الذي محذورة أقلّ من محذور الطرف الآخر، و هو إبطال النكاح، على التفصيل المتقدم آنفا.

(6) يعني: سواء أريد بالاحتياط ما ذكرناه أم غيره.

______________________________

[1] بل تقدم في التعليقة السابقة أنّ المراد بالاحتياط هو الاحتياط التام الحاصل بأحد الأمور المتقدمة من أنّه مع إرادة بقاء الزوجية لا بدّ إمّا من تجديد العقد عليها، أو إجازة المرأة ذلك العقد. و مع إرادة عدم بقاء الزوجية لا بدّ من تطليقها. و ليس المراد بالاحتياط الإضافي منه كما التزم به المصنف قدّس سرّه، فإنّه خلاف ظاهره، و لا قرينة على إرادته بعد إمكان إرادة ظاهره.

ص: 423

هذه الصحيحة (1) أنّه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي لم يوجب (2) ذلك التعدي (3) إلى الحكم بصحة بيع الفضولي.

نعم (4) لو ورد الحكم بصحة البيع أمكن الحكم بصحة النكاح، لأنّ النكاح أولى بعدم الإبطال، كما هو نص [1] الرواية (5).

______________________________

(1) قد تقدم الإشكال في توصيف هذه الرواية بالصحيحة، فراجع (ص 414).

(2) لأنّ المفروض صيرورة المعاملة المالية أصلا و النكاح فرعا، و لذا جعل الحكم بصحته أحرى و أولى، فينعكس الأمر و يصير صحة النكاح ثابتة بالفحوى، دون العكس و هو صحة البيع بالفحوى.

(3) كما كان هو المقصود من الوجه الرابع أعني به التمسك بفحوى ما دلّ على صحة النكاح لإثبات صحة سائر العقود الفضولية، و وجه عدم التعدي هو عدم ثبوت حكم الفرع للأصل.

(4) يعني: و لكن العكس- و هو استلزام صحّة البيع لصحة النكاح- ثابت لأولوية النكاح من البيع بالصحة، لدلالة النص المزبور من حيث كون النكاح أحرى من البيع بالاحتياط.

(5) و هي رواية العلاء بن سيابة المتقدمة، و المراد بنصّ الرواية هو قوله عليه السّلام:

«إنّ النكاح أحرى و أحرى أن يحتاط فيه».

______________________________

[1] قد عرفت عدم ظهور الرواية- فضلا عن صراحتها- في صحة النكاح، فإنّ الاحتياط لا يقتضي صحته و لا بطلانه، لدورانه بين المحذورين و هما زوجية المرأة و اجنبيّتها، فلا بدّ من التوقف في الفتوى.

و لم يذكر الامام عليه السّلام اقتضاء الاحتياط للصحة حتى يدّعى أولوية النكاح بالصحة من البيع، و يقال: إنّ الفحوى بالعكس، و أنّ هذه الفحوى تعارض تلك الفحوى المستدل بها على التعدي من النكاح الفضولي إلى البيع الفضولي.

ص: 424

ثمّ (1) إنّ الرواية و إن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي (2)، إلّا أنّ المستفاد منها قاعدة [1]

______________________________

(1) هذا بيان ما أشرنا إليه (في ص 416) من الجهة الثانية المتعلقة برواية العلاء ابن سيابة، إذ قد يتوهم عدم مانعيتها للفحوى المستفادة من نصوص صحة نكاح العبيد و الأحرار بالإجازة.

و الوجه في التوهم: تعدد الموضوع، لكون موضوع تلك النصوص إنشاء عقد النكاح فضولا، فيصح بالإجازة، و يصح بيع الفضولي بالأولوية.

و لكن موضوع خبر العلاء أمر آخر، و هو بيع الوكيل المعزول، و من الممكن اختلاف حكم الفضولي عن الوكيل المعزول، فلا وجه لمنع الفحوى بخبر العلاء.

و قد دفع المصنف هذا التوهم بأنّ تعدد الموضوع غير قادح في منع الفحوى، لأنّ العبرة بكلامه عليه السّلام في بيان ضابطة كليّة، و هي: أنّ إمضاء العقد الواقع على المال- كالبيع- يستلزم إمضاء النكاح، و لا عكس. مع أنّ مبنى استدلالهم على صحة بيع الفضولي هو أولوية البيع بالصحة، و قد عرفت منعها.

(2) حيث إنّ رواية العلاء المتقدمة وردت في الوكالة، و الرّجل يدّعي الوكالة عن المرأة، و هي تنكرها و تدّعي عزله.

______________________________

[1] استفادة القاعدة الكلية منوطة بإلغاء خصوصية المورد، و هو عقد الوكيل المعزول الجاهل بعزله، فإنّه بعد وضوح بقاء الوكالة إلى وصول خبر العزل إلى الوكيل- و أنّ العزل بوجوده العلمي يوجب الانعزال لا بوجوده الواقعي- يكون فعل الوكيل قبل وصول خبر العزل إليه كفعل نفس الموكّل نافذا و غير محتاج إلى الإجازة، فإبطال عمله حينئذ كإبطال عمل الموكّل. و هل يمكن إلغاء خصوصية الوكالة و جعلها كالعدم في التأثير؟ حتى يستفاد هذه القاعدة الكلية.

ص: 425

كلّيّة (1) هي (2): أنّ إمضاء العقود المالية يستلزم إمضاء النكاح، من دون العكس (3) الذي هو مبنى الاستدلال (4) في مسألة الفضولي، هذا.

______________________________

(1) بحيث تنطبق على صغرياتها التي منها مورد البحث.

(2) الأحسن اقترانها بالواو الاستئنافية حتى تكون الجملة مفسّرة ل «قاعدة».

(3) و هو عدم استلزام إمضاء نكاح الفضولي إمضاء غيره من العقود.

(4) حيث إنّ مبنى الاستدلال هو فحوى صحة نكاح الفضولي. و قوله:

«الذي هو» صفة لكلمة «العكس» يعني: أنّ العكس المذكور هو مبنى الاستدلال بالأحاديث- الواردة في نكاح الفضولي الصادر من الحرّ و العبد- على جريان الفضولي في غيره.

هذا تمام الكلام في الطائفة الاولى، و هي الوجوه الأربعة التي عبّر عنها بالدلالة و سيأتي الكلام في الطائفة الثانية.

______________________________

و الحاصل: أنّ الرواية مسوقة لبيان عدم انعزال الوكيل إلّا بوصول عزله إليه. و عدم كون مجرّد العزل بدون العلم به موجبا لانعزاله.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّ رواية العلاء بن سيابة المتقدمة لا تعارض الأولوية التي استدلّ بها على التعدي من نكاح الفضولي إلى غيره من العقود الفضولية، بل تؤيّد الفحوى المذكورة، حيث إنّ مقتضى أهمية النكاح هو التعدي عن سببه إلى غيره كالبيع، فإنّ التوسعة في أسباب الأهم تقتضي التوسعة في أسباب غيره كالبيع، إذ سببية عقد الفضولي لتحقق النكاح الأهم تقتضي سببية عقد الفضولي لحصول المهم كالبيع بالأولويّة.

نعم يشكل الاعتماد على تلك الأولوية لكونها ظنية، بل مع الالتفات إلى تعبدية الأحكام الشرعية و عدم إحاطتنا بملاكاتها لا يحصل الظن بالأولوية أيضا.

ص: 426

[الطائفة الثانية: النصوص الخاصة]
[أ: ما ورد في المضاربة]

ثمّ إنّه ربما يؤيّد صحة الفضولي- بل يستدل عليها (1)- بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصّة، مثل موثقة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فاشترى (2) غير الذي أمره. قال: هو (3) ضامن، و الربح بينهما على ما شرطه» (4). «1»

______________________________

الطائفة الثانية: النصوص الخاصة أ: ما ورد في المضاربة

(1) أي: على صحة الفضولي. و هذا خامس الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي إذا باع للمالك.

(2) هذا الضمير المستتر و ضمير «ليشتري» راجعان إلى الرجل المدفوع إليه المال، و هو عامل المضاربة.

(3) أي: العامل ضامن للخسارة لأجل مخالفته لما أذن له المالك الدافع.

(4) هذه النصوص الخاصة قد استدلّ بعضهم بها على صحة بيع الفضولي كصاحب المقابس قدّس سرّه، و أيّدها بها بعضهم كصاحب الجواهر قدّس سرّه و إن لم يصرّح بخصوص ما ورد في باب المضاربة، حيث قال بعد الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس ما لفظه: «مؤيّدا ذلك كله بالنصوص الواردة في اقتراض مال الصبي مع عدم الإذن الشرعي ليتّجر به .. و غير ذلك في الأبواب المتفرقة كالرهن و غيره مما يظهر الاتفاق منهم عليه، و هو فضولي أو شبه فضولي». «2»

و قال في كتاب المضاربة فيما إذا خالف العامل ما شرطه ربّ المال عليه:

«لم يمض إلّا مع إجازة المالك، لكونه تصرفا قد وقع بدون إذن المالك، و هو غير باطل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 182، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة، الحديث: 9، و نحوه أكثر أحاديث الباب. و الظاهر صحة السند كما يظهر لمن يراجع كتب الرجال.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 278 و 279.

ص: 427

..........

______________________________

عندنا، و إنّما هو فضولي، فإن أجاز نفذ». «1»

و قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه بعد نقل موثقة جميل: «و يعضدها أخبار أخر قد عمل بها الأصحاب، بلا خلاف يعرف بينهم. و وجه الاستدلال بها: أنّ العامل لم يكن وكيلا في تلك المعاملة، فلو بطل عقد الفضولي لبطل عقد العامل هنا أيضا، فوجب ردّ كلّ إلى صاحبه، و لم يجز تقسيم الرّبح بينهما، كما دلّت عليه- أي على تقسيم الربح بينهما- الرواية، فهي محمولة على تحقق الإجازة مع الرّبح كما هو الغالب، دون الخسران. و إنّما قسّم الربح بينهما بناء على إطلاق عقد المضاربة، و تعلقه بكل عقد صحيح وقع بذلك المال برضا المالك سابقا أو لاحقا. و في هذا كلام يبيّن في محلّه». «2»

هذا ما ورد في بعض الكلمات. و أمّا المصنف قدّس سرّه فقد عبّر تارة بالتأييد، و أخرى بالدلالة، و ثالثة بالاستيناس، و اقتصر في التقريب على الأوّل و الثالث، حيث احتمل في موثقة جميل وجهين، جعل أحدهما استيناسا، و الآخر مؤيّدا.

و ينبغي أوّلا ذكر مضمون الموثقة و غيرها من أخبار الباب، ثم النظر في أنّها تصلح للتأييد أو الاستيناس أو الدلالة، أم لا تصلح لشي ء منها، فنقول و به نستعين:

إنّه سئل الإمام الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه عن حكم ما إذا شرط ربّ المال- في عقد المضاربة- على العامل أن يتاجر سلعة معينة أو في بلد خاص. ثم خالفه العامل، و جاء بعد مدّة برأس المال و بالأرباح المكتسبة منه. فأجاب عليه الصلاة و السّلام بحكمين، أحدهما: أنّ العامل ضامن لرأس المال حينما خالف الشرط.

و ثانيهما: أنّ الأرباح تقسّم بين ربّ المال و العامل على ما اتّفقا عليه في عقد المضاربة من النصف أو الثلث مثلا. و هذا الحكم الثاني هو محطّ النظر من التعرض لهذه الأخبار هنا، فاستظهر صاحب المقابس قدّس سرّه منها أمرين:

الأوّل: صغروية تصرّف العامل لعقد الفضولي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 26، ص 351.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26.

ص: 428

و نحوها غيرها الواردة في هذا الباب (1).

فإنّها (2) إن أبقيت على ظاهرها

______________________________

و الثاني: كبروية صحة عقد الفضول المتعقب بالإجازة.

فتكون الموثقة دليلا على المدّعى، بتقريب: أنّ مخالفة العامل لما أذن له ربّ المال- من شراء متاع معيّن- توجب كون الشراء فضوليّا. و جعل الربح بينهما على النحو المقرّر في عقد المضاربة كاشف عن صحّة الشراء بالإجازة و رضا المالك، و إلّا كان الشراء باطلا، و كان ربّ المال مالكا للثمن الذي دفعه العامل إلى البائع، إلّا إذا قلنا بصحة المعاملة بدون إجازة المالك لأجل هذا النّص كما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

و المتحصل: أنّ جعل هذه الموثقة دليلا منوط بأمرين، أحدهما: كون معاملة العامل متعقبة بإجازة المالك.

و الآخر: إلغاء خصوصية المورد. إذ بدون إلغائها يقتصر على موردها، و لا يكون دليلا على صحة الفضولي في سائر المقامات.

هذا كلّه في تقريب الاستدلال، الذي لم يبيّنه المصنف قدّس سرّه. و أما تقريب التأييد و الاستيناس فسيأتي قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: الباب الأوّل من أبواب المضاربة، فراجع.

(2) أي: فإنّ موثقة جميل بن درّاج إن أبقيت .. إلخ، و غرض المصنف قدّس سرّه من هنا بيان احتمالين في مفاد هذه الموثقة و ما بمضمونها، مع وجود القائل بكلّ منهما فيكون أحد الاحتمالين موجبا للاستئناس لصحة بيع الفضولي، و يكون الاحتمال الآخر موجبا للتأييد.

أمّا الاحتمال الأوّل فتقريبه: أنّ حكمه عليه الصلاة و السّلام بتقسيم الربح بين ربّ المال و العامل بالنسبة المعيّنة في عقد المضاربة- مع عدم تنبيهه عليه السّلام على أن معاملات العامل متوقفة على إجازة ربّ المال- ظاهر في اختصاص المضاربة بحكم تعبّدي، و هو صحة ما يأتي به العامل المخالف لما اشترط به عليه فعلا، بلا توقف على

ص: 429

من عدم توقف ملك الربح (1) على الإجازة- كما نسب إلى ظاهر الأصحاب، و عدّ (2) هذا خارجا (3) عن بيع الفضوليّ

______________________________

إجازة المالك. إذ لو لم تكن معاملاته نافذة لم يكن وجه لتملك ربّ المال للأرباح، بل كان اللازم ردّ الأرباح إلى من باع من العامل شيئا أو اشترى منه.

و على هذا فإبقاء الموثقة على ظاهرها- من عدم إناطة تملك الربح بإجازة تصرفات العامل- يوجب تخصيص ما دلّ على توقف الملكية على إجازة المالك.

فيلتزم في باب المضاربة بعدم اعتبار إمضاء ربّ المال لو خالف العامل الشرط.

فإن قلت: بناء على الأخذ بظاهر الموثّقة تصير أجنبية عن عقد الفضولي بالمرّة، فلا معنى لاستيناس صحة بيع الفضولي منها. و وجه أجنبيتها عنه واضح، ضرورة اعتبار إجازة المالك في جميع العقود الفضولية، حتى تنتهي الصحة التأهلية- بسبب الإجازة- إلى الفعلية. و المفروض في هذه الموثقة نفوذ تصرفات العامل بلا إجازة المالك. و مع تعدد الموضوع لا معنى لاستفادة حكم بيع الفضولي من أخبار المضاربة.

قلت: الموجب للاستئناس و عدم الاستيحاش من الحكم بصحة بيع الفضولي هو: أنّ الرواية تدلّ على عدم اعتبار سبق إذن المالك في صحة نقل ماله إلى غيره، إذ المفروض في الموثقة مخالفة العامل لربّ المال فضلا عن الاستيذان منه. و مع دلالتها على صحة تصرفات العامل في مورد المخالفة أمكن دلالتها على ما نحن فيه و هو صحة بيع الفضولي- غير المسبوق بمنع المالك- بالإجازة المتأخرة، و هذا هو الاستيناس.

و أما الاحتمال الثاني فسيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: ربح هذه المعاملة الصادرة من العامل على خلاف ما أذن له المالك.

(2) بالجرّ معطوف على «عدم» أي: من عدّ هذا خارجا .. إلخ.

(3) أي: حكما لا موضوعا، إذ المفروض وقوع المعاملة بدون إذن المالك، فخروجها يكون عن حكم الفضولي، و هو توقف صحته على إجازة المالك لا عن موضوعه.

ص: 430

بالنصّ كما في المسالك (1) و غيره- كان (2) فيها

______________________________

(1) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه شارحا لعبارة المحقق قدّس سرّه: «و لو أمره بالسفر إلى جهة، فسافر إلى غيرها، أو أمر بابتياع شي ء معيّن، فابتاع غيره ضمن. و لو ربح و الحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط». ما لفظه: «المراد أنّ المضاربة لا تبطل بهذه المخالفة و إن وجب الضمان و الإثم في التصرف غير المأذون. و الربح بينهما على حسب الشروط، للنصوص الصحيحة الدالة عليه. و إلّا لتوجّه الإشكال إلى صحة الابتياع المخالف، لوقوعه بغير إذن، فينبغي أن يكون فضوليا. و كأنّ السبب في ذلك أنّ الغرض الذاتي في هذه المعاملة هو الربح، و باقي التخصيصات عرضية لا تؤثر في فساد المعاوضة المخالفة لحصول المقصود بالذات. و بالجملة فالمستند النص و عمل الأصحاب به» «1» و نحوه كلامه في الروضة.

و قوله في آخر كلامه: «و بالجملة فالمستند النص و عمل الأصحاب به» دليل على صحة فتوى المحقق قدّس سرّه من عدم بطلان المضاربة بمخالفة العامل، و من كون الربح بينهما. و لو لا هذا التعبد كانت تصرفات العامل فضولية متوقفة على إجازة ربّ المال، و لكن المفروض عدم إشعار في النصوص و لا في الفتاوى بتوقفها على إجازته.

و منه ظهر وجه تعبير المصنف قدّس سرّه «كما نسب إلى ظاهر الأصحاب» فالنسبة إلى الأصحاب موجودة في كثير من الكتب «2».

و المراد ب «ظاهر الأصحاب» لا صريحهم هو أن صحة تصرفات العامل و عدم توقفها على الإجازة إنما تستفاد من حكمهم بتقسيم الربح و عدم تنبيههم على اعتبار الإجازة.

(2) جواب الشرط في قوله: «إن أبقيت».

______________________________

(1) مسالك الافهام، ج 4، ص 352 و 353، الروضة البهيّة، ج 4، ص 213 و 214، و نحوه كلام المحقق الثاني في عدم إجراء حكم العقد الفضولي على تصرف العامل، فراجع جامع المقاصد، ج 8، ص 110.

(2) لاحظ جامع المقاصد ج 8، ص 110، ملاذ الأخيار للعلامة المجلسي قدّس سرّه، ج 11، ص 337، رياض المسائل، ج 1، ص 607، آخر الصفحة، المناهل، ص 207، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26، جواهر الكلام، ج 26، ص 354، آخر الصفحة.

ص: 431

استيناس (1) لحكم المسألة من (2) حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلى غيره.

و إن (3) حملناها على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح كما هو

______________________________

(1) الوجه في الاستيناس ما عرفت من صحة المعاملة الخارجة عمّا قرره المالك لعامل المضاربة بدون الإجازة، لاشتراك هذه المعاملة مع مطلق الفضولي في عدم اعتبار الإذن السابق، فيستأنس بالمعاملة الصحيحة بدون إجازة المالك لمطلق الفضولي.

(2) بيان لحكم مسألة الفضولي، و هو عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل ماله إلى غيره، و كفاية إجازته بعد وقوع العقد الناقل على ماله.

(3) معطوف على «إن أبقيت» و محصّله: أنّه إن حملنا رواية جميل و غيرها على رضا المالك- بعد انكشاف ظهور الربح في المعاملة المنهي عنها- اندرجت في الفضولي.

و تقريب هذا الاحتمال الثاني الذي هو مبنى التأييد: أنّ نصوص باب المضاربة و إن لم يرد فيها توقف مالكية الربح على الإجازة، إلّا أنه لا مناص من حملها على صورة رضا ربّ المال بما صنعه العامل، و ذلك لقرينتين:

إحداهما: ما نبّه عليه جمع كالمحقق و الشهيد الثانيين. «1» من أنّ الغرض الأصلي من عقد المضاربة هو الاسترباح و تنمية المال، و لو شرط المالك على العامل تجارة خاصة أو بلدا معيّنا فإنّما هو لزعمه حصول غرضه- من الاسترباح- في ما شرطه على العامل، فلو تبيّن للمالك خطاؤه في مقام التطبيق و كون العامل أبصر منه بالتجارات الرابحة رضي بتصرفات العامل عند مجيئه برأس المال و ربحه إليه.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 8، ص 85، مسالك الافهام، ج 4، ص 353.

ص: 432

..........

______________________________

و على هذا فتصرّف العامل بالبيع و الشراء يكون من صغريات العقد الفضولي الذي تعقّبه رضا المالك، و ليس خارجا عنه كما كان مبنى الاستيناس.

ثانيتهما: اقتضاء الجمع العرفي بين الضرورة الفقهية و بين إطلاق نصوص المضاربة حمل هذه النصوص على صورة إجازة المالك و رضاه بتصرف العامل.

بتقريب: أنّ حرمة أكل مال الغير و التصرف فيه قد ثبتت شرعا بمثل قوله تعالى:

لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه» و نحوهما. و مقتضاهما حرمة تصرف العامل في مال المضاربة، لمخالفته للشرط، إلّا بإحراز رضاه. و حيث إن نصوص المضاربة مطلقة، لدلالتها على تملك ربّ المال لحصّته من الرّبح- سواء أجاز تصرفات العامل أم لا- لزم تقييدها بصورة إجازته لها، لئلا يلزم مخالفة ما علم من الفقه ضرورة.

و المتحصل من هاتين القرينتين صغروية روايات المضاربة لعقد الفضولي، و عدم كون تملك الربح تعبدا محضا.

فإن قلت: بناء على هذا التقييد ينبغي جعل نصوص المضاربة دليلا على صحة عقد الفضولي مطلقا كما صنعه صاحب المقابس قدّس سرّه لوحدة المناط و هو لحوق الإجازة بالعقد، لا مؤيّدا لها كما أفاده المصنف قدّس سرّه.

قلت: هذه النصوص بعد حملها على صورة إجازة المالك إنّما تدلّ على مشروعية المضاربة الفضولية، و لا تدل على صحة الفضولي في سائر العقود، لاحتمال دخل خصوصية عنوان المضاربة في الحكم، و من المعلوم أنه لا وجه لإلغاء خصوصية المورد إلا بالقطع بعدم دخلها. و لا سبيل لإحرازه، فلذا يقتصر على مورد النص.

ص: 433

الغالب (1)، و بمقتضى (2) الجمع

______________________________

نعم لا مانع من تأييد صحة الفضولي مطلقا بهذه الأخبار، و أما الدلالة فلا.

(1) هذه إشارة إلى القرينة الأولى المتقدمة آنفا، و هي أنّ الغالب رضا المالكين بالمعاملات الواقعة على أموالهم إن كانت رابحة و إن لم يأمروا بها، بل و إن نهوا عنها، إذ غرضهم الأصلي من التجارة بأموالهم هو تكثيرها و تحصيل الربح منها. و النهي عن بعض المعاملات بها إنّما هو للاجتناب عن الضرر، أو عدم النفع.

(2) هذه إشارة إلى القرينة الثانية على حمل روايات المضاربة على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح. و محصل هذه القرينة الثانية- كما عرفت- هو: أنّ الجمع العرفي يقتضي تقييد إطلاق موثقة جميل و غيرها- الدّالّين بالإطلاق على ملك العامل للربح و لو لم يجز المالك- بما دلّ على اعتبار رضا المالك في نقل ماله. مثل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث، قال: «سأله رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل، و أهل الأرض يقولون: هي أرضهم، و أهل الأستان يقولون: هي من أرضنا؟ فقال: لا تشترها إلّا برضا أهلها» «1». و آية إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و نحوهما مما هو صريح في إناطة تملك مال الغير برضاه و طيب نفسه.

و حينئذ تنطبق الموثقة المتقدمة و نحوها من أخبار المضاربة على المقصود، و هي صحة عقد الفضولي مع لحوق الإجازة به، فإنّ الموثقة تدلّ على صحة عقد الفضولي مطلقا حتى مع عدم إجازة المالك، بل مع رده أيضا. و أدلة اعتبار الطيب و الرضا أخص منها، لدلالتها على اعتبار الرضا في نقل مال المالك الى غيره مطلقا سواء كانت المعاملة من عامل المضاربة أم غيره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 248، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 30.

ص: 434

بين هذه الأخبار (1) [1] و بين ما دلّ على اعتبار رضا المالك في نقل ماله (2) و النهي (3) عن أكل المال بالباطل اندرجت (4) المعاملة (5) في الفضولي. و صحّتها (6) في خصوص المورد و إن احتمل (7) كونها للنصّ الخاصّ، إلّا أنّها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

______________________________

(1) أي: أخبار المضاربة، كموثقة جميل المتقدمة في المتن.

(2) كآية التجارة عن تراض، و حديث «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بطيب نفسه» و رواية محمد بن مسلم المتقدمة آنفا.

(3) بالجرّ معطوف على «اعتبار» و النهي مدلول آية لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.

(4) جواب «و إن حملناها» و قد تقدم وجه اندراج المعاملة- التي خالف العامل فيها أمر المالك، و اشترى غير المتاع الذي أمره المالك بشرائه- في معاملة الفضولي.

(5) و هي المعاملة التي خالف العامل فيها أمر المالك.

(6) يعني: و صحة المعاملة التي خالف العامل فيها أمر المالك و إن احتمل أن تكون صحتها مستندة إلى النص الخاص و هو الموثقة. لكنها تؤيّد المطلب، و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك بدون سبق منع من المالك.

(7) الجملة خبر قوله: «و صحتها».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مقتضى أخصيّة الموثقة من الأدلّة الدالّة على اعتبار الرّضا في جميع المعاملات هو تخصيص تلك الأدلة بالموثقة، و عدم اعتبار رضا المالك في خصوص مورد الموثقة. و ليست النسبة بينهما عموما من وجه كما توهّم.

لكن التخصيص بعيد جدّا يأباه ذوق المتشرعة، و إن قال المحقق الايرواني قدّس سرّه:

«ينبغي عدّه خارجا عن مسألة اعتبار رضا المالك و طيب نفسه في

ص: 435

______________________________

انتقال ماله». «1»

و كيف كان فالظاهر أنّ الرواية المذكورة و نظائرها أجنبية عن مسألة الفضولي بحيث لا يستدلّ و لا يؤيّد و لا يستأنس بها لمسألة الفضولي.

توضيحه: أنّ الغرض الأصلي لربّ المال هو الاسترباح بماله بالمعاملات التي يتصدّاها عامل المضاربة، فهو راض بكل معاملة رابحة، فإذا نهى العامل عن معاملة خاصة و عن شراء متاع معيّن كان ذلك لأجل اعتقاده بأنّ تلك المعاملة غير رابحة أو خاسرة، و بعد انكشاف كونها رابحة يظهر أنّها كانت مرضيّا بها من أوّل الأمر. فكل معاملة رابحة تصدر من العامل مقرونة برضا المالك حين صدورها.

و عليه فالمعاملة المنهيّ عنها إذا كانت رابحة ليست من معاملة الفضولي موضوعا.

فلعلّ الأولى جعل الغالب قرينة على رضا المالك مقارنا لصدور كل معاملة رابحة من العامل، لا جعل الغالب رضا المالك بالمعاملة بعد وقوعها حتى تنطبق على الفضولي.

و ببيان أوضح: التقييد بمعاملة خاصة إن كان بنحو وحدة المطلوب، فمع إجازة المالك يكون الربح كله له، و ليس للعامل شي ء حتى اجرة المثل. أمّا عدم استحقاقه لشي ء من الربح فلبطلان المضاربة بفقدان شرطها، إذ شرط المالك يضيق دائرة المضاربة و يقيّدها، فتبطل المضاربة بانتفاء شرطها.

و أمّا عدم استحقاقه لاجرة المثل فلسلب احترام عمله بسبب مخالفته للشرط.

و هذا مما ينافي الرواية الدالة على اشتراك الربح بينهما على النحو الذي شرط في عقد المضاربة، و على ضمان العامل للخسران، لأنّ اشتراك الربح بينهما يكشف عن صحة المضاربة، و صحتها تنافي الضمان، لأنّ العامل أمين، فالضمان

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 119.

ص: 436

______________________________

يكشف عن بطلان المضاربة.

و بالجملة: لا يمكن الجمع بين الضمان و بين اشتراكهما في الربح.

و إن كان التقييد بمعاملة خاصة بنحو تعدد المطلوب- بأن كان الشراء على وجه خاص مطلوبا أوّليّا، و نفس الشراء مطلوبا ثانويّا- فلازمه كون كل معاملة رابحة مرضيا بها و إن لم تكن تلك هي المعاملة التي عيّنها ربّ المال، إذ المفروض شمول عقد المضاربة لضمان لكل معاملة رابحة بحسب المطلوب الثانوي. نظير قضاء الفوائت، فإنّ أدلة وجوب قضائها تكشف عن كون مطلوبية أدائها بنحو تعدد المطلوب.

و إشكال منافاة صحة المضاربة لضمان العامل للخسران مع كونه أمينا، مندفع بأنّ الضمان نشأ من اشتراط المضاربة بالضمان على تقدير الخسران الوارد من شراء متاع خاص. و اشتراط الضمان لا ينافي مقتضى المضاربة و حقيقتها التي هي دفع إنسان مالا إلى غيره ليتّجر به، على أن يكون الربح بينهما بالنصف أو الثلث أو غيرهما من الكسور. و إنّما ينافي إطلاقها.

و عليه فالضمان يكون بمقتضى الشرط غير المنافي لحقيقة عقد المضاربة. كما أنّ اشتراك الربح بين المالك و العامل يكون مقتضى صحة المضاربة.

فتلخّص مما ذكرناه أمور.

الأوّل: أنّ صحيحة جميل المتقدمة و نظائرها أجنبية عن مسألة الفضولي، لاقتران جميع المعاملات الرابحة الصادرة من عامل المضاربة برضا المالك حين وقوعها، و خروجها عن العقود الفضولية موضوعا، فلا يصح أن يستدل أو يؤيّد أو يستأنس بتلك الروايات لصحة عقد الفضولي.

الثاني: أنّ عقد المضاربة يكون من باب تعدد المطلوب الموجب لاقتران كل معاملة رابحة يتصدّى لها عامل المضاربة برضا المالك و إن كانت مخالفة لما قرّره المالك.

ص: 437

[ب: أخبار الاتجار بمال اليتيم]

و من هذا القبيل (1) الأخبار الواردة في اتّجار غير الولي

______________________________

ب: أخبار الاتجار بمال اليتيم

(1) يعني: و من قبيل أخبار المضاربة- التي ليس فيها توقف ملكية الربح على إجازة المالك- الأخبار الواردة في الاتّجار بمال اليتيم لغير الولي.

ثم إن هذه الأخبار هي الوجه السادس من الوجوه المستدل بها على صحة عقد الفضولي، أو المؤيّد بها صحته. و لم أظفر بمن استدلّ بهذه الأخبار على صحة عقد الفضولي مطلقا، نعم جعلها صاحب الجواهر مؤيّدة لها كما تقدم كلامه في (ص 427).

و غرض المصنف قدّس سرّه من التعرض لنصوص الاتجار بمال اليتيم أمّا الاستيناس بها لصحة البيع الفضولي، و إمّا التأييد بها، لتطرق احتمالين فيها، على نحو ما تقدّم في أخبار المضاربة.

و في مسألة الاتجار بمال اليتيم صور عديدة أنهاها الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى أزيد من عشرين صورة، فراجع المسالك، و المذكور في المتن هو أن يتاجر الأجنبي بمال

______________________________

الثالث: أنّ مخالفة العامل للمالك توجب الضمان في صورة ورود الخسران.

الرابع: عدم المنافاة بين صحة المضاربة و بين صحة اشتراط الضمان على تقدير الوضيعة، لعدم كون هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد، بل لإطلاقه.

الخامس: اندفاع إشكال المنافاة بين ضمان العامل للخسران و بين ملكية الربح للعامل و ربّ المال- على ما قرّر في عقد المضاربة- بما تقدم من تعدد المطلوب و الشرط الضمني للضمان الناشئ من النهي عن معاملة خاصة.

السادس: أنّ موثقة جميل على تقدير كون موردها عقد الفضولي لا تنطبق على الصورة الأولى، و هي بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك، إذ المفروض هنا منع المالك عن البيع الخاص. و من المعلوم أنّ المصنف قدّس سرّه بصدد إقامة الدليل أو المؤيّد على صحة الفضولي في الصورة الأولى.

ص: 438

..........

______________________________

اليتيم، و قد حكمت النصوص بأنّ الربح لليتيم، و أنّ التاجر ضامن للخسارة. و القدر المتيقن هو التجارة بعين مال اليتيم، لا شراء شي ء في ذمة نفسه، ثم أداؤه بمال اليتيم.

و المقصود استفادة صحة البيع الفضولي من حكمهم عليهم الصلاة و السّلام بأنّ الربح لليتيم. و ظاهر إطلاقه عدم الفرق بين إجازة الولي لتصرفات الأجنبي، و عدمها.

و اختلف الفقهاء قدّس سرّهم في الاستظهار من هذه النصوص على قولين، فذهب جمع تبعا للشهيد قدّس سرّه إلى تقييد الإطلاق و حمله على صورة إجازة الولي، ضرورة حرمة التصرف في مال اليتيم على غير وليّه، فلو لا إجازته تبطل تلك التصرفات، و تكون الأرباح لأربابها، لا للأجنبي و لا لليتيم، فالحكم بأنّها لليتيم لا بدّ أن يكون في فرض صحة التصرف بإمضاء الولي. و بناء على هذا الحمل يندرج مورد هذه النصوص في كبرى تصرف الفضولي في مال غيره، و صحته بإجازة وليّ العقد و يتأيّد صحة البيع الفضولي بها.

و لعلّ الوجه في التأييد- دون الدلالة- لاحتمال دخل خصوصية التجارة بمال اليتيم- المتعقبة بالإجازة- في تملكه للرّبح، و لا يتعدّى عن مورده إلى غيره.

و ذهب جمع إلى إبقاء إطلاق النصوص على حاله، و الحكم بأنّ الربح لليتيم تعبّدا و إن لم يجز الولي. فالأجنبي المتصرف في مال اليتيم لا ينطبق عليه الفضولي، لاختصاصه بمن تتعقّب عقده إجازة المالك، و المفروض أنّ مقتضى أخبار الباب دخول الربح في ملك اليتيم مطلقا حتى لو لم يمض الولي.

و بناء على هذا الاحتمال لا تكون النصوص دليلا و لا مؤيّدا لصحة بيع الفضولي. إلّا أنه يمكن الاستيناس بها لها، لدلالتها على عدم اعتبار إذن الولي في تملك الربح، و هذا المقدار كاف في ما نحن فيه، و هو عدم اعتبار إذن المالك في مقام نقل ماله إلى غيره، فلو نقله الفضول غير المأذون، ثم أجاز المالك كفى في الصحة.

ص: 439

في مال اليتيم (1)، و أنّ الرّبح لليتيم. فإنّها (2) إن حملت على صورة إجازة الولي- كما هو صريح جماعة (3) تبعا للشهيد-

______________________________

(1) كرواية سعيد السّمان «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة، إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتّجر به» «1».

فإنّ جعل الربح لليتيم يدلّ على تملكه للربح بدون احتياج إلى إذن الولي.

و رواية ربعي عن الصادق عليه السّلام: «في رجل عنده مال اليتيم، فقال عليه السّلام:

إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله، و إن هو، اتّجر به فالربح لليتيم، و هو ضامن».

و رواية أسباط بن سالم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقلت: أخي أمرني أن أسألك عن مال اليتيم في حجره يتّجر به، فقال عليه السّلام: إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي ء غرمه له، و إلّا فلا يتعرض لمال اليتيم». «2»

(2) أي: أخبار الاتجار بمال اليتيم لغير الولي، و غرضه قدّس سرّه من هذه العبارة بيان كيفية الاستدلال بتلك الأخبار على صحة عقد الفضولي، أو تأييدها بها، و محصّله كما عرفت آنفا: أنّ الاتجار بمال اليتيم لغير الولي- مع الإجازة- يكون من أفراد مسألة الفضولي.

(3) كالمحقق و الشهيد الثانيين و أصحاب المدارك و الحدائق و الجواهر، و هذا الحمل يستفاد من فتوى بعضهم كما في كلام الشهيدين و المحقق الثاني، و من تصريح بعضهم في مقام الجمع بين الأدلة كما في الأخيرين.

قال في الدروس: «و لو انتفت الولاية و اشترى في الذمة فهو له أيضا. و إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 6، ص 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث: 2، رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن سعيد السمان.

(2) وسائل الشيعة ج 12، ص 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 4.

ص: 440

كان (1) من أفراد المسألة. و إن عمل (2) بإطلاقها كما عن جماعة ممن تقدّمهم خرجت (3) عن مسألة الفضولي، لكن يستأنس بها للمسألة (4) بالتقريب المتقدم.

______________________________

اشترى بالعين و أجاز الولي فالربح لليتيم، و إلّا فالبيع باطل». «1»

و قال في الجواهر: «أمّا إذا كان- أي المتصرف- غير وليّ، و قد اشترى بعين مال الطفل بعنوان أنّه له، و كان فيه ربح، فالضوابط تقتضي أنّه فضولي لا يدخل في ملك الطفل حتى يجيز الولي ..».

(1) جواب «إن حملت» أي: كان اتجار غير الولي من أفراد مسألة الفضولي.

(2) معطوف على «إن حملت» و ضمير «بإطلاقها» راجع إلى أخبار الاتجار بمال اليتيم، و حاصله: أنّه إن عمل بإطلاق تلك الأخبار الشامل لإجازة الولي و عدمها- كما عن جماعة منهم الشيخ و ابن زهرة و الحلي و المحقق و فخر الإسلام قدّس سرّهم «2»- لم يتجه الاستدلال بها على مسألة الفضولي، لخروج الاتجار بمال اليتيم حينئذ موضوعا عنها، إذ الكلام في مسألة الفضولي إنّما هو بعد الإجازة لا مطلقا و إن لم تلحقه إجازة، قال المحقق: «أمّا لو لم يكن- أي المتاجر- مليّا أو لم يكن وليّا، كان ضامنا و لليتيم الربح».

(3) جواب «و إن عمل» أي: خرجت أخبار الاتجار بمال اليتيم عن موضوع مسألة الفضولي، و قد مرّ آنفا تقريب خروجها.

(4) يعني: لمسألة الفضولي بالتقريب المتقدم، و هو عدم اعتبار الاذن السابق من المالك في نقل ماله إلى الغير.

______________________________

(1) لاحظ: الدروس الشرعية، ج 1، ص 229، جامع المقاصد، ج 3، ص 5، مسالك الأفهام، ج 1، ص 357، مدارك الاحكام، ج 5، ص 30، الحدائق الناضرة، ج 12، ص 26، جواهر الكلام، ج 15، ص 23

________________________________________

(2) المبسوط، ج 1، ص 234، النهاية، ص 175، السرائر، ج 1، ص 441، شرائع الإسلام، ج 1، ص 140، تذكرة الفقهاء (الطبعة الحديثة) ج 5، ص 14، قواعد الأحكام، ج 1، ص 329، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 167.

ص: 441

و ربما احتمل دخولها (1) في المسألة (2) من حيث إنّ الحكم بالمضيّ إجازة إلهيّة لاحقة للمعاملة، فتأمّل (3) [1].

______________________________

(1) أي: دخول المعاملة بمال اليتيم- لغير الولي- في مسألة الفضولي.

(2) أي: مسألة صحة عقد الفضولي إذا باع للمالك بدون سبق منع منه، بعد البناء على أنّ الأخبار الواردة في المقام مطلقة لا تقييد فيها بصورة إجازة الولي و حاصله: أنّ حكم عقد الفضولي- و هو صحته بالإجازة- ثابت في التجارة بمال اليتيم، و ذلك لأنّ حكم الامام عليه السّلام بضمان المتجر بمال اليتيم و كون الربح لليتيم في تلك الروايات و إمضائه للمعاملة الواقعة بغير إذن الولي إجازة إلهيّة لاحقة للمعاملة، فلا تحتاج المعاملة بعد هذه الإجازة- من وليّ الكل- إلى إذن الولي. و حينئذ يصح الاستدلال بالأخبار المذكورة لمورد البحث، و هو صحة عقد الفضولي الواقع للمالك مع الإجازة، لدلالة حكم الامام عليه السّلام على حصول الإجازة.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ مورد الكلام هو إجازة مالك أمر العقد التي تكون جزء السبب المملّك، دون الشارع الذي تكون إجازته حكم العقد التام.

مضافا إلى: أنّ حكمه أجنبي عن الإجازة اللاحقة للعقد، لأنّه ثابت حين العقد، و ليس حادثا بعده حتى يكون من الإجازة المتأخرة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مورد بعض الإخبار اتجار الولي بمال اليتيم، كخبر منصور الصيقل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به؟ فقال عليه السّلام: إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح، و أنت ضامن للمال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال». «1» لأنّ التصرف في مال اليتيم حرام إلّا بإذن الولي، و المفروض

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 58، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

ص: 442

______________________________

أن الرواية أناطت جواز التصرف و صحة المعاملة باليسار. فلو كان المتجر بمال اليتيم غير الولي أناطت جواز التجارة بإذنه أيضا. فهذه الرواية تفصّل بين الملي و غيره بإبطال اقتراض غير الملي، و تصحيح المعاملة للملي ء.

و أخبار الاتجار بمال اليتيم ثمانية، و هي مذكورة في الوسائل فراجعها «1».

و المراد بقوله عليه السّلام: «و ضمنته» هو نقل مال اليتيم إلى نفسه بناقل شرعي كالقرض، فإنّ الاتجار حينئذ يكون بمال نفسه لا بمال اليتيم، فالربح له لا لليتيم. و المراد بقوله عليه السّلام: «و أنت ضامن للمال» ضمانه له بسبب اختياري أعني به القرض الذي هو التمليك بالضمان. و المراد بقوله عليه السّلام: «و ان كان لا مال لك .. إلخ» هو: أنّه إذا كان الاتجار بنفس مال اليتيم و عينه فالربح لليتيم، لأنّه نماء ماله، و يكون العامل به على تقدير التلف ضامنا، لعدم كونه مأذونا في التصرف فيه.

و الظاهر أن هذه الرواية و ما بمضمونها في مقام بيان أنّ التجارة بمال اليتيم تارة تكون له، و اخرى تكون لغيره، و تمييز التجارة الواقعة لنفس المتجر عن التجارة الواقعة لليتيم. و ليست الروايات في مقام بيان سائر الجهات حتى يتمسك بإطلاقها لنفي اعتبار الإجازة، أو تحمل على حصول الإجازة من الولي.

فتكون تلك الروايات نظير قوله تعالى فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ في مقام بيان حلية أكل ما اصطاده الكلب المعلّم فقط، دون بيان سائر الجهات، حتى يتمسك بإطلاق الآية الشريفة لإثبات طهارة موضع العضّ.

و الحاصل: أنّ المستفاد من مجموع روايات التصرف في مال اليتيم- المذكورة في زكاة وسائل الشيعة و تجارتها في أبواب ما يكتسب به- أمور:

الأوّل: التفصيل بين المليّ و غيره، بجواز أخذ مال اليتيم للأوّل، و عدمه للثاني.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 57 و 58، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

ص: 443

______________________________

الثاني: الحكم الوضعي و هو صحة البيع، و كون الربح لليتيم في صورة عدم الاقتراض من ماله، و للمتجر في صورة الاقتراض.

الثالث: ضمان المتجر في كلتا صورتي حرمة التصرف للمعسر، و جوازه للموسر غاية الأمر أنّ الضمان في الأوّل ضمان اليد، لأنّ يده على المال عادية، و في الثاني ضمان التعهد الاختياري الحاصل بالاقتراض، مع صحة البيع في كلتا الصورتين.

أمّا في صورة الاقتراض فلصيرورة مال اليتيم ملكا للمقترض، فيصح البيع، و يكون الربح له، لوقوع البيع في ماله، لا في مال اليتيم.

و أما في صورة عدم الاقتراض و حرمة التصرف، فلأنّ الحرمة التكليفية في المعاملة ليست موجبة للفساد مطلقا كما لا يخفى. فمع كون البيع واقعا مصلحة لليتيم يقع صحيحا و إن كان حراما تكليفا.

و الغرض من هذا التطويل أنّ الأخبار المشار إليها في مقام بيان الأحكام المذكورة، و لا إطلاق لها حتى يقال: إنّ إطلاقها يدلّ على صحة البيع مطلقا و إن لم يجز الولي.

أو يقال: إنّ صحته المستكشفة من كون الربح لليتيم تدلّ على لحوق الإجازة للبيع، فإنّها تتكفل أحكاما حيثية، و هي: أنّ أموال اليتيم من حيث الحكم التكليفي و الوضعي كذا و كذا. و أمّا إطلاق الأحكام المزبورة فليست تلك الأخبار في مقام بيانه حتى يقال: إنّ إطلاقها ينفي اعتبار الإجازة مثلا، فإنّ نفيه- كنفي اعتبار البلوغ أو عدم اعتبار عربية الصيغة أو ماضويّتها، و هكذا- ليس من شأن تلك الأخبار.

أو يقال: إنّ صحته تدل على تحقق الإجازة، إذ الروايات المشار إليها في مقام تصحيح بيع مال اليتيم من حيث كونه مال اليتيم، و أنّ إضافة المال إلى اليتيم ليست مانعة عن صحة البيع. و ليست في مقام تصحيحه من سائر الحيثيات حتى يستفاد منها عدم اعتبار إجازة الولي في صحته. أو يستفاد منها حصول الإجازة في هذا البيع حتى يكون دليلا على صحة عقد الفضولي بإجازة ولىّ أمر البيع.

ص: 444

[الطائفة الثالثة: ما يؤيّد الصحة]
[أ: ما ورد في شراء العبد المأذون]

و ربّما يؤيّد المطلب (1) أيضا برواية (2) ابن أشيم الواردة في العبد المأذون

______________________________

الطائفة الثالثة: ما يؤيّد الصحة أ: ما ورد في شراء العبد المأذون

(1) و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك مع عدم سبق منع من المالك.

(2) هذا إشارة إلى سابع الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي الواقع للمالك، أو أيّد بها صحته، و هو ما رواه ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السّلام «عن عبد لقوم مأذون له في التجارة، دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عنّي، و حجّ عنّي بالباقي. ثم مات صاحب الألف، فانطلق العبد فاشترى أباه، فأعتقه عن الميت، و دفع إليه الباقي يحجّ عن الميت، فحجّ عنه، و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت جميعا، فاختصموا جميعا في الألف. فقال موالي العبد المعتق: إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال الورثة: إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا. فقال أبو جعفر عليه السّلام: أمّا الحجة فقد مضت بما فيها، لا تردّ. و أمّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه. و أيّ الفريقين بعد أقاموا البينة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّا». «1»

و مدلول الرواية: أنّه سئل الإمام الباقر صلوات اللّه و سلامه عليه عن عبد أذن له مولاه أن يتاجر له و لغيره، فجاء رجل إلى هذا العبد المأذون و دفع إليه ألف درهم و وكّله في أمور ثلاثة:

أوّلها: أن يشتري نسمة، ثانيها: أن يعتقها عن الرجل الموكّل. ثالثها: أن يحج هذا العبد المأذون- بما بقي من ألف درهم- نيابة عن الرّجل صاحب الدراهم. فقبل

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 13، ص 53، الباب 25 من أبواب بيع الحيوان، ح 1، رواه الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن صالح بن رزين عن ابن أشيم- أو أشيم- عن أبي جعفر عليه السّلام، و الرواية ضعيفة بموسى بن أشيم المرمي بالغلو، فلم يوثق لذلك، أو لكونه مجهولا. إلّا أن يقال: إنّ في السند الحسن بن محبوب، و هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. لكن فيه بحث.

ص: 445

..........

______________________________

العبد المأذون هذه الوكالة و الحجّ النّيابي، ثم مات الموكّل.

فانطلق العبد لينفّذ مورد الوكالة، و كان أبوه رقّا، فجاء إلى موالي أبيه، و اشتراه منهم و أعتقه عن موكّله. و لم يحجّ العبد مباشرة بباقي المال، و إنّما دفعه إلى أبيه ليحجّ نيابة عن صاحب الدراهم.

و بعد وقوع هذه الأمور- من الشراء و الإعتاق و الحج- اطّلع كلّ من موالي الأب و مولى العبد المأذون و ورثة صاحب الدراهم على القصّة، فتنازعوا جميعا، فادّعى مولى العبد المأذون أنّ شراء الأب كان بأمواله التي دفعها إلى عبده ليتاجر بها، و لم يأذن له في شراء أبيه و إعتاقه و إحجاجه. و ادّعى موالي الأب أن ثمنه كان من أموالهم التي دفعوها إلى العبد المأذون للتجارة بها، و يبطل البيع حينئذ، لكون مالك الثمن و المثمن واحدا. و ادّعى ورثة صاحب الدراهم أنّ شراء الأب كان بمالهم الذي انتقل إليهم بالإرث من مورّثهم، لكون المفروض موت الموكّل قبل عمل العبد المأذون بالوكالة. هذه صورة المسألة.

و قد أجاب الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام- على ما في الخبر-: بأنّ الحجّ النيابي ماض و صحيح. و يعود الأب رقّا لمواليه، إلّا أن يقيم مولى العبد المأذون أو ورثة صاحب الدراهم بيّنة على أنّ الأب اشتري بماله الذي كان عند العبد المأذون.

هذا محصّل مضمون الرواية، و قد استدلّ بها المحقق الشوشتري قدّس سرّه قائلا:

«بأنّه عليه السّلام اكتفى في الحكم بتملك العبد بثبوت كون الشراء وقع بماله، فلو لم تكن إجازة المالك للفضولي كافية في صحة العقد لم يكن كذلك، لعدم استلزام العام للخاص، فتدبّر». «1» و سيأتي تقريب الدلالة أو التأييد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26.

ص: 446

الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة (1) و يعتقها و يحجّه عن أبيه (2)، فاشترى أباه، و أعتقه (3)، ثم تنازع مولى المأذون و مولى الأب و ورثة الدافع (4)، و ادّعى

______________________________

(1) و هو المملوك ذكرا كان أو أنثى.

(2) كذا في نسخ الكتاب، و لكن الموجود في متن الرواية: «و حجّ عنّي».

(3) ثم دفع العبد المأذون باقي المال إلى أبيه ليحجّ عن موكّله.

(4) أي: تنازع ورثة دافع المبلغ- و هو ألف درهم- و موالي العبد المأذون في التجارة، و مولى الأب، و ينبغي لتقريب التأييد بهذه الرواية لصحة عقد الفضولي الإشارة إلى أمور مسلّمة:

الأوّل: بطلان الوكالة بموت الموكّل و إن لم يعلم الوكيل بموته.

الثاني: انتقال كلّ مال لشخص بموته إلى وارثه.

الثالث: صحة نيابة المملوك في الحج.

و بعد وضوح هذه الأمور يتضح انطباق الرواية على الفضولي، حيث إنّ تلك الدراهم انتقلت بموت دافعها الى ورثته، و بطلت وكالة العبد المأذون في الشراء بنفس موت موكله و هو دافع الدراهم، فشراء العبد إنّما تحقق بمال الورثة بدون إذنهم، لقول الراوي: «و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت» الظاهر في عدم اطلاع الورثة على أفعال العبد المأذون في التجارة من الشراء و غيره، فوقع الشراء بمال الورثة فضوليا، و مطالبتهم للنّسمة المشتراة بمالهم إجازة لهذا الشراء الفضولي، و إلّا لطالبوا نفس الدراهم.

و أمّا الشراء بالنسبة إلى موالي العبد المأذون فلا يكون فضوليا، لكون ادّعائهم الشراء بمالهم دليلا على أنّهم أذنوا للعبد- المأذون- في الشراء بمالهم، و أنّهم دفعوا إليه مالا ليشتري لهم عبدا، فيخرج عن الفضولي.

و أمّا الشراء لموالي أب العبد المأذون فليس شراء حقيقة، لكون كلا العوضين ملكا لهم، و هو خلاف حقيقة المعاوضة.

ص: 447

كلّ منهم أنّه (1) اشتراه بماله. فقال أبو جعفر عليه السّلام: «يرد المملوك رقّا لمولاه، و أيّ الفريقين (2) أقاموا البيّنة بعد ذلك (3) على أنّه (4) اشتراه بماله كان رقّا له» الخبر (5).

بناء (6) على أنّه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملّك المبيع بعد مطالبتهم (7) المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرّد دعوى الشراء بالمال و لا إقامة البيّنة

______________________________

(1) أي: أنّ العبد المأذون اشترى أباه المعتق. و ضمير «بماله» راجع إلى «كلّ منهم».

(2) و هما مولى العبد المأذون، و ورثة الدافع. و لم يذكر عليه السّلام إقامة البينة من قبل موالي الأب. و الوجه فيه ما تقدّم آنفا من بطلان البيع لو كان الشراء بمالهم، لكون العوضين مملوكين لهم، و لا معنى للبيع حينئذ. فشراء الأب لو كان صحيحا في الواقع فإمّا أن يكون ثمنه من مولى العبد المأذون، و إمّا من ورثه الدافع.

(3) أي: بعد إعادة الأب رقّا لمواليه ظاهرا، و ليست كلمة «ذلك» في الرواية.

(4) أي: أنّ العبد المأذون اشترى المملوك، و ضميرا «بماله، له» راجعان إلى:

أيّ الفريقين.

(5) الظاهر الاستغناء عن هذه الكلمة، لأنّ المنقول تمام مضمون الحديث لا بعضه حتى يحتاج إلى التنبيه على بقاء جملة أخرى منه.

(6) هذا توجيه كون الرواية تأييدا لصحة عقد الفضولي، أو دليلا عليها، و قد مرّ بقولنا: «و مطالبة الورثة للنسمة المشتراة .. إلخ».

و هذا التقريب موافق لما تقدم من المقابس في تقريب الاستدلال، فإن أمكن إلغاء خصوصية المورد تمّت الدلالة، و إلّا فهذا الخبر كغيره ممّا ورد في موارد خاصّة مؤيّد للمطلب.

و لا يخفى أن المستفاد من قول المصنف: «بناء» وجود احتمال آخر في الخبر يصير أجنبيا عن عقد الفضولي، مثل إذن مولى العبد في مطلق التجارة بالمال، و رضى الورثة بتصرف العبد المأذون، و سيأتي بعض الكلام في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

(7) أي: مطالبة الورثة العبد المأذون في شراء النسمة بأخذ النسمة المشتراة

ص: 448

عليها كافية (1) في تملك المبيع [1].

______________________________

بمالهم الذي انتقل إليهم إرثا من أبيهم، و هي الدراهم المذكورة.

(1) لفرض بطلان شراء الأب بمال لم يأذن مالكه في ذلك.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد أورد على الاستدلال بهذا الخبر بوجوه:

الأوّل: أنّ صحة الحج من العبد بدون إذن مولاه خلاف القاعدة.

و الجواب عنه بعدم اشتراط الحرية في نائب الحج غير سديد، إذ الاشكال إنّما هو في عدم الإذن من موالي العبد، حيث إنّ أفعال الحج غير التلبية تصرف في ملك السيد، و هو بدون إذنه حرام، و النهي في العبادة مبطل لها. لا في مانعية الرقية حتى يجاب عنه بعدم قدح الرقية في صحة الحج.

فلعلّ الأولى في دفع الاشكال ما في كلام بعض الأجلة من قوله: «و يمكن أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام:- الحجة قد مضت بما فيها لا ترد- لا يكون بصدد بيان حكم الحج صحة و فسادا، بل بصدد التقابل بينه و بين العبد، بأنّ العبد باق قابل للردّ، دون الحج الذي مضى و تصرّم .. إلخ». «1»

و هذا الجواب في نفسه لا بأس به، إلّا أنّه بعيد عن بيان الحكم الشرعي، فإنّ المراد بردّ العبد إلى مواليه ليس هو الرّد الخارجي التكويني، بل المراد به الرّد التشريعي، و هو الحكم برقيّته. فالمقصود بعدم ردّ الحج- بقرينة المقابلة- هو عدم الردّ شرعا، أي الصحة، كما يقتضيها ظاهر قوله عليه السّلام: «فقد مضت» فلا يحكم بتكرير الحج.

فيحتمل أن تكون صحة الحج في مورد الرواية تعبّدا خاصّا.

و قد يحتمل صحة الحج بالإجازة، بناء على الكشف.

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 129.

ص: 449

______________________________

لكنه ضعيف، و لو بناء على الكشف، لأنّ الإجازة لا تفيد إلّا الملكية من زمان وقوع العقد. و أمّا الإذن في الحج فلا تفيدها الإجازة، لأنها خارجة عن مورد الإجازة، و هو مضمون العقد. كما أنّ الإجازة لا تصحّح ما وقع على مورد العقد كالإجارة و الإعارة و غيرهما، فإذا أجاز شراء البستان الذي اشتراه الفضولي له و آجره بعد الشراء لا تكشف صحة بيعه بالإجازة عن صحة إجارته، لأنّ الإجازة تنفذ مضمون العقد، و هو انتقال البستان إلى مالك الثمن. و أمّا إجارة البستان فليست مضمون الشراء، و لا من لوازمه.

هذا كله مضافا إلى: أنّ الإذن المقارن شرط لصحة المناسك، و الإذن غير الإجازة المتأخرة. و ليست أفعال الحج كالبيع حتى يقال بكفاية الإجازة المتأخّرة في صحتها.

الثاني: أنّ مقتضى قواعد باب القضاء تقديم قول الورثة، لأنّهم منكرون، لموافقة قولهم للحجة، فإنّ قول الوكيل حجة، و كذا فعله، إذ الظاهر أنّ العبد اشترى أباه بالدراهم التي دفعها الميت إليه، فتقديم قول موالي العبد و إرجاعه رقّا لهم خلاف قواعد القضاء.

و فيه: أنّ ظاهر الرواية وقوع الشراء و العتق و الحج بعد موت الموكل، و هو مالك الدراهم، فانعزل العبد المأذون عن الوكالة بنفس موت الموكّل، و بعد انعزاله لا حجية في قوله، لعدم كونه وكيلا حينئذ، فلا يكون إنكار الورثة موافقا للحجة، فلا موضوع لهذا الإيراد، لابتنائه على حجية قول الوكيل و فعله، و المفروض بطلان وكالته بالموت، فلا عبرة بقوله و فعله بعد الموت.

الثالث: تقديم قول مدّعي الفساد على مدّعي الصحة فإن الحكم برجوع العبد رقّا إلى مولاه الأوّل و إن كان مما يقتضيه الاستصحاب، لكنه مخالف لأصالة الصحة الحاكمة على الاستصحاب، المقتضية لخروج العبد عن ملكه، و لقاعدة الإقرار، و هي «من ملك شيئا ملك الإقرار به» فإنّ العبد المأذون المالك لأمر العقد يعترف بالشراء بمال الميت،

ص: 450

______________________________

فكيف يقدّم الاستصحاب عليها؟

و فيه: عدم المجال لجريان أصالة الصحة هنا، و لا لجريان قاعدة «من ملك».

أمّا الأوّل فلأنّ مورد أصالة الصحة هو الشك في صحة العقد، و الشك في صحة شي ء إنّما هو بعد وجوده مع قابليته للصحة و الفساد. و هذا مفقود في المقام، لامتناع المبادلة بين المالين لمالك واحد، فيمتنع الشراء لو كان بمال مالك العبد المعتق، بل هو صورة المعاملة، لا معاملة حقيقية، فيدور الأمر حقيقة بين وقوع العقد و عدمه، و مع الشك في وقوعه لا معنى لجريان أصل الصحة فيه.

و أمّا الثاني فلأنّه لا دليل على اعتبار قاعدة «من ملك» إلّا تسالم الأصحاب عليها، فلا بد حينئذ من الأخذ بالمتيقن، و هو كونه مالكا حين الإقرار، و عدم كفاية مالكيته قبل الإقرار، فإذا باع زيد بستانه مثلا، ثم اعترف بأنّه كان مغصوبا من عمرو لم تسمع دعواه.

و كذا لو ادّعى ذو اليد نجاسة ما كان تحت يده سابقا و انتقل إلى غيره.

ففي المقام لو كان إقرار العبد المأذون في الشراء قبل موت دافع الدراهم لكان مسموعا، لكون إقراره حال سلطنته على الشراء. و أمّا بعد موته فلا عبرة بإقراره، لارتفاع سلطنته و انعزاله بالموت، فلا يكون إقراره في الشراء بعد الموت نافذا.

و عليه فلا بأس بالتشبث بالاستصحاب الموجب لبقاء الملكية و فساد المعاملة.

و الحاصل: أنّ قاعدة «من ملك» لا تجري إلّا في حال سلطنته على ما وقع الإقرار به.

و أمّا بعد انقضاء سلطنته عنه فلا عبرة بالإقرار. و لذا لو أقرّ بالرجوع في العدّة بعد انقضائها أو أقرّ الولي بعقد الصغيرة في حال صغرها بعد بلوغها و صيرورتها مالكة لأمرها لا ينفذ إقراره، و يكون وجود هذا الإقرار بعد انقضاء زمان تلبس المقرّ بالسلطنة على ذلك الفعل كالوكالة و الولاية كعدمه، و لا يترتّب عليه أثر أصلا. فلا يحكم بزوجية المطلقة بعد انقضاء العدّة للمطلّق، و بزوجية الصغيرة بعد بلوغها.

ص: 451

______________________________

و بالجملة: فالحكم برقيّة العبد المعتق لمولاه الأوّل لا يكون مخالفا لشي ء من قاعدتي الصحة، و «من ملك» هذا.

و قد يقال في وجه صحة الحج: انّ الظاهر من الرواية أنّ دفع الألف إلى العبد المأذون في التجارة كان بعنوان الوصية. و دعوى الورثة الشراء بالألف لأجل كون ولاء العتق لهم، فالورثة لا ينكرون الوصية حتى يكون شراء العبد المأذون أباه فضوليّا. و عليه فتكون الرواية أجنبية عن مسألة الفضولي. فظهور الرواية في مسألة الفضولي فضلا عن الصراحة ممنوع «1».

أقول: فيه أوّلا: أنّ الحمل على الوصية بعيد جدّا، إذ ليس منها في الرواية عين و لا أثر، مع عدم قرينة خارجية عليه أيضا.

و ثانيا: أنّ هذا الحمل لا يجدي في صحة الحج، لأنّ الوصية بمقتضى قوله:

«و حج عنّي بالباقي». قد تعلّقت بحجّ نفسه مباشرة لا غيره، فلا موجب لصحته عن غير العبد المأذون.

و ثالثا: أنّ هذا الحمل ينافي دعوى الورثة أنّ المأذون قد اشترى أباه بمالهم، حيث إنّ مقتضى هذه الدعوى هو كون أبي المأذون رقّا لا حرّا. و من المعلوم أنّ الفرض المزبور و هو ثبوت ولاء العتق لهم لا يترتب على دعوى الورثة الشراء بمالهم، لأنّ مقتضاها رقّية أبي المأذون لهم، لا حريّته حتى يترتب عليها ثبوت ولاء العتق لهم.

و رابعا: أنّ اعتراف الورثة بوصية أبيهم و عدم إنكارهم لها لا يوجب ثبوت ولاء العتق لهم، إذ الولاء مشروط بكون المعتق متبرعا في العتق، فلو كان العتق واجبا عليه كالكفارة و النذر لم يثبت له ولاء. و لمّا لم يكن حال العتق معلوما، فثبوت الولاء مشكوك فيه، و مقتضى الأصل عدمه.

ثم إنّ مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الولاء لمن أعتق» عدم ثبوت الولاء هنا لأحد، لعدم

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 219.

ص: 452

[ب: ما ورد في الإقالة بوضيعة]

و مما تؤيّد المطلب (1) أيضا صحيحة الحلبي «عن الرجل يشتري ثوبا

______________________________

ب: ما ورد في الإقالة بوضيعة

(1) و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك مع عدم سبق منع منه، و هذا ثامن الوجوه لصحة عقد الفضولي، دلالة أو تأييدا. و قد أيّد بها في الجواهر بقوله: «و فيمن باع ثم أقال بوضيعة، ثم باع بأكثر من الثمن: أن الربح للمالك الذي أشترى أوّلا» «1».

و محصّل مدلول الصحيحة الواردة في الإقالة هو: أنّه سئل الإمام أبو عبد اللّه الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه عن رجل اشترى من آخر ثوبا، و لم يشترط لنفسه الخيار، فانعقد البيع لازما. و لكن المشتري ندم و كره الثوب، فجاء إلى البائع

______________________________

كون العبد المأذون المعتق بالكسر منعما و مولى له. و كذا الورثة، فإنّهم ليسوا أيضا بمعتقين حتى يثبت لهم الولاء.

و خامسا: أنّ الحمل المزبور لإثبات الولاء لهم ينافي قوله عليه السّلام: «أيّ الفريقين بعد أقاموا البيّنة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقا» لظهوره في الرقية الفعلية.

وجه المنافاة: أنّ الولاء مترتب على العتق، و من المعلوم أنّ البيّنة القائمة على كونه ملكا لإحدى الفرق المتخاصمة أمارة على تلبسه فعلا بالرقية، لا أنّه كان رقّا و انقضت عنه.

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّ الرواية ضعيفة سندا و دلالة، إذ مع فرض دلالتها على الوصية تكون أجنبية عن مسألة الفضولي. و على تقدير دلالتها على الوكالة الباطلة بالموت تكون من مسألة الفضولي، لكن الاستدلال بها حينئذ على مطلق عقد الفضولي منوط بإلغاء خصوصية المورد. و ذلك مشكل جدّا، فتكون الرواية مؤيّدة لصحة عقد الفضولي لا دليلا عليها.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 279.

ص: 453

و لم يشترط على صاحبه شيئا (1)، فكرهه، ثمّ ردّه على صاحبه، فأبى أن يقبله [يقيله] إلّا بوضيعة (2). قال: (3) لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة،

______________________________

يستقيله ليردّ المبيع إليه و يستردّ الثمن، فأبى البائع أن يقيله إلّا بوضعية بأن لا يردّ تمام الثمن إلى المشتري، مثلا لو كان المشتري قد اشترى الثوب بعشرة دراهم، و أبقى البائع درهما عنده، و ردّ تسع دراهم إلى المشتري.

فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه لا يصلح للبائع أن يشترط في الإقالة إبقاء شي ء من الثمن عند نفسه، بل مقتضى الإقالة ردّ تمام الثمن إلى المستقيل و هو المشتري.

فإن كان البائع عالما بالحكم الشرعي، و أنّه لم يجز له إمساك بعض الثمن حرم عليه التصرف فيه، و في الثوب، لبطلان هذه الإقالة.

و إن كان جاهلا بالحكم فلا إثم عليه، لكن الثوب باق على ملك المشتري.

فلو باعه من شخص آخر بأزيد من الدراهم التسعة التي دفعها إلى المستقيل لم يملك هذه الزيادة، لكونها ملكا للمشتري الأوّل، لأنّها عوض الثوب الذي لم يخرج عن ملكه بالإقالة الفاسدة.

هذا مفاد الصحيحة، و سيأتي تقريب تأييد صحة بيع الفضولي بها.

و لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه جعل هذه الصحيحة و ما بعدها مؤيّدات لا أدلة و لا مما يستأنس بها لصحته، مع ظهورها في صحة عقد الفضولي. و الوجه فيه ما تقدم من احتمال التعبد و دخل خصوصية مواردها.

(1) أي: شيئا يوجب الخيار.

(2) أي: بنقيصة من أصل الثمن الذي اشترى به الثوب.

(3) أي: قال الإمام الصادق عليه السّلام: لا يصلح للبائع أن يأخذ الثوب بنقيصة، لأنّه إقالة، و هي حلّ العقد السابق. و ليست معاملة جديدة، فلا يمكن أن تكون بنقيصة أو زيادة، بل كلّ من العوضين يردّ إلى صاحبه، بلا زيادة و نقيصة.

ص: 454

فإن جهل (1) فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يردّ (2) على صاحبه الأوّل ما زاد» «1».

فإنّ (3) الحكم بردّ ما زاد لا ينطبق [1] بظاهره إلّا على صحة بيع الفضولي لنفسه.

______________________________

(1) يعني: فإن جهل بائع الثوب الحكم فأخذ الثوب بوضيعة من المشتري، و باعه على غيره بأكثر من ذلك الثمن، فعليه ردّ الزائد الذي أخذه من المشتري الثاني إلى المشتري الأوّل.

(2) جواب الشرط في «فإن جهل» و الفاء في «فأخذه» عاطفة لا جوابية.

(3) هذا تقريب التأييد، توضيحه: أنّ حكم الامام عليه السّلام بردّ ما زاد على الثمن إلى المشتري الأوّل لا ينطبق إلّا على القول بصحة عقد الفضولي، و ذلك لأنّ البيع الثاني وقع فضولا، إذ الثوب كان باقيا على ملك المشتري الأوّل، لعدم صحة الإقالة بسبب الوضيعة.

فالحكم بردّ الزائد- على الثمن الأوّل- إلى المشتري الذي هو المالك الفعلي للثوب دليل على صحة عقد الفضولي الذي باعه لنفسه، بزعم أنّ الثوب صار ملكا له بعد أن ردّه المشتري إليه بالإقالة. و إلّا حكم عليه السّلام بصحة البيع الثاني لنفسه، و كون تمام الثمن في البيع الثاني له، لا ردّ ما زاد على المشتري الأوّل.

______________________________

[1] بل لا ينطبق على الفضولي، إذ فضولية البيع الثاني مترتبة على كون الثوب ملكا للمشتري الأوّل و ملكيّته له منوطة ببطلان الإقالة بالوضيعة، إذ مع صحّتها ترجع

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج، 12، ص 392، الباب 17، الحديث 1، رواه المشايخ الثلاثة بالطرق الصحيحة. و في وسائل الشيعة عنوان الباب «باب عدم جواز الإقالة بوضيعة من الثمن فان فعل رد الزيادة» و التعبير عنها بالحسنة بقول مطلق كما في بعض الكلمات غير ظاهر، إذ لا منشأ لحسنها إلّا وقوع إبراهيم بن هاشم في سند الكافي، مع أنه قد تحقّقت وثاقته عند المتأخرين. مضافا إلى أن الصدوق و الشيخ روياها بإسناد تام لم يقع إبراهيم فيه، فكان المناسب أن يقال: «حسنة بطريق الكليني».

ص: 455

______________________________

ملكية الثوب إلى بائعه، فيكون بيعه الثاني بيع الأصيل، لا بيع الفضولي، فلا وجه لردّ الزائد إلى المشتري.

و على تقدير فضولية البيع يكون الثمن كلّه ملكا للمشتري الأوّل، سواء أ كان مساويا للثمن الأوّل أم أقل أم أكثر منه، لا خصوص ما زاد على الثمن الذي اشترى به الثوب. كما أنّ للبائع استرداد ما دفعه إلى المشتري بالإقالة.

فإذا فرض أنّ الثمن في البيع الأوّل كان عشرة دراهم، و دفع البائع منها إلى المشتري بسبب الإقالة ثمانية دراهم، فعلى البائع دفع تمام الثمن في البيع الثاني إلى المشتري الأوّل، سواء أ كان مساويا لثمن البيع الأوّل و هو عشرة دراهم، أم أقل أم أكثر منها. كما أنّ له استرداد ما دفعه إلى المشتري الأوّل و هو ثمانية دراهم، إذ مقتضى بقاء الثوب على ملك المشتري الأوّل و كون البيع الثاني فضوليا هو ملكية تمام الثمن له بشرط إجازته للبيع. مع أنّه ليس من الإجازة في صحيحة الحلبي المتقدمة عين و لا أثر.

فعدم الحاجة إلى إجازة المشتري الأوّل في البيع الثاني و كذا عدم تملكه لتمام الثمن، و تملكه لخصوص الزائد على الثمن الذي اشترى به الثوب- دليل على عدم كون البيع الثاني فضوليا، و أنّ الإقالة بالوضيعة كانت صحيحة، و أنّ البائع الأوّل صار مالكا للوضعية بوجه مشروع كالهبة و الصلح، لا بنفس الإقالة حتى يرد عليه أنّها باطلة.

و بالجملة: فعلى كلا تقديري صحة الإقالة بالوضيعة و فسادها لا يكون البيع الثاني فضوليا، إذ على تقدير الصحة ترجع ملكية الثوب إلى بائعه، فيكون بيعه الثاني بيع الأصيل لا بيع الفضولي، و يكون تمام الثمن في هذا البيع ملكا له، و ليس للمشتري الأوّل المستقيل شي ء من هذا الثمن، لا بمقدار الوضيعة و لا غيره.

و على تقدير فساد الإقالة يكون البيع الثاني فضوليا، لوقوعه في ملك المشتري

ص: 456

______________________________

الأوّل، و لازمه كون الثمن كله ملكا له في صورة الإجازة، لا خصوص ما زاد، و المفروض أنّ الرواية خالية عن الإجازة. فصحة البيع بدون الإجازة و الحكم بردّ ما زاد، بضرس قاطع دليل على عدم فضوليته. و لذا حمل المحقق الأصفهاني قدّس سرّه ردّ ما زاد على الاستحباب، رعاية للمستقيل لئلّا يتضرر بإقالته، دون ما إذا ساواه أو نقص «1».

ثم إنّه نسب إلى ابن الجنيد قدّس سرّه أنّه استدلّ بهذه الصحيحة على صحة الإقالة بوضيعة، و حمل قوله عليه السّلام: «لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة» على الكراهة، إذ مع بطلان الإقالة يجب ردّ العين إلى المشتري، و ليس له بيعها بأقلّ من الثمن أو أكثر إلّا بإجازته، لا الحكم بصحة البيع بدون الإجازة من المشتري الأوّل.

لكن حمل الصحيحة على صحة الإقالة بوضيعة- كما عن ابن الجنيد- ينافيه الإجماع على بطلانها. قال في الجواهر: «و لو اصطلح المتبايعان بزيادة أو نقيصة صح عند ابن الجنيد، و الأصحاب على خلافه، لأنّها فسخ لا بيع» «2».

و تكون الرواية على هذا المعنى معرضا عنها، فتسقط عن الحجية، فلا مجال للاستدلال بها على صحة الإقالة بوضيعة، هذا.

ثم إنّ المحقق النائيني قدّس سرّه احتمل «أنّ البائع قد اشترى الثوب من المشتري، ثم باعه على غيره بأكثر من ثمنه، فيكون ردّ الزائد على المشتري استحبابيا. و يشهد له قوله عليه السّلام: صاحبه الأوّل، فإنّ التعبير بصاحبه الأوّل لا يناسب مع كون الثوب ملكا للمشتري فعلا». «3»

و حاصله: أنّ صاحب الثوب فعلا هو البائع كزيد مثلا الذي صار مالكا له

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

(2) جواهر الكلام، ج 24، ص 353.

(3) منية الطالب، ج 1، ص 220.

ص: 457

______________________________

بالاشتراء من المشتري الأوّل و هو عمرو، فللثوب مالكان أوّلهما: عمرو، و هو المشتري الذي اشتراه أوّلا من هذا البائع. و ثانيهما: هذا البائع الذي اشترى الثوب من المشتري الأوّل أعني به عمرا. فالصاحب الأوّل هو عمرو، و الثاني هو زيد، فيستحبّ لزيد ردّ الزائد على عمرو.

و قيل: الظاهر انّ منشأ هذا الاحتمال هو إرجاع الضمير في «صاحبه» إلى «الثوب» فيكون معنى الرواية حينئذ أنّ من اشترى شيئا بثمن، ثم باعه بأزيد منه ردّ الزائد على المالك الأوّل استحبابا، هذا.

و لا يخفى أنّ محتملات الصحيحة كثيرة.

منها: بطلان الإقالة، و كون بيع الثوب فضوليا. و الصحيحة بهذا المعنى تصلح لتأييد صحة بيع الفضولي.

لكن فيه أوّلا: أنّ ظاهرها صحة البيع بلا إجازة. و هذا ممّا لم يقل به أحد.

و ثانيا: أنّ لازم الفضولية كون تمام الثمن ملكا للمشتري، لا خصوص الزائد.

و ثالثا: أنّه لا دخل للجهل في بطلان الإقالة بوضيعة، حيث إنّ نفس بطلان الإقالة يوجب استحقاق الثمن، أو زيادته، لا الجهل ببطلان الإقالة. إلّا أن يراد بالجهل العذر عن حرمة التصرف الاعتباري في مال الغير.

و منها: صحة الإقالة، بحمل «لا يصلح» على الكراهة، و حمل ردّ الزائد على المشتري على الاستحباب.

و فيه أوّلا: أنّ البيع حينئذ ليس فضوليا، لكون الثوب ملك البائع، فبيعه بيع الأصيل، لا بيع الفضولي، فلا يصح التمسك بالصحيحة لصحة بيع الفضولي.

و ثانيا: انّ حمل «لا يصلح» على الكراهة و البناء على صحة الإقالة بوضيعة خلاف الإجماع و التسالم كما مرّ أيضا، فيسقط هذا الحمل بإعراض الأصحاب مع عدم قرينة على هذا الحمل.

ص: 458

[ج: ما ورد في شراء السمسار]

و يمكن التأييد له (1) أيضا بموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «قال: سألت

______________________________

ج: ما ورد في شراء السمسار

(1) أي للقول بصحة عقد الفضولي الذي يقع للمالك. و هذا تاسع الوجوه على صحة عقد الفضولي مع إجازة من له أمر العقد. و سيأتي توضيح وجه الاستدلال أو التأييد بها.

و مضمون الموثقة هو السؤال عن معاملة خاصة مع الدلّال الذي يتوسّط بين بائع السلعة و مشتريها، فيراجعه شخص و يدفع إليه النقود ليشتري متاعا من آخر.

ليسلّمه إلى دافع النقود، و يأخذ منه أجرة عمله. و يشترط على الدلّال كونه مختارا

______________________________

و منها: كون ردّ الثوب معاملة جديدة توجب رجوع ملكية الثوب إلى بائعه.

و فيه أوّلا: منافاته لقوله عليه السّلام: «فإن أخذه و باعه بأكثر من ثمنه عليه» إذ لو كان الردّ معاملة جديدة لم يكن لهذا التفريع وجه، إذ الثمن كلّه حينئذ ملك البائع، و ليس منه شي ء للمشتري. و حمل ردّ الزائد إلى المشتري على الاستحباب محتاج إلى قرينة هي مفقودة.

و ثانيا: أنّه تخرج هذه المعاملة عن بيع الفضولي و تندرج في بيع الأصيل، فلا يصح جعل هذه الصحيحة دليلا أو مؤيّدة لصحة بيع الفضولي.

و منها: كون بيع الثاني غير فضولي مع وقوعه عن المشتري، لبطلان الإقالة و بقاء الثوب على ملك المشتري. توضيحه: أنّه و إن قلنا إنّ البيع المقرون بالرضا الباطني للمالك لا يخرج عن بيع الفضولي. لكن إذا برز ذلك بمبرز فعلي أو قولي خرج عن الفضولي، لاقترانه بالرضا الباطني المبرز. و كلّ معاملة كانت كذلك لا يصدق عليها الفضوليّة.

و في المقام لمّا أقدم المشتري على الإقالة بوضيعة دلّ ذلك بالالتزام على الرضا بالمبادلة بأكثر من ذلك قطعا. فالبيع وقع عن هذا الرضا المبرز الذي هو إذن، فلا يكون هذا البيع فضوليا. و هذا الاحتمال لا بأس به في نفسه و ليس بعيدا عن ظاهر الصحيحة، إذ لا يلزم من إرادته تصرف في «لا يصلح» بحمله على الكراهة.

ص: 459

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السمسار (1) يشتري بالأجر (2)، فيدفع إليه الورق (3)، فيشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري، فما شئت أخذته، و ما شئت تركته. فيذهب فيشتري، ثم يأتي بالمتاع، فيقول (4): خذ ما رضيت و دع ما كرهت؟ قال: لا بأس» «1»

______________________________

في قبول المتاع و ردّه. فيقبل الدلّال، و يذهب إلى مالك المتاع و يشتريه منه، و يأتي به إلى دافع الورق و يخيّره بين الأخذ و الترك.

و قد أجاب عليه السّلام بعدم البأس به ما دام دافع النقود مخيّرا غير ملزم بقبول ما هيّأه له الدلّال.

(1) بكسر السين و سكون الميم «المتوسط بين البائع و المشتري، و الجمع سماسرة. و منه: لا بأس بأجر السمسار. و: يا معشر السماسرة افعلوا كذا. و السمسار أيضا القائم بالأمر الحافظ له» «2». و يقال للسمسار: الدّلّال.

(2) و هو حقّ السعي لإجراء المعاملة بين البائع و المشتري.

(3) بفتح الواو و الكسر الراء- كفخذ- و هي الدراهم المضروبة من الفضة، جمعه: أوراق و وراق. و فاعل- فيشترط- و ضمير «شئت و أخذت و تركت» هو الدافع.

(4) أي: فيقول السمسار للمشتري الذي دافع الورق ايّها المشتري خذ .. إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 394، الباب 20 من أبواب العقود، ح 2، و لا يخفى أن الموجود في نسخ الكتاب «موثقة عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن السمسار ..» و الصحيح ما أثبتناه في المتن كما أن في الوسائل «أ يشتري» بدل «يشتري». رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان. و للرواية طريقان آخران، و هما طريقا الكليني و الصدوق قدّس سرّهما و في طريق الكليني الحسن بن محمّد بن سماعة، و بناء على صحة أبان لكونه من أصحاب الإجماع تصير الرواية صحيحة بطريق الصدوق و الشيخ، و توصيفها بالموثقة مخصوص بطريق الكليني.

(2) مجمع البحرين، ج 3، ص 337.

ص: 460

بناء (1) على أنّ الاشتراء من السمسار (2) يحتمل أن يكون لنفسه (3)

______________________________

(1) يعني: أنّ التأييد لصحة الفضولي بهذه الموثقة مبني على أن يكون حكم الامام عليه السّلام عامّا لجميع محتملات الرواية بسبب ترك الاستفصال.

توضيح ذلك: أنّ محتملات الرواية ثلاثة:

الأوّل: أن يكون اشتراء السمسار لنفسه ليكون الورق عليه قرضا، فيبيع ما اشتراه من الأمتعة على صاحب الورق، و يؤدّي بذلك دينه. و هذا المحتمل أجنبي عن الفضولي، و يكون قوله: «يشتري بالأجر» قيدا توضيحيا و مبيّنا لمعنى السمسار.

الثاني: أن يكون الاشتراء لمالك الورق بإذنه، مع جعل الخيار له على بائع الأمتعة، فيلتزم بالبيع فيما رضي به، و يفسخه فيما كرهه. و هذا أيضا أجنبي عن الفضولي.

الثالث: أن يكون الاشتراء فضوليا عن مالك الورق أي بلا إذن منه للسمسار بالشراء، فيختار ما يرغب فيه، و يردّ ما يرغب عنه. و هذا الاحتمال ينطبق عليه الفضولي.

و ليست الرواية ظاهرة في أحد هذه المعاني. إلّا أنّ ترك استفصال الامام عليه السّلام عن هذه المحتملات و إطلاق الحكم بعدم البأس يدلّ على عموم الحكم لجميع المحتملات التي منها هذا المعنى الثالث.

(2) أي: الاشتراء الصادر من السمسار، فالعبارة صحيحة، و لا تحتاج إلى إسقاط كلمة «من» كما لا يخفى، و تكون «من» بمعنى النشوية، كما يحتمل في آية وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا.

(3) هذا هو الاحتمال الأوّل الذي مرّ آنفا بقولنا: «الأوّل أن يكون اشتراء السمسار .. إلخ».

ص: 461

ليكون (1) الورق عليه قرضا، فيبيع على صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة، و يوفيه (2) دينه.

و لا ينافي (3) هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممّن يشتري بالأجر، لأنّ (4) وصفه بذلك باعتبار أصل حرفته و شغله، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية.

و يحتمل (5) أن يكون لصاحب الورق بإذنه (6) مع جعل خيار له على بائع

______________________________

(1) يعني: حتى يكون الورق- الذي دفعه صاحبه إلى السمسار- قرضا عليه.

(2) يعني: يوفي السمسار لصاحب الورق دينه بجعل المتاع مبيعا و عوضا عن دينه و هو الورق.

(3) إشارة إلى وهم، و هو: أنّ اشتراء السّمسار لنفسه ينافي فرض اشترائه بالأجرة- كما هو صريح الرواية- و من المعلوم أنّ معنى الاشتراء بالأجرة هو الاشتراء للناس- بالأجرة- لا لنفسه. و هذا ينافي المعنى الأوّل، و هو كون الشراء لنفس السمسار.

(4) هذا دفع التوهم، و محصله: أنّ توصيف السمسار في الرواية بكونه ممّن يشتري بالأجر إنّما هو لأجل حرفته، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية. فيمكن أن يشتري السمسار لنفسه متاعا، ثم يعرضه على صاحب الورق، فإن ارتضاه باعه السمسار منه بأزيد ممّا اشتراه هو من بائع المتاع، و تكون تلك الزيادة أجرة عمله، لكنها ليست اجرة بحسب الاصطلاح و إنّما هي جزء من ثمن المتاع.

(5) هذا هو الاحتمال الثاني الذي تقدم بقولنا: «الثاني أن يكون الاشتراء لمالك الورق .. إلخ».

(6) أي: بإذن صاحب الورق لا فضولا عنه، فيأذن للسمسار بأن يشتري له المتاع مع جعل الخيار لصاحب الورق الذي هو المشتري حقيقة، فضمير «له» راجع

ص: 462

الأمتعة، فيلتزم (1) بالبيع فيما رضي، و يفسخه (2) فيما كره.

و يحتمل (3) أن يكون (4) فضوليّا عن صاحب الورق، فيتخيّر ما يريد، و يردّ ما يكره.

و ليس (5) في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الورق للسّمسار على وجه (6) ينافي كونه فضوليا كما لا يخفى.

______________________________

إليه، لا إلى السمسار.

(1) يعني: فيلتزم صاحب الورق الذي وقع الشراء له مع الإذن- لا فضولا- بالبيع فيما رضي به، و يفسخه فيما كرهه، لأنّ مقتضى جعل الخيار له هو السلطنة على الفسخ و الإمضاء.

(2) يعني: فيفسخ صاحب الورق البيع فيما لا يريده من المتاع، و يختار ما يريده منه.

(3) هذا هو الاحتمال الثالث الذي تقدّم بقولنا: «الثالث ان يكون الاشتراء فضوليا ..».

(4) أي: يكون اشتراء السمسار فضوليا و ضمائر «فيتخيّر، يريد، يرد، يكره» راجعة إلى: صاحب الورق.

(5) غرضه من هذه العبارة نفي أجنبية هذه الرواية عن مسألة الفضولي، و إثبات احتمال كون موردها من الفضولي حتى تكون مؤيّدة لصحة عقد الفضولي مع الإجازة. و محصله: أنّ الاحتمالات الثلاثة المتقدمة متطرقة في الرواية، و ليست ظاهرة في أحد الاحتمالين الأوّلين حتى يصير الاحتمال الثالث- و هو الفضولية- موهوما و أجنبيا عن مورد الرواية بحيث لا تصلح الرواية للتأييد، بل الاحتمالات الثلاثة متكافئة، فيمكن أن تكون الرواية مؤيّدة لصحة بيع الفضولي مع الإجازة.

(6) المراد بهذا الوجه المنافي هو ما أشرنا إليه من ظهور الرواية في أحد الاحتمالين الأوّلين.

ص: 463

فإذا (1) احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه (2) و حكم الإمام عليه السّلام بعدم البأس، من دون استفصال عن المحتملات، أفاد (3) ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات (4) [1].

______________________________

(1) هذه نتيجة نفي الوجه المنافي، و هو ظهور الرواية في غير الاحتمال الثالث، و إثبات تكافؤ الاحتمالات الثلاثة، فإنّ حكم الامام عليه السّلام بعدم البأس- من دون التفصيل بين هذه الاحتمالات الثلاثة- يعمّ جميع هذه الاحتمالات التي منها مسألة الفضولي، فيكون عقد الفضولي صحيحا بالإجازة.

(2) و هي الاحتمالات الثلاثة المتقدمة.

(3) جواب «إذا» و المراد بالحكم هو الجواز الذي تضمّنه قوله عليه السّلام: «لا بأس».

(4) التي منها الاحتمال الثالث المنطبق على بيع الفضولي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ ترك الاستفصال إنّما يفيد العموم فيما إذا لم يكن الكلام ظاهرا في معنى و لو بمعونة قرينة، فلو كان له ظهور في أحد المحتملات معيّنا كان ذلك الظهور متّبعا عند أبناء المحاورة، و خرج اللفظ حينئذ عن موارد استفادة العموم من ترك الاستفصال.

و الحاصل: أنّ المانع من استفادة العموم بترك الاستفصال هنا هو ظهور الكلام في معنى معيّن، لا ما في تقريرات بعض أعاظم العصر دامت أيام إفاداته الشريفة من أنّه «إنّما يتمسك بترك الاستفصال فيما إذا كان المسؤول عنه مردّدا و منقسما إلى أقسام عديدة، بأن كان حكما كليا، و لا يجري ذلك فيما إذا كان المسؤول عنه قضية شخصية» «1».

و ذلك لأنّ الوجه في إفادة ترك الاستفصال للعموم- و هو لزوم الإغراء بالجهل

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 76.

ص: 464

[د- التعليل الوارد في نصوص نكاح العبد]

و ربما يؤيّد المطلب (1) بالأخبار (2) الدالة على عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه

______________________________

د- التعليل الوارد في نصوص نكاح العبد

(1) و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك بدون سبق منع منه، و هذا الوجه العاشر آخر المؤيّدات.

(2) و هذه الأخبار مذكورة في كتب الأحاديث، منها صحيح أو حسن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه و إن شاء فرّق بينهما. قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السيد له. فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له

______________________________

و فوات الغرض- جار في جميع الموارد التي يلزم فيها هذا المحذور، سواء أ كان الحكم فيها كلّيا أم جزئيا كمورد الرواية، فإنّ ترك الاستفصال عن محتملاتها مع اختلافها حكما يفيد العموم، و إلّا لزم الإغراء بالجهل. و هذا المحذور يوجب إفادة ترك الاستفصال للعموم في كلّ مورد يلزم فيه هذا المحذور، من غير فرق في ذلك بين الحكم الكلي و الجزئي، و لا بين كون اللفظ مشتركا معنويا- كما نسب إلى الأصوليين إفادة ترك الاستفصال للعموم فيما إذا كان الواقع في السؤال من قبيل المشترك المعنوي- و بين كونه مشتركا لفظيا كما عن شريف العلماء قدّس سرّه.

و الحق عدم الاختصاص بهذه الموارد، فإنّ قبح الإغراء بالجهل و تفويت الغرض الذي هو مناط إفادة العموم يجري في المحتملات كما أفاده المصنف قدّس سرّه في هذه الرواية، كجريانه في المشترك اللفظي و المعنوي. فليكن ما ذكرناه من إفادة ترك الاستفصال للعموم ضابطا كلّيا في كل مورد يلزم الإغراء بالجهل من عدم إرادة العموم فيه.

ص: 465

..........

______________________________

جائز» «1». و قريب منها غيرها.

و لا بأس بذكر أمرين قبل توضيح المتن.

الأوّل: أنه تقدم ذكر هذا الخبر في (ص 408) حيث استدلّ به بفحوى جريان الفضولي في النكاح على صحته في البيع، و تقدمت مناقشة المصنف قدّس سرّه في الأولوية بما ورد في رواية العلاء بن سيابة. و المقصود فعلا تأييد صحة بيع الفضولي بالتعليل الوارد في نصوص نكاح العبد بدون إذن مولاه إذا أجازه. و هذا التقريب سليم عن المناقشة المتقدمة في الفحوى، لعدم كون مناط الاستشهاد بهذه النصوص أولوية البيع بالصحة من النكاح حتى تكون رواية العلاء مانعة عنها، بل مناط الاستشهاد بها قوله عليه السّلام: «انه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده». و سيأتي تقريب الدلالة.

الثاني: أن صاحب الجواهر قدّس سرّه عدّ هذه النصوص- الدالة على صحة النكاح الفضولي- مؤيدة لصحة بيع الفضولي، فقال: «بل يؤيّده ما ورد في إجازة السيد عقد العبد ..» «2».

و صاحب المقابس جعلها دليلا عليها، و قد أشرنا في (ص 409) إلى أنّه قدّس سرّه قرّب دلالتها بوجوه خمسة، خامسها دلالة التعليل، و هو ما أثبته المصنف قدّس سرّه في المتن، قال في المقابس: «الخامس فحوى التعليل المذكور في الخبرين، حيث فرّق بينهما بين ما يكون سبب اختلال العقد أمرا محرّما بالأصالة، و ما يكون لأجل حقّ المخلوق كالمالك، فالأوّل يبطل مطلقا، و الثاني يتدارك بإجازة ذي الحق و إسقاطه لحقّه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1، رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة، و الرواية صحيحة أو حسنة.

(2) لاحظ جواهر الكلام، ج 22، ص 279.

ص: 466

معلّلا (1) «بأنّه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده».

و حاصله: أنّ المانع من صحة العقد إذا كان لا يرجى زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا، و هو (2) عصيان اللّه تعالى. و أمّا المانع الذي يرجى زواله

______________________________

و قد ذكر في مقام الاستدلال و التعجب من فتاوى المخالفين، فيكون عامّا لكل ما كان كذلك إلّا ما خرج بالدليل، فيندرج فيه البيع، و هو المطلوب، فلا وجه للعدول عن هذا القول أصلا» «1».

(1) هذا تقريب التأييد لصحة عقد الفضولي بالإجازة، و محصله: أنّ مقتضى عموم العلّة المنصوصة هو ثبوت الحكم لجميع مواردها، و عدم اختصاصها بالمورد، كما في ثبوت مثل الحرمة لغير الخمر من المسكرات، بتعليل حرمة الخمر بكونه مسكرا.

و المقام كذلك، فإنّ تعليل عدم فساد النكاح بعدم عصيان اللّه تعالى يدلّ على أنّ الموجب للفساد هو عصيانه سبحانه و تعالى، فإنّ هذا العصيان مانع عن الصحة، و لا يرجى زواله، إذ لا يتصور الرضا منه سبحانه و تعالى في المعصية. و أمّا معصية غيره عزّ و جل فهي مما يرجى زوالها برضاه و رفع كراهته، لأنّه حقّ آدمي، فله الردّ و الإمضاء، فإذا رضي بالعقد و أجازه فقد ارتفع مانع الصحة و نفذ العقد.

ثم إنّ هذا الاستدلال ناظر إلى العلة المنصوصة التي هي من الظواهر المعتبرة عند أبناء المحاورة. كما أنّ الاستدلال السابق بتلك الروايات الراجعة إلى النكاح كان بالفحوى، فلا يلزم إشكال تكرار الاستدلال بتلك الروايات.

(2) هذا الضمير و المستتر في «كان» راجعان إلى المانع.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 27، و الأولى أن تكون العبارة في أوّلها: «حيث فرّق فيهما» أي: في الخبرين.

ص: 467

- كعصيان السيد- فبزواله يصحّ العقد. و رضا المالك من هذا القبيل (1)، فإنّه لا يرضى أوّلا و يرضى ثانيا. بخلاف سخط اللّه عزّ و جلّ بفعل، فإنّه يستحيل رضاه (2) [1].

هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ و يستشهد به للقول بالصحة (3). و بعضها (4) و إن كان ممّا يمكن الخدشة فيه، إلّا أنّ في بعضها الآخر (5) غنى و كفاية (6).

______________________________

(1) خبر قوله: «و رضا المالك» يعني: و رضا المالك في عقد الفضولي يكون من قبيل المانع الذي يرجى زواله، فهو كعصيان السيّد في قابليته للزوال، حيث إنّ عدم رضاه أوّلا يتبدّل بالرضا ثانيا.

(2) لكونه رضا بما يستقلّ العقل بقبحه و هو عصيانه تعالى شأنه.

(3) أي: بصحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك.

(4) كرواية عروة و غيرها مما تقدّم.

(5) و عمدة ذلك البعض هي العلّة المنصوصة في صحيح زرارة المتقدمة.

(6) في إثبات المطلوب، و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك و أجازه.

______________________________

[1] قد يستشكل في الاستدلال بعموم العلة المنصوصة: بأنّ مورد التعليل، هو نكاح العبد لنفسه، و من المعلوم أنّ العقد مضاف إلى صاحبه و من يعتبر إضافته إليه، فإجازة السيد هنا ليست لتحصيل هذه الإضافة.

و ببيان أوضح: يكون العاقد في مورد التعليل مشمولا لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غاية الأمر أنّ نفوذ العقد منوط بإجازة غيره، فلا يتعدّى عن مورد التعليل إلّا إلى الموارد التي تكون مثله، كبيع الراهن العين المرهونة من دون إذن المرتهن، فإنّ إضافة العقد إلى الراهن متحققة، و إجازة المرتهن دخيلة في نفوذ العقد، لا في إضافته إلى صاحب العقد.

و كنكاح بنت أخ الزوجة أو بنت أختها، فإنّ العقد مضاف إلى العاقد و هو الزوج، و إجازة

ص: 468

______________________________

الزوجة شرط لنفوذه، لا لحصول انتساب العقد إلى الزوج.

و أمّا إذا لم يكن العقد مضافا إلى من يعتبر إضافته إليه، فلا يتعدّى عموم العلّة إليه.

و عليه فلا يتعدّى من عموم العلة إلى عقد الفضولي الذي لا يكون العقد مضافا إليه كعقد العبد لغيره. و إنّما يتعدّى من عموم العلّة إلى العقد المضاف إلى مالك أمره دون غيره. فالاستدلال بعموم العلة لصحة مطلق عقد الفضولي ضعيف، هذا «1».

أقول: المستفاد من التعليل أنّ الاعتبار بعدم كون العقد معصية له تعالى، و أن السبب المنحصر للبطلان هو كون النكاح عصيانا له تعالى شأنه. لا عدم كونها معصية من العبد. و عموم هذا التعليل كما يقتضي عموم ما يصدر من العبد سواء كان نكاحا أم غيره، كذلك يقتضي العموم من جهة الصدور، بأن يكون صادرا من العبد أو غيره.

و ببيان آخر: مقتضى عموم العلّة عموم الحكم لكل عقد بيعا كان أو غيره، و لكلّ عاقد سواء أ كان مالكا أم غيره، فيشمل جميع موارد الفضولي.

و لو بني على عدم التعدّي عمّن له العقد إلى غيره كالفضولي فلا بدّ من عدم التعدّي عن نكاح العبد إلى بيعه مثلا أيضا، إذ لا فرق في الموردية للرواية بين النكاح و غيره، إذ المدار على عدم كون المعاملة معصية له تعالى، من غير فرق بين صدورها من العبد و غيره. و سواء كان الصادر بيعا أم غيره. و خصوصية المورد ليست مخصّصة للعموم ما لم تقم قرينة على مخصصيته لعموم العلة المنصوصة. خصوصا بملاحظة كون إضافة العقد إلى من له العقد- و هو العبد- في كلام الراوي دون الامام عليه السّلام.

و بالجملة: مناط ترتب الأثر على العقد بالإجازة هو كونه حلالا ذاتا و مشروعا في نفسه، و نافذا فعلا بسبب الإجازة. و من المعلوم أنّ جميع موارد الفضولي المبحوث عنها كذلك. و أمّا اعتبار صدور العقد من خصوص من له العقد فمما لا دليل عليه، إذ المناط كلّه بمقتضى ظاهر التعليل هو عدم كون العقد معصية له سبحانه و تعالى كنكاح

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 44 و 45.

ص: 469

______________________________

المحرمات.

و لا يقاس المقام بقاعدة التجاوز، بأن يقال: إنّها كما لا تجري إلّا في الأجزاء و فيما له عنوان كالقراءة و الركوع و السجود و نحوها، و لا تجري في مقدمات الأجزاء كالهويّ و النهوض مع كلية القاعدة، لصدق التجاوز عن المشكوك فيه بالدخول في المقدمات، فإذا شك في السجود مثلا في حال النهوض إلى القيام صدق عليه التجاوز عن المشكوك فيه مع عدم جريان القاعدة فيه. كذلك لا يجري عموم العلة المنصوصة في المقام إذا كان العقد صادرا ممّن له ولاية العقد كعقد الراهن على ماله المرهون، فإنّه مالك العقد، لكون المرهون ملكه.

توضيح وجه عدم صحة القياس هو: أنّ الامام عليه السّلام قبل بيان قاعدة التجاوز بقوله في صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: «كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» و في صحيح زرارة: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» طبّق القاعدة على الأجزاء كالشك في القراءة و هو في الركوع، و الشك في السجود و هو في التشهد، و غير ذلك. و تطبيق القاعدة في كلام الامام عليه السّلام قرينة على كون موارد القاعدة خصوص ما يشابه تطبيقاته عليه السّلام. و من المعلوم أنّها خصوص الأجزاء دون مقدماتها.

و هذا بخلاف ما نحن فيه، فإنّ التطبيق على- من له العقد- و هو تزويج العبد لنفسه- يكون في كلام السائل دون الامام عليه السّلام، و هو لا يصلح لتخصيص العموم.

فتحصّل من جميع ما تقدّم- خصوصا عمومات التجارة و الوفاء بالعقود و عموم تعليل الصحة بعدم عصيانه تعالى- صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك، بل مورد بعضها وقوع العقد لغير المالك، هذا.

ثم إنّ هنا وجوها أخر قد استدلّ بها على صحة عقد الفضولي.

ص: 470

[المقام الثاني: أدلة بطلان بيع الفضولي]
[أ: آية التجارة عن تراض]

و احتجّ للبطلان (1) بالأدلة الأربعة (2).

أمّا الكتاب فقوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» دلّ بمفهوم الحصر (3)

______________________________

المقام الثاني: أدلة بطلان بيع الفضولي

(1) أي: بطلان عقد الفضولي إذا وقع للمالك و إن أجازه.

(2) و هي الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.

أ: آية التجارة عن تراض

(3) هذا أحد تقريبي الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد الفضولي،

______________________________

منها: بيع المال المتعلق للخمس، ثم أجازه وليّ الخمس، و هو الحاكم الشرعي له، فإنّ بيعه بالنسبة إلى خمسة فضولي، فإذا أجاز المجتهد نفذ البيع بالإضافة إلى الخمس.

و منها التصدق بمجهول المالك كاللقطة و غيرها بناء على توقفه على إجازة المالك لو ظهر، إذ مع عدم الإجازة استرجع العين. و يمكن أن يستظهر منه صحة الفضولي في الإيقاعات.

و منها ما ورد من أنّ عقيلا باع دار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكة و أقرّه عليه، قال في المقابس: «الرابع: ما نقل من حكاية بيع عقيل دار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إقراره عليه بعد فتح مكة. و نقل في التذكرة أنّه لمّا قيل له: أين تنزل غدا؟ قال: و هل ترك لنا عقيل من رباع، قال: يعني أن عقيلا باع رباع أبي طالب، لأنّه ورثه دون إخوته. فإن كانت في الحكاية دلالة فهي من المؤيّدات» «2».

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 29.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 22، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 465، السطر 24.

ص: 471

أو سياق التحديد (1) على أنّ غير التجارة عن تراض

______________________________

و محصّله: أنّ مفهوم الحصر الحاصل من عقد سلبيّ و هو عدم صحة التجارة بدون التراضي، و عقد إيجابي- و هو صحة التجارة عن تراض- يدلّ على انحصار التجارة الموجبة لجواز التصرف في الأموال في التجارة عن تراض، و أنّ انتفاءها يوجب عدم جواز أكل أموال الناس، و أنّ أكلها حينئذ أكل لها بالباطل. فيستفاد من الآية المباركة أنّه لا يجوز التصرف في أموال الناس بوجه من الوجوه إلّا بالتجارة المقرونة بالتراضي. و من المعلوم أنّ عقد الفضولي ليس من التجارة عن تراض، فلا يوجب جواز أكل أموال الناس.

(1) أي: تحديد التجارة بتقييدها ب «عَنْ تَرٰاضٍ» و هذا ثاني تقريبي الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد الفضولي. و توضيحه: أنّ الآية المباركة في مقام تحديد السبب الموجب لحلّ أكل أموال الناس، و هذا التحديد يستفاد من تقييد التجارة بالتراضي، فإنّ القيود الواردة في مقام التحديد- الذي لازمه الجامعيّة و المانعيّة- لها مفهوم، و إن لم يكن لها مفهوم في سائر الموارد، كتحديد مفهوم الماء و الفرسخ و الكرّ، و غير ذلك من التحديدات الشرعية، فإنّ جميع القيود المذكورة فيها تدلّ على الحصر.

ثم إن تقريب الاستدلال بمفهوم الحصر و القيد مذكور في المقابس، حيث قرّب دلالتها بوجهين على البطلان، فقال في جملة كلامه: «فإنّها تدلّ أبلغ دلالة على بطلان غير التجارة الصادرة عن التراضي، و لذلك سمّى ما عداها باطلا. و المعنى: لا يتصرّف بعضكم في أموال بعض بوجه من الوجوه، فإنه باطل، إلّا بوجه التجارة المذكورة.

و لو لم يقصد ذلك لزم الاجمال و قلّة الارتباط بين المستثنى و المستثنى منه، فينبغي رفع ذلك بحسب الإمكان. و التجارة هي العقد لا التوكيل فيه، أو الإجازة له.

و التراضي عبارة عن تراضي المالكين، إذ لا عبرة برضا غيرهما. و معنى كون التجارة عن تراض أن تكون صادرة و ناشئة عنه بالمباشرة أو الوكالة و ما في حكمها،

ص: 472

..........

______________________________

أو كائنة بعده .. ففي الآية دلالة من وجهين على اشتراط تراضي المالكين مقارنا للعقد، و أنّه إذا لم يكن مقارنا كان التصرف في العوضين حراما، و هو يشمل عقد الفضولي بأقسامه، فيبطل مطلقا تعقبه الإجازة أم لا» «1».

ثم ناقش صاحب المقابس في كلا الوجهين كما صنعه المصنف أيضا، إلّا الإشكال الثاني على مفهوم القيد، و هو ورود القيد مورد الغالب، إذ لم يتعرّض له المحقق الشوشتري قدّس سرّه.

و كيف كان فقد أورد المصنف قدّس سرّه على كلا التقريبين، أمّا على مفهوم الاستثناء فبوجه واحد، و أمّا على مفهوم القيد فبوجوه أربعة.

أمّا على الأوّل- هو مفهوم الحصر- فبما حاصله: منع دلالة الاستثناء على الحصر، إذ دلالته عليه منوطة بكون الاستثناء متصلا حتى يدلّ نفي الحكم عن الطبيعة و إثباته لفرد واحد منها على الحصر، و قصر الحكم على ذلك الفرد المستثنى. فلو كان الاستثناء منقطعا و لم يكن المستثنى من جنس المستثنى منه حقيقة أو عناية لم يفد الحصر، لكون النفي و الإثبات واردين على موضوعين أجنبيين. كما إذا قال: «جاء الكوفيون إلّا البصريين» فإنّه لا يدلّ على حصر عدم المجي ء في البصريين. خصوصا بناء على ما قيل من أنّ «إلّا» في الاستثناء المنقطع بمعنى «لكن» حيث إنه حينئذ بمنزلة قضيتين لقبيّتين، و هما «جاء الكوفيون» و «لم يجئ البصريون» و كما إذا قال: «أكرم العلماء إلّا زيدا الجاهل».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 28 و 29.

ص: 473

أو التجارة لا عن تراض (1) غير مبيح لأكل مال الغير و إن لحقها الرضا (2)، و من المعلوم أنّ الفضولي غير داخل في المستثنى (3).

و فيه (4): أنّ دلالته (5) على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء كما هو (6) ظاهر اللفظ، و صريح (7) المحكيّ عن جماعة من المفسّرين (8)، ضرورة (9) عدم كون

______________________________

(1) هذا و ما قبله متعلقان ب «دلّ» بنحو اللّف و النشر المرتّب.

(2) يعني: كما هو المفروض في عقد الفضولي.

(3) و هو قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ بل هو داخل في المستثنى منه و هو الباطل، لأنّه تجارة لحقها الرضا، لا تجارة ناشئة عن الرضا.

(4) أي: و في الاستدلال بمفهوم الحصر إشكال. و هذا إشارة إلى الإشكال على التقريب الأوّل المتقدم بقولنا: «أمّا على الأوّل و هو مفهوم الحصر فبما حاصله .. إلخ».

(5) أي: دلالة قوله تعالى على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء، و عدم كون المستثنى- و هو التجارة عن تراض- من سنخ المستثنى منه و هو الباطل.

(6) أي: كون الاستثناء منقطعا ظاهر اللفظ بحسب الصناعة، نظير قوله تعالى:

لٰا يَسْمَعُونَ فِيهٰا لَغْواً وَ لٰا تَأْثِيماً، إِلّٰا قِيلًا سَلٰاماً سَلٰاماً «1».

(7) معطوف على «ظاهر».

(8) كشيخ الطائفة و أمين الإسلام و غيرهما «2».

(9) تعليل لانقطاع الاستثناء، فإنّ من الواضح عدم كون المستثنى- و هو التجارة عن تراض- من أفراد المستثنى منه و هو الباطل، و كلّ ما كان كذلك فهو استثناء منقطع.

______________________________

(1) سورة الواقعة، الآية 26.

(2) راجع تفسير التبيان، ج 3، ص 178، مجمع البيان، ج 2، ص 36، الكشاف للزمخشري، ج 1، ص 502.

ص: 474

التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه (1) [1].

______________________________

(1) هذا إشارة إلى حقيقة الاستثناء، و أنّها إخراج حكمي و تخصيص أصولي، و أنّ المقام ليس من الاستثناء، لخروج «التجارة عن تراض» موضوعا عن الباطل، لا حكما مع بقاء فرديّته للمستثنى منه.

هذا تمام الكلام فيما يرجع الى ما أورده المصنف قدّس سرّه على التقريب الأوّل و هو الاستدلال على بطلان عقد الفضولي بمفهوم الحصر المستفاد من الاستثناء.

______________________________

[1] قد يورد عليه أوّلا: أنّه لا معنى لانقطاع الاستثناء أصلا.

و ثانيا- بعد تسليمه- أنّه خلاف الأصل كما صرّح به في بعض الكلمات «1» فلا يصار إليه، و لا يحمل الكلام عليه إلّا بالدليل.

و عليه فالاستثناء هنا متصل، فكأنه قيل: «لا تتملّكوا أموالكم بشي ء من الأسباب، إلا أن تكون تلك الأسباب تجارة عن تراض، فإنّها توجب حلية التملك». فهذا الاستثناء يفيد الحصر، و يكون عقد الفضولي داخلا في المستثنى منه، لكونه تجارة لا عن تراض، إذ الرضا يلحقه، و لا يسبقه كما هو ظاهر «عَنْ تَرٰاضٍ» فهو باطل.

و توهم أنّ حمل الاستثناء على الاتصال خلاف الواقع، لعدم انحصار سبب حلية الأكل في التجارة، فإنّ رضا المالك بإباحة التصرف في ماله كاف في الحلية من دون توقفها على التجارة. و بالجملة يلزم من الاستثناء تخصيص الأكثر المستهجن، مندفع بأنّ المراد التصرفات المعاوضية و المعاملية الواقعة بينهم، لا تحريم التصرف في مال الغير، فإنّ المراد بالباطل كما روي عن مولانا الباقر عليه السّلام هو القمار و الربا و البخس و الظلم، فإنّ الظاهر أنّها من باب المثال. فالمراد كل معاملة ناقلة للأموال بعنوان المعاوضة، فكل معاملة معاوضية باطلة إلّا التجارة عن تراض، فإباحة التصرف في الأموال مجانا كالاضافات و التمليك المجاني كالهبات و الهدايا خارجة موضوعا عن مورد الآية،

______________________________

(1) راجع هامش قطر الندى و بلّ الصدى، ج 1، ص 245.

ص: 475

______________________________

فيكون الحصر المستفاد من الاستثناء المتصل صحيحا.

لكن لا يخفى أنّ الاستثناء المتصل و إن كان مقتضى القواعد العربية، لكونه إخراجا حكميا. لكنه لا سبيل للمصير إليه هنا بمقتضى ظاهر العبارة، لأنّ معناه حينئذ «لا تأكلوا أموالكم بينكم بسبب باطل، إلّا أن يكون ذلك السبب الباطل تجارة عن تراض» و هذا ضروري البطلان.

و لا يدور الأمر بين اتصال الاستثناء و انقطاعه حتى يقال: إنّ أصالة الاتصال تقتضي اتصاله. إذ مورد الدوران هو فرض إمكان الاتصال بمقتضى ظاهر الكلام. و قد عرفت امتناع الاتصال. و دلالة الاقتضاء لا تلجئنا إلى التقدير حتى نلتزم باتصال الاستثناء. و ذلك لأنّ مورد دلالة الاقتضاء هو توقف صحة الكلام على التقدير، كقوله تعالى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و من المعلوم أنّه أجنبي عمّا نحن فيه، لعدم توقف صحة ظاهر الكلام على التقدير، حيث إنّ ظاهره المنطبق على انقطاع الاستثناء معنى صحيح، و لا يتوقف صحته على التقدير، إذ معناه: أنّ أكل أموال الناس حرام بالسبب الباطل، و حلال بالتجارة عن تراض.

و لا موجب للالتزام باتّصال الاستثناء الذي هو خلاف ظاهر الكلام حتى نحتاج إلى أصل التقدير فضلا عن تعدد المقدّر كما في تقرير بحث سيدنا الخويي قدّس سرّه من قوله:

«لا يجوز تملك أموال الناس بسبب من الأسباب، فإنه باطل، إلّا أن يكون ذلك السبب التجارة عن تراض».

و بالجملة: الاستثناء في الآية الشريفة ظاهر في الاستثناء المنقطع. و حمله على الاستثناء المتصل خلاف الظاهر، و بلا موجب. مع أنه يستلزم ارتكاب التقدير الذي هو خلاف الأصل، فلا محيص عن الذهاب إلى انقطاع الاستثناء الذي هو ظاهر الآية المباركة، كما قرّبناه في الجزء الأوّل من هذا الشرح، فراجع (ج 1 ص 390).

ص: 476

______________________________

و لو سلّمنا دلالتها على الحصر، لكونها مسوقة لبيان الأسباب الناقلة للأموال و تمييز صحيحها عن باطلها من غير نظر إلى انقطاع الاستثناء و اتصاله، فتدلّ حينئذ على الحصر، و أنّ كل سبب لنقل الأموال باطل، إلّا التجارة عن تراض، و عقد الفضولي ليس من التجارة عن تراض، فهو باطل. لقلنا: انه مع ذلك لا يصح الاستدلال المزبور به، لأنّ التجارة «هي انتقال شي ء مملوك من شخص الى آخر بعوض مقدر على جهة التراضي» «1» و من المعلوم أنّ مجرد الإنشاء بدون ما يعتبر في العقد المملّك من الشرائط لا يوجب الانتقال و تبادل اضافتي الملكية.

و عليه فالتجارة في الآية الكريمة لا تشمل عقد الفضولي، لأنّ مجرد الإنشاء كما مرّ آنفا ليس تجارة، فلا يندرج في المستثنى. كما لا يندرج أيضا في المستثنى منه، لعدم كون مجرد إنشاء الفضولي تصرفا عرفا في مال الغير، لعدم صدق التجارة بمال الغير على مجرد عقده حتى يشمله «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ» فعقد الفضولي خارج تخصصا عن كلا عقدي المستثنى و المستثنى منه. و اندراجه في المستثنى منوط بالتراضي، و بعد التراضي يتصف بالتجارة عن تراض.

فصار المتحصل: أنّ الاستثناء على تقدير الاتصال، يدلّ على الحصر، إلّا أنّ الآية لا تشمل بشي ء من عقديها عقد الفضولي. فالاستدلال بها- سواء أ كان بمفهوم الحصر أم بمفهوم التحديد- على بطلان عقد الفضولي غير سديد، هذا.

و قد يستدلّ على بطلان عقد الفضولي بعقد المستثنى منه، بتقريب: أنّ عقد الفضولي تصرف في مال الغير، و هو منهي عنه، و النهي يقتضي الفساد.

لكن فيه أوّلا: أنّ عقد الفضولي ليس تصرفا في مال الغير حتى يحرم و يفسد،

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 3، ص 233.

ص: 477

و أمّا سياق التحديد (1) الموجب لثبوت مفهوم القيد فهو

______________________________

(1) أورد المصنف على التقريب الثاني- و هو الحصر المستفاد من التحديد- بما يرجع إلى وجوه أربعة.

الأوّل: أنّ هذا المفهوم مبني على مفهوم الوصف، و هو غير ثابت.

الثاني: أنّه بعد تسليم المفهوم له يختص ذلك بما إذا انحصرت فائدة الوصف في المفهوم، و لم تكن له فائدة أخرى كوروده مورد الغالب كما فيما نحن فيه. فلا يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» قيدا احترازيا حتى يكون له مفهوم، و هو عدم كون عقد الفضولي تجارة عن تراض. بل يكون قيدا غالبيا.

فمرجع هذا الإيراد إلى تسليم نعتية «عَنْ تَرٰاضٍ» للتجارة، مع حمله على الغلبة، كما في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ فإنّ قيد «فِي حُجُورِكُمْ» ورد مورد الغالب، لكون غالب الربائب في حجور أزواج أمّهاتهن، و لذا ليس هو قيدا احترازيا حتى تختص الحرمة بالربائب اللّاتي في الحجور.

الثالث: أنّه يحتمل أن لا يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» وصفا للتجارة و قيدا لها حتى يكون له مفهوم. بل يكون خبرا ثانيا ل «تكون» بناء على نصب «تجارة» كما هو قراءة الكوفيين على ما في تفسير التبيان «1»، نظير «زيد عالم شاعر» فيما إذا كان كل منهما

______________________________

لوضوح عدم صدق التجارة عرفا بمال الغير على مجرد عقد الفضولي، فإنّ التصرف إمّا خارجي كالأكل و الشرب و نحوهما، و إمّا اعتباري كالملكية. و كلاهما منتف كما لا يخفى.

و ثانيا: أنّه ليس كل نهي في المعاملة مقتضيا للفساد، و إنّما الفساد يختص بما إذا تعلق النهي بأحد ركني المعاملة.

______________________________

(1) التبيان، ج 3، ص 178.

ص: 478

..........

______________________________

مستقلا في المعنى. «و الرّمان حلو حامض» فيما إذا لم يكن كذلك، بأن كان لكليهما معنى واحد.

فالمعنى حينئذ: أنّ سبب حلّ الأكل و التصرف هو التجارة و تراضي الطرفين، سواء تقدّم التراضي على التجارة أم تأخّر عنها، فيكون عقد الفضولي حينئذ صحيحا، لتحقق كلّ من التجارة و التراضي فيه، و إن كان الرضا حاصلا بعد التجارة. فلا يتم الاستدلال على بطلان الفضولي بمفهوم القيد و هو «عَنْ تَرٰاضٍ» إذ المفروض رفض قيديته للتجارة، و جعله خبرا ثانيا ل «تكون» [1].

______________________________

[1] لكنك خبير بأنّ كلمة المجاوزة تقضي بتقدم التراضي على السبب المملك، إذ ليست العبارة هكذا: «إلّا أن يكون السبب تجارة و تراضيا» حتى لا يعتبر تقدم التراضي على التجارة. فجعل «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» لا يجدي في دفع الاستدلال على بطلان عقد الفضولي بمفهوم الوصف.

نعم إن رجع ضمير «تكون» إلى «الأكل» المستفاد من «لٰا تَأْكُلُوا» و كان تأنيث «تأكلوا» لمطابقته لخبره و هو «تجارة» اتجه عدم اعتبار تأخر العقد عن الرضا، لكون الموضوع حينئذ مركّبا. و لا يعتبر في المركّب اجتماع الأجزاء في الوجود، دون السبق و اللحوق.

ثم لا يخفى أنّ الاشكال الثاني و الثالث راجع إلى عدم المفهوم ل «عَنْ تَرٰاضٍ» إمّا بحمله على الغلبة. و إمّا بمنع وصفه للتجارة بجعله خبرا ثانيا ل «تكون».

و في كليهما منع، إذ في الحمل على الغلبة الاعتراف باللغوية، لأنّ مجرّد غلبة الوصف ليست فائدة لذكر الوصف، و إلّا لكان «دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» في الآية الشريفة محمولا على الغالب، و هو كما ترى.

و في جعله خبرا ثانيا: أنّ كلمة المجاوزة تدل على اعتبار سبق التراضي على سبب الحل، و في الفضولي هذا السبق معدوم. إلّا أن يراد نفس الأكل.

ص: 479

مع تسليمه (1) مخصوص (2) بما إذا لم يكن للقيد فائدة أخرى (3) ككونه واردا مورد

______________________________

الرابع: أنّه لو أغمضنا عن احتمال كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» لبعده في نفسه و سلّمنا قيديته للتجارة حتى يكون له مفهوم، و بنينا على حجيته- لم يجد ذلك أيضا في المقام، حيث إنّ المخاطب بقوله تعالى هو أرباب الأموال و ملّاكها، فكأنّه سبحانه و تعالى قال: «يا أرباب الأموال لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» و التجارة في الفضولي بعد الإجازة تصير تجارة للمالك عن تراض، فحين صيرورتها تجارة المالك تكون عن الرضا.

ثم إنّ معنى التراضي- على ما في مجمع البيان- عند الإمامية و الشافعية و غيرهم هو التراضي بالتجارة بإمضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد، بأن يقول: «اخترت العقد».

و بالجملة: عقد الفضولي خارج عن المستثنى منه تخصصا، لعدم كون الفضولي مالكا حتى يشمله خطاب «لٰا تَأْكُلُوا» و يندرج في الباطل، فعقد الفضولي لا يصير تجارة للمالك- الذي هو المخاطب في الآية الكريمة- إلّا بعد الإجازة، فتجارته نشأت عن رضا المالك، فلا وجه حينئذ لبطلان عقد الفضولي.

(1) هذا إشارة إلى الإيراد الأوّل، و هو عدم تسليم مفهوم الوصف، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «الأوّل: ان هذا المفهوم مبني على مفهوم الوصف .. إلخ».

(2) هذا إشارة إلى الإيراد الثاني الذي تقدم بقولنا: «الثاني أنه بعد تسليم المفهوم له .. إلخ».

(3) يعني: غير فائدة المفهوم، كورود القيد مورد الغالب. و غرضه قدّس سرّه أنّ دلالة القيد على المفهوم إنّما هي لدلالة الاقتضاء حتى لا يلزم لغوية القيد، و ذلك مختص بما إذا لم يكن للقيد فائدة غير المفهوم، فلو كان له فائدة أخرى لم يلزم اللغوية من عدم الالتزام بثبوت المفهوم له.

ص: 480

الغالب كما فيما نحن فيه (1) و في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ «1» (2)

______________________________

(1) لكون أكثر التجارات الواقعة بين الناس مقرونة بتراضي المتعاملين، و وقوعها عن إكراه نادر جدّا. هذا بالنسبة إلى نوع المتعاملين.

و أمّا بالإضافة إلى خصوص المؤمنين العاملين بوظائفهم فمعاملاتهم بأسرها تقع جامعة للشرائط التي منها التراضي يقينا.

(2) لكون غالب الربائب في حجور أزواج أمّهاتهن، فليس قيد الحجور احترازيا حتى يكون مفهومه حلّية الربائب- اللّاتي لسن في حجورهم- لهم، هذا [1].

______________________________

[1] لكن فيه ما لا يخفى، فإنّ غلبة القيد ليست فائدة لبيانه، و إلّا كان قيد «دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ محمولا على الغالب، إذ لا ريب في كون الدخول وصفا غالبيا في النساء ذوات الأزواج، لأنّه الغرض الأصلي من الزواج غالبا، فلا بدّ- بناء على ما ذكر من حمله على الغلبة- من الالتزام بعدم دخله في الحكم و هو حرمة الربائب. مع أنّه من المسلّم توقف حرمة الربائب على الدخول بامّهاتهن.

فالغلبة لا ترفع ظهور القيد في الاحترازية، و لذا يقال: إنّ فائدة القيد في الربائب هي التنبيه على كون الربائب بمنزلة الأولاد، و ثبت وصف الأولاد و هو كونهم في الحجور لهن، نظير «أنشبت المنية أظفارها».

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 23.

ص: 481

مع احتمال أن يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» (1) خبرا بعد خبر ل «تكون» على قراءة نصب التجارة (2) لا قيدا لها (3)، و إن كانت غلبة وصف النكرة (4) تؤيّد التقييد،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الإشكال الثالث الذي تقدم بقولنا: «الثالث أنّه يحتمل أن لا يكون عن تراض وصفا للتجارة و قيدا لها .. إلخ» و مع كون «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا بعد خبر ل «تَكُونَ» تخرج عن قيديّتها للتجارة، فينهدم أساس التقريب الثاني و هو الاستدلال بمفهوم الوصف في مقام التحديد.

و هذا الاحتمال أفاده في المقابس لإسقاط ظهور الآية في اعتبار مقارنة التراضي للتجارة، قال قدّس سرّه: «على أنه يمكن على تقديره- أي تقدير حجية مفهوم القيد- نصب تجارة، كما هو المنقول عن قراءة الكوفيّين أن يكون عن تراض خبرا ثانيا لتكون، فيلزم حينئذ وقوع الأكل و التصرف بعد التراضي، سواء تقدم على التجارة أو تأخر عنها» «1».

لكن مجرد الاحتمال لا يمنع حجية الظاهر.

(2) يعني: بناء على كون «تَكُونَ» ناقصة، إذ لو كانت تامة لم تحتج إلى الخبر حتى تكون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا لها.

و قد يقال: إنّ مقتضى نصب «التجارة» كون الإجازة ناقلة، مع أنّها عند المصنف كاشفة.

(3) أي: للتجارة، بأن لا يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» قيدا للتجارة حتى يكون له مفهوم.

(4) أي: غلبة توصيف النكرة بالجار و المجرور- في المحاورات- تؤيّد نعتيّة «عَنْ تَرٰاضٍ» ل «تجارة» فمقتضى هذه الغلبة هو ظهور «عَنْ تَرٰاضٍ» في القيدية لا الخبرية. و عليه فقوله: «و إن كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد» جملة معترضة و غرضه من بيانها تضعيف احتمال كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29.

ص: 482

فيكون (1) المعنى: «إلّا أن يكون سبب الأكل تجارة، و يكون عن تراض» و من المعلوم أنّ السبب الموجب لحلّ الأكل في الفضولي إنّما نشأ عن التراضي (2).

مع أنّ (3) الخطاب لملّاك الأموال (4)، و التجارة (5) في الفضولي إنّما تصير تجارة للمالك بعد الإجازة، فتجارته (6) عن تراض.

______________________________

(1) هذا متفرع على قوله: «مع احتمال أن يكون» لا على قوله: «و ان كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد» يعني: بناء على كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا- لا قيدا للتجارة- يكون سبب الأكل مركّبا من أمرين، أحدهما التجارة، و الآخر التراضي مطلقا، من غير فرق بين تقدّمه و تأخّره و تقارنه.

لكنه مشكل، لما مرّ من قولنا: «لكنك خبير بأنّ كلمة المجاوزة تقضي بتقدم التراضي على السبب المملّك .. إلخ».

(2) يعني: فيندرج عقد الفضولي في السبب المحلّل للأكل، و هو عقد المستثنى.

(3) هذا إشارة إلى الإشكال الرابع الذي تقدّم بقولنا: «انّه لو أغمضنا عن احتمال كون- عن تراض- خبرا ثانيا .. إلخ». و هذا الاشكال مذكور أيضا في المقابس بقوله:

«ان الخطاب تعلّق بالمالكين، و التجارة الصادرة من الفضولي لا يطلق عليها أنّها تجارة المالك إلّا بعد إجازته، فكانت تجارته وقعت عن التراضي» «1».

(4) يعني: فلا يشمل «لٰا تَأْكُلُوا» الفضولي، لعدم كونه مالكا، فلا يندرج عقده في المستثنى منه.

(5) مبتدء خبره «انما تصير» يعني: فتجارة الفضولي بعد الإجازة تصير تجارة المالك.

(6) مبتدء خبره «عَنْ تَرٰاضٍ» يعني: فيكون تجارة الفضولي بعد الإجازة عن تراض، فيخرج عقد الفضولي عن الباطل و يندرج في التجارة عن تراض، فلا يتم الاستدلال بالآية على بطلانه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29.

ص: 483

و قد حكي (1) عن المجمع «أنّ مذهب الإمامية و الشافعية و غيرهم: أنّ معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتصرف (2) أو التخاير بعد العقد» (3).

و لعلّه (4) يناسب ما ذكرنا

______________________________

(1) الحاكي صاحب المقابس، قال قدّس سرّه: «أو يقال على القراءتين- أي كون عن تراض قيدا أو خبرا ثانيا- إنّ المراد أن تكون تجارة كاملة عن تراض أو ممضاة عن تراض، فيندرج عقد الفضولي، لأن كماله و إمضاءه بالإجازة. و هذا نظير ما حكى في المجمع عن مذهب الإمامية و الشافعية و عن غيرهم من أن معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتفرق أو بالتخاير بعد العقد» «1».

(2) و هو الفعل، فإنّه يقع بعد وقوع العقد، و لا يكون التراضي قبله.

(3) بأن يقول بعد العقد: «اخترت العقد» و غرضه من بيان كلام مجمع البيان تعيين المراد من التجارة بالتراضي، و أنّ التراضي المتأخر عن العقد تراض بالتجارة، و ليس المراد بالتراضي المعتبر في التجارة خصوص التراضي المتقدم على التجارة حتى يترتب عليه بطلان عقد الفضولي كما هو ظاهر كلمة المجاوزة.

و بهذا الاحتمال تصير الآية دليلا على صحة عقد الفضولي لا على بطلانه، و ذلك لأنّ قيد «عَنْ تَرٰاضٍ» ناظر إلى إمضاء العقد بالتصرف في العوضين أو اختيار العقد، و ليس ناظرا إلى اعتبار مقارنة رضا المالك لنفس العقد حتى يتوهم دلالته على فساد عقد الفضولي الفاقد لرضا المالك حال الإنشاء.

(4) أي: و لعلّ المحكي عن مجمع البيان يناسب إنكار قيدية «عَنْ تَرٰاضٍ» ل «تِجٰارَةً» وجه المناسبة: أنّ كفاية الرضا بعد العقد في حصول التجارة تناسب كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا بعد خبر، إذ لو كان قيدا ل «تِجٰارَةً» اقتضى نشو التجارة عن

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29، مجمع البيان، ج 2، ص 37.

ص: 484

من كون الظرف (1) خبرا بعد خبر [1].

______________________________

تراض، و عدم كفاية التراضي المتأخر فيها. بخلاف كونه خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» فإنّه يدلّ على كفاية الرضا المتأخر كما هو مقتضى المحكي عن مجمع البيان.

(1) و هو «عَنْ تَرٰاضٍ».

______________________________

[1] قد عرفت أنّ جعل الظرف خبرا بعد خبر لا يرفع ظهور كلمة المجاوزة في نشو التجارة عن الرضا و تقدم الرضا عليها.

و تأييد عدم اعتبار تقدم الرضا عليها و كفاية الرضا المتأخر في صحة التجارة بالمحكي عن مجمع البيان، غريب، ضرورة أنّ ما في المجمع راجع إلى إسقاط الخيار بالفعل و هو التصرف كالأكل و الخياطة و غيرهما من التصرفات، أو بالقول مثل «اخترت البيع» أو «أسقطت الخيار» و نظائرهما كما يظهر ذلك في مسقطات خيار المجلس من تذكرة العلامة قدّس سرّه. «1» و من المعلوم أنّ التراضي بلزوم العقد و بقائه غير التراضي بأصل العقد و حدوثه، و هذا التراضي هو مورد البحث، دون التراضي بلزوم العقد. فجعل هذا التراضي مؤيّدا للتراضي المبحوث عنه غير ظاهر الوجه.

و كيف كان فحقّ المقام أن يقال: إنّ الآية الشريفة لا تدلّ على بطلان عقد الفضولي لو لم تدل على صحته، و لو قلنا بدلالتها على الحصر من ناحيتي الاستثناء و القيد الوارد في مقام التحديد. و ذلك لأنّ التجارة على ما في مجمع البحرين كما تقدم في التعليقة (في ص 469) هو الانتقال الذي هو معنى اسم المصدر، و من المعلوم أنّ مجرد إنشاء العقد لا يوجب الانتقال، بل يتوقف على شرائطه التي منها رضا المالك. فالتجارة بمعنى الانتقال تقع عن الرضا.

فمعنى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً» إلّا أن تكون التجارة- أي انتقال المال- انتقالا عن تراض. فمعنى المجاوزة حقيقة محفوظ، إذ عقد الفضولي بنفسه ليس تجارة حتى

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 517.

ص: 485

[ب: السنّة، و هي أخبار]
[الأوّل: النهي عن بيع ما ليس عنده]

و أمّا السنة (1) فهي أخبار:

منها: النبوي المستفيض، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لحكيم بن حزام (2): «لا تبع

______________________________

ب: السنّة، و هي أخبار الأوّل: النهي عن بيع ما ليس عنده

(1) هذا ثاني أدلة المبطلين لعقد الفضولي. و المراد بالسنّة مطلق الروايات المعصومية لا خصوص النبويات. و قد استدل بهذه الأخبار و غيرها صاحب الحدائق «1» على بطلان بيع الفضولي، و أوردها في المقابس و ناقش في كلّ منها، فراجع «2».

(2) الحكيم ك «أمير» و «حزام» ككتاب، هو و أبوه من الصحابة، و ابنه حزام كذلك، كما عن القاموس. و هذا المضمون مرويّ عن طرقنا أيضا مثل ما رواه شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه في مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«و نهى عن بيع ما ليس عندك، و نهى عن بيع و سلف» «3».

قال في المقابس بعد نقل هذا المضمون: «قال الشيخ: و هذا نصّ أي في بطلان

______________________________

يستشكل فيه بأنّ الرضا متأخر عنه، فلا يصدق على عقد الفضولي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» بل التجارة على الفرض هي الانتقال الذي لا يتحقق إلّا برضا المالك الحاصل بالإجازة.

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّ الاستدلال بآية لٰا تَأْكُلُوا على بطلان عقد الفضولي غير سديد.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 386 الى 389.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29 و 30.

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 375، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، ح 5، رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن شعيب بن واقد، و قريب منه الحديث 2 من نفس الباب، و رواه صاحب الوسائل أيضا في ص 266، الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 12.

ص: 486

ما ليس عندك» «1» (1) فإنّ عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلّطه على تسليمه، لعدم تملّكه، فيكون (2) مساوقا للنبويّ الآخر

______________________________

بيع الفضولي» ثم تعجّب صاحب المقابس منه، فراجع «2».

(1) هذا النبويّ مرويّ في كتب الفريقين من جوامع الحديث و الكتب الاستدلالية «3» تقريب الاستدلال به- بعد البناء على الحجية من حيث الصدور- هو: أنّ المراد ليس هو الحضور المكاني قطعا، لعدم اعتباره في صحة العقد، لكفاية مجرّد إضافة الملكية في صحة العقد الوارد عليه، فلو كان بينه و بين ملكه مسافة بعيدة جاز بيعه بلا إشكال. فالمراد به عدم تملّكه للمبيع، فمرجعه إلى النهي عن بيع ما لا يملكه، و النهي يقتضي الفساد، فبيع الفضولي فاسد، سواء باعه لنفسه أم لمالكه.

فيكون مساق هذا النبوي مساق نبوي آخر، و هو «لا طلاق إلّا فيما يملك، و لا عتق إلّا فيما يملك، و لا بيع إلّا فيما يملك» بناء على قراءة «يملك» بصيغة المعلوم كما هو الظاهر من سياق الكلام، لعدم تعقل الطلاق قبل النكاح، حيث إنّه إزالة علقة النكاح، و لا يعقل إزالتها قبل حصولها.

و أمّا بناء على قراءة «يملك» بصيغة المجهول فالرواية أجنبية عن المقام، لدلالتها على عدم جواز بيع ما لا يقبل التملك كالطير في الهواء و السمك في الماء و نحوهما، و هذا المعنى أجنبي عن بيع مال الغير المملوك له.

(2) متفرع على قوله: «كناية عن عدم تسلطه .. إلخ» حيث إنّ محصّل «لا تبع

______________________________

(1) سنن الترمذي، ج 3، ص 534، الباب 19، ح 1332، و في مفتاح الكرامة: أنّه من الأخبار العامية، فراجع ج 4، ص 185.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 30.

(3) كما في الخلاف، ج 3، ص 168، كتاب البيوع، المسألة: 275، و تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر قبل الأخير، و في ص 486، السطر 5.

ص: 487

«لا بيع إلّا فيما يملك» «1» بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا طلاق إلّا فيما يملك و لا عتق إلّا فيما يملك» (1)، و لما (2) ورد في توقيع العسكري عليه السّلام إلى الصفّار: «لا يجوز بيع ما ليس يملك» «2».

______________________________

ما ليس عندك» هو: لا تبع ما ليس ملكا لك. و المفروض عدم مالكية البائع الفضولي.

و نتيجة هذا القياس- من الشكل الأوّل- بطلان بيع الفضولي.

(1) بناء على قراءة «يملك» بصيغة الفاعل، لما مرّ آنفا.

(2) معطوف على قوله: «للنبوي» يعني: فيكون النبوي المستفيض مساوقا لما ورد في توقيع العسكري عليه السّلام: «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام في رجل له قطاع أرضين [أرض] فيحضر الخروج إلى مكة، و القرية على مراحل من منزله، و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، و عرّف حدود القرية الأربعة، فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت فلانا- يعني المشتري- جميع القرية التي حدّ منها كذا، و الثاني و الثالث و الرابع، و إنّما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك؟ و إنّما له بعض هذه القرية، و قد أقرّ له بكلّها. فوقّع عليه السّلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك».

و غير ذلك من الروايات الواردة بهذا المضمون عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام.

فدعوى تواتره المعنوي غير بعيدة، و هي كافية في حجية هذا المضمون و صحة الاستدلال به.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 293 الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، ح 5، و الموجود في المستدرك: «فيما لا تملك» بدل قوله: «إلّا فيما تملك».

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، الباب 2 من أبواب عقد البيع، ح 1، رواه الصدوق و الشيخ قدّس سرّهما بإسنادهما الصحيح عن الصفار، فالرواية صحيحة.

ص: 488

[الثاني: التوقيع الناهي عن ابتياع الضيعة بغير رضا مالكها]

و ما (1) عن الحميري «انّ مولانا عجّل اللّه فرجه كتب في جواب بعض مسائله: إنّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها، أو بأمره، أو رضا منه» «1».

______________________________

الثاني: التوقيع الناهي عن ابتياع الضيعة بغير رضا مالكها

(1) يمكن أن يكون معطوفا على قوله: «للنبوي الآخر» و الظاهر أنّه معطوف على «النبوي المستفيض» يعني: و منها: أي و من الأخبار- ما عن الحميري- و هو «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام: أنّ بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان، فيها حصّة، و أكرته ربما زرعوا و تنازعوا في حدودها، و تؤذيهم عمّال السلطان، و تتعرض في الكلّ من غلّات ضيعة، و ليس لها قيمة لخرابها، و إنّما هي بائرة منذ عشرين سنة، و هو يتحرّج من شرائها، لأنّه يقال: إنّ هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان. فإن جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا [صوابا] و صلاحا له و عمارة لضيعته، و أنّه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة بفضل ماء ضيعته العامرة، و ينحسم عن طمع أولياء السلطان. و إن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء اللّه. فأجابه: الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره أو رضى منه».

و محصّل المسألة: أنّ لبعض أصحابنا ضيعة عامرة بجنب ضيعة خراب للسلطان، و لخرابها لا قيمة لها، و صاحب الضيعة العامرة يتحرج من شرائها، لما يقال من أنّ هذه الحصة من الضيعة كانت وقفا قديما، و أخذها السلطان. فإن جاز شراؤها من السلطان كان صلاحا، و إن لم يجز عمل بما تأمره به.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 250، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 8، رواه محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري.

ص: 489

[الثالث: النهي عن شراء الأرض إلّا برضا أهلها]

و ما (1) في الصحيح عن محمّد بن مسلم الوارد «في أرض بفم النيل (2) اشتراها رجل، و أهل الأرض يقولون: هي أرضنا، و أهل الأستان (3) يقولون:

هي أرضنا. فقال: لا تشترها إلّا برضا أهلها» «1».

[الرابع: النهي عن شراء ما لا يملكه البائع]

و ما (4) في الصحيح عن محمّد بن القاسم بن الفضيل «في رجل اشترى من

______________________________

و حاصل الجواب: عدم جواز الشراء من السلطان، لأنّه لا مالك و لا مأذون من ناحيته. فتدلّ المكاتبة على عدم جواز الشراء من غير المالك و المأذون من قبله، و الفضولي لا مالك و لا وكيل عنه و لا وليّ عليه، فيبطل بيعه.

الثالث: النهي عن شراء الأرض إلّا برضا أهلها

(1) معطوف على «النبويّ المستفيض» أو على «للنبوي الآخر».

(2) عن القاموس: «النيل بالكسر قرية بالكوفة، و بلدة بين بغداد و واسط.

و قيل: إنّ النيل نهر يتشعّب من الفرات ينتهي إلى دجلة بمسافة مراحل». و على هذا فالمراد بفم النيل صدر ذلك النهر و مبدؤه. و تقدّم في صحيحة أبي ولّاد كلام الأزهري حول هذه البلدة، فراجع «2».

(3) بالضم- كما عن القاموس و المجمع- أربع كور ببغداد، عال و أعلى و أوسط و أسفل. و في المجمع «و الكورة المدينة و الناحية، و الجمع كور، مثل غرفة و غرف» «3».

الرابع: النهي عن شراء ما لا يملكه البائع

(4) معطوف على «النبويّ المستفيض».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 3.

(2) هدى الطالب، ج 3، ص 482 و 483.

(3) مجمع البحرين، ج 3، ص 478.

ص: 490

امرأة من آل فلان (1) بعض قطائعهم (2)، و كتب (3) عليها كتابا بأنّه قد قبضت المال، و لم تقبضه، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: قل له يمنعها أشدّ المنع، فإنّها باعت ما لم تملكه» «1».

[المناقشة في دلالة السّنة على بطلان بيع الفضولي]

و الجواب عن النبويّ (4) أوّلا: أنّ الظاهر

______________________________

(1) أي: آل عبّاس كما عن الكافي، قال في محكي الوافي: «فلان كناية عن العباس. و في الكافي: من امرأة من العبّاسيين. و القطائع محالّ ببغداد كان أقطعها المنصور لأناس من أعيان دولته ليعمّروها و يسكنوها. و إنّما لم تملكها، لأنّها كانت مال الامام عليه السّلام».

و استفادة ملكية القطائع للإمام عليه السّلام لعلّها من التعليل ب «ليعمروها و يسكنوها» حيث إنّ الأرض الخربة ماله عليه السّلام.

(2) جمع قطيعة، و في المجمع «القطيعة محالّ ببغداد أقطعها المنصور .. إلخ» «2».

(3) يعني: و كتب ورقة مشتملة على أنّ المرأة البائعة قد قبضت الثمن، و الحال أنها لم تقبضه، كما لعلّه المرسوم فعلا، حيث إنّه يكتب في الورقة: أنّ البائع قبض الثمن، مع أنّه لم يقبضه.

المناقشة في دلالة السّنة على بطلان بيع الفضولي

(4) قد أجاب المصنف قدّس سرّه عن الاستدلال بالنبوي الأوّل المروي عن حكيم بن حزام بوجهين:

الأوّل: الظاهر أنّ الظاهر المراد ب «ما» الموصول في «لا تبع ما ليس عندك»

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 2، و الموجود في كثير من النسخ «الفضل» و لعلّ الصحيح كما في وسائل الشيعة هو «الفضيل» كما أثبتناه و المنقول عن التهذيب، محمّد بن القاسم عن فضيل، فراجع.

(2) مجمع البحرين، ج 4، ص 380.

ص: 491

..........

______________________________

هو العين الشخصية، للإجماع و النصّ على جواز بيع الكلّي مع عدم وجود شي ء من أفراده حين إنشاء البيع عنده، سواء أ كان البيع حالّا أم سلفا.

كما أنّ الظاهر كون المراد بالبيع في «لا تبع» هو البيع لنفسه. وجه الظهور- كما في التذكرة «1» هو وروده في مقام الجواب عن سؤال الحكيم بن حزام عن أن يبيع الشي ء، فيمضي و يشتريه، و يسلّمه. فالمراد بالبيع في السؤال حينئذ هو البيع لنفسه، لا عن المالك. و اشتراؤه من المالك إنّما يكون مقدمة لتسليم المبيع إلى المشتري. و هذا لا ينطبق على المدّعى و هو البيع للمالك، إذ مورد البحث فعلا هو بيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه، بل ينطبق على المسألة الآتية، و هي: أن يبيع الفضولي لنفسه، و يكون دليلا عليها.

و بعد البناء على ظهور المبيع في العين الشخصية، و ظهور البيع لنفس الفضولي لا المالك نقول: إنّه يدور أمر النهي بين أن يراد به مجرّد إنشاء البيع. فيكون دليلا على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه، فلا يقع البيع، بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود عليه، لا لنفسه، و لا للمالك بعد إجازته، لأنّ هذا النهي للإرشاد إلى الفساد. فهذا الإنشاء من حيث نفسه- سواء أضيف إلى المخاطب البائع أم إلى المالك- فاسد لا يترتب عليه الأثر و إن اجازه المالك. و النبوي بهذا البيان دليل على بطلان عقد الفضولي و عدم نفوذ إجازة المالك.

و بين أن يراد بالنهي الإرشاد إلى الفساد من حيث وقوعه للبائع المريد لاشتراء المبيع من مالكه، و النهي بهذا التقريب لا يدلّ على عدم وقوع البيع للمالك بعد إجازته. و هذا هو ظاهر النبويّ، فلا يدلّ على بطلان عقد الفضولي مطلقا كما هو مراد القائلين ببطلان الفضولي.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر الأخير، و قريب منه في ص 486، السطر 7.

ص: 492

من الموصول (1) هي العين الشخصية، للإجماع و النص (2) على جواز بيع الكلّي. و من (3) البيع: البيع لنفسه

______________________________

و الحاصل: أنّ النهي إن كان إرشادا إلى فساد العقد من حيث نفسه كان دليلا على بطلان عقد الفضولي مطلقا. و إن كان إرشادا إلى فساد العقد- من حيث إضافته إلى العاقد البائع الذي يريد اشتراءه من المالك- لم يدلّ على عدم وقوعه للمالك بإجازته. و هذا الشقّ الثاني هو مورد الرواية، لما عن التذكرة و سيجي ء نقله إن شاء اللّه تعالى. و هذا البيع غير جائز من دون خلاف ظاهر فيه، للنهي و للغرر.

(1) و هو «ما» في النبوي: «لا تبع ما ليس عندك».

(2) أمّا الإجماع على صحة بيع الكلي فيكفيه تسالمهم على صحة بيع السلم، و كذا بيع الكلّي حالّا. و أمّا النص فكصحيح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده، فيشتري منه حالا؟

قال: لا به بأس. قلت: إنّهم يفسدونه عندنا. قال: و أيّ شي ء يقولون في السّلم؟ قلت:

لا يرون به بأسا، يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل فليس عند صاحبه فلا يصلح. فقال: فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود [أحق] ثم قال: لا بأس بأن يشتري الطعام- و ليس هو عند صاحبه- حالا و إلى أجل» «1» الحديث.

و لا يخفى صراحة جوابه عليه السّلام في جواز بيع الكلّي، سواء أ كان حالا بأن كان المتاع موجودا، أم كان سلفا كبيع الزرع قبل حصاده.

(3) معطوف على «من» يعني: أنّ الظاهر من البيع هو البيع لنفس الفضولي، لا عن المالك الذي هو محلّ الكلام في المسألة الاولى، و هي أن يبيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 374، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، ح 1.

ص: 493

لا عن مالك العين (1).

و حينئذ (2) فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد الإنشاء (3)، فيكون (4) دليلا على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه، فلا يقع له و لا للمالك بعد إجازته (5).

و إمّا (6) أن يراد ما عن التذكرة

______________________________

(1) كما هو المفروض، إذ مورد البحث هو المسألة الاولى من المسائل الثلاث أعني بيع الفضولي عن المالك بدون سبق منع منه.

(2) أي: و حين كون المراد من عدم جواز «بيع ما ليس عندك» هو البيع لنفسه لا للمالك، فإمّا .. إلخ.

(3) أي: بدون إضافة هذا الإنشاء إلى المالك أو العاقد، فهذا الإنشاء في نفسه منهيّ عنه، و النهي عن الإنشاء إرشاد إلى الفساد، لا إلى الحرمة، إذ لا مقتضي لحرمة التلفّظ بلفظ «بعت» مع عدم كونه تصرّفا خارجيّا و لا اعتباريّا في مال الغير حتى يشمله دليل حرمة التصرف في مال الغير.

(4) هذه نتيجة كون النهي متعلّقا بمجرّد الإنشاء من حيث نفسه بدون إضافته إلى شخص.

(5) إذ المفروض عدم صلاحية الإنشاء الفاسد لترتب البيع المملّك عليه، فلا يقع لأحد، من غير فرق فيه بين العاقد و المالك بعد إجازته. و قد تقدم توضيحه بقولنا: «انّه يدور أمر النهي بين أن يراد به مجرّد إنشاء البيع .. إلخ» فقوله: «فإمّا» إشارة إلى الشق الأوّل.

(6) معطوف على «فإمّا» و هذا إشارة إلى الشق الثاني الذي مرّ آنفا بقولنا:

«و بين أن يراد بالنهي الإرشاد إلى الفساد من حيث وقوعه للبائع المريد لاشتراء المبيع من مالكه» لا من حيث كونه إنشاء حتى لا يقع عن أحد حتى عن المالك بعد إجازته كي يكون دليلا على بطلان الفضوليّ.

ص: 494

من أن يبيع (1) عن نفسه، ثم يمضي ليشتريه من مالكه، قال (2): «لأنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكره جوابا لحكيم بن حزام، حيث سأله عن أن يبيع الشي ء فيمضي و يشتريه و يسلّمه، فإنّ هذا البيع (3) غير جائز، و لا نعلم فيه (4) خلافا، للنهي (5) المذكور و للغرر (6) لأنّ صاحبها قد لا يبيعها» انتهى.

و هذا المعنى (7) يرجع إلى المراد من روايتي خالد و يحيى الآتيتين في بيع

______________________________

(1) أي: يبيع الفضولي عن نفسه، ثم يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري.

(2) أي: العلّامة قدّس سرّه في التذكرة، قال: «لأنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكره جوابا له- أي لحكيم بن حزام- حين سأله أن يبيع الشي ء، ثم يمضي و يشتريه و يسلّمه، و القدرة على التسليم موجودة إن أجازه» «1». و قال بعد أسطر: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، و يمضي ليشتريها و يسلّمها .. و لا نعلم فيه خلافا، لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع ما ليس عندك، و لاشتماله على الغرر، فإن صاحبها قد لا يبيعها، و هو غير مالك لها و لا قادر على تسليمها».

و لم أظفر بنصّ العبارة المنقولة في المتن عن مفتاح الكرامة، و لعلّه نقلها بالمعنى، أو ظفر بها في موضع آخر من التذكرة أو جمع بين العبارتين المتقدمتين.

(3) و هو البيع لنفس الفضوليّ، ثم اشتراؤه من المالك.

(4) أي: في هذا البيع الواقع عن نفس الفضولي بحيث يكون الشراء مقدمة للتسليم.

(5) و هو «لا تبع ما ليس عندك» هذا هو الدليل الأوّل على بطلان هذا البيع.

(6) هذا هو الدليل الثاني على بطلان البيع المذكور، و غرريته إنّما تكون لاحتمال أن لا يبيعها المالك، فيكون بيع الفضولي لنفسه غرريّا، و البيع الغرري منهي عنه.

و لو كان المشتري عالما بحقيقة الحال لم يقدم على هذا الشراء.

(7) و هو ما أفاده العلامة في التذكرة، و ذكره المصنف في المتن.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر الأخير، و الحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 186، و نقل مضمونه المحقق الشوشتري في المقابس، كتاب البيع، ص 30.

ص: 495

الفضولي لنفسه (1). و يكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع بمجرّد انتقاله إليه بالشراء، فلا ينافي أهليّته (2) لتعقب الإجازة من المالك.

و بعبارة أخرى: نهي المخاطب (3) عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّرا في حقه (4)، فلا يدلّ (5) على الغاية بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له. و هذا المعنى (6) أظهر [1] من الأوّل (7)

______________________________

(1) يعني: مسألة «من باع شيئا، ثم ملكه و أجاز» التي تأتي في شروط المجيز، و قد استدلّ بهما صاحب المقابس على اعتبار مالكية البائع للمبيع، و بطلان بيع ما لا يملكه. و احتمل هذا المعنى أيضا عند مناقشته في بعض الأخبار المتقدمة، فقال في جملة كلامه: «و باحتمال أن يكون المراد بطلان بيع ما يملكه بعد العقد، بأن يبيع مال الغير عن نفسه، ثم يشتريه».

(2) يعني: فلا ينافي بطلان البيع- بمعنى عدم وقوعه للفضولي العاقد- أهليّته لتعقبه بإجازة المالك، و وقوع البيع له.

(3) و هو نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حكيم بن حزام، المتقدم في النبوي المذكور.

(4) أي: في حقّ العاقد الفضولي، لأنّه المخاطب في النبوي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا تبع».

(5) أي: النهي المذكور في النبويّ المتقدم، و ضمير «الغائه، تنفعه» راجعان إلى البيع.

(6) أي: المعنى الثاني الذي ذكره العلّامة قدّس سرّه، و هو عدم وقوع العقد مؤثّرا في حقّه.

(7) و هو الذي أفاده الشيخ قدّس سرّه بقوله: «فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد

______________________________

[1] بل هو المتعيّن، و لا وجه لإرادة المعنى الأوّل، إذ لازمه اعتبار وحدة العاقد و المالك بمعنى اعتبار صدور إنشاء التمليك من المالك دون غيره، و لو من الوكيل و الولي، إذ مقتضى التعليل بالذاتي- و هو كونه إنشاء تمليك مال الغير- عدم تأثير إنشاء

ص: 496

و نحن نقول به (1) كما سيجي ء.

و ثانيا (2): سلّمنا دلالة النبويّ على المنع، لكنّها بالعموم، فيجب

______________________________

الإنشاء .. إلخ». وجه الأظهريّة ظهور النهي المتوجّه إلى المخاطب في عدم ترتب الأثر على فعله من حيث إنّه فعله، لا من حيث صيرورته فعلا للغير و هو المالك أيضا، فلا يدلّ إلّا على عدم وقوعه عنه.

________________________________________

(1) أي: بما أفاده العلّامة من عدم صحة البيع بالنسبة إلى خصوص المخاطب الفضولي، لا مطلقا و لو بالإضافة إلى المالك بإجازته.

(2) معطوف على قوله: «أوّلا» و ضمير «لكنّها» راجع الى «دلالة» و محصّل

______________________________

غير المالك في الملكية. نظير تعليل عدم حجية خبر الواحد في بعض الموضوعات بكونه خبر واحد. و لا يصح حينئذ تعليل البطلان بأمر عرضي كالغرر و عدم القدرة على التسليم.

و عليه فلا يصار إلى الاحتمال الأوّل و هو عدم تأثير إنشاء الفضولي من حيث كونه إنشاء بيع مال الغير.

و منشأ هذا الاحتمال جعل مدخول النهي في النبوي طبيعة البيع و جنسه، و من المعلوم أنّ نفي الجنس يدلّ على نفي جميع أفراده.

و عليه فقوله: «لا تبع ما ليس عندك» ينفي كلا فردي البيع، و هما بيع الفضولي و المالك بعد الإجازة.

لكن هذا الوجه غير وجيه، لأنّ المقام ليس من موارد نفي الجنس، ضرورة أنّ مفاد «لا تبع» غير مفاد «لا بيع» فإنّ هذا التعبير لسان نفي الطبيعة، دون «لا تبع» فإنّه لا يدلّ إلّا على نفي خصوص الإنشاء الصادر من الفضولي. و نفي آثار هذا الإنشاء بالنسبة إلى شخص المخاطب و هو الفضولي دون غيره و هو المالك، فإذا أجاز المالك صحّ إنشاء الفضولي، و ترتّب عليه الأثر، للعمومات كأحلّ اللّه البيع و غيره، لصيرورة عقد الفضولي

ص: 497

تخصيصه [1] بما تقدّم من الأدلّة الدالّة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد

______________________________

هذا الجواب الثاني عن النبويّ المتقدم هو: أنّه لو سلّمنا دلالة النبوي على فساد الإنشاء من حيث إنّه إنشاء بالنسبة إلى كلّ من الفضولي العاقد و المالك- حتى يكون دليلا على بطلان الفضولي مطلقا و إن أجاز المالك، كما هو مقصود القائلين ببطلان عقد الفضولي مطلقا- قلنا: إنّ دلالته على بطلانه كذلك إنّما هي بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدّم من الأدلة الدالة على صحة بيع ما ليس عند العاقد بإجازة المالك.

و المراد بتلك الأدلة هي الأدلة الخاصّة، كالتعليل في نكاح العبد غير المأذون من سيّده بعدم عصيان اللّه تعالى، و عصيان غيره يرتفع بالرضا. و صحيحة محمّد بن قيس الواردة «في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوها غائب» الحديث. و قد تقدّمت في أدلّة صحة الفضوليّ.

______________________________

بسبب الإجازة عقد المالك، فتشمله عمومات الصحة.

[1] لا يقال: إنّ النسبة بين أدلة صحة الفضولي و أدلة بطلانه عموم من وجه بناء على اختصاص الأخبار المانعة ببيع الفضولي لنفسه، لاختصاص المانعة ببيع الفضولي لنفسه، و أعميتها من أدلة الصحة، لشمولها للإجازة و عدمها. و أعمية أدلة الصحة لشمولها لبيع الفضولي لنفسه و للمالك. و أخصّيّتها من الأدلة المانعة، لاختصاصها بصورة الإجازة.

فمورد اجتماعهما هو بيع الفضولي لنفسه مع إجازة المالك، فدليل الصحة يقتضي صحته، و دليل البطلان يقتضي بطلانه. و تقديم دليل الصحة ليس بأولى من تقديم دليل البطلان. و الحكم ببطلان البيع لنفسه و إن أجاز المالك كما ذكروه في بيع غاصبي الأموال.

فإنه يقال أوّلا: بمنع اختصاص الأخبار المانعة بالبيع لنفسه، بأن يدّعى أنّ ظاهر مثل «لا تبع ما ليس عندك» هو النهي عن بيع مال الغير، و أنّ هذا البيع لا يقع لنفس

ص: 498

لمالكه إذا أجاز (1).

و بما ذكرناه من الجوابين (2) يظهر الجواب عن دلالة قوله (3): «لا بيع إلّا في ملك» فإنّ الظاهر منه (4) كون المنفي هو البيع لنفسه، و أنّ النفي راجع إلى نفي

______________________________

(1) أي: أجاز المالك الذي باع الفضولي له، لا لنفسه.

(2) و هما المذكوران في عبارة المصنف بعنوان «و الجواب عن النبويّ أوّلا ..

و ثانيا: سلّمنا دلالة النبويّ على المنع، لكنها بالعموم .. إلخ». و غرضه المناقشة في سائر الأخبار المستدل بها على فساد بيع الفضولي، فدلالة النبويّ الآخر «لا بيع إلّا فيما يملك» مخدوشة بالوجهين المتقدمين في نهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لحكيم بن حزام.

(3) و هو النبويّ المتقدم «لا بيع إلّا فيما يملك».

(4) أي: من هذا النبويّ، فإنّ ظاهره نفي البيع لنفس العاقد، حيث إنّه لا يملك البيع، لعدم كونه مالكا، يعني: أنّ فعله لا يفيده، و لا يترتب عليه الأثر الذي قصده من هذا الإنشاء. و أمّا نفي البيع عن غير العاقد الفضولي- و هو المالك- فليس مدلولا لهذا النبوي، فلا بأس بصحته للمالك مع الإجازة. و هذا أوّل وجهي المناقشة في دلالة

______________________________

الفضولي، و ذلك لا يقتضي كون مورد الأخبار المانعة هو البيع لنفسه و بقصد كونه له، حتى تصير الأخبار من هذه الجهة أخصّ من أدلة الصحة، و تكون النسبة بينهما عموما من وجه.

و على هذا ترجع النسبة بينهما إلى الأعم و الأخص المطلق، فتخصّص الأدلة المانعة بأدلة الصحة، و تكون النتيجة بعد التخصيص صحة عقد الفضولي مع إجازة المالك، فلا يثبت مدّعى القائلين ببطلان عقد الفضولي و هو بطلانه.

و ثانيا: انّ مقتضى القاعدة في تعارض العامّين من وجه هو التساقط، و الرجوع إلى عمومات الصحة.

ص: 499

الصحة في حقه (1) لا في حقّ المالك.

مع (2) أنّ العموم لو سلّم وجب تخصيصه بما دلّ على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

و أمّا الروايتان (3) فدلالتهما على ما حملنا عليه

______________________________

النبويّ الآخر على فساد بيع الفضولي.

(1) بمعنى الإرشاد إلى عدم ترتب التمليك الحقيقي على التمليك الإنشائي الصادر من الفضولي للعاقد الفضولي، لا مطلقا حتى للمالك مع الإجازة، و عدم وقوعه للعاقد الفضولي يستفاد من قوله: «الا فيما يملك» إذ معناه «لا بيع إلّا لمن يملك»، فالبيع يقع لمن يملك، و لا يقع لمن لا يملك كالفضولي، فإذا أجاز المالك وقع البيع له، لصدق وقوع البيع ممّن يملك عليه بعد الإجازة.

(2) هذا جواب ثان عن النبوي الثاني، و محصّله: أنّه- على فرض تسليم عمومه لبيع الفضولي لنفسه و للمالك- لا بدّ من تخصيصه بما دلّ من الروايات على وقوع البيع للمالك إذا أجاز. و المراد بتلك الروايات هو الروايات الخاصّة الدالة على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

(3) و هما روايتا يحيى و خالد الآتيتان في بيع الفضولي لنفسه، لا التوقيعان كما قيل. و قد ناقش المصنف قدّس سرّه في الاستدلال بهما بمنع الدلالة، و أنّهما في مقام النهي عن بيع ما ليس مملوكا للبائع بأن يقع البيع لنفسه، ثم يمضي و يشتري المتاع من مالكه.

و هذا النهي لا ينافي ما تقدم في الخدشة في النبوي من الحكم بصحة بيع الفضولي للمالك بإجازته.

بل ادّعى المصنف قدّس سرّه أنّ روايتي يحيى و خالد أوضح دلالة على النهي عن بيع الفضولي لنفسه ما ليس مملوكا له، و لا حاجة إلى حملهما على هذا المعنى كما حملنا النبويّين المتقدمين على النهي عن بيع ما ليس عنده.

ص: 500

السابقين (1) أوضح (2). و ليس فيهما (3) ما يدلّ- و لو بالعموم- على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز (4).

و أمّا الحصر (5) في صحيحة ابن مسلم و التوقيع (6)

______________________________

و لعلّ وجه أوضحية الروايتين دلالة من النبويين هو: أنّ المنفي في النبويّين ذات البيع و جنسه بمقتضى كلمة «لا» و المنفي في الروايتين هو وصف البيع من جوازه و مضيّه، و معلوم أنّ نفي الوصف أقرب إلى ملاحظته- بالنسبة إلى شخص دون آخر- من نفي الذات، لكونه أظهر في الإطلاق.

(1) و هما النبويّان المذكوران.

(2) تقدم وجه الأوضحيّة آنفا.

(3) يعني: و لا يدلّ شي ء من هاتين الروايتين السابقتين- و لو بلسان العموم- على مقصود القائلين ببطلان الفضولي من بطلانه و عدم وقوعه للمالك إذا أجاز، بل تدلّان على عدم وقوعه للفضولي، و لا دلالة فيهما بوجه على عدم وقوعهما مطلقا حتى للمالك مع إجازته.

(4) أي: إذا أجاز المالك، و ضمير «له» راجع الى المالك.

(5) سوق البيان يقتضي أن يقال: «و عن الحصر» ليكون معطوفا على «عن النبوي» في قوله: «و الجواب عن النبوي» فالمناسب للتعبير ب «و أما الحصر» أن يكون مسبوقا ب «أمّا الجواب عن النبوي» حتى يعطف «و أما الحصر» عليه.

و كيف كان فالمراد بالحصر «لا تشترها إلّا برضا أهلها» الوارد في صحيحة ابن مسلم، و كذا قوله عليه السّلام في مكاتبة الحميري: «انّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها، أو بأمره أو برضا منه».

و قد أجاب عن هذا الحصر بوجهين، سيأتي بيانهما.

(6) معطوف على «صحيحة» يعني: و أمّا الجواب عن الحصر الوارد في توقيع الإمام الحجة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف، و جعلناه فداه .. فإنّما هو .. إلخ.

ص: 501

فإنّما (1) هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض و الضيعة رأسا (2) على ما يقتضيه السؤال فيهما (3). و توضيحه (4): أنّ النهي في مثل المقام و إن كان يقتضي الفساد،

______________________________

(1) جواب «و أمّا» و ضمير «هو» راجع إلى «الحصر» و هذا إشارة إلى الجواب الأوّل.

(2) يعني: أنّه في مقام اعتبار الرضا في الصحة، في مقابل انتفائه مطلقا من السابق و اللّاحق. توضيح جواب الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع هو: أنّ النهي عن الاشتراء منحصر في الاشتراء الفاقد لرضا المالك رأسا من المقارن و المتأخّر. و لازمه صحة عقد الفضولي، إذ المفروض كونه واجدا لرضا المالك بعد العقد بالإجازة، فيكون الحصر في الصحيحة و التوقيع دليلا على صحة الفضولي، لا على بطلانه كما هو مرام القائل ببطلان الفضولي.

نعم يكون دليلا على بطلانه بناء على كون الاشتراء المنهي عنه خصوص الاشتراء غير المقارن للرضا، و أنّ هذا الإنشاء لا يصلح للتأثير و لو بعد لحوق الإجازة من المالك. فينحصر الإنشاء الموجب للتمليك الفعلي في الإنشاء المقترن بالرضا حين صدوره. و هذا دليل على بطلان الفضولي.

و مع هذين الاحتمالين في الصحيحة و التوقيع لا يصح الاستدلال بهما على بطلان الفضولي، بمعنى عدم ترتب الأثر الفعلي عليه.

(3) أي: في صحيحة ابن مسلم و التوقيع، فإنّ السؤال- المتضمن لنزاع أهل الأرض و أهل الأستان في بيع الأرض الواقعة بفم النيل- يدلّ على عدم رضا المالكين رأسا بالبيع، بحيث لو استجيزوا لما أجازوا، إذ لو كانوا راضين لطالبوا الثمن و تنازعوا فيه.

(4) أي: توضيح أنّ المراد بالحصر هو عدم رضا أهل الضيعة و الأرض رأسا، لا خصوص الرضا المقارن، فلا يشمل عقد الفضولي المتعقّب بإجازة المالك. و استفادة

ص: 502

إلّا أنّه بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه، و من المعلوم أنّ عقد

______________________________

كفاية الرضا المتأخر إنّما هي من إطلاق الرضا في قوله عليه السّلام في صحيحة محمّد بن مسلم: «لا تشترها إلّا برضا أهلها» و من قوله عجل اللّه تعالى فرجه الشريف:

«لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها» فإنّ إطلاق الرضا و الابتياع يدلّ على الرضا و الابتياع من المالك بأيّ نحو حصل، سواء كانا مقارنين مع العقد أم متأخرين عنه.

فعقد الفضولي الذي تلحقه الإجازة الكاشفة عن رضا المالك داخل في العقد الواقع عن رضا المالك و غير منهي عنه، إذ المفروض أنّ المراد بالمنهي عنه هو العقد الفاقد للرضا رأسا. و المراد ببطلان عقد الفضولي هو عدم ترتب الأثر كالملكية الفعلية عليه ما لم يرض المالك به، لا عدم صلاحيته لترتب الأثر عليه بإجازة المالك.

و بالجملة: فمجرّد النهي عن بيع الفضولي لا يدلّ على فساده مطلقا، بحيث لا يفيده الإجازة الكاشفة عن رضا المالك.

فمحصّل أوّل وجهي الجواب: أنّ النهي عن البيع إلّا برضا المالك إن كان دالّا على أنّ الإنشاء المملّك فعلا منحصر في الإنشاء المقارن لرضا المالك، فهو دليل على بطلان عقد الفضولي و إن أجاز المالك، إذ المفروض قصور الإنشاء في نفسه عن سببيّته للتمليك و لو بعد الإجازة. و إن كان دالّا على بطلان الإنشاء الخالي عن الرضا مطلقا و إن تأخّر عن العقد لم يدلّ على بطلان الفضولي، إذا لحقه الرضا.

و حيث إنّ الرضا مطلق و لم يقيّد بمقارنته للعقد فإطلاقه ناف لاعتبار خصوص الرضا المقارن. فالنهي حينئذ لا يدلّ إلّا على اعتبار الرضا في الجملة و لو بعد العقد، فقبل الرضا لا يتحقق النقل و الانتقال. فإطلاق «الباطل» على عقد الفضولي- كما في كثير من عبارات الأصحاب- صحيح باعتبار عدم ترتب الأثر الفعلي عليه، لكونه فاقدا لرضا المالك، فصحة عقد الفضولي قبل الإجازة تأهّليّة، و بعدها فعليّة.

ص: 503

الفضولي لا يترتب عليه بنفسه (1) الملك المقصود منه. و لذا (2) يطلق عليه «الباطل» في عباراتهم كثيرا، و لذا (3) عدّ في الشرائع و القواعد من شروط المتعاقدين- أعني شروط الصحة- كون العاقد مالكا أو قائما مقامه [1].

______________________________

(1) أي: بدون رضا المالك، و قوله «الملك» فاعل «يترتب».

(2) أي: و لأجل عدم ترتب الأثر الفعلي- على عقد الفضولي بنفسه- يطلق عليه الباطل.

(3) أي: و لأجل إطلاق «الباطل» على عقد الفضولي- في كثير من كلمات الأصحاب- عدّ في الشرائع .. إلخ.

قال المحقق قدّس سرّه: «و أن يكون البائع مالكا أو ممّن له أن يبيع عن المالك كالأب و الجدّ .. فلو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليّه، على الأظهر» «1» و كلمة الباطل و إن لم ترد في الشرائع، إلّا أن اشتراط صحة البيع و ترتب الأثر عليه بكون البائع مالكا أو وليّا كاف في الاستشهاد بكلامه على أنّ المراد بالباطل ما لا يترتب عليه الأثر فعلا، سواء لم يترتب عليه أصلا حتى بالإجازة كما هو رأي القائلين ببطلان بيع الفضولي رأسا كالشيخ في الخلاف و المبسوط، و ابن إدريس قدّس سرّهما «2».

أم ترتب الأثر عليه بعد لحوق إجازة وليّ العقد كما هو رأي القائل بصحته.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ قوله عجل اللّه تعالى فرجه في مكاتبة الحميري «ان الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها أو بأمره أو رضا منه» ظاهر في صحة الفضولي، و ذلك لأنّ العطف يقتضي المغايرة فإنّ عطف «الرّضا» يدلّ على مغايرته للمعطوف عليه، فإنّ الرضا

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14، و نحوه كلام العلّامة في القواعد، ج 2، ص 18 و 19.

(2) الخلاف، ج 3، ص 168، كتاب البيوع، المسألة 275، السرائر، ج 2، ص 274.

ص: 504

و إن أبيت إلّا عن ظهور الروايتين (1) في لغويّة عقد الفضولي رأسا (2) وجب تخصيصهما [1]

______________________________

(1) و هما صحيح محمد بن مسلم و مكاتبة الحميري إلى وليّ الأمر و حجة العصر عجّل اللّه تعالى فرجه. و هذا إشارة إلى ثاني وجهي الجواب عن الصحيحة و التوقيع الشريف. و محصل هذا الجواب هو: أنّه لو سلّمنا ظهور النهي فيهما في لغوية عقد الفضولي- بحيث لا يصلح الإنشاء ذاتا للتأثير في ترتب الأثر المقصود عليه حتى بعد إجازة المالك- نقول بلزوم تخصيصهما بما تقدم من أدلة صحة الفضولي.

و عليه فلا يدلّ الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع على لغوية عقد الفضولي، بحيث يكون كعقد الغافل و النائم و نحوهما ممّن لا يتمشّى منه القصد إلى المدلول، مع بداهة تبعية العقد للقصد بل تقوّمه به.

(2) بأن يكون إنشاء الفضولي في نفسه غير قابل للتأثير في الملكية مثلا و إن أجاز المالك.

______________________________

في الابتياع عن المالك مباشرة أو بأمره المنطبق على وكيله أو مأذونه مقارن للعقد كما هو واضح. بخلاف عقد غير المالك و مأذونه و هو الفضولي، فإنّ رضا المالك بعقده متأخر عنه، و ليس مقارنا له. و مع ذلك جعل في المكاتبة ممّا يوجب صحة عقد الفضولي كصحة عقد المالك أو مأذونه، فإنّ غير المالك و مأذونه ليس إلّا الفضولي. فالمكاتبة دليل على صحة عقد الفضولي، لا على بطلانه كما رامه القائل ببطلان عقد الفضولي.

[1] لا يخفى أنّه- بناء على لغوية الإنشاء و عدم قابليته للتصحيح كلغوية عقد الساهي و النائم- لا وجه لتخصيصه بأدلة الصحة، لعدم صدق العقد و العهد عليه حينئذ.

فلا بدّ أوّلا من إثبات عدم لغوية إنشاء الفضولي، و عدم كونه كعقد الغافل و النائم حتى تصل النوبة إلى دعوى التخصيص بأدلة الصحة كما لا يخفى، و عدم لغويته ثابت بأدلة صحة الفضولي، فالتخصيص في محلّه.

ص: 505

بما تقدّم من أدلّة الصحة (1).

و أمّا (2) رواية القاسم بن فضيل فلا دلالة فيها (3) إلّا على عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي، لأنه باع ما لا يملك. و هذا (4) حقّ لا ينافي صحة الفضولي.

______________________________

(1) و هي الأدلة الخاصة المتقدمة في أدلة صحة عقد الفضولي، لكونها دالّة على الصحة مع إجازة المالك، فهي أخصّ من أدلة بطلان الفضولي الدالة على بطلانه مطلقا و إن أجاز المالك، فهي أعمّ من أدلة الصحة، فتخصص بأدلة الصحة.

(2) الكلام في عطفه هو الكلام في عطف قوله: «و أما الحصر» المتقدم في (ص 501).

(3) محصل هذا الجواب المذكور في المقابس «1» أيضا هو: أنّ هذه الرواية تنفي الصحة الفعلية دون الصحة التأهلية التي هي مورد البحث. توضيحه: أنّ جواز إعطاء الثمن من آثار الصحة الفعلية و لوازمها، و الرواية تنفيه، و انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، فالمنفي هو الصحة الفعلية. و لا ريب في أنّ القائلين بصحة الفضولي لا ينكرون عدم الصحة الفعلية، بل يعترفون بذلك، و إنّما هم يدّعون الصحة التأهلية.

فالمنفي في الرواية- و هو الصحة الفعلية- لا ينافي الصحة التأهلية التي يدّعيها القائلون بصحة عقد الفضولي، فالرواية المذكورة لا تنفي الصحة التأهلية الاقتضائية التي هي مورد البحث، حتى تكون دليلا على بطلان عقد الفضولي، بل تنفي غير ما يدّعيه القائلون بصحة عقد الفضولي. فالمثبت في كلام المثبتين- و هو الصحة التأهلية- غير المنفي، و هو الصحة الفعلية عند النافين.

(4) أي: و عدم جواز إعطاء الثمن لا ينافي صحة عقد الفضولي اقتضاء و تأهّلا، لما مرّ من أنّ جواز إعطاء الثمن من لوازم الصحة الفعلية، لا الاقتضائية التي هي مورد

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 30.

ص: 506

و أمّا توقيع الصفّار (1) فالظاهر [1] منه نفي جواز البيع فيما لا يملك، بمعنى وقوعه للبائع على جهة الوجوب و اللزوم (2).

______________________________

البحث في الفضولي.

(1) و هو توقيع الإمام العسكري عليه السّلام إلى الصفّار «1» و هذه المناقشة مذكورة في المقابس و الجواهر أيضا، فراجع «2».

(2) يعني: لا يقع البيع للبائع الفضولي على وجه اللزوم كما يقع للمالك، فالمنفي هو البيع الواقع على وجه اللزوم المندرج في أفراد البيع في «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» فذلك البيع اللازم لا يقع للبائع الفضولي.

______________________________

[1] ظاهره كون عدم الجواز أعمّ من الفساد، إذ المفروض قابلية عقد الفضولي للصحة الفعلية بإجازة المالك، مع أنّ الفساد مساوق لعدم الجواز و النفوذ و الصحة، كما أنّ الجواز و النفوذ مساوقان للصحة.

فالأولى أن يقال: إنّ عدم الجواز إذا نسب الى نفس العقد من حيث هو- و بعبارة أخرى من حيث هو إنشاء- فهو فاسد، و لا يصحّحه شي ء. و الفساد بهذا المعنى مقصود القائلين ببطلان عقد الفضولي، نظير البيع الربوي، و بيع ما لا يملك كبيع الخمر.

و إذا نسب إلى من لا يملك كالفضولي، ثمّ تبدّلت هذه النسبة و أضيف العقد إلى المالك بإجازته، خرج العقد عن الموضوع المحكوم بعدم الجواز و عدم المضيّ. و عدم الجواز بهذا المعنى مراد في توقيع الصفّار: «و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ عدم الجواز فيه أضيف إلى بائع ما لا يملك. كما أنّ وجوب الشراء أضيف إلى مالك

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن محمّد بن الحسن الصفار، و قد روى عنه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد الذي روى عنه محمّد بن علي بن الحسين، فالسند صحيح.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 30، جواهر الكلام، ج 22، ص 284.

ص: 507

و يؤيّده (1) تصريحه عليه السّلام بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك،

______________________________

(1) يعني: و يؤيّد ما ذكرناه- من أنّ الظاهر من توقيع الصفّار هو عدم وقوع البيع على وجه اللزوم للفضوليّ- قوله عليه السّلام في التوقيع المذكور: «و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّه يدلّ على أنّ المنفي هو البيع اللازم الوفاء، لأنّه بيع المالك، و الفضوليّ ليس بمالك، فالبيع اللازم منفيّ عنه، لا البيع الذي يصير بيعا للمالك بإجازته.

و بالجملة: فهذا التوقيع الشريف ينفي عن الفضوليّ البيع الذي يصحّ للمالك، و هو البيع الذي يترتب عليه النقل و الانتقال، و لزوم القبض و الإقباض. و من المعلوم أنّ القائلين بصحة الفضولي لا يدّعون الصحة بهذا المعنى المعبّر عنها بالصحة الفعلية، بل يدّعون الصحة التي لا يترتب عليها النقل و الانتقال فعلا، و لا وجوب القبض و الإقباض. و هذا المعنى من الصحة غير منفي في التوقيع، و المنفي فيه هو الصحة الفعلية، و إنّما يترتب الصحة الفعلية على عقد الفضولي بعد إجازة المالك، لصيرورته حينئذ عقدا للمالك بقاء و إن لم يكن عقده حدوثا، إذ المفروض صدوره عن الفضولي.

______________________________

المبيع. فالفساد في عقد الفضولي منسوب إلى العقد من حيث هو عقد لغير المالك، لا من حيث نفسه حتى لا يصلحه شي ء و لو أجازه المالك.

و يؤيّد إرادة عدم الجواز المنسوب إلى من لا يملك- لا إلى العقد نفسه- أنّ الأصحاب القائلين بصحة الفضولي مع إجازة المالك أطلقوا الباطل على عقد الفضولي، حيث إنّ مرادهم بالباطل هو عدم الاستقلال في التأثير، لا اللغوية كعقد الغافل و النائم.

فتلخّص: أنّ شيئا من الروايات لا يصلح لإثبات بطلان الفضولي مطلقا و لو بإجازة المالك، بمعنى كون عقد الفضولي لغوا بحيث لا يصلحه شي ء و لو كان إجازة المالك.

ص: 508

فلا دلالة (1) على عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز.

و بالجملة: فالإنصاف أنّه لا دلالة في تلك الأخبار (2) بأسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز، و لا تعرّض فيها إلّا لنفي وقوعه للعاقد.

[ج: الإجماع]

الثالث (3): الإجماع على البطلان، ادّعاه الشيخ في الخلاف (4) معترفا (5) بأنّ الصّحّة مذهب قوم من أصحابنا، معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم (6).

______________________________

(1) يعني: فلا دلالة في التوقيع على عدم وقوع البيع للمالك إذا أجاز، و هذه نتيجة ما أفاده بقوله: «فالظاهر منه نفي جواز البيع .. إلخ».

(2) و هي النبويّان و توقيع الإمام العسكري عليه السّلام و رواية الحميري و صحيحتا محمّد بن مسلم و محمّد بن القاسم.

ج: الإجماع

(3) هذا ثالث الأدلة الأربعة التي استدلّ بها القائلون ببطلان عقد الفضولي.

(4) قال في الخلاف: «مسألة: إذا باع إنسان ملك غيره بغير إذنه كان البيع باطلا، و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: ينعقد البيع، و يقف على إجازة صاحبه، و به قال قوم من أصحابنا. دليلنا: إجماع الفرقة، و من خالف منهم لا يعتد بقوله، و لأنّه لا خلاف أنّه ممنوع من التصرف في ملك غيره، و البيع تصرف .. إلخ» «1».

(5) حيث اعترف بقوله: «و به قال قوم من أصحابنا».

(6) بقوله: «و من خالف منهم لا يعتد بقوله».

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 168، كتاب البيوع، المسألة 275.

ص: 509

و ادّعاه (1) ابن زهرة أيضا في الغنية.

و ادّعى (2) الحلّيّ في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى بعين المغصوب (3).

______________________________

(1) أي: و ادّعى الإجماع السيد ابن زهرة بقوله: «اشترطنا ثبوت الولاية احترازا من بيع من ليس بمالك للمبيع و لا في حكم المالك له .. فإنه لا ينعقد و إن أجازه المالك، بدليل الإجماع الماضي ذكره ..» «1».

(2) قال في مسألة ما إذا غصب مالا لرجل فاتّجر به فربح، أو كان في يده مال أمانة أو وديعة أو نحوهما، فتعدّى فيها، و اتّجر و ربح: «فلمن يكون الربح؟ قيل: فيه قولان .. و القول الثاني: انّ الربح كله للغاصب، لا حقّ لربّ المال فيه. لأنّه إن كان قد اشترى بعين المال فالشراء باطل بغير خلاف. و إن كان الشراء في الذمة ملك المشتري المبيع و كان الثمن في ذمته بغير خلاف .. و هذا القول هو الصحيح الذي تقتضيه الأدلة و أصول المذهب» «2».

و الشاهد في قوله: «فالشراء باطل بغير خلاف» لظهوره في الإجماع على فساد الشراء بعين مال الغير.

(3) الاستدلال على بطلان الفضولي في المسألة الأولى- و هي بيع الفضولي عن المالك بدون سبق منع منه- بعدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب منوط بتسليم أمرين:

أحدهما: عدم الفرق بين الشراء و البيع.

ثانيهما: عدم الفرق بين الغاصب و غيره.

______________________________

(1) غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ص 523، السطر 13 إلى 15.

(2) السرائر، ج 2، ص 415.

ص: 510

و الجواب (1) عدم الظنّ بالإجماع، بل الظن بعدمه بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين و المفيد و المرتضى و الشيخ بنفسه في النهاية- التي هي آخر مصنفاته على ما قيل- و أتباعهم على (2) الصحة. و إطباق المتأخرين عليه (3) عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين (4) «1».

______________________________

و كلاهما محلّ التأمل، إذ من الأقوال التفصيل بين الشراء و البيع، بالبطلان في الأوّل و الصحة في الثاني. و من جملتها التفصيل بين البيع لنفسه، و منه الغاصب، و البيع للمالك، ببطلان الأوّل و صحة الثاني.

(1) محصّل الجواب: أنّ المفيد هو القطع بالإجماع، و ذلك ليس بحاصل مع ذهاب معظم القدماء و الشيخ بنفسه في النهاية إلى الصحة كما هو ظاهر. مع أنّ اللازم هو اتّفاق الكل على البطلان. و مع الغضّ عنه و تسليم الاتفاق المزبور يحتمل إرادة عدم الاستقلال من الباطل، كما ظهر ذلك من إطلاق الفقهاء «الباطل» على عدم الاستقلال بنفسه في التأثير.

و عليه فلا يدلّ الإجماع- على تقدير تحققه- على البطلان الذي أراده القائلون ببطلان الفضولي، إذ المحتمل أن يكون الإجماع ناظرا إلى منع الصغرى، و هي التصرف، لتوقّف صدقه على الإجازة التي هي بيد المالك فقط، إذ لم يصدر من المالك شي ء، و إنّما صدر عقد من الفضولي.

(2) متعلق ب «ذهاب» كذا في نسخ الكتاب، و الأولى أن يقال: «إلى الصحة» ليناسب الذهاب.

(3) الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى الصحة، و قوله «إطباق» معطوف على «ذهاب».

(4) كالمحقق الأردبيلي قدّس سرّه.

______________________________

(1) تقدمت مصادر أرباب الأقوال في ص 374 و 375، فراجع.

ص: 511

[د: حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير بلا إذن منه]

الرابع (1): ما دلّ من العقل [1] و النقل [2] على عدم جواز التصرف في

______________________________

د: حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير بلا إذن منه

(1) هذا رابع الأدلة التي أقيمت على بطلان عقد الفضولي، و محصله: أنّ التصرف في مال الغير بدون إذنه ظلم في حقّ المالك، لتجاوز هذا التصرف عن حدود العدل و الإنصاف، و ذلك قبيح عقلا. و لا يرتفع هذا القبح بالرّضا اللاحق، لأنّ ما وقع لا يتغيّر عمّا وقع عليه، و القبيح لا يترتب عليه آثار الصحة إلّا مع تبدل الموضوع بصيرورة القبيح في مرحلة البقاء حسنا.

و بعبارة أخرى: هذا الدليل العقلي يثبت كبرى القياس، و هو قبح التصرف في مال الغير إلّا بإذنه، و صغرى القياس هو صدق «التصرف» على مجرّد إنشاء الفضولي، كما صرّح به الشيخ في الخلاف.

و نتيجة القياس حكم العقل بقبح بيع الفضول عقلا، و حرمته شرعا.

______________________________

[1] الأولى أن يقال: ما دلّ من العقل على قبح التصرف في مال الغير إلّا بإذنه.

و بقاعدة الملازمة يستكشف الفساد شرعا، فلا حاجة إلى بيان رواية الاحتجاج.

[2] الأولى إسقاط «النقل» و إن كان هو مساعدا للعقل، إلّا أن الكلام في دليليّة كل من الأدلة الأربعة باستقلاله، و مع الغضّ عن الآخر.

بل يمكن أن يقال: بعدم الوجه للاستدلال بالدليل العقلي هنا.

أمّا أوّلا: فلأنّ العقل لا حكم له إلّا إدراك الحسن و القبح المترتبين على إدراك المصالح و المفاسد، و ليس له حكم وجوبي أو تحريمي حتى يستدلّ به على حكم تكليفي كالحرمة، أو وضعي كالبطلان في عقد الفضولي، فلا ينبغي التعبير بعدم الجواز كما في المتن، حيث قال: «على عدم جواز التصرف في مال الغير .. إلخ» بل المناسب التعبير بقبح التصرف. إلّا أن يراد بعدم الجواز عدم النفوذ، لا الحكم التكليفي.

ص: 512

مال الغير إلّا بإذنه، فإنّ الرضا اللاحق لا ينفع (1) في رفع القبح الثابت حال

______________________________

(1) لأنّ الفعل لا يتغيّر وصفه الذي كان ثابتا له حين وقوعه، فإذا وقع بعنوان الظلم مثلا لا يرتفع عنه هذا الوصف، و لا يقال: إنّ حدوثه لم يكن بصفة الظلم.

______________________________

و أمّا ثانيا: فلأنّه لا موضوع في عقد الفضولي لحكم العقل، ضرورة أنّ موضوعه التصرف، و هو إمّا خارجي أعني به المماسة مع الشي ء كالأكل و اللبس و الافتراش و نحوها، و إمّا اعتباري كالملكية.

و كلاهما مفقود في عقد الفضولي. أمّا الأوّل فواضح. و أمّا الثاني فلتوقفه على حصول إضافة الملكية القهرية بعقد الفضولي. و من الواضح عدم تحققها بمجرد العقد، و عدم حصول إجازة المالك. فالتصرف الذي هو موضوع حكم العقل- بكلا قسميه من الخارجي و الاعتباري- مفقود في عقد الفضولي. و مع فرض عدم صدق التصرف عليه لا يحكم العقل بقبحه حتى يحكم بقاعدة الملازمة بحرمته المقتضية لفساده. فالاستدلال على بطلان عقد الفضولي بحكم العقل الذي جعل رابع أدلة بطلانه غير واضح.

ثمّ إنّه- بعد الغضّ عن جميع ذلك، و تسليم حكم العقل بالقبح، و استكشاف حرمته بقاعدة الملازمة- لا نسلم دلالة هذه الحرمة على البطلان، بمعنى لغوية الإنشاء، و عدم صلاحيته للتأثير و لو بإجازة المالك. و ذلك لأن فساده ناش من عدم إضافة العقد إلى المالك، و ليس ناشئا من نفس العقد من حيث هو كبيع المصحف من الكافر، و البيع الربويّ، حيث لا يقبل الصحة أصلا.

و بالجملة: فلا يدلّ العقل على فساد عقد الفضولي كفساد البيع الربويّ، و لو دلّ لكانت دلالته على حدّ دلالة السنّة على الفساد. و قد عرفت أنّ المراد بالفساد عدم الصحة الفعلية، لا عدم الصحة التأهلية، فإنّ عدم الصحة الفعلية مسلّم عند الكل حتى عند القائلين بصحة الفضولي، حيث إنّهم لا يدّعون الصحة الفعلية، بل مصبّ النزاع بين المثبتين و النافين هو الصحة التأهليّة.

ص: 513

التصرف، ففي التوقيع المروي في الاحتجاج (1) «لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه «1». و لا ريب أنّ بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

و الجواب (2): أنّ العقد الواقع؟؟؟ على مال الغير متوقّعا لإجازته غير (3) قاصد لترتب الآثار عليها ليس تصرفا فيه (4) [1].

______________________________

(1) غرضه من ذكر التوقيع هو إثبات مساعدة النقل الذي أشار إليه بقوله:

«من العقل و النقل» لحكم العقل.

(2) محصّل الجواب منع الصغرى و هي التصرف، فإنّ موضوع عدم جواز التصرف و الحكم الوضعي- أعني به الفساد- هو التصرف، و صدقه على عقد الفضولي للمالك بتوقّع الإجازة من المالك ممنوع. و عليه فلا موضوع للفساد، و لا لعدم الجواز التكليفي حتى يقال باقتضائه للفساد.

و ببيان آخر: ليس عقد الفضولي عن المالك- بترقّب الإجازة منه- تصرّفا في ماله، لا خارجيّا و لا اعتباريّا كما مرّ مفصّلا. و حكم العقل بالقبح منوط بصدق الظلم على الغير، و هو موقوف على التصرّف الذي هو مفقود هنا «2».

(3) هذا و قوله: «متوقّعا» حالان من «العقد» أي: الإنشاء حال كون المنشئ متوقّعا لإجازة المالك، و حال كونه غير قاصد لترتيب الأثر على إنشائه.

(4) ظاهره أنّ العقد بدون توقع الإجازة يكون تصرفا في مال الغير، مع أنّه

______________________________

[1] في حاشية الفقيه السيد الطباطبائي قدّس سرّه نفي العبد عن صدق التصرّف على

______________________________

(1) الاحتجاج، ج 2، ص 299، طبع مطبعة النعمان عام 1386، لكن في المصدر «لا يحلّ»، رواه في وسائل الشيعة عن إكمال الدين، ج 6، ص 376 و 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، ح 6

(2) هذا الجواب مذكور في جملة من الكتب كمفتاح الكرامة، ج 4، ص 186، السطر 4، مقابس الأنوار، ص 28، السطر 13، و جواهر الكلام، ج 22، ص 282.

ص: 514

نعم (1) لو فرض كون العقد علّة تامة- و لو عرفا (2) [1]- لحصول الآثار

______________________________

ليس كذلك، لأنّ صدق التصرف منوط بكون العقد سببا تامّا لحصول الملك قهرا للمشتري. و ليس الأمر كذلك، بل هو موقوف على إجازة المالك، إذ خروج المال عن ملك مالكه قهرا من أقبح أفراد الظلم، فعقد الفضوليّ مطلقا- سواء أ كان العاقد مترصّدا لإجازة المالك أم غير مترصّد له- ليس تصرّفا في مال الغير حتى يكون قبيحا عقلا و فاسدا شرعا.

(1) استدراك على قوله: «ليس تصرّفا» يعني: يمكن فرض كون عقد الفضوليّ تصرّفا فيما إذا كان العقد علّة تامّة لحصول الأثر المقصود كالملكيّة مثلا.

(2) يعني: لا بالدقة العقليّة، فلو صدق عرفا كون العقد علّة تامّة لترتّب الآثار عليه- كما إذا تصدّى المالك بنفسه لبيع ماله- قلنا بجواز هذا الإنشاء، تبعا لجواز التصرّف في مال نفسه.

______________________________

عقد الفضولي الصادر عن جدّ، لا عن هزل «1».

لكن فيه: أنّ صدق التصرف عليه منوط بتبدل إضافة الملكية بهذا العقد، و ذلك بدون إجازة المالك ممتنع، فإنّ الملكيّة تدور بين الوجود و العدم، و معلوم أنّها معدومة قبل إجازة المالك، فكيف يصدق التصرف على مجرّد العقد؟

[1] لكن فيه: أنّ الصدق العرفي يعتدّ به ما لم يخطّئه الشرع، و مع التخطئة لا يترتب عليه آثار التصرف. و بيع الغاصب المستقلّ مستلزم للتصرّف الخارجي، لا أنّ نفس عقده تصرف.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 140.

ص: 515

كما في بيع المالك أو الغاصب (1) المستقلّ، كان (2) حكم العقد (3) جوازا و منعا حكم معلوله المترتب عليه [1].

ثم لو فرض (4) كونه تصرّفا فممّا استقلّ العقل بجوازه [2] مثل

______________________________

(1) يعني: أن إنشاء الغاصب المستقل الذي يبيع لنفسه قبيح و باطل، لكونه علّة تامّة عرفا لترتّب القبض و الإقباض عليه.

(2) جواب قوله: «لو فرض».

(3) فعقد المالك جائز، لجواز معلوله، و عقد الغاصب المستقل ممنوع، لحرمة التصرف في المبيع المغصوب، لكنّه لا يكون تابعا لمعلوله جوازا و منعا بناء على علية العقد له، لكنه ممنوع.

(4) غرضه مع التنزل و تسليم كون عقد الفضولي تصرفا، لكنّه ليس من التصرفات الممنوعة، بل من التصرّفات التي يستقلّ العقل بجوازها. و هذا من قبيل

______________________________

[1] هذا متجه بناء على كون العقد سببا تامّا لترتب التصرفات الخارجية في العين قهرا و بدون الاختيار. لكنه ليس كذلك، فلا يسري حكم المعلول إلى العلّة و هي العقد، و العقد إنّما يكون تصرفا في لسان العاقد، لا في أحد العوضين حتى يحرم.

[2] فيه: أنّ مثل الاستضاءة بسراج الغير ليس تصرفا، و إنّما هو انتفاع بمال الغير، و الموضوع هنا هو التصرف، و من المعلوم أنّ عقد الفضولي ليس تصرفا في مال الغير، لا خارجيا و لا اعتباريا.

أمّا الأوّل فواضح. و أمّا الثاني فلتوقفه على إجازة المالك، فإن الملكية معدومة قبل إجازة المالك، و لا توجد إلّا بإجازته، فإنّها بسيطة، إمّا موجودة، و إمّا معدومة، و لا واسطة بينهما. كما أنّ عقد الفضولي ليس انتفاعا بمال الغير أيضا حتى يكون كالاستظلال بشجر الغير.

ص: 516

الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره.

مع (1) [1] أنّه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال، بناء (2) على أنّ ذلك لا يخرجه عن الفضولي.

مع (3) أنّ تحريمه لا يدلّ على الفساد.

مع (4) أنّه

______________________________

الاستظلال بجدار الغير أو شجره، أو الاستضاءة بسراجه. فليست هذه التصرفات من التصرف القبيح بنظر العقل حتى يحكم بفساد عقد الفضولي، لكونه تصرّفا قبيحا عقلا.

(1) هذا جواب آخر عن قبح التصرّف، بأن يقال: إنّ فرض قبحيّة عقد الفضوليّ أخصّ من المدّعى، بمعنى عدم جريانه في جميع الموارد، كما إذا علم بقرينة حاليّة أو مقاليّة أنّ المالك يأذن في هذا البيع الفضولي، و مع هذا العلم لا يكون عقد الفضوليّ تصرّفا قبيحا عقلا حتى يكون فاسدا.

(2) يعني: أنّ فرض العلم بالإذن مبنيّ على عدم كونه خارجا عن عنوان الفضوليّ، إذ مع خروجه عنه موضوعا يكون أجنبيّا عن بحث الفضوليّ.

(3) هذا جواب آخر أيضا عن الاستدلال على بطلان عقد الفضوليّ «بكونه تصرّفا قبيحا عقلا» و حاصله: أنّ قبح العقد عقلا و حرمته شرعا لا يدلّ على الفساد بمعنى لغويّة العقد كعقد الساهي.

(4) هذا جواب آخر أيضا، و هو: أنّه- على فرض دلالة النهي على الفساد-

______________________________

[1] فيه: أنّه- بعد فرض كون عقد الفضولي تصرّفا في مال الغير بدون إذنه- لا ينفكّ عن القبح و لو مع العلم بإذن المالك فيما بعد، لصدق التصرّف في مال الغير بدون إذنه على العقد غير المأذون فيه.

ص: 517

لو دلّ (1) لدلّ على بطلان البيع بمعنى عدم ترتب الأثر عليه، و عدم استقلاله في ذلك. و لا ينكره (2) القائل بالصحة، خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة.

و ممّا ذكرنا (3) ظهر الجواب عمّا لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري (4) بناء على أنّ العقد

______________________________

لا يراد بالفساد لغوية الإنشاء بحيث لا يترتب عليه الصحة الفعلية بإجازة المالك، بل المراد بالفساد هو عدم ترتب الأثر المقصود- و هو النقل و الانتقال- على عقد الفضولي بنفسه، بل ترتبه عليه منوط برضا المالك و إجازته، و القائلون بصحة عقد الفضولي لا ينكرون الفساد بهذا المعنى.

(1) يعني: لو دلّ التحريم التكليفي على بطلان البيع لكان المراد ببطلانه عدم استقلاله في التأثير.

(2) يعني: و لا ينكر البطلان بهذا المعنى- و هو عدم ترتب الأثر على العقد بالاستقلال- من يقول بصحة عقد الفضولي، خصوصا بناء على ناقلية الإجازة، إذ لا أثر للعقد أصلا قبل الإجازة.

(3) أي: من كون المراد بالبطلان- المترتب على النهي التكليفي هو- عدم ترتب الأثر على العقد باستقلاله، ظهر الجواب عن فرض قبح عقد الفضولي المستتبع للفساد فيما إذا قصد الفضولي ترتب الأثر على عقده بالاستقلال من دون مراجعة المالك، فإنّ قبح هذا العقد عقلا يوجب النهي عنه، و هو مستلزم للفساد.

و حاصل الجواب: أنّ المراد بالفساد ما ذكر من عدم ترتب الأثر على العقد بنفسه، لا عدم ترتبه عليه مطلقا و لو مع إجازة المالك.

(4) الصواب تبديله ب «المالك». و قد تحصل من جميع ما أفاده المصنف قدّس سرّه في الجواب عن الدليل العقلي المذكور و ردّه وجوه خمسة:

الأوّل: أنّ العقد على مال الغير بتوقّع الإجازة منه ليس تصرفا قبيحا و فاسدا، و هذا الجواب منع صغروي، و هو في غاية الجودة.

ص: 518

المقرون بهذا القصد (1) قبيح محرّم، لا نفس (2) القصد (3) المقرون بهذا العقد.

[الاستدلال على بطلان البيع الفضولي بوجوه اخرى]

و قد يستدل للمنع (4)

______________________________

الثاني: أنّ عقد الفضولي- بعد تسليم كونه تصرفا- ليس من التصرفات القبيحة عقلا، بل من التصرفات التي يستقل العقل بجوازها كالاستضاءة بسراج الغير.

لكن فيه ما عرفت من أنّ مثل الاستضاءة بنور الغير ليس تصرفا، بل هو انتفاع بمال الغير كما لا يخفى.

الثالث: أنّه أخص من المدّعي الذي هو كون عقد الفضولي تصرفا قبيحا، إذ يمكن عدم قبحه في بعض الموارد، كما إذا علم بقرينة حاليّة أو مقاليّة إذن المالك و رضاه بالعقد.

لكن هذا الجواب لا ينافي الاستدلال على الفساد بنحو الإيجاب الجزئي.

الرابع: أنّه- بعد تسليم القبح الموجب للنهي- لا يدلّ النهي على الفساد.

الخامس: أنّه- بعد تسليم دلالة النهي على الفساد- ليس المراد بالفساد عدم ترتّب الأثر على عقد الفضوليّ مطلقا حتى بعد الإجازة، بل المراد بالفساد عدم ترتّب الأثر عليه بعنوان كونه عقد الفضوليّ، لا مطلقا، فإذا صار عقد المالك بالإجازة و خرج عن عنوان الفضوليّ ترتّب عليه الأثر.

(1) أي: قصد العاقد ترتب الأثر على عقده بالاستقلال بدون إجازة المالك.

(2) معطوف على «أنّ العقد».

(3) حيث إنّ مورد الحسن و القبح اللذين يحكم بهما العقلاء هو الفعل الخارجي الذي تكون مصلحته حافظة للنظام و مفسدته مخلّة بالنظام. و أمّا القصد النفساني الذي لا أثر له خارجا في النظام فلا يتصف بالحسن أو القبح أصلا.

الاستدلال على بطلان البيع الفضولي بوجوه أخرى

(4) أي: المنع عن صحة عقد الفضولي.

ص: 519

بوجوه أخر ضعيفة (1) أقواها: أنّ القدرة على التسليم معتبرة في صحة البيع، و الفضوليّ غير قادر (2). و أنّ (3) الفضولي غير قاصد حقيقة (4) إلى مدلول اللفظ كالمكره، كما صرّح به في المسالك «1».

______________________________

(1) قد ذكرت تلك الوجوه في المقابس بعد بيان تمسكهم بالإجماع، قال: «الثاني:

أنّ العقود الشرعية موقوفة على الدليل، و لا دليل على أنّ عقد الفضولي من العقود المقرّرة في الشرع، و أنّه يقف على الإجازة، فوجب الحكم بفسادها».

و فيه: أنّه قد ثبت مما تقدم من أدلة صحة الفضولي انّ عقد الفضولي صحيح تأهّلا، و تصير فعلية صحته بإجازة المالك.

و إن شئت الوقوف على سائر الوجوه فراجع المقابس، فإنّ المذكور فيها أزيد من عشرة أوجه «2».

(2) و لأجل اعتبار القدرة على التسليم في صحة البيع حكموا ببطلان بيع العبد الآبق، حيث إنّ شرط القدرة على التسليم مفقود فيه، فبيع الفضولي لا بدّ أن يكون أولى بالبطلان، لفقدان الملكية للعاقد، و عدم قدرته على تسليم المبيع فيه. و على هذا يقع البيع باطلا. و هذا تاسع الوجوه المانعة المذكورة في المقابس.

(3) معطوف على «أنّ القدرة» و هذا وجه آخر لمنع صحة عقد الفضولي، و هو عاشر الوجوه المانعة المذكورة في المقابس. و ينسب هذا الوجه إلى السيد بحر العلوم قدّس سرّه قال في المقابس: «العاشر: أنّه يشترط في صحة العقد مقارنته لقصد المدلول، فإنّ العقود تتبع القصود، و هو منتف في الفضولي، لأنّه لا يتعلق إلّا بالمقدور، و النقل غير مقدور له، فيمتنع قصده» «3» أي قصد مدلوله خارجا.

(4) يعني: غير قاصد إلى تحقق مدلول اللفظ في الخارج، كالعقد الصادر من

______________________________

(1) تقدّم كلامه في بيع المكره فراجع ص 166

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 27 و 28.

(3) المصدر، ص 28.

ص: 520

و يضعّف الأوّل (1)- مضافا (2) إلى أنّ الفضولي قد يكون قادرا على إرضاء المالك- بأنّ (3) هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعا، بل يكفي تحققه (4)

______________________________

المالك مع استجماع شرائط الصحة، فإنّه يقصد وقوع ما ينشؤه من الملكية مثلا في الخارج، فالفضولي فاقد لهذا القصد، دون القصد الاستعمالي، فإنّه حاصل في الفضولي قطعا، و إلّا كان هازلا.

و كذا بيع المكره، فإنّه قاصد لاستعمال الألفاظ في معانيها، لكنّه غير قاصد لوقوع مدلول العقد خارجا، إذ لو لم يكن قاصدا لاستعمال الألفاظ في معانيها لم يكن عقدا، و لم ينفع الرضا اللاحق في صحته. و قد تقدم تفصيل هذا المطلب في أوّل بحث بيع المكره، فراجع (ص 157) و ما بعده.

(1) و هو عدم قدرة الفضولي على التسليم و قد أجاب عنه المصنف قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: أنّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى، و هو بطلان عقد الفضولي مطلقا، و فرض إمكان إرضاء المالك يوجب اختصاص البطلان بصورة عدم إمكان الإرضاء.

و ثانيهما: أنّ شرطية القدرة على التسليم مختصة بالعاقد المالك، لا مطلق العاقد، و إلّا كان عقد الوكيل في إجراء الصيغة فقط باطلا، لعدم قدرته على التسليم، فلو كان المالك المجيز قادرا على التسليم كفى في صحة البيع.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل، و هو الأخصيّة.

(3) متعلق ب «و يضعّف» و هو إشارة إلى الوجه الثاني الذي أوضحناه بقولنا:

«و ثانيهما أنّ شرطيّة القدرة على التسليم .. إلخ».

(4) أي: تحقق الشرط، و هو القدرة على التسليم.

ص: 521

في المالك [1]. فحينئذ (1) يشترط في صحة العقد- مع الإجازة- قدرة المجيز على تسليمه، و قدرة المشتري على تسلمه، على ما سيجي ء (2).

و يضعّف الثاني (3) بأنّ المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي و المكره- لا أزيد منه- بدليل الإجماع على صحة نكاح الفضولي

______________________________

(1) أي: فحين الالتزام بكفاية قدرة المالك على التسليم يشترط في صحة العقد قدرة المجيز- الذي هو من له العقد- على تسليم المبيع إلى المشتري.

(2) في بيان شرطية القدرة على التسليم في صحة البيع، لقول المصنف هناك:

«الثالث من شروط العوضين: القدرة على التسليم».

(3) و هو كون الفضولي غير قاصد حقيقة إلى مدلول اللفظ، و محصل ما أفاده في الجواب عنه: أنّ القصد المعتبر في العقد هو استعمال اللفظ في المعنى في مقابل الألفاظ التي تصدر من الغافل و الساهي، إذ قصد استعمال الألفاظ منهما مفقود. و هذا القصد موجود في عقدي الفضولي و المكره، و لو لم يكن هذا القصد موجودا لم يكن عقدا حتى يصح بالإجازة في عقد الفضولي و بالرّضا في عقد المكره، و قد تقدّم في عقد المكره التزامهم بصحته لو كان الإكراه بحقّ، فراجع (ص 178).

______________________________

[1] بل يمكن أن يقال: إنّ المعتبر هو القدرة في الجملة، فلو لم يكن المالك قادرا على التسليم و كان المشتري قادرا على التسلم- كما إذا كان المبيع في يد الغاصب، و لم يقدر البائع على استرداده، مع قدرة المشتري عليه- كفى في تحقق الشرط و صحة البيع.

ص: 522

و بيع المكره بحقّ (1)، فإنّ دعوى عدم اعتبار القصد في ذلك (2) للإجماع كما ترى (3).

______________________________

(1) كما إذا أكره الحاكم الشرعي من يمتنع عن أداء دينه- مع تمكّنه منه- على بيع بعض أمواله.

(2) أي: في كلّ من الفضوليّ و المكره.

(3) حاصله: أنّ مرجع هذه الدعوى إلى تخصيص قاعدة تبعيّة العقود للقصود في عقدي الفضوليّ و المكره بحقّ. و أنت خبير بأنّ هذا التخصيص لا مورد له، لتقوّم العقد بالقصد، و معلوم أنّ التخصيص إخراج حكميّ لا موضوعيّ، و عدم الحاجة إلى القصد إخراج موضوعيّ، إذ لا عقد حقيقة بدون القصد.

هذا تمام الكلام في المسألة الأولى.

ص: 523

[المسألة الثانية بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك]

المسألة الثانية (1) أن يسبقه منع من المالك. و المشهور أيضا (2) صحته (3).

و حكي عن فخر الدين: أنّ بعض المجوّزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك. و يلوح إليه (4) ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبوي

______________________________

المسألة الثانية: بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك

(1) و هي عقد الفضولي للمالك مع سبق منع المالك، و هذه المسألة هي ثانية المسائل الثلاث التي ذكرها المصنف قدّس سرّه سابقا بقوله: «فهاهنا مسائل ثلاث».

(2) يعني: كالمسألة الأولى، فإنّ المشهور كما قالوا بصحة بيع الفضولي في المسألة الأولى، كذلك قالوا بصحته في هذه المسألة الثانية. خلافا لما نسب إلى بعض من الفساد في هذه المسألة، و نقل المصنف عن بعضهم وجهين له، ثم ناقش فيهما، و سيأتي.

(3) أي: صحة عقد الفضولي مع سبق منع من المالك. و عن ظاهر شرح القواعد اندارجه في الشهرات المدّعاة و معاقد الإجماع.

(4) أي: ما عن فخر المحققين من أنّ بعض المجوّزين لعقد الفضولي اعتبر في صحته عدم سبق نهي المالك. و اختاره في باب المضاربة بقوله: «لأنّه عقد نهاه المالك عنه، و النهي المتقدم كالفسخ المتجدد في الابطال .. و النهي هنا يدلّ على الفساد .. إلخ» «1».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 314.

ص: 524

«أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» «1» بعد تضعيف السند على (1) «أنّه إن نكح بعد منع مولاه و كراهته فإنّه يقع باطلا» «2».

و الظاهر (2) أنّه لا فرق بين

______________________________

(1) هذا و «بعد تضعيف» متعلقان ب «حمل النبوي» و ضمير «أنّه» راجع إلى «عبد» حيث قال بعد نقل استدلال جماعة من العامة بالنبوي المزبور: «و الحديث ممنوع، فإنّ أحمد بن حنبل قال: ذكرت هذا الحديث لأبي. فقال: هذا حديث منكر، و رووه أيضا عن ابن عمر موقوفا عليه. سلّمنا، لكنه محمول على أنه نكح بعد منع مولاه و كراهته له، فإنه يقع باطلا. و ملك الغير لا يستلزم الفساد من أصله، فجاز أن يكون موقوفا كالفضولي».

و تعبير المصنف قدّس سرّه ب «يلوح اليه» مع اختصاص مورد كلام العلّامة بنكاح العبد، مبنيّ على عدم التنبيه على خلافه في البيع، فيتحد حكم النكاح و غيره.

و حاصل الحمل المذكور: أنّه إذا نكح العبد- بعد منع المولى- فنكاحه باطل. و لعلّ الوجه في هذا الحمل هو جعل العبد عاهرا، و ذلك يناسب نهي السيّد عن النكاح.

لكن فيه: أنّ عاهريّته إنّما هي لأجل الاستمتاعات التي صدرت من العبد بدون إذن مولاه. و يكفي في حرمتها عدم الإذن، من دون إناطتها بنهي السيد، و بطلان عقد الفضولي. فالحمل المزبور غير ظاهر.

(2) لأنّ المناط في صحة العقد هو استقلال العاقد، و كونه وليّ أمر العقد، و ليس العبد مستقلّا في أموره.

و هذا الاستظهار نبّه عليه صاحب المقابس «3» أيضا. و لا ريب في أن التعدي

______________________________

(1) سنن الترمذي، ج 3، ص 419- 420، الباب 21، ح 1111- 1112

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 588، السطر 18 و الحاكي لكلاميهما هو صاحب المقابس، كتاب البيع، ص 2

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 20.

ص: 525

النكاح و غيره. و يظهر (1) من المحقق الثاني، حيث جعل فساد بيع الغاصب نظرا إلى القرينة الدالّة على عدم الرضا و هي الغصب.

______________________________

من مورد الخبر- و هو نكاح العبد- الى بيع الفضولي منوط بإلغاء خصوصية العبد و النكاح حتى يكون نهي المالك مقتضيا لفساد بيع الفضولي. و العلّامة قدّس سرّه صرّح في باب الوكالة بعدم جواز بيع الوكيل الذي نهاه الموكّل عن معاملة خاصة «1»، و لكنه لا يستلزم البطلان، لتصريحه بصيرورة الوكيل المخالف لما عيّنه عليه الموكّل فضوليا، و أنّ عقده موقوف على الإجازة، و لا يبطل رأسا «2». و لازمه اختصاص الحمل المزبور بنكاح العبد، و لا سبيل لاستظهار اتحاد حكمه مع الفضولي الممنوع عن العقد.

(1) يعني: و يظهر ما حكي عن فخر المحققين- من توقف صحة عقد الفضولي على عدم نهي المالك- من المحقق الثاني أيضا، فليس القائل منحصرا في العلّامة و فخر المحققين. قال في جامع المقاصد: «و الأصحّ أنّ الفضولي موقوف غير باطل ..

و كذا الغاصب، أي: حكم الغاصب كالفضوليّ، و هو أصحّ الوجهين، و إن احتمل الفساد، نظرا إلى القرينة الدالّة على عدم الرضا، و هي الغصب» «3». بناء على إرادة عموم الحكم لما إذا باع الغاصب لنفسه أو للمغصوب منه حتى ينطبق على ما نحن فيه، و هو البيع للمالك مع نهيه عنه.

لكنّك خبير بما في النسبة، فإنّ صريح كلام المحقق الكركي: «و هو أصحّ الوجهين» إلحاق الغاصب مطلقا بالفضولي، و عدم بطلانه، و إنّما احتمل عدم الصحة، و لعلّ مورد البطلان بيع الغاصب لنفسه، لكونه الغالب، لا للمالك.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 125، السطر 38.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، 125- 127، قواعد الأحكام، ج 2، ص 360، كقوله: «و لو خالفه في البيع وقف على الإجازة».

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 69.

ص: 526

و كيف (1) كان فهذا القول لا وجه له ظاهرا، عدا تخيّل أنّ المستند في عقد الفضوليّ هي رواية عروة المختصّة بغير المقام (2).

______________________________

(1) يعني: سواء تمّت نسبة البطلان إلى العلّامة و غيره أم لم تتمّ، فهذا القول- و هو بطلان عقد الفضولي بسبق منع المالك- لا وجه له ظاهرا .. إلخ.

و غرضه الإشارة إلى ما اعتمد عليه القائل ببطلان بيع الفضولي المسبوق بنهي المالك، و هو ظاهر كلام الفاضل النراقي، فإنّه قدّس سرّه ألحق بيع الغاصب بالفضولي، سواء باع لنفسه أو للمالك «1»، ثم قال في فرع آخر: «فيعلم أنّ من يقتصر في دليل الخروج- أي عن أصالة بطلان بيع ما لا يملك- بخبر البارقي و نحوه يجب أن لا يصحّ عنده بيع الغاصب .. و يلزمه أيضا عدم إفادة الإجازة في صحة الفضولي إذا ردّه المالك أوّلا .. و فيما علم البائع الفضولي عدم رضا المالك حين العقد و إن جوّز الرضا بعد ذلك» «2».

و المقتصر على الاستدلال- بالأخبار- بخصوص خبر عروة هو مثل العلّامة «3».

و يكون حاصل إشكال صاحب المستند عليه هو: أنّ مورد خبر عروة- الدال على صحة عقد الفضولي- مختص بصورة عدم النهي، بل مع رضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما صنعه عروة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له: «بارك اللّه في صفقة يمينك» فلا دليل على صحة الفضولي مع نهي المالك، فلا محيص حينئذ عن القول بالفساد، لأصالة الفساد الجارية في العقود.

و لا يخفى أنّ مقتضى التخيّل المزبور اختصاص صحّة الفضوليّ بصورة رضا المالك.

(2) المراد بالمقام هو سبق نهي المالك.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 278.

(2) المصدر، ص 279 و 280.

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 54، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462 و 486 و ج 2، ص 127، التنقيح الرائع، ج 2، ص 25.

ص: 527

و أنّ (1) العقد إذا وقع منهيّا عنه فالمنع (2) الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرّد، فلا ينفع الإجازة اللاحقة، بناء على (3) أنّه لا يعتبر في الردّ سوى عدم الرضا الباطني بالعقد، على ما يقتضيه (4) حكم بعضهم (5) بأنّه إذا حلف الموكّل على نفي

______________________________

(1) معطوف على «أنّ المستند» و حاصله: أنّ البطلان في صورة نهي المالك- و عدم إمكان تصحيحه بالإجازة اللّاحقة- مبني على كفاية عدم الرضا الباطني في ردّ العقد، و عدم تصحيحه بإجازة المالك، و عدم حاجة الرد إلى الإنشاء.

(2) جواب الشرط في «إذا وقع» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «ان العقد».

(3) هذا البناء يستفاد من عبارة الفاضل النراقي المتقدمة. مضافا إلى دلالة حكم جماعة- في فرع الوكالة- عليه كما سيأتي قريبا.

(4) أي: ما يقتضي عدم اعتبار شي ء في الردّ سوى كراهة العقد باطنا.

(5) كالمحقق و العلّامة و المحقق و الشهيد الثانيين، قال في القواعد: «فلو ادّعى المشتري النيابة، و أنكر الموكّل قضي على المشتري بالثمن .. إلّا أن يذكر في العقد الابتياع له، فيبطل» «1».

و قال المحقق الكركي في شرحه: «لو ادّعى المشتري لشي ء أنّه وكيل لزيد في ذلك الشراء، و أنكر زيد- المدّعى عليه- الوكالة، حلف، و اندفع الشراء عنه ظاهرا، سواء اشترى بعين من نقد و غيره، أو في الذمة. لكن يستثنى من ذلك ما إذا ذكر في العقد الابتياع لزيد، فإنّه يبطل ظاهرا .. إلخ» و حاصل هذا الفرع أنّ عقد البيع يبطل- و لا يقع للموكّل و لا للوكيل- فيما إذا صرّح الوكيل بأنّه قصد الشراء لموكّله لا لنفسه، و أنكر الموكّل و حلف على نفي الوكالة.

هذا ما ذكروه. و غرض المصنف قدّس سرّه من نقله الاستشهاد لمثل مقالة الفاضل النراقي قدّس سرّه من أنّ الردّ الموجود حال العقد كاف في بطلان بيع الغاصب، و لا حاجة

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 205، قواعد الأحكام، ج 2، ص 367، جامع المقاصد، ج 8، ص 293 مسالك الأفهام، ج 5، ص 300، مفتاح الكرامة، ج 7، ص 632.

ص: 528

الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد، لأنّ الحلف عليه أمارة عدم الرضا (1)، هذا.

و لكنّ الأقوى عدم الفرق (2)، لعدم انحصار المستند حينئذ في رواية عروة (3)، و كفاية (4) العمومات. مضافا (5) إلى ترك الاستفصال في صحيحة محمّد بن قيس «1».

______________________________

إلى إنشاء ردّ جديد بعد العقد الذي أنشأه الفضول، كما أنّ إنكار الوكالة كاف في بطلان العقد الذي أنشأه الوكيل، و لا حاجة إلى إنشاء ردّ جديد، كما لا تنفعه إجازته بعد الإنكار لو أجاز الموكّل عقد الوكيل.

(1) يعني: فمجرّد عدم الرضا كاف في الردّ و انحلال العقد، و لا يحتاج الرّدّ إلى الإنشاء.

هذا كلّه في توجيه القول بالبطلان، و سيأتي الخدشة فيه، و تقوية صحة بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك.

(2) بين هذه المسألة- و هي عقد الفضولي مع سبق منع المالك- و المسألة السابقة، و هي عدم منع المالك، فحكمهما واحد و هو الصحة مع إجازة المالك.

(3) حتى يقال: إنّ موردها رضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو عدم النهي، فلا تدلّ على الصحة مع نهي المالك، فيحكم بفساده لأصالة الفساد.

(4) معطوف على «عدم انحصار» يعني: و لكفاية العمومات في الصحة، و هي الأدلّة العامّة كأوفوا بالعقود و أحلّ اللّه البيع و نحوهما. و هذا أوّل الوجوه على صحة بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك.

(5) هذا وجه آخر لصحة عقد الفضوليّ مع سبق منع المالك، و محصّله: أنّ عدم الاذن يشمل النهي و عدمه. حيث إنّ الامام عليه السّلام لم يستفصل من سيّد الوليدة أنّه نهى ولده عن بيع الوليدة قبل مسافرته أم لا، و ترك الاستفصال يفيد عموم الحكم بإجازة المالك في كلتا صورتي نهي المالك قبل البيع و عدمه.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 388.

ص: 529

و جريان (1) فحوى أدلّة نكاح العبد بدون إذن مولاه، مع ظهور المنع فيها (2) و لو بشاهد الحال بين الموالي و العبيد.

مع (3) أنّ رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد حينئذ (4).

______________________________

لكن في استفادة العموم بترك الاستفصال هنا إشكال كما مرّ في التعليقة (في ص 395).

(1) بالجرّ معطوف على «ترك الاستفصال» و محصّله: أنّ صحة نكاح العبد بدون إذن مولاه- بعد إجازة السيّد له- تدلّ بالأولويّة على صحة عقد الفضولي في سائر الموارد، مع كون أمر النكاح ممّا أكّد فيه الاحتياط الشديد.

و الظاهر ابتناء هذا الوجه على تسليم أولويّة البيع بالصحة من النكاح، كما عليه بعض على ما تقدّم (في ص 410) و إلّا فبناء على مختار المصنف من الخدشة في الفحوى لا يبقى مجال للاستدلال بها على صحة البيع الفضولي المسبوق بنهي المالك.

(2) الظاهر رجوع الضمير إلى «أدلة» لكن الأولى تذكيره، لرجوعه إلى «نكاح» لأنّ الحال تشهد بمنع المولى عبده عن التزويج بدون إذنه. و هذا أمر عادي خارجي، و أدلة النكاح واردة على هذا الأمر العادي المتعارف بين الموالي و العبيد، و ليس داخلا في الأدلة حتى ينسب إليها.

(3) هذه هي العمدة في استفادة صحة الفضولي مع نهي المالك، فإنّ التعليل بقوله عليه السّلام: «بأنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصى سيّده» يدلّ على كبرى كلّية، و هي: أنّ عصيان المخلوق يجبر برضاه، دون عصيان الخالق، فإنّه لا يجبر بشي ء، فلا محيص عن لغويّته و عدم ترتيب أثر الصحة عليه، فإنّ هذه العلة بمنزلة العلة المنصوصة المنطبقة على جميع العقود التي تجري فيها معصية المخلوق كالبيع و غيره، فنهي المالك عن بيع ماله أو عدم رضاه به معصية ترتفع برضاه الحاصل بعد العقد.

(4) أي: حين إجازة السيد. و ضمير «إجازته» راجع إلى نكاح العبد.

ص: 530

مع جريان المؤيّدات المتقدّمة له، من بيع مال اليتيم، و المغصوب (1)، و مخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال، الصريح (2) في منعه عمّا عداه (3).

و أمّا (4) ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما، فلم (5) يدلّ دليل على

______________________________

(1) قد يناقش فيه بأنّه لم يتقدم من المصنف شي ء في المغصوب حتى يصحّ عطفه على مال اليتيم.

إلّا أن يكون مراده من المغصوب ما ورد في رواية مسمع أبي سيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الودعي الذي جحد الوديعة و اتّجر بها مدّة مديدة، ثم جاء بعد سنين إلى المودع برأس المال و بالربح، فقال له عليه السّلام: «خذ نصف الربح منه، و أعطه النصف و حلّله، إن هذا رجل تائب و اللّه يحب التوابين» «1» بناء على أنّ قبول الربح إجازة للمعاملات الواقعة على المال في تلك المدة المديدة، فيكون من إجازة المغصوب.

و لا ريب في كون الوديعة غصبا بيد الودعي المنكر لها.

(2) صفة للموصول في «لما اشترط» و ضمير «منعه» راجع إلى العامل.

(3) قد تقدّم الكلام في هذه الأمور و غيرها في أدلة صحة عقد الفضولي، و أنّها خارجة عن عقد الفضولي، فراجع (ص 436 و 443 و غيرهما).

(4) هذا إشارة إلى ضعف ما استدلّ به القائل ببطلان عقد الفضولي للمالك- مع سبق منع منه- بقوله قبل أسطر: «و أنّ العقد إذا وقع منهيّا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد .. إلخ» و محصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه في رده و عدم صلاحيته للمانعية عمّا يقتضي صحة عقد الفضولي- مع سبق منع المالك- هو عدم الدليل على كفاية منع المالك الباقي بعد العقد و لو آنا ما في الرد حتى لا تنفعه إجازة المالك.

و بعبارة أخرى: مجرّد عدم الرضا الباطني المستكشف من منع المالك لا يكفي في الردّ.

(5) جواب «و أمّا ما ذكره» و ضمير «كونه» راجع إلى منع المالك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 235، الباب 10 من أبواب الوديعة، الحديث 1، و تقريب الاستدلال بهذه الرواية مذكور في المقابس، ص 24، فراجعه إن شئت الوقوف عليه.

ص: 531

كونه فسخا لا ينفع (1) بعده الإجازة.

و ما ذكره في حلف الموكّل غير مسلّم (2). و لو سلّم (3) فمن جهة ظهور الإقدام على الحلف على ما أنكره في (4) ردّ البيع و عدم تسليمه (5) له.

و ممّا ذكرنا (6) يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا، و أنّ كراهة المالك حال العقد و بعد العقد لا تقدح في صحته إذا لحقه الإجازة [1].

______________________________

(1) للإجماع المدّعى على عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد، لزوال العقد بالفسخ، فلا يبقى شي ء في وعاء الاعتبار حتى يتعلّق به الإجازة و الإمضاء.

(2) يعني: أنّ ظهور عدم الرضا في الردّ ممنوع، لإمكان أن يكون غرضه مجرّد نفي الوكالة عليه خاصّة و إن رضي به و أجازه.

(3) يعني: و لو سلّم ظهور عدم الرضا في الرّد، لكنّه ليس لأجل مجرّد الكراهة الباطنية، بل الكراهة الباطنية التي أظهرت بالإقدام على الحلف، و الكراهة الباطنية التي لا تجدي في الرد هي التي لم ينصب عليها مظهر.

(4) متعلّق ب «ظهور».

(5) المصدر مضاف إلى الفاعل، أي: عدم تسليم الموكّل لما أنكره من الوكالة في شراء شي ء.

(6) يعني: من عدم كون مجرّد الكراهة الباطنية ردّا يظهر وجه صحة عقد المكره بالرضا اللّاحق.

______________________________

[1] قد عرفت أنّ المسألة عند القائلين بصحة الفضولي ذات قولين، أحدهما:

الصحة مطلقا، و إن منع المالك عن البيع. و ثانيهما: صحته بشرط عدم المنع.

و تحقيق الحق يتوقّف على التكلم في مقامين: الأوّل فيما يقتضي صحة العقد، و الثاني فيما يمكن أن يكون مانعا عن الصحة.

أمّا المقام الأوّل فتفصيل الكلام فيه: أنّه تارة يستند صحة عقد الفضولي إلى العمومات، مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و نحوهما، إذ لا ريب في شمولها له بعد إجازة المالك الموجبة لإضافة العقد إلى المالك، و لا فرق في ذلك بين سبق منع المالك

ص: 532

______________________________

و عدمه، إلّا توهّم مانعية الكراهة المقارنة للعقد وجدانا أو استصحابا المستكشفة من المنع. و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في المقام الثاني بيان عدم مانعيته.

و اخرى تستند إلى الأدلة الخاصة كرواية عروة البارقي المتقدمة، و صحيح محمد بن قيس المتقدم. لكن خبر عروة ظاهر في رضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتختص صحة عقد الفضولي بصورة رضا المالك، فلا بدّ من الاقتصار في الحكم بصحة الفضولي على صورة رضا المالك، مع عدم اقتصارهم عليها، فلا يكون دليلا على صحته مطلقا حتى يدلّ على الصحة و لو مع نهي المالك. و لو فرض عدم رضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكنه لم ينه البارقي.

فعلى كلّ حال لا يكون خبر عروة دليلا على مسألة صحة عقد الفضولي مع سبق منع المالك. و صحيح محمّد بن قيس لا يدلّ أيضا على الصحة في مسألتنا، لأنّ ظاهر قول أبي البائع: «إنّ وليدتي باعها ابني بغير إذني» هو عدم سبق النهي عن بيع الوليدة، و إلّا كان الأنسب في مقام الاحتجاج ذكر النهي عن البيع، لأنّه أدخل في الإنكار و الاحتجاج على عدم الصحة.

فدعوى «دلالة- باعها بغير إذني- على الأعم من النهي و عدمه» غير مسموعة، فإنّ مفهوم عدم الإذن عدمي، و هو نفي الترخيص. و مفهوم المنع وجودي و هو الزجر عن الوجود، فلا يتحد المفهومان حتى يدلّ أحدهما على الآخر و إن اجتمعا موردا.

كما أنّ دعوى دلالته على العموم بسبب ترك الاستفصال «حيث إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بعد مخاصمة المالك الأوّل للمشتري لم يستفصل عن مالك الوليدة عند إرادة السفر أنّه نهى ابنه عن بيع الوليدة أم لا. و عدم الاستفصال يعمّ الحكم كلا القسمين، و هما صورتا نهي المالك و عدمه» غير ظاهرة، لأنّ ظهور قوله: «باعها بغير إذني» كما مرّ آنفا في عدم سبق النهي مانع عن التمسك بترك الاستفصال، لانصراف الجواب إلى ما هو ظاهر السؤال. و مع هذا الظهور لا مجال للتشبث بترك الاستفصال على العموم الذي هو كالأصل بالنسبة إلى الدليل.

ص: 533

______________________________

فترك الاستفصال يفيد العموم فيما يكون السؤال محتملا لمعنيين مختلفين حكما بحسب الاحتمال، كما إذا قال: «حكم المجتهد العادل نافذ» و كان الحكم محتملا للفتوى و الحكم في الوقائع الجزئية، و فرض عدم ظهور الحكم في خصوص باب القضاء، فإنّه يحكم بعموم الحكم لكلّ من الفتوى و الحكم.

ثمّ إنّ ظهور قوله: «باعه بغير إذني» في عدم نهي المالك مستند إلى نفس اللفظ عرفا، لا إلى أمر عادي حدسيّ، فلا يقال: إنّ ظهور قوله: «بغير إذني» حدسيّ، و لا يوجب ذلك انصراف الجواب إليه. و عليه فدعوى التمسك بترك الاستفصال للعموم في غير محلها.

و بالجملة: فلا تدلّ صحيحة ابن قيس على صحة عقد الفضوليّ مع سبق نهي المالك، بل تدلّ على صحّته مع عدم إذن المالك في البيع.

نعم لا بأس بالاستدلال على صحة عقد الفضولي للمالك- مع سبق منع منه- بالتعليل الوارد في نكاح العبد بدون إذن السيد، فإنّ المستفاد منه أنّ النكاح لمّا كان بذاته ممّا شرّعه الشارع و لم يكن غير مشروع في نفسه- كنكاح المحارم الذي هو معصية اللّه تعالى- بل كان معصية للسيد، لكونه وليّ أمر نكاح عبده، و من المعلوم أنّ عصيان السيّد ممّا يمكن رفعه بإجازته و رضائه بعد كراهته، فلا مانع من صحته بإجازة السيد، سواء أ كان مسبوقا بنهي السيد أم لا، لأنّ نهيه لا يجعل النكاح غير مشروع ذاتا، بل غايته إناطة نفوذه بإجازته، و لا يوجب نهيه شيئا زائدا على حقّ سيادته الموجب لتوقّف نفوذ النكاح على إجازته.

نعم بناء على كون النّهي و الرّضا الباطني ردّا للعقد- بحيث يكون مانعا عن لحوق الإجازة به و عن نفوذه بها- يسقط العقد عن قابليته للنفوذ بسبب الإجازة، و يصير لغوا.

لكن فيه كلام سيأتي في المقام الثاني إن شاء اللّه تعالى.

ص: 534

______________________________

فتلخّص من جميع ما ذكرنا وجود المقتضي لصحّة عقد الفضولي مع سبق نهي المالك، فإنّ في العمومات و عموم التعليل في نكاح العبد كفاية في إثبات المقتضي للصحّة في كلّ عقد مشروع بذاته، و منوط نفوذه برضا المخلوق و إجازته، فإنّ هذا التعليل كالعلّة المنصوصة، فمقتضاها هو صحة كلّ عقد مشروع بذاته بإجازة من لإذنه أو إجازته دخل شرعا في نفوذه، سواء أ كان نكاحا أم بيعا أم صلحا أم غيرها من العقود.

و هذا التقريب غير الأولوية التي تقدّمت في أدلة صحة عقد الفضولي حتى يرد عليها: أنّ الأولوية تقتضي كون البيع أصلا و النكاح فرعا، و الحكم في الفرع- كالضرب- لا يستلزم ثبوته في الأصل و هو التأفيف. فيمكن أن يحرم الضرب دون التأفيف. و في المقام يمكن أن يصحّ بالإجازة النكاح الفضولي الذي هو الفرع، دون بيع الفضولي الذي هو الأصل. و قد مرّ سابقا الإشكال في هذه الأولوية.

لكن مع ذلك ليس المقام من هذا القبيل، بل من قبيل تعليل حرمة الخمر «بكونه مسكرا» في أنّ تعدية الحرمة إلى سائر المسكرات ليست للأولويّة، بل لأجل فرديّتها لعنوان كلّيّ وقع في حيّز الحرمة.

و الحاصل: أنّ تعليل النكاح بعصيان السيد من سنخ العلّة المنصوصة، و الحكم ثابت في جميع العقود من باب انطباق الكلّيّ- الذي هو موضوع الحكم- عليها عرضا، لا طولا حتى تصل النوبة إلى الأولويّة. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

و أمّا المقام الثاني- و هو البحث عن وجود المانع عن مقتضي صحّة عقد الفضوليّ مع سبق منع المالك و عدمه- فمحصّل الكلام فيه: أنّه يمكن أن يستند المنع عن صحة هذا البيع تارة إلى أنّه إذا كان الردّ بعد العقد مانعا عن صحته بالإجازة كان النهي عنه أولى بالمانعية، لأنّ الدفع أهون من الرفع.

و اخرى إلى: أنّ العقد مع النهي لا يضاف إلى المجيز بالإجازة، فكان النهي السابق

ص: 535

______________________________

على العقد يمنع عن خصوص الارتباط عرفا بين المجيز و العقد كالرّد.

و ثالثة إلى: أنّ النهي يكشف عن الكراهة الباطنية المتخللة بين العقد و الإجازة، و هذه الكراهة مانعة عن تحقق المعاقدة، كالكراهة المتخللة من المشتري بين الإيجاب و القبول في كونها مانعة عن حصول المعاهدة و المعاقدة، هذا.

و في الجميع ما لا يخفى إذ في الأوّل أوّلا: منع الأولوية، لأنّ مانعية الرد ثبتت بالإجماع، و المتيقن منه- لكونه لبيّا- هو إنشاء الكراهة بأمر خارجي من قول أو فعل، و ليس دليلا لفظيا حتى يؤخذ بإطلاقه الحاكم بتحقق الردّ بالكراهة الباطنية المدلول عليها بالنهي السابق على العقد، الباقية إلى ما بعد العقد.

و ثانيا: كون الرّد عرفا كالفسخ في كون كلّ منهما حلّا للعقد، غاية الأمر أنّ الرد في عقد الفضولي حلّ لصحته التأهلية، و الفسخ حلّ لصحته الفعلية، إذ في موارد الخيار يفسخ ذو الخيار العقد الصحيح الفعلي، فلا يصدق الرّد إلّا على حلّ العقد الموجود، فقبل وجوده لا معنى لردّه أي حلّه.

و بالجملة: فالكراهة الباقية إلى زمان تحقق العقد لا تكون ردّا للعقد.

و في الثاني: أنّ النهي لا يقطع الارتباط بين العاقد و المجيز، لما يرى كثيرا من نهي التجار للدلّالين عن معاملة خاصة، و لكنهم يجيزونها بعد وقوعها لمصلحة، فلو لم يكن ارتباط بين المجيز و العقد لم يكن مورد للإجازة التي هي تنفيذ العقد الموجود.

و في الثالث: عدم منعه عن حصول المعاقدة عرفا، لما يرى كثيرا من نهي التجار الدلّالين عن معاملة خاصّة، و بعد وقوعها بمضمونها، لكونها مصلحة لهم.

و بالجملة: فالنهي لا يسقط عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به.

و يمكن تقريب المطلب بوجه آخر، و هو: أنّ المانع المتوهم إمّا أن يكون نفس النهي، و إمّا أن يكون المنكشف به، و هو الكراهة الباطنية. و على التقديرين إمّا أن تكون

ص: 536

______________________________

المانعية لأجل صدق الردّ عليهما، و إمّا أن يكون لأجل عدم صدق العقد على هذا العقد المسبوق بنهي المالك. و الأوّل و هو الرّد مانع، و الثاني و هو عدم صدق العقد دافع.

و إمّا أن يكون لقطع الارتباط بين العقد و المجيز، فالأقسام ستة:

القسم الأوّل: أن يكون النهي مانعا، لكونه ردّا، و الحكم فيه عدم صدق الرّد عليه، لأنّ الرّد كالفسخ حلّ للعقد و هدم له، غايته أنّ الفسخ حلّ للعقد المؤثّر الفعلي، فإنّ الخيار ثابت له و رافع لأثره، و الرّد حلّ للعقد المؤثر التأهّلي، فلا بدّ أن يكون هناك عقد حتى يرد عليه فسخ أو ردّ. ففي المقام لا وجود للعقد حتى يكون النهي ردّا له.

و بقاء النهي وجدانا أو استصحابا إلى آن بعد العقد و إن كان ممّا لا إشكال فيه، إلّا أنّه لا دليل على كونه ردّا شرعا.

القسم الثاني: أنّ يكون النهي مانعا عن صدق المعاقدة و المعاهدة، فالنهي مانع عن تحقق الموضوع و هو العقد، و بدونه لا موضوع للإجازة، فالنهي في هذا القسم دافع، و في القسم الأوّل رافع. و الحكم في هذه الصورة كسابقتها، فإنّ العرف لا يساعد على دلالة النهي على كونه مانعا عن صدق العقد، فإنّ كثيرا من التجّار ينهون الدلّالين عن معاملات، و بعد وقوعها يمضونها لمصالح راجعة إليهم.

و كذا الحكم في القسم الثالث- و هو كون النهي قاطعا للارتباط بين العقد و المجيز- فإنّ العرف لا يساعده، بل العمل على خلافه.

القسم الرابع: أن يكون عدم الرضا الباطني مانعا، لكونه ردّا للعقد، و الحكم فيه عدم الردّ، إذ المتيقن من الدليل اللبّي للرّد- أعني به الإجماع- هو الكراهة المبرزة بمبرز خارجي من قول أو فعل، كما هو المسلّم في الفسخ، فإنّ الكراهة النفسانية بدون المظهر الخارجي لا تكون فسخا و لا ردّا، و إلّا لم يكن وجه لصحة عقد المكره برضاه بعد العقد.

و لو شكّ في كونها ردّا فلا مانع من استصحاب العقد.

ص: 537

______________________________

القسم الخامس: أن تكون الكراهة الباطنية مانعة عن تحقق العقد، و بدون تحققه لا موضوع للإجازة و الرد. و الحقّ فيه أيضا عدم كونها مانعة عن صدق العقد كما في عقد المكره و المكره بالحق.

و كذا الحكم في القسم السادس، و هو انقطاع الارتباط بسبب هذه الكراهة بين المجيز و العقد كما هو المشاهد من أعمال العرف في معاملاتهم.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ عقد الفضولي مع نهي المالك صحيح كالصورة الأولى، و نهي المالك و كراهته الباطنية لا يمنعان الصحة، و اللّه العالم.

ص: 538

[المسألة الثالثة: بيع الفضولي لنفسه]
اشارة

المسألة الثالثة (1) أن يبيع الفضولي لنفسه، و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب، و قد يتّفق من غيره بزعم ملكية المبيع، كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة «1» في الإقالة بوضيعة (2).

______________________________

المسألة الثالثة: بيع الفضولي لنفسه

(1) و هي ثالثة المسائل الثلاث التي ذكرها المصنّف قدّس سرّه بقوله: «فهاهنا مسائل ثلاث» و هذه المسألة هي: أن يبيع الفضولي لنفسه- لا للمالك- كما هو الغالب في بيع الغاصبين، و النادر في بيع غيرهم كمن يعتقد بكون المبيع ملكه. بل هو غير نادر أيضا كالبيوع الفاسدة المبنيّة على الأمارات كاليد و السوق، و الأصول كالاستصحاب و أصالة الصحة و غيرها، فإنّ البائعين في هذه الموارد يبيعون لأنفسهم باعتقاد ملكية المبيع لهم.

(2) تقدّم تأييد صحة بيع الفضولي بهذه الصحيحة، و موردها بيع الفضولي لنفسه باعتقاد كونه مالكا، مع عدم صدق الاعتداء و الغصب على بيعه، و ذلك لأنّ بائع الثوب يزعم جواز إقالة المشتري بوضيعة من الثمن فيقيله، ثم يبيع الثوب من

______________________________

(1) تقدمت في ص 453.

ص: 539

و الأقوى فيه (1) الصحة، وفاقا للمشهور (2)،

______________________________

شخص آخر بأزيد ممّا أقال به المشتري الأوّل، ففي هذا البيع الثاني تجتمع أمور:

أحدها: صدق «الفضولي» على البائع، لكون المبيع- و هو الثوب- باقيا على ملك المشتري الأوّل.

ثانيها: أنّ البائع الفضولي قصد وقوع البيع لنفسه حتى يتملّك الثمن الزائد على مورد الإقالة.

ثالثها: عدم صدق «الغاصب» على هذا البائع، لجهله ببطلان الإقالة، و زعمه تملكه للثوب مرّة أخرى بقبول الاستقالة بوضيعة، مع أن المفروض فسادها واقعا.

(1) أي: في بيع العاقد الفضولي لنفسه.

(2) كما في المقابس، حيث قال: «و قد أطلق كثير من الأصحاب أنه يقف على الإجازة كغيره. منهم العلامة في بيع المختلف و غصب التحرير و بيع التذكرة و القواعد و غصبهما، و الشهيد و السيوري و الصيمري و الكركي. و اختاره فخر الإسلام بناء على صحة الفضولي، و هو قضية إطلاق الباقين و اللّازم من فتاواهم في مسألة ترتيب مسلسلة العقود على أحد العوضين» «1».

و هنا قولان آخران:

أحدهما: عدم الصحة مطلقا.

و الثاني: التفصيل بين الغاصب و غيره كما عن ابن إدريس، فإنّ المحكي عنه نفي الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا كان بعين المغصوب.

بل هنا تفصيل آخر منسوب إلى العلّامة و ولده و الشهيد و قطب الدين، و هو التفصيل بين علم المشتري بالغصبية و جهله بها. فالأقوال في المسألة أربعة: الصحة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 31.

ص: 540

للعمومات المتقدمة (1) بالتقريب المتقدم. و فحوى (2) الصحة في النكاح، و أكثر ما تقدم من المؤيّدات (3)

______________________________

مطلقا، و البطلان كذلك، و هذا التفصيلان.

(1) و هي العمومات الأوّلية ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و آية تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و غيرهما.

(2) و هي الأولوية المستفادة من الروايات الواردة في نكاح الفضولي في الحرّ و العبد «1» إذ يستفاد منها قابلية البيع الفضولي للصحة الفعلية بالإجازة، و لا فرق فيها بين أن يقصد الفضولي وقوع العقد للمالك كما هو مفروض المسألة الاولى، و بين أن يقصد وقوعه لنفسه كما في هذه المسألة الثالثة.

(3) تقدمت هذه المؤيّدات في المسألة الأولى بقوله: «ثم إنّه ربما يؤيّد صحة الفضولي- بل يستدل عليها- بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصة .. إلخ» فراجع (ص 427) و ما بعدها.

و التعبير «بالأكثر» هنا من جهة ظهور بعض تلك المؤيّدات في أنّ قصد الفضولي إنشاء البيع لنفسه، لا للمالك، كما في صحيحة الحلبي الواردة في مسألة بيع الثوب. و كذا ما ورد في الودعي الذي جحد الوديعة و اتّجر بها، ثم جاء بعد مدّة بالربح و برأس المال و استحلل من المودع، لظهوره في كونه قاصدا- في تلك المدة- لوقوع المعاملة لنفسه و تملّكه للثمن.

و أمّا غير هذين الموردين فمقتضى إطلاقها صحة بيع الفضولي بالإجازة، سواء قصد وقوع البيع لنفسه أو للمالك، كما في الاتجار بمال اليتيم، و مخالفة العامل لما عيّنه ربّ المال في عقد المضاربة و نحوهما.

______________________________

(1) تقدمت روايات المسألة في ص 407- 408، فراجع.

ص: 541

مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدمة (1).

و لا وجه للفرق بينه (2) و بين ما تقدم من بيع الفضولي للمالك إلّا وجوه تظهر من كلمات جماعة، بعضها مختصّ ببيع الغاصب، و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة (3) [1].

______________________________

(1) المتضمنة لبيع الوليدة بدون إذن سيّدها، لاحتمال انطباقها على المقام، و هي بيع الفضولي لنفسه لا للمالك، فإنّ إقدام الولد على بيع الوليدة في غيبة أبيه- و بدون إذنه- يكون قرينة على قصد تملكه للثمن و التصرف فيه.

كما يحتمل الإطلاق، يعني: سواء قصد الولد البيع لنفسه أم لأبيه.

و على كلّ من الاحتمالين يكون مناط الاستدلال بهذه الصحيحة ظهور كلامي الإمامين الأمير و الباقر عليهما السّلام في أنّ للمالك إجازة العقد الواقع على ماله، سواء أ كان قصد العاقد وقوعه للمالك كما كان في المسألة الأولى، أم لنفسه كما في المسألة الثالثة.

(2) أي: بين بيع الفضولي لنفسه- الذي هو مورد البحث- و بين ما تقدّم من بيع الفضولي للمالك. فكما تمّ المقتضي للصحة في المسألة الأولى، فكذا في المقام. نعم لا بدّ من دفع ما يحتمل كونه مانعا عن الصحة، و هو وجوه خمسة سيأتي بيانها.

(3) و هي الصور الثلاث التي ذكرها المصنّف قدّس سرّه في تصوير عقد الفضولي، من بيع الفضولي للمالك مع سبق نهي من المالك، و من بيعه للمالك بدون سبق نهي منه، و من البيع لنفسه.

______________________________

[1] ينبغي التكلم هنا في مقامين أيضا: الأوّل في وجود المقتضي للصحة و عدمه، و الثاني في وجود المانع و عدمه.

أمّا المقام الأوّل فمحصله: أنّه لا قصور في شمول العمومات المتقدمة مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و نحوهما لعقد الفضولي لنفسه.

مضافا إلى صحيحة محمّد بن قيس المتقدمة (في ص 388) الدالة بترك

ص: 542

[الأدلة المانعة من صحة هذا النوع]
[منها: إطلاق ما تقدّم من النبويين]

منها (1): إطلاق ما تقدّم من النبويين «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلّا في ملك»

______________________________

و الوجوه المذكورة خمسة. و المختص منها ببيع الغاصب هو الثاني و الثالث و الرابع، و الوجه الأوّل إن قيل بإطلاق النهي فيه- سواء قصد الفضولي الإنشاء للمالك أم لنفسه- فهو من الوجوه العامة لبطلان بيع الفضولي في المسائل الثلاث. و إن قيل بتقييد الإطلاق و اختصاص مورد النهي بالبيع لنفسه كان مختصا بهذه المسألة الثالثة. و الوجه الخامس جار في المسائل الثلاث، و هو ما سيأتي نقله عن العلّامة قدّس سرّه في (ص 576): «لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر، فإشكال، ينشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد» «1» بتقريب: أنّ المشتري الجاهل بفضولية العاقد- سواء باع للمالك أم لنفسه- قاصد لتمليك الثمن للفضولي، لا لمالك المثمن، فيحصل التخلف في القصد «2».

(1) أي: و من تلك الوجه التي ذكرت مانعة عن صحة بيع الفضولي لنفسه.

و حاصل هذا الوجه هو: أنّ إطلاق النبويين المذكورين يشمل بيع الفضولي لنفسه كما يشمل بيعه لغيره، فإنّ النهي عن بيع مال الغير- و كذا عدم صحة بيع مال الغير- مطلق يشمل كليهما.

______________________________

الاستفصال على بيع الفضولي لنفسه، فإنّ قول السيد: «وليدتي باعها ابني بغير إذني» يشمل بيع الابن الوليدة لنفسه أو لوالده الذي هو مالك الوليدة.

و هذه الصحيحة تدل على صحة الفضولي في هذه المسألة الثالثة و المسألة الاولى و هي بيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه، دون المسألة الثانية و هي بيع

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463

(2) تقدم مصدرهما في ص 486 و 487، فراجع.

ص: 543

..........

______________________________

و قول المصنف: «بناء على اختصاص مورد الجميع .. إلخ» يراد به وجه الفرق بين هذه الصورة- و هي بيع الفضولي لنفسه- و بيع الفضولي للمالك. و حاصل وجه الفرق هو: أنّ إطلاق النبويين و إن كان مقتضيا لبطلان البيع في كلتا الصورتين و عدم وقوعه، لا عن المالك و لا عن الفضولي. إلّا أنّ إخراج عدم وقوعه للمالك عن الإطلاق- و البناء على وقوعه له- بما دلّ على صحته له لا محذور فيه. بخلاف إخراج

______________________________

الفضولي للمالك مع سبق منع منه، لما مرّ من عدم شمول الصحيحة لها.

و إلى: عموم التعليل الوارد في نكاح العبد و الحرّ، و هو عدم عصيان اللّه تعالى، إذ المستفاد منه هو: أن المدار في الفساد على عصيانه سبحانه و تعالى، و كون العقد جاريا على خلاف القانون الإلهي. و ليس مناط فساد العقد ضياع حقّ الخلق و عدم رعايته، فإذا أجاز صاحب الحق نفذ العقد و صحّ.

و أما المقام الثاني- و هو وجود المانع عن صحة عقد الفضولي لنفسه و عدمه- فقد ذكر المصنّف قدّس سرّه فيه وجوها:

منها: النبويان المذكوران في المتن. و أوّل الإشكال عليهما هو ضعف السند، لأنّهما نبويّان عامّيان، و لم يظهر استناد الأصحاب إليهما.

و منها: كون منع المالك حين إنشاء الفضولي للعقد و بقائه بعد العقد آنا ما مانعا عن صحته و ردّا له.

و جوابه: أنّ هذا المنع لا يكون ردّا للعقد، لعدم دليل شرعا على كونه ردّا، و لا مانعا عن انعقاده، لعدم مساعدة العرف عليه، إذ لو أجازه المالك صحّ العقد و ترتّب عليه الأثر، و لو لم ينعقد العقد لم يكن مورد للإجازة. و لو شك في ردّه بعد انعقاده فلا مانع من استصحابه و صحته بإجازة المالك.

ص: 544

بناء (1) على اختصاص مورد الجميع

______________________________

بيع الفضولي عن الإطلاق المزبور، و البناء على صحته، لاستلزامه إخراج المورد عن الإطلاق، و هو غير صحيح. و هذا هو الفارق بين هاتين الصورتين.

و بعبارة اخرى: انّ مفاد «النهي عن بيع ما ليس عندك» بطلان بيع غير المالك، سواء باع هذا الغير للمالك أم لنفسه، فالبيع الفضولي فاسد مطلقا. إلّا أنّه لا سبيل للأخذ بهذا الإطلاق، لما تقدم في المسألة الاولى من وجود المقيّد، و هو أدلة صحة البيع الفضولي و وقوعه للمالك المجيز، و حينئذ لا بدّ من رفع اليد عن هذا النبوي بأحد وجهين: إمّا بالالتزام بالصحة مطلقا، و إما بالتفصيل بالالتزام بالصحة فيما لو باع للمالك، و بالفساد فيما لو باع لنفسه.

و المتعيّن هو الوجه الثاني، و ذلك لأنّ مورد النهي في رواية حكيم بن حزام هو بيع مال الغير لنفسه على ما مرّ في المسألة الاولى. فلو قلنا بصحة بيع الفضولي القاصد لوقوعه للمالك و بفساد فرد آخر من بيع الفضولي و هو المقصود وقوعه لنفسه لم يلزم محذور. و هذا بخلاف ما لو قلنا بصحة بيع الفضولي مطلقا حتى بقصد وقوعه لنفسه، فإنّه يستلزم خروج المورد- و هو البيع لنفسه- عن إطلاق النهي عن بيع ما ليس عندك. و قد تقرّر في الأصول امتناع إخراج المورد عن الدليل.

و وجه الاستلزام واضح، ضرورة اقتضاء أدلة الصحة ترتب الأثر على مطلق البيع الفضولي بإجازة المالك سواء باع لنفسه أم للمالك، و المفروض كون مورد النبوي النهي عن بيع شي ء لنفسه لم يملكه بعد.

و بهذا يتجه الاستدلال بالنبوي على فساد بيع الفضولي لنفسه، عملا بالنهي في مورده، و الاقتصار في الصحة على ما لو قصد وقوعه للمالك.

(1) ظاهر كلمة «بناء» توقف الاستدلال بالنبوي على اختصاص مدلوله ببيع الفضولي لنفسه، بحيث لو قيل بشمول إطلاق النهي للبيع للمالك لم يصح الاستدلال به

ص: 545

ببيع الفضولي لنفسه (1).

و الجواب عنه يعرف مما تقدم «1» من: أنّ مضمونهما (2) عدم وقوع بيع غير المالك لبائعه غير المالك، بلا تعرّض فيهما لوقوعه و عدمه بالنسبة إلى المالك إذا أجاز.

______________________________

على المقام و هو بطلان بيع الفضولي لنفسه. مع أنّ هذا الظاهر غير مراد قطعا، لكفاية إطلاق النهي في الحكم بالفساد سواء باع لنفسه أم للمالك.

فالصحيح- كما أفاده السيد قدّس سرّه «2»- عدم إرادة هذا التوقف، بل المراد اختصاص النبوي ببيع الفضولي لنفسه، لكونه مورده. و إطلاقه لما إذا باع للمالك أو لنفسه مقيّد بأدلة الصحة في ما لو باع للمالك.

و الحاصل: أن للنبوي تقديرا واحدا و هو الاختصاص بالبيع لنفسه، فليس له تقديران حتى يكون على تقدير إطلاقه أجنبيا عن المدّعى، و على تقدير اختصاصه دليلا عليه.

(1) كما في خبر حكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» فإنّ مورد هذا النبوي- كما في التذكرة- هو: أن يبيع الفضولي عن نفسه، ثم يمضي ليشتريه من مالكه. و كذا النبوي الآخر: «لا بيع إلّا في ملك» لوقوعه في سياق تطليق منكوحة الغير عنه أو عتق مملوك الغير عنه، فيكون ظاهرا في البيع لنفسه.

(2) أي: مضمون النبويين. و حاصل الجواب: أنّ النبويين يدلّان على عدم وقوع بيع الفضولي لنفسه، و لا يدلّان على عدم وقوعه للمالك إذا أجاز. و هذا هو مورد البحث.

______________________________

(1) تقدم في ص 496.

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 141.

ص: 546

[و منها: بناء المسألة على ما سبق]

و منها (1): بناء المسألة (2) على ما سبق (3) من اعتبار عدم سبق منع المالك.

و هذا (4) غالبا مفقود في المغصوب.

______________________________

و بعبارة أخرى: يحتمل في هذين النبويين وجهان، أحدهما: فساد بيع غير المالك، سواء قصد وقوعه للمالك أم لنفسه. و الاستدلال بهما على المقام منوط بظهورهما في هذا الاحتمال.

ثانيهما: عدم وقوع البيع لغير المالك، و أمّا وقوعه للمالك لو أجاز أو عدم وقوعه له فلا تعرض في النبويين له، و لا بدّ من التماس دليل آخر عليه. و هذا الاحتمال أقرب إلى مورد رواية حكيم بن حزام، على ما تقدم في المسألة الأولى، حيث قال:

«و بعبارة أخرى: نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثرا في حقه، فلا يدلّ على الغاية بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له .. إلخ» فراجع (ص 496).

و عليه فالنبوي أجنبي عن بيع الفضولي بالمرّة، لعدم كونه موردا له.

(1) أي: و من الوجوه الدالة على عدم صحة بيع الفضولي لنفسه، و هذا ثاني وجوه البطلان، و قد ذكره في المقابس، و أحال جوابه على ما ذكره في المسألة الأولى، فراجع «1».

(2) أي: بناء فساد بيع الفضولي لنفسه على اشتراط عدم سبق منع المالك.

(3) في المسألة الثانية (ص 528) و حاصل ما ذكر هناك: أنّ سبق منع المالك الباقي- هذا المنع- بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد، فلا ينفع الإجازة اللاحقة.

و الظاهر أنّ هذا الوجه مشترك بين الصورة الثانية- و هي نهى المالك- و الثالثة، لإطلاق النهي الشامل لكلتيهما.

(4) أي: عدم سبق منع المالك غالبا- بل دائما- مفقود في الغاصب، لأنّ الغصب

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 32.

ص: 547

و قد تقدّم (1) عن المحقق الكركي أنّ الغصب قرينة عدم الرضا.

و فيه أوّلا: أنّ الكلام في الأعم من بيع الغاصب (2).

و ثانيا: أنّ الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب، لا مطلقا (3)، فقد يرضى المالك ببيع الغاصب لتوقع الإجازة و تملك الثمن، فليس في الغصب دلالة على عدم الرضا بأصل البيع، بل الغاصب و غيره من هذه الجهة (4) سواء.

و ثالثا: قد عرفت (5) أنّ سبق منع المالك غير مؤثّر.

______________________________

ظلم على المغصوب منه. و مقتضى العادة عدم رضا المالك بل منعه عن تصرف الغاصب مطلقا من التصرف الخارجي و الاعتباري في ماله.

(1) عند نقل الشيخ عنه في (ص 526): «و يظهر من المحقق الثاني حيث احتمل فساد بيع الغاصب، نظرا إلى القرينة الدالة على عدم الرضا، و هي الغصب» و تقدّم هناك أيضا أن المحقق الكركي ذكره وجها للبطلان، و إلّا فقد اختار صحة بيع الغاصب كغيره من العاقد الفضولي. و كيف كان فقد ردّ المصنف هذا الوجه بوجوه ثلاثة ستأتي.

(2) محصل هذا الجواب: أنّ هذا الدليل أخص من المدّعى، و هو بيع الفضولي لنفسه سواء أ كان غاصبا أم لا. و هذا الدليل مختص بالغاصب و لا يشمل غيره.

(3) حاصل هذا الجواب: أنّ الغصب ليس أمارة على عدم الرضا بالبيع مطلقا حتى للمالك، بل أمارة على عدم الرضا بكون البيع للغاصب، لخصوصية فيه و هو الظلم. فليس الغصب أمارة على عدم الرضا بأصل البيع حتى يقع منهيّا عنه و باطلا.

و عليه فيمكن إجازة المالك للبيع الذي أنشأه الغاصب، لكونه راضيا بالبيع و إن كان كارها لتصدّي الغاصب له.

(4) أي: من جهة رضا المالك ببيعه و عدم رضاه به.

(5) عند قوله في (ص 523): «و أمّا ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما فلم يدلّ دليل على كونه فسخا لا ينفع بعده الإجازة». و محصل هذا الجواب هو:

أنّه لا دليل على كون المنع السابق على عقد الفضولي- الباقي آنا ما بعد العقد بالعلم

ص: 548

[و منها: أنّ الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة]

و منها (1): أنّ الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة

______________________________

أو الاستصحاب- ردّا للعقد و هدما له بحيث لا تنفع إجازة المالك بعد. و عليه فلا مانع من لحوق الإجازة به.

(1) أي: و من تلك الوجوه المانعة عن صحة عقد الفضولي لنفسه: ما نسب إلى العلامة قدّس سرّه و تابعيه من عدم انطباق مفهوم المعاوضة الحقيقية على بيع الفضولي لنفسه، فالفضولي غير قاصد للمعاوضة. و انتفاء قصدها المقوّم للعقد يوجب عدم تحقق المعاقدة و ما هو مقوّم عقدية العقد، فلا عقد حقيقة حتى يتكلم في صحته بلحوق الإجازة و عدمها.

و أمّا عدم تحقق المعاوضة الحقيقية هنا فلأنّ الفضولي يعطي المبيع الذي هو مال الغير، و يأخذ الثمن لنفسه، و هذا خلاف المعاوضة الحقيقية.

و بعبارة أخرى: قد تقدم في الشرط الثاني من شرائط المتعاقدين تقوّم الأمور الاعتبارية- التي منها البيع- بالقصد الجدّي لتحقق المدلول في وعاء الاعتبار. كما تقرّر هناك تقوم مفهوم المبادلة بين المالين بحلول كل منهما محلّ الآخر، فلو خرج المبيع من ملك زيد و تملّكه عمرو اعتبر خروج الثمن من ملك عمرو و تملك زيد له.

و المدّعى في المقام انتفاء حقيقة المعاوضة و عدم قصدها، و لا تصل النوبة إلى البحث عن صحة عقد الغاصب لنفسه، لتفرّع هذا البحث على تحقق العقد بإنشاء الغاصب، كي يقال بصحته بإجازة المالك، أو ببطلانه لفقد الرضا المقارن المعتبر في العقود.

و الوجه في انتفاء القصد الجدّي في الغاصب هو: أنّ معنى قصده لبيع مال الغير هو المبادلة بين المالين المضافين إلى مالكين- و هما مالك المثمن المغصوب و مالك الثمن- فلا بدّ أن يقصد دخول الثمن في ملك المغصوب منه تحقيقا لمعنى المعاوضة. و من المعلوم أنّ هذا القصد ينافي قصد تملكه للثمن و عدم تملك المغصوب منه له، فيلزم أن

ص: 549

المعاوضة (1)، إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر (2)، فالمعاوضة الحقيقية غير متصوّرة، فحقيقته (3) ترجع إلى إعطاء المبيع و أخذ الثمن لنفسه. و هذا (4) ليس بيعا.

و الجواب (5) عن ذلك- مع اختصاصه ببيع الغاصب- أنّ (6) قصد

______________________________

يكون الغاصب قاصدا لأمرين متنافيين حين الإنشاء. و هذا معنى عدم تمشّي قصد المعاوضة منه، و كون إنشائه بيعا صوريا لا حقيقيا.

و لا يخفى أن هذا الوجه عمدة المحذور في صحة بيع الغاصب لنفسه، و هو ممّا يختص بهذه المسألة، و لا يجري في بيع الفضولي للمالك، لكونه هناك قاصدا لحقيقة المعاوضة.

(1) قد عرفت عدم قصد المعاوضة الحقيقية في بيع الفضولي لنفسه.

(2) تقدم في (ص 129) التنظير له بإعطاء مال لطالب الطعام لشرائه لنفسه، و كذا بإذن الراهن للمرتهن بأن يبيعها لنفسه، فراجع.

(3) أي: فحقيقة بيع مال الغير لنفسه ترجع إلى إعطاء المبيع و أخذ الثمن لنفسه.

(4) أي: و إعطاء المبيع من مال الغير و أخذ الثمن لنفسه ليس بيعا حقيقة.

(5) قد أجاب المصنّف قدّس سرّه عن عدم قصد الفضولي المعاوضة الحقيقية- الموجب لبطلان عقده- بوجهين:

الأوّل: ما أشار إليه بقوله «مع اختصاصه» و حاصله: أخصية الدليل من المدّعى- و هو بطلان عقد الفضولي لنفسه- لاختصاص دليله بما إذا كان الفضولي غاصبا حتى لا يتمشّى منه قصد المعاوضة الحقيقية. و أمّا إذا كان معتقدا بأنّ المبيع ملكه، فلا إشكال في تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية منه. فدليل الخصم لا يشمله، إذ المفروض إمكان قصد المعاوضة الحقيقية من غير الغاصب.

(6) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و حاصله: أنّه يمكن تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من الفضولي الغاصب بعد ادّعاء نفسه مالكا حقيقيّا، كادّعاء كون زيد أسدا،

ص: 550

المعاوضة الحقيقية مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيّا، و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له (1). لكن المعاوضة المبنية على هذا الأمر غير الحقيقي حقيقيّة (2).

نظير المجاز الادّعائي في الأصول.

نعم (3) لو باع لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن (4)

______________________________

و بعد هذا الادّعاء يقصد المعاوضة الحقيقية، فتقع المبادلة بين مالكين أحدهما حقيقي، و هو المشتري من الغاصب، و الآخر ادعائي، و هو الغاصب الذي نزّل نفسه منزلة المالك الحقيقي المغصوب منه، فقصد المبادلة بين مالكي العوضين موجود.

و على هذا فلا تستلزم صحة بيع الغاصب كونه قاصدا للمتنافيين، و هما قصد وقوع البيع للمغصوب منه و لنفسه. وجه عدم اللزوم: أنه يقصد إنشاء البيع للمالك الادّعائي، و هو منحصر في نفسه، و لم يتعدّد المقصود حتى يقصد المتنافيين.

(1) لوضوح كونه على خلاف الواقع و كذبا محضا.

(2) كيف يتصور ترتب أمر واقعي حقيقي على أمر لا واقع له و ليس إلّا ادّعاء كاذبا؟ و هذا غير ترتب الأثر الخارجي- و هو التصرف مطلقا من الخارجي و الاعتباري- على ملكية الأموال للأشخاص. و ذلك لأنّ الملكية من الموجودات الاعتبارية المترتبة عليها آثار خارجية. بخلاف ادّعاء الملكية، فإنّ الادّعاء الكاذب لا اعتبار له عند العقلاء أصلا، و ليس له وجود اعتباري كالملكية حتى يترتب عليه أمر واقعي.

(3) استدراك على صحة بيع الفضولي، و حاصله: أنّه لو لم يبن البائع الفضولي على ملكية المثمن أو لم يكن معتقدا لها حتى يتحقق قصد المعاوضة الحقيقية كانت المعاملة باطلة غير واقعة لا للفضولي و لا للمالك، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية الذي هو مقوّم العقد.

(4) كما في البائع الفضولي العالم بعدم ملكية المبيع له كالسارق و غيره من الغاصبين.

ص: 551

و لا اعتقاد له (1) كانت المعاملة باطلة غير واقعة له و لا للمالك، لعدم تحقق معنى المعاوضة (2)، و لذا (3) ذكروا أنّه لو اشترى بماله لغيره شيئا بطل، و لم يقع له و لا لغيره. و المراد (4) ما لو قصد تملّك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه.

و قد تخيّل (5) بعض المحققين أنّ البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام، و هو

______________________________

(1) كما في المعتقدين لملكية المبيع لهم اعتمادا على أمارات الملكية كاليد أو الاستصحاب.

(2) التي مقتضاها دخول الثمن في ملك من خرج المبيع عن ملكه، و هذا تعليل للبطلان.

(3) يعني: و لعدم صدق معنى المعاوضة مع عدم بناء الفضولي على كونه مالكا- للمبيع حتى يتمشّى منه قصد المعاوضة- لو اشترى بمال نفسه لغيره متاعا من دون أن يبني على تنزيل الغير منزلة نفسه لم يقع الشراء له و لا لغيره، حتى مع لحوق الإجازة.

أمّا عدم وقوع البيع لمالك الثمن فلعدم بنائه على تملك المثمن لاعتقاده دخوله في ملك الغير. و أمّا عدم وقوعه للغير فلعدم مالكيته للثمن حتى تتصوّر المعاوضة بالنسبة إليه.

(4) يعني: و المراد من الاشتراء بمال نفسه لغيره هو: أن يقصد مالك الثمن تملك الغير للمبيع بعوض مال نفسه، و هذا خلاف معنى المعاوضة، إذ لم يدخل المبيع في ملك من خرج الثمن عن ملكه، بل دخل في ملك من لم يخرج بإزاء المبيع شي ء من ملكه. و لو قصد تملك نفسه للمبيع ثم هبته لذلك الغير صحّ، لتحقق معنى المعاوضة.

(5) الظاهر أن المتخيّل صاحب المقابس، فإنّه قدّس سرّه نقل عن التذكرة بطلان ما لو اشترى الفضولي لغيره شيئا بمال نفسه، و صرّح في العقد باسم ذلك الغير، سواء أذن ذلك الغير أم لم يأذن. قال العلّامة: «و الأقرب البطلان فيما لو أذن، إذ ليس

ص: 552

ما لو باع مال غيره لنفسه، لأنه (1) عكسه. و قد عرفت (2) أنّ عكسه هو ما إذا

______________________________

للإنسان أن يملك شيئا و الثمن على غيره» ثم أورد عليه المحقق الشوشتري بقوله:

«و يلزم من كلامه أنّه لو باع مال غيره لنفسه ثم أذن المالك- أي أجاز- على ما وقع عليه العقد كان أيضا باطلا، للعلّة المذكورة» «1» و ظاهر العبارة النقض على العلّامة بإلزامه بالبطلان- بمقتضى تعليله- في مسألتنا و هي بيع الغاصب مال غيره لنفسه مع ذهاب المشهور إلى صحته.

فمحصل هذا التخيل هو: أنّ مقتضى القول بالبطلان في الشراء بمال نفسه لغيره هو القول بالبطلان في مسألتنا، و هي بيع مال الغير لنفسه، حيث إنّ مسألتنا هذه عكس مسألة الشراء بمال نفسه لغيره، فإنّ البناء على تنزيل الغير منزلة نفسه ثابت في كلتا المسألتين من الأصل و العكس. يعني: في مسألة ما لو اشترى بمال نفسه لغيره شيئا.

(1) أي: لأنّ الشراء بماله لغيره عكس ما نحن فيه من بيع مال غيره لنفسه.

________________________________________

و مناط كليهما- و هو التنزيل المزبور- واحد، فالصحة في أحدهما يستلزم صحة الآخر، كما أن بطلان أحدهما يستلزم بطلان الآخر.

(2) بقوله: «نعم لو باع لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن و لا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة» و غرض المصنف منع النقض الذي أورده صاحب المقابس على العلّامة قدّس سرّهما.

و بيانه: أن مسألة الشراء بمال نفسه لغيره- التي أفتى العلامة فيها بالبطلان- يكون عكسها ما إذا أعطى مال الغير للمشتري بقصد تملك الثمن، من دون أن يبني على كونه مالك المبيع و لا اعتقاده بمالكيّته. و هذا باطل، و لا تنفعه إجازة مالك المبيع.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486، السطر 13- 16، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 32، السطر 18.

ص: 553

قصد تملك الثمن من دون بناء و لا اعتقاد (1) لتملك المثمن، لأنّ (2) مفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز [1].

______________________________

و الجهة المشتركة بين هذا الفرع و الفرع المنقول عن التذكرة هو عدم تنزيل كلّ منهما منزلة المالك الحقيقي، فلا المشتري- في كلام العلامة- يبني على كونه هو المشتري المتملك للمبيع، و لا البائع لمال غيره بقصد تملك الثمن بدون قصد تملكه للمبيع قبل العقد. و الحكم هو البطلان، و عدم إجداء الإجازة اللاحقة، لفقدان قصد المعاوضة الحقيقية.

و هذا بخلاف مسألتنا و هي بيع الغاصب مال غيره لنفسه، لكونه بانيا على تملكه للمبيع، فيقصد تملكه للثمن، و تتمشّى منه قصد المعاوضة، فلو أجاز المغصوب منه وقع البيع له لا للغاصب.

و بهذا ظهر عدم ورود النقض على حكم العلّامة قدّس سرّه ببطلان الشراء بمال نفسه لغيره معللا بأنه «ليس للإنسان أن يتملك شيئا و الثمن على غيره».

(1) الأوّل في الغاصب، و الثاني فيمن يعتقد ملكية المثمن استنادا إلى الأمارات.

(2) هذا تعليل لعدم كون بيع الغاصب عكسا لفرع الشراء بمال نفسه لغيره.

و محصله: وجود الفارق بين المسألتين و هو: أنه لو صحّ الشراء للغير و أجاز وقع الشراء له، بخلاف بيع الغاصب لنفسه، إذ لو أجاز المغصوب منه وقع له لا للغاصب.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الاشكال الثالث قد يعدّ عمدة المحذور في تصحيح بيع الغاصب لنفسه، و لذا تصدّى جمع لدفعه بوجوه، سيأتي التعرض لبعضها. و الاشكال هو عدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من الفضولي الذي يبيع لنفسه، ضرورة أنّه ليس مالكا للمبيع حتى يقصد خروجه عن ملكه بإزاء ما يتملّكه من الثمن، حيث إنّ المعاوضة الحقيقية- على ما عن العلّامة و من تبعه- هي: أن يدخل الثمن في ملك من خرج

ص: 554

______________________________

عنه المبيع، و هنا لم يدخل الثمن في ملك مالك المبيع، بل دخل في ملك الأجنبي، و هو البائع الفضولي الذي لم يخرج المثمن عن ملكه. فبيعه حينئذ نظير بيع الهازل و الساهي في عدم كونه بيعا حقيقة.

فهذا الوجه مانع عن تحقق العقد، لا رافع له، فلا موضوع حينئذ للبحث عن صحته بإجازة المالك و عدمها.

و جوابه بالنسبة إلى تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من البائع الغاصب- كما في المتن- بادعاء الغاصب مالكيته للمبيع، ثم قصده المعاوضة الحقيقية لا يخلو من النظر، لأنّ الفضولي مع علمه بعدم مالكيته للمبيع كيف يمكن أن يقصد المعاوضة الحقيقية بمجرّد ادّعاء المالكية كذبا، فإنّ ادّعاء كون زيد أسدا لا يجعله أسدا حقيقة، لكونه حقيقة ادعائية.

و الحاصل: أنّ تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية بمجرّد جعله مالكا ادّعاء مع العلم بكذب هذه الدعوى و كونها من الدّعاوي الصورية الكاذبة غير متصور. فإشكال عدم قصد المعاوضة الحقيقية من البائع العالم بعدم مالكيته لا يندفع بادّعاء مالكيته كذبا.

هذا مضافا الى ما أورد عليه تارة بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه و غيره من أنّه أخص من المدّعى، لاختصاص تنزيل غير المالك نفسه منزلة المالك بالغاصب الملتفت حتى يتمشّى منه ادّعاء المالكية، مع أنّ موضوع البحث في هذه المسألة الثالثة أعم من الغاصب كمن يبيع معتقدا مالكيته للمثمن اعتمادا على الأمارات الشرعية، فإنه يرى نفسه مالكا حقيقة، و لا يتمشى منه الفرض و التنزيل، لاستغنائه عنه.

و كذا الحال في الغاصب الغافل عن غصبه لمرور زمان أو عروض نسيان، فيبيع ما سرقه قبل سنين بزعم كونه مالكا حقيقة لا ادّعاء، فلا موضوع للتنزيل «1».

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 46.

ص: 555

______________________________

و اخرى: أن تصحيح بيع الغاصب بالمالكية الادعائية منوط بإحراز التفات الغاصب الى توقف قصد المعاوضة الحقيقية على الادعاء المزبور، فلو شكّ في التنزيل لم يكن سبيل إلى إثبات إنشاء البيع الجدّي. و لا مجال في مثله للتمسك بأصالة الصحة لإحراز العنوان الصادر منه كما هو واضح. بل مقتضى كلام المصنف قدّس سرّه التفصيل في بيع الغاصب لنفسه بين تحقق هذا الادّعاء، و عدمه. مع أنّ المشهور حكموا بصحة عقد الغاصب بإجازة المالك مطلقا، حتى بدون المالكية الادّعائية. هذا و يمكن دفع محذور عدم تحقق قصد المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب، بأن يقال: انّ المعاوضة حقيقة هي التبديل بين المالين- اللّذين هما ركنان في العقود المعاوضية- في طرف الإضافة. و نفس قصد هذا التبديل مستلزم لدخول كل من العوضين في ملك مالك العوض الآخر المقصود تبعا لقصد نفس التبديل. و قصد تعيين المالك ليس شرطا في صحة المعاوضة و لا مقوّما لها. فتعيين المالك لا حقيقة و لا تنزيلا غير معتبر في المعاوضة أصلا.

و عليه فذكر المالك في العقد و عدمه سيّان، فإنّ البيع ليس إلّا تبديل عين بمال، لا تمليك عين بعوض، إذ لا يصدق هذا التعريف على كثير من البيوع، كما إذا باع أرباب مصالح البناء كالآجر و الجص و الحديد و نحوها على من يشتريها بأجور موقوفات المسجد مثلا لإصلاح ذلك المسجد أو غيره و تعميره، فإنّ البائع لا يملّك المصالح للمشتري، إذ ليس الثمن ملكا له حتى يتملك المصالح. و كذا الحال في المعاملات الواقعة على سائر الموقوفات و الجهات العامة.

و بالجملة: فقصد المعاوضة الحقيقية موجود في الفضولي العاقد لنفسه إمّا تبعا كما في الغاصب، لاستلزام قصد تبديل العين بعوض معلوم المعاوضة الحقيقية، بل قصد التبديل المزبور عين قصد المعاوضة، و ما يتقوم به مفهوم البيع هو إنشاء هذا التبديل من

ص: 556

______________________________

دون حاجة إلى تنزيل غير المالك منزلة المالك حتّى يتمشّى من الفضولي قصد المعاوضة الحقيقية بين المالكين، لعدم اعتبار تعيين المالك في صحة العقد.

و إمّا استقلالا كما في المالك، فإنّه يقصد من الأوّل المعاوضة بين مال نفسه و مال المشتري.

و إن شئت فقل: إنّ الفضولي الذي يقصد البيع لنفسه سواء أ كان غاصبا أم غيره- بمجرّد إنشائه تبديل المال الشخصي الذي يكون للغير بمال المشتري- تتحقق قهرا نيّة المعاوضة بين المالين، و في الرتبة الثانية المتأخرة عن الإنشاء يقصد البيع لنفسه ليأخذ الثمن غصبا كما أخذ المثمن كذلك.

و هذا القصد الثانوي لا يقدح في صحة المعاملة إذا أجاز المالك، لأنّ هذا القصد وقع لغوا، و لم يكن مقوّما للعقد، و لا شرطا له. سواء أ كان قصد مالكيته ادّعاء من قبيل الجهات التقييدية بأن يكون المالك موضوعا لهذا العقد، و الفضولي طبّق المالك على نفسه ادّعاء. أم من قبيل الجهات التعليلية، بأن يجعل نفسه مالكا لأخذ الثمن.

و لعل هذا مراد المصنف قدّس سرّه من دعوى الفضولي مالكيته للمبيع، فإن كان كذلك فلا بأس به.

فالمتحصل: أنّه في هذه الصورة الثالثة- و هي بيع الفضولي لنفسه- لا مانع من صحته بإجازة المالك. و الوجوه المتقدمة لا تصلح للمانعية بعد فرض صدق العقد عليه، و قصد المعاوضة التي هي تبديل مال بمال قبل العقد موجود. و لا يتوقف على مالكية الفضولي. فما أفاده المصنف قدّس سرّه من صيرورة المعاوضة حقيقية بعد ادّعاء الفضولي مالكيته للمبيع غير ظاهر، إذ لا يتوقف قصدها على الادّعاء المزبور. بل قصد التبديل قبل هذا الادّعاء موجود. فعقدية عقد الفضولي البائع لنفسه ثابتة، فتشمله أدلة الصحة كشمولها للصورتين السابقتين، و هما عقد الفضولي للمالك بدون سبق النهي و مع سبقه.

ص: 557

______________________________

و قد أجيب عن محذور عدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من الغاصب بوجوه اخرى:

منها: ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه و لم يستبعد كونه مراد شيخنا الأعظم قدّس سرّه و إن لم تكن عبارة الكتاب وافية به، و محصله: أن الملكية هي الإضافة الاعتبارية بين المالك و المملوك، و الغاصب لا يغصب المملوك بل يغصب هذه الإضافة و يجعل نفسه مالكا، و بعد هذا التجعّل يتمشى منه البيع العرفي، لكفاية اعتبار الملكية عدوانا أو جهلا في ترتب الأثر عليها و إن لم يمضه الشارع، فصدور المعاوضة الحقيقية مبني على هذا الجعل، و هو المصحّح لقصد البيعية، فينشئ تبديل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى .. إلخ «1».

و قد يشكل بأنّ الغصب من المفاهيم العرفية، و المعهود منه هو الاستيلاء على ما للغير عدوانا، فالملحوظ فيه هو الاعتداء على مال الغير و التصرف فيه، و لا يطلق عنوان «الغصب» على مجرّد اعتبار شخص مالكا لأموال غيره ما لم يضع يده عليها.

و لم يعهد سرقة إضافة الملكية، فإنّها أمر اعتباري. و من المعلوم خروج هذا الوعاء عن حيطة تسلّط الغاصب عليه. بل ربّما ينافيه تصريح الميرزا قدّس سرّه في أوّل البيع بأنّ البيع العرفي ليس تبديل الإضافة و إنما هو تبديل طرفيها، لأنّ الملكية سواء أ كانت بمعنى السلطنة أم بمعنى الجدة الاعتبارية مما لا تقبل النقل إلى الغير «إذ ليس للمالك ملكية على الملكية» «2» فالبيع العرفي هو تبديل طرفي إضافتين. و هو الذي يتعلّق به الإمضاء الشرعي تارة، و الرّد اخرى.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 225- 226، المكاسب و البيع، ج 2، ص 46

(2) منية الطالب، ج 1، ص 35.

ص: 558

______________________________

و بامتناع انفكاك الملكية عن المالك عرفا كيف يجعل الغصب سرقة لهذه الإضافة مع كونه من الأمور المتعارفة عندهم؟ و عليه فيشكل تصحيح معاملات الغاصب بالوجه المزبور.

و ليس الإشكال في البيع الممضى شرعا حتى يقال: يتمشّى قصد المعاوضة عرفا من الغاصب. و ذلك لما تقدم من أن الغصب كالبيع من الأمور العقلائية، و المحذور كله في امتناع قصد الغاصب حقيقة المعاوضة.

و منها: ما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه فإنه- بعد منع توقف المبادلة على قصد دخول أحد العوضين في ملك مالك الآخر- صحّح بيع الغاصب بوجهين:

أحدهما: أن بيع الغاصب مال الغير لنفسه لا هو هبة متعارفة و لا بيع متعارف، بل هو عقد متضمن لهما معا، حيث يتبدل المالكان فيه كما في الهبة، و المملوكان كما في البيع.

و لا تتوقف حقيقة المعاوضة على قصد دخول العوض في ملك مالك المعوّض.

فإذا باع الغاصب انحلّ إنشاؤه إلى بيع و هبة من جانب واحد. أما أنه بيع فلأنّه من تبديل مملوك بآخر. و أما أنه هبة فلأنها تبديل مالك بآخر، لفرض تمليك المشتري الثمن للبائع. و هذه معاملة صحيحة لخصوص دليل حلّ البيع و لعموم الأمر بالوفاء بالعقود و التجارة عن تراض.

ثانيهما: أنه هبة معوّضة، قال قدّس سرّه: «و إن تعاسرت من هذا قلنا: لا أقل من أن يكون ما يصنعه الغاصب هبة معوّضة، فيهب مال الغير بإزاء أن يهبه الطرف المقابل مال نفسه ..

و يكون القبول من الطرف الآخر إنشاء للهبة الأخرى. و الوجه في تملك الغاصب للثمن هو: أنه يستوهبه من الطرف المقابل بإزاء رفع يده عن العين المغصوبة حتى يعصبها الطرف المقابل» «1» هذا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 123

ص: 559

[و منها: أنّ الفضولي إذا قصد البيع لنفسه]

و منها (1): أنّ الفضولي إذا قصد البيع لنفسه، فإن تعلّقت إجازة المالك بهذا

______________________________

(1) أي: و من الوجوه التي تمسّك بها لبطلان بيع الفضولي مال الغير لنفسه: أن الفضولي .. إلخ. و هذا الوجه الرابع ناظر إلى امتناع تأثير الإجازة فيما صدر من الفضولي و إن لم تتقوّم المعاوضة عقلا بالدخول في ملك المالك، بل كان ذلك شرطا لصحة البيع شرعا. و الوجه السابق كان ناظرا إلى امتناع قصد البيع الذي هو من المعاوضات الحقيقية.

______________________________

أقول: لا ريب في أن العقود أمور قصدية لا تترب عليها آثارها ما لم تقصد. كما لا ريب في اختلاف البيع و الهبة مفهوما، فالبيع يعتبر فيه المبادلة بين مالين سواء أ كان بمعنى التبديل أو التمليك أو غيرهما، و لا يصدق على إعطاء مال خال عن العوض، و لو كان هذا العوض إسقاط حقّ و نحوه. و الهبة هي التمليك المجّاني، و لذا تتوقف الهبة المعوضة على الشرط. و حينئذ كيف يكون الإنشاء الواحد جامعا للعنوانين المتقابلين؟

مضافا إلى: أنّ الكلام في تصحيح بيع الغاصب بما أنه بيع، لا بما أنه منحل إلى بيع و هبة، إذ الانحلال المزبور منوط بقصدهما حتى تصل النوبة إلى إمضاء الشارع.

و إلى: أن الوجهين أخصّ من المدّعى، لاختصاصهما بالمشتري العالم بغصبية المبيع حتى يكون قبوله بيعا و هبة، أو هبة معوّضة. مع أنّ الكلام في الأعم منه و من الجاهل، كما أنه أعمّ من الغاصب و ممّن يزعم مالكيته للمال اعتمادا على الأمارات الشرعية.

و بهذا يظهر غموض التمسك بأدلة الإمضاء، إذ لم يعهد تركّب عقد من بيع و هبة حتى يشمله عموم الأمر بالوفاء، كما أنّ مثله ليس بيعا بخصوصه حتى يصحّ بدليل حلّ البيع.

ص: 560

الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد، لأنّ معناها (1) هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته. و إن تعلّقت بغير المقصود كانت (2) بعقد مستأنف، لا إمضاء لنقل الفضولي، فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، و المجاز غير منشأ.

______________________________

و كيف كان فمحصل هذا الوجه: أنّه إن تعلّقت إجازة المالك بما قصده البائع الفضولي من البيع لنفسه كانت الإجازة منافية للمعاوضة الحقيقية، و هي صيرورة الثمن لمالك المثمن، و المفروض دوران صحة البيع على هذه المعاوضة. فجعل الثمن للفضولي- بإجازة المالك- مناف للصحة، إذ لازم الإجازة صيرورة الثمن ملكا للفضولي من دون أن يخرج المثمن عن ملكه. و هو خلاف المعاوضة الحقيقية، فيكون هذا البيع باطلا.

و إن تعلّقت الإجازة بغير ما قصده الفضولي من البيع لنفسه بأن يكون أثر الإجازة مليكة الثمن للمجيز بإزاء المثمن الذي خرج عن ملكه- حتى يكون هذا البيع مصداقا للمعاوضة الحقيقية- كان متعلّق الإجازة حينئذ عقدا جديدا غير العقد الذي أنشأه الفضولي.

و بالجملة: فالمجاز غير عقد الفضولي، و عقد الفضولي غير المجاز. هذا تقريب الاشكال، و نقل المصنف قدّس سرّه جوابا عن المحقق الميرزا القمي قدّس سرّه و ناقش فيه، و اختار وجها آخر للجواب عنه، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: معنى الصحة- التي ينطبق عليها مفهوم المعاوضة- هو صيرورة الثمن ملكا لمالك المثمن، و إلّا لم يصح العقد المعاوضي و هذا مناف لما قصده الفضولي من تملك الثمن.

(2) أي: كانت الإجازة متعلقة بعقد مستأنف، لا بعقد أنشأه الفضولي، و لم تكن إمضاء و تنفيذا لنقل الفضولي، فلا يصير عقد الفضولي بإجازة المالك موضوعا لأدلة الإمضاء.

ص: 561

و قد أجاب عن هذا (1) المحقق القمي رحمه اللّه في بعض أجوبة مسائله: بأنّ

______________________________

(1) أي: عن هذا الإشكال الذي ذكره القائل ببطلان عقد الفضولي لنفسه.

و محصل هذا الجواب: أنّ معنى إجازة المالك في صورة بيع العاقد الفضولي لنفسه هو تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه برضا المالك، و وقوع البيع عن المالك و صرفه عن الفضولي و إضافته إلى نفسه. و ليس معنى الإجازة تنفيذ نفس العقد كما في بيع الفضولي المقصود وقوعه للمالك مع إجازته التي تلحق بنفس عقد الفضولي و تنفّذه.

ثمّ جعل المحقق المتقدم مقامنا- و هو بيع الفضولي مال الغير لنفسه- نظير بيع الفضولي عن المالك، ثم تملّكه من مالكه، فأجاز بيع الفضولي.

و بعبارة أخرى: يختلف مفاد الإجازة في صور بيع الفضولي، ففي الفضولي المصطلح- و هو بيع مال الغير بقصد وقوعه لمالكه- يكون معنى الإجازة الرضا بما أنشأه الفضول و تنفيذا له، من دون أن توجب تغييرا في ذلك المنشأ أصلا، فالفضولي قصد بإيجابه مع المشتري تمليك مال الغير بعوض، ليدخل في ملك ذلك الغير، و المالك ينفّذ هذا البيع و يرضى به.

و أمّا في مسألة بيع الغاصب لنفسه فليست الإجازة مجرّد الرضا بمضمون ذلك البيع الواقع على المال، بل توجب تغييرا في ذلك الإنشاء، لأنّ الغاصب قاصد لدخول الثمن في ملك نفسه، و إجازة المغصوب منه صارفة لذلك البيع إلى وقوعه لنفسه و إضافته إليه.

و هذا نظير الإجازة في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» فإنّها صارفة للبيع المزبور عن مالكه السابق إلى العاقد المالك بالفعل.

و ربّما ينحلّ كلام المحقق القمي قدّس سرّه إلى وجهين: أحدهما: كون إجازة المالك مصحّحة أي مبدّلة لعقد الغاصب الفضولي إلى عقد جديد.

و الآخر: أنّها عقد مستأنف بين المالك و المشتري، لا أنّها تغيّر عقد الغاصب لنفسه.

ص: 562

الإجازة في هذه الصورة (1) مصحّحة للبيع، لا بمعنى لحوق الإجازة لنفس العقد كما في الفضولي المعهود (2)، بل بمعنى تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه برضا المالك، و وقوع البيع عنه (3).

______________________________

لكن يمكن أن يستفاد من تفسيره للعقد الجديد وحدة الوجهين لبّا.

و لا بدّ من نقل جملة من كلامه للوقوف على حقيقة الأمر، و قد حمّل المشهور- القائلين بصحة بيع الغاصب و بأن الإجازة كاشفة- الالتزام بكون هذه الإجازة مبدّلة لمضمون عقد الغاصب، و ليست كاشفة محضا عن تأثير نفس عقد الغاصب في النقل و الانتقال من حين وقوعه.

(1) و هي بيع العاقد الفضولي مال الغير لنفسه.

(2) و هو بيع الفضولي للمالك، فإنّ إجازة المالك فيه تتعلّق بنفس العقد و تنفّذه.

(3) هذه العبارة هي التي ذكرها المحقق القمي في المقام الثامن الذي عقده للبحث عن اشتراط صحة بيع الفضولي بوجود مجيز حال العقد- أي مسألة من باع شيئا ثم ملكه- لا في بيع الغاصب، حيث قال في دفع إشكال عدم كون إجازة المالك الفعلي إيثاقا للعقد الذي أوقعه الفضولي، ما لفظه: «و يمكن دفعه و جعله من باب إيثاق العهد لو جعلنا الإجازة عقدا جديدا كما هو أحد المحتملات في الفضولي المعهود كما نقل عن صاحب كتاب كشف الرموز وفاقا لشيخه المحقق. على أنّا نقول: إنّه لا مناص لهم أيضا عن ذلك أي التزام العقد الجديد في بعض الصور. و توجيه صدقها عليه بملاحظة ما يشبه نوعا من الاستخدام. فمعنى:- أجزت البيع- رضيت بالانتقال إليه من باب البيع. فاللّام في- البيع- أو الضمير في- أجزتها- راجع إلى الأثر المترتب على مطلق البيع، لا البيع الخاص الواقع في الخارج حتى يقال: انه ليس رضا به. و يكفي هذا في صدق معنى الإجازة. توضيحه: أن الإجازة في صورة كون البائع غاصبا و قاصدا لبيع الملك لنفسه مصححة للبيع على الأصح، كما ذهب إليه الأكثر، و هو ليس في معنى لحوق الإجازة بالعقد كما هو كذلك في الفضولي المعهود، بل بمعنى

ص: 563

و قال (1) نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثم ملكه. و قد صرّح (2) في موضع آخر (3)

______________________________

تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه و قصده لوقوع البيع لنفسه برضا المالك، و وقوع البيع عنه. و الفرق واضح بين لحوق رضا المالك بمقتضى العقد و وقوعه من قبله بالعقد، و بين تبديل الرضا و الإيقاع بتحقق لحوق الرضا من المالك عن المالك ..

و الحاصل: أن الإجازة في بيع الغاصب إنّما هو في معنى التزام ورود معاملة جديدة على مال المغصوب منه، لا إمضاء للعقد السابق .. إلخ» «1».

(1) أي: قال المحقق القمي قدّس سرّه، نظير ما ذكره- في بيع الغاصب- في مسألة من باع شيئا ثم ملكه. و قد عرفت أنّ العبارة المنقولة في المتن هي بعض كلام المحقق القمي في مسألة «من باع» لا في تصحيح بيع الغاصب.

و على كلّ فإنّ المالك هنا صيّر عقد الفضولي عقدا لنفسه بالإجازة، كصيرورة عقد الفضولي عن المالك- بعد تملّك العاقد الفضولي ذلك المبيع من مالكه- عقدا لنفس الفضولي و متعلّقا لإجازته. وجه التنظير تبدّل العقد بعقد آخر في النظير و مورد بحثنا.

(2) أي: صرّح المحقق المتقدم في موضع آخر من أجوبة مسائله، و حاصله:

جعل المالك العقد الصادر من الفضولي- لنفسه على مال الغير- عقدا لنفسه على ذلك المال. فمعنى الإجازة حينئذ تبديل عقد الغاصب الفضولي بعقد نفس المالك، و تبديل عقد الفضولي بعقد نفسه.

(3) ظاهر تعبير المصنف قدّس سرّه وجود عبارة ثالثة للمحقق القمي قدّس سرّه غير ما أفاده في بيع الغاصب و في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» حتى يكون استشهاد المصنف بعبارات ثلاث. مع أنّ المنقول في المتن هو كلام المحقق القمي في تصحيح بيع الغاصب، فلاحظ قوله: «و التحقيق و إن كان انتفاء الجنس بانتفاء الفصل- أي انتفاء

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 2، ص 320، الطبعة الحديثة، و ج 1، ص 164، س 18- 42 من الطبعة الحجرية.

ص: 564

بأنّ حاصل الإجازة يرجع إلى أنّ العقد الذي قصد كونه واقعا على المال المعيّن لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد (1) بدّلته بكونه على هذا الملك بعينه لنفسي، فيكون (2) عقدا جديدا كما هو (3) أحد الأقوال في الإجازة.

______________________________

جنس التمليك بانتفاء فصله و هو وقوعه للغاصب- و أنّه لا بقاء للجنس بعد انتفاء الفصل، و أنّ عقد الغاصب حرام و فاسد بالنسبة إلى نفسه، لكنه عقد البيع عرفا.

و فائدة ملاحظة الجنس هنا الإشارة إلى الصيغة، يعني: أنّ العقد الذي وقع بضمّ الصيغة إلى قصد كونها واقعة على المال المعيّن لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم:

قد بدّلته بجريانها على ذلك المال بعينه لنفسي، فيكون عقدا جديدا كما هو أحد الأقوال في الإجازة كما سنشير إليه .. فالمعيار هو وقوع الإيجاب و القبول على ملك معيّن .. و لا يذهب عليك أنّ ما اخترناه من كون ذلك عقدا جديدا لا ينافي القول بالكشف، إذ معناه: انّي جعلت هذا العقد في موضع ما أوقعه الفضولي، لا أنّي جعلته ناقلا من الحين كما هو الظاهر من لفظ العقد الجديد. فإنّ المراد بالجديد بيان المغايرة، يعني: أنّ هذا عقد مغاير لما أوقعه الفضولي و إن اعتبرنا حصوله في موقعه، لا أنّه لا أثر له قبل الإجازة، و يبطل الأثر بمجرّد ذلك، فافهم» «1». و لعلّ المصنف أراد بالموضع الآخر كلامه في الغنائم، فراجع «2».

(1) خبر قوله: «ان العقد» و ضميرا «بدّلته، بكونه» راجعان إلى العقد.

(2) أي: فتكون الإجازة عقدا مستأنفا.

(3) أي: كون الإجازة عقدا جديدا أحد الأقوال في الإجازة، و القولان الآخران هما الكشف و النقل.

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 2، ص 276 (الطبعة الحديثة) ج 1، ص 155، السطر 13 إلى 27، الطبعة الحجرية.

(2) غنائم الأيام، ص 541، 554، 555.

ص: 565

و فيه (1): أنّ الإجازة على هذا (2) تصير- كما اعترف- معاوضة جديدة من طرف المجيز و المشتري، لأنّ (3) المفروض عدم رضا المشتري ثانيا بالتبديل المذكور، لأنّ (4) [و لأنّ] قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة

______________________________

(1) محصل إشكال المصنّف على المحقق القمي قدّس سرّهما: أنّه يلزم وجود معاوضة جديدة مع قيام الإجازة مقام شيئين أحدهما الإيجاب، و الآخر القبول.

أمّا الأوّل فلأنّ إيجاب العاقد الفضولي قد تبدّل بإيجاب المالك بسبب إجازته. و أمّا الثاني فلأنّ قبوله كان قبولا لإيجاب العاقد الفضولي مع علمه بكون العاقد فضوليا. و عدم رضاه بإنشاء قبول آخر ليتملك المبيع بإيجاب جديد من المالك. فلا بدّ حينئذ من الالتزام بقيام الإجازة مقام إيجاب المالك و قبول المشتري. و هذا خلاف الإجماع و العقل.

أمّا كونه خلاف الإجماع فلأنّه لم يقل أحد من الفقهاء بقيام الإجازة مقام الإيجاب و القبول. و أمّا كونه خلاف العقل فلأنّه لا يعقل أن يتغير الشي ء عمّا وقع عليه، فإنّه وقع للفضولي، فكيف يقع للمالك؟

فالنتيجة: أنّ جواب المحقق القمي لا يدفع إشكال من استشكل في صحة عقد الفضولي لنفسه بإجازة المالك، بل جوابه قدّس سرّه بالالتزام بكون الإجازة عقدا جديدا تسليم لأحد طرفي الاشكال، و هو تبدل عقد الفضولي بعقد جديد للمالك.

(2) أي: على تقدير رجوع الإجازة إلى تبديل رضا الفضولي برضا المالك.

(3) تعليل لصيرورة الإجازة معاوضة جديدة بين المالك المجيز و بين المشتري من الفضولي.

(4) الغرض منه إثبات عدم رضا المشتري- من الغاصب- بوقوع العقد للمغصوب منه، فتصير إجازة المالك عارية عن القبول، و يمتنع تحقق عقد على المال.

و بيانه: أنّ إنشاء الغاصب يؤثّر في وقوع البيع لنفسه، و دخول الثمن في ملكه،

ص: 566

العقد الواقع (1) للعقد المجاز (2)، فالمشتري (3) إنّما رضي بذلك الإيجاب (4) المغاير لمؤدّي الإجازة (5). فإذا (6) التزم بكون مرجع الإجازة إلى تبديل عقد بعقد و بعدم (7) الحاجة إلى قبول المشتري ثانيا (8) فقد قامت (9) الإجازة من المالك مقام إيجابه و قبول المشتري.

______________________________

و قد تعلق قبول المشتري بهذا الإيجاب لا بما يجيزه المالك بعده. و من المعلوم أنّ هذا العقد مغاير لما أمضاه المالك المجيز، لأنّه أجاز بيعا يقع لنفسه لا للغاصب. و حينئذ فلو كانت الإجازة مبدّلة لعقد الغاصب بعقد المالك- و المفروض عدم إنشاء قبول آخر من المشتري- لزم قيام إجازة المالك مقام شيئين: أحدهما إيجاب المالك، و الآخر قبول المشتري، و هو غير معقول، فكيف يتحقق معاوضة جديدة بالإجازة؟

(1) و هو البيع المبني على دخول الثمن في ملك الغاصب.

(2) و هو البيع المضاف إلى المالك ليدخل الثمن في ملكه.

(3) جواب قوله: «إذا فرض» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «لان قصد» و العبارة لا تخلو من تعقيد، و لا داعي له.

(4) أي: الإيجاب من الغاصب.

(5) و هو دخول الثمن في ملك المغصوب منه.

(6) هذا متفرع على تحليل ما وقع من العقد و الإجازة، يعني: لو التزم المحقق القمي بكون الإجازة معاوضة جديدة قائمة بالمجيز و المشتري لزم قيام الإجازة مقام طرفي العقد و هما الإيجاب و القبول، و هذا القيام غير معقول.

(7) معطوف على «بكون» و هذا الالتزام ليس أمرا زائدا على كون الإجازة مبدّلة لعقد الغاصب بعقد المالك.

(8) في قبال قبوله الأوّل لإيجاب الغاصب.

(9) جواب الشرط في قوله: «فإذا التزم».

ص: 567

و هذا (1) خلاف الإجماع [1] و العقل (2).

و أمّا القول (3) بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم، و إنّما حكي (4) عن كاشف الرموز «1» عن شيخه: أنّ الإجازة من مالك

______________________________

(1) أي: قيام الإجازة مقام شيئين- و هما الإيجاب و القبول- خلاف الإجماع و العقل.

(2) حيث إنّ المالك مسلّط على ماله بأن يبدّل وقوعه لنفسه، فإنّ التبديل تصرف في ماله. و أمّا قبول المشتري و تمليك ماله ضمنا لخصوص الفضول فليس أمره بيد المالك الأصيل، فلا معنى لتبديل قبول المشتري.

هذا كله في ردّ ما أفاده المحقق القمي من الوجه الأوّل المبني على مبدّلية الإجازة لمضمون عقد الغاصب.

(3) هذا ردّ على بيان آخر للمحقق القمي الذي أفاده «بأنّ حاصل الإجازة يرجع الى أنّ العقد الذي قصد كونه .. إلخ» و حاصل الرد: أنّه لم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم عدّ الإجازة عقدا مستأنفا، فتسقط هذه الدعوى بمخالفتها للإجماع.

(4) الحاكي عن الفاضل الآبي هو السيد العاملي، و المراد من نسبة كون الإجازة عقدا مستقلّا- إلى المحقق- ليس تصريحه به، و إنّما الغرض إلزامه بلازم كلامه، فالفاضل الآبي ينقل عن المحقق عدم توقف البيع على لفظ مخصوص، و لازمه كون

______________________________

[1] الظاهر أنّه مناف لما أفاده قبيل هذا من قوله: «كما هو أحد الأقوال في الإجازة» و إن كان من كلام المحقق قدّس سرّه، إلّا أنّه يكفي في المنع عن تحقق الإجماع.

______________________________

(1) ما ظفرنا عليه هو كشف الرموز في شرح النافع، لا كاشف الرموز، و مؤلّفه من تلامذة المحقق صاحب الشرائع، و اسمه الشيخ عزّ الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي. و لعلّ المصنف جرى في هذا التعبير مجرى قولهم: كاشف اللثام كما عبّر به في بحث الإجازة، و الأمر سهل.

ص: 568

المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع، فهو [بيع] قائم مقام إيجاب البائع، و ينضم إليه (1) القبول المقدّم [المتقدم] من المشتري. و هذا (2) لا يجري فيما نحن فيه،

______________________________

إجازة عقد الفضول بيعا مستقلّا. و من المعلوم حجية الألفاظ في مداليلها الالتزامية كحجيتها في المطابقية. و قد استفاد المحقق القمي و السيد العاملي قدّس سرّهما أيضا هذا الاستلزام، و جعلاه قولا ثالثا في الإجازة في قبال الكشف و النقل.

قال الفاضل الآبي في تصحيح بيع الفضولي: «اللهم الّا أن يقول- أي القائل بالبطلان- ان عقد البيع لا يستلزم لفظا مخصوصا أعني: بعت، بل كل ما يدلّ على الانتقال فهو عقد، فلو [فمن] يلتزم هذا القول يكون إجازة المالك عنده بمثابة عقد ثان .. و إذا تقرّر هذا فلا إشكال على شيخنا دام ظله، لأنّ النهي عنده في المعاملات لا يقتضي الفساد، و لا للبيع لفظ مخصوص .. و المختار عندنا اختيار شيخنا دام ظله» «1» و قال السيد العاملي في موضعين: «فكأنّه قول ثالث ..» «2».

أقول: لو لا أنّ الفاضل الآبي أدرى بمراد شيخه المحقق قدّس سرّهما من جملة «ليس للبيع لفظ مخصوص» أمكن أن يكون غرض المحقق نفي اللفظ المخصوص الذي اعتبره جماعة في البيع و غيره من العقود اللازمة من الصراحة في المنشأ، كما اقتصر بعضهم على صيغة «بعت، ملّكت». و أمّا كلمة «أجزت و أنفذت» و نحوهما مما يتعارف إنشاء الإجازة به فليس مرادفا للبيع و التمليك و الشراء و النقل حتى يصح إنشاء البيع به.

(1) هذا الضمير و ضمير «فهو» راجعان إلى إيجاب المالك، و بانضمام القبول المتقدم يتحقق العقد المستأنف. هذا ما يقتضيه كلام الفاضل الآبي.

(2) أي: ما نقله كاشف الرموز عن شيخه- من كون الإجازة بيعا مستقلّا

______________________________

(1) كشف الرموز، ج 1، ص 445 و 446.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 188 و 189.

ص: 569

لأنّه (1) إذا قصد البائع البيع لنفسه فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع و تملّك المبيع منه، فإذا بني على كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع (2) فلا بدّ له (3) من قبول آخر، فالاكتفاء عنه (4) بمجرّد إجازة البائع- الراجعة إلى تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه- التزام (5) بكفاية رضا البائع و إنشائه عن رضا المشتري و إنشائه. و هذا (6) ما ذكرناه من أنّه خلاف الإجماع و العقل.

______________________________

لا يجري فيما نحن فيه و هو بيع الغاصب لنفسه، لأنّ ظاهر كلام المحقق و تلميذه هو الفضولي المعهود الذي يبيع للمالك، لا من يبيع مال الغير بقصد تملك الثمن كما هو محلّ البحث.

(1) تعليل لعدم جريان كلام كاشف الرموز فيما نحن فيه و هو بيع الفضولي لنفسه، و محصله: أنّ المشتري هنا يقصد دخول الثمن في ملك الغاصب، فلو كانت إجازة المالك موجبة لوقوع البيع للمغصوب منه لم يكن قبول المشتري مطابقا للإجازة، و لا بدّ من إنشاء قبول آخر، و المفروض عدمه.

(2) أي: لما وقع من البائع الفضولي لنفسه.

(3) أي: فلا بدّ لوقوع البيع للمالك من إنشاء قبول آخر. و قوله: «فلا بدّ» جواب الشرط في قوله: «فإذا بنى».

(4) أي: عن قبول آخر، و هو قبول إيجاب المالك.

(5) خبر قوله: «فالاكتفاء» و قوله: «الراجعة» صفة للإجازة.

(6) أي: الاكتفاء برضا البائع و إنشائه- عن رضا المشتري و إنشائه ثانيا- مخالف للإجماع و العقل كما مرّ آنفا.

هذا ما أفاده المصنف في ردّ كلام المحقق القمي، و به يظهر أنّ محذور مخالفة المنشأ للمجاز باق بحاله. و لذا تصدّى الماتن للجواب عنه ببيان آخر، سيأتي تقريبه.

ص: 570

فالأولى في الجواب (1) منع مغايرة ما وقع (2) لما أجيز (3). و توضيحه (4): أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن. و أمّا كون الثمن مالا

______________________________

(1) أي: الجواب عن إشكال إجازة المالك- لبيع الفضولي لنفسه- بمغايرة المنشأ للمجاز.

(2) من بيع الفضولي لنفسه.

(3) و هو جعل المالك بيع الفضولي لنفسه بسبب الإجازة بيعا لنفسه، و صرفه عن الفضولي.

(4) أي: و توضيح عدم مغايرة ما وقع من الفضولي لما أجازه المالك هو: وجود قصد المعاوضة بين المالين في عقد الفضولي من فيما أجازه المالك، حيث إنّ الفضولي بإيجابه يقصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن، من دون دلالة الإيجاب على كون الثمن ملكا له أو لغيره، و حيث إنّ الفضولي يبني على مالكيته للمثمن عدوانا كما في الغاصب، أو اعتقادا كما في الاعتماد على أمارات الملكية من اليد أو غيرها، فلازمه تملك الثمن. و هذا معنى المعاوضة، و معنى قصد الفضولي بيعه لنفسه.

فقصد المعاوضة في عقد الفضولي موجود، لبناء الفضولي على كونه مالكا للمبيع. و مقتضى المعاوضة هو كون الثمن ملكا له بإزاء المثمن. لكن هذا البناء صوريّ، و إجازة هذا البناء الصوري- المبني عليه المعاوضة- توجب المعاوضة الحقيقية، لكون المثمن ملكا للمجيز واقعا، فيكون الثمن له بإزاء المثمن. فالمعاوضة في كلّ من عقد الفضولي و إجازة المالك ثابتة، غاية الأمر أنّها في العقد صوريّة، و في الإجازة واقعية.

و بعبارة اخرى: انّ الفضولي البائع لنفسه قاصد لأمرين، أحدهما: إنشاء البيع و هو تمليك مال المغصوب منه للمشتري بعوض. و مقتضاه دخول الثمن في ملك المغصوب منه.

ص: 571

له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه، فيرجع (1) فيه إلى ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من (2) دخول العوض في ملك مالك المعوّض تحقيقا (3) لمعنى المعاوضة و المبادلة.

و حيث (4) إنّ البائع يملّك المثمن بانيا على تملكه (5) له و تسلّطه عليه

______________________________

ثانيهما: دخول الثمن في ملك الفضولي، لبنائه على مالكيته للمبيع.

و لا منافاة بين الأمرين، لكونه مدّعيا ملكه للمثمن، فتتمشّى منه قصد المعاوضة. فلو أجاز المالك تعلّقت بالأمر الأوّل، و هو أصل البيع و المبادلة بين المالين، لا بالأمر الثاني الذي لا واقعيّة له.

و بهذا يندفع المحذور، و يكون المنشأ- أعني به أصل التمليك بالعوض- هو المجاز، و المجاز هو المنشأ. هذا فيما كان الفضولي بائعا. و أمّا لو كان مشتريا فلا يجدي هذا البيان لدفع المحذور، لكون المنشأ واحدا كما سيأتي تقريبه.

(1) أي: فيرجع في كون الثمن له أو لغيره إلى ما يقتضيه .. إلخ. و غرضه تطبيق مفهوم المعاوضة على عقد الفضولي، و حاصله: أنّ تمليك العاقد الفضولي المثمن للمشتري بإزاء الثمن بانيا على أنّه المالك للمثمن- عدوانا أو اعتقادا، و الموجب للبيع- لا يقتضي كون الثمن لنفسه أو لغيره. بل مفهوم المعاوضة يقتضي دخول الثمن في ملك مالك المثمن. فالمعاوضة الصورية موجودة في عقد الفضولي.

(2) بيان للموصول في «ما يقتضيه» أي: مقتضى المعاوضة هو المبادلة بين المالين.

(3) مفعول لأجله، و هو علّة لدخول العوض في ملك مالك المعوّض.

(4) غرضه أنّ بيع الفضولي لنفسه لا ينفكّ عن قصد المعاوضة، لأنّ بناءه على مالكيته للمثمن ملازم لبنائه على مالكية عوضه و هو الثمن.

(5) هذا الضمير و ضمير «تسلطه» راجعان إلى البائع، و ضميرا «له، عليه» إلى المثمن.

ص: 572

عدوانا أو اعتقادا (1) لزم من ذلك بناؤه على تملّك الثمن و التسلّط عليه. و هذا (2) معنى قصد بيعه لنفسه.

و حيث (3) إنّ المثمن ملك لمالكه واقعا. فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه.

فعلم من ذلك (4) أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتّى يتردّد الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين (5)، بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض، من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض

______________________________

(1) هذا و «عدوانا» بيان ل «بانيا» حيث إنّ بناء تملك المثمن إمّا أن يكون عدوانيا كما في الغاصب، و إمّا اعتقاديا، كمن يعتمد على حجة شرعية في تملكه للمال، مع كونه مال غيره في الواقع.

(2) أي: البناء على مالكية المثمن ملازم للبناء على مالكيته للثمن، و هذا معنى بيعه لنفسه.

(3) الغرض من قوله: «و حيث» إثبات معنى المعاوضة في إجازة المالك لبيع الفضولي مال غيره لنفسه، و حاصله: أنّ المال لمّا كان ملكا للمالك المجيز، فمجرد إجازته يدخل الثمن في ملكه، لخروج المثمن عن ملكه، فتحصل المعاوضة الحقيقية بين العوضين، بعد أن كانت صورة المعاوضة حاصلة بسبب بناء البائع الفضولي على ملكية المثمن له بينه و بين المشتري.

(4) أي: من انتقال العوض إلى المالك بإجازته يظهر أنّ قصد البيع لنفس البائع لا يكون مأخوذا في مفهوم الإيجاب حتّى يتردّد الأمر بين المحذورين المذكورين، و هما ما ذكره المستشكل في صحة بيع الفضولي لنفسه بقوله في (ص 560): «فإن تعلّقت الإجازة بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد .. إلخ».

(5) و هما هذان الأمران المشار إليهما بقولنا: «فان تعلقت الإجازة .. إلخ».

ص: 573

إلّا باقتضاء المعاوضة لذلك (1).

و لكن يشكل (2) فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير، فقال للبائع الأصيل: «تملّكت منك أو ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم» فإنّ مفهوم هذا الإنشاء (3) هو تملّك الفضولي للثوب، فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه، فلا بدّ (4) من التزام كون الإجازة نقلا مستأنفا غير ما أنشأه الفضولي الغاصب.

______________________________

(1) أي: لدخول العوض في ملك من خرج عنه المعوّض، فإنّ مفهوم المعاوضة هو هذا.

(2) يعني: يشكل جريان الجواب الذي ذكرناه بقولنا: «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز .. إلخ» فيما إذا كان الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير، و محصله:

أنّ ذلك الجواب واف بدفع المحذور بالنسبة إلى البائع الفضولي لنفسه. و لا يفي بدفعه بالنسبة إلى المشتري لنفسه بمال الغير. فإنّ ذلك الجواب- الذي كان مبنيّا على عدم اعتبار قصد البائع لنفسه في مفهوم الإيجاب- لا يجري هنا، لأنّ نفس مفهوم إنشاء المشتري الفضولي بقوله: «تملّكت» هو تملّك الفضولي للثوب، فلا مورد للإجازة لصاحب الدراهم حتى ينتقل الثوب إليه، بل إجازة هذا الإنشاء و تنفيذه تقتضي مالكية المشتري الفضولي للثوب، و هذا خلاف مقتضى المعاوضة.

و عليه فلا بد من التماس وجه آخر لدفع محذور «المنشأ غير مجاز، و المجاز غير منشأ» بالنسبة إلى المشتري الفضولي.

(3) أي: إنشاء المشتري الفضولي.

(4) يعني فلا بدّ في حلّ الاشكال من الالتزام بالتصرف في الإجازة و صرفها عن معناها- و هو التنفيذ- و جعلها ناقلة لغير ما أنشأه الفضولي الغاصب من تملّك المثمن لنفسه. و بهذا النقل المستأنف يصير الثوب المشتري ملكا لمالك الدراهم.

ص: 574

و بالجملة (1): فنسبة المتكلم الفضولي ملك [تملّك] المثمن إلى نفسه بقوله:

«ملكت أو تملّكت» كإيقاع (2) المتكلم الأصلي التمليك على المخاطب الفضولي (3) بقوله: «ملّكتك هذا بهذه الدراهم» مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك (4).

______________________________

(1) هذه الجملة تقرير آخر للإشكال الذي تقدم بقوله: «و لكن يشكل» و لا ربط لها بحلّ الاشكال بالالتزام بالنقل المستأنف.

و كيف كان فمحصل هذه الجملة: أنّ وزان نسبة الفضولي المشتري تملّك المثمن إلى نفسه بقوله: «تملّكت أو ملكت الثوب مثلا» وزان إيقاع مالك الثوب تمليكه على المخاطب الفضولي بقوله: «ملّكتك هذا الثوب بهذه الدراهم» في كون مفهوم الإنشاء مشتملا على التمليك، فإنّ إنشاء إيجاب مالك الثوب بقوله للمشتري الفضولي:

«ملّكتك» و إنشاء قبول الفضولي بقوله: «تملكت» مشتملان على التمليك.

(2) خبر لقوله: «فنسبة المتكلم».

(3) و هو المشتري الفضولي.

(4) أي: بكون الدراهم له أو لغيره، فإنّه مع اشتمال الصيغة على كاف الخطاب بقوله: «ملّكتك» لا يبقى مجال لإجازة المالك حتى ينتقل المال إليه، مثلا إذا قال مالك كتاب المكاسب للمشتري الفضولي الذي سرق درهمين من بكر: «ملّكتك هذا الكتاب بهذين الدرهمين» فهذا الإنشاء متكفل لمالكية المشتري الفضولي السارق للكتاب، فإذا أراد صاحب الدرهمين إجازة هذا الشراء كانت إجازة مضمون هذا الإنشاء مفيدة لملكية السارق للكتاب بدرهمين لبائع الكتاب، فلا ينتقل إلى مالك الدرهمين شي ء. و هو خلاف مقتضى المعاوضة.

و هذا بخلاف القبول في «قبلت» في صورة بيع الفضولي مال الغير لنفسه، لأنّ تملّك البائع الفضولي للثمن لم يؤخذ في إنشائه البيع لنفسه. فإجازة المالك الأصيل

ص: 575

و بهذا (1) استشكل العلّامة رحمه اللّه في التذكرة حيث قال: «لو باع الفضولي مع جهل الآخر فإشكال، من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد» «1».

و لا ينتقض (2) بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته،

______________________________

تنقل الثمن إلى ملكه.

ففرق بين إجازة بيع البائع الفضولي و بين شراء المشتري الفضولي بقوله:

«تملّكت» أو بقول البائع الأصيل: ملّكتك الكتاب مثلا.

(1) يعني: بإشكال الإجازة في هذا المورد استشكل العلّامة قدّس سرّه أيضا في الفرع الذي ذكره، نظرا إلى أنّ الآخر مع جهله بفضولية العاقد يملّكه، و مع التمليك يشكل الإجازة.

و لا يخفى أنّ هذا الاشكال لا يختص ببيع الغاصب، بل يجري في مطلق الفضولي، لأنّ المشتري الجاهل يقصد ب «كاف» الخطاب تمليك هذا البائع، لا غيره، سواء باع لنفسه أم للمالك. و يشهد لهذا التعميم تقييد أشدية الإشكال في صورة علم المشتري بكون البائع غاصبا، فلاحظ قوله: «أمّا مع العلم فالأقوى ما تقدم- أي الوقوف على الإجازة- و في الغاصب مع علم المشتري أشكل» حيث إنّه رجّح الصحة في صورة علم المشتري بفضولية البائع، و خصّ شدة الاشكال بفرض علمه بكونه غاصبا.

(2) الناقض هو المحقق الشوشتري، فإنّه قدّس سرّه عدّ كلام العلّامة ثالث وجوه الاشكال على بيع الغاصب لنفسه، ثم ناقش فيه بقوله: «و يلزم عليه أنه لو باع الوكيل أو اشترى مع الآخر جرى الاشكال. و أنّه لو علم الآخر بكونه فضوليا و هو قد قصد البيع لنفسه كان أيضا موضع إشكال، لعدم مطابقة القصدين» «2» و غرض المصنف دفع هذا النقض عن كلام العلّامة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33، السطر 21.

ص: 576

لأنّه (1) حينئذ (2) إنّما يقصد به (3) المخاطب بعنوانه الأعمّ من كونه أصليّا أو نائبا، و لذا (4) يجوز مخاطبته و إسناد الملك إليه مع علمه (5) بكونه نائبا،

______________________________

أما النقض فهو: أنّه إذا كان جهل الآخر بالفضولية موجبا لإشكال الإجازة من المالك، حيث إنّ الآخر قصد تمليك العاقد، كان مقتضاه بطلان عقد الوكيل و نحوه مع جهل الآخر بوكالته، مع أن الفقهاء حكموا بصحة عقد الوكيل و الولي مع جهل العاقد الآخر بالوكالة و الولاية.

فالأصيل يملّك الوكيل و الوليّ مع عدم قابليتهما للتملك، لكون المال للموكّل أو للمولّى عليه. و حكمهم بالصحة كاشف عن إلغاء قصد الأصيل في مخاطبة الوكيل و الولي، فليكن المقام كذلك، و أنّه لا عبرة بقصد الأصيل و لا بخطابه للفضولي، فلا وجه لاستشكال العلّامة قدّس سرّه، بل لا بدّ من الحكم بالصحة.

و أمّا الدفع فهو: أنّ العاقد الجاهل بوكالة العاقد الآخر أو ولايته إنّما يقصد بخطابه له بمثل: «بعتك» مخاطبا عامّا يشمل الأصيل و الولي و الوكيل، لا مخاطبا شخصيا لا يعمّ غيره، بأن يقصد شخص المخاطب بما هو مخاطب.

و هذا بخلاف من يخاطب الفضولي، فإنّه قاصد لتمليك الثمن له بشخصه، لا بما يعمّ الغير و هو المالك. فظهر الفرق بين المقام و الوكالة.

(1) تعليل لقوله: «لا ينتقض» فهذا دفع النقض المتقدم. أي: لأنّ العاقد- الجاهل بوكالة العاقد الآخر أو ولايته- إنّما يقصد .. إلخ.

(2) أي: حين جهل أحد المتعاقدين بوكالة الآخر أو ولايته.

(3) أي: يقصد بتمليكه المخاطب، و ضميرا «بعنوانه، كونه» راجعان إلى المخاطب.

(4) يعني: و لأجل أنّ الجاهل بوكالة الآخر يقصد مخاطبا عامّا جاز له هذه المخاطبة، و إسناد الملك إليه.

(5) أي: علم العاقد، و ضميرا «مخاطبته، إليه» راجعان إلى النائب.

ص: 577

و ليس (1) إلّا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا، فإذا صحّ اعتباره نائبا صحّ اعتباره على الوجه الأعمّ من كون نائبا أو أصليّا. أمّا الفضولي فهو أجنبي عن المالك، لا يمكن فيه ذلك الاعتبار (2).

و قد تفطّن بعض المعاصرين (3) لهذا الإشكال (4) في بعض كلماته، فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه (5).

______________________________

(1) يعني: و ليس جواز المخاطبة و إسناد الملك إليه- مع علمه بكونه نائبا لا مالكا- إلّا بملاحظة أعمية المخاطب من الأصيل و النائب. و هذا بخلاف الفضولي، فإنّه لأجنبيته عن المالك لا يمكن فيه اعتبار أعمية المخاطب، فلا يجوز إسناد الملك إليه، و لا يصحّ مخاطبته بمثل: ملّكتك.

(2) أي: اعتبار التخاطب على الوجه الأعم من الأصلي و النائب.

(3) لعلّ المستشكل هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، فإنّه نقل وجوها خمسة لبطلان بيع الغاصب، و ارتضى ثانيها، و عمّم الإشكال لشراء الفضولي لنفسه، فقال: «إذا باع الفضولي أو اشترى لنفسه، و كان المبيع أو الثمن مال الغير، ثم أجاز المالك فالانتقال امّا من المالك و إليه، أو من الفضولي و إليه، أو من المالك و إلى الفضولي، أو عكس ذلك ..» ثم أبطل الجميع، و التزم ببطلان بيع الغاصب و شرائه لنفسه، فراجع «1».

(4) و هو ما أفاده المصنف قدّس سرّه بقوله في (ص 574): «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا».

(5) حيث قال- في ردّ من تصدّى لدفع الاشكال المتقدم آنفا- ما لفظه:

«و حيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محلّ اليقين، فلا يكتفى بإجازة الفضولي إذا أوقعه عن نفسه .. بل يجدّد العقد» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 32 و 33.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33.

ص: 578

مع (1) أنّه لا يخفى مخالفته للفتاوى و أكثر النصوص (2) المتقدمة في المسألة كما اعترف به أخيرا (3).

______________________________

(1) هذا ردّ للالتزام ببطلان شراء الغاصب لنفسه، و كان الأنسب أن يقول:

«لكن فيه: أنّه مخالف للفتاوى» أو «لكنه مخالف للفتاوى .. إلخ». و تقدّم في (ص 540) نقل عبارة المقابس المتضمنة لفتاوى جماعة ممّن قال بصحة بيع الغاصب بإجازة المالك.

(2) الظاهر إرادة نصوص الاتجار بمال اليتيم المتقدمة في (ص 438) و النص الوارد في الودعي الذي تقدم مضمونه في (ص 531) و غيرهما.

و لا يخفى أن مخالفته للفتاوى تقدح إذا كانت المسألة إجماعية، و المفروض عدم إجماع في البين. فلا تقدح المخالفة المزبورة.

نعم هذا الجواب- أي: الالتزام ببطلان العقد- التزام بالإشكال، أعني به كون الإجازة موجبة لانتقال المبيع إلى مالك الثمن.

(3) لم أظفر في المقابس باعترافه بدلالة أكثر النصوص على صحة بيع الغاصب أو شرائه. نعم ورد هذا الاعتراف في كلامه «إن قلت» مما يقصد قائله تصحيح بيع الغاصب و وقوعه للمالك بإجازته، حيث قال: «يمكن دفع المحذورات الثلاثة بأسرها، أما الأوّل و هو المخالفة للقصد فبما سبق من عدم اعتباره فيما إذا كانت المعاملة جهة واحدة تقع عليها، فإنّ تعيّن الجهة مغن عن القصد .. و يشهد للحكم هنا تتبع كلمات الأصحاب في تضاعيف الأحكام، و حكاية بيع عقيل دار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و رواية مسمع السابقة، فإنّ الظاهر وقوع معاملات الودعي عن نفسه، و رواية ابن أشيم ..

و الروايات الواردة في النكاح. فإنّ ظاهرها عدم قصد وقوع النكاح عن المولى، أو الولي، أو الزوجين، بل قصد الاستقلال بالأمر» «1» لكن صاحب المقابس تنظّر في هذا الكلام و قال: «قلت: باب المناقشة فيما ذكر واسع».

و لعلّ مراد المصنّف قدّس سرّه من بعض المعاصرين الشيخ الأعسم صاحب

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33.

ص: 579

و اخرى (1) بأنّ الإجازة إنّما تتعلّق بنفس مبادلة العوضين و إن كانت خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها (2).

و فيه (3): أنّ حقيقة العقد في العبارة التي ذكرناها في الاشكال- أعني قول المشتري الغاصب: تملّكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم-

______________________________

كشف الظلام، خصوصا مع تعارف التعبير عن المحقق الشوشتري ب «بعض المحققين» أو «ببعض من عاصرناه».

(1) غرضه من هذا الالتزام تصحيح الإجازة، بأن يقال: إنّ متعلّق الإجازة نفس مبادلة العوضين مع الغضّ عن خصوصية تملك المشتري الغاصب للمثمن، و إن كانت مأخوذة في المبادلة في مقام الإنشاء بقوله: «تملّكت المثمن».

(2) أي: في المبادلة، لدلالة «تملّكت أو ملكت» على خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن. ثم إنّ السيد الطباطبائي قدّس سرّه تعرّض لهذا الإشكال في حاشيته على المتن، فراجع «1».

(3) يعني: و في التزام المتفطن المعاصر بكون الإجازة متعلّقة بنفس مبادلة العوضين إشكال، و هو: أنّ حقيقة العقد- و هي قوله: تملكت- ليست في الخارج مركّبة من شيئين، و هما إنشاء المبادلة و إنشاء ملكية المثمن للمشتري، حتى تصح المبادلة بإجازة مالك الثمن أعني الدراهم، و يصير المثمن ملكا للمجيز، و هو صاحب الدراهم. بل حقيقة العقد بسيط، و هي إنشاء المشتري الفضولي تملكه للمبيع، و إجازة المالك الأصيل للدراهم لا تجدي في تملكه للمبيع، بل تملكه له محتاج إلى عقد جديد و ناقل مستأنف.

و الحاصل: أنّ إجازة مضمون هذا العقد تجدي في مالكية المشتري الفضولي للمبيع، و هو خلاف مقتضى المعاوضة، إذ يلزم خروج الثمن عن ملك مالكه من دون عوض، لأنّ المفروض اقتضاء الإجازة لصيرورة المبيع ملكا للمشتري الغاصب

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 143.

ص: 580

ليس (1) إلّا إنشاء تملّكه للمبيع، فإجازة هذا الإنشاء لا يحصل بها تملّك المالك الأصلي (2) له، بل يتوقف على نقل مستأنف.

فالأنسب في التفصي (3) أن يقال: إنّ نسبة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه في قوله: «تملّكت منك» قول غيره له: «ملّكتك» ليس من حيث هو، بل من حيث

______________________________

الفضولي من دون عوض يخرج من ملكه.

(1) خبر «انّ» و الأولى تأنيث «ليس».

(2) و هو صاحب الدراهم، و ضمير «له» راجع إلى «المبيع».

(3) أي: في التخلص عن الاشكال المتقدم- في شراء الغاصب لنفسه شيئا- بقوله: «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي ..». توضيح ما أفاده في دفع الاشكال:

أنّه لا بدّ في تحقيق المعاوضة المعتبرة في البيع من الالتزام بالبناء على مالكية المشتري للثمن و لو ادّعاء حتى لا نقع في إشكال عدم تحقق مفهوم البيع. و بعد البناء على مالكية الثمن يصير معنى «تملّكت» إلى: «أنّي صرت مالكا لهذا المبيع بما أنّي مالك للثمن» فحيثية مالكية المشتري للثمن ملحوظة جهة تقييدية. و الحكم الثابت للحيثية التقييدية ثابت لنفس الحيثية أوّلا و بالذات، من دون دخل شي ء في موضوعية تلك الحيثية، كما في قولك: «الخمر حرام لأنه مسكر» فإنّ مقتضاه كون المسكر موضوعا للحكم بحيث يدور الحكم مداره، و عدم دخل شي ء من اللون أو غيره في الحرمة.

فالملك يسند إلى المالك بما هو مالك، و ليس ذلك إلّا مالك الدراهم، فإجازته توجب انتقال المبيع إليه، لأنّه مالك الدراهم حقيقة، دون المشتري الفضولي الذي بنى على ملكية الثمن له عدوانا أو اعتقادا حتى يتملّك به المثمن.

و الحاصل: أنّ قصد المعاوضة يتمشّى من المالكين الحقيقيين أو الادّعائيّين.

و الحكم تابع للحيثية التقييدية الواقعية، لأنّها موضوع الحكم، فإجازة المالك الحقيقي للدراهم إجازة للعقد الواقع بين المالين لمالكيهما الواقعيين، فينتقل المبيع إلى من هو مالك واقعي للدراهم.

ص: 581

جعل نفسه مالكا للثمن (1) اعتقادا (2) أو عدوانا، و لذا (3) لو [1] عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته، ضرورة (4) عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال (5) بإزاء مال غيره. فالمبادلة الحقيقية (6) من العاقد

______________________________

(1) حتى يتملّك المبيع بهذا الجعل، و لذا لو عقد لنفسه بدون بنائه على مالكيته للثمن نلتزم بلغوية هذا العقد، لعدم تحقق المبادلة بين المالين بدون الإضافة إلى مالكيهما.

(2) الاعتقاد بالملكية فيما قامت حجة عليها كاليد و الاستصحاب، و العدوان في الغاصب.

(3) أي: و لأنّ إضافة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه ليس بلحاظ شخصه- بل بلحاظ بنائه على كونه مالكا- فلو عقد لنفسه بدون هذا البناء كان لغوا.

(4) تعليل للغوية العقد.

(5) أي: المثمن الذي يشتريه الفضولي بإزاء الثمن المغصوب الذي لم يبن على تملكه.

(6) هذه عبارة أخرى لقوله: «ان نسبة الملك إلى الفضولي .. ليس من حيث هو، بل من حيث جعل نفسه مالكا .. إلخ».

______________________________

[1] فيه: أنّ نفس مفهوم المبادلة لا تتوقف على جعل نفسه مالكا، و إنّما حيثية إضافة المبادلة إلى نفسه منوطة بقصد كونه مالكا للثمن حتى يتملّك المثمن، بل جعل نفسه مالكا مفقود في أكثر الغاصبين للأموال المتعاملين بها، بل لو سئل عنهم: «أنّكم بنيتم على مالكيتكم لها حين إجراء المعاملات عليها» لاعترفوا بأنّهم كيف يبنون على الملكية؟ مع علمهم بأنها أموال الناس، و سرقوها أو غصبوها بنحو آخر. فتحقق المبادلة لا يتوقف على جعلهم مالكين لتلك الأموال، بل نفس قصد التبديل بدون البناء على المالكية كاف في تحقق مفهوم البيع.

ص: 582

لنفسه لا يكون إلّا إذا كان مالكا حقيقيّا أو ادّعائيا، فلو لم يكن (1) أحدهما و عقد لنفسه لم يتحقق المعاوضة و المبادلة حقيقة. فإذا قال الفضولي الغاصب المشتري لنفسه: «تملّكت منك كذا بكذا» (2) فالمنسوب إليه التملك إنّما هو المتكلم لا من حيث هو (3)، بل من حيث عدّ نفسه مالكا اعتقادا أو عدوانا.

و حيث إنّ الثابت للشي ء (4) من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية، فالمسند (5) إليه التملّك حقيقة هو المالك للثمن (6)، إلّا (7) أنّ الفضولي لمّا بنى على أنّه

______________________________

(1) أي: فلو لم يكن العاقد مالكا حقيقيا أو ادعائيا لم يتحقق المعاوضة .. إلخ.

(2) كقوله: «تملّكت منك هذا الثوب بهذه الدراهم من حيث إنّي مالكها».

(3) أي: لا من حيث هو زيد، أو عالم، أو غير ذلك ممّا له من علائم التشخص، بل من حيث صدق عنوان «المالك» عليه، حقيقة أو عدوانا.

(4) و هو تمليك الثوب الثابت لهذا المشتري من حيث تقيده بكونه مالكا، لا من حيث سائر الجهات.

(5) هذه نتيجة قياس، صغراه: أن تملك الثوب منسوب إلى المتكلم بما هو مالك، و كبراه: كلّما ثبت لشخص المالك بما أنه حيثية تقييدية فهو ثابت لعنوان المالك يدور الحكم مداره. و النتيجة: أن ملكية الثوب مقيدة واقعا بكونها لمالك الدراهم حقيقة.

و ليست مطلقة حتى تضاف و تنسب حقيقة إلى غير المالك كالفضولي. كما إذا قيل:

«صلّ خلف زيد العادل» فإنّ موضوع جواز الاقتداء هو وصف العادل، لا خصوصية زيد المعروض للعدالة و الموصوف بها.

(6) حتى يتحقق ما اعتبر في مفهوم البيع بنظر المصنف قدّس سرّه من دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض و بالعكس.

(7) بعد أن أثبت إسناد الملك إلى مالك الدراهم واقعا نبّه على أنّ إسناده إلى الغاصب غير قادح في وقوع الشراء للمغصوب منه، و ذلك لأنّ هذا الإسناد ظاهري

ص: 583

المالك المسلّط على الثمن أسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن إلى نفسه.

فالإجازة (1) الحاصلة من المالك متعلّقة بإنشاء الفضولي، و هو التملك المسند إلى مالك الثمن، و هو حقيقة نفس المجيز، فيلزم من ذلك (2) انتقال المثمن إليه (3)، هذا [1].

______________________________

ناش من تنزيل الغاصب نفسه منزلة المغصوب منه.

(1) هذه نتيجة تقييدية حيثية المالكية، إذ الإجازة حينئذ تتعلّق حقيقة بإنشاء التملك المسند إلى من هو مالك الثمن واقعا، و لازمه انتقال المثمن إليه تحقيقا لمفهوم المعاوضة، فالإجازة لا تغاير ما أنشأه الفضولي. و هذا من غير فرق بين الإيجاب الفضولي و الشراء الفضولي.

(2) أي فيلزم من كون مالك الثمن هو المجيز انتقال المثمن إليه. هذا تمام ما حققه المصنف في دفع إشكال شراء الفضولي لنفسه بمال الغير، كما دفع فيما سبق إشكال بيع الفضولي لنفسه.

و قد تحصّل أنّ المنشأ هو المجاز، فاندفع المحذور الرابع في بيع الغاصب من قوله:

«فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، و المجاز غير منشأ». و هناك وجه آخر لدفع المحذور- سواء في بيع الفضولي لنفسه و شرائه له- أفاده الفقيه كاشف الغطاء، و وافقه بعض أجلة تلامذته، و سيأتي بيانه.

(3) بمقتضى طبع المعاوضة، فإنّ المثمن ينتقل إلى مالك الثمن و بالعكس إن كان العوضان مملوكين.

______________________________

[1] فيه أوّلا: أنّ بناء الفضولي على المالكية أخص من المدّعى، إذ ليس بناء جميع الفضوليين- كالغاصبين- على مالكيّتهم حتى يقال: إنّهم طبّقوا طبيعي المالك الذي هو جهة تقييدية على أنفسهم.

ص: 584

______________________________

و ثانيا: أنّ هذا البناء- مع فرض اعتبار دخول أحد العوضين في ملك من خرج العوض الآخر عن ملكه في حقيقة البيع- لا يفيد شيئا، لأنّ مجرّد هذا البناء لا يوجب الدخول في الملك حقيقة، إذ ليس هذا البناء مملّكا، لا شرعا و لا عرفا.

فالحق إن يقال: انّ البيع ليس إلّا تبديل مال بعوض. و أمّا دخول كل من المالين في ملك من خرج المال الآخر عن ملكه فليس بمعتبر فيه، كما إذا كان العوضان أو أحدهما وقفا. فالبيع يتحقق حقيقة بقصد هذا التبديل و إن كانت عبارة القبول «تملّكت أو ملكت» فإنّ التملك من لوازم التبديل إن لم يكن العوضان أو أحدهما وقفا، و قصد اللازم يستلزم قصد الملزوم و هو التبديل، فإذا أجاز مالك الثمن هذا التبديل صحّ الشراء، لأنّه وليّ أمر هذا الشراء، فإن أطلق الإجازة كان المثمن له، لأنّه مقتضى إطلاق ولايته على الشراء بماله.

و إن قيّده، و قال: «أجزت هذا الشراء للمشتري الفضولي» كان المثمن للفضولي.

و لا يقدح هذا في صدق البيع الذي هو تبديل عين بعوض. إذ قد عرفت عدم اعتبار دخول كلّ من العوضين في ملك من خرج العوض الآخر عن ملكه في حقيقة البيع. بل حقيقة البيع في كلتا صورتي إطلاق الإجازة و تقييدها ثابتة.

و ثالثا: أنّ تقييدية جهة المالكية- بعد تسليمها- لا تقتضي وقوع العقد للمالك الأصلي بالإجازة، إذ الغاصب لا يقصد تملّك مطلق المالك، بل يقصد تملك مالك خاص، و هو نفسه، بحيث لا يقبل الانطباق على المالك الحقيقي حتى يقع له العقد بالإجازة.

و نزيد هنا توضيحا، فنقول و به نستعين: إنّ مجرّد الجهة التقييدية لا يوجب سراية حكم ثابت لفرد من أفراد تلك الجهة إلى سائر أفرادها مطلقا و في جميع الموارد، بل السراية إليها منوطة بقابلية ذلك الحكم للسراية. فإذا قال: «أعطيت أجرة زيدا البنّاء لبنائه داري» فإنّه لا يدلّ على إعطاء أجور سائر من بنى له من البنّائين. بخلاف ما إذا قال:

ص: 585

______________________________

«أكرم زيدا العالم، لكونه عالما» سرى الحكم- و هو وجوب الإكرام- إلى سائر أفراد العالم، لأنّه حكم كلي أنشئ على طبيعي العالم المستفاد من قوله: «لكونه عالما».

و بالجملة: البناء على سراية الحكم المعلّق على فرد من أفراد الجهة التقييدية إلى سائر الأفراد التي لم يعلّق عليها ذلك الحكم غير سديد. و بدون إثبات ذلك لا يتم المطلوب، و ذلك لاختصاص الحكم بتلك الحصة، و عدم صلاحيته للسراية إلى سائر الحصص.

و من هذا القبيل ما نحن فيه، فإذا قال المشتري الفضولي الغاصب لدينار من زيد مثلا: «تملّكت هذا الثوب بهذا الدينار» أو قال البائع: «ملّكتك هذا الثوب بهذا الدينار» فقد علّق المشتري الحكم الذي هو الاشتراء بالغاصب المدّعي للمالكية التي هي حيثية تقييدية لهذا الاشتراء كما يقول به الشيخ. إلّا أنّ هذا الحكم لا يثبت لجميع أفراد المالك حتى يثبت للمالك الحقيقي المجيز، بل لخصوص الحصة التي هي في ضمن فرد خاص، و هو الغاصب المشتري لنفسه، لكون المنشأ- و هو الاشتراء- واحدا خارجيا و جزئيا حقيقيّا مختصّا بالمشتري الغاصب و قائما به. و لا يتعدّى إلى غيره و إن كان مالكا حقيقيا.

و كذا قول البائع: «ملكتك» فإنّ التمليك و إن كان للمشتري الغاصب المدّعي لمالكية الثمن- و هو الدينار- في المثال. إلّا أنّ هذا الحكم الجزئي لا يقبل التعلق بغير المشتري الغاصب، لأنّه المخاطب في حال إنشاء البيع، و لا يشمل المالك الحقيقي، إذ المخاطب شخص خاص، و الحكم الثابت له لا يتعدّى إلى غيره، فإنّه مثل المثال المذكور، و هو قوله: «أعطيت أجرة زيد البنّاء» مع كون البنّاء هناك حيثية تقييدية أيضا.

فصارت النتيجة: أنّ ما تفصّى به المصنّف قدّس سرّه- من جعل المالكية حيثية تقييدية- عن الاشكال، و هو ما أفاده بقوله في (ص 574): «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا» لا يدفع الإشكال.

ص: 586

[أدلة صحة هذه الصورة]
اشارة

مع (1) أنّه ربما يلتزم صحة أن يكون الإجازة لعقد الفضولي موجبة

______________________________

(1) ظاهره تصحيح شراء الفضولي لنفسه بالإجازة بحيث يصير العوض ملكا للفضولي، كما صحّحته لمالك الثمن، بحيث يصير المثمن ملكا له. فالغرض من هذه العبارة تصحيح البيع بالإجازة حتى لنفس الفضولي الذي هو أبعد من صحته للمالك الذي قد وجّهنا صحّته له، بجعل المالكية من الجهات التقييدية، فإنّ الإجازة تطابق مضمون العقد، و هو شراء الفضولي لنفسه، و صيرورة الثمن له، و لا تغايره حتى نحتاج إلى جعل المالك جهة تقييدية، بل الإجازة تجعل المشتري الفضولي مالكا للمثمن. فالشراء صحيح مطلقا سواء أ كان لمالك الثمن بتقريب الجهة التقييدية

______________________________

و الفقيه المامقاني قدّس سرّه قال: «فالحق أنّ الحكم في هذا المقام غير مطابق للقواعد، فإن تمّ الإجماع أو دلالة النصوص فذاك، و إلّا كان اللازم هو الحكم بالبطلان».

لكن قد تقدّم آنفا إمكان تصحيح شراء الفضولي الغاصب لنفسه، بأن يقال: إنّ حقيقة البيع في جميع الموارد بمعنى واحد، و هو تبديل عين بعوض، سواء أ كان في الأوقاف أم في الأموال المملوكة. و ليس دخول كل من العوضين في ملك الآخر معتبرا في حقيقة البيع. و من المعلوم أن قصد التبديل في بيع الغاصب و شرائه موجود، لكونه ملزوما للتمليك و التملك، و المجيز يجيز التبديل الذي هو البيع الواقع فضولا.

فالمتحصل ممّا ذكرنا: قابلية عقد الفضولي- إيجابا و قبولا- لإجازة المالك، و صيرورة نتيجة العقد من ملكية الثمن أو المثمن له إن لم يكن مانع عن التملك، و إلّا كانت نتيجة العقد الوقفية، كما إذا باع مصالح البناء كالحديد و الجصّ و السمنت على متولي المسجد لتعميره، فإنّ هذه المصالح لا تصير ملكا للمتولي بعد إجازته شراء الفضولي لتلك المصالح بأجور أوقاف المسجد، أو بالأموال التي تبرّع بها المتبرعون لتعميراته أو لتأسيسه. و مع ذلك يكون البيع بمعناه العرفي المتقدم ثابتا فيها كثبوته في سائر الموارد على وزان واحد.

ص: 587

لصيرورة العوض ملكا للفضولي، ذكره شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد (1)، و تبعه غير واحد من أجلّاء تلامذته.

و ذكر بعضهم (2)

______________________________

- التي دفع بها المصنف إشكال مغايرة ما وقع لما أجيز- أم للمشتري الفضولي كما عن كاشف الغطاء قدّس سرّه.

فالظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه من قوله: «مع انه ربما .. إلخ»، هو إثبات صحة العقد و إن لم يكن تصحيحه لمالك الثمن لأجل مغايرة الإجازة لما وقع، إذ يصح للفضولي بدون محذور مغايرة ما وقع للإجازة.

(1) قال في محكيّها: «و لو أجازه المالك على نحو ما قصده الغاصب به احتمل رجوعه إلى هبة و بيع معا، كقوله: اشتر بمالي لنفسك كذا. و أمّا مع قصد الغاصب تمليك نفسه ثم البيع فلا بحث في رجوعه إلى ذلك. و لو باع المالك عن غيره صحّ البيع عن المجيز» «1».

و الظاهر كفاية رجوع الإجازة إلى الهبة عن رجوعها إلى البيع، لأنّ وقوع البيع في مال الفضولي الذي صار مالكا بالهبة كاف في صحة البيع، من دون حاجة إلى رجوع الإجازة إلى البيع، إذ المفروض وقوع البيع في ملك الأصيل بعد حصول الهبة.

(2) لعلّ المراد به صاحبا المقابس و الجواهر «2»، حيث إنّهما صحّحا بهذين الوجهين بيع غير المالك، فصاحب الجواهر قدّس سرّه صحّح بهما جواز التصرفات المنوطة بالملك للمتعاطيين بناء على ترتب الإباحة عليها، و تقدم نقل بعض كلامه في (ج 2، ص 97) فراجع.

و صاحب المقابس قدّس سرّه و إن ذكر ما نقله المصنف في المتن، و لكنه ذكرهما

______________________________

(1) شرح القواعد، مخطوط، الورقة 60

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33، السطر 16، جواهر الكلام، ج 22، ص 218 و 225 و 232.

ص: 588

ذلك (1) وجهين:

[أحدهما كون صحة إجازة عقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي]

أحدهما (2): أنّ قضية بيع مال الغير عن نفسه و الشراء بمال الغير لنفسه

______________________________

بعنوان «ان قلت» ثم أجاب عن الاشكال بقوله: «قلت: باب المناقشة فيما ذكر واسع.

و حيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محل اليقين، فلا يكتفى بإجازة بيع الفضولي إذا أوقعه عن نفسه .. إلخ».

فلعلّ المصنف قدّس سرّه وقف على عبارة أخرى لصاحب المقابس، أو كان مراده غيره من أجلّاء تلامذة الشيخ الكبير ممّن لم نطّلع عليه كصاحب كشف الظلام.

ثم إن تعبير المصنف ب «ربما يلتزم» دون التعبير ب «و يندفع الاشكال» لعلّه لأجل أنّ كلام شارح القواعد لا يدفع المحذور المتقدم من أن «المجاز غير المنشأ» و إنّما غرضه تصحيح وقوع العقد للغاصب و عدم محذور فيه، إذ المحذور كله في تصحيحه للمغصوب منه، فلو أمكن وقوعه للغاصب بفرض كون مآل الإجازة إلى هبة المال إليه قبل بيعه و شرائه حتى تقع المعاوضة في ملكه لم يبق موضوع لمحذور «أن المجاز غير المنشإ» لصيرورة المغصوب ملكا للغاصب، فهو كسائر الملّاك يبيع و يشتري بمال نفسه.

(1) أي: كون صحة إجازة عقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي.

(2) توضيحه: أنّ بيع مال الغير عن نفسه- كبيع زيد ثوب عمرو عن نفسه لا عن عمرو، و كذا شراء متاع لنفسه بمال الغير- بعد البناء على صحتهما يتضمّن تملكه قبل انتقاله إلى الغير، حتى يكون الانتقال عن ملكه، فإنّ عتق عبد الغير عنه بقوله: «أعتق عبدك عنّي» تمليك ضمني يحصل بالبيع أو الشراء، فيدخل العبد في ملك من قال: «أعتق عبدك عنّي» ثم يعتق. و كذا الحال في المقام، فإنّ إجازة المالك تصحّح البيع و الشراء، و صحتهما تتضمن انتقال المال إلى الفضولي حين البيع أو الشراء، ثم

ص: 589

جعل (1) ذلك المال له (2) ضمنا، حتى أنّه على فرض صحة ذلك البيع و الشراء تملّكه قبل انتقاله (3) إلى غيره ليكون انتقاله (4) إليه عن ملكه. نظير ما إذا قال:

«أعتق عبدك عنّي» (5) أو قال: «بع مالي عنك أو اشتر لك بمالي كذا» (6) فهو (7) تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء.

و نقول في المقام أيضا (8): إذا أجاز المالك صحّ البيع و الشراء،

______________________________

منه إلى غيره.

(1) خبر قوله: «ان قضية».

(2) أي: للمخاطب الفضولي، و هو المراد بقوله: «عن نفسه» فمال زيد يصير أوّلا مال عمرو العاقد الفضولي، ثم ينتقل منه إلى بكر، فيصير المثمن ملكا لعمرو، لخروج الثمن عن ملكه، فينتقل إليه بدله و هو المثمن.

(3) أي: قبل انتقال المال إلى غير الفضولي.

(4) أي: ليكون انتقال المال إلى الغير عن ملك الفضولي.

(5) هذا مثال تضمن الأمر تملك العبد آنا قبل العتق حتى يقع في ملك الآمر.

(6) هذان مثالان لمالكية المأمور ضمنا حتى يقع البيع و الشراء في ملكه.

(7) أي: فهذا الجعل تمليك ضمني، و ضمير «ببيعه» راجع إلى «ذلك المال» و هو مال الغير. و حاصله: أنّ الجعل المذكور تمليك ضمني لمال الغير لنفسه، و تملك له يحصل ببيع ذلك المال و شرائه. و إجازة المالك في المقام تكون مثل قوله: «بع مالي عن نفسك» في الدلالة على تمليك المبيع للعاقد حتى يصير البيع عن نفسه، و يكون الثمن له تحقيقا للمعاوضة، فتكون الإجازة اللّاحقة للعقد كالإذن السابق في حصول الملكية أوّلا للفضولي، ثم انتقال المال منه إلى غيره ثانيا.

(8) يعني: أنّ ما ذكروه من الملك الضمني في الأمثلة المتقدمة مسلّم، فلتكن الإجازة مقتضية لمالكية الغاصب ضمنا.

ص: 590

و صحّته (1) يتضمّن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء. فكما أنّ الإجازة المذكورة تصحّح البيع أو الشراء، كذلك تقضي بحصول الانتقال الّذي يتضمّنه البيع الصحيح (2)، فتلك الإجازة اللّاحقة قائمة مقام الإذن السّابق قاضية (3) بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه، و لا مانع منه (4).

[الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد]

الثاني: أنّه (5) لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه، بل يكفي أن يكون مأذونا في بيعه لنفسه أو الشراء به،

______________________________

(1) يعني: و صحة البيع تتضمّن انتقال مال المغصوب منه إلى الغاصب حين بيع المال للأصيل، أو الشراء منه.

(2) و هو البيع المجاز، فإنّه يتضمّن أوّلا انتقال المال من مالكه إلى الفضولي. و منه إلى غيره ثانيا. فالإجازة تملّك المبيع للعاقد، فيقع البيع في ملكه.

فحاصل الوجه الأوّل من وجهي صحة عقد الفضولي لنفسه- بحيث يصير العوض ملكا له- هو: تضمّن الإجازة كالإذن السابق تمليك المالك العوض للفضولي، حتى يخرج المال عن ملكه و يدخل بدله في ملكه.

(3) خبر ثان لقوله: «فتلك الإجازة».

(4) أي: و لا مانع من كون الإجازة اللاحقة قائمة مقام الاذن السابق و قاضية بتمليكه المبيع.

(5) هذا إشارة إلى ثاني وجهي صحة وقوع عقد الفضولي لنفسه لا للمالك و سوق البيان يقتضي أن يقول: «ثانيهما» بدل «الثاني».

و كيف كان فمحصله: أنّه لا دليل على اعتبار كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه، بل يكفي في ذلك إذن المالك له في بيعه لنفسه أو الشراء به. فلو قال لعمرو: «بع هذا الثوب لنفسك» أو «اشتر بهذا الدينار ثوبا لك» ملك الثمن في المثال الأوّل بانتقال المبيع عن مالكه الذي أذن للمخاطب في بيعه إلى المشتري، لا بانتقال

ص: 591

فلو قال: «بع هذا لنفسك» أو «اشتر لك بهذا» ملك الثمن في الصورة الأولى (1) بانتقال المبيع عن مالكه (2) إلى المشتري، و كذا ملك المثمن في الصورة الثانية (3) [1].

______________________________

المبيع عن المخاطب المأذون في بيعه.

و بهذا ظهر الفرق بين هذا الوجه و سابقه، لاقتضاء الوجه الأوّل مالكية المتصرف للمال آنا قبل البيع حتى يقع التصرف في ملكه، بخلاف الثاني، لكفاية إذن المالك في صحة تصرف غيره في المال بإطلاق السلطنة.

(1) و هي قوله: «بع هذا لنفسك».

(2) و هو الذي قال: «بع هذا لنفسك».

(3) و هي قوله: «اشتر لك بهذا» فإنّه بعد مالكيته للثمن يصير مالكا للمثمن، لأنّه مقتضى المعاوضة.

______________________________

[1] يمكن أن يوجّه كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه بوجه آخر أسهل من الوجهين المذكورين مع الغضّ عن قوله: «احتمل رجوعه إلى هبة و بيع معا» بأن يقال: إنّ إجازة مالك الثمن لشراء المشتري الفضولي لنفسه إعراض عن المال و إذن للمشتري في تملكه له. فالإجازة حاكية عن الإعراض الذي حقيقته رفع المنع عن تملك الغير للمال المعرض عنه، و ليس الإعراض بنفسه رافعا للملكية، بل هو رافع لمنع تملك الغير له.

و عليه فتملك المشتري الفضولي للثمن منوط بقصد التملك، و المفروض حصوله، لأنّه بنى على ملكية ذلك المال له. و لا يحتاج إلى توكيل و إيجاب و قبول، إذ الهبة المذكورة في كلام كاشف الغطاء تحتاج إلى توكيل في إيجاب الهبة و قبولها، فإنّ كلّا من التوكيل و الهبة عقد مركّب من إيجاب و قبول، و تكفّل الإجازة لهما محتاج إلى دليل.

ص: 592

و يتفرّع عليه (1) أنّه لو اتّفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع الملك إلى مالكه دون العاقد.

أقول: و في كلا الوجهين نظر.

أمّا الأوّل (2) فلأنّ صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة، كما تقدم (3) في بعض فروع المعاطاة. مع أنّ قياس الإجازة على الإذن

______________________________

(1) أي: على الوجه الثاني المذكور بقوله: «الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط ..»

و محصله: أنّه لو اتّفق فسخ المعاوضة، فعلى هذا الوجه الثاني يرجع الملك إلى مالكه لا إلى العاقد، إذ المفروض أنّ المال لم ينتقل إلى العاقد، و لم يخرج من ملكه حتى يعود إلى ملكه، و إنّما خرج عن ملك مالكه. فبعد الفسخ يرجع إليه لا إلى العاقد.

و أمّا بناء على الوجه الأوّل، فعلى القول بانتقال المال إلى العاقد حقيقة و خروج المبيع عن ملكه بالبيع آنا فلا بدّ أن يرجع المبيع بعد الفسخ إليه، لا إلى المالك.

و على القول بالملك الضمني التقديري- أي حكم الملك- فيرجع إلى المالك دون العاقد، لعدم خروجه عن ملكه.

(2) و هو ما ذكره بقوله: «أحدهما: أنّ قضية بيع مال الغير عن نفسه و الشراء بمال الغير لنفسه» و محصّل وجه النظر فيه أمران:

أحدهما: أنّ الصحة في المقيس عليه ممنوعة فضلا عن المقيس، توضيحه: أنّه قد مرّ في المعاطاة: أنّ إباحة جميع التصرفات حتى ما يتوقف منها على الملك غير جائزة إلّا في مقامين ليس المعاطاة منهما.

(3) تقدّم منه في رابع تنبيهات المعاطاة: انّ إباحة جميع التصرفات حتى ما يتوقف منها على الملك غير جائزة إلّا في مقامين ليس المعاطاة منهما. قال قدّس سرّه:

«أحدهما: أن يقصد المبيح بقوله: أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك أن ينشأ توكيلا له في بيع ماله له، ثم نقل الثمن إلى نفسه بالهبة. أو في نقله أوّلا إلى نفسه ثم بيعه. أو تمليكا له بنفس هذه الإباحة، فيكون إنشاء تمليك له. و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله» إلى أن

ص: 593

قياس مع (1) الفارق، لأنّ الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء (2) تقدير الملك آنا ما قبل البيع. بخلاف الإجازة، فإنّها لا تتعلّق إلّا

______________________________

قال: «و من المعلوم بحكم الفرض أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس إلّا مجرّد الإباحة ..

الثاني: أن يدلّ دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرّد الإباحة، فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آنا ما فيقع البيع في ملكه» «1».

(1) إشارة إلى ثاني الأمرين من النظر، و محصله: أنّ قياس الإجازة على الإذن قياس مع الفارق، لأنّ دلالة الاقتضاء يحتمل أن تكون مقتضية لتقدير الملك آنا ما قبل البيع حتى يقع البيع للمخاطب، لوقوعه في ملكه حينئذ. و هذا بخلاف الإجازة، فإنّها لا تتعلّق إلّا بما وقع سابقا، لأنّ الإجازة رضى بما وقع و تنفيذ له، و المفروض أنّ ما وقع لم يكن إلّا مبادلة مال المالك، لا مال العاقد الفضولي. و الإذن رضا بما يقع. و كم فرق بينهما.

فقياس الإجازة على الإذن في غير محله، لأنّه يصح أن يكون الإذن توكيلا للمخاطب بتمليك المال لنفسه هبة، ثم بيعه أو عتقه عن نفسه. بخلاف الإجازة، فإنّه لا يصح فيها ذلك، إذ لا معنى للتوكيل في أمر متقدم. بخلاف الإذن، فإنّه توكيل بالإضافة إلى أمر متأخر.

(2) و هي دلالة مقصودة للمتكلم، و يتوقف صدق الكلام أو صحته على تقدير، كتقدير الأهل في مثل السؤال من القرية، و تقدير «الكاملة» في مثل «لا صلاة لجار المسجد» و تقدير الحكم في مثل «لا ضرر و لا حرج» و هكذا.

و هذه الدلالة تقتضي مالكية الآمر في «أعتق عبدك عني». فينحل الأمر إلى «ملّكني عبدك بكذا ثم أعتقه عنّي». و الوجه في هذه الدلالة الجمع بين الأدلة.

و المفروض عدم وجود المقتضي لمالكية الفضولي الغاصب حتى يقال بدخول عوض المغصوب في ملكه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 95- 101.

ص: 594

بما وقع سابقا، و المفروض أنّه لم يقع إلّا مبادلة مال الغير (1) بمال آخر.

نعم لمّا بنى هو (2) على ملكية ذلك المال عدوانا أو اعتقادا قصد (3) بالمعاوضة رجوع البدل إليه.

فالإجازة (4) من المالك إن رجعت إلى نفس المبادلة أفادت دخول البدل في ملك المجيز. و إن رجعت إلى المبادلة منضمّة إلى بناء العاقد على تملك المال

______________________________

(1) أي: المالك لا العاقد، فإذا كان ما وقع مبادلة مال المالك فكيف يصير بالإجازة مبادلة مال العاقد بمال آخر؟

فالنتيجة: أنّ البيع لا يقع بسبب الإجازة عن العاقد، و لا يتغيّر عمّا وقع عليه.

(2) أي: الفضولي سواء أ كان بائعا مال الغير لنفسه أم مشتريا بمال الغير لنفسه، فإنّ بناءه عدوانا أو اعتقادا على ملكية ذلك أوجب قصده المعاوضة، بأن رجع البدل إليه، لا إلى المالك.

لكن فيه: أنّ قصد رجوع البدل إليه ليس مبنيّا على بنائه على الملكية، بل مع اعترافه بعدم ملكية ذلك المال له، يقصد رجوع البدل إليه أيضا.

(3) جواب الشرط في «لمّا بنى» و غرضه أنّ بناء الفضولي تملك العوض مصحّح لوقوع المعاوضة، إذ بدون هذا البناء يلغو الإنشاء. و أمّا دخول العوض في ملكه لو أجاز المالك فلا تقتضيه إجازة نفس العقد.

(4) غرضه أنّه- بعد انقسام عقد الفضولي إلى قسمين، أحدهما: قصد نفس المبادلة بدون بنائه على مالكيته للمال، و الآخر: بناؤه عليها- يمكن أن ترجع الإجازة تارة إلى نفس المبادلة مجرّدة عن انضمام بناء العاقد الفضولي على تملكه للمال، و اخرى إلى المبادلة منضمّة إلى بناء العاقد الفضولي على تملكه للمال.

فإن رجعت إلى القسم الأوّل أفادت دخول العوض في ملك المجيز و هو المالك، لوقوع البيع على ماله، فله الإجازة بمقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم.

ص: 595

فهي (1) و إن أفادت دخول البدل في ملك العاقد، إلّا أنّ مرجع هذا (2) إلى إجازة ما بنى عليه العاقد من التملك و إمضائه (3) له، إذ (4) بعد إمضائه يقع البيع في ملك العاقد، فيملك البدل.

إلّا (5) أنّ من المعلوم عدم الدليل على تأثير الإجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق متعلقة (6) شرعا،

______________________________

و إن رجعت إلى القسم الثاني، فهي بمقتضى إمضائها لمضمون العقد تفيد دخول البدل في ملك العاقد، حيث إنّه المنشأ بالعقد بعد بنائه على تملك المال الموجب لدخول بدله في ملكه. فالإجازة حينئذ ترجع إلى إمضاء ما بنى عليه العاقد الفضولي من التملك، و بعد هذا الإمضاء يقع البيع في ملكه، فلا محالة يملك العاقد بدل ماله. فمفهوم المعاوضة- من تملك كل من المتعاقدين لمال الآخر- ينطبق عليه.

لكن الإشكال في أنّه هل للإجازة تأثير ذلك البناء في تحقق ما بنى عليه العاقد من التملك أم لا؟ الظاهر أنّه لا دليل على ذلك. بل الظاهر دلالة الدليل على خلافه، إذ التمليك المعاملي لا يتحقق إلّا بالإنشاء القولي أو الفعلي و مجرّد البناء القلبي على الملكية ليس أمرا إنشائيا.

(1) يعني: فالإجازة و إن أفادت دخول البدل في ملك العاقد الفضولي، إلّا .. إلخ.

(2) أي: دخول البدل في ملك العاقد الفضولي.

(3) معطوف على «إجازة» يعني: و إمضاء المالك الأصلي هذا التملك للفضولي بسبب إجازته له البيع أو الشراء الصادر منه.

(4) تعليل لكون دخول البدل في ملك العاقد راجعا إلى إجازة بنائه على التملك.

(5) هذا إشكال على أنّ الإجازة- الموجبة لوقوع البيع في ملك العاقد- و إن كانت مصلحة لقاعدة المعاوضة، لكنه لا دليل على كون الإجازة مؤثرة في تأثير بناء الفضولي على التملك في تأثير ذلك البناء على تحقق متعلقة.

(6) أي: متعلق البناء، و هو دخول البدل في ملك العاقد الفضولي.

ص: 596

بل الدليل على عدمه (1)، لأنّ هذا (2) مما لا يؤثّر فيه الإذن، لأنّ الإذن في التملك لا يؤثّر التملّك فكيف إجازته؟ (3) [1].

______________________________

(1) أي: على عدم تأثير الإجازة في اقتضاء بناء الفضولي على التملك.

(2) أي: بناء العاقد على التملك لا يؤثّر فيه الإذن، بأن يجعله مالكا، لأنّ الإذن في التملك ليس من الأسباب الملكية، بل الإذن يوجب جواز التملك بأحد الأسباب الناقلة.

و بالجملة: الإذن في البناء على الملكية إذن في التمليك بغير سبب شرعي، و كذا الإجازة، فهما ليسا مملّكين، فإنّ الملكية تتوقف على إنشاء قولي أو فعلي. و ليس البناء القلبي على كل أمر اعتباري من الملكية و الزوجية و غيرهما أمرا إنشائيا. فمجرد بناء غير المالك كالعاقد الفضولي على الملكية- و لو مع الإذن أو إجازة المالك- لا يوجب الملكية.

نعم لو قيل بإطلاق قاعدة السلطنة و مشرّعيتها أثّرت الإجازة في تملك العاقد، لكنه ممنوع «1».

(3) أي: إجازة التملّك، لأنّ الإجازة لا تتعلّق إلّا بما وقع سابقا، و المفروض أنّه لما يقع إلّا مبادلة مال المالك- دون العاقد- بمال الغير.

______________________________

[1] يمكن تصحيح قياس الإجازة بالإذن إن أريد بالإذن إيجاب تمليك المخاطب، و كون إنشاء المخاطب لإيجاب البيع قبولا لهذا التمليك الضمني، و بحصول القبول له يكون بيعا في ماله. فإذن زيد مثلا- المالك لكتاب المكاسب- لعمرو في أن يبيعه عن نفسه بمنزلة الإيجاب لتمليك عمرو، و إيجاب عمرو لبيع الكتاب على بكر قبول لهذا التمليك الضمني، و بلحوق القبول من بكر يصير بيع الكتاب في مال عمرو.

و الكاشف عن كون الاذن تمليكا هو دلالة الاقتضاء. و لا بأس بأن يكون إيجاب عمرو للبيع عن نفسه قبولا لتمليك زيد، و إيجابا لبيع الكتاب عن نفسه.

______________________________

(1) راجع التنبيه الرابع من تنبيهات المعاطاة، هدى الطالب، ج 2، ص 110.

ص: 597

______________________________

و هذا التقريب الجاري في الاذن يجري في الإجازة أيضا، بأن يقال: إنّ دلالة الاقتضاء تدلّ على كون الإجازة إيجابا متأخرا من زيد في المثال، و إنشاء عمرو إيجاب البيع لنفسه قبولا متقدّما.

و إن أريد بالإذن ما هو مؤثّر في نفوذ ما بنى عليه البائع- و هو عمرو في المثال- من مالكيته للكتاب في مقام البيع لنفسه، فيجري هذا التقريب في الإجازة أيضا، بأن يقال: إنّ الإجازة تصحّح بناء البائع- و هو عمرو- على مالكيته للمبيع و هو كتاب المكاسب، فيقع البيع له، و يترتب عليه آثار الصحة، هذا.

و لكن الحق مع المصنف قدّس سرّه من عدم تأثير الإذن و الإجازة في تنفيذ البناء على الملكية، إذ لا وجه لهذا التنفيذ. و لو فرض تصريح زيد المالك للكتاب في المثال لعمرو «بأنّي أذنت لك في التمليك» لم يفد شيئا، لأنّه إذن في التمليك بغير سبب شرعي.

و كذا الحال في الإجازة، لأنّ التمليك المعاملي لا يحصل إلّا بإنشاء قولي أو فعلي.

فالحق أن يقال: إنّه في كلّ مورد قام الدليل على الصحة «كأعتق عبدك عنّي» بناء على تمامية دليله من الإجماع- إن لم يقدح فيه مخالفة ابن إدريس «1»- و من رواية بريد العجلي «2»، فلا بدّ من التشبث بدلالة الاقتضاء تطبيقا على القواعد.

و أمّا إن لم يقم دليل على الصحة فلا وجه للتكلف في إثبات صحته بدلالة الاقتضاء، بل لا بدّ من الحكم بالفساد، للشك في شمول العمومات له، بل القطع بعدم شمولها له، لانصرافها عن مثل هذه المعاملات الواقعة على الأموال التي ليست ملكا للمتعاملين، و أنشأها المتعاملون لأنفسهم.

نعم قد عرفت إمكان تصحيحها لملّاكها، لكون حقيقة البيع- و هي التبديل- موجودة فيها، و إلغاء حيثية وقوعها لغير أربابها، للغويتها.

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 21.

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 45، الباب 40 كتاب العتق، الحديث 2.

ص: 598

و أمّا الثاني (1) فلما عرفت (2) من منافاته، لحقيقة البيع التي هي المبادلة [1] و لذا (3) صرّح العلّامة رحمه اللّه في غير موضع من كتبه تارة «بأنّه لا يتصور» و اخرى «بأنه لا يعقل أن يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره شيئا» «1».

______________________________

(1) يعني: و أما النظر في الوجه الثاني الذي ذكره المصنّف قدّس سرّه في (ص 591) بقوله: «الثاني أنه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد .. إلخ».

(2) في أوّل كتاب البيع، حيث قال: «و هو في الأصل كما عن المصباح المنير مبادلة مال بمال» فإنّ المبادلة بين المالين و عوضيّة كل منهما عن الآخر قد أخذت في مفهوم البيع و حقيقته، فلا بدّ من كون العوضين من المتعاقدين، لا أنّ أحد العوضين من أحدهما، و الآخر من أجنبي.

(3) يعني: و لكون ما ذكره البعض- من عدم اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد- منافيا لحقيقة المعاوضة صرّح العلّامة رحمه اللّه الى آخر ما ذكره.

و لم أظفر في القواعد و التذكرة بتصريحه بعدم المعقولية في مسألة الشراء لنفسه بمال الغير، و إنّما عبّر العلامة بالبطلان. نعم ورد التعبير بعدم التصور في مسألة إذن الراهن للمرتهن بيع العين المرهونة، فقال قدّس سرّه: «و لو قال: بعه لنفسك بطل الإذن، لأنّه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه ..» «2» و نحوه ما في رهن التذكرة.

______________________________

[1] قد أشرنا سابقا إلى أنّ حقيقة البيع هي تبديل عين بعوض، في مقابل الهبة التي حقيقتها تمليك مجّاني، من غير أن يكون فيها تبديل مال بمال. و لا يقتضي مفهوم المبادلة خروج كل من العوضين عن ملك خصوص المتعاقدين. نعم إطلاق المبادلة يقتضي ذلك.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 87، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 473، السطر 7 و ج 2، ص 32، السطر 13

(2) قواعد الاحكام، ج 2، ص 127، و نحوه ما في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 32 السطر 13.

ص: 599

بل ادّعى بعضهم (1) في مسألة قبض المبيع «عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن اشتر لنفسك به طعاما» و قد صرّح به (2) الشيخ و المحقق «1» و غيرهما (3).

نعم (4) سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري

______________________________

(1) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه لقوله: «بلا خلاف أجده فيه، لامتناع الشراء بمال الغير لغيره ما دام على ملك الغير و لو بإذنه» «2».

(2) أي: ببطلان قول مالك الثمن: «اشتر به لنفسك طعاما».

(3) كالشهيد، و المحقق و الشهيد الثانيين و الصيمري، كما في مفتاح الكرامة «3».

(4) استدراك على قوله: «و أما الثاني فلما عرفت من منافاة .. إلخ» و بيانه: أنّ المشتري من الغاصب- لو علم بالغصب- كان تسليم الثمن للبائع تسليطا له عليه، فالثمن و إن لم يدخل في ملك الغاصب بهذه المعاوضة- لعدم كون المبيع ملكه- لكنه يجوز له التصرف في الثمن استنادا إلى تسليط المشتري له عليه كما ذهب إليه قطب الدين الرازي و الشهيد قدّس سرّهما، فلو اشترى الغاصب بهذا الثمن شيئا ملكه.

و هذا التملك شاهد على عدم اعتبار مالكية العوضين في باب البيع، و أنّ مجرد إذن المالك لغيره مصحّح لوقوع المعاملة لذلك الغير. و عليه فيشكل ما أفاده المصنف بقوله: «و أمّا الثاني فلما عرفت من منافاة .. إلخ» لدلالة كلام قطب الدين و الشهيد قدّس سرّهما على كفاية التسليط المالكي في صحة المعاملة لنفسه بمال الغير.

هذا لو أبقينا فتوى الأصحاب على ظاهرها من كفاية التسليط و إباحة التصرف. و أما لو حملناها على مالكية الغاصب للثمن فلا منافاة كما سيأتي.

______________________________

(1) راجع المبسوط، ج 2، ص 121، شرائع الإسلام، ج 2، ص 32.

(2) جواهر الكلام، ج 23، ص 174.

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 211، جامع المقاصد، ج 4، ص 400، مسالك الأفهام، ج 3، ص 252، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 515 و 516.

ص: 600

بالغصب أنّ ظاهر جماعة كقطب الدين و الشهيد و غيرهما (1) «أنّ الغاصب مسلّط على الثمن و إن لم يملكه، فإذا اشترى به شيئا ملكه» «1» و ظاهر هذا (2) إمكان أن لا يملك الثمن و يملك المثمن المشتري (3).

إلّا أن يحمل ذلك (4) منهم على التزام تملك البائع الغاصب للمثمن (5) مطلقا

______________________________

(1) لعلّ المراد بهذا الغير هو العلّامة على ما استظهره بعض من عبارة المختلف، و قد تقدّم في رابع تنبيهات المعاطاة، فراجع «2».

(2) أي: اشتراء الغاصب- أي غاصب المبيع- بالثمن الذي أخذه من المشتري العالم بكون البائع غاصبا للمبيع و مالكيته للمثمن ظاهر في عدم اعتبار كون أحد العوضين ملكا للعاقد، فيصح حينئذ ما أفاده البعض في الوجه الثاني المذكور بقول المصنف: «الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد».

(3) بصيغة المفعول صفة للمثمن، أي المثمن الذي اشتراه الغاصب بالثمن الذي تسلّمه من المشتري العالم بالغصب.

(4) أي: اشتراء الغاصب بالثمن المغصوب و مالكيته للمثمن.

(5) متعلق ب «تملك» و المراد بقوله: «الغاصب» غاصب المثمن.

و غرضه توجيه ما أفاده بقوله: «نعم» بحيث لا يكون حكم قطب الدين و الشهيد قدّس سرّهما منافيا لما تقدم من منع الوجه الثاني. و حاصله: أنّه يمكن توجيه مالكية الغاصب- لما اشتراه بالثمن الذي باع به العين المغصوبة- بأحد وجهين:

أحدهما: أن مالك العين المغصوبة- لو أجاز بيع الغاصب لنفسه- فقد ملّكه الثمن، فيجوز له التصرف فيه بما يتوقف على الملك، بأن يشتري به شيئا أو يهبه للغير.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192.

(2) هدى الطالب، ج 2، ص 122.

ص: 601

كما نسبه الفخر رحمه اللّه إلى الأصحاب، أو آنا ما (1) قبل أن يشتري به شيئا تصحيحا (2) للشراء.

و كيف كان (3) فالأولى في التفصي

______________________________

و هذا ما احتمله فخر المحققين قدّس سرّه بقوله: «فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له- أي بإجازته لبيع الغاصب- فإذا نقل الثمن عن ملكه لم يكن للمالك إبطاله و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن له، و ربحه له، و ليس للمالك أخذه، لأنّه ملك الغاصب» «1».

و على هذا فتملّك الغاصب للثمن يستند إلى إجازة المغصوب منه، سواء اشترى به شيئا أم لا.

ثانيهما: أنّ التسليط المالكي غير كاف في صحة البيع و الشراء بمال الغير، و لكن يلتزم بالملكية الآنية قبل أن يشتري الغاصب بالثمن شيئا، فيكون الشراء بالثمن المملوك له، لا لذلك المشتري المسلّط للغاصب على ماله.

و بناء على هذين الوجهين لا يكون حكم قطب الدين و الشهيد منافيا لما تقدم في منع الوجه الثاني من أنّ حقيقة المعاوضة تتوقف على دخول العوض في ملك مالك المعوّض. وجه عدم المنافاة صيرورة الغاصب مالكا إمّا مطلقا و إمّا آنا قبل الشراء، هذا.

(1) هذا في مقابل قوله: «مطلقا» فالمراد بالإطلاق يعني: كون الغاصب مالكا للثمن سواء اشترى به شيئا أم لا.

(2) قيد لقوله: «الا ان يحمل» و الدليل على هذا الحمل هو دلالة الاقتضاء.

فتأمّل.

(3) يعني: سواء تمّ الوجهان المتقدّمان عن بعض تلامذة كاشف الغطاء قدّس سرّه لحلّ الإشكال في شراء الفضولي الغاصب لنفسه شيئا أم لم يتمّا، فالأولى .. إلخ.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418.

ص: 602

عن الاشكال المذكور (1) في البيع لنفسه ما ذكرنا (2).

ثم (3) إنّ ممّا ذكرنا من أنّ نسبة ملك العوض حقيقة إنّما هو (4) إلى مالك المعوّض، لكنه (5) بحسب بناء الطرفين (6) على مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه (7) يظهر (8) اندفاع إشكال آخر في صحة البيع لنفسه مختصّ (9) بصورة علم المشتري الأصيل، و هو (10): أنّ المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع

______________________________

(1) و هو قوله في (ص 574) «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه .. إلخ».

(2) في (ص 581) من قوله: «فالأنسب في التفصي أن يقال: انّ نسبة الملك ..

إلخ» هذا تمام الكلام في الوجوه الأربعة لبطلان بيع الفضولي لنفسه، مع أجوبتها، و أنّ الصحيح وفاقا للمشهور صحة بيع الغاصب لو أجاز المالك. و بقي هناك وجه خامس مختص بصورة علم المشتري بالغصب، و سيأتي.

(3) هذا تمهيد للتعرض لوجه آخر من وجوه الاشكال على صحة بيع الغاصب، و دفعه، و يختلف عمّا تقدّم باختصاصه بعلم المشتري بكون البائع غاصبا، و لا يجري في صورة الجهل، كما لا يجري في غير الغاصب. و الظاهر أنّ المستشكل هو العلّامة قدّس سرّه.

(4) الضمير راجع إلى «نسبة» فالأولى تأنيثه.

(5) أي: و لكن ملك العوض يكون بحسب .. إلخ.

(6) و هما البائع الغاصب و المشتري العالم بالغصبية.

(7) أي: إلى الغاصب، و «منسوب» خبر «لكنه».

(8) خبر «إنّ» في قوله: «ان ممّا ذكرنا».

(9) بالجر صفة ل «إشكال» يعني: أنّ في صحة بيع الغاصب لنفسه إشكالا يختصّ بصورة علم المشتري الأصيل بغاصبية البائع للمبيع مع دفع الثمن إلى الغاصب.

(10) أي: و ذلك الإشكال الآخر هو: أنّه يلزم- في صورة علم المشتري بكون البائع لنفسه غاصبا للمبيع- أن يكون البيع هنا بلا ثمن.

ص: 603

لنفسه غاصبا فقد حكم الأصحاب- على ما حكي عنهم (1)- بأنّ المالك لو ردّ فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن.

______________________________

توضيحه: أنّه مع علم المشتري بغصبية المبيع و عدم استحقاق البائع للثمن- الذي هو بدل المبيع في كلتا صورتي الرّد و الإجازة- لا يتحقق المعاوضة حينئذ، و يكون البيع بلا ثمن، إذ لا يتصور قصد المشتري للمعاوضة مع العلم بعدم استحقاق البائع للثمن، لكونه غاصبا للمبيع. فدفع الثمن إلى البائع تمليك مجاني و بلا عوض، أي: هبة. و من المعلوم أنّ إجازة المالك لا تجدي في تبديل التمليك المجّاني بالبيع.

و الحاصل: أنّ مناط هذا الاشكال المختص بعلم المشتري بغصبية المبيع هو عدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية، و أنّ دفع الثمن إلى البائع تسليط مجّاني له على الثمن، و ليس عوضا عن المبيع، هذا.

و قد دفعه المصنف قدّس سرّه بأنّ بناء كلّ من البائع الغاصب و المشتري العالم بغصبية المبيع على مالكية البائع يوجب قصد المعاوضة، و صيرورة الثمن بدلا عن المبيع، فلا يكون بذل الثمن تسليطا مجّانيا حتى يصير البيع بلا ثمن.

(1) ظاهره حكاية إجماع الأصحاب على الحكم، و المدّعي له هو العلّامة و فخر المحققين و غيرهما. قال في المختلف: «إذا رجع- أي المالك- على المشتري، قال علماؤنا: لم يكن للمشتري الرجوع على الغاصب البائع، لأنّه علم بالغصب، فيكون دافعا للمال بغير عوض، و أطلقوا القول في ذلك. و الوجه عندي التفصيل، و هو: أن الثمن إن كان موجودا. قائما بعينه كان للمشتري الرجوع به. و إن كان تالفا فالحقّ ما قاله علماؤنا» «1».

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 55 و 56، و نحوه في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، نهاية الأحكام، ج 2، ص 478، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418، جامع المقاصد، ج 4، ص 71، و كذلك لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 193

ص: 604

و هذا (1) كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، و إلّا (2) لكان ردّها موجبا لرجوع كل عوض إلى مالكه.

و حينئذ (3) فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن، لسبق (4) اختصاص الغاصب به، فيكون (5) البيع بلا ثمن.

و لعلّ هذا (6) هو الوجه في إشكال العلّامة في التذكرة، حيث قال- بعد الإشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري (7)-: «إنّ الحكم في الغاصب

______________________________

(1) أي: حكم الأصحاب بعدم رجوع المشتري على البائع لأخذ الثمن- في صورة ردّ المالك لهذا البيع- كاشف عن عدم حصول المعاوضة الحقيقية، إذ مقتضاها دخول الثمن في ملك من خرج عنه المثمن.

(2) أي: و لو كان هذا البيع معاوضة حقيقية لكان للمشتري حقّ الرجوع على البائع بالثمن عند ردّ المالك للبيع، و أخذ الثمن من البائع الغاصب.

(3) أي: و حين عدم تحقق المعاوضة الحقيقية فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن، لكون سبب اختصاص البائع الغاصب بالثمن- أعني به: دفع المشتري العالم بغصبيّة المبيع له إلى الغاصب و تسليطه عليه- أسبق من السبب الثاني، و هو إجازة مالك المبيع.

(4) تعليل ل «لم يملك الثمن» و قد مرّ توضيحه آنفا.

(5) هذا هو الإشكال الذي أشار إليه في (ص 603) بقوله: «يظهر اندفاع إشكال آخر في صحة البيع».

(6) أي: وقوع البيع بلا ثمن- الذي هو لازم حكم الأصحاب بعدم جواز رجوع المشتري على البائع بالثمن في صورة ردّ المالك- هو الوجه في إشكال العلامة .. إلخ.

(7) لعدم تحقق المعاوضة مع عدم كون المبيع ملكا للبائع.

ص: 605

مع علم المشتري أشكل (1)» انتهى.

أقول: هذا الاشكال (2)- بناء (3) على تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنّه ليس للمشتري استرداد الثمن مع ردّ المالك و بقائه (4). و بعد (5) تسليم أنّ الوجه

______________________________

(1) يعني: أشكل من صورة جهل المشتري بكون البائع غاصبا. وجه أشدّية الإشكال: أنّ المشتري- مع علمه بعدم ملكية المبيع للبائع- لا يكون قاصدا للبيع حقيقة، بل هو قاصد للتمليك المجاني الخارج عن حقيقة البيع.

(2) أي: إشكال عدم قصد البيع حقيقة، و غرضه من هذا الكلام هو: أنّ ورود هذا الاشكال منوط بأمور أربعة:

أحدها: تسليم ما عن الأصحاب من عدم جواز الرجوع في الثمن، إذ لو كان جائزا مع ردّ المالك مطلقا سواء أ كان الثمن باقيا أم تالفا- كما عن المحقق، و استوجهه في محكي جامع المقاصد «1»- لم يكن مجال لهذا الاشكال، لعدم لزوم البيع بلا ثمن كما هو واضح.

(3) هذا إشارة إلى الأمر الأوّل.

(4) يعني: و بقاء الثمن عند الغاصب.

(5) معطوف على «بناء على تسليم» و هذا هو الأمر الثاني الذي يتوقف عليه الاشكال، و محصله: كون التسليط مطلقا- لا مراعى بعدم الإجازة- سببا في حكم

______________________________

(1) ظاهر المحقق في الشرائع عدم الرجوع بما اغترمه خاصة، و أما الثمن فقال فيه: «و قيل: لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» و ظاهره عدم اختياره له. و لذا قال في الجواهر: «و من هنا حكي عن المصنف في بعض تحقيقاته القول بالرجوع به- أي بالثمن- مطلقا» يعني سواء تلف الثمن أم بقي بيد الغاصب فراجع، شرائع الإسلام، ج 2، ص 14، جواهر الكلام، ج 22، ص 305.

و قال المحقق الكركي: «و في رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع مطلقا، و هو المتجه» جامع المقاصد، ج 4، ص 77.

ص: 606

في حكمهم ذلك (1) هو مطلق التسليط (2) على تقديري الرد و الإجازة، لا التسليط (3) المراعى بعدم إجازة البيع- إنّما (4) يتوجه على القول بالنقل،

______________________________

الأصحاب بانقطاع سلطنة المشتري عن الثمن، و عدم جواز رجوعه على البائع الغاصب في كلتا صورتي الإجازة و الرد بناء على ناقلية الإجازة لا كاشفيتها، إذ بناء على الكاشفية تكون الإجازة كاشفة عن انتقال الثمن إلى مالك المبيع قبل تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن. كما تكشف عن سبق سبب انتقال الثمن إلى مالك المبيع على سبب اختصاص الثمن بالبائع الغاصب، و لا يلزم حينئذ أن يكون البيع بلا ثمن.

و إنّما يلزم هذا المحذور بناء على ناقلية الإجازة سواء أجاز المالك أم ردّ، لأنّه على تقدير الإجازة يكون سبب انتقال الثمن إلى المالك متأخرا عن تسليط المشتري للبائع على الثمن، فيكون البيع بلا ثمن. و على الردّ لا يكون للمشتري انتزاع الثمن من البائع الغاصب، لصيرورته ملكا له بتسليط المشتري إيّاه عليه.

و بالجملة: فإشكال لزوم كون البيع بلا ثمن منوط بناقلية الإجازة دون كاشفيتها.

(1) أي: حكم الأصحاب بعدم رجوع المشتري- العالم بغصبية المبيع- بالثمن على البائع.

(2) و هو تسليط المشتري العالم البائع الفضولي على الثمن، من غير فرق في ذلك بين ردّ المالك البيع و عدمه.

(3) معطوف على «مطلق» إذ مع كون التسليط مراعى بعدم الإجازة، فإذا أجاز المالك كان الثمن له لا للبائع الغاصب. و لا وجه حينئذ لصيرورته ملكا للغاصب أصلا كون الإجازة ناقلة لا كاشفة.

(4) خبر لقوله: «هذا الإشكال» يعني: هذا الاشكال .. إنّما يتوجّه بعد الأمرين المتقدمين. و هذا إشارة الى الأمر الثالث مما يتوقف عليه الاشكال، و محصله: القول بأنّ الإجازة ناقلة، لا كاشفة.

ص: 607

حيث (1) إنّ تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل (2) انتقاله إلى مالك المبيع بالإجازة (3)، فلا يبقى مورد للإجازة (4).

و أمّا (5) على القول بالكشف فلا يتوجه إشكال أصلا، لأنّ الرّد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له (6) على مال نفسه (7)، و الإجازة كاشفة عن كونه (8) تسليما له على ما يملكه غيره بالعقد السابق على التسليط الحاصل

______________________________

(1) هذا تقريب توجه الإشكال على فرض ناقلية الإجازة، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «و انما يلزم هذا المحذور بناء على ناقلية الإجازة».

(2) خبر «إنّ» في قوله: «حيث إنّ تسليط» يعني: أن تسليط المشتري يكون قبل انتقاله .. إلخ.

(3) متعلق ب «انتقاله».

(4) إذ المفروض صيرورة الثمن قبل الإجازة ملكا للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري له على الثمن، و تقدّم التسليط يوجب صيرورة إجازة المالك من البيع بلا ثمن، و مثل هذا البيع غير قابل للإجازة.

(5) هذا في مقابل قوله: «إنّما يتوجه على القول بالنقل» توضيحه: أنّه- على القول بكون الإجازة كاشفة عن انتقال الثمن قبل التسليط المذكور إلى مالك المبيع- لا يتوجه هذا الاشكال، و هو كون المبيع بلا ثمن أصلا، إذ المفروض حصول ملكية الثمن بنفس العقد لمالك المثمن، و كون التسليط متأخرا عنه، فلا تكون الإجازة إجازة لبيع بلا ثمن. كما أنّ الرّد يكشف عن كون تسليط المشتري تسليطا للبائع الغاصب على مال نفسه، لا على مال غيره و هو المالك.

(6) أي: للبائع الفضولي.

(7) أي: نفس المشتري، إذ مع الرّد لا يتحقق بيع حتى يصير الثمن ملكا لمالك المبيع، بل الثمن ملك المشتري، فهو قد سلّط البائع الغاصب على مال نفسه، فلم يتحقق بيع حتى يكون بيعا بلا ثمن.

(8) أي: كون تسليم المشتري العالم تسليطا للبائع الغاصب على ما يملكه غير

ص: 608

بالإقباض، و لذا (1) لو لم يقبضه الثمن حتى أجاز المالك أو ردّ لم يكن للغاصب

______________________________

الغاصب- و هو مالك المبيع- بسبب العقد الذي هو سابق على التسليط الخارجي الحاصل بإقباض المشتري، فالثمن بنفس العقد صار ملكا لمالك المبيع، فوقع التسليط متأخرا عن العقد و في ملك مالك المبيع، فلا يكون البيع بلا ثمن.

(1) هذا إشارة إلى الأمر الرابع ممّا يتوقف عليه الاشكال المتقدم، و محصله:

وقوع التسليط الخارجي الذي هو سبب ملكية الثمن للبائع الغاصب، إذ بدون وقوعه لا مورد لهذا الاشكال، لعدم انتقال الثمن إلى البائع بعد.

و عليه فالمراد بقوله: «و لذا» هو: أنه لأجل كشف الإجازة عن كون تسليط المشتري تسليطا للعاقد الفضولي على ما يملكه غير الغاصب- و هو مالك المبيع- فلو لم يدفع المشتري الثمن إلى البائع الغاصب حتى أجاز المالك أو ردّ البيع، لم يكن للغاصب انتزاع الثمن من يد المشتري إن كان في يده، لعدم تحقق التسليط الخارجي الموجب لملكية الثمن للغاصب. و كذا لو كان في يد المالك، لصيرورته ملكا له بالإجازة، و عدم تحقق التسليط قبل البيع حتى يصير الثمن ملكا للغاصب.

فالمتحصل: أنّ ورود إشكال البيع بلا ثمن منوط بتسليم أمور:

الأوّل: عدم جواز استرداد الثمن من الغاصب بعد ردّ المالك للمعاملة.

الثاني: كون الوجه في عدم جواز الاسترداد سببيّة التسليط له.

الثالث: كون التسليط مطلقا- لا مراعى بعدم الإجازة- موجبا لتملك المسلّط للمسلّط عليه.

الرابع: كون الإجازة ناقلة لا كاشفة. فبإنتفاء أحد هذه الأمور ينتفي الإشكال رأسا.

و حاصل وجه اندفاع هذا الاشكال على ما أفاده المصنف- بعد تسليم الأمور المتقدمة التي بني الإشكال عليها- هو: أنّ البيع يقع حقيقة بين مالكي الثمن و المثمن،

ص: 609

انتزاعه (1) من يد المشتري أو المالك [1]. و سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك (2)، فانتظر.

______________________________

لكون المالكية جهة تقييدية، فالمسلّط الحقيقي على الثمن هو عنوان «المالك» المنطبق على البائع، لبنائه على أنّه مالك، لا من حيث كونه غاصبا حتى يتملّك الثمن، و يصير البيع بلا ثمن. فالمالك إذا ردّ البيع فللمشتري الرجوع على البائع بالثمن، لعدم حصول الملك للغاصب، إذ لم يتحقق موجبه، و هو تسليطه على الثمن بما هو غاصب، إذ المفروض تسليطه عليه بما أنّه مالك، و هو ليس بمالك. و هذا يرجع إلى عدم تسليم المقدمة الاولى، و هي عدم جواز استرداد الثمن من الغاصب.

(1) أي: انتزاع الثمن و الضمير المستتر في «يقبضه» راجع إلى المشتري، و البارز إلى البائع.

(2) أي: تتمة للبحث عن مالكية العاقد الفضولي إذا اشترى لنفسه بمال الغير.

________________________________________

و سيأتي في الأمر الثالث مما يتعلق بالعقد المجاز.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الإشكال إن كان بلحاظ علم المشتري بغصبية المبيع للبائع، إذ لا يمكنه حينئذ أنّ يملّكه الثمن ضمنا بإزاء المبيع الذي ليس ملكا للغاصب، فيصبح البيع بلا ثمن، فيندفع بما أفاده المصنف قدّس سرّه من البناء على المالكية، حيث إنّ كلّا من البائع و المشتري يبني على مالكية نفسه لما عنده من العوض، فيملّك و يتملّك.

لكن هذا الإشكال أجنبي عن جواز الرجوع على البائع بالثمن مطلقا أو مع بقائه، إذ جواز الرجوع و عدمه من أحكام التسليط الخارجي و غير مرتبط بالبيع، فلا وجه لأخذه في الاشكال. و تفريع الاشكال عليه كما صنعه المصنف قدّس سرّه.

كما لا وجه لإناطة هذه الاشكال بكون الإجازة ناقلة لا كاشفة، لما عرفت من أنّ مناطه المجانية و عدم صدق التمليك المعاوضي حين إنشاء البيع. و هذا المناط موجود مطلقا سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة، فلا يتوقف الاشكال عليه.

و إن كان الاشكال بلحاظ أنّ التسليط الخارجي- المترتب عليه عدم جواز الرجوع

ص: 610

______________________________

على البائع بالثمن- كاشف عن اختصاص البائع الغاصب بالثمن، فلا يكون موردا للإجازة، إذ لا يملكه المالك المجيز بعد اختصاصه بالبائع، فلا تتحقق المعاوضة التي هي انتقال كل من العوضين الى مالك الآخر، فالإشكال بناء على المقدمات المذكورة في المتن متجه. لكنه لا يندفع بالبناء الذي ذكره المصنف قدّس سرّه، لأنّه إنّما يجدي في الأمور الاعتبارية كالملكية، فيملّك أو يتملّك بعنوان كونه مالكا، فالتمليك و التملك راجعان إلى الحيثية التقييدية، لا إلى الذات المتحيثة بها.

و هذا بخلاف التسليط الخارجي المتعلق بالشخص لا بالعنوان حتى يكون تسليطه تسليطا لمالك بما هو مالك، إذ لو كان بعنوان كونه مالكا لجاز الرجوع إليه كما هو مقتضى المعاوضة، مع أنّهم يقولون بعدم الجواز.

و الظاهر أنّ نظر المصنف قدّس سرّه إلى أنّ مورد الإجازة هو العقد الذي صحّحه بالبناء، و هو لا يستلزم التسليط الخارجي المانع عن تأثير الإجازة، فالعقد قد يكون مع التسليط الخارجي، و قد لا يكون، و لكل من العقد و التسليط حكم، هذا.

و الحقّ في حلّ هذا الاشكال ما أسلفناه في دفع الاشكال السابق من: أن تبديل مال بمال- الذي هو حقيقة البيع- صادق في جميع العقود الفضولية حتى في مورد علم المشتري بغصبية المبيع، إذ لا ريب في أنّه بقصد الثمنية يسلّط البائع الغاصب على المال الذي يدفعه إليه برجاء إجازة مالك المبيع، فالتسليط المجاني الذي صار منشأ للإشكال- و هو كون البيع بلا ثمن- مفقود هنا.

و لو سلّم وجوده هنا لم يقدح في تحقق المبادلة، لأنّ التسليط المجاني متأخر عن إنشاء المبادلة، لكونه في رتبة الوفاء فلو أجاز مالك المبيع هذا البيع صحّ، و كان الثمن المدفوع إلى البائع الفضولي ملكا لمالك المبيع، و ليس ملكا للبائع الغاصب، إذ مالك المبيع ملك الثمن بنفس العقد، و التسليط وقع بعده و في رتبة الوفاء، فالمشتري سلّطه على مال غيره و هو مالك المبيع، لا على مال نفسه حتى يقال: إنّه سلطه على مال نفسه مجّانا، و وقع البيع بلا ثمن، فيبطل و لا يصحّ بالإجازة.

ص: 611

ثم اعلم (1) أنّ الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا

______________________________

(1) غرضه التمهيد لدفع كلام صاحب الرياض قدّس سرّه و غيره، و بيانه: أنّ ما تقدم من أوّل المسألة الثالثة إلى هنا ناظر إلى وقوع البيع للمالك لو قصد الفضولي وقوعه لنفسه، و قد تحقق أنّ الأقرب صحته، لوجود المقتضي، و اندفاع ما قيل من الموانع.

و هناك مسألة أخرى. و هي: أنّ البائع الفضولي لنفسه لو تملّك المبيع بعد العقد و أجازه فهل يصحّ أم لا؟ و هي موضوع البحث في المسألة المعروفة المعنونة ب «من باع شيئا ثم ملكه» فقد يقال بالصحة فيهما كما هو مختار المصنف، و قد يقال بالبطلان كذلك كما ربما يظهر من صاحب المقابس، و قد يفصّل بين المسألتين، لاختلافهما مناطا.

و بهذا يظهر غموض ما أفاده سيد الرياض قدّس سرّه من قوله: «و لو باع الفضولي- أي ملك الغير- من دون إذنه مطلقا لم يلزم إجماعا، بل لم يصح إذا كان البيع لنفسه لا للمالك، فيمشي إلى المالك فيشتريها منه. كما صرّح به جماعة كالفاضلين، العلّامة في جملة كتبه كالمختلف و التذكرة مدّعيا فيها عدم الخلاف فيه بين الطائفة ..

إلخ» «1».

و حاصل كلامه قدّس سرّه: أنّه جعل لبيع الفضولي صورتين:

إحداهما: أن يبيع للمالك، و حكم بالصحة فيها وفاقا للمشهور.

و ثانيتهما: أن يبيع لنفسه، و جعل قدّس سرّه هذه الصورة موردا لمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» و حكم فيها بالفساد، بمعنى عدم وقوع البيع للعاقد الفضولي لو تملّك المبيع من مالكه الأصلي ثم أجاز بيع نفسه. و استدلّ على البطلان بالإجماع المدّعى في المختلف و غيره. و لم يفصّل السيد قدّس سرّه بين المسألتين، و هما مسألة «من باع

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 512.

ص: 612

كان أو غيره (1) إنّما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز، و هو (2) الذي لم يفرّق المشهور بينه و بين الفضولي البائع للمالك لا لنفسه. و أمّا الكلام في صحة بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع

______________________________

شيئا ثم ملكه» و وقوعه للعاقد لو أجاز، و مسألة بيع الغاصب لنفسه و وقوعه للمالك لو أجاز.

فإذا باع الفضولي مال غيره لنفسه ثم اشتراه من مالكه فقد حكم العلّامة بعدم الصحة، لكونه موردا لرواية حكيم بن حزام الناهية عن بيع ما ليس عندك.

و لو اشترى الفضولي لنفسه- كالغاصب- و لم يتملّك ما باعه، و أجاز المالك، فظاهر كلام العلّامة الصحة و إن استشكل فيها في حال علم المشتري بالغصب. لكن الظاهر التزامه بالصحة، و لا أقلّ من عدم دعوى الإجماع على البطلان.

قال في خامس فروع بيع الفضولي: «الغاصب و إن كثرت تصرفاته فللمالك أن يجيزها، و يأخذ الحاصل في الحال، يتبع العقود و يعتمد مصلحته في فسخ أيها شاء، فينفسخ فرعه، و هو أضعف قولي الشافعي، و أصحّهما عنده بطلان الجميع» «1» فلو كان بيع الغاصب فاسدا عنده لم يكن وجه لجواز إمضاء المالك بعض العقود الواقعة على ماله.

(1) كما لو اعتقد بأنّه مالك، كما في صحيحة الحلبي الواردة في إقالة مشتري الثوب بوضيعة و بيعه من شخص آخر أغلى مما أقال به المشتري الأوّل.

(2) أي: بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره إنّما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز، من دون أن يفرض تملك الغاصب له ببيع أو إرث أو هبة. فلو صار الفضولي مالكا و أجاز عقد نفسه كان خارجا عن البحث، لكونه من صغريات مسألة «من باع

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، و نحوه في ص 486، السطر 9.

ص: 613

و أجاز (1) سواء باع لنفسه أو المالك، فلا دخل له بما نحن فيه (2) لأنّ الكلام هنا (3) في وقوع البيع للمالك، و هناك (4) في وقوعه للعاقد إذا ملك.

و من هنا (5) يعلم أنّ ما ذكره في الرياض من «أنّ بيع الفضولي لنفسه باطل، و نسب إلى التذكرة نفي الخلاف فيه» في غير محله (6). إلّا أن يريد (7) ما ذكرناه، و هو (8) خلاف ظاهر كلامه.

______________________________

شيئا ثم ملكه».

(1) أي: أجاز البائع الفضولي الذي تملّك المبيع من مالكه بالهبة أو غيرها.

(2) و هو وقوع بيع الفضولي مال الغير لنفسه- أو وقوع الشراء لنفسه- للمالك.

(3) و هو كون بيع الفضولي مال الغير لنفسه ممّا يقع للمالك لو أجاز.

(4) و هو بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا.

(5) أي: من ذهاب المشهور إلى صحة بيع الفضولي لنفسه إذا أجاز المالك، فيصير ثمن المبيع ملكا للمالك الأصيل، يعلم أنّ .. إلخ.

(6) خبر قوله: «أنّ ما ذكره» لأنّ ذهاب المشهور إلى صحة بيع الفضولي لنفسه ينافي نفي الخلاف في بطلانه.

(7) أي: يريد صاحب الرياض قدّس سرّه من بيع الفضولي لنفسه ما ذكرناه، و هو وقوعه للعاقد الفضولي إذا ملك المبيع، ثم أجاز البيع، فإنّه معقد إجماع التذكرة و غيرها على البطلان.

(8) أي: كون مراد صاحب الرياض من بيع الفضولي ما ذكرناه خلاف ظاهر كلامه في عدم وقوع البيع للمالك إذا أجاز، لأنّه قدّس سرّه حكم بفساد بيع الفضولي لنفسه، و لم يفصّل بين المسألتين. فلا وجه لحمل كلامه على خصوص مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» حيث منع العلامة و غيره عن صحتها و عدم وقوعه للعاقد.

هذا تمام الكلام في المسألة الثالثة، و هي بيع الفضولي لنفسه.

ص: 614

[تتمة تتضمن أمرين:]
[الأوّل: عموم بحث بيع الفضولي للدين كالعين]

بقي هنا أمران:

الأوّل (1): أنّه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير

______________________________

تتمة تتضمن أمرين:

الأوّل: عموم بحث بيع الفضولي للدين كالعين

(1) الغرض من عقد هذا الأمر تعميم بيع الفضولي- على القول بصحته- للعين الخارجية التي كانت مورد الأبحاث السابقة، و للدّين و هو الكلّي الذّمّي. و قد عقد صاحب المقابس الموضع التاسع لتحقيق هذا الأمر، و بيان صور المسألة، فراجع «1».

كما سبق في شرطية القصد التعرّض لبعض فروع المطلب.

و كيف كان فالمصنف قدّس سرّه بحث عمّا إذا كان أحد العوضين أو كلاهما كلّيّا في مسألتين، لأنّ الفضولي تارة يضيف الثمن أو المثمن إلى ذمّة خاصة من دون أن يعقّبه بما ينافيه كإضافته إلى نفسه، و اخرى يجمع بين المتنافيين. و الكلام فعلا في المسألة الأولى، بأن اشترى شيئا بمال في ذمة غيره، أو باع كلّيا في ذمة الغير، و لهذه المسألة صور. لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون الكلي في ذمة غير الفضولي، و إمّا أن يكون في ذمة نفس الفضولي، و إمّا أن يجعل الكلي متعلقا بذمة المالك بنفس بيع الفضولي، فالصور ثلاث:

إحداها: أن يبيع الفضولي- كزيد مثلا- كرّا من طعام مملوكا لعمرو في ذمة بكر، بأن اشتغلت عهدة بكر بهذا الطعام بسلف أو بإتلاف حنطة مملوكة لعمرو، أو

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 40.

ص: 615

عينا أو دينا (1) في ذمة الغير [1].

______________________________

بغيرهما، فباع زيد فضولا هذا الطعام الذّمّي من بشر مثلا بكذا، فإن أجاز عمرو هذا العقد الفضولي صحّ، و دخل الثمن في ملكه، لعموم أدلة صحة البيع الفضولي. و إن ردّه بطل.

ثانيتها: أن يكون زيد- و هو البائع الفضولي- مديونا لعمرو كرّا من طعام، فباع هذه الحنطة الذميّة من بكر بكذا، فإن أجاز عمرو- و هو مالك ما في ذمة زيد- صحّ و تملّك الثمن. و إن ردّه بطل.

ثالثتها: أن لا تكون الذمة مشغولة للغير قبل البيع، كما إذا باع زيد الفضولي من بكر كرّا من طعام في ذمة عمرو، مع عدم اشتغال عهدة عمرو بهذا الطعام- قبل البيع- لا لبكر و لا لغيره، و إنّما يستقرّ في ذمته بنفس هذا البيع لو أجازه.

و على هذا فالمبيع الكلّي- و هو الكرّ من الطعام- قد يستقرّ قبل البيع في ذمة غير الفضولي كما في الصورة الاولى، و قد يستقرّ- كذلك- في ذمة نفس الفضولي. كما في الصورة الثانية. و قد يستقر بنفس البيع في ذمة غير الفضولي كما في الصورة الثالثة.

هذا إذا كان المبيع فضولا كلّيا في الذمة، و تجري هذه الصور الثلاث في الشراء بالثمن الكلي كما سيأتي في المتن.

(1) من هنا أشار إلى الصور الثلاث. فالمراد «بالغير» الأوّل هو من يبيع عنه الفضولي المعبّر عنه بالمالك و البائع الأصيل، و إن شئت فعبّر عنه بغير الفضولي.

و المراد بالغير الثاني غير البائع الأصيل، و هو إمّا نفس الفضولي الذي اشتغلت ذمته بكرّ من طعام لعمرو البائع الأصيل، و إمّا غير الفضولي المديون لعمرو بكرّ من

______________________________

[1] أو كلّيّا في معيّن، كأن يقول الفضولي: «بعتك صاعا من هذه الصبرة- التي هي مال زيد- بدينار» مثلا، فإنّ الظاهر- بناء على القول بصحة عقد الفضولي- هو الصحة إذا أجاز مالك الصبرة». و لعلّه لوضوحه لم يتعرّض له المصنف و لا غيره. و كذا الحال في الجزء المشاع، كما إذا باع فضولا ثلث دكّان غيره. فإن أجازه المالك صحّ البيع كسائر العقود الفضولية، و إن ردّه بطل.

ص: 616

و منه (1) جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير.

ثمّ (2) إنّ تشخيص ما في الذمة- الذي يعقد عليه (3) الفضولي- إمّا بإضافة (4) الذمة إلى الغير، بأن يقول: «بعت كرّا من طعام في ذمة فلان بكذا»

______________________________

طعام لسلف أو دين.

(1) أي: و من الفضولي جعل العوض ثمنا كان أو مثمنا في ذمة الغير بدون إذنه، كأن يشتري ثوبا بدرهم في ذمة زيد، أو يبيع ثوبا في ذمة زيد بدرهم. فقوله: «و منه» إشارة إلى الصورة الثالثة. كما أنّ قوله: «أو دينا في ذمة الغير» إشارة إلى الصورة الاولى و الثانية. و المراد بالغير الثالث هو البائع أو المشتري الذي بيده الإجازة المصحّحة للبيع أو الشراء.

(2) غرضه قدّس سرّه- بعد حكمه بجريان بحث الفضولي في الثمن و المثمن الكلّيّين الذميّين، و عدم اختصاصه بالأعيان الشخصية- بيان كيفية تعيين من يضاف الكلّي إليه حتى يجب عليه الوفاء بالعقد لو أجاز إنشاء الفضولي، و تقريبه: أن بيع العين الشخصية أو الشراء بالثمن الشخصي فضولا لا يتوقف إلّا على إجازة المالك المعيّن خارجا كزيد مثلا. و أمّا الكلّي الذّمّي فلمّا لم يكن موجودا خارجا توقّف تعيّنه على إضافته إلى عهده معيّنة ليكون أمر الإجازة و الرّد بيده. فلا بدّ من تعيينه بأحد نحوين، فإمّا أن يصرّح الفضولي به في العقد بأن يقول: «بعتك منّا من الحنطة في ذمة زيد بدينار» و إمّا أن ينوي وقوع البيع له من دون التصريح باسمه في العقد، فيقول: «بعتك منّا من الحنطة الذميّة بدينار» و يقصد اشتغال ذمة زيد به.

فإن أجاز زيد بيع الفضول صحّ و اشتغلت عهدته بما أضيف إليها من الثمن أو المثمن الكلّي، و إن ردّ بطل البيع إلّا في صورة واحدة يقع لنفس الفضول، و هو ما إذا باع بقصد وقوعه لزيد، فأنكر المشتري عليه، و سيأتي بيانه.

(3) الضمير راجع إلى الموصول في «ما في الذمة» و المراد به الثمن أو المثمن الكلي الذمي.

(4) المراد بهذه الإضافة- في قبال القصد- هو التصريح باسم صاحب الذمة في العقد.

ص: 617

أو «بعت هذا بكذا في ذمة فلان (1) و حكمه (2) أنّه لو أجاز فلان يقع العقد له، و إن ردّ (3) بطل رأسا.

و إمّا (4) بقصده العقد له، فإنّه إذا قصده في العقد تعيّن كونه صاحب الذمة، لما عرفت (5) [1] من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير (6) من خرج عنه

______________________________

(1) هذا في الثمن الكلي، و ما قبله في المبيع الكلي، فإنّ تشخّصهما منوط بالإضافة إلى ذمة شخص خاص.

(2) أي: و حكم تشخيص الكلي- بإضافة إلى شخص خاص- هو قابليته للصحة بالإجازة، و للبطلان بالرد.

(3) الضمير المستتر و ضمير «له» راجعان إلى «فلان».

(4) معطوف على قوله: «إمّا» و حاصله: أنّه قد يكون تشخيص الكلي بقصد الفضولي وقوع العقد للغير، كأن يقصد «بيع كرّ من طعام على زيد بدينار» فإنّ قصد كون البيع على زيد بدينار يعيّن كون زيد صاحب الذمة. و وجه تعيّنه هو: كونه مقتضى المعاوضة، فإنّ مقتضى قصد كون زيد بائعا هو خروج المبيع من كيسه و دخول الثمن في كيسه.

(5) تقدّم التنبيه عليه مكرّرا، كما في رابع تنبيهات المعاطاة، و كما في بيع الفضولي لنفسه، حيث قال في ردّ الوجه الثاني: «فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة ..» فلاحظ (ص 599).

(6) يعني: غير من قصد له العقد.

______________________________

[1] ما أفاده في حقيقة المعاوضة- من اعتبار دخول كلّ واحد من العوضين في ملك من خرج عنه العوض الآخر- هو مبنى الملازمة بين تعيّن كلّ من المعقود له و ذي الذمّة بتعيين الآخر بالإضافة أو بالقصد، لفرض وحدتهما. و أمّا بناء على عدم كون

ص: 618

الآخر، إلّا على احتمال ضعيف تقدّم (1) عن بعض. فكما أنّ تعيين العوض في الخارج (2) يغني عن قصد من وقع له العقد، فكذا قصد من وقع له العقد يغني [1] عن تعيين الثمن الكلي بإضافته إلى شخص خاص.

______________________________

(1) تقدّم في (ص 591) بقوله: «الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للآخر .. إلخ» و هذا هو الوجه الثاني من الوجهين اللّذين ذكرهما البعض في توجيه كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه.

(2) غرضه مقايسة قصد «من وقع له العقد» بتعيين العوض في الخارج، بأن يقال: كما أنّ تعيين أحد العوضين في الخارج كقوله: «بعتك هذا الكتاب» يغني عن تعيين البائع، لتعينه في الخارج بسبب قيام إضافة الملكية به، كذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين العوض الكلي، كما إذا قصد أن يبيع عن زيد كرّا من حنطة، فإنّ قصد البيع عن زيد يوجب تعيّن المبيع، و يغني عن تعيينه لفظا، بأن يقول: «بعت لزيد كرّا من حنطة في ذمة زيد».

______________________________

حقيقة المعاوضة كذلك- كما هو الأوجه- فالملازمة ممنوعة.

[1] إغناؤه عنه بدون إضافة الكلي إلى شخص معين في غاية الإشكال، لاستلزامه التمليك و التملك بلا عقد، لتقوم العقد بالقصد، فصرف الكلّي أو البيع أو الشراء إلى شخص بلا قصد و لا إضافة إليه يوجب الملكية بدون العقد. و هو كما ترى، فلا بدّ من القصد و لو إجمالا.

و بالجملة: ففرق واضح بين العين الخارجية و الكلّي الذّمي، فإنّ إضافة العين الخارجية إلى من قصد له العقد غير معتبرة في صحة العقد، لأنّ كلّا من ماليتها و ملكيتها ثابت من دون حاجة إلى إضافة. بخلاف الكلي، فإنّ إضافته إلى شخص معيّن أو هيئة كذلك مقوّمة عرفا لماليته و ملكيته. و بدونها ليس في اعتبار العقلاء مالا و لا ملكا.

ص: 619

و حينئذ (1) فإن أجاز من قصد مالكيته وقع العقد، و إن ردّ فمقتضى القاعدة بطلان العقد واقعا (2)، لأنّ مقتضى ردّ العقد بقاء كل عوض على ملك صاحبه، إذ المال (3) مردّد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي و بين من وقع له

______________________________

(1) يعني: و حين القول بأنّ تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له العقد- و كذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلّي- يصحّ العقد إن أجاز من قصد له العقد بائعا كان أو مشتريا. و إن ردّ بطل العقد، لأنّه مالك أمر هذا العقد تصحيحا و إبطالا. ففي صورة الإبطال يبقى كلّ عوض على ملك صاحبه، لعدم تحقق ما يوجب انتقال المال عن صاحبه إلى غيره.

(2) إذ مع الرّد و حلّ العقد من وليّه لا يبقى ما يوجب صحة العقد و لو ظاهرا، فكل عوض باق على ملك صاحبه بمقتضى انحلال العقد.

ثم إن الحكم ببطلان العقد واقعا بالنسبة إلى من قصد وقوع العقد له لا ينافي صحته ظاهرا في حق الفضولي لو لم يصدّقه المشتري الأصيل.

(3) أي: مال المالك الأصيل. و هذا تعليل لبقاء كل من العوضين على ملك صاحبه و عدم التعدي عنه إلى غيره، و حاصله: أنّ مال الأصيل مردّد بين بقائه على ملك مالكه الأصلي إن لم يؤثّر العقد في النقل و الانتقال، و بين انتقاله إلى من وقع له العقد إن أثّر العقد كما في صورة الإجازة، فلا معنى لخروج المال عن ملك مالكه

______________________________

فلا يصلح لأن يقع عوضا في العقد المعاوضي. و مجرّد قصد من وقع له العقد لا يعيّن الكلي حتى يصح جعله عوضا في العقد المعاوضي، هذا.

مضافا إلى: ما عرفت من استلزامه خلوّ العقد عن القصد بالنسبة إلى جزئه و هو الكلي الذي وقع عليه عقد الفضولي، لانتفاء موضوع القصد و هو الكلي، فيمتنع تعلق القصد به.

ص: 620

العقد، فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه و تردّده (1) بين الفضولي و من وقع له العقد، إذ (2) لو صحّ وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة، و وقع له. إلّا (3)

______________________________

و تردّده بين الفضولي و من وقع له العقد، إذ ليس الفضولي طرف المعاملة، فإنّ طرفيها هما المالكان للعوضين.

(1) هذا الضمير و ضميرا «لخروجه، ملكه» راجعة إلى المال.

(2) تعليل لعدم تردد المال بين الفضولي و من له العقد، و حاصله: أنّه لو بني على وقوع العقد للفضولي، فلا وجه لهذا التردد، بل يقع للفضولي من دون حاجة إلى إجازته، لمباشرته للعقد.

(3) استثناء ممّا ذكره من عدم وقوع العقد للفضولي، و محصله: وقوع العقد للفضولي فيما إذا أنكر الطرف الآخر في المعاوضة، سواء أ كان ذلك الطرف بائعا أم مشتريا، فمع حلفه على نفي علمه بفضولية مدّعي الفضولية حكم له على الفضولي بوقوع العقد.

و الوجه في توجّه الحلف إلى الأصيل مطابقة دعواه لظاهر الأمر من أن الفضولي عقد لنفسه، لا أنه قصد المعاملة للغير، لوضوح أنّ وقوعها للغير منوط بمئونة زائدة ثبوتا بالقصد، و إثباتا بإقامة دالّ على إسناد المعاملة إليه. و لا يكفي القصد الذي يدّعيه الفضولي، بعد خلوّ الإنشاء عن إسناد البيع إلى الغير، و مقتضى ظهور إطلاق الكلام انعقاده لنفس العاقد لا لذلك الغير.

و لمّا كانت دعوى الأصيل «قصدت البيع أو الشراء لك» موافقة لظاهر الإنشاء كفى يمينه في وقوع العقد للفضول، لا لذلك الغير الذي قصده الفضول، فيقول المشتري الأصيل «و اللّه لم أعلم بقصدك البيع للغير، فاشتريت الكلّي الذمي منك» و يحكم على الفضولي بالوفاء بعقده. و لا يبقى مجال لجريان أصالة الفساد المحكّمة في موارد الشك في صحة المعاملة و فسادها، بعد اقتضاء الظهور الإطلاقي صحتها كما تقدّم.

ص: 621

أنّ الطرف الآخر لو لم يصدّقه (1) على هذا القصد (2) و حلف على نفي (3) العلم حكم (4) له على الفضولي بوقوع [لوقوع] العقد له ظاهرا (5)، كما عن المحقق «1» و فخر الإسلام و المحقق و الكركي و السيوري و الشهيد الثاني [1].

______________________________

(1) أي: لو لم يصدّق الطرف الآخر الفضوليّ.

(2) أي: قصد الفضولي كون البيع أو الشراء لغيره.

(3) إنّما يحلف الأصيل على نفي علمه بما قصده الفضول، لا على عدم قصد الفضول، لوضوح أن قصد الفضول واقعا و عدمه لا يعلم إلّا من قبله، فلا يبقى للأصيل إلّا الحلف على عدم علمه بما قصده الفضول.

(4) أي: للطرف على الفضولي، و حاصله: وقوع العقد للطرف على الفضولي ظاهرا، فيجبر الفضولي على دفع الثمن و إن لم يجز له التصرف في المبيع، لدعواه الفضولية، إلّا بإذن البائع. كما لا يجوز للبائع أيضا التصرف في الثمن إلّا بإذن المشتري، فيبقى المال مردّدا بينهما. و مقتضى الاحتياط إنشاء عقد جديد عليه بالثمن الأوّل.

(5) التقييد بقوله: «ظاهرا» إنّما هو لأجل أنّ قصد الفضولي وقوع العقد لغيره يكون بمنزلة التصريح بكون العقد له، في أنّه مع إجازة ذلك الغير يصح العقد، و مع الرّد ينحلّ العقد واقعا. و هذا يدلّ على أجنبية الفضولي عن هذا العقد. فالحكم به

______________________________

[1] قد يشكل الحكم بالصحة بالحلف على نفي علمه بما قصده الفضولي بل المعاملة باطلة، و بيانه: أنّه قد يتوافق البائع و المشتري على وحدة القصد، و لكن يكذّب كلّ منهما الآخر فيما قصده بالخصوص، فالبائع يقول للمشتري: «بعتك المال

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 205، قواعد الأحكام، ج 2، ص 360 و 361، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 347، جامع المقاصد، ج 8، ص 205، مسالك الأفهام، ج 5، ص 300، و كذا نسبه صاحب المقابس الى الفاضل السيوري، فراجع مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 40.

ص: 622

و قد يظهر (1)

______________________________

للطرف الآخر على الفضولي لا بدّ أن يكون في مقام الظاهر لحلف الطرف الآخر على نفي العلم.

و قد حكي نظير هذا الفرع عن المحقق في كتاب الوكالة، و هو: «أنه إذا اشترى إنسان سلعة، و ادّعى أنّه وكيل لإنسان، فأنكر، كان القول قوله مع يمينه، و يقضى على المشتري بالثمن، سواء اشترى بعين أو في الذمة، إلّا أن يكون قد ذكر أنه يبتاع له في حالة العقد» و نحوه كلام العلّامة في وكالة القواعد، فراجع.

(1) هذا هو القول الثاني في المسألة، و هو وقوع العقد للفضولي ظاهرا و باطنا، و ربّما يظهر من العلّامة في مضاربة القواعد، كقوله: «و إن اشترى- يعني العامل- في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء و لم يجز المالك» «1» و كقوله: «و ليس له- أي للعامل- أن يشتري من ينعتق على المالك إلّا بإذنه، فإن فعل صحّ و عتق و بطلت المضاربة في ثمنه، فإن كان كلّ المال بطلت المضاربة. و لو كان فيه ربح فللعامل المطالبة بثمن حصته، و الوجه الأجرة. و إن لم يأذن فالأقرب البطلان إن كان الشراء بالعين أو في الذمة و ذكر المالك، و إلّا وقع للعامل مع علمه» حيث ان قوله: «و إلّا وقع للعامل» ظاهر في وقوع العقد للعامل واقعا، إذ لم يقل: «وقع للعامل ظاهرا» و من المعلوم أنّ العامل هنا فضولي، لأنّه اشترى من ينعتق على المالك بدون إذنه «2».

______________________________

و قبلت لنفسك» و يقول المشتري له: «بعت المال بثمن على عهدة زيد، و اشتريت له فضولا» فالبائع يدّعي أنّ المشتري اشترى لنفسه بثمن منه، و المشتري يدّعي الشراء للغير بثمن في ذمة ذلك الغير، و هذا مورد التداعي و التحالف.

و قد لا يتوافقان على قصد واحد بأن يقول البائع: «بعتك المال» و يدّعي

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 338.

(2) المصدر، ص 339.

ص: 623

..........

______________________________

و لا يخفى أن تعبير الماتن ب «و قد يظهر» يلوح منه عدم الجزم بظهور عبارة القواعد في وقوع البيع للعامل- الفضولي- واقعا، لبقاء احتمال وقوعه له ظاهرا، لا في

______________________________

المشتري أنه اشتراه للغير لا لنفسه. و هذا مورد الادّعاء و الإنكار، لمطابقة قول البائع لظهور قبول المشتري للبيع، لأنه لم يضفه إلى الغير، و مخالفة قول المشتري للظاهر.

و في هذه الصورة يحكم ببطلان البيع أيضا، لأنّ النية أمر قلبي يمتنع إقامة البيّنة عليها، فيردّ اليمين إلى البائع الذي يوافق كلامه ظاهر العقد و أصل الصحة، فلو حلف على نفي علمه بما قصده المشتري من كون الشراء للغير صح البيع. لكن لا جدوى في هذا الحلف، لعدم منافاته لدعوى المشتري. فلا بدّ من الحلف على نفي ما يدّعيه المشتري، و لمّا لم يكن له طريق إلى نفيه رجع الحلف إلى المدّعي، فيحلف على الفضولية، و يحكم ببطلان البيع، هذا «1».

لكن الظاهر صحة ما أفاده المصنّف من صحة البيع، بلا فرق بين الصورتين، لموافقة قول البائع لظاهر العقد، بناء على ان اعتبار تعيين الذّمة بالقصد أو باللفظ مختص بما إذا قصد جعل الثمن في ذمّة الغير. فاشتغال ذمة المشتري بالثمن لا يتوقف على التعيين، بل يكفي إطلاق العقد و تجرده عن الإضافة إلى الغير في انصرافه الى نفس المشتري.

و على هذا فدعوى المشتري الشراء بثمن كلّي في ذمة زيد منوطة بقرينة دالّة عليه. و حيث إنّ المفروض عدم إضافة الشراء إلى ذمة الغير كان قول البائع موافقا للظاهر، و لا يطالب باليمين ابتداء. نعم لو ادّعى المشتري علم البائع بمقصوده اتّجه الحلف على نفي علمه بما قصده المشتري. و على تقديري الحلف و عدمه يقدّم قول البائع الموافق للظاهر و لأصالة الصحة. و لم يظهر وجه للتفصيل بجعل المسألة موردا للتداعي تارة و للادعاء و الإنكار أخرى. إذ المفروض مخالفة قول المشتري لظاهر العقد، هذا.

______________________________

(1) المحاضرات، ج 2، ص 335.

ص: 624

من إطلاق (1) بعض الكلمات كالقواعد و المبسوط (2) وقوع (3) العقد له

______________________________

نفس الأمر. و عبارة القواعد لا تأبى هذا الاحتمال، كما يظهر بمراجعة كلمات الشرّاح، كقول فخر المحققين قدّس سرّه: «و إن كان- أي شراء من ينعتق على ربّ المال- في الذمة، و أطلق، أو لم يعلم المالك بأنّ العامل نواه، وقع في نفس الأمر عن العامل إن لم ينو المالك. و يقع عنه ظاهرا إن نواه» «1».

و قال المحقق الكركي قدّس سرّه: «و إن لم يكن الشراء بالعين- أي كان بالثمن الذمي- و لا ذكر المالك لفظا و لا نواه- بحيث يعلم به البائع- وقع الشراء للعامل و الزم به ظاهرا» «2» و كذا قوله: «في باب الوكالة لإمكان أن يريد بقوله: لا يقع له- إلزامه به ظاهرا، لأنه المبحوث عنه» «3».

و لعلّه لأجل تطرّق هذه الشبهة في عبارة القواعد قال المحقق صاحب المقابس:

«و الأوّل- أي ثبوت البيع واقعا للفضولي و لغوية نيته و قصده- قضية إطلاق القواعد. و يمكن تنزيله على الثاني، و هو وقوعه له في الظاهر» «4» فراجع.

(1) المراد بالإطلاق- كما نبهنا عليه- عدم تقييد وقوع البيع للفضولي- كالعامل و الوكيل- ب «ظاهرا» إذ من المعلوم اقتضاء هذا الإطلاق الوقوع له باطنا و ظاهرا.

(2) كقوله في الوكالة: «فإذا حلف ثبت البيع في حقّ الوكيل» «5». و كقوله في شراء العامل من ينعتق على ربّ المال: «و إن كان الشراء في الذمة وقع الملك للعامل، و صحّ الشراء .. إلخ» «6».

(3) فاعل «يظهر» و ضمير «له» راجع إلى الطرف الآخر، و هو الأصيل.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 314 و نحوه في ص 347.

(2) جامع المقاصد، ج 8، ص 99.

(3) المصدر، ص 253.

(4) مقابس الأنوار، ص 40.

(5) المبسوط، ج 2، ص 379 و 386.

(6) المبسوط، ج 3، ص 175.

ص: 625

واقعا [1]. و قد نسب ذلك (1) إلى جماعة في بعض فروع المضاربة.

و حيث عرفت (2) أنّ قصد البيع للغير

______________________________

(1) المشار إليه هو وقوع العقد للعامل واقعا و ظاهرا. و لكن لم أظفر في المسالك و الجواهر و جامع المقاصد و الحدائق على هذه النسبة. نعم ذكر السيد العاملي قدّس سرّه- في مسألة شراء شي ء في الذمة و إلزام العامل به- ما لفظه: «لأنّ البيع ظاهرا يقع، و به صرّح الشيخ و جماعة» «1».

و الظاهر أن مراده من كلمة «ظاهرا» هو صحة الشراء بما في الذمة، لا الظاهر في مقابل الواقع و نفس الأمر، لعدم فرض تنازع المالك و العامل حتى يحمل وقوعه للعامل على الحكم الظاهري. و بهذا فيكون الناسب إلى الجماعة هو صاحب مفتاح الكرامة، فراجع.

هذا ما أفاده في المسألة الاولى، و قد تحصّل منه صحة البيع الفضولي لو كان أحد العوضين كليّا في الذمة، و أنّه لو اختلفا في القصد قدّم قول من يوافق كلامه ظاهر العقد، و بالحلف على عدم علمه بما قصده الطرف الآخر يؤاخذ الفضولي بظاهر العقد.

(2) أي: في (ص 617) عند قوله: «ثم إنّ تشخيص ما في الذمة الذي يعقد عليه الفضولي» و هذا تمهيد لبيان المسألة الثانية، و هي الجمع بين المتنافيين في إنشاء الفضولي.

______________________________

[1] و تظهر الثمرة بين وقوع العقد للفضولي واقعا و بين وقوعه له ظاهرا في ترتب أحكام الملك واقعا على ما اشتراه الفضولي بناء على وقوعه له واقعا، و عدم ترتبها عليه بناء على وقوعه له ظاهرا، و لزوم الصلح في جواز التصرف في ملك الغير.

و تظهر الثمرة أيضا في شراء العامل من ينعتق عليه كأحد العمودين.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 462، السطر 10.

ص: 626

أو إضافته (1) إليه في اللفظ يوجب صرف الكلّي إلى ذمة ذلك الغير، كما أنّ إضافة الكلّي إليه (2) توجب صرف البيع أو الشراء إليه (3) و إن لم يقصده (4) أو لم يضفه إليه (5).

______________________________

(1) معطوف على «قصد» و ضمير «إضافته» راجع إلى البيع، و ضمير «إليه» إلى الغير. و إضافة البيع إلى الغير في اللفظ كأن يقول: «بعت لزيد منّا من الحنطة».

(2) أي: إلى الغير، فإنّ إضافة الكلي إليه- كأن يقول البائع الفضولي: «بعتك كرّا من طعام في ذمة زيد» أو يقول المشتري الفضولي: «اشتريت كرّا من طعام بدينار في ذمة زيد»- توجب صرف البيع أو الشراء إلى من أضيف إليه الكلّي.

(3) أي: إلى ذلك الغير.

(4) يعني: و إن لم يقصد الفضولي البيع أو الشراء لذلك الغير.

(5) يعني: و إن لم يضف الفضولي البيع أو الشراء إلى الغير. فالصور المستفادة من المتن أربع:

إحداها: قصد الفضولي البيع أو الشراء للغير من دون إبراز باللفظ.

ثانيتها: إضافة البيع أو الشراء إلى الغير باللفظ. و يدلّ على هاتين الصورتين قوله: «ان قصد البيع للغير أو إضافته» إلى قوله: «ذلك الغير».

ثالثتها: إضافة الفضولي الكلي إلى الغير و إن لم يقصد البيع أو الشراء لذلك الغير، كقوله: «بعت كرّا من طعام في ذمة زيد» أو «بعت هذا الكتاب بدينار في ذمة زيد» و تستفاد هذه الصورة من قوله: «كما أنّ إضافة الكلي إليه» إلى قوله: «و إن لم يقصده».

رابعتها: إضافة الفضولي الكلي إلى الغير و إن لم يقصد البيع أو الشراء للغير، كقوله: «بعتك كرّا من حنطة في ذمة زيد» و يشير إلى هذه الصورة قوله: «أو لم يضفه إليه».

ص: 627

ظهر (1) من ذلك (2) التنافي بين إضافة البيع إلى غيره و إضافة الكلّي إلى نفسه (3)، أو قصده (4) من غير إضافة. و كذا بين إضافة البيع إلى نفسه و إضافة الكلّي إلى غيره (5). فلو جمع بين المتنافيين، بأن قال: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي» أو «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان» ففي (6) الأوّل يحتمل البطلان [1]

______________________________

(1) جواب «حيث» في قوله: «و حيث عرفت».

(2) أي: من وحدة المعقود له فضولا و المضاف إليه الكلّي الذمي- سواء ثبت اتحادهما بالقصد أم بالإضافة لفظا أم بالاختلاف- ظهر التنافي بين إضافة البيع إلى غيره و إضافة الكلّي إلى نفسه، كأن يقول: «بعت عن زيد كرّا من حنطة في ذمتي» حيث إنّ إضافة البيع إلى غيره تقتضي أن يكون الكلي في ذمة ذلك الغير، لا في ذمة نفسه، فإضافة الكلّي حينئذ إلى نفسه أو قصد الكلي من غير إضافة لفظا تنافي إضافة البيع إلى غيره. فهل يحكم بنفوذ البيع بالنسبة إلى نفسه و إلغاء تسمية زيد، أم يحكم بالبطلان رأسا؟ وجهان سيأتي بيانهما.

(3) كقوله: «بعت لزيد كرّا من حنطة في ذمتي».

(4) معطوف على «إضافة» يعني: سواء أ كان جعل الكلي في ذمته بالإضافة لفظا كأن يقول: «في ذمتي» أم بالقصد، كأن يقول: «بعت لزيد كرّا من طعام» قاصدا كون الكرّ من الطعام في ذمة نفسه، مع إضافة البيع إلى غيره و هو زيد.

(5) كقوله: «بعتك كرّا من حنطة بذمة زيد».

(6) جواب الشرط في قوله: «فلو جمع» و المراد بالأوّل: المثال الأوّل، و هو قوله: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي» و الاحتمالان مذكوران في المقابس أيضا، فراجع «1».

______________________________

[1] بل ينبغي القطع بالبطلان بناء على ما اختاره المصنف قدّس سرّه من معنى

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41.

ص: 628

لأنّه (1) في حكم شراء شي ء للغير بعين ماله. و يحتمل إلغاء أحد القيدين (2) و تصحيح المعاملة لنفسه (3) أو لغيره (4).

______________________________

(1) هذا التعليل مبني على ما قرّره من توقف معنى المعاوضة على دخول أحد العوضين في ملك من خرج عنه الآخر، فلا محيص حينئذ عن القول بالبطلان.

(2) و هما قيد «لفلان» و قيد «في ذمتي».

(3) إذا ألقى القيد الأوّل، و هو «لفلان».

(4) إذا ألقى القيد الثاني، و هو «في ذمّتي».

______________________________

المعاوضة، إذ يمتنع الجمع بين القيدين. و هذا محذور ثبوتي لا إثباتي حتى يقال:

بأظهرية أحدهما من الآخر، أو بأرجحية ما هو مقدّم في اللّفظ من الآخر. و من المعلوم أن ذكر كل واحد من القيدين لم يكن هزلا، بل كان جدّيا. فمقتضى قاعدة المعاوضة بطلان العقد في كلتا الصورتين اللّتين هما مثالان للجمع بين المتنافيين، و عدم التأمل في بطلانهما.

كما أنّه بناء على جواز الشراء للغير بمال نفسه و بالعكس ينبغي الجزم بالصحة في الصورة الاولى، و هي «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي» بلا إجازة. و في الصورة الثانية و هي: «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة فلان» مع إجازة ذلك الغير.

و أمّا ما أفاده من احتمال إلغاء أحد القيدين و تصحيح المعاملة لنفسه أو لغيره فلم يظهر له وجه وجيه، لأنّ الإلغاء إمّا اقتراحي، و إمّا للتأخر في الذكر. و كلاهما خلاف الميزان. و لا مجال للأخذ بالأظهرية، و لا بالتقدم الذكري بعد كون الكلام واحدا، و عدم استظهار معنى منه إلّا بعد تماميته.

و بالجملة: فتصحيح العقد بإلغاء أحد القيدين- مع كون كليهما مقصودا- كما هو مقتضى تبعية العقود للقصود في غاية الإشكال، إذ المفروض كون العاقد قاصدا لا هازلا.

ص: 629

و في الثاني (1) يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير، فيقع للغير بعد إجازته، لكن (2) بعد تصحيح المعاوضة بالبناء على التملك في ذمة الغير اعتقادا (3). و يحتمل (4) الصحة بإلغاء (5) قيد «ذمة الغير» [1].

______________________________

(1) أي: في المثال الثاني، و هو قوله: «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان» فإنّ فيه أيضا احتمالين، أحدهما: وقوعه للغير بعد إجازته، قياسا للكلي الذمي بالعين الخارجية في وقوع الشراء له إذا وقع على ما في ذمته، كوقوعه له إذا وقع على ماله الخارجي.

(2) يعني: أنّ وقوع المعاوضة للغير بعد الإجازة منوط بقصد المعاوضة، و هو موقوف على بناء مباشر العقد على تملّكه لذمة الغير اعتقادا حتى يتحقق مفهوم المعاوضة الحقيقية المتقوم بها مفهوم البيع.

(3) التقييد بالاعتقاد إنّما هو لأجل عدم إمكان الغصب في الكليّ حتى يتحقق البناء العدواني أيضا. و مع عدم البناء على التملك اعتقادا لا بدّ من الحكم بالبطلان، لعدم تحقق معنى المعاوضة.

(4) معطوف على «يحتمل» و هذا هو الاحتمال الثاني، و محصله: أنّه يحتمل الصحة لنفسه في المثال الثاني المذكور بقوله: «اشتريت لنفسي هذا بدرهم في ذمة فلان» بأن يلغى قيد «ذمة فلان» لأنّ تقييد الشراء أوّلا بكونه لنفسه كما هو مدلول قوله «اشتريت لنفسي» يوجب إلغاء ما ينافيه من قوله: «في ذمة الغير» لأنّه كالإنكار بعد الإقرار، فلا يسمع.

(5) متعلق ب «يحتمل» و الباء للسببية.

______________________________

[1] الظاهر أنّ الوجه في الفرق بين الأوّل و الثاني- بإلغاء أحد القيدين من دون ترجيح لأحدهما على الآخر في المثال الأوّل، و بإلغاء قيد ذمة الغير بخصوصه في المثال

ص: 630

لأنّ (1) تقييد الشراء أوّلا بكونه لنفسه يوجب إلغاء ما ينافيه من (2) إضافة الذمة إلى الغير. و المسألة (3) تحتاج إلى التأمل [1].

______________________________

(1) تعليل لإلغاء قيد «ذمة الغير» يعني: أنّ قيد ذمة الغير يلغى لأجل كونه منافيا لتقييد الشراء أوّلا لنفسه.

(2) بيان للموصول في قوله: «ما ينافيه».

(3) و هي الجمع بين المتنافيين من قوله: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي».

______________________________

الثاني- هو: «أنّ لفظ اشتريت» بدون التقييد منصرف إلى الشراء لنفسه، و تقييده بقوله:

«لنفسي» متّصلا به يوجب قوة ظهور دلالة «اشتريت» في وقوع الاشتراء للمتكلم، بحيث لا يصلح قوله: «في ذمّتي» في ذيل الكلام لمعارضته، فيحكم بمقتضى هذا الظهور القوي و هو الصحة لنفسه.

و هذا بخلاف ذكر «لفلان» بعد قوله: «اشتريت» فإنّه لكونه منافيا أسقط ظهور إطلاق «اشتريت» و انصرافه إلى الاشتراء لنفسه، و صار معارضا ب «في ذمتي» هذا.

لكن الحقّ- بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي ذكرناه- هو صحة المعاملة في كلا المثالين المذكورين بعد الإجازة. ففي المثال الأوّل يصح الشراء لفلان إذا أجاز، و على العاقد الفضولي دفع الثمن و هو الدرهم الذي جعله في ذمة نفسه. و في المثال الثاني يصح الشراء لنفس العاقد الفضولي إذا أجاز من جعل الدرهم في ذمته.

كما أنّه بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي اختاره المصنف قدّس سرّه لا محيص عن البطلان في كلا المثالين، و عدم الفرق بينهما، لتغاير من له العقد و من عليه الكلّي الذمي، و عدم الوجه في إلغاء أحد القيدين كما عرفت آنفا. و عليه يكون هذا المعنى الذي استظهره المصنف مساوقا للمثال الأوّل و هو قوله: اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي.

[1] الظاهر عدم خفاء في حكم المتنافيين، و هو البطلان في كلا المثالين بناء

ص: 631

ثم إنّه قال (1) في التذكرة: «لو اشترى فضوليا، فإن كان بعين مال الغير، فالخلاف (2) في البطلان أو الوقف على الإجازة. إلّا (3) أنّ أبا حنيفة قال: يقع

______________________________

و «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان».

(1) قد تعرّض المصنف قدّس سرّه لكلام التذكرة هنا، لأنّه استظهر منه أنّ العلّامة في مقام بيان مورد من موارد الجمع بين المتنافيين، و نشير إلى مورد استظهاره إن شاء اللّه تعالى.

(2) و هو الخلاف المعهود في بيع مال الغير لنفسه من البطلان أو التوقف على إجازة الغير، فإنّه جار هنا، فإذا اشترى لنفسه متاعا بعين مال الغير جرى فيه ذلك الخلاف، و كان من الجمع بين المتنافيين.

(3) استدراك على ما في المسألة من القولين- و هما البطلان و الوقف على الإجازة- فإنّ أبا حنيفة خالف و ذهب إلى قول ثالث، و هو الصحة و وقوعه للمشتري على كل حال، سواء أجاز المالك أم ردّ.

______________________________

على مختار العلّامة و المصنف قدّس سرّهما في معنى المعاوضة.

و ما احتمله في المتن- من تصحيح الشراء في المثال الأوّل للمباشر بإلغاء قيد «لفلان» أو للغير بإلغاء قيد «في ذمّتي» على نحو التخيير. و كذا في المثال الثاني من احتمال الصحة للمباشر، لإلغاء قيد «في ذمة فلان» تعيينا، لتأكّد ظهور ضمير المتكلم في «اشتريت» في كون الشراء لنفس العاقد بقوله: «لنفسي» و أقوائية ظهوره من ظهور «في ذمة فلان»- ضعيف.

أمّا الأوّل فلما فيه من: أنّ مقتضى القاعدة في القيود و الأمور المتنافية سقوط الجميع عن الاعتبار، كوقوع عقدين على امرأة لرجلين في زمان واحد، و غيره من أمثاله.

لا التخيير الذي يختص بباب تعارض الأخبار لدليل خاص، و هو الأخبار العلاجية.

ص: 632

للمشتري بكلّ حال «1» (1). و إن (2) كان في الذمة لغيره (3) و أطلق اللفظ، قال

______________________________

(1) يعني: سواء أجاز المالك أم ردّ.

(2) معطوف على «فإن كان» يعني: و إن كان الشراء الفضولي الذي هو للغير كزيد بثمن في ذمة نفس العاقد المباشر- بأن يتعلق «لغيره» ب «اشترى» المستفاد من السياق، يعني: اشترى للغير، و جعل العوض في ذمة نفسه بدون ذكره لفظا، كأن يقول: «اشتريت كرّا من الحنطة بدينار» و أطلق اللفظ بأن لم يقل: «بدينار في ذمتي»- قال علماؤنا: يقف على الإجازة، فإن أجازه المعقود له- و هو زيد في المثال- لزمه أداء الثمن قضية للمعاوضة، و اقتضاء دخول المثمن في ملكه خروج الثمن عن ملكه.

و إن ردّه صحّ عن العاقد المباشر، لما سيأتي من وجهه.

(3) هذا مورد استظهار المصنف، فإنّ المراد بقول العلامة: «و إن كان في الذمة لغيره» على ما فهمه المصنف هو «و إن كان الاشتراء للغير بثمن في ذمة نفسه» فيكون حينئذ من جزئيات تنافي القصدين، و هما قصد الشراء للغير، و كون الثمن في ذمة نفسه.

و عليه يكون هذا المعنى الذي استظهره المصنف مساوقا للمثال الأوّل، و هو قوله: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي».

______________________________

و أمّا الثاني فلما فيه من عدم الوجه في تقديم قيد «لنفسي» و إلغاء قيد «في ذمة فلان» و الحكم بصحة الشراء للمباشر، و ذلك لأنّ التقديم إن كان لأجل تقدم «لنفسي» لفظا على «في ذمة فلان» فهو يقتضي تقدم «لفلان» على «في ذمتي» و الحكم بصحة الشراء لذلك الغير تعيينا في المثال الأوّل أيضا، لا تخييرا.

و إن كان التقديم لأجل الأظهرية- ببيان: أنّ ظهور ضمير المتكلم في «اشتريت لنفسي» قد أكّد ب «لنفسي» فصار ظهور الشراء لنفس العاقد أقوى من ظهور الشراء للغير،

______________________________

(1) راجع المغني، لابن قدامة، ج 4، ص 227.

ص: 633

______________________________

فيلغى قيد «في ذمة فلان» لكونه منافيا لظهور «اشتريت لنفسي» بحيث يصير من قبيل الإنكار بعد الإقرار- ففيه: أنّ حديث تقديم الأظهر على الظاهر إنّما يكون فيما إذا كان الظاهر و الأظهر في كلامين. و أمّا إذا كانا في كلام واحد فلا يؤخذ بظاهر الكلام إلّا بعد تماميته، فربّما يصير الظاهر مقدّما على الأظهر، كما في تقديم «يرمي» الذي يكون ظهوره بالإطلاق على «أسد» الذي يكون ظهوره بالوضع. و في المقام يكون الظاهر و الأظهر في كلام واحد.

بل ما نحن فيه أجنبي عن بحث الظاهر و الأظهر، لكون «في ذمة فلان» أيضا في غاية الظهور. و عليه فالقيدان- و هما «لنفسي» و «في ذمة فلان»- متساويان في الظهور.

فتلخص ممّا ذكرنا أمور:

الأوّل: أنّ المثالين المذكورين من صغريات الجمع بين المتنافيين بناء على ما اختاره المصنف قدّس سرّه من معنى المعاوضة.

الثاني: أنّه لا وجه لإلغاء أحد القيدين تخييرا، و الحكم بصحة الشراء للعاقد المباشر أو للغير في المثال الأوّل. بل لا بدّ من إلغاء كليهما و الحكم بالبطلان.

الثالث: أنّه لا وجه لترجيح أحد القيدين و الأخذ بأحدهما تعيينا، و الحكم بصحة الشراء للمباشر في المثال الثاني.

الرابع: أنّ الحق هو البطلان في كلا المثالين، لكون كلا القيدين فيهما مقصودا جدّا لا هزلا، مع امتناع الجمع بينهما، فلا محيص عن بطلان العقد.

هذا كله بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي اختاره المصنف قدّس سرّه.

و أمّا بناء على كون المعاوضة في مقابل المجانية- على التفصيل الذي تقدم سابقا- فالحق صحة العقد في كلا المثالين، فيصح للغير في المثال الأوّل بعد إجازته، و للمباشر بعد إجازة الغير في المثال الثاني.

الخامس: أنّه بناء على المعنى الذي اخترناه في المعاوضة لا يتحقق التنافي الذي ذكره المصنف في شي ء من الموارد، و يكون الحكم في الجميع الصحة.

ص: 634

علماؤنا: يقف على الإجازة. فإن أجازه (1) صحّ، و لزمه أداء الثمن. و إن ردّ نفذ عن المباشر (2). و به (3) قال الشافعي في القديم (4)، و أحمد. و إنّما يصح الشراء (5) لأنّه تصرف في ذمته [1].

______________________________

(1) أي: المعقود له كزيد في المثال. و وجه صحته: شمول العمومات له، إذ المفروض أنّ الفضولي عقد الشراء لزيد، و هو بمقتضى المعاوضة يوجب كون ذمته مشغولة بالثمن، لا ذمة نفس الفضولي، لأنّه خلاف مقتضى المعاوضة. و مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» هو نفوذ إجازته لهذا الشراء، فيصير الشراء لمن قصده الفضولي.

(2) و هو العاقد الفضولي، و لزمه أداء الثمن من ماله، إذ لا مانع من وقوعه للفضولي إلّا مجرّد قصد كون الشراء لغيره، من دون تقييد الإنشاء بما يدلّ عليه صريحا، كقوله: «للغير» أو ظاهرا، كإضافة الثمن الكلي إلى ذمته. و ردّ المعقود له رافع للقصد المذكور و مزيل لفضوليته، فيشمله عموم ما يدلّ على وجوب الوفاء بالعقود.

و إن شئت فقل: إنّ قصد الشراء لنفسه ليس شرطا لوجوب الوفاء، بل قصد الغير مانع، و هو يرتفع بالرّد و لو حكما و تنزيلا، بشهادة الإجماع المدّعى في المتن.

(3) أي: و بنفوذ الشراء عن المباشر إن ردّ الشراء قال .. إلخ.

(4) هذا اسم لآرائه حين إقامته ببغداد، و الجديد اسم لآرائه الصادرة منه بعد انتقاله إلى مصر و إقامته فيه.

(5) أي: يصحّ الشراء لنفس الفضولي عند ردّ المعقود له، لأنّ الفضولي المباشر للعقد قصد تصرّف في ذمة نفسه بجعل الثمن الذي يدفعه إلى البائع في ذمته، لا في ذمة الغير.

______________________________

[1] استشهد المصنف قدّس سرّه بهذه العبارة على أنّ مراد العلّامة بقوله: «و إن كان في الذمة لغيره» جعل الثمن في ذمة نفس العاقد الفضولي، لرجوع ضمير «ذمته» إلى المباشر. فكأنّه قال: «يصح الشراء للعاقد الفضولي، لأنّه إنّما تصرّف في ذمة نفسه، لا في

ص: 635

لا في (1) مال غيره (2).

______________________________

(1) كما في الفرض الذي ذكره بقوله: «فان كان بعين مال الغير».

(2) هذا الضمير و ضمائر «لأنّه، تصرّف، ذمته» راجعة إلى الفضولي.

______________________________

عين مال غيره- و هو منويّ الفضولي- حتى يكون منهيّا عنه، فيفسد من أجله الشراء» هذا.

أقول: يمكن أن يقال: إن ضمير «ذمته» راجع إلى «غيره» في قوله: «لغيره» و معناه:

أنّه يصحّ الشراء للمباشر، لأنّ المباشر تصرّف في ذمة الغير التي هي ليست مالا و لا ملكا حتى يصحّ جعله عوضا، إلّا إذا أجاز ذلك الغير، و لم يتصرف في ماله الخارجي حتى يفسد الشراء، و لا يقبل الصحة بالإجازة.

و بالجملة: فلا يشهد قوله: «لأنّه تصرف في ذمته» بما أفاده المصنف قدّس سرّه من جعل الثمن في ذمة المباشر.

و لا بأس ببيان ما يحتمل في قول العلّامة: «و إن كان في الذمة لغيره» فنقول: إنّه يحتمل أن يراد بقوله: «في الذمة» كون الثمن كلّيا في الذمة، من غير التفات إلى تعلقه بذمة نفس المباشر أو غيره، و عدم تعيين ذمة أحدهما. لكن مع قصد كون الشراء للغير، كأن يقول: «اشتريت هذا الكتاب لزيد بدينار» من دون بيان كونه في ذمة نفسه أو غيره، و من دون التفات إلى ذلك.

و على هذا الاحتمال يكون قوله: «للغير» خبرا بعد خبر، كأنّه قيل: «كان الشراء في الذمة» أي: ليس الثمن عينا خارجية، بل هو كلّي ذمّي، و كان الشراء لغيره. فإنّ كلّ واحد من خبرين أو أخبار متمّم للفائدة. كقوله: «زيد عالم عادل» فإنّ كلّ واحد من هذين الخبرين خبر مستقل لزيد.

و يحتمل أن يراد الاشتراء بثمن في ذمة الغير، فكأنّه قال: «و إن كان الاشتراء بثمن في ذمة الغير» كما هو مقتضى المقابلة و العطف على قوله: «فإن كان بعين مال الغير»

ص: 636

______________________________

فالفضولي يشتري متاعا لزيد بدينار في ذمة زيد. و هذا الاحتمال مبني على أن يكون «لغيره» ظرفا مستقرّا نعتا للذمة، فكأنّه قال: و إن كان الاشتراء في الذمة الكائنة لغير العاقد الفضولي.

و يحتمل أن يراد الاشتراء للغير بثمن في ذمة نفس العاقد الفضولي كما استظهره الشيخ قدّس سرّه، و لذا جعله من صغريات الجمع بين المتنافيين، بتقريب: أنّ معنى «و إن كان في الذمة لغيره» هو: و إن كان الاشتراء لغيره في ذمة نفس العاقد الفضولي، بقرينة التعليل بقول العلامة قدّس سرّه: «لأنّه تصرّف في ذمته» أي: لأنّ الفضولي تصرّف في ذمة نفسه.

و بالجملة: فالاحتمالات المتصورة ثبوتا في الثمن الكلّي الذمي أربعة.

أحدها: كون الذمة مطلقة.

ثانيها: كونها مضافة إلى ذمة الفضولي.

ثالثها: كونها مضافة إلى من اشترى له الفضولي.

رابعها: كونها مهملة.

هذه هي الوجوه المحتملة ثبوتا في الثمن الكلّي الذّمي المجعول عوضا في الشراء الفضولي.

و أمّا الظاهر من هذه الاحتمالات- بحيث يصح الركون إليه في مقام الإثبات عند أبناء المحاورة- فهو الاحتمال الثاني، لأنّ السياق يقتضي ذكر قسمي الثمن الذي يقع الشراء عليه.

أحدهما: كون الثمن عينا خارجية للغير، و هو منويّ الفضولي.

و ثانيهما: كون الثمن كلّيّا في ذمة ذلك الغير. فإنّ المناسب أن يكون عدل «فان كان بعين مال الغير» هو «و إن كان بما في ذمته» أي: ذمة ذلك الغير، حتى يستوفى حكم الشراء الفضولي بكلا قسمي الثمن المجعول على من اشترى الفضولي له من الثمن الشخصي و الكلي.

و أمّا جعل الثمن الكليّ على غير منويّ الفضولي فهو خلاف ظاهر السياق،

ص: 637

______________________________

و لا موجب للحمل على خلاف الظاهر.

و لا ينافي هذا الظهور تعليل صحة الشراء للفضولي بقوله: «لأنّه تصرف في ذمته لا في مال غيره» و ذلك لأنّ معناه: أنّ الفضولي لم يتصرف في مال الغير حتى يكون الشراء فاسدا للنهي، و غير قابل لإجازة الفضولي، و إنّما تصرّف في ذمته أي ذمة ذلك الغير. و ذلك ليس تصرفا في مال الغير، لأنّ الكلي الذمي لا يصير مالا عند العقلاء إلّا بعد أن يضيفه صاحب الذمة إلى نفسه. و إضافة غيره الى ذمته كالعدم، و لا تجعله مالا عرفا.

فإذا ردّ من قصد له الشراء فمقتضى القاعدة البطلان، و عدم إمكان تصحيحه بإجازة العاقد الفضولي، لعدم المقتضي و هو إنشاء الشراء له، إذ لم يكن الفضولي مقصودا في إنشاء الشراء لمن اشترى له. فالالتزام بوقوعه له مع الإجازة أو بدونها مخالف لقاعدة تبعية العقود للقصود، و لحقيقة المعاوضة بمعناها الذي اختاره العلّامة و الشيخ قدّس سرّهما.

فالقول بصحته مشكل.

إلّا أن يقال بما أسلفناه سابقا من: أنّ المعتبر في متعلق القصد هو نفس التبديل بين المالين، لتقوم البيع به، دون غيره من الخصوصيات كالبائع و المشتري، و من المعلوم تحقق القصد بهذا النحو هنا.

و عليه فلا قصور في شمول عمومات الصحة له إذا أجاز الفضولي بعد ردّ من اشترى له الفضولي، فإنّ المعاوضة بالمعنى الذي بيّناه سابقا متحققة في المقام.

و كيف كان ففي صورة إطلاق الذمة و الشراء لفظا و قصدا- و كذا في صورة إهمالهما كذلك- ينصرف الشراء إلى الفضولي، و يكون عليه أداء الثمن، لشمول العمومات لهما بلا مانع. و في صورة إطلاق اللفظ و قصد الشراء للغير يتعيّن الشراء لمن قصد.

و بالجملة: فمع قصد الغير يتعيّن الشراء له، فإن أجاز ألزم بأداء الثمن سواء أطلق اللفظ أم أهمل.

ص: 638

و إنّما (1) توقّف على الإجازة [1] لأنّه (2) عقد الشراء له، فإن أجازه (3) لزمه، و إن ردّه لزم لمن اشتراه. و لا فرق بين أن ينقد (4) من مال الغير أو لا. و قال أبو حنيفة: يقع (5) عن المباشر، و هو جديد للشافعي» انتهى (6).

______________________________

(1) إشارة إلى توهم، و هو: أنّه بناء على وقوع الشراء للفضولي المباشر للعقد- لكونه متصرّفا في ذمة نفسه، لا في ذمة غيره حتى لا يصح الشراء له كما في الفرض الذي نقله الشيخ بقوله: فان كان بعين مال الغير- فما وجه توقّف المعاملة على إجازة الغير الذي ردّ الشراء؟

(2) هذا دفع التوهم المزبور، و محصله: أنّ هذا التوقف إنّما هو لأجل أنّ الفضولي المباشر للعقد قد عقد الشراء ابتداء للغير و إن أضاف الثمن إلى ذمة نفسه قصدا لا لفظا.

(3) يعني: فإن أجاز الغير هذا الشراء لزمه، و صار الشراء له، و إن ردّه لزم للعاقد المباشر.

(4) بالقاف و الدال المهملة كما هو في التذكرة، و المراد به الإعطاء، يعني: لا فرق في لزوم المعاملة للمباشر بين إعطاء الثمن من مال الغير و من مال نفسه.

(5) أي: يقع الشراء عن المباشر للعقد مطلقا من دون توقفه على ردّ الغير للشراء.

(6) أي: انتهى كلام العلّامة قدّس سرّه في التذكرة «1».

______________________________

[1] الظاهر أنّ الأولى أن يقال: «و إنّما توقف نفوذه عن المباشر على عدم الإجازة أو الرد، لأنّه .. إلخ». إذ المفروض أنّ نفوذ الشراء للعاقد الفضولي مترتب على ردّ الغير للشراء، لا على إجازته، فتدبّر.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463.

ص: 639

و ظاهره (1) الاتفاق على وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا، كما يشعر به (2) تعليله (3) بقوله: «لأنّه [1] تصرف في ذمته لا في مال الغير [2]».

______________________________

(1) أي: و ظاهر كلام العلّامة الاتّفاق على وقوع الشراء للعاقد الفضولي في صورة ردّ الغير له، و كونه عقدا للعاقد الفضولي واقعا. أمّا ظهور كلامه في الاتفاق فلقوله: «قال علماؤنا» فإنّه من الألفاظ الظاهرة في الإجماع. و أمّا ظهوره في وقوع العقد للفضولي واقعا فلمقابلته مع وقوع الشراء للمجيز، إذ لا ريب في وقوعه للمجيز واقعا، فإنّ هذه المقابلة قرينة على وقوع الشراء للفضولي واقعا أيضا.

(2) أي: بوقوع الشراء للمشتري. و قوله: «للمشتري» متعلق ب «وقوع الشراء».

(3) أي: تعليل العلّامة في التذكرة بأنّ المشتري تصرّف في ذمة نفسه لا في مال الغير.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا التعليل- بناء على المعاوضة بالمعنى الذي اختاره العلّامة و المصنف قدّس سرّهما، و بناء على رجوع ضمير «ذمته» إلى الفضولي- يناسب بطلان العقد رأسا، لعدم إنشاء مفهوم المعاوضة على مذهبهما، فلم يتحقق عقد حتى تصل النوبة إلى تنفيذه بإجازة الفضولي، أو منويّة.

و إن شئت فقل: إنّ إجازة عقد الفضولي شرط لتنفيذ العقد، فالشرط متأخر عن وجود المقتضي، لأنّه شرط لتأثيره، و مع عدم المقتضي لا موضوع للإجازة.

[2] يستفاد من هذا الكلام أمران:

أحدهما: تعيّن الذمة، لا إطلاقها و لا إهمالها كما في بعض الكلمات، غاية الأمر أنّها إمّا ذمّة الفضولي كما استظهره بعض كالمصنف، و إمّا ذمّة من اشترى له الفضولي.

ثانيهما: أنّ العقد لأيّ شخص وقع يقع واقعا لا ظاهرا، على ما هو مقتضى التعليل:

«بأنّه تصرف في ذمته لا في ذمة غيره» فإنّه يناسب وقوعه واقعا لا ظاهرا، كما بيّناه في التوضيح.

ص: 640

لكن (1) أشرنا سابقا (2) إجمالا إلى أنّ تطبيق هذا (3) على القواعد مشكل، لأنّه (4)

______________________________

(1) هذا إشكال المصنف على العلّامة قدّس سرّهما في وقوع الشراء للعاقد الفضولي إذا ردّه الغير.

(2) أشار إليه في (ص 574) بقوله: «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير .. فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه» فراجع.

(3) يعني: هذا الشراء، بناء على ما استظهره المصنف قدّس سرّه من عبارة التذكرة من جعل الفضولي الثمن في ذمة نفسه، لا ذمّة من اشترى له، فإنّ إشكاله مبني على هذا الاستظهار، لقوله: «إذا جعل المال في ذمته .. إلخ».

(4) أي: لأنّ المشتري العاقد، و توضيح الاشكال على صحة هذا الشراء للفضولي العاقد هو: أنّ العاقد إمّا أن يجعل المال في ذمة نفسه بالأصالة أي بقصد إخراج المال من ملك نفسه واقعا و بدون قصد النيابة عن الغير، و إما أن يجعل المال في ذمة نفسه بانيا على كونه نائبا عن ذلك الغير بأن يأخذ بدله من غيره.

فعلى الأوّل إمّا أن يلتزم بالبطلان واقعا، و إمّا بوقوعه للمباشر ظاهرا لا واقعا.

بيانه: أنه مع جعل المال في ذمة نفسه بالأصالة لو رجّحنا قصده و نيّته من وقوع العقد لذلك الغير مع خروج العوض من ملك هذا العاقد كان باطلا واقعا، لما تكرّر من تقوم المعاوضة بالمبادلة بين المالين في إضافة الملكية، فلا يعقل وقوع البيع لذلك الغير المنوي و خروج الثمن من العاقد. و لو رجّحنا وقوع العقد لنفس العاقد لترجيح وقوعه في ذمة نفسه على وقوعه لذلك الغير حكمنا بصحته للمباشر، و لا وجه لوقوعه لذلك الغير.

و على الثاني- و هو قصد جعل الثمن في ذمة نفسه نيابة و وكالة عن الغير المنوي- يشكل وقوع العقد لذلك الغير من وجهين سيأتي بيانهما.

ص: 641

إذا جعل المال في ذمته بالأصالة، فيكون (1) ما في ذمته كعين ماله، فيكون كما لو باع عين ماله لغيره.

و الأوفق بالقواعد في مثل هذا (2) إمّا البطلان لو عمل بالنية (3) بناء (4) على أنّه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير في ملك غيره قهرا. و إمّا (5)

______________________________

(1) جواب الشرط في قوله: «إذا جعل» أي: كان ما في ذمته- في صورة الأصالة- كعين ماله الخارجي، فيكون وزان هذا الشراء- في عدم الصحة- وزان بيع عين ماله لغيره، فإنّ كليهما محكوم بالبطلان.

(2) أي: في مثل هذا الشراء الذي جعل الفضولي ثمن الشراء في ذمة نفسه، و محصل ما أفاده هو: أنّ الأوفق بالقواعد في هذا الشراء: إمّا البطلان مع رعاية العمل بنية الشراء للغير، بناء على ما اختاره المصنف في معنى المعاوضة من عدم تعقل دخول المبيع- الذي هو عوض الثمن الذي يدفعه الفضولي إلى البائع- في ملك من عقد له الشراء.

و إمّا الصحة للفضولي مع إلغاء نية الشراء للغير، لانصراف المعاملة إلى مالك العين قهرا كما هو مقتضى المعاوضة و إن نوى خلافه.

(3) أي: نية الشراء للغير.

(4) تعليل للعمل بالنية، يعني: أنّ العمل بنية الشراء إنّما هو لأجل معنى المعاوضة الذي مرّ مرارا، فإنّه يقتضي انتقال المبيع إلى الفضولي المعطي للثمن، لا انتقاله إلى من وقع الشراء له فضولا.

(5) معطوف على قوله: «إمّا البطلان» و هذا هو الشق الثاني، و حاصله: أنّ صحة هذا الشراء و وقوعه لنفس العاقد الفضولي مبنيّة على إلغاء نيّة الشراء للغير، لأجل انصراف المعاملة إلى مالك العين- و هي الثمن- قهرا، بحيث يكون هذا الانصراف ملغيا لتلك النية التي هي على خلاف مقتضى الانصراف، و بعد إلغاء نية

ص: 642

صحته و وقوعه لنفسه (1) لو ألغيت النية (2)، بناء (3) على انصراف المعاملة إلى مالك العين قهرا، و إن نوى خلافه.

و إن جعل (4) المال في ذمته لا من حيث الأصالة، بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا، ففيه (5) مع [فمع] الإشكال في صحة هذا (6)- لو لم يرجع (7) إلى الشراء في ذمة الغير-

______________________________

الشراء لهذا الانصراف يصحّ الشراء للفضولي.

(1) أي: لنفس الفضولي.

(2) أي: نية الشراء للغير. و قوله: «لو ألغيت» قيد ل «صحته».

(3) تعليل لإلغاء النية، و قد مرّ بيانه آنفا بقولنا: «لأجل انصراف المعاملة إلى مالك العين».

(4) معطوف على «إذا جعل المال في ذمته» توضيحه: أنّه إذا جعل الفضولي الثمن في ذمته- لا من جهة الأصالة، بل من جهة النيابة عن الغير فضولا- اتّجه عليه إشكالان، أحدهما: ابتناؤه على جريان الفضولي في الوكالة، و جريانه فيها مشكل، إذ الوكالة عبارة عن الاستنابة في التصرف، و الفضولي عبارة عن المباشرة في التصرف من عند نفسه. نعم لو جعل نفسه نائبا عن الغير و أجازه المنوب عنه قبل إيجاد العمل الذي يريد النيابة فيه حصلت الوكالة قبل مباشرة العمل بسبب الإجازة، حيث إنّ الوكالة من العقود الجائزة التي تتحقق بكل لفظ يؤدّي الاستنابة، و بتحقق الوكالة لا معنى للفضولية حينئذ.

(5) جواب الشرط في قوله «و إن جعل».

(6) أي: جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا.

(7) إذ مع رجوع جعل نفسه نائبا عن الغير إلى الشراء في ذمة الغير- بدون النيابة عنه- لا يرد عليه إشكال جريان الفضولي في الوكالة، و إن ورد عليه إشكال

ص: 643

أنّ (1) اللازم من هذا أنّ الغير إذا ردّ هذه المعاملة و هذه النيابة تقع فاسدة من أصلها، لا أنّها تقع للمباشر.

نعم (2) إذا عجز المباشر من إثبات ذلك (3) على البائع لزمه ذلك (4) في ظاهر الشريعة كما ذكرنا سابقا (5)، و نصّ عليه (6) جماعة (7) في باب التوكيل.

______________________________

الشراء في ذمة الغير، و هو خروجه عن حقيقة المعاوضة. فليس مراده بقوله: «لو لم يرجع .. إلخ» أنه مع رجوعه إليه يخلو عن الإشكال.

(1) هذا هو الإشكال الثاني على تقدير النيابة عن الغير، و محصل الاشكال: أنّه بناء على جعل المال في ذمة الفضولي نيابة عن الغير- لا أصالة عن نفسه- يلزم الالتزام بفساد هذه المعاملة إذا ردّها الغير أي المنوب عنه، لأنّ المفروض إنشاء الشراء له، فإذا ردّه بطل من أصله، لا أنّه يقع للمباشر.

(2) استدراك على قوله: «لا أنّها تقع للمباشر» يعني: أنّ المعاملة تقع للمباشر في صورة واحدة، و هي: ما إذا عجز العاقد المباشر عن إثبات جعل المال في ذمته نيابة عن الغير- لا أصالة عن نفسه- لزمه الشراء حينئذ، و حكم بكون الشراء له ظاهرا، لا عن ذلك الغير.

(3) أي: إثبات جعل المال في ذمته نيابة عن الغير، لا أصالة عن نفسه.

(4) أي: وقوع الشراء له ظاهرا لا واقعا، لعدم طريق إلى إثباته واقعا.

(5) حيث تقدم قوله في (ص 622): «ان الطرف الآخر لو لم يصدقه على هذا القصد و حلف على نفي العلم حكم له على الفضولي، لوقوع العقد له ظاهرا».

(6) أي: على وقوع الشراء للمباشر ظاهرا.

(7) كالمحقق و فخر المحققين و المحقق الكركي و السيوري و الشهيد الثاني قدّس سرّهم.

قال في الشرائع: «الرابعة: إذا اشترى إنسان سلعة و ادّعى أنه وكيل لإنسان، فأنكر، كان القول قوله مع يمينه، و يقضى على المشتري بالثمن سواء اشترى بعين أم في ذمة.

ص: 644

و كيف كان (1) فوقوع (2) المعاملة في الواقع مردّدة بين المباشر و المنوي دون التزامه خرط القتاد.

و يمكن تنزيل العبارة (3) على الوقوع للمباشر ظاهرا، لكنّه بعيد (4).

______________________________

إلّا أن يكون ذكر أنّه يبتاع له في حالة العقد» «1».

(1) يعني: سواء جعل الثمن في ذمة الفضولي أصالة أم نيابة تكون المعاملة باطلة رأسا، أو صحيحة للفضولي، و لا تكون مردّدة بين الفضولي المباشر للعقد و من عقد له الشراء، فلا وجه لقول العلّامة بوقوع العقد مردّدا بين المباشر و المنوي.

(2) مبتدء، و «مرددة» حال من المعاملة، و «خرط» مبتدء ثان، و «دون» خبره. و هذه الجملة خبر «وقوع» يعني: فوقوع المعاملة حال كونها مرددة بين المباشر و المنوي خرط القتاد يكون أخفّ من الالتزام بوقوعها كذلك، فإنّ هذا الالتزام أصعب و أشد إشكالا من خرط القتاد.

(3) أي: عبارة العلّامة في التذكرة، و هي «و إن ردّ نفذ عن المباشر».

(4) يعني: لكن حمل العبارة المذكورة على الوقوع للمباشر ظاهرا بعيد. وجه بعده هو: أنّ تعليل العلّامة قدّس سرّه وقوع العقد للمباشر الفضولي بقوله: «لأنه تصرّف في ذمته» يقتضي وقوعه له واقعا، إذ المناسب لوقوع العقد للمباشر ظاهرا تعليله بقوله:

«لأنّ العقد وقع له بمقتضى إطلاقه» فإن المناسب للوقوع الظاهري هو الإطلاق الدال على ثبوت شي ء ظاهرا.

هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل من الأمرين المذكورين في التتمة.

______________________________

(1) الشرائع، ج 2، ص 205، و قد تقدم تخريج أقوال الآخرين في ص 622، فراجع.

ص: 645

[الأمر الثاني: جريان بيع الفضولي في المعاطاة]

الثاني (1): الظاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا

______________________________

الأمر الثاني: جريان بيع الفضولي في المعاطاة

(1) هذا هو ثاني الأمرين اللّذين قال الشيخ قدّس سرّه في (ص 615): «بقي هنا أمران» و الغرض من عقده التنبيه على أمر آخر ممّا يتعلّق ببيع الفضولي، و هو: أنّ محلّ النزاع في صحة بيع الفضولي هل يختص بالعقد اللفظي، فلا تجدي إجازة المالك لو باع الفضولي بالمعاطاة، أم يعمّ كلا القسمين؟

يظهر من صاحب المقابس الاختصاص، و بطلان بيعه معاطاة، قال قدّس سرّه:

«تذنيب: فليعلم أنّ ما سبق كلّه فيما إذا باع أو اشترى الفضولي بالصيغة. فأمّا لو باع أو اشترى بطريق المعاطاة فإنّه يلغو و يفسد من أصله، و لا يقف على الإجازة على الأقرب، للأصل .. إلخ» «1». و يظهر من استدلاله الآتي في المتن عدم الفرق بين القول بالملك و الإباحة. و إن مال في آخر كلامه إلى جواز التصرف في مال المالك لو علم برضاه به.

و يظهر من السيد المجاهد قدّس سرّه العموم، لقوله في ثالث تنبيهات المسألة: «لا فرق في بيع الفضولي بين أن يكون معاطاة أو لا، فلا يشترط في صحة بيع الفضولي عدم المعاطاة» «2» و لعلّ هذا مبني على مختاره من ترتب الملك على المعاطاة، لا الإباحة.

و يظهر من المصنف قدّس سرّه التفصيل بين إفادة المعاطاة للملك فتجري الفضولية فيها، و للإباحة فلا تجري فيها. كما نبّه عليه في آخر التنبيه.

و محصّل ما أفاده قدّس سرّه- بناء على ما هو الحق من كون المعاطاة بيعا كالعقد مفيدة للملك- هو عدم الفرق فيما تقدّم من أقسام بيع الفضولي بيع البيع العقدي و المعاطاتي إذا وقعت على نحو الفضولي، فإنّ المعاطاة حينئذ تكون من مصاديق البيع العرفي، و يجري عليها ما يجري على البيع اللفظي من الأحكام، من دون فرق بينهما إلّا في الإنشاء، حيث إنّ الإنشاء في المعاطاة يكون بالفعل، و في البيع بالصيغة يكون

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41 و 42.

(2) المناهل، ص 289.

ص: 646

من أقسام بيع الفضولي (1) بيع البيع العقدي و المعاطاة [1] بناء (2) على إفادتها

______________________________

بالقول. و هذا ليس بفارق بينهما في الأحكام بعد صدق البيع العرفي على كليهما بوزان واحد.

نعم بناء على كون الفضولي على خلاف القاعدة، و اختصاص دليله بالبيع اللفظي- ظهورا أو تيقنا- لا يجري الفضولي في المعاطاة، للزوم الاقتصار على مورده، إذ مع الشك في شمول دليله للبيع المعاطاتي لا يجوز التمسك به.

(1) من البيع لنفسه أو للمالك مع النهي و عدمه.

(2) قيد لقوله: «لا فرق» يعني: أنّ جريان الفضولي في المعاطاة مبني على إفادتها الملك، لا إفادتها الإباحة، و لا إفادة التصرف أو التلف للملكية.

و الحاصل: أنّ الفضولي الجاري في البيع اللفظي يجري في المعاطاة إذا كانت بيعا حتى تفيد بنفسها الملكية كالبيع بالصيغة، إذ لو كانت الملكية مترتبة على التصرف أو التلف لخرجت المعاطاة عن السببية للملكية و عن حريم البيع، مع أنّ جريان الفضولي في المعاطاة مبني على كونها بيعا مفيدا للملكية.

______________________________

[1] ينبغي التكلم في مقامين، الأوّل: في جريان الفضولي في المعاطاة و عدمه، بناء على كونها بيعا مفيدا للملك.

الثاني: في جريان الفضولي و عدمه في المعاطاة بناء على إفادتها للإباحة.

أمّا المقام الأوّل فمجمل الكلام فيه: أنّه ينبغي التكلم في جهتين: إحداهما: كون المعاطاة بيعا مفيدا للملكية حال حدوثها.

و ثانيتهما: إفادتها للملكية بقاء أي: حين التصرف أو تلف العينين أو إحداهما.

أمّا الجهة الأولى فهي: أنّه إذا كان كل من الفضولي و المعاطاة على طبق القاعدة فلا ينبغي الإشكال في جريان الفضولي في المعاطاة، إذ المفروض كونها بيعا كالبيع بالصيغة، فيشملها العمومات الدالة على صحة البيع بأقسامه، فيجري على البيع المعاطاتي من الأحكام ما يجري على البيع القولي.

ص: 647

للملك، إذ لا فارق بينها (1) و بين العقد، فإنّ (2) التقابض بين الفضوليين أو فضولي و أصيل إذا وقع بنيّة التمليك و التملك، فأجازه المالك، فلا مانع من وقوع المجاز من حينه (3) أو من حين الإجازة. فعموم (4) مثل قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ شامل له.

______________________________

(1) أي: بين المعاطاة.

(2) هذا تصوير المعاطاة الجارية بين الفضوليين و هما البائع و المشتري، أو بين فضولي- كالبائع لمال الغير فضولا- و أصلي كالمشتري لنفسه، أو العكس، فإنّه إذا وقعت المعاطاة بنية التمليك و التملك كانت بيعا مملّكا كالبيع القولي، فإذا أجازها المالك فلا مانع من نفوذها.

(3) أي: من حين التقابض، و هذا الترديد إشارة إلى الخلاف في كاشفية الإجازة و ناقليتها.

(4) هذا متفرع على كون المعاطاة الفضولية بيعا مجازا، ضرورة أنّه بعد فرض مصداقيتها للبيع الجامع للشرائط- التي منها رضا المالك و إجازته- يشملها عموم ما دلّ على صحة البيع مثل «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

______________________________

و إذا كان الفضولي على خلاف القاعدة، و أنّه مختص بالنكاح و البيع اللفظي فلا يجري إلّا في موارد دلّ الدليل على جريانه فيها، و لا يتعدّى إلى غيرها.

و كذا إذا كانت المعاطاة على خلاف القاعدة فضلا عما إذا كان كلاهما على خلافها. فجريان الفضولية في المعاطاة منحصر فيما إذا كان كلاهما على طبق القاعدة.

و المناقشة في جريانه في المعاطاة في هذه الصورة «بأنّ الإقباض الموجب لحصول الملك حرام، لكونه تصرفا في مال الغير، فلا يترتب عليه الأثر و هو النقل و الانتقال» في غير محلها، لما في المتن من الوجوه الدافعة لها، و قد أوضحناها في التوضيح.

ص: 648

و يؤيّده (1) رواية عروة البارقي «1»، حيث إنّ الظاهر (2) وقوع المعاملة بالمعاطاة.

و توهم الاشكال (3) فيه من حيث (4) «إنّ الإقباض الذي يحصل به التمليك

______________________________

(1) لم يجعل الرواية دليلا و جعلها مؤيّدة، لأنّ ظهور وقوع المعاملة بالمعاطاة ناش عن الغلبة و السيرة الجارية بين الناس خصوصا في المحقّرات، و ليس من الظهور اللفظي الذي هو حجّة عند أبناء المحاورة و متّبع شرعا، لعدم الردع عنه.

(2) قد عرفت أنّ منشأ هذا الظهور هو الغلبة. و إنكار هذا الظهور خلاف الانصاف.

(3) هذا إشكال على عدم الفرق بين أقسام البيع الفضولي- في وقوعه بالصيغة أو بالمعاطاة- بأنّ عدم الفرق في غير محله. و محصل الاشكال: أنّ الإعطاء الذي يحصل به التمليك حرام، لكونه تصرفا في مال الغير بدون إذنه، فلا يترتب عليه الأثر و هو النقل و الانتقال، فلا يقع البيع الفضولي في المعاطاة.

(4) هذا بيان لوجه الاشكال و حيثيته.

______________________________

و إن كان الوجه الأخير منها و هو قوله: «مع أنّه لو دلّ لدل على عدم ترتب الأثر المقصود .. إلخ» غير ظاهر.

إذ فيه: أنّ النهي الدال على فساد متعلقة لا يرفع إلّا الأثر الذي كان ثابتا له لو لا النهي.

و من المعلوم أنّ الأثر المترتب على الإقباض لو لا النهي عنه هو كونه جزء السبب المؤثّر في الملكية أو الإباحة المركّب منه و من رضا المالك، و لم يكن للإقباض قبل تعلق النهي به أثر آخر حتى يقال ببقائه و عدم منافاته للنهي.

و بالجملة: فقوله قدّس سرّه: «و هو استقلال الإقباض في السببية .. إلخ» لم يظهر له معنى،

______________________________

(1) تقدّم مصدرها في ص 381، فراجع.

ص: 649

محرّم، لكونه (1) تصرفا في مال الغير، فلا يترتب عليه أثر» في غير محله (2)، إذ (3) قد لا يحتاج إلى إقباض مال الغير، كما لو اشترى الفضولي لغيره في الذمة.

______________________________

(1) تعليل لحرمته، إذ «لا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه» و مع حرمته لا يصلح شرعا لأن يتسبب به إلى النقل و الانتقال.

(2) خبر «و توهم» و دفع له، و قد دفعه بوجوه أربعة سيأتي بيانها.

(3) هذا أوّل الوجوه الدافعة للإشكال، و مرجع هذا الوجه إلى الأخصية من المدّعى، و محصله: أنّه قد لا تحتاج المعاطاة إلى إقباض مال الغير حتى يقال بحرمته المانعة عن التأثير في الملكية، بناء على كفاية العطاء من طرف واحد في تحقق المعاطاة.

كما إذا اشترى الفضولي متاعا بثمن- كدينار- في ذمته لزيد مثلا، فإنّه لا يحتاج الفضولي في هذا الشراء إلى إقباض مال زيد حتى يقال: إنّه تصرف محرّم في مال الغير، فلا يؤثّر في الملكية. هذا ما قيل.

______________________________

إذ لم يكن الاستقلال ثابتا له قبل النهي حتى يقال بارتفاعه، و عدم منافاة النهي لبقاء جزئية الإقباض للسبب المؤثّر في الملكية أو الإباحة.

و الحاصل: أنّه لم يكن للإقباض أثر قبل النهي إلّا كونه جزء السبب للملكية أو الإباحة، و هو قد ارتفع، و لم يكن الثابت للإقباض قبل النهي الاستقلال في السببية حتى يقال: إنّ ارتفاعه بالنهي لا ينافي الجزئية.

مضافا إلى: أنّه لو كان الثابت للإقباض قبل النهي هو الاستقلال فأيّ دليل أثبت الجزئية بعد ارتفاع الاستقلال. فالوجه الرابع من الوجوه الدافعة للإشكال المذكورة في المتن مما لم يظهر له وجه وجيه.

و أمّا الجهة الثانية- و هي ترتب الملكية على المعاطاة بقاء لا حدوثا- فحاصل الكلام فيها: أنّه إن كان حصول الملك بالتصرف أو التلف لأجل اشتراط الملكية

ص: 650

مع (1) أنّه قد يقع الإقباض مقرونا برضا المالك بناء على ظاهر كلامهم من: أنّ العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي.

______________________________

لكن الظاهر أنّ المراد بقوله: «في الذمة» ذمة من اشترى له الفضولي في مقابل ماله الخارجي الذي يعطيه الفضولي إلى بائع المتاع. ففي هذه الصورة لا إقباض لمال الغير حتى يكون حراما غير قابل للتأثير في الملكية.

ثم إنّ هذا الوجه من الجواب و الوجه الآتي ذكرهما صاحب المقابس في «إن قلت» فلاحظ قوله: «و ربما يثق برضا المالك بذلك- أي بالقبض من الفضولي- فيكون إقباضه سائغا. و قد يكون أحد الطرفين مالكا فيجوز له إقباض ماله للفضولي و قابضا للعوض الآخر بإذن المالك، أو حقّا ثابتا في ذمته قبل المعاطاة، فيستغني عن إقباض الفضولي ..» «1» ثم أجاب عن هذين الوجهين في «قلت» فراجع.

(1) هذا ثاني الوجوه الدافعة للإشكال، و محصله: أنّه يمكن عدم حرمة الإقباض، كما إذا كان مقرونا بالرضا من المالك- بناء على عدم خروج المعاملة

______________________________

المعاطاتية شرعا بأحد هذين الأمرين، بمعنى كون المعاطاة مقتضية للملك بشرط التصرف أو التلف، كاشتراط تأثير بعض العقود بالقبض كالصرف و السلم و الهبة، فإنّها مقتضية للملكية بشرط القبض، جرت الفضولية في المعاطاة كجريانها في العقود المشروطة بالقبض كالصرف و نحوه، حيث إنّ الإجازة تتعلّق بما له اقتضاء التأثير في الملكية. و المعاطاة أيضا تقتضي الملكية مع حصول شرطها و هو التصرف أو التلف.

و إن كان حصول الملكية بنفس التصرف أو التلف- من دون اقتضاء المعاطاة للملكية- لا تجري فيه الفضولية، إذ ليس هنا سبب و مقتض يؤثّر في الملكية حتى تنفّذه

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41.

ص: 651

مع (1) أنّ النهي لا يدلّ على الفساد.

______________________________

المقرونة بالعلم برضا المالك عن معاملة الفضولي، فلا يكون الإقباض حينئذ حراما حتى لا يؤثّر في النقل و الانتقال.

و مرجع هذا الوجه الثاني إلى الأخصية أيضا، إذ المدّعى هو حرمة الإقباض في جميع الموارد، و المفروض أنّه ليس كذلك، لعدم حرمته مع فرض رضا المالك في بعض الموارد. هذا.

و أمّا تخيل الإذن من المالك في التصرف أو تخيل أنّه ماله- كما في حاشية السيد قدّس سرّه «1»- فليس من موارد عدم حرمة الإقباض حتى لا يكون فاسدا، بل من موارد عدم تنجز الحرمة، و هو لا يرفع الفساد المترتب على الحرمة الواقعية.

(1) هذا ثالث الوجه الدافعة للإشكال، و حاصله: أنّه لو سلّمنا دلالة النهي عن الإقباض على الحرمة، لكن لا نسلّم دلالته على فساد البيع، إذ لم يتعلق النهي بالإقباض من حيث إنّه بيع، بل تعلّق به من حيث كونه تصرفا في مال الغير.

______________________________

الإجازة.

و بعبارة أخرى: ليس في البين إنشاء و تسبيب قولي أو فعلي يتوقف تأثيره على الإجازة حتى يكون موردا للإجازة، إذ المفروض عدم اقتضاء المعاطاة للتأثير في الملكية، و كون الملكية مترتبة على نفس التصرف و التلف اللّذين هما فعلان خارجيان لم ينشئ المالك ملكية المال بهما، بل حكم شرعا بملكيته بنفس التصرف أو التلف.

و أمّا المقام الثاني- و هو كون المعاطاة مفيدة للإباحة- فالظاهر عدم جريان الفضولية فيها مطلقا سواء أ كانت الإباحة شرعية أم مالكية، إذ لا يتصوّر شي ء منهما قبل

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 147.

ص: 652

مع (1) أنّه لو دلّ لدلّ على عدم ترتب الأثر المقصود، و هو استقلال

______________________________

(1) أي: مع أنّ النهي، و هذا رابع الوجوه الدافعة للإشكال، و محصله: أنّه بعد تسليم تعلق النهي بالإقباض من حيث كونه بيعا حتى يدل على الفساد- لا من حيث إنه تصرف في مال الغير- نقول: إنّه يراد من الفساد عدم ترتب الأثر المقصود من الإقباض و هو النقل و الانتقال الخارجي، بأن يكون الإقباض سببا مستقلّا لحصول ذلك الأثر في الخارج. فالمراد بالفساد عدم استقلال الإقباض في التأثير، و أنّه جزء السبب لتحقق الأثر في الخارج، و جزؤه الآخر هو الرضا و الإجازة.

______________________________

الإجازة حتى يصح النزاع في ناقلية الإجازة و كاشفيتها.

توضيحه: أنّ الإباحة الشرعية مترتبة على المعاطاة مع تراضي المالكين، فقبل التراضي لا يتمّ موضوع الإباحة الشرعية، فإذا تراضيا حدثت الإباحة، و لم يكن قبل التراضي إباحة، بل بنفس الإجازة حصلت الإباحة، لا أنّها كانت موجودة و الإجازة كشفت عنها.

و كذا الإباحة المالكية، فإنّها منوطة بالتراضي و التسليط الخارجي المالكي، و ليست هذه الإباحة ناشئة عن إنشاء الفضولي، بل موضوعها هو التسليط الخارجي المالكي عن الرضا.

إلّا أن يقال: إنّ التسليط قابل للنيابة و التصدي عن الغير، فإذا رضي المالك بإعطاء الفضولي و تسليطه كان ذلك إجازة موجبة لصحة معاطاة الفضولي.

إلّا أن يدفع ذلك بأنّ رضاه بالإعطاء ليس هو إمضاء لمعاطاة الفضولي و إجازة لها حتى يكون ذلك إجازة لعقد الفضولي، بل هو رضا بتصرف قابض المال في ماله.

و لو لم يكن أخذه للمال بعنوان المعاطاة بل بأيّ عنوان وصل إليه و لو غصبا، و ليس لعقد الفضولي المعاطاتي دخل في إباحة التصرف.

ص: 653

الإقباض في السببية، فلا ينافي كونه (1) جزء السبب.

و ربّما يستدلّ على ذلك (2)

______________________________

(1) يعني: فلا ينافي نفي استقلال الإقباض في السببية كون الإقباض جزء السبب المؤثر في النقل و الانتقال كما مرّ آنفا.

(2) أي: على بطلان الفضولي في المعاطاة، و المستدل هو المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه.

و قد استدل على مدّعاه بوجوه، منها الأصل، و منها: عدم اندراج المعاطاة المفيدة للإباحة في الأدلة المتكفلة لأحكام البيع، لعدم كونها بيعا عند المشهور.

و منها: الوجهان المذكوران في المتن، قال قدّس سرّه: «و يدلّ على ذلك أي- فساد

______________________________

فالمتحصل: أنّ المعاطاة بناء على إفادتها للإباحة لا تقبل الفضولية، لعدم تطرق الإجازة القابلة لنزاع الكشف و النقل فيها في المعاطاة المفيدة للإباحة.

نعم لا بأس بالإجازة الناقلة.

فتلخص ممّا ذكرناه و ما لم نذكره أمور:

الأوّل: جريان الفضولية في المعاطاة إذا كانت بيعا، سواء ترتبت الملكية عليها بنفسها أو بشرط التصرف أو التلف.

الثاني: عدم جريان الفضولية في المعاطاة إذا ترتبت الملكية على نفس التصرف أو التلف مع الغض عن المعاطاة.

الثالث: عدم جريان الفضولية في المعاطاة المترتبة عليها الإباحة شرعا مع قصد المتعاطيين التمليك، لكون الإباحة خلاف قاعدة تبعية العقود للقصود، فيقتصر على معاطاة خصوص المالكين.

الرابع: جريان الفضولية في المعاطاة المقصود بها الإباحة مع كون الإجازة ناقلة.

ص: 654

بأنّ (1) المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك، و هما من وظائف المالك، و لا يتصور صدورهما من غيره (2)، و لذا (3) ذكر الشهيد الثاني

______________________________

المعاطاة الفضولية- أيضا: أن المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك للمعيّن أو المقدّر في الذمة- بناء على جوازه- و هما من وظائف المالك، و لا يتصور صدورهما من غيره. و مشروطة أيضا بتحقق الإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا للأمرين ..» «1».

توضيح الوجه الأوّل: أنّ ما يعتبر في المعاطاة من التراضي و قصد الإباحة و التمليك متقوّم بالمالك، و لا عبرة بهما إذا صدرا عن غير المالك كالفضولي. و عليه فلا تجري الفضولية في المعاطاة.

و توضيح الوجه الثاني: إنّ المعاطاة مشروطة بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما، مع كونهما مقارنين للإباحة أو التمليك. و لا يؤثّر القبض و الإقباض إلّا إذا صدرا من المالك الأصيل أو باذنه، و من المعلوم أنّ الفضولي ليس بمالك و لا مأذون منه، فلا أثر للقبض و الإقباض الصادرين من الفضولي. هذا.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل الذي تقدم تقريبه بقولنا: «ان ما يعتبر في المعاطاة من ..» إلخ.

(2) أي: غير المالك. و ضميرا «هما، صدورهما» راجعان إلى التراضي و قصد الإباحة أو التمليك.

(3) أي: و لأجل كون التراضي و قصد الإباحة أو التمليك من وظائف المالك- و أنّه لا يتصور صدورهما من غير المالك و هو العاقد الفضولي- ذكر الشهيد الثاني .. إلخ.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41.

ص: 655

«أنّ المكره و الفضولي قاصدان للّفظ دون المدلول» و ذكر (1) أنّ قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك. و مشروطة (2) [1] أيضا (3) بالقبض و الإقباض من

______________________________

(1) أي: و ذكر الشهيد الثاني قدّس سرّه في عقد الفضولي: «و لا يتحقق منه قصد مدلوله- أعني نقل الملك- لأنّ ذلك من وظائف المالك» «1».

و لا يخفى أنّ الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني و إن كان مذكورا في المقابس، لكنّه ليس في تقرير الوجهين المتقدمين، بل في جواب إشكال أورده على نفسه، فراجع.

(2) بالرفع معطوف على قوله: «منوطة» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي الاستدلال. و قد تقدم بقولنا «ان المعاطاة مشروطة بالقبض و الإقباض .. إلخ».

(3) يعني: كما أنّ المعاطاة مشروطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك، كذلك

______________________________

[1] لا يخفى أنّه جعل بعض كلام صاحب المقابس دليلين على بطلان الفضولي في المعاطاة كما قرّرناه في التوضيح.

و لكن الظاهر خلافه، و أنّه دليل واحد، إذ المستفاد من مجموع ما حكاه عنه المصنف: أنّ المعاطاة هي التراضي و قصد الإباحة و التمليك، و القبض المقرون بالرضا، و من المعلوم أنّه لا يتأتّى إلّا من المالك، فإن قوله: «منوطة .. و مشروطة» مبيّن للمعاطاة، فليست المعاطاة عند صاحب المقابس مجرّد التراضي.

فجوابه حينئذ منحصر في منع اعتبار مقارنة القبض و الإقباض للرضا، بل اعتبار الرضا في المعاطاة كاعتباره في البيع القولي، و من المعلوم عدم اعتبار مقارنة البيع القولي لرضا المالك. فجريان الفضولية في المعاطاة مما لا محذور فيه.

ثم لا يخفى أن الوجهين المزبورين دليلان على بطلان الفضولي مطلقا و في جميع الموارد. فلعلّ ذكرهما هنا غير مناسب، لأنّهما أجنبيان عن مورد البحث، إذ مفروض كلامنا هو جريان الفضولي و عدمه في المعاطاة بعد الفراغ عن جريانه في غير المعاطاة.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 156.

ص: 656

الطرفين أو من أحدهما مقارنا (1) للأمرين، و لا أثر لهما (2) إلّا إذا صدرا من المالك أو بإذنه.

و فيه (3): أنّ [1] اعتبار الإقباض و القبض في المعاطاة عند من اعتبره

______________________________

مشروطة بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما، مع كونهما مقارنين للتراضي و قصد الإباحة أو التمليك.

(1) حال للقبض و الإقباض، أي: حال كونهما مقارنين للتراضي و قصد الإباحة أو التمليك. و الظاهر أنّ الأولى أن يقال: «مقارنين» بصيغة المثنى.

و الحاصل: أنّ مقارنة القبض و الإقباض للتراضي و للتمليك أو الإباحة معتبرة، و هذه المقارنة في المعاطاة الفضولية مفقودة، فلا تجري الفضولية في المعاطاة.

(2) أي: للقبض و الإقباض.

(3) محصله منع الصغرى، و هي: كون حقيقة المعاطاة مجرّد تراضي المالكين و قصد التمليك أو الإباحة، و ذلك لأنّ القبض و الإقباض آلة للإنشاء كالصيغة التي

______________________________

[1] لا يخفى متانة هذا الاستدلال بناء على كون حقيقة المعاطاة مجرّد التراضي من دون اعتبار الإقباض و القبض في تحققها، ضرورة أنّ التراضي من وظائف المالك.

و قد اعترف به المصنف قدّس سرّه أيضا بقوله الآتي: «نعم لو قلنا ان المعاطاة لا يعتبر فيها قبض و لو اتفق معها .. إلخ» إلّا أنّه رحمه اللّه منع كون المناط مجرّد التراضي، و التزم بأنّ المناط في المعاطاة هو الإقباض و القبض اللّذان ينشأ بهما التمليك أو الإباحة.

و عليه فالمعاطاة سبب فعليّ لإنشاء أحدهما كسببية الصيغة للإنشاء في البيع القولي. و وزان اعتبار الرضا في البيع القولي و المعاطاتي وزان واحد، لوحدة الدليل فيهما. فكما يصح البيع القولي بوقوع الصيغة من غير المالك مع حصول الرضا من المالك و إن لم يكن مقارنا له، فكذلك يصح البيع الفعلي من غير المالك مع

ص: 657

فيها (1) إنّما هو لحصول إنشاء التمليك أو الإباحة،

______________________________

هي سبب قولي للتمليك. و ليس الإقباض و القبض كاشفين عن التراضي، بل هما سبب فعلي للتمليك أو الإباحة. و التراضي المعتبر في المعاطاة يكون على حدّ اعتباره في البيع القولي كما سيأتي.

(1) أي: في المعاطاة، و ضمير «اعتبره» راجع الى الإقباض و القبض، فالأولى تثنيته. و غرض المصنف من هذه الجملة أن اعتبار التعاطي من الطرفين أو الإعطاء من طرف واحد ليس معتبرا عند كلّ من يقول بإفادة المعاطاة للملك أو الإباحة، لكفاية وصول العوضين إلى الطرفين عند بعض، كما تقدم تفصيله في ثاني تنبيهات المعاطاة، فراجع «1».

______________________________

وقوع الرضا من المالك و إن لم يكن مقارنا للإقباض و القبض. فلا تكون المعاطاة مختصة بالمالك حتى لا تقع من غيره.

فتحصل ممّا تقدم أمور:

الأوّل: أنّ ما أفاده صاحب المقابس وجه واحد لعدم جريان الفضولية في المعاطاة، لا وجهان كما زعمه غير واحد.

الثاني: أنّ المعاطاة سبب فعليّ للتمليك أو الإباحة. و الظاهر أنّ صاحب المقابس أيضا ملتزم بذلك، غاية الأمر أنّه يعتبر مقارنة الرضا للإقباض و القبض.

الثالث: أنّه لا إشكال في عدم اعتبار المقارنة للرضا التي اعتبرها صاحب المقابس، لعدم الدليل على اعتبارها كذلك. و لو دلّ دليل على اعتبار المقارنة لكان دالّا على اعتبارها في البيع القولي أيضا.

الرابع: جريان الفضولية في البيع المعاطاتي كجريانها في البيع القولي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 54.

ص: 658

فهو (1) عندهم من الأسباب الفعلية كما صرّح الشهيد قدّس سرّه في قواعده «1». و المعاطاة عندهم عقد فعليّ، و لذا (2) ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها «أنّ البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي» «2» و حينئذ (3) فلا مانع من أن يقصد الفضولي بإقباضه المعنى القائم بنفسه المقصود من قوله: «ملّكتك».

و اعتبار (4) مقارنة الرضا من المالك للإنشاء الفعلي دون القولي- مع اتحاد أدلة اعتبار الرضا و طيب النفس في حلّ مال الغير- لا يخلو (5) عن تحكّم

______________________________

(1) أي: فالإقباض و القبض، و الأولى هنا أيضا تثنية الضمير.

(2) أي: و لأجل أنّ المعاطاة عند الفقهاء عقد فعليّ يحصل به إنشاء الإباحة أو التمليك، ذكر بعض .. إلخ.

(3) أي: و حين القول بعدم دخل القبض و الإقباض في مفهوم المعاطاة خارجا حتى يقال بامتناع وقوعه من الفضولي- بل هما من أسباب إنشاء الإباحة أو التمليك- فلا مانع .. إلخ.

(4) هذا إشارة إلى دفع الوجه الثاني من وجهي استدلال صاحب المقابس قدّس سرّه و هو قوله: «و مشروطة أيضا بالقبض و الإقباض .. إلخ».

و حاصل الدفع: أنّ اعتبار مقارنة رضا المالك للإنشاء الفعلي دون القولي- مع وحدة أدلة اعتبار الرضا و طيب النفس فيهما- تحكّم، و خال عن الدليل، بل كلاهما بالنسبة إلى اعتبار مقارنة الرضا على نسق واحد.

(5) خبر «و اعتبار مقارنة» و ملخص كلام صاحب المقابس هو: أنه استدلّ أوّلا على عدم جريان الفضولية في المعاطاة بأنّ حقيقة المعاطاة هي التراضي من

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 50، القاعدة: 17 و ص 178، القاعدة: 47، و تقدّم نصّ كلامه في الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 344.

(2) راجع الفتاوى الهندية، ج 3، ص 2.

ص: 659

و ما ذكره [من] الشهيد الثاني (1) لا يجدي فيما نحن فيه (2)، لأنّا (3) لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد (4) من القصد الموجود في قوله، لعدم (5) الدليل.

و لو ثبت (6) لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي أيضا.

______________________________

المالكين، و قصد الإباحة أو التمليك من دون اعتبار قبض و إقباض فيها أصلا. و من المعلوم أنّهما من وظائف المالك، و لا يعقل صدورهما من الفضولي.

و ثانيا: بعد تسليم مدخلية الإقباض و القبض في المعاطاة، و كونها مشروطة بهما- بأنّا لا نسلّم اعتبارهما فيها على الإطلاق، بل نقول بدخلهما في المعاطاة بشرط المقارنة للتراضي و قصد التمليك أو الإباحة، فلا أثر للإقباض و القبض إلّا مع صدورهما من المالكين أو بإذنهما.

(1) من قوله: «ان المكره و الفضولي قاصدان للفظ دون المدلول».

(2) و هو وقوع الفضولي في المعاطاة.

(3) محصل هذا التعليل لعدم إجداء ما ذكره الشهيد قدّس سرّه فيما نحن فيه هو: أنّ ما ذكره أمر زائد على مجرّد القصد إلى مدلول اللفظ، و ذلك الأمر الزائد هو الرضا، فإنّه يعتبر الاقتران بالرضا في كلا المقامين، و نحن لا نعتبر الاقتران به في البيع اللفظي، فكيف نعتبره في البيع الفعلي؟ فمراد الشهيد هو نفي الرضا المقارن، لا نفي قصد المدلول، ضرورة أنّ المكره قاصد للمدلول و فاقد للرضا، و ليس فاقدا لقصد المدلول لغفلة أو ذهول. فمراده نفي مقارنة الرضا، و هذا مما لا دليل عليه. فلو دلّ دليل على اعتبار مقارنة الرضا في البيع القولي لثبت في البيع المعاطاتي أيضا، لوحدة الدليل.

(4) و المراد بالأزيد هو مقارنة الرضا، و ضمير: «قوله» راجع الى الفضولي.

(5) هذا تعليل لعدم اعتبار اقتران العقد بالرضا.

(6) يعني: و لو ثبت دليل على اعتبار الاقتران بالرّضا في العقد الفعلي لثبت منه اعتباره في العقد القولي أيضا من دون فرق بينهما، لصدق البيع عليهما بوزان واحد.

ص: 660

إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الدليل (1) ذلك (2) خرج عنه (3) بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول.

لكنك قد عرفت (4) أنّ عقد الفضولي ليس على خلاف القاعدة (5).

نعم (6) لو قلنا [1]: إنّ المعاطاة لا يعتبر فيها قبض و لو اتّفق معها،

______________________________

(1) و هو وجود شي ء زائد على قصد المدلول أعني به الاقتران بالرضا.

(2) أي: ثبوته في العقد القولي أيضا، إلّا أنّه خرج عن مقتضى ذلك الدليل.

(3) أي: خرج عن مقتضى ذلك الدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول بدليل خاص.

(4) يعني: في أوّل بحث بيع الفضولي، حيث قال: «لعموم أدلة البيع و العقود، لأنّ خلوّه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه .. إلخ» فراجع (ص 376 و 377).

(5) فإذا كان على طبق القاعدة، فكما يجري في العقد القولي فكذلك يجري في العقد المعاطاتي. فإذا دلّ دليل على اعتبار مقارنة رضا المالك في عقد الفضولي القولي- زائدا على القصد المعتبر فيه- كان دالّا على اعتبارها في عقد الفضولي الفعلي أيضا.

(6) بعد أن أثبت كون عقد الفضولي على طبق القاعدة- و جريانه في البيع المعاطاتي على حدّ جريانه في البيع القولي- استدرك عليه و اعترف بعدم جريانه في

______________________________

[1] هذا الاحتمال مبني على عدم توقف الملكية المعاملية على الإنشاء، و كفاية الرضا الباطني في تحققها، و ذلك أجنبي عن المعاطاة التي هي بيع إنشائي عرفي مفيد للملك كالبيع القولي. و هذا الاحتمال لا يظهر من عبارة صاحب المقابس.

بل مقتضى قوله: «و مشروطة» خلاف ذلك، و أنّ القبض و الإقباض دخيل- و لو شرطا- في المعاطاة.

ص: 661

بل السبب المستقلّ هو تراضي المالكين بملكية كلّ منهما لمال صاحبه مطلقا (1) أو مع وصولهما أو وصول أحدهما، لم يعقل (2) وقوعها من الفضولي.

نعم [1] الواقع منه إيصال المال، و المفروض أنّه لا مدخل له (3) في المعاملة. فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحقّقت المعاطاة من حين

______________________________

المعاطاة، بناء على ما أفاده المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه من كون المعاطاة نفس التراضي و قصد الإباحة أو التمليك مع وصول المالين أو أحدهما، ضرورة أنّه لا يعقل حينئذ وقوع المعاطاة من الفضولي، حيث إنّه لا يتحقق منه إلّا الإعطاء الذي هو بنفسه لا يكون معاطاة، إذ المفروض أنّ المعاطاة إمّا هي نفس تراضي المالكين مطلقا، أو مع وصول المالين أو أحدهما.

(1) يعني: سواء وصل كلّ من المالين- أو أحدهما- إلى الآخر، أم لا.

(2) جواب الشرط في قوله: «لو قلنا».

(3) أي: لا مدخل في سببيّته للنقل، بل هو كاشف عما هو السبب أعني به الرضا النفساني.

______________________________

و الظاهر أنّ وجه بطلان الفضولي في المعاطاة بنظره قدّس سرّه هو اعتبار مقارنة رضا المالك للقبض و الإقباض. فلو فرض علم الفضولي برضا المالك حين القبض و الإقباض كانت المعاطاة الفضولية صحيحة.

[1] الظاهر أنّ الأولى تبديل «نعم» ب «إذ» أو «لأنّ» حيث إنّ سوق البيان يقتضي أن يبيّن وجه عدم معقولية وقوع المعاطاة من الفضولي بناء على ما استدركه بقوله: «نعم لو قلنا ان المعاطاة» من كون المعاطاة تراضي المالكين بملكية كل منهما. فحينئذ يصير وجه عدم المعقولية أنّ غاية ما يقع من الفضولي هي إيصال المال. و المفروض أنّه ليس معاطاة حتى يكون معاطاة فضولية، إذ المفروض أنّ المعاطاة فعل نفساني و هو الرضا،

ص: 662

الرضا (1)، و لم يكن إجازة لمعاطاة سابقه.

لكن (2) الإنصاف أنّ هذا المعنى غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة، و إنّما قصدهم إلى العقد الفعلي. هذا (3) كلّه على القول بالملك.

و أمّا على القول بالإباحة فيمكن القول ببطلان الفضولي، لأنّ إفادة المعاملة المقصود بها الملك الإباحة (4) خلاف القاعدة (5)،

______________________________

(1) إذ المفروض أنّ الرضا هي المعاطاة، و لم تتحقق المعاطاة سابقا حتى يكون الرضا إجازة لها.

(2) استدراك على قوله: «نعم لو قلنا ان المعاطاة لا يعتبر فيها قبض» غرضه:

أنّ ما قاله صاحب المقابس من أنّ المعاطاة «نفس تراضي المالكين من دون اعتبار قبض فيها» غير مقصود للعلماء في باب المعاطاة، بل مقصودهم هو العقد الفعلي بمعنى كون الفعل- و هو الإقباض- سببا لإنشاء النقل و الانتقال، كسببية الصيغة له، فالإعطاء عندهم سبب للنقل و الانتقال، لا آلة لإيصال المال إلى الطرف الآخر.

(3) أي: ما تقدم من جريان الفضولي في المعاطاة و عدمه كان مبنيّا على إفادة المعاطاة للملك لا الإباحة. و أمّا على القول بالإباحة فسيأتي حكمه.

(4) مفعول لقوله: «إفادة».

(5) لأنّ قاعدة تبعية العقود للقصود تقتضي حصول الملكية دون الإباحة، فإنّها خلاف القاعدة، لأنّ ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، فيقتصر على المتيقن من مورد الإجماع و هو معاطاة الأصليين.

______________________________

و ليس فعلا خارجيا جارحيا، فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال حدثت المعاطاة من حين الرضا. و ليس هذا الرضا إجازة لمعاطاة سابقه، لمّا مر آنفا من أنّ فعل الفضولي- و هو إيصال المال- لم يكن معاطاة حتى يكون هذا الرضا إجازة و تنفيذا لها.

ص: 663

فيقتصر فيها على صورة تعاطي المالكين (1) [1].

______________________________

هذا أحد وجهي بطلان الفضولي في المعاطاة على القول بالإباحة. و محصله قصور المقتضي في مقام الإثبات، في قبال الوجه الآتي الذي هو محذور ثبوتي.

(1) دون تعاطي الفضوليين أو فضولي واحد.

______________________________

[1] لكن إذا كان الفضولي على طبق القاعدة كفى في جريانه في المعاملة المقصود بها الملك مع إفادتها الإباحة شرعا، فإنّ المالك يجيز ما أنشأه الفضولي من الملكية الذي هو موضوع حكم الشارع بالإباحة. فالعمدة في جريان الفضولي في المعاطاة المقصود بها الملك التي يترتب عليها الإباحة شرعا هي كون الفضولي على طبق القاعدة.

و الحاصل: أنّ وجه عدم جريان الفضولي عند المصنف قدّس سرّه هو عدم الدليل على جريانه. لكنه إذا كان نفس الفضولي على طبق القاعدة كفى في جريانه في المعاطاة المفيدة للإباحة.

هذا في المعاطاة المقصود بها الملك مع ترتب الإباحة الشرعية عليها و قد عرفت جريان الفضولي فيها إن كان هو على طبق القاعدة، فإنّ عموم دليل الفضولي يشمل كلّ مورد تصح فيه الوكالة إلّا ما خرج- كالطلاق- بالإجماع المدّعى على عدم جريان الفضولية فيه. فإنّ هذا العموم حاكم على السيرة التي يكون المتيقن من موردها خصوص تعاطي المالكين، فإنّ السيرة ليست نافية لجريان الفضولية في المعاطاة، بل غايتها عدم الدلالة على جريانها فيها، فلا تخصص عموم دليل جريان الفضولي بالمعاطاة.

________________________________________

و الحاصل: أنّ السيرة تشتمل على عقد إيجابي فقط، و هو صحة معاطاة مالكي العوضين بمباشرتهما، و لا تشتمل على عقد سلبي، و هو عدم صحة معاطاة الفضولي حتى تخصص أو تقيّد عموم أو إطلاق دليل صحة الفضولي.

و أمّا المعاطاة المقصود بها الإباحة فالظاهر عدم الإشكال في جريان الفضولية

ص: 664

مع (1) [1] أنّ حصول الإباحة قبل الإجازة غير ممكن [2].

______________________________

(1) هذا هو الوجه الآخر لبطلان الفضولي في المعاطاة على القول بالإباحة.

و مرجع هذا الوجه إلى لغويّة إنشاء الفضولي، و ذلك لأنّه على القول بالكشف لا تحصل الإباحة الفعلية قبل الإجازة حتى تكون الإجازة كاشفة عنها، و ذلك لإناطة الإباحة بطيب النفس في حديث الطيب، و بالإذن في التوقيع. و هما فعلان قائمان بالمالك، و لم يتحققا قبل الإجازة، فلا معنى لكشف الإجازة عن الإباحة الثابتة حين العقد.

و على القول بالنقل يكون الرضا المنكشف بالإجازة تمام المناط في حصول الإباحة، و لا دخل للإنشاء السابق الصادر من الفضولي أصلا، فيكون إنشاء الفضولي لغوا. و أمّا الآثار الأخر غير الإباحة التكليفية كجواز البيع فسيأتي تفصيلها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

فيها، حيث إنّ الإباحة فيها مالكية، و ليست مخالفة لقاعدة تبعية العقود للقصود، فلا مانع من نفوذ إجازة المالك لما أنشأه الفضولي بإعطائه مال الغير من الإباحة، فإنّ المالك مسلّط بشؤون السلطنة على ماله، و من تلك الشؤون تنفيذ هذا الفعل الذي صدر من الفضولي؟؟؟ في ماله.

[1] الظاهر عدم الفرق بين الملكية و الإباحة في هذه الجهة. فكما لا يمكن الحكم بالإباحة قبل الإجازة فكذا الملكية.

مضافا إلى: أنّ هذا الاشكال إنّما يرد على الكشف فقط، و لا يرد على النقل كما لا يخفى.

[2] مطلقا، لا الإباحة الشرعية و لا المالكية. أمّا الإباحة الشرعية فلكون موضوعها المعاطاة الواقعة برضا المالكين المستكشف بالإجازة التي لم تتحقق بعد

ص: 665

و الآثار الأخر- مثل بيع المال على القول بجواز مثل هذا التصرف (1)- إذا وقعت في غير زمان الإباحة الفعلية (2) لم تؤثّر (3) أثرا (4)،

______________________________

(1) يعني: إذا باع- من أخذ المال بالمعاطاة الفضولية بناء على الإباحة- لم يوجب دخول المال المباح في ملكه، كما كان هذا التصرف الناقل موجبا لتملّك المتعاطي الأصيل كما تقدم في ملزمات المعاطاة. هذا بناء على جواز التصرف المتوقف على الملك بناء على الإباحة.

و أمّا بناء على عدم جوازه- كما تقدم عن الشهيد في حواشي القواعد من منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة فيما يتوقف على الملك- لم يكن أصل هذا البيع جائزا حتى يترتب عليه التملّك.

و على كلّ حال لا يكون تصرف الآخذ- بالمعاطاة الفضولية- موضوعا لأثر قبل إجازة المالك. فموضوعية تصرفه للأثر مختص بالمعاطاة بين الأصيلين حتى يقال بجواز مطلق التصرف فيما أخذه، أو بخصوص ما لا يتوقف على الملك.

(2) المراد بها هي الإباحة الواقعة في زمان صدور الإجازة من المالك.

(3) خبر قوله: «و الآثار».

(4) لإناطة تأثيرها بالإباحة من المالك، و المفروض عدم حصول الإجازة بعد حتى تحرز الإباحة.

______________________________

و أمّا الإباحة المالكية فلعدم قصد المتعاطيين لها، إذ المفروض أنّهما قصدا التمليك لا الإباحة حتى تكون مالكية.

و الحاصل: أنّ المنفي قبل الإجازة هو مطلق الإباحة من الشرعية و المالكية، و بعد الإجازة تتحقق الإباحة الشرعية لا المالكية.

فالتفصيل بينهما بأنّ الإباحة المالكية منوطة بالإجازة دون الشرعية، بل هي

ص: 666

______________________________

غير متوقفة على الإجازة- كما في بعض الكلمات كتعليقتي المحققين الخراساني و الايرواني قدّس سرّهما «1»- غير ظاهر، لما مرّت الإشارة إليه من انتفاء قصد الإباحة المالكية عن المتعاطيين، فلا إباحة مالكية حينئذ، و لا إباحة شرعية أيضا، لانتفاء موضوعها قبل الإجازة، فإنّ موضوعها هي المعاطاة المتحققة خارجا المقصود بها الملك. و ما لم تتحقق الإجازة لا تستند و لا تضاف المعاطاة الفضولية إلى مالكي العوضين حتى يتحقق موضوع الإباحة الشرعية.

إلّا أن يقال: بعدم لزوم لغوية إنشاء الفضولي مطلقا، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة، لأن وزان الإباحة المترتبة على المعاطاة الفضولية وزان الملكية المترتبة على البيع القولي المعاطاتي، فإنّ كلّا من الإباحة و الملكية مترتبة على ما أنشأه الفضولي مع رضا المالك و طيب نفسه.

و الاشكال الوارد على كاشفية الإجازة من الشرط المتأخر لا يختص بالمعاطاة المفيدة للإباحة، بل يعمّ المعاطاة المفيدة للملكية أيضا، فإنّ إجازة مالكي العوضين للمعاطاة الفضولية تنفيذ لما أنشأه الفضولي الذي هو موضوع حكم الشارع بالإباحة.

فهذه الإجازة كإجازة البيع القولي المعاطاتي، فكما أنّها تنفيذ لإنشاء البيع الفضولي، فكذلك الإجازة هنا تنفيذ لإنشاء معاطاة الفضولي، فإنّ قول المالكين: «أجرت و أنفذت و رضيت» و نظائرها ليس إحداثا لمعاطاة، لعدم صدور إعطاء منهما، المفروض كونه إنشاء للمعاطاة، بل مفادها هو الرضا بما تحقّق سابقا من إنشاء الفضولي المعاطاة.

و من المعلوم أنّ التعاطي مع رضا المالكين موضوع لحكم الشارع بالحكم الوضعي

______________________________

(1) حاشية المكاسب، للمحقق الخراساني، ص 58، حاشية المكاسب، للمحقق الايرواني، ج 1، ص 125.

ص: 667

______________________________

كالملكية أو التكليفي كالإباحة كسائر الموضوعات المتعلقة للأحكام التكليفية كالصلاة و الصوم و نظائرهما. أو الوضعية كالملكية و الزوجية و نحوهما المترتبة على العقود و الإيقاعات. فالعقود كالعبادات موضوعات لأحكام الشارع. و بمجرّد تحققها بجميع ما يعتبر فيها شطرا و شرطا تترتب عليها أحكامها. فإذا تحقق إنشاء عقد أو إيقاع كذلك يترتب عليه حكمه من أيّ شخص صدر.

و عليه فمعاطاة الفضولي مع إجازة المالك موضوع يترتب عليه حكمه من الملكية أو الإباحة. و تقييدها بمباشرة المالك قيد زائد ينفى بإطلاق دليل المعاطاة إن كان له إطلاق، و إلّا فبعموم أو إطلاق ما دلّ على صحة الفضولي.

و الحاصل: أنّ إيجاد كل موضوع لم يشترط فيه المباشرة يوجب ترتب حكمه عليه، فالإنشاءات العقدية و الإيقاعية إلّا ما خرج يترتب عليها أحكامها. و يستفاد من تعليل نكاح العبد بدون إذن سيده «بأنه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيده» أنّ كلّ عقد لم يكن على خلاف الموازين الشرعية و ضوابطها و كان مخالفا لحقّ آدمي و لكن أمضاه صحّ ذلك العقد و ترتّب عليه أثره. و المعاطاة الفضولية من جملة تلك الإنشاءات، فإذا أجازها المالكان صحّت و ترتب عليها أثرها.

فتلخص ممّا ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ كل موضوع وجد في الخارج يترتب عليه الحكم إن لم يعتبر فيه مباشرة شخص خاص.

الثاني: أنّ كل أمر إنشائي من بيع و غيره من العقود قابل للصدور من غير مالك الأمر، و صحيح بإجازته.

الثالث: أنّ الإجازة تنفيذ لما أنشأه الفضولي، و ليست عقدا جديدا.

فالنتيجة: صحة جريان الفضولي في جميع أنحاء المعاطاة.

ص: 668

فإذا أجاز حدث الإباحة [1] من حين الإجازة.

اللّهم (1) إلا أن يقال: بكفاية وقوعها (2) مع الإباحة الواقعية إذا كشف عنها الإجازة، فافهم (3).

______________________________

(1) استدراك على قوله: «و الآثار الأخر .. إلى قوله: لم تؤثر أثرا» و محصّل الاستدراك: أنّه بناء على وقوع تلك الآثار مع الإباحة الواقعية المستكشفة في زمن الإجازة تؤثّر تلك الآثار- كالبيع و الصلح و الهبة- أثرها.

(2) أي: وقوع الآثار.

(3) لعله إشارة إلى ضعف التفصيل بين الإباحة المالكية و الشرعية، من إمكان الإباحة الشرعية دون المالكية الناشئة من رضا المالك المفروض عدم تحققه. و قد عرفت ضعف هذا التفصيل في التعليقة السابقة.

______________________________

[1] أي: الإباحة الشرعية بناء على ما مرّ آنفا في التعليقة السابقة، و من المعلوم أنّ الإباحة الناشئة من الإجازة غير الإباحة الثابتة حين العقد المستكشفة بالإجازة القابلة للبحث عن كونها كاشفة أو ناقلة، لأنّ الإجازة موجبة لحدوث الإباحة، لا كاشفة عن وجودها سابقا.

نعم بناء على النقل لا مانع من جريان الفضولية في المعاطاة المفيدة للإباحة، حيث إنّه بالإجازة تحدث الإباحة كترتّبها على معاطاة نفس المالكين.

ص: 669

صورة

ص: 670

صورة

ص: 671

صورة

ص: 672

صورة

ص: 673

صورة

ص: 674

صورة

ص: 675

صورة

ص: 676

صورة

ص: 677

صورة

ص: 678

صورة

ص: 679

صورة

ص: 680

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.